موسوعة التفسير

سورةُ الجِنِّ
الآيات (8-10)

ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ

غريب الكلمات:

وَشُهُبًا: أي: نارًا ساطِعةً مُحرِقةً يُرجَمُ بها مَن استَرَق السَّمعَ، والشِّهابُ: الشُّعلةُ السَّاطِعةُ مِن النَّارِ المُوقَدةِ، وأصلُ (شهب): يدُلُّ على بياضٍ في شَيءٍ مِن سَوادٍ [80] يُنظَر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/220)، ((البسيط)) للواحدي (22/294)، ((المفردات)) للراغب (ص: 465). .
رَصَدًا: أي: أُرْصِدَ وأُعِدَّ له؛ لِيُرْمَى به، وهو فَعَلٌ بمعنى مَفعولٍ، وأصلُ (رصد): يدُلُّ على تهيُّؤٍ لرِقبةِ شَيءٍ [81] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/352)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/400)، ((البسيط)) للواحدي (22/297)، ((تفسير البغوي)) (8/239). .

المعنى الإجمالي:

يحكي الله سبحانَه عن هؤلاء الجنِّ ما قالوه عندَ اقترابِهم مِن السَّماءِ؛ طلَبًا لمعرفةِ أخبارِها، وذلك قبْلَ أنْ يؤمِنوا، وأنَّهم قالوا: وأنَّا أتَيْنا السَّماءَ لِنَستَمِعَ فيها بعضًا مِن أخبارِ الغَيبِ، كما كنَّا نَصنَعُ، فوجَدْناها مملوءةً بحُرَّاسٍ أشِدَّاءَ مِن الملائكةِ، وشُهُبٍ مُحرِقةٍ لِمَن يُريدُ استِراقَ السَّمعِ، وأنَّا كُنَّا فيما مضَى نَقعُدُ في مَواضِعَ مِنَ السَّماءِ؛ مِن أجْلِ استِماعِ بَعضِ ما تتحَدَّثُ به الملائِكةُ ممَّا هو كائِنٌ، فمَنْ أراد مِن الشَّياطينِ الاستِماعَ الآنَ لأخبارِ السَّماءِ، فإنَّه يُرمَى بشِهابٍ مِن نارٍ أُرصِدَ وأُعِدَّ له، وأنَّا لا نَدري الغايةَ مِمَّا يَحدُثُ في السَّماءِ: أهو عَذابٌ أُرِيدَ بأهلِ الأرضِ، أمْ أراد بهم رَبُّهم هُدًى وخَيرًا؟

تفسير الآيات:

وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8).
أي: وأنَّا أتَيْنا السَّماءَ لِنَستَمِعَ فيها بعضًا مِن أخبارِ الغَيبِ كما جَرَت عادتُنا، فوجَدْناها مملوءةً بحُرَّاسٍ أشِدَّاءَ مِن الملائكةِ يَحفَظونَها مِن الشَّياطينِ، ومملوءةً بشُهُبٍ تَرجُمُهم وتُحرِقُهم إن أرادوا استِراقَ السَّمعِ [82] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/327)، ((الوسيط)) للواحدي (4/365)، ((تفسير القرطبي)) (19/11)، ((تفسير ابن كثير)) (8/240)، ((تفسير السعدي)) (ص: 890)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/227). قال ابن عاشور: (الشُّهُبُ: جمعُ شِهابٍ، وهو القِطعةُ الَّتي تنفَصِلُ عن بعضِ النُّجومِ، فتَسقُطُ في الجوِّ أو في الأرضِ أو البَحرِ، وتكونُ مُضاءةً عندَ انفصالِها، ثمَّ يزولُ ضَوؤُها ببُعدِها عن مُقابلةِ شُعاعِ الشَّمسِ، ويُسَمَّى الواحِدُ منها عندَ علماءِ الهيئةِ نَيْزَكًا، باسمِ الرُّمحِ القصيرِ). ((تفسير ابن عاشور)) (29/227). .
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9).
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ.
أي: وأنَّا كُنَّا فيما مضَى نَقعُدُ في مواضِعَ مِنَ السَّماءِ؛ مِن أجْلِ استِماعِ بَعضِ ما تتحَدَّثُ به الملائِكةُ ممَّا هو كائِنٌ [83] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/327)، ((تفسير السمرقندي)) (3/505)، ((تفسير القرطبي)) (19/12)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/477)، ((تفسير الشوكاني)) (5/366)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/227). قال البِقاعي: (قد جاء في الخبَرِ أنَّ صِفةَ قُعودِهم هي أن يكونَ الواحِدُ منهم فوقَ الآخَرِ حتَّى يَصِلوا إلى السَّماءِ، قال أبو حيَّانَ: فمتى احترقَ الأعلى كان الَّذي تحتَه مكانَه، فكانوا يَستَرِقونَ الكَلِمةَ فيُلْقونَها إلى الكُهَّانِ، فيَزيدونَ معها الكَذِبَ). ((نظم الدرر)) (20/477). ويُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/296). .
فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا.
أي: فمَنْ أراد مِن الشَّياطينِ الاستماعَ الآنَ لأخبارِ السَّماءِ، فإنَّه يُرمَى بشِهابٍ مِن نارٍ مُرَصَدٍ له؛ لِمَنعِه مِنَ الاستِماعِ، أو إحراقِه [84] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/327)، ((تفسير ابن كثير)) (8/240)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/477، 478)، ((تفسير السعدي)) (ص: 890). قال ابنُ كثير: (لا يتخَطَّاه ولا يتعَدَّاه، بل يَمحَقُه ويُهلِكُه). ((تفسير ابن كثير)) (8/240). .
كما قال تعالى: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ [الحجر: 16 - 18] .
وقال سُبحانَه: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات: 6 - 10] .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضي الله عنه، قال: إنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا قضَى اللهُ الأمرَ في السَّماءِ ضَرَبت الملائِكةُ بأجنِحَتِها خُضْعانًا لِقَولِه، كأنَّه سِلسلةٌ على صَفوانٍ [85] صَفوانٍ: هو الحَجَرُ الأملَسُ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (7/192). ، فإذا فُزِّعَ [86] فُزِّعَ أي: أُزيلَ الخَوفُ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (7/192). عن قُلوبِهم قالوا: ماذا قال ربُّكم؟ قالوا للَّذي قال: الحَقَّ، وهو العَليُّ الكبيرُ، فيَسمَعُها مُستَرِقُ السَّمعِ، ومُستَرِقُ السَّمعِ هكذا بعضُه فوقَ بَعضٍ -ووصَفَ سُفْيانُ بكَفِّه فحَرَفَها وبَدَّد بيْنَ أصابِعِه- فيسمَعُ الكَلِمةَ فيُلْقيها إلى مَن تحتَه، ثمَّ يُلقيها الآخَرُ إلى مَن تحتَه، حتَّى يُلقيَها على لسانِ الساحِرِ أو الكاهِنِ، فرُبَّما أدرَك الشِّهابُ قبْلَ أن يُلقِيَها، ورُبَّما ألْقاها قبْلَ أن يُدرِكَه، فيَكذِبُ معها مِئةَ كَذْبةٍ، فيُقالُ: أليس قد قال لنا يومَ كذا وكذا: كذا وكذا؟! فيُصَدَّقُ بتلك الكَلِمةِ التي سَمِعَ مِنَ السَّماءِ)) [87] رواه البخاري (4800). .
وعن عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، قالت: ((سَأل أُناسٌ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الكُهَّانِ، فقال لهم رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ليسُوا بشَيءٍ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّهم يحَدِّثونَ أحيانًا بالشَّيءِ يكونُ حَقًّا! فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: تلك الكَلِمةُ مِنَ الحَقِّ يَخطَفُها الجِنِّيُّ، فيَقُرُّها في أذُنِ وليِّه قَرَّ الدَّجاجةِ [88] القَرُّ: ترديدُك الكلامَ في أذُنِ المخاطَبَ حتى يفهَمَه، وقَرُّ الدجاجةِ: صَوتُها إذا قطَّعَتْه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/39). ، فيَخلِطون فيها أكثَرَ مِن مِئةِ كَذْبةٍ)) [89] رواه البخاري (6213) واللفظ له، ومسلم (2228). .
وعن عائشةَ رَضيَ الله عنها، أنَّها سَمِعَت رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّ الملائِكةَ تَنزِلُ في العَنانِ -وهو السَّحابُ-، فتذكُرُ الأمرَ قُضِي في السَّماءِ، فتَستَرِقُ الشَّياطينُ السَّمعَ فتَسمَعُه، فتُوحيه إلى الكُهَّانِ، فيَكذِبون معها مِئةَ كَذبةٍ مِن عندِ أنفُسِهم )) [90] رواه البخاري (3210). .
وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10).
أي: وأنَّا لا نَدري الغايةَ مِن وَراءِ حِراسةِ السَّماءِ بالملائِكةِ والشُّهُبِ: أهي إنزالُ عذابٍ بأهلِ الأرضِ، أمْ أرادَ ربُّهم بهم هُدًى وخَيرًا وصَلاحًا [91] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/329)، ((الوسيط)) للواحدي (4/365)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/478، 479)، ((تفسير السعدي)) (ص: 891). وقال ابنُ عاشورٍ: (فحاصلُ المعْنى: إنَّا الآنَ لا نَدْري ماذا أُرِيدَ بأهلِ الأرضِ مِن شَرٍّ أو خيرٍ بعْدَ أنْ كنَّا نَتجسَّسُ الخبَرَ في السَّماءِ... وهي مِن قَبيلِ قولِه تعالى: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ [الأحقاف: 9] . وليس المرادُ منها -فيما نَرى- أنَّهم يَنْفُون أنْ يَعلَموا ماذا أرادَ اللهُ بهذه الشُّهبِ؛ فإنَّ ذلك لا يُناسِبُ ما تَقدَّمَ مِن أنَّهم آمَنوا بالقرآنِ؛ إذ قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ [الجن: 1، 2]، وقولُهم: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا فذلك صَريحٌ في أنَّهم يَدْرون أنَّ اللهَ أراد بمَن في الأرضِ خَيرًا بهذا الدِّينِ، وبصَرْفِ الجِنِّ عن استراقِ السَّمعِ). ((تفسير ابن عاشور)) (29/231). ؟

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا أَدَبٌ عالٍ للجِنٍّ؛ حيثُ قالوا في الشَّرِّ: أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ ولم يُضيفوه إلى الله، وفي الرَّشَدِ قالوا: أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ولم يقولوا: «أمْ أُريدَ بهم رَشَدٌ» [92] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 275). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن كثير)) (8/ 240)، ((تفسير السعدي)) (ص: 890). . فاختِلافُ صُورةِ الكلامِ في قولِه: أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا لاختِلافِ الأحوالِ؛ فإنَّ ما قبْلَ (أَمْ) صُورةٌ مِن الكلامِ تُخالِفُ صُورةَ ما بعْدَها؛ لأنَّ الأُولى فيها فِعلُ الإرادةِ مَبنيٌّ للمَجهولِ، والثَّانيةَ فيها فِعلُ الإرادةِ مَبنيٌّ للمعلومِ، والحالُ الدَّاعي لذلك نِسبةُ الخَيرِ إليه سُبحانَه في الثَّانيةِ، ومَنْعُ نِسبةِ الشَّرِّ إليه في الأُولى؛ جَرْيًا على واجِبِ الأدبِ مع اللهِ تعالَى في تَحاشي إسنادِ الشَّرِّ إليه [93] يُنظر: ((تفسير الزمخشري- حاشية ابن المُنَيِّر)) (4/625)، ((تفسير أبي حيان)) (10/298)، ((تفسير أبي السعود)) (9/44)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/231)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/244). ، وهذه طَريقةُ القرآنِ، ومنه قَولُ الخَضِرِ في شَأنِ الجِدارِ واليَتيمَينِ: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا [الكهف: 82] ، وقال في خرْقِ السَّفينةِ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف: 79] ، ثمَّ قال بعْدَ ذلك: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [94] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/35)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/62). [الكهف: 82] .
2- لَمَّا أخْبَروا عن إيمانِهم أنَّه كان عَقِبَ سَماعِهم مِن غيرِ تَوقُّفٍ، ثمَّ ذَكَروا منْعَهم مِن الاستراقِ؛ ذَكَروا أنَّه اشتَبَهَ عليهم المنْعُ، فلمْ يَعلَموا سِرَّه، فقالوا: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا دَلالةً على أنَّ جَهْلَ بَعضِ المسائلِ الفرعيَّةِ لا يَقدَحُ، ونَدْبًا إلى رفْعِ الهِمَّةِ عن الخَوضِ في شَيءٍ بغيرِ عِلمٍ، وحثًّا على التَّفويضِ إلى علَّامِ الغُيوبِ [95] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/478، 479). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا يؤخَذُ منه أنَّ الشُّهُبَ تكاثرَت في مدَّةِ الرِّسالةِ المُحَمَّديَّةِ؛ حِفظًا للقُرآنِ مِن دسائِسِ الشَّياطينِ، كما دَلَّ عليه قَولُه عَقِبَه: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا [96] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/227). [الجن: 9] .
2- قَولُ اللهِ تعالى: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا فيه سؤالٌ: هذه الشُّهُبُ كانت موجودةً قبْلَ المَبعَثِ، فما معنى تخصيصِها بمُحَمَّدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؟
الجوابُ مبنيٌّ على مقامينِ:
المقامُ الأوَّلُ: أنَّ هذه الشُّهُبَ ما كانت موجودةً قبْلَ المبعَثِ، وهذا قولُ ابنِ عبَّاسٍ وأُبَيِّ بنِ كَعبٍ رضيَ الله عنهم.
المقامُ الثَّاني: أنَّ هذه الشُّهُبَ كانت موجودةً قبلَ المبعَثِ، إلَّا أنَّها زِيدَت بعدَ المبعَثِ، وجُعِلَت أكمَلَ وأقوى، وهذا هو الَّذي يدُلُّ عليه لفظُ القُرآنِ؛ لأنَّه قال: فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ، وهذا يدُلُّ على أنَّ الحادِثَ هو المَلءُ والكثرةُ، وكذلك قَولُه: نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ، أي: كُنَّا نجِدُ فيها بعضَ المقاعِدِ خاليةً مِن الحَرَسِ والشُّهُبِ، والآنَ مُلِئَت المقاعِدُ كُلُّها؛ فعلى هذا: الَّذي حَمَل الجِنَّ على الضَّربِ في البلادِ، وطَلَبِ السَّبَبِ: إنَّما هو كثرةُ الرَّجمِ، ومَنْعُ الاستراقِ بالكُلِّيَّةِ [97] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/669، 670). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عطية)) (5/381). وعن عبدِ الله بنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: ((أخبَرني رجلٌ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن الأنصارِ، أنَّهم بينَما هم جلوسٌ ليلةً معَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم رُمِي بنَجمٍ فاستَنار، فقال لهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ماذا كنتُم تقولونَ في الجاهليَّةِ إذا رُمِي بمثلِ هذا؟...)). أخرجه مسلمٌ (2229). .
3- قَولُ اللهِ تعالى: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا لو قال قائِلٌ: كيف تتعَرَّضُ الجِنُّ لإحراقِ نَفْسِها بسَبَبِ استماعِ خبَرٍ بعدَ أن صار ذلك معلومًا لهم؟
فالجوابُ: أنَّ الْجِنَّ لَا تنكَفُّ عن ذلك؛ لأنَّهم مُنساقونَ إليه بالطَّبعِ -معَ ما ينالُهم مِن أذَى الرَّجمِ والاحتراقِ-، شأنَ انسياقِ المخلوقاتِ إلى ما خُلِقَتْ له، مثلَ تهافُتِ الفَراشِ على النَّارِ، لاحتمالِ ضَعفِ القوَّةِ المُفكِّرةِ في الجنِّ، بحيثُ يغلِبُ عليها الشَّهوةُ، ونحنُ نرَى البشرَ يقتَحِمونَ الأخطارَ والمهالِكَ تَبَعًا للهوَى [98] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/229). . وقيل: إنَّ اللهَ تعالى يُنسِيهم ذلك حتَّى تَعظُمَ المحنةُ [99] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (19/14)، ونسَبَه للجاحظ. ويُنظر: ((الحيوان)) للجاحظ (6/456). .
4- مِن آياتِ النَّبيِّ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ودلائلِ نُبوَّتِه الَّتي في القرآنِ ما ذكَره مِن أنَّ السَّماءَ مُلِئت حرَسًا شديدًا وشُهُبًا، بخِلافِ ما كانت العادةُ جاريةً به، قال تعالى: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا، وقال تعالى: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشعراء: 210 - 212] ، وهذا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقرؤُه على النَّاسِ، وهم يقرؤونه؛ ولم يُنكِرْه أحدٌ، ولا ارتابَ به مؤمنٌ، ولا احتجَّ به عليه كافرٌ؛ فدلَّ أنَّ النَّاسَ عَلِموا صِدْقَ ما أَخبرتْ به الجِنُّ مِن أنَّ السَّماءَ مُلِئَتْ حرسًا شديدًا وشُهُبًا؛ وأنَّهم لم يَتَمَكَّنوا حينَئذٍ ممَّا كانوا يَتمَكَّنُون منه قبْلَ ذلك مِن الاستماعِ، ومعلومٌ أنَّ هذا أمْرٌ يَراه النَّاسُ بأبصارِهم؛ فإنَّ امتلاءَ السَّماءِ بالشُّهُبِ أمرٌ يراه النَّاسُ كلُّهم، فلو لَمْ يكُنْ كذلك لَكان النَّاسُ يُكَذِّبون بهذا -مؤمنُهم، وكافرُهم-، فإنَّ الجماعةَ العظيمةَ -الَّذين لم يَتَواطَؤوا- يَمتَنِعُ اتِّفاقُهم على الكذبِ، وعلى التَّصديقِ بما يَعلمون أنَّه كذبٌ، وعلى كِتمانِ ما يَعلَمونه، وعلى تَركِ إنكارِ ما يَعلمون أنَّه كَذِبٌ. وقد سَمِع القرآنَ ألوفٌ مؤلَّفةٌ أَدركوا مَبْعَثَه، وشاهَدوا أحوالَ السَّماءِ؛ ولم يُنكِرْ ذلك أحدٌ، بل تظاهرتِ الأخبارُ بمِثْلِ ما أَخْبَر به القرآنُ مِن الرَّميِ العظيمِ بالشُّهُبِ الَّذي لم يُعهَدْ مِثلُه [100] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (6/57). .
5- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا فيه نَصٌّ على أنَّ الجِنَّ لا تَعلَمُ الغَيبَ [101] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/318). .
6- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا قد يَبدو مِن هذه الآيةِ إشكالٌ؛ حيث قالوا أوَّلًا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ [الجن: 1، 2]، ثمَّ يقولون: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا، والواقِعُ أنَّهم تساءَلوا لَمَّا لَمَسوا السَّماءَ فمُنِعوا منها لشِدَّةِ حِراستِها، وأقَرُّوا أخيرًا لَمَّا سَمِعوا القرآنَ، وعَلِموا السَّبَبَ في تشديدِ حِراسةِ السَّماءِ؛ لأنَّهم لَمَّا مُنِعوا ما كان يخطُرُ ببالِهم أنَّه مِن أجْلِ الوَحيِ؛ لِقَولِه: وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا [102] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/318). [الجن: 7]. وذلك على قولٍ في معنى البعثِ.
7- في قَولِه تعالى: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا حُجَّةٌ على المعتزِلةِ والقَدَريَّةِ؛ لإخبارِ اللهِ جلَّ جلالُه عن الجِنِّ بإرادتِه سبحانَه الشَّرَّ بمَن في الأرضِ كإرادتِه بهم الرَّشَدَ؛ ولم يُنكِرْه مِن قَولِهم، ولا نَسَبَهم إلى الكَذِبِ عليه فيه، بل أنزَلَه في جملةِ القرآنِ العَجَبِ على رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [103] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/429). .

بلاغة الآيات :

1- قولُه تعالَى: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا
- التَّأكيدُ في قولِه: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ بحرْفِ (أنَّ)؛ لغَرابةِ الخبَرِ، باعتبارِ ما يَلِيه مِن قولِه: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ... إلخ [104] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/226). .
- واللَّمسُ مُعبَّرٌ به عن اختبارِ أمْرٍ؛ لأنَّ إحساسَ اليدِ أقْوى إحساسٍ، فشُبِّهَ به الاختبارُ [105] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/227). . أو عُبِّر به عن الطَّلَبِ، أي: طَلَبْنا بُلوغَ السَّماءِ أو خبَرَها [106] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/624)، ((تفسير البيضاوي)) (5/252)، ((تفسير أبي حيان)) (10/296)، ((تفسير أبي السعود)) (9/44)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/238). .
- وقولُه: شَدِيدًا صِفةٌ للحرَسِ على اللَّفظِ؛ لأنَّه اسمُ جمْعٍ، ولو لُحِظَ المعْنى لَقال: (شِدادًا) بالجمْعِ [107] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/624)، ((تفسير أبي حيان)) (10/296)، ((تفسير أبي السعود)) (9/44)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/227). .
- وأيضًا هذا الكلامُ: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا تَوطئةٌ وتَمهيدٌ لقولِهم بعْدَه: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا إلى آخِرِه؛ إذ المَقصودُ أنْ يُخبِروا مَن لا خبَرَ عندَه مِن نَوعِهم بأنَّهم قدْ تَبيَّنوا سَببَ شِدَّةِ حِراسةِ السَّماءِ، وكَثرةِ الشُّهبِ، وأمَّا نفْسُ الحِراسةِ وكَثرةِ الشُّهبِ فإنَّ المُخبَرينَ -بفتحِ الباءِ- يُشاهِدونَه [108] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/227). .
2- قولُه تعالَى: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا مِن تَمامِ قولِهم: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا، وإنَّما أُعِيدَ معه كَلمةُ وَأَنَّا؛ للدَّلالةِ على أنَّ الخبَرَ الَّذي تَضمَّنَه هو المقصودُ، وأنَّ ما قبْلَه كالتَّوطئةِ له، فإعادةُ وَأَنَّا تَوكيدٌ لَفظيٌّ [109] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/228). .
- قولُه: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ (مِن) في قولِه: مِنْهَا تَبعيضيَّةٌ، أي: مِن ساحاتِها، وهو مُتعلِّقٌ بـ نَقْعُدُ، وليس المَجرورُ حالًا مِن مَقَاعِدَ مُقدَّمًا على صاحِبِه؛ لأنَّ السِّياقَ في الكَلامِ على حالِهم في السَّماءِ؛ فالعِنايةُ بمُتعلَّقِ فِعلِ القُعودِ أَوْلى [110] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/228). .
- والمقاعِدُ: جمْعُ مَقعَدٍ، وهو مَفعَلٌ للمكانِ الَّذي يقَعُ فيه القعودُ، وأُطلِقَ هنا على مَكانِ المُلازَمةِ؛ فإنَّ القُعودَ يُطلَقُ على مُلازَمةِ الحُصولِ [111] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/228). .
- واللَّامُ في قولِه: لِلسَّمْعِ لامُ العِلَّةِ، أي: لأجْلِ السَّمعِ [112] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/228). .
- وفي مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ مَبحَثٌ في مَباحثِ فَصاحةِ الكلِماتِ، حيثُ جاءت هذه اللَّفظةُ مَقَاعِدَ في القُرآنِ حَسنةً مَرْضيَّةً، غيرَ مُضافةٍ إلى مَن تَقبُحُ إضافتُها إليه، وهذا بخِلافِ قولِ الرَّضيِّ في رِثاءِ أبي إسحاقَ الصَّابئِ [113] يُنظر: ((ديوان الرضي)) (ص: 295)، وفيه (مقاود) بدلًا من (مقاعد). :
أعْزِزْ علَيَّ بأنْ أراك وقدْ خلا              عن جانِبَيْك مَقاعِدُ العُوَّادِ
فإنَّ إيرادَ هذه اللَّفظةِ (أي: مَقاعد) في هذا الموضعِ صَحيحٌ، إلَّا أنَّه يُوافِقُ ما يُكرَهُ ذِكرُه، لا سيَّما وقدْ أضافَه إلى مَن يُحتمَلُ (أي: ما يكْرَه) إضافتُه إليه، وهمُ العُوَّادُ، ولو انفرَدَ لَكان الأمْرُ فيه سهْلًا، ولو قال الشاعرُ بدَلًا مِن (مَقاعِد العُوَّادِ): (مَقاعِدُ الزِّيارةِ) لَزالَت تلك الهُجنةُ؛ فإنَّ لِمُصطلحاتِ النَّاسِ في استِعمالِ الكَلِماتِ أثرًا في وَقْعِ الكلِماتِ عندَ الأفهامِ [114] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/228، 229). ويُنظر أيضًا: ((سر الفصاحة)) للخفاجي (ص: 85)، ((المثل السائر)) لابن الأثير (1/202)؛ فالشَّرطُ السَّادسُ عندَ الخفاجيِّ في الكلمةِ الفصيحةِ: ألَّا تكونَ الكلمةُ قد عُبِّرَ بها عن أمْرٍ آخَرَ يُكرَه ذِكرُه، فإذا أُورِدَت وهي غيرُ مَقصودٍ بها ذلك المعْنى، قَبُحَت. .
- وقولُه: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا تَفريعٌ على مَحذوفٍ دلَّ عليه فِعلُ كُنَّا وتَرتُّبُ الشَّرطِ وجَزائِه عليه، وتَقديرُه: كنَّا نَقعُدُ منها -أي: مِن السَّماءِ- مَقاعِدَ للسَّمعِ، فنَستمِعُ أشياءَ، فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا [115] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/229). .
- قيل: جِيءَ بصِيغةِ الشَّرطِ وجَوابِه؛ لأنَّ الغرَضَ تَحذيرُ إخوانِهم مِن التَّعرُّضِ للاستِماعِ؛ لأنَّ المُستمِعَ يَتعرَّضُ لِأذى الشُّهبِ [116] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/229). . أو يكونُ ذلك لِمُجَرَّدِ أنَّهم يُخبِرونَ عن الحالِ.
3- قولُه تعالَى: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا نَتيجةٌ ناتجةٌ عن قولِهم: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ [الجن: 9] إلخ؛ لأنَّ ذلك السَّمعَ كان لمَعرفةِ ما يَجْري به الأمرُ مِن اللهِ للملائكةِ، وممَّا يُخبِرُهم به ممَّا يُريدُ إعلامَهم به، فكانوا على عِلمٍ مِن بَعضِ ما يَتلقَّفونه، فلمَّا مُنِعوا السَّمعَ صاروا لا يَعلَمون شيئًا مِن ذلك، فأخْبَروا إخوانَهم بهذا؛ عَساهم أنْ يَعتبِروا بأسبابِ هذا التَّغيُّرِ، فيُؤمِنوا بالوحْيِ الَّذي حرَسَه اللهُ مِن أنْ يطَّلِعَ عليه أحدٌ قبْلَ الَّذي يُوحَى به إليه والَّذي يَحمِلُه إليه. وهذا تَمهيدٌ لِما سَيَقولونه مِن قولِه: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ، ثمَّ قولِهم: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ [الجن: 12] ، ثمَّ قولِهم: وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ، إلى قولِه: فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [117] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/230، 231). [الجن: 13- 15] .
- وتَكريرُ (أنَّ) واسْمِها للتَّأكيدِ؛ لِكَونِ هذا الخبَرِ مُعرَّضًا لشَكِّ السَّامِعينَ مِن الجنِّ الَّذين لم يَختبِروا حِراسةَ السَّماءِ [118] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/231). .
- والرَّشَدُ: إصابةُ المَقصودِ النَّافعِ، وهو وَسيلةٌ للخَيرِ؛ فلهذا الاعتبارِ جُعِلَ مُقابِلًا للشَّرِّ [119] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/231)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/244). .