موسوعة التفسير

سورةُ الحِجْرِ
الآيات (16-25)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ

غريب الكلمات:

بُرُوجًا: أي: مَنازِلَ للشَّمسِ والقَمَر؛ مِن قَولِهم: بَرَجَ الشَّيءُ: إذا ظهَرَ وارتفَعَ، وسُمِّيت بذلك؛ لظُهورِها ووُضوحِها [132] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/30)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 114)، ((المفردات)) للراغب (ص: 115)، ((تفسير ابن عطية)) (3/354)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 189). .
رَجِيمٍ: أي: مَطرودٍ عن الخَيراتِ، والرَّجمُ: اللَّعنُ والطَّردُ والإبعادُ، وأصلُ الرَّجمِ: الرَّميُ بالحِجارةِ [133] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس(2/493)، ((البسيط)) للواحدي (12/565)،  ((المفردات))  للراغب (ص: 346). .
اسْتَرَقَ: أي: تسَمَّعَ مُستخفيًا، وأصلُ (سرق): يدُلُّ على أخذِ شَيءٍ في خَفاءٍ وسِترٍ [134] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/32)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/154)، ((المفردات)) للراغب (ص: 408)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 116). .
شِهَابٌ: أي: كَوكَبٌ مضيءٌ، أو: شُعلةٌ ساطِعةٌ مِن النَّارِ، والشِّهابُ كلُّ ذي نورٍ، وأصلُ (شهب): يدلُّ على بياضٍ مُختَلِطٍ بسَوادٍ [135] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 369)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/220)، ((المفردات)) للراغب (ص: 465)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 318)، ((تفسير القرطبي)) (13/157). .
رَوَاسِيَ: أي: جبالًا ثوابتَ،  وكلُّ شيءٍ ثَبَت فقد رسَا، وأصلُه: يدلُّ على ثباتٍ [136] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 242)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 239)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/394)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 178)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 250). .
مَوْزُونٍ: أي: مُقَدَّرٍ مَعلومٍ مِقدارُه، لا يُجاوِزُ ما قدَّره اللهُ عليه، والوَزْنُ: مَعرِفةُ قَدرِ الشَّيءِ، وأصل (وزن): يدُلُّ على تَعديلٍ واستِقامةٍ [137] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 236)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/107)، ((الغريبين)) للهروي (6/1996)، ((البسيط)) للواحدي (12/568)، ((المفردات)) للراغب (ص: 868). .
لَوَاقِحَ: أي: تُلَقِّحُ السَّحابَ بالماءِ، وأصلُ (لقح): يدلُّ على إحبالِ ذَكَرٍ لأُنثَى [138] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 236)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 402)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/261)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 189)، ((تفسير ابن عاشور)) (14/38). .

مشكل الإعراب:

قوله تعالى: وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ
 ومَنْ: في محلِّ نَصبٍ، عطفًا على مَعَايِشَ، أي: وجعَلْنا لكم فيها مَنْ لستُم له برازقينَ من العَبيدِ والدوابِّ المنتَفَعِ بها. ويجوزُ أن تكونَ في محل جرٍّ عطفًا على (كم) في لَكُمْ، مِن غيرِ إعادةِ الجارِّ على رأيِ الكوفيِّينَ والأخفشِ، أي: جعَلْنا لكم... ولِمَن لستُم. وقيل غيرُ ذلك [139] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/411)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/779)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (7/152). .

المعنى الإجمالي:

يُعَدِّدُ الله تعالى في هذه الآياتِ أدلَّةَ قُدرتِه سُبحانه، وأنَّه قد جعَلَ في السَّماءِ الدُّنيا مَنازِلَ للشمس والقمرِ، وزَيَّنَ هذه السَّماءَ بالنُّجومِ لِمَن ينظُرونَ إليها، ويتأمَّلونَ فيَعتَبِرونَ، وحَفِظَ السَّماءَ مِن كُلِّ شَيطانٍ مَطرودٍ مِن رَحمةِ الله أن يستمعَ إلى الملأِ الأعلى، إلَّا مَن اختلَسَ السَّمعَ فاختطف شَيئًا مِن كلامِ الملائكة مما سوَى الوحيِ، فلَحِقَه شِهابٌ مُضيءٌ ظاهرٌ يُحرِقُه أو يقتلُه، وبسَط الله تعالى هذه الأرضَ ووَسَّعَها، وجعل فيها جِبالًا تُثَبِّتُها، وأوْجَدْنا فِي الأرضِ مِنْ كُلِّ شيءٍ مُقَدَّرٍ بقَدْرٍ مَعْلومٍ، وجعَلَ للنَّاسِ في الأرضِ ما يَعيشونَ به؛ من المَطاعمِ والمَشارِبِ، ومِن أنواعِ المكاسِبِ، وجعَلَ لهم من الأولادِ والخدَمِ والدَّوابِّ ما يَنتَفِعونَ به، وليسوا لهم بِرازقين، وما مِن شَيءٍ إلَّا عندَ الله خزائِنُه ومفاتيحُه، وما يُنَزِّلُه اللهُ سُبحانَه إلَّا بمِقدارٍ محَدَّدٍ كما يشاءُ.
وأرسَلَ سُبحانَه الرِّياحَ لتُلَقِّحَ السَّحابَ، فأنزلَ مِن ذلك السَّحابِ المطَرَ لِشَرابِ النَّاسِ ومَواشيهم، وسقيِ أرضِهم، وليست خزائِنُه عندهم، وهو سُبحانَه يُحيي ويميتُ، وهو الوارِثُ للأرضِ ومَن عليها، وقد عَلِمَ تعالى مَن تقدَّم مِن الناسِ ومَن تأخَّر، وبأحوالِهم وأعمالِهم جميعًا، وهو وَحدَه سُبحانَه يَحشُرُ النَّاسَ للحِسابِ والجَزاءِ؛ إنَّه حكيمٌ في تَدبيرِه، عليمٌ لا يخفى عليه شَيءٌ.

تفسير الآيات:

وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا أجاب عن شُبهةِ مُنكِري النبُوَّةِ، وكان قد ثبَتَ أنَّ القَولَ بالنُبوَّةِ مُفَرَّعٌ على القَولِ بالتَّوحيدِ؛ أتبَعَه تعالى بدلائِلِ التَّوحيدِ [140] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/129). .
وأيضًا لَمَّا ذكَرَ تعالى أنَّ الكافرينَ لو رأَوا الآيةَ المَذكورةَ في السَّماءِ، لعانَدوا فيها؛ عَقَّبَ ذلك بهذه الآيةِ، فكأنَّه قال: وإنَّ في السَّماءِ لَعِبَرًا منصوبةً غيرَ هذه المذكورةِ، وكُفرُهم بها وإعراضُهم عنها إصرارٌ منهم وعُتُوٌّ [141] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/354). .
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا.
أي: ولقد خَلَقْنا في السَّماءِ الدُّنيا نُجومًا بمثابةِ مَنازِلَ للشَّمسِ والقَمَرِ في مَسيرِهما [142] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/30)، ((الوجيز)) للواحدي (ص:590)، ((تفسير الخازن)) (3/50)، ((تفسير أبي حيان)) (6/471)، ((تفسير ابن كثير)) (4/528)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/256). قال الخازن: (هي بروجُ الفَلَك الاثنا عشر بُرجًا، وهي: الحمَل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجَدْي، والدلو، والحوت. وهذه البروجُ مَقسومةٌ على ثمانيةٍ وعشرين منزِلًا، لكلِّ برجٍ منزلان وثلثُ منزل... وهذه البروج مقسومةٌ على ثلاثمئة وستين درجة، لكلِّ برج منها ثلاثونَ درجةً تقطَعُها الشَّمسُ في كلِّ سَنةٍ مرَّةً، وبها تتِمُّ دورةُ الفَلَك، ويقطَعُها القمرُ في ثمانيةٍ وعشرينَ يومًا). ((تفسير الخازن)) (3/50). ويُنظر: ((تفسير القرطبي)) (10/9). وقال ابن عاشور: (أُطلِق البرجُ على بقعةٍ معينةٍ مِن سمْتِ طائفةٍ مِن النجومِ غيرِ السيارةِ، وتسمَّى النجومَ الثوابتَ متجمع بعضُها بقربِ بعضٍ على أبعادٍ بينَها، لا تتغيرُ فيما يشاهدُ مِن الجوِّ، فتلك الطائفةُ تكونُ بشكلٍ واحدٍ يشابهُ نُقطًا لو خُطِّطتْ بينَها خطوطٌ لخرجَ منها شبهُ صورةِ حيوانٍ أو آلةٍ، سمُّوا باسمِها تلك النجومَ المشابهةَ لهيئتِها، وهي واقعةٌ في خطِّ سيرِ الشمسِ... تخيَّلوا أنَّها منازلُ للشمسِ؛ لأنَّهم وقَّتوا بجهتِها سمْتَ موقعِ الشمسِ مِن قبةِ الجوِّ نهارًا فيما يخيَّلُ للناظرِ أن الشمسَ تسيرُ في شبهِ قوسِ الدائرةِ، وجعلوها اثني عشرَ مكانًا بعددِ شهورِ السنةِ الشمسيةِ... فبما كان لها مِن النظامِ تسنَّى أن تُجعلَ علاماتٍ لمواقيتِ حلولِ الفصولِ الأربعةِ، وحلولِ الأشهرِ الاثني عشرَ، فهم ضبطوا لتلك العلاماتِ حدودًا وهميةً عيَّنوا مكانَها في الليلِ مِن جهةِ موقعِ الشمسِ في النهارِ... وللتمييزِ بينَ تلك الطوائفِ مِن النجومِ جعلوا لها أسماءَ الأشياءِ التي شبَّهوها بها وأضافوا البرجَ إليها). ((تفسير ابن عاشور)) (14/28، 29). .
كما قال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا [الفرقان: 61] .
وقال سُبحانه: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج: 1] .
وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ.
أي: وزيَّنَّا السَّماءَ الدُّنيا بالنُّجومِ لِمَن يُبصِرُها، ولِمَن ينظُرُ إليها فيتأمَّلُها ويعتبِرُ، ويستدِلُّ بها على قُدرةِ خالِقِها ووحدانيَّتِه سُبحانَه [143] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/30)، ((تفسير ابن كثير)) (4/528)، ((تفسير الشوكاني)) (3/151)، ((تفسير القاسمي)) (6/332)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/256). .
كما قال تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ [الصافات: 6] .
وقال سُبحانه: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [ق: 6] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ [الملك: 5] .
وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17).
أي: وحَرَسْنا [144] قال ابنُ عاشور: (المقصودُ مِن مَنْعِ الشَّياطينِ مِن ذلك منعُهم الاطِّلاعَ على ما أراد اللهُ عدَمَ اطِّلاعِهم عليه مِن أمرِ التَّكوينِ ونَحوِه ممَّا لو ألقَتْه الشَّياطينُ في عِلمِ أوليائِهم، لكان ذلك فَسادًا في الأرضِ، ورُبَّما استدرجَ اللهُ الشَّياطينَ وأولياءَهم فلم يمنَعِ الشَّياطينَ مِن استراقِ شَيءٍ قَليلٍ يُلقُونه إلى الكهَّانِ، فلمَّا أراد اللهُ عِصمةَ الوَحيِ منَعَهم من ذلك بتاتًا). ((تفسير ابن عاشور)) (14/31). السَّماءَ الدُّنيا مِن كُلِّ شَيطانٍ ذَميمٍ محقَّرٍ مَطرودٍ مِن رَحمةِ الله، لئلَّا يَسْتَمعوا إلى الملأِ الأعلَى [145] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/426)، ((تفسير ابن جرير)) (14/31)، ((تفسير ابن كثير)) (4/528). .
كما قال تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات: 6 - 10] .
وقال سُبحانه: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا [الجن: 8- 9] .
إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18).
أي: لكن [146] ممَّن ذهبَ إلى أنَّ الاستثناءَ هنا مُنقَطِعٌ بمعنى لكنْ: ابن جرير، والقرطبي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/31)، ((تفسير القرطبي)) (10/10). قال القرطبي: (وقيل: هو متَّصِلٌ، أي: إلَّا ممَّن استَرَق السمعَ، أي: حَفِظْنا السماءَ من الشياطينِ أن تسمعَ شيئًا من الوحيِ وغَيرِه، إلَّا من استرق السَّمعَ؛ فإنَّا لم نحفَظْها منه أن تسمعَ الخبَرَ من أخبار السَّماءِ سوى الوحي). ((تفسير القرطبي)) (10/10). قد يتقدَّم بعضُ مردتِهم فيختطفُ بخُفْيةٍ خطفةً يسيرةً ممَّا يسمعُه مِن الملائكةِ مِن الأخبارِ والحوادثِ مما سوَى الوحيِ، فيلحقُه شهابٌ مِن النَّارِ مضيءٌ ظاهرٌ، فيقتلُه أو يُخبلُه أو يُحرِقُه [147] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/31)، ((تفسير القرطبي)) (10/10، 11)، ((تفسير ابن كثير)) (4/528)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430). قال ابنُ الجوزي: (شِهَابٌ مُبِينٌ قال ابنُ قُتيبةَ: كوكبٌ مُضيءٌ. وقيل: مُبِينٌ بمعنى: ظاهِر يراه أهلُ الأرض. وإنما يَسترِقُ الشيطانُ ما يكونُ مِن أخبارِ الأرض، فأمَّا وحيُ الله عزَّ وجلَّ فقد صانه عنهم). ((تفسير ابن الجوزي)) (2/527). ممن اختار أنَّ مُبِينٌ بمعنى: ظاهر: الواحدي، والزمخشري، والبيضاوي، وأبو حيان، والشوكاني، والقاسمي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/41)، ((تفسير الزمخشري)) (2/574)، ((تفسير البيضاوي)) (3/208)، ((تفسير أبي حيان)) (6/472)، ((تفسير الشوكاني)) (3/151)، ((تفسير القاسمي)) (6/332)، ((تفسير ابن عاشور)) (14/31). وممن اختار أن مُبِينٌ بمعنى مضيء: مقاتلُ بنُ سليمانَ، وابنُ أبي زمنين، والرسعني، والعليمي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/426)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (2/382)، ((تفسير الرسعني)) (3/592)، ((تفسير العليمي)) (3/545). وذهَب ابنُ جرير إلى أنَّ معنى مُبِينٌ أي: يبينُ أثرُه فيه إمَّا بإخبالِه وإفسادِه، وإما بإحراقِهِ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/31). وقال السعدي: (فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ أي: بيِّنٌ منيرٌ يقتلُه أو يخبلُه). ((تفسير السعدي)) (ص: 430). قال الخازن: (قالوا: إنَّه ليس المرادُ أنَّهم يُرْمَون بأجرامِ الكواكبِ، بل يجوزُ أن تنفصِلَ مِن الكواكبِ شعلةٌ، وتُرمَى الشياطينُ بتلك الشعلةِ، وهي الشُّهبُ، ومثلُها كمثلِ قبسٍ يُؤخذُ مِن النارِ، وهي على حالِها). ((تفسير الخازن)) (4/319). وقال القرطبي: (واخْتُلِف في الشِّهابِ هل يقتلُ أم لا. فقالَ ابنُ عبَّاسٍ: الشِّهابُ يجرحُ ويحرقُ ويُخْبِلُ ولا يقتلُ. وقالَ الحسنُ وطائفةٌ: يقتلُ). ((تفسير القرطبي)) (10/11). قال الرسعني: (وعندي: أنَّه لا تنافيَ بينَ القولينِ؛ فإنَّه عذابٌ يُرمَون به؛ فمِنهم مَن يستأصلُه ويُهلكُه، ومنهم مَن يُعذِّبُه ولا يُهلكُه بالكليَّةِ). ((تفسير الرسعني)) (3/592). .
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه- يَبلُغُ به النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: ((إذا قضَى اللهُ الأمرَ في السَّماءِ، ضَرَبَت الملائكةُ بأجنِحَتِها خُضعانًا لِقَولِه، كالسِّلسلةِ على صفوانٍ [148] كالسِّلسلة على صَفوانٍ: أي: القَولُ المَسموعُ يُشبِهُ صَوتَ وَقْعِ السِّلسلةِ على (صفوانٍ): وهو الحجَرُ الأملَسُ. يُنظر: ((شرح القسطلاني)) (7/192). ، فإذا فُزِّعَ [149] فُزِّعَ: أي: أُزيلَ الخَوفُ. يُنظر: ((شرح القسطلاني)) (7/192). عن قُلوبِهم قالوا: ماذا قال ربُّكم؟ قالوا للذي قال: الحَقَّ، وهو العليُّ الكبيرُ، فيَسمَعُها مُستَرِقو السَّمعِ، ومُستَرِقو السَّمعِ هكذا؛ واحِدٌ فَوقَ آخَرَ- ووصَفَ سُفيانُ بِيَدِه، وفرَّجَ بين أصابعِ يدِه اليُمنى، نَصَبَها بعضَها فوقَ بَعضٍ- فرُبَّما أدرَك الشِّهابُ المُستَمِعَ قبلَ أن يرمِيَ بها إلى صاحِبِه، فيُحرِقُه، وربَّما لم يُدرِكْه حتى يرميَ بها إلى الذي يليه، إلى الذي هو أسفَلُ منه، حتى يُلقُوها إلى الأرضِ، فتُلقَى على فَمِ السَّاحِرِ، فيَكذِبُ معها مائةَ كَذْبةٍ، فيُصدَّقُ، فيقولونَ: ألمْ يُخبِرْنا يومَ كذا وكذا يكونُ كذا وكذا، فوَجَدْناه حقًّا؟! للكَلِمةِ التي سُمِعَت من السَّماءِ )) [150] رواه البخاري (4701). .  
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)  .
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا شرَحَ اللهُ تعالى الدَّلائِلَ السَّماويَّةَ في تقريرِ التَّوحيدِ؛ أتبَعَها بذِكرِ الدَّلائِلِ الأرضيَّةِ، فقال تعالى [151] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/130). :
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا.
أي: والأرضَ بَسَطناها، ووسَّعْناها سَعةً تتمَكَّنُ المخلوقاتُ فيها على الامتدادِ بأرجائِها، والتناوُلِ مِن أرزاقِها، والسُّكونِ في نواحيها [152] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/33)، ((تفسير ابن كثير)) (4/529)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430). .
كما قال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة: 22] .
وقال سُبحانه: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا [النبأ: 6] .
وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ.
أي: وجعَلْنا في الأرضِ جِبالًا ثابتةً تُمسِكُ الأرضَ؛ لِئلَّا تَضطَرِبَ بأهلها [153] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/33)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي بن أبي طالب (11/7031، 7032)، ((تفسير القرطبي)) (10/13)، ((تفسير ابن كثير)) (4/529)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430). .
كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ [الأنبياء: 31] .
  وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ.
وأوْجَدْنا [154] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (10/13)، ((تفسير أبي حيان)) (6/473)، ((تفسير الشوكاني)) (3/152). قال القرطبي: (والمقصودُ مِن الإنباتِ: الإنشاءُ والإيجادُ). ((تفسير القرطبي)) (10/13). فِي الأرضِ [155] الأكثرونَ على أنَّ المرادَ بقولِه: وأَنْبَتْنَا فِيهَا أي: في الأرضِ. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (2/528). وقيل: المرادُ به الجبالُ، وممن قال به الفرَّاءُ، والسمرقندي، والواحدي. يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (2/86)، ((تفسير السمرقندي)) (2/253)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 590). وممن جمع بين المعنيين السابقين البقاعي والشربيني. قال البقاعي: (وأَنْبَتْنَا فِيهَا أي: الأرضِ، ولا سيَّما الجبال). ((نظم الدرر)) (11/34). وقال الشربيني: (قولُه تعالى: وأَنْبَتْنَا فِيهَا واختُلِف في عودِ ضميرِ فيها، فقيل: يعودُ إلى الأرضِ؛ لأنَّ أنواعَ النباتِ المنتفَعِ به يكونُ في الأرضِ، وقيل : إلى الجبالِ؛ لأنَّها أقربُ مذكورٍ، ولقولِه تعالى: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ وإنَّما يُوزَنُ ما يتولَّدُ مِن الجبالِ، والأَولَى عودُه لهما). ((تفسير الشربيني)) (2/156). مِنْ كُلِّ شيءٍ مُقَدَّرٍ بقَدْرٍ مَعْلومٍ، بقصدٍ وإرادةٍ [156] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/34)، ((تفسير السمعاني)) (3/134)، ((تفسير ابن عطية)) (3/355)، ((تفسير ابن جزي)) (1/416)، ((تفسير الشوكاني)) (3/151). وممن اختار هذا المعنَى المذكورَ: ابنُ جريرٍ، والسمعاني، وابنُ عطيةَ- ونسَبه للجمهورِ-، وابنُ جزي، والشوكاني. يُنظر: المصادر السابقة. وممن قال مِن السلفِ بنحوِ القولِ المذكورِ: ابنُ عبَّاسٍ، وعكرمةُ- في روايةٍ عنه-، وسعيدُ بنُ جبيرٍ، والحكمُ بنُ عُتيبةَ، ومجاهدٌ، وأبو صالحٍ، وقتادةُ، والضحَّاكُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/34(، ))تفسير ابن الجوزي)) (2/528). قال الزجاجُ: (ومعنى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ أي: مِن كلِّ شيءٍ مقدورٍ جرَى على وزنٍ مِنْ قَدَرِ اللَّه عزَّ وجلَّ، لا يُجاوِزُ ما قَدَّره الله عليه، لا يستطيع خلقَ زيادةٍ فيه ولا نقصانًا). ((معاني القرآن وإعرابه)) (3/176). وقال الواحدي: (اختلفوا في معنى مَوْزُونٍ هاهنا، فذهب الأكثرون إلى أنَّ معناه: المحصَّلُ المعلومُ المقدورُ، ذلك أنَّ الوزنَ إنما يُستعمَلُ لبيانِ المقدارِ والإشرافِ على حقيقتِه، فوُصِفَ المعلومُ بالموزونِ وإن لم يكن هناك وزنٌ؛ لأنَّ أوكدَ ما يتحصَّلُ به معرفةُ المقادير الوزنُ... وهذا معنى قولِ ابنِ عباسٍ وعكرمةَ وسعيدِ بنِ جبيرٍ، والحكمِ ومجاهدٍ... وهذا القولُ اختيارُ أبي عبيدةَ والزجَّاجِ وأبي بكر [ابنِ الأنباري]... ويشهدُ لهذا التأويل قولُه: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد: 8] وهذا عامٌّ في كلِّ ما خلَقه اللهُ تعالى على وجهِ الأرضِ- ما ليس مِن جنسِ الأرضِ- مما يكونُ في المعادن، وذلك للَفظِ الإنبات؛ لأنَّه إنما يُستعمَلُ فيما ينبُتُ من الأرض، ويُستعمَلُ في الحيوانات أيضًا؛ قال الله تعالى: وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا [آل عمران: 37] ويُقال: الرجلُ يَنبُتُ الجاريةَ، أي: يغذوها، ويُحسِنُ القيامَ عليها. حكاه الليثُ، فأمَّا الجواهرُ فقد دخَلت تحتَ قولِه: وَالْأَرْضَ ولا تدخلُ في الإنباتِ. وذهَب آخرون في قوله: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ إلى حقيقةِ الوزنِ، وقال عطاءٌ: يريدُ الثِّمارَ ممَّا يُكالُ أو يُوزنُ. وقال الكلبي: وَأَنْبَتْنَا فِيهَا في الجبالِ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ مِن الذهَبِ والفِضَّةِ والنُّحاسِ والحديدِ، والرصاصِ والكحلِ والزرنيخِ، وكلِّ شيء يُوزن وزنًا،... قال أبو بكر [ابن الأنباري]: والقولُ الأولُ أَثبتُ؛ لأنَّه يَحمِلُ الآيةَ فيه على العمومِ، والقول الثاني يوجِبُ اختصاصًا لم يأتِ به برهانٌ، على أنَّه على بُعدِه غيرُ خارجٍ عن الصوابِ. والله أعلم). ((البسيط)) (12/568 - 571). ويُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (2/528)، ((تفسير الرسعني)) (3/595). وممن قال: إنَّ المرادَ ما أنبتَ في الأرضِ مِن أنواعِ النباتِ والزُّروعِ والثمارِ: مقاتلُ بنُ سليمانَ، والخازنُ، وابنُ كثيرٍ، والسعدي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/426)، ((تفسير الخازن)) (3/52)، ((تفسير ابن كثير)) (4/529)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430). وممن قال بنحوِ هذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباسٍ، وعطاءٌ. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (12/570)، ((الوسيط)) للواحدي (3/42). وقيل: المرادُ: الشيءُ الذي يُوزَنُ كالذهبِ، والفضةِ، والرصاصِ، والحديدِ، ونحوِ ذلك. وممن قال به الفراءُ، والواحدي. يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (2/86)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 590). وممن قال به مِن السلفِ: الحسنُ، وعكرمةُ- في روايةٍ-، وابنُ زيدٍ، وابنُ السائبِ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/36)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/528). قال الرسعني عن هذا القولِ: (وهو يجيءُ على ردِّه الضميرَ إلى الجبالِ). ((تفسير الرسعني)) (3/595). وممن جمع بين المعنيين السابقين البقاعي والشربيني. قال البقاعي: (مَوْزُونٍ أي: مقدَّرٍ على مقتضَى الحكمةِ؛ مِن المعادنِ والنباتِ). ((نظم الدرر)) (11/35). وقال الشربيني: (والأولَى: أنَّه جميعُ ما ينبتُ في الأرضِ والجبالِ؛ لأنَّ ذلك نوعانِ: أحدُهما يُستخرَجُ مِن المعادنِ، وجميعُ ذلك موزونٌ. والثاني: النباتُ فبعضُه موزونٌ، وبعضُه بالكيلِ، وهو يرجعُ إلى الوزنِ؛ لأنَّ الصاعَ والمدَّ مقدرانِ بالوزنِ). ((تفسير الشربيني)) (2/156). .
كما قال تعالى: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل: 88].
وقال سُبحانه: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة: 7] .
وقال عزَّ وجَلَّ: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد: 8] .
وقال جلَّ جلالُه: وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق: 7] .
وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20).
وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ.
أي: وهيَّأْنا لكم في الأرضِ- أيُّها النَّاسُ- ما تعيشونَ به مِن المطاعِمِ والمَشارِبِ، ويسَّرْنا لكم الحِرَفَ، وأنواعَ المكاسِبِ [157] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/37)، ((تفسير القرطبي)) (7/167) و (10/13)، ((تفسير ابن كثير)) (4/529)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430). .
وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ.
أي: وجَعَلْنا لكم الأولادَ والعَبيدَ والدوابَّ والأنعامَ التي نَرزُقُها نحن لا أنتم [158] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/38)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 590)، ((تفسير ابن كثير)) (4/529)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430). وممَّن اختار هذا المعنى المذكور: ابنُ جرير، والواحدي، وابنُ كثير، والسعدي. يُنظر: المصادر السابقة. وقيل: المعنى: وجعَلْنا في الأرضِ معايشَ لكم ولِمَن لستُم له بمُطعِمينَ من الدوابِّ والوحوشِ والطيورِ. وممن اختار هذا المعنى: مقاتلُ بنُ سليمانَ، وابنُ قتيبة، والسمرقندي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/427)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 236)، ((تفسير السمرقندي)) (2/253)، ((تفسير ابن عاشور)) (14/35). قال النحاسُ: (قال تعالى: وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ قال مجاهدٌ: يعني الدوابَّ والأنعامَ. وقال غيرُه: يعني المماليكَ والدوابَّ. قال أبو جعفر [النحاس]: وهذا أولَى؛ لأنَّ «مَن» لا تكونُ لما لا يعقلُ إلَّا أنْ يختلِطَ معه مَن يعقِلُ، والمعنَى: وجعَلْنا لكم المماليكَ والدوابَّ والأنعامَ، ويجوزُ أن يكونَ المعنى: أعَشْناكم، وأعَشْنا مَن لستُم له برازقينَ). ((معاني القرآن)) (4/18). .
كما قال تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل: 72].
وقال سُبحانه: وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 5 - 8] .
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا بَيَّنَ اللهُ تعالى أنه أنبَتَ في الأرضِ كُلَّ شَيءٍ مَوزونٍ، وجعلَ فيها معايِشَ؛ أتبَعَه بذِكرِ ما هو كالسَّبَبِ لذلك [159] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/133). .
وأيضًا فإنَّه لَمَّا ظهَرَ كالشَّمسِ كَمالُ قُدرةِ الله تعالى، وأنَّه واحِدٌ لا شريكَ له؛ بيَّنَ أنَّه كما كانت هذه الأشياءُ عنده بحِسابٍ قَدَّرَه على حِكمةٍ دَبَّرَها، كان غيرُها كذلك، فذلك هو المانِعُ مِن مُعاجَلتِهم بما يَهزَؤونَ به مِن العذابِ [160] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/35). ، فقال تعالى:
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ.
أي: وما مِن شَيءٍ- مِن جميعِ الأرزاقِ، وأصنافِ الأقدارِ، مِن الأمطارِ وغيرِها- إلَّا عندَ الله وَحدَه خَزائِنُه، ومفاتيحُه بِيَدِه؛ فهو مالِكُ كُلِّ شَيءٍ، وهو القادِرُ على إيجادِه وتكوينِه متى يشاء [161] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/427)، ((تفسير السمعاني)) (3/134)، ((تفسير القرطبي)) (10/14)، ((تفسير البيضاوي)) (3/209)، ((تفسير الشوكاني)) (3/152)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430). قال ابنُ جزي: (وَإِن مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ قيل: يعني: المطَرَ، واللفظُ أعَمُّ من ذلك، والخزائِنُ: المواضِعُ الخازنةُ، وظاهِرُ هذا أنَّ الأشياءَ مَوجودةٌ قد خُلِقَت. وقيل: ذلك تمثيلٌ، والمعنى: وإن مِن شيءٍ إلا نحن قادرونَ على إيجادِه وتكوينِه). ((تفسير ابن جزي)) (1/417). .
وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.
أي: وما نُنَزِّلُ الأمطارَ والأرزاقَ وكُلَّ شَيءٍ إلَّا بمِقدارٍ مُحَدَّدٍ، لا يزيدُ ولا يَنقُصُ، بحسَبِ مَشيئةِ الله، وما تَقتَضيه حِكمتُه [162] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (10/14)، ((تفسير ابن كثير)) (4/530)، ((تفسير الشوكاني)) (3/152)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430). .
كما قال تعالى: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد: 8] .
وقال سُبحانه: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ [المؤمنون: 18] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ [الشورى: 27] .
وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه لَمَّا تَمَّ ما أراد اللهُ تعالى من آيتَيِ السَّماءِ والأرضِ، وختَمَه بشُمولِ قُدرتِه لكُلِّ شَيءٍ؛ أتبَعَه ما ينشأُ عنهما ممَّا هو بينَهما مُودَعًا في خزائِنِ قُدرتِه [163] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/36). .
وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ.
أي: وأرسَلْنا رياحَ الرَّحمةِ لِتُلقِّحَ السَّحابَ، فينشأَ عن ذلك الماءُ الذي يحمِلُه السَّحابُ [164] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/43)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/530)، ((تفسير القرطبي)) (10/15، 16)، ((تفسير ابن كثير)) (4/530)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430)، ((تفسير ابن عاشور)) (14/38)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/266). قال ابن عاشور: (معنى الإلقاح: أنَّ الرِّياحَ تُلَقِّحُ السحابَ بالماء، بتوجيهِ عمَلِ الحرارةِ والبرودة متعاقِبَينِ، فينشأُ عن ذلك البُخارُ الذي يصيرُ ماءً في الجوِّ، ثمَّ يَنزِلُ مطرًا على الأرض). ((تفسير ابن عاشور)) (14/38). .
عن سَلَمةَ بنِ الأكوعِ رَضِيَ الله عنه- يرفَعُه إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: ((كان إذا اشتَدَّت الرِّيحُ يقولُ: اللَّهُمَّ لَقَحًا لا عَقيمًا [165]  لَقَحًا (بفتحِ اللَّامِ والقاف): أي: اجعَلْها حامِلةً للماءِ كاللَّقحةِ مِن الإبِلِ، لا عَقيمًا: أي: لا خاليةً عنه. يُنظر: ((فيض القدير)) للمناوي (5/101). ) [166] أخرجه ابن حبان (1008)، والطبراني (7/33) (6296)، والحاكم (7770). صحَّح إسنادَه الحاكِمُ وقال: (على شرطِ الشيخينِ ولم يُخرجاه)، والنووي في ((المجموع)) (5/98)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/138): (رجاله رجال الصحيح غيرَ المغيرة بن عبد الرحمن، وهو ثقة‏‏)، وصحَّحه ابنُ حجر، كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (4/275)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4670). .
فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ.
أي: فأنزَلْنا من السَّحابِ مَطَرًا، فمكنَّاكم من هذا الماءِ العذْبِ؛ لِشُربِكم، وشُربِ أنعامِكم، وسَقْيِ أراضيكم [167] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (10/18)، ((تفسير ابن كثير)) (4/531)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430)، ((تفسير ابن عاشور)) (14/38)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/272، 273). .
كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 10-11] .
وقال سُبحانه: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا [الفرقان: 48-49] .
وقال عزَّ وجلَّ: أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ [الواقعة: 68 - 70] .
وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ.
أي: ليست خزائِنُ المطَرِ عِندَكم، بل نحن الخازِنونَ له، نُنَزِّلُه متى نشاءُ [168] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/427)، ((تفسير السمعاني)) (3/135)، ((تفسير البغوي)) (3/55)، ((تفسير القرطبي)) (10/18)، ((تفسير النيسابوري)) (4/218)، ((تفسير العليمي)) (3/547)، ((تفسير الشوكاني)) (3/153). وممن اختار المعنى المذكورَ: مقاتلُ بنُ سليمانَ، والسمعاني، والبغوي، والقرطبي، والنيسابوري، والعليمي، والشوكاني. يُنظر: المصادر السابقة. وقيل: معنى بِخَازِنِينَ: أي بحافظين. وممن اختار هذا المعنى: ابنُ أبي زمنين، والسمرقندي، والواحدي، والرازي، والسعدي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن أبي زمنين)) (2/383)، ((تفسير السمرقندي)) (2/254)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 590)،  ((تفسير الرازي)) (19/136)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430)، ((تفسير ابن عاشور)) (14/39).  قال الشِّنقيطي: (قولُه تعالى: وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ فيه للعُلماءِ وجهانِ مِن التفسيرِ، كلاهما يشهَدُ له قرآنٌ:  الأول: أنَّ معنى وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ أي: ليست خزائِنُه عندكم، بل نحن الخازنون له، ننزلُه متى شئنا، وهذا الوجهُ تدلُّ عليه آياتٌ، كقوله: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر: 21] ، وقولِه: وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ [المنافقون: 7] الآية، ونحو ذلك من الآيات. الوجه الثاني: أنَّ معنى وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ بعد أن أنزَلْناه عليكم، أي: لا تَقدِرونَ على حفظِه في الآبارِ والعُيونِ والغُدرانِ، بل نحن الحافظون له فيها، ليكون ذخيرةً لكم عند الحاجة، ويدلُّ لهذا الوجه قولُه تعالى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [المؤمنون: 18] ، وقوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ [الملك: 30] ... إلى غير ذلك من الآيات). ((أضواء البيان)) (2/273). وقيل المراد: وما أنتم له بمانعينَ. وممَّن ذهب إلى هذا: ابنُ جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/47). وممن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: سفيانُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/47)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (7/2261). .
قال تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا [الإسراء: 100] .
قال سُبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ [الزمر: 21] .
وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا جرى ذِكرُ إنزالِ المطَرِ، وكان ممَّا يَسبِقُ إلى الأذهانِ عندَ ذِكرِ المطَرِ إحياءُ الأرضِ به؛ ناسَبَ أن يذكُرَ بعده جِنسَ الإحياءِ كُلَّه؛ لِمَا فيه من غرضِ الاستدلالِ على الغافلينَ عن الوحدانيَّةِ، ولأنَّ فيه دليلًا على إمكانِ البَعثِ، والمقصودُ ذِكرُ الإحياءِ؛ ولذلك قُدِّمَ، وذكَرَ الإماتةَ للتَّكميلِ [169] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/39). .
وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ.
أي: وإنَّا لَنحنُ نُحيي الخَلقَ مِن العدَمِ، ونُحييهم بعدَ مَوتِهم يومَ البَعثِ، ونُميتُ الأحياءَ متى شِئْنا [170] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/47)، ((تفسير ابن كثير)) (4/531)، ((تفسير الشوكاني)) (3/153)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430)، ((تفسير ابن عاشور)) (14/39). .
وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ.
أي: ونحن الوارِثونَ للأرضِ ومَن عليها مِن الخَلقِ بعد مَوتِهم، فلا يبقَى إلَّا اللهُ وَحدَه سُبحانه [171] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/47)، ((تفسير القرطبي)) (10/18، 19)، ((تفسير ابن كثير)) (4/531)، ((تفسير الشوكاني)) (3/153)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/274). .
كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم: 40] .
وقال سُبحانه: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 26-27].
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا قال: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ؛ أتبَعَه بقَولِه: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ؛ تنبيهًا على أنَّه لا يخفَى على اللهِ شَيءٌ مِن أحوالِهم، فيدخُلُ فيه عِلمُه تعالى بتقَدُّمِهم وتأخُّرِهم في الحُدوثِ والوجودِ، وبتقَدُّمِهم وتأخُّرِهم في أنواعِ الطاعاتِ والخَيراتِ [172] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/137). .
وأيضًا لمَّا بيَّن الله تعالى الحُجَجَ على كمالِ قدرتِه تعالى؛ بيَّن كمالَ علمِه جلَّ وعلا؛ فإنَّ ما يدلُّ عليها دليلٌ عليه ضرورةَ أنَّ القادرَ على كلِّ شيءٍ لا بدَّ مِن علمِه بما يصنعُه [173] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (7/278). .
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24).
أي: ولقدْ أحاطَ علمُنا بمَن تقدَّم منكم- أيُّها الناسُ- وبمَن تأخَّر، وبأحوالِكم، وأعمالِكم جميعًا، فلا يخفَى علينا شيءٌ [174] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/475)، ((تفسير الخازن)) (3/54)، ((تفسير النيسابوري)) (4/218)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/41). قال القرطبي: (فيه ثمانيةُ تأويلاتٍ: الأول: الْمُسْتَقْدِمِينَ في الخَلقِ إلى اليومِ، والْمُسْتَأْخِرِينَ الذين لم يُخلَقوا بعدُ، قاله قتادةُ وعكرمةُ وغيرُهما. الثاني: الْمُسْتَقْدِمِينَ الأمواتُ، والْمُسْتَأْخِرِينَ الأحياءُ، قاله ابنُ عباسٍ والضحَّاكُ. الثالث: الْمُسْتَقْدِمِينَ مَن تقدَّمَ أمَّةَ محمدٍ، والْمُسْتَأْخِرِينَ أمَّةُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، قاله مجاهدٌ. الرابع: الْمُسْتَقْدِمِينَ في الطاعةِ والخيرِ، والْمُسْتَأْخِرِينَ في المعصيةِ والشَّرِّ، قاله الحسنُ وقتادةُ أيضًا. الخامس: الْمُسْتَقْدِمِينَ في صفوفِ الحَربِ، والْمُسْتَأْخِرِينَ فيها، قاله سعيدُ بنُ المسيِّب. السادس: الْمُسْتَقْدِمِينَ مَن قُتِل في الجِهاد، والْمُسْتَأْخِرِينَ من لم يُقتَل، قاله القرظي. السابع: الْمُسْتَقْدِمِينَ أوَّلُ الخَلقِ، والْمُسْتَأْخِرِينَ آخِرُ الخلقِ، قاله الشعبي. الثامن: الْمُسْتَقْدِمِينَ في صفوف الصلاة، والْمُسْتَأْخِرِينَ فيها بسببِ النِّساء. وكلُّ هذا معلومٌ لله تعالى؛ فإنَّه عالمٌ بكُلِّ موجودٍ ومَعدومٍ، وعالمٌ بمن خَلَقَ، وما هو خالِقُه إلى يومِ القيامةِ). ((تفسير القرطبي)) (10/19). ويُنظر: ((تفسير الماوردي)) (3/156). وقال أبو حيان: (والأَولى حملُ هذه الأقوالِ على التَّمثيلِ لا على الحصرِ، والمعنى: أنَّه تعالى محيطٌ عِلمُه بمن تقَدَّمَ وبمن تأخَّرَ وبأحوالِهم). ((تفسير أبي حيان)) (6/475). وممن اختار عمومَ الآيةِ: الرازي، وأبو حيان، والخازن، والنيسابوري، والبقاعي. ((تفسير الرازي)) (19/137)، ((تفسير أبي حيان)) (6/475)، ((تفسير الخازن)) (3/54)، ((تفسير النيسابوري)) (4/218)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/41). .
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ جُملةَ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ نتيجةٌ لهذه الأدلَّةِ مِن قَولِه: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ؛ فإنَّ الذي يُحيي الحياةَ الأُولى قادِرٌ على الحياةِ الثَّانية بالأَولى، والذي قدَّرَ الموتَ ما قَدَّرَه عَبَثًا بعد أن أوجَدَ الموجوداتِ، لكن قدَّره لتَسْتقبلوا حياةً أبديةً، ولولا ذلك لقَدَّرَ الدَّوامَ على الحياةِ الأُولَى، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [175] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/40). [الملك: 2] .
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ.
أي: وإنَّ ربَّك- يا مُحمَّدُ- هو وَحدَه الذي يجمَعُ الأوَّلينَ والآخِرينَ يومَ القيامةِ للحِسابِ والجزاءِ، لا شَكَّ في قُدرتِه على ذلك، وصِدقِ وَعدِه [176] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/55)، ((تفسير الزمخشري)) (2/576)، ((تفسير القرطبي)) (10/21)، ((تفسير البيضاوي)) (3/209)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430)، ((تفسير ابن عاشور)) (14/41). .
إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.
أي: إنَّه- سُبحانه- حَكيمٌ يضَعُ الأشياءَ في مواضِعِها اللَّائقةِ بها، ومن ذلك حِكمتُه في تدبيرِ خَلقِه ومُجازاتِهم على أعمالِهم، وهو عليمٌ بكُلِّ شَيءٍ، ومِن ذلك عِلمُه بأعدادِ خَلقِه وأحوالِهم وأعمالِهم، فيُجازيهم عليها؛ إنْ خيرًا فخيرٌ، وإنْ شَرًّا فشَرٌّ [177] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/56)، ((تفسير السعدي)) (ص: 430)، ((تفسير ابن عاشور)) (14/40). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ الله تعالى: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا أصلٌ في عِلمِ المَواقيتِ [178] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:160). .
2- قال الله تعالى: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا سمِّيَت بذلك؛ لأنَّها للكواكِبِ السَّيَّارةِ كالمنازِلِ لسُكَّانِها [179] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/29). .  
3- قَولُ الله تعالى: وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ فيه التَّنويهُ بعِصمةِ الوَحيِ مِن أن يتطَرَّقَه الزِّيادةُ والنَّقصُ [181] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/29-30). ، فطريقُ الوحيِ إلى الرسولِ محفوظةٌ مِن الشياطينِ.
4- إن قيلَ: قَولُه: وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ وغيرُه من الآياتِ التي استُدلَّ بها على حِفظِ السَّماءِ مِن الشَّياطينِ وارِدةٌ في حِفظِها مِن استِراقِ السَّمعِ، وذلك إنَّما يكونُ مِن شَياطينِ الجِنِّ، فدَلَّ ذلك على اختصاصِ الآياتِ المذكورةِ بشَياطينِ الجِنِّ؟
فالجوابُ: أنَّ الآيةَ المذكورةَ وغيرَها تَشمَلُ بدَلالتِها اللُّغَويَّةِ شَياطينَ الإنسِ مِن الكُفَّارِ، ولا شَكَّ أنَّ مِن أشَدِّ الكُفَّارِ تمَرُّدًا وعتُوًّا الذين يحاوِلونَ بُلوغَ السَّماءِ؛ فدُخولُهم في اسمِ الشَّيطانِ لُغةً لا شَكَّ فيه، وإذا كان لفظُ الشَّيطانِ يعُمُّ كُلَّ متمَرِّدٍ عاتٍ، فقَولُه تعالى: وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ صريحٌ في حِفظِ السَّماءِ مِن كلِّ متمَرِّدٍ عاتٍ، كائنًا مَن كان، وحمْلُ نصوصِ الوَحيِ على مَدلولاتِها اللُّغَويةِ واجِبٌ، إلَّا لدَليلٍ يدُلُّ على تخصيصِها أو صَرفِها عن ظاهِرِها المُتبادِرِ منها، وحِفظُ السَّماءِ مِن الشَّياطينِ معناه حِراستُها منهم، وهذا معروفٌ في كلامِ العرَبِ، فيكونُ مَدلولُ هذه الآيةِ بدَلالةِ المُطابقةِ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ أي: وحَرَسناها- أي: السَّماءَ- مِن كُلِّ عاتٍ متمَرِّدٍ. ولا مفهومَ مُخالفةٍ لِقَولِه: رَجِيمٍ ولا لقوله: مَارِدٍ في قَولِه: وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ [الصافات: 7] ؛ لأنَّ مِثلَ ذلك من الصِّفاتِ الكاشِفةِ؛ فكُلُّ شَيطانٍ يُوصَفُ بأنَّه رَجيمٌ وبأنَّه مارِدٌ، وإن كان بعضُهم أقوى تمرُّدًا مِن بَعضٍ، وما حرَسَه اللهُ جلَّ وعلا مِن كُلِّ عاتٍ متمَرِّدٍ لا شَكَّ أنَّه لا يصِلُ إليه عاتٍ متمَرِّدٌ كائنًا مَن كان [182] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/265). .
5- قال الله تعالى: جَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ هذه من الآياتِ التي تدُلُّ على أنَّ الأرضَ هي محَلُّ عِيشةِ الإنسانِ، فظاهرُ القرآنِ- بلا شَكٍّ- يدلُّ على أنْ لا حياةَ للإنسانِ إلَّا في هذه الأرضِ التي منها خُلِقَ، وإليها يُعَادُ، ومنها يُخرَجُ؛ قال الله تعالى: فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ [الأعراف: 25] ، فحصَرَ الحياةَ في الأرضِ والموتَ فيها والإخراجَ منها، وطريقُ الحَصرِ فيها تقديمُ ما حَقُّه التأخيرُ، ونحوُ هذه الآيةِ قَولُه تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه: 55] ، حيث حَصَرَ ابتداءَ الخَلقِ مِن الأرضِ، وأنَّها هي التي نُعادُ فيها بعد الموتِ، ونُخرَجُ منها يومَ القيامةِ [183] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (5/327). .
6- قَولُ الله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ متضَمِّنٌ لكَنزٍ مِن الكنوزِ، وهو أنَّ كلَّ شَيءٍ لا يُطلَبُ إلَّا ممَّن عنده خَزائِنُه، ومفاتيحُ تلك الخزائِنِ بيَديه، وأنَّ طَلَبَه مِن غَيرِه طَلَبٌ ممَّن ليس عِندَه، ولا يَقدِرُ عليه [184] يُنظر: ((الفوائد)) لابن القيم (ص: 202). .
7- مذهَبُ السَّلَفِ قاطِبةً أنَّ الأمورَ كُلَّها بتقديرِ اللهِ تعالى، كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [185] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (11/478). .
8- الإرسالُ المذكورُ في قَولهِ تعالى: وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ هو إرسالٌ كونيٌّ، وهو ما وافقَ مشيئةَ اللهِ تعالى الكونيَّةَ، ويقابلُه: الإرسالُ الدينيُّ، وهو ما وافَقَ محبَّةَ اللهِ ورضاه وأمْرَه الشَّرعيَّ، كما في قَولِه تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ [186] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (8/61). [نوح: 1] .
9- قولُ الله تعالى: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ فيه سؤالٌ: كيف قال ذلك، والوارِثُ من يتجَدَّدُ له المُلكُ بعد فناءِ المورِّثِ، واللهُ تعالى لم يتجَدَّد له مُلكٌ؛ لأنَّه لم يزَلْ مالكًا للعالَمِ؟
 والجواب: أنَّ الخلائِقَ لَمَّا كانوا يعتَقِدونَ أنَّهم مالِكونَ، ويُسَمَّونَ بذلك أيضًا مجازًا، ثمَّ ماتوا؛ خَلَصَت الأملاكُ كُلُّها لله تعالى عن ذلك التعَلُّقِ، فبهذا الاعتبارِ سُمِّيَ وارِثًا، ونظيرُ ذلك قولُه تعالى لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: 16] ، والمُلكُ له أزليٌّ وأبدِيٌّ. وقيل: (الوارِث) لغةً هو الباقي بعد فناءِ غَيرِه، وإن لم يتجَدَّدْ له مُلكٌ، فمعنى الآية: ونحن الباقونَ بعد فناء الخلائِقِ [187] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 296-297). .
10- قال الله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ أسنَدَ الحَشرَ إلى اللهِ بعُنوانِ كَونِه رَبَّ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ تنويهًا بشأنِ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ لأنَّهم كَذَّبوه في الخَبَرِ عن البَعثِ، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَـبِّـئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ [سبأ: 7-8] ، أي: فكيف ظنُّك بجَزائِه مُكَذِّبيك إذا حشَرَهم [188] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/41). ؟

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ
- قولُه: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا في الانتقالِ إلى ذِكْرِ فتْحِ أبوابِ السَّماءِ في تصويرِ غُلَوائِهم بعِنادِهم بعدَ ذِكْرِ دَلائلِ إمكانِ البعثِ في قولِه تعالى: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ- تَخلُّصٌ بديعٌ، وفيه ضَرْبٌ مِن الاستدلالِ على مُكابرتِهم؛ فإنَّهم لو أرادوا الحقَّ لكان لهم في دَلالةِ ما هو منهم غُنْيَةٌ عن تطلُّبِ خَوارقِ العاداتِ، والخبَرُ مُستعمَلٌ في التَّذكيرِ والاستدلالِ؛ لأنَّ مَدلولَ هذه الأخبارِ معلومٌ لديهم. وافتُتِحَ الكلامُ بلامِ القسَمِ وحرْفِ التَّحقيقِ (قد)؛ تنزيلًا للمُخاطَبينَ الذَّاهلينَ عنِ الاستدلالِ بذلك مَنزِلةَ المُتردِّدِ؛ فأكَّدَ لهم الكلامَ بمُؤكِّدَينِ، ومرجِعُ التَّأكيدِ إلى تحقيقِ الاستدلالِ وإلى الإلجاءِ إلى الإقرارِ بذلك [189] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/28). .
2- قوله تعالى: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ استِراقُ السَّمعِ: سرِقَتُه؛ صِيغَ وزْنُ الافتعالِ للتَّكلُّفِ، وعُبِّرَ عن الكلامِ المُستَرَقِ بالسَّمعِ؛ لأنَّه يَؤُولُ إلى الخبرِ؛ فالَّذي يحصُلُ لمُسترِقِ السَّمعِ شُعورٌ ما تتوجَّهُ الملائكةُ لتَسخيرِه، والَّذي يحصُلُ للكاهِنِ كذلك، والمَآلُ أنَّ الكاهِنَ يُخْبِرُ به، فيَؤُولُ إلى مَسموعٍ [190] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/31، 34). .
3- قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُـنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ
- قولُه: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ (إنْ) للنَّفيِ، و(مِن) صِلَةٌ؛ للتَّأكيدِ [191] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/72). .
- التعبيرُ بصيغةِ المضارعِ في قولِه: وَمَا نُنَزِّلُهُ ؛ للدَّلالةِ على الاستمرارِ [192] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/72). .
4- قوله تعالى: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ
- قولُه: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي فيه تَكريرُ الضَّميرِ نَحْنُ؛ للدَّلالةِ على الحصْرِ [193] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/209). .
5-  وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ فيه تخلُّصٌ مِن الاستدلالِ بالإحياءِ والإماتةِ على عِظَمِ القُدرةِ إلى الاستدلالِ بلازِمِ ذلك على عِظَمِ علْمِ اللهِ، وهو علْمُه بالأُمَمِ البائِدةِ وعلْمُ الأُمَمِ الحاضرةِ؛ وذلك لأنَّه ذكَرَ الإحياءَ والإماتةَ قبْلُ في قولِه: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ، والإحياءُ- بكسْرِ الهمزةِ- يُذَكِّرُ بالأحياءِ- بفتحِها-، والإماتةُ تُذَكِّرُ بالأمواتِ الماضينَ [194] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/40). .
- والسِّينُ والتَّاءُ في الوصفَينِ (الْمُسْتَقْدِمِينَ - الْمُسْتَأْخِرِينَ)؛ للتَّأكيدِ، مثلُ (استجابَ)، ولكنَّ قولَهم: (استقدَمَ بمعنى تقدَّمَ) على خلافِ القياسِ؛ لأنَّ فعْلَه رُباعِيٌّ [195] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/40). .
- وفي تَكريرِ قولِه: وَلَقَدْ عَلِمْنَا ما لا يَخْفى مِن الدَّلالةِ على كَمالِ التَّأكيدِ [196] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/73). .
6- قوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
- قولُه: وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ فيه تَصديرُ الجُملةِ بقولِه: إِنَّ؛ لتحقيقِ الوعْدِ والتَّنبيهِ على أنَّ ما سبَقَ مِن الدَّلالةِ على كَمالِ قُدرتِه وعلْمِه بتفاصيلِ الأشياءِ؛ يدلُّ على صِحَّةِ الحُكمِ، كما صرَّحَ به بقولِه: إِنَّهُ حَكِيمٌ [197] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/209). . وأُكِّدَت جُملةُ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ بحرْفِ التَّوكيدِ (إنَّ) وبضميرِ الفصْلِ (هو)؛ لرَدِّ إنكارِهم الشَّديدِ للحشْرِ [198] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/41). .
- قولُه أيضًا: وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ فيه توسيطُ الضَّميرِ (هو)؛ للدَّلالةِ على أنَّه القادِرُ والمُتولِّي لحشرِهم لا غيرُ، أي: هو وحدَه القادرُ على حشْرِهم، والعالِمُ بحصرِهم مع إفراطِ كثْرَتِهم وتباعُدِ أطرافِ عدَدِهم؛ لأنَّهم كانوا يستبعِدونَ ذلك ويستنكِرونَه، ويقولون: مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [199] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/576)، ((تفسير البيضاوي)) (3/209)، ((تفسير أبي السعود)) (5/73). [يس: 78] .
- وفي الالتفاتِ والتَّعرُّضِ لعُنوانِ الرُّبوبيَّةِ بقولِه: رَبَّكَ؛ إشعارٌ بعِلَّةِ الحُكمِ [200] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/73). .
- وقد أُسْنِدَ الحشرُ إلى اللهِ بعُنوانِ كونِه ربَّ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقولِه: رَبَّكَ؛ تنويهًا بشأْنِ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ لأنَّهم كذَّبوه في الخبرِ عنِ البعْثِ [201] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/41). ، وفيه دَلالةٌ على اللُّطْفِ به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ [202] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/73). .
- قولُه: إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ؛ تعليلٌ لجُملةِ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ؛ لأنَّ شأْنَ (إنَّ) إذا جاءت في غيرِ معنى الرَّدِّ على المُنكِرِ أنْ تُفيدَ معنى التَّعليلِ والرَّبطِ بما قبْلَها [203] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/41). .