موسوعة التفسير

سُورةُ ق
الآيات (41-45)

ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ

غريب الكلمات:

سِرَاعًا: جَمعُ سَريعٍ، أي: مُسرِعينَ في الخُروجِ إلى محَلِّ الحِسابِ، وأصلُ (سرع): يدُلُّ على خِلافِ البُطءِ [474] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/152)، ((المفردات)) للراغب (ص: 407)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/333). .
بِجَبَّارٍ: أي: بمُسَلَّطٍ تُجبِرُهم على الإسلامِ؛ مِن: جَبَرَه على الأمرِ، بمعنى: أكرَهَه، وأصلُ (جبر): يدُلُّ على العَظَمةِ والعُلُوِّ [475] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 419)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/501)، ((البسيط)) للواحدي (20/421)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 368)، ((تفسير القرطبي)) (17/28)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/333). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى مبيِّنًا بعضَ أهوالِ يومِ القيامةِ: واستَمِعْ -يا محمَّدُ- حينَ يُنادي الملَكُ النَّاسَ مِن مَوضِعٍ قَريبٍ؛ يومَ يَسمَعُ الخَلقُ صَيحةَ البَعثِ بالحَقِّ، ذلك اليَومُ هو يَومُ خُروجِ النَّاسِ أحياءً مِن قُبورِهم للحَشرِ والحِسابِ.
ثمَّ يبيِّنُ كمالَ قدرتِه تعالى، فيقولُ: إنَّا نحن نُحيي الموتى، ونُميتُ الأحياءَ بقُدرتِنا، وإلينا مَرجِعُ الخَلائِقِ يومَ القيامةِ؛ يومَ تتصَدَّعُ الأرضُ عن الأمواتِ، فيَخرُجونَ مِن قُبورِهم أحياءً مُسرِعينَ إلى أرضِ المَحشَرِ، ذلك الحشَرُ سَهلٌ وهَيِّنٌ علينا.
ثمَّ يقولُ تعالى مُسلِّيًا نَبِيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم: نحن أعلَمُ بما يَقولُ الكُفَّارُ، وما أنت بمُسَلَّطٍ عليهم -يا محمَّدُ- فتُجبِرَهم على اتِّباعِ الحَقِّ، وإنَّما عليك البَلاغُ، فذكِّرْ بالقُرآنِ مَن يخافُ عذابي الَّذي توعَّدْتُ به مَن عَصاني.

تفسير الآيات:

وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41).
أي: واستَمِعْ -يا محمَّدُ- حينَ يُنادي الملَكُ الموكَّلُ بالصُّوْرِ النَّاسَ مِن مَوضِعٍ قَريبٍ [476] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/474)، ((البسيط)) للواحدي (20/418)، ((تفسير القرطبي)) (17/27)، ((تفسير ابن كثير)) (7/411)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/440). ممَّن ذهب إلى أنَّه أمرٌ بالاستِماعِ، وأنَّ المعنى: واستَمِعْ لِما أُخبِرُك به مِن حالِ يومِ القيامةِ وأهوالِها: الزمخشريُّ، وابن الجوزي، والنسفي، والخازن، وأبو حيان، والشوكاني، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/393)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 368)، ((تفسير النسفي)) (3/369)، ((تفسير الخازن)) (4/191)، ((تفسير أبي حيان)) (9/542)، ((تفسير الشوكاني)) (5/96)، ((تفسير القاسمي)) (9/31). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الرازي)) (28/154). ونسَبَ ابنُ عاشور حمْلَ الاستِماعِ على حقيقتِه إلى الجمهورِ. ((تفسير ابن عاشور)) (26/329). وممَّن ذهب إلى أنَّ معنى قَولِه: وَاسْتَمِعْ أي: انتَظِرْ: ابنُ عطيَّة، والرَّازيُّ، وابن جُزَي، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/169)، ((تفسير الرازي)) (28/154)، ((تفسير ابن جزي)) (2/305)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 112). واستبعَدَه السَّمينُ الحلبيُّ، وابنُ عادل. يُنظر: ((الدر المصون)) للسمين (10/36)، ((تفسير ابن عادل)) (18/51). قال الماتُريدي: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ، وانتَظِرْ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ، ولا تُكافِئْهم، ولا تنتَقِمْ منهم، ولكِنِ اصبِرْ وانتَظِرْ ذلك اليَومَ). ((تفسير الماتريدي)) (9/369). وقد ذكر كثيرٌ مِن المفسِّرينَ أنَّ المناديَ: إسرافيلُ، وأنَّ المكانَ القَريبَ: صَخرةُ بَيتِ المقدِسِ. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (3/339)، ((تفسير السمعاني)) (5/248)، ((تفسير الزمخشري)) (4/393)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/166)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/440). قال السمعاني: (القَولُ المعروفُ أنَّه إسرافيلُ عليه السَّلامُ يُنادي النَّاسَ على صَخرةِ بيتِ المَقدِسِ، فيقولُ: أيَّتُها العِظامُ الباليةُ، والجُلودُ المُتمَزِّقةُ، والأجسادُ المتفَرِّقةُ، والأوصالُ المتقَطِّعةُ، ارجِعي إلى رَبِّك. وقيل بلَفظٍ آخَرَ). ((تفسير السمعاني)) (5/248). وقال ابنُ عطية: (هذا الخبَرُ إن كان بوَحيٍ وإلَّا فلا سَبيلَ للوُقوفِ على صِحَّتِه). ((تفسير ابن عطية)) (5/170). وقال ابن عاشور: (وعندي أنَّ هذه الآياتِ  مِن قولِه: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ إلى قولِه: الْمَصِيرُ هي معَ ما تُفيدُه مِن تسليةِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم تُبَشِّرُ بطريقةِ التَّوجيهِ البَديعيِّ إلى تهديدِ المشركينَ بعذابٍ يَحلُّ بهم في الدُّنيا عَقِب نِداءٍ يُفزِعُهم فيَلْقَوْنَ إثْرَه حَتْفَهم، وهو عذابُ يَومِ بدرٍ، فخُوطِبَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بترَقُّبِ يَومٍ يُناديهم فيه مُنادٍ إلى الخُروجِ، وهو نِداءُ الصَّريخِ الَّذي صرَخ بأبي جهلٍ ومَن معَه بمكَّةَ بأنَّ عِيرَ قُرَيشٍ وفيها أبو سُفْيانَ قد لَقِيَها المسلمونَ بِبَدْرٍ... فالمكانُ القريبُ هو بطنُ الوادي؛ فإنَّه قَريبٌ مِن مَكَّةَ. والخروجُ: خروجُهم لبَدْرٍ، وتكونُ جملةُ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وعيدًا بأنَّ اللهَ يُميتُ سادَتَهم، وأنَّه يُبْقي مَن قَدَّر إسلامَه فيما بعدُ؛ فهو يُحْيِيه إلى يومِ أجَلِه). ((تفسير ابن عاشور)) (26/331). .
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42).
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ.
أي: وذلك يومَ يَسمَعُ الخَلقُ صَيحةَ البَعثِ بالحَقِّ [477] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/411)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/441)، ((تفسير الشوكاني)) (5/96)، ((تفسير السعدي)) (ص: 807). وقَولُه تعالى: بِالْحَقِّ قيل: معناه: أنَّها كائِنةٌ وواقِعةٌ. وممَّن قال بهذا المعنى: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والسمرقنديُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/116)، ((تفسير السمرقندي)) (3/339). ‌ وقيل: معنى بِالْحَقِّ: بالأمرِ بالإجابةِ لله إلى مَوقِفِ الحِسابِ. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/476). ويُنظر أيضًا: ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (11/7065). ‌ وقيل: معنى بِالْحَقِّ: أي: بالبَعثِ. وممَّن اختاره: الزمخشريُّ، وابن الجوزي، والبيضاوي، والنسفي، وجلال الدين المحلي، والعُلَيمي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/393)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/166)، ((تفسير البيضاوي)) (5/144)، ((تفسير النسفي)) (3/370)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 692)، ((تفسير العليمي)) (6/394). وقال ابن عاشور: (بِالْحَقِّ بمعنَى: بالصِّدْقِ، وهو هنا الحشرُ). ((تفسير ابن عاشور)) (26/ 331). وقال البقاعي: (بِالْحَقِّ أي: الأمرِ الثَّابتِ الَّذي كانوا يُسَمُّونَه سِحرًا، ويَعُدُّونَه خَيالًا، فيَعلَمونَ حينَئذٍ أنَّ الواقِعَ قد يُطابِقُه، فكان حقًّا؛ فإنَّه قد طابَقه الواقِعُ، فكان الإخبارُ به صِدقًا). ((نظم الدرر)) (18/441). ويُنظر: ((تفسير الماتريدي)) (9/369)، ((تفسير الرازي)) (28/156). .
ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ.
أي: ذلك اليَومُ هو اليَومُ الَّذي يَخرُجُ فيه النَّاسُ أحياءً مِن قُبورِهم للحَشرِ والحِسابِ [478] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/476)، ((تفسير القرطبي)) (17/27)، ((تفسير البيضاوي)) (5/144)، ((تفسير السعدي)) (ص: 807). .
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43).
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ.
أي: إنَّا نحن نُحيي الموتَى، ونُميتُ الأحياءَ بقُدرتِنا [479] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/476)، ((تفسير القرطبي)) (17/27)، ((تفسير ابن كثير)) (7/411)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 112). .
كما قال تعالى: لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحديد: 2] .
وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ.
أي: وإلينا مَرجِعُ جَميعِ الخَلقِ يومَ القيامةِ، فنُحاسِبُهم ونُجازيهم بحَسَبِ أعمالِهم [480] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/476)، ((تفسير ابن كثير)) (7/411)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 113). .
كما قال تعالى: هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يونس: 56] .
وقال سُبحانَه: إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى [العلق: 8] .
يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44).
يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا.
أي: يومَ تتصَدَّعُ الأرضُ عن الأمواتِ، فيَخرُجونَ مِن قُبورِهم أحياءً، وهم مُسرِعونَ إلى أرضِ المَحشَرِ [481] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/476)، ((تفسير السعدي)) (ص: 807)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/432)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 113). قال ابنُ جرير: (يقولُ جَلَّ ثناؤُه: وإلينا مَصيرُهم يومَ تشَقَّقُ الأرضُ؛ فاليَومُ مِن صِلةِ «مَصيرُ»). ((تفسير ابن جرير)) (21/476). ويُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/170). وقال ابنُ كثير: (وذلك أنَّ اللهَ تعالى يُنَزِّلُ مطَرًا مِنَ السَّماءِ تَنبُتُ به أجسادُ الخلائِقِ في قُبورِها كما يَنبُتُ الحَبُّ في الثَّرى بالماءِ، فإذا تكامَلَت الأجسادُ أمَرَ اللهُ إسرافيلَ فيَنفُخُ في الصُّورِ... فإذا نَفَخ إسرافيلُ فيه خرَجَت الأرواحُ تتوهَّجُ بيْنَ السَّماءِ والأرضِ... فتَرجِعُ كُلُّ رُوحٍ إلى جَسَدِها... وتنشَقُّ الأرضُ عنهم، فيَقومونَ إلى مَوقِفِ الحِسابِ سِراعًا مُبادِرينَ إلى أمرِ اللهِ). ((تفسير ابن كثير)) (7/411). .
كما قال الله سبحانه وتعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [المعارج: 43] .
وقال تبارك وتعالى: وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ [الانفطار: 4].
وعن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((النَّاسُ يَصعَقونَ [482] يَصْعَقونَ: مِنْ صَعِقَ الرَّجُلُ: إذا أصابَه فَزَعٌ فأُغمِيَ عليه، ورُبَّما مات منه. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقَسْطَلَّاني (4/232)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (9/3644). يومَ القيامةِ، فأكونُ أوَّلَ مَن تَنشَقُّ عنه الأرضُ )) [483] رواه البخاري (2412). .
ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ.
أي: جمْعُ النَّاسِ في أرضِ المَحشَرِ يومَ القيامةِ شَأنٌ سَهلٌ وهَيِّنٌ علينا، لا تَعَبَ فيه ولا مَشقَّةَ [484] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/476)، ((تفسير القرطبي)) (17/27)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 113). .
كما قال تعالى: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان: 28] .
وقال سُبحانَه: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [يس: 53] .
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّها تَسليةٌ لقَلبِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والمُؤمِنينَ، وتَحريضٌ لهم على ما أُمِرَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الصَّبرِ والتَّسبيحِ، أي: اشتَغِلْ بما قُلْناه، ولا تَشغَلْك الشَّكوى إلينا؛ فإنَّا نَعلَمُ أقوالَهم، ونرَى أعمالَهم [485] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/157). .
وأيضًا فهذه الآيةُ تَقريرٌ للحَشرِ؛ وذلك لأنَّه لَمَّا بَيَّن اللهُ تعالى أنَّ الحَشرَ عليه يَسيرٌ؛ لكَمالِ قُدرتِه، ونُفوذِ إرادتِه، ولكِنَّ تَمامَ ذلك بالعِلمِ الشَّامِلِ، حتَّى يُمَيَّزَ بينَ جُزءِ بَدَنَينِ: جُزءِ بَدَنِ زَيدٍ، وجُزءِ بَدَنِ عَمرٍو؛ فقال: ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ؛ لكَمالِ قُدرتِنا، ولا يَخفى علينا الأجزاءُ؛ لِمَكانِ عِلْمِنا [486] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/157). .
وأيضًا لَمَّا أقام اللهُ سُبحانَه الأدِلَّةَ على تمامِ قُدرتِه وشُمولِ عِلْمِه، وخَتَم بسُهولتِه عليه واختِصاصِه به؛ وَصَل -تَسليةً للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بتَهديدِهم على تَكذيبِهم بالعِلمِ الَّذي هو أعظَمُ التَّهديدِ [487] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/442). .
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ.
أي: نحن أعلَمُ بما يَقولُه الكُفَّارُ مِنَ الكَذِبِ والافتراءِ على اللهِ، والتَّكذيبِ بآياتِه ورُسُلِه، والإنكارِ لقُدرتِه على بَعثِ عِبادِه [488] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/477)، ((تفسير القرطبي)) (17/28)، ((تفسير ابن كثير)) (7/412)، ((تفسير السعدي)) (ص: 808). .
وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ.
أي: وما أنت بمُسَلَّطٍ عليهم -يا محمَّدُ- فتُجبِرَهم على اتِّباعِ الحَقِّ، وتَقهَرَهم على الانقيادِ إليه، وإنَّما عليك البَلاغُ [489] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/477)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 121)، ((تفسير ابن كثير)) (7/412)، ((تفسير السعدي)) (ص: 808). قال ابن عاشور: (فيه تهديدٌ لهم، وتَسليةٌ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَطْمينٌ له بأنَّه غيرُ مَسؤولٍ عن عدَمِ اهتِدائِهم؛ لأنَّه إنَّما بُعِثَ داعيًا وهاديًا، وليس مَبعوثًا لإرغامِهم على الإيمانِ). ((تفسير ابن عاشور)) (26/333). وقال السمعاني: (قال بعضُهم: إنَّ الآيةَ منسوخةٌ، وهي قبْلَ نُزولِ آيةِ السَّيْفِ، نسَخَتْها آيةُ السَّيفِ). ((تفسير السمعاني)) (5/248). ويُنظر: ((نواسخ القرآن)) لابن الجوزي (2/587)، ((تفسير القرطبي)) (17/28)، ((تفسير الشوكاني)) (5/96). .
كما قال الله تبارك وتعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة: 272] .
وقال سُبحانَه: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [يونس: 99، 100].
وقال الله عزَّ وجلَّ: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ [الغاشية: 21، 22].
فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ.
أي: فذكِّرْ -يا محمَّدُ- بهذا القُرآنِ مَن يخافُ عذابي الَّذي توعَّدْتُ به مَن عَصاني [490] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/478)، ((تفسير القرطبي)) (17/28)، ((تفسير ابن كثير)) (7/412)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 113). قال السعدي: (التَّذكيرُ هو: تذكيرُ ما تقرَّرَ في العُقولِ والفِطَرِ مِن محبَّةِ الخَيرِ، وإيثارِه وفِعْلِه، ومِن بُغضِ الشَّرِّ ومُجانَبتِه، وإنَّما يَتذكَّرُ بالتَّذكيرِ مَن يَخافُ وعيدَ اللهِ، وأمَّا مَن لم يخَفِ الوَعيدَ، ولم يُؤمِنْ به، فهذا فائِدةُ تذكيرهِ: إقامةُ الحُجَّةِ عليه). ((تفسير السعدي)) (ص: 808). .
كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57].
وقال سُبحانَه: إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ [يس: 11] .
وقال عزَّ وجلَّ: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا [النازعات: 45] .

الفوائد التربوية:

1- مَدارُ السَّعادةِ وقُطبُ رَحاها على التَّصديقِ بالوَعيدِ، فإذا تعطَّلَ مِن قَلبِه التَّصديقُ بالوَعيدِ خَرِبَ خَرابًا لا يُرجَى معه فَلاحٌ البتَّةَ، واللهُ تعالى أخبَرَ أنَّه إنَّما تَنفَعُ الآياتُ والنُّذُرُ لِمَن صَدَّق بالوَعيدِ، وخاف عذابَ الآخِرةِ، فهؤلاء هم المقصودونَ بالإنذارِ، والمُنتَفِعونَ بالآياتِ دونَ مَن عَداهم؛ قال اللهُ تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ [هود: 103] ، وقال: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا [النازعات: 45] ، وقال: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ، وأخبَرَ تعالى أنَّ أهلَ النَّجاةِ في الدُّنيا والآخرةِ هم المصَدِّقونَ بالوَعيدِ، الخائِفونَ منه؛ فقال تعالى: وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ [491] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/164، 165). [إبراهيم: 14] .
2- تذكُّرُ الوَعدِ والوَعيدِ يُوجِبُ خَشيتَه والحَذَرَ منه، ولا تَنفَعُ الموعِظةُ إلَّا لِمَنْ آمَنَ به وخافَه ورَجاه؛ قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ [هود: 103] ، وقال: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى [الأعلى: 10] ، وقال: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا [النازعات: 45] ، وأصرَحُ مِن ذلك قَولُه تعالى: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ؛ فالإيمانُ بالوَعدِ والوَعيدِ وذِكرُه: شَرطٌ في الانتِفاعِ بالعِظاتِ والآياتِ والعِبَرِ، يَستحيلُ حُصولُه بدُونِه [492] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/446). .

الفوائد العلمية واللطائف:

قَولُ اللهِ تعالى: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ فيه سُؤالٌ: هذه الآيةُ تدُلُّ على خُصوصِ التَّذكيرِ بالقُرآنِ بمَن يَخافُ وَعيدَ اللهِ، وقد جاءت آياتٌ أُخَرُ تدُلُّ على عُمومِه، كقَولِه تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية: 21] ، وقَولِه تعالى: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [طه: 113] .
الجوابُ: أنَّ التَّذكيرَ بالقُرآنِ عامٌّ، إلَّا أنَّه لَمَّا كان المُنتَفِعُ به هو مَن يَخافُ وَعيدَ اللهِ صار كأنَّه مُختَصٌّ به، كما أشار إليه قَولُه تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [493] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)) للشنقيطي (ص: 220). [الذاريات: 55].

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ
- قولُه: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ عطْفٌ على جُملةِ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [ق: 39] ؛ فالأمرُ بالاستِماعِ مُفرَّعٌ بالفاءِ الَّتي فُرِّعَ بها الأمْرُ بالصَّبرِ على ما يقولونَ، فهو لاحِقٌ بتَسليةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فلا يكونُ المَسموعُ إلَّا مِن نَوعِ ما فيه عِنايةٌ به وعقوبةٌ لِمُكذِّبيه [494] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/329). .
- وابتداءُ الكلامِ بقولِه: وَاسْتَمِعْ يُفيدُ توثيقًا إلى ما يَرِدُ بَعْدَه [495] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/329). .
- يَجوزُ حمْلُ الاستِماعِ على الإنصاتِ والإصغاءِ، وإذ كان المذكورُ عقِبَ فِعلِ السَّمْعِ لا يَصلُحُ لِأنْ يكونَ مَسموعًا -لأنَّ اليَومَ ليس ممَّا يُسمَعُ- تَعيَّنَ تَقديرُ مَفعولٍ لـ (اسْتَمِعْ) يدُلُّ عليه الكلامُ الَّذي بعْدَه، فيُقدَّرُ: استمِعْ نِداءَ المُنادي، أو استمِعْ خبَرَهم، أو استمِعِ الصَّيحةَ يومَ يُنادي المُنادي. ويجوزُ جعْلُ فِعلِ (اسْتَمِعْ) مُنزَّلًا مَنزِلةَ اللَّازِمِ، أي: كُنْ سامِعًا، فيَكونُ مَعنى الأمْرِ بالاستِماعِ تَخييلًا لصَيحةِ ذلك اليومِ في صُورةِ الحاصِلِ، بحيث يُؤمَرُ المخاطَبُ بالإصغاءِ إليها في الحالِ. أو يُحمَلُ (اسْتَمِعْ) على أنَّه بمَعنى: انتظِرْ؛ لأنَّ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُؤمَرْ بأنْ يَستمِعَ في يومِ النِّداءِ؛ لأنَّ كلَّ مَن فيه يَستمِعُ، وإنَّما الآيةُ في معنى الوعيدِ للكفَّارِ، فقِيل لمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: تَحسَّسْ هذا اليومَ وارْتقِبْه؛ فإنَّ فيه تَبيُّنَ صِحَّةِ ما قُلْتُه. أو المعنى: واستمِعْ لِمَا أُخبِرُك به مِن حالِ يومِ القِيامةِ، وفي ذلك تَهويلٌ وتعظيمٌ لشأنِ المُخبَرِ به؛ لِمَا في الإبهامِ والتَّفسيرِ مِن التَّهْويلِ والتَّعظيمِ [496] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/393)، ((تفسير البيضاوي)) (5/144)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (14/560)، ((تفسير أبي حيان)) (9/542)، ((تفسير أبي السعود)) (8/134)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/329، 330). .
- وتعريفُ الْمُنَادِ تَعريفُ الجِنسِ، أي: يومَ يُنادي المَلَكُ الَّذي يَنفُخُ النَّفْخةَ الثَّانيةَ، فتَتكوَّنُ الأجسادُ، وتحُلُّ فيها أرواحُ النَّاسِ للحَشرِ [497] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/330). .
- وتنْوينُ مَكَانٍ قَرِيبٍ للنَّوعيَّةِ؛ إذ لا يَتعلَّقُ الغرَضُ بتَعيينِه. ووصْفُه بـ قَرِيبٍ؛ للإشارةِ إلى سُرعةِ حُضورِ المُنادَينَ، وهو الَّذي فسَّرَتْه جُملةُ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ؛ لأنَّ المعروفَ أنَّ النِّداءَ مِن مكانٍ قريبٍ لا يَخفَى على السَّامِعينَ، بخِلافِ النِّداءِ مِن مكانٍ بعيدٍ [498] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/330، 331). .
- وبِالْحَقِّ بمعنى: بالصِّدقِ، وهو هنا الحَشرُ -على قولٍ-؛ وُصِفَ بالحقِّ إبطالًا لزعْمِ المشركينَ أنَّه اختِلاقٌ [499] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/331). .
- قولُه: ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ اسمُ الإشارةِ ذَلِكَ جيءَ به لتَهويلِ المشارِ إليه، وهو يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ؛ فأُريدَ كَمالُ العِنايةِ بتمْييزِه؛ لاختِصاصِه بهذا الخبَرِ العظيمِ، وكان مُقتضَى الظَّاهرِ أنْ يُقالَ: (هو يومُ الخُروجِ) [500] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/331). .
2- قولُه تعالَى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ تَذييلٌ، أي: هذا الإحياءُ بعدَ أنْ أَمَتْناهم هو مِن شُؤونِنا؛ بأنَّا نُحييهم، ونُحيي غيرَهم، ونُميتُهم، ونُميتُ غيرَهم، والمقصودُ هو قولُه: وَنُمِيتُ، وأمَّا قولُه: نُحْيِي؛ فإنَّه لاستِيفاءِ معنى تَصرُّفِ اللهِ تعالى في الخَلْقِ [501] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/331). .
- وتَقديمُ وَإِلَيْنَا في وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ؛ للاهتِمامِ [502] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/331). .
- والتَّعريفُ في الْمَصِيرُ إمَّا تَعريفُ الجِنسِ، أي: كلُّ شَيءٍ صائرٌ إلى ما قدَّرْناه له، وأكبرُ ذلك هو ناموسُ الفَناءِ المكتوبِ على جَميعِ الأحياءِ، وإمَّا تَعريفُ العَهدِ، أي: المصيرُ المُتحدَّثُ عنه، وهو الموتُ؛ لأنَّ المصيرَ بعْدَ الموتِ إلى حُكمِ اللهِ تعالَى [503] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/331). .
3- قولُه تعالَى: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ بَيانٌ لجُملةِ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق: 42] ، أو بدَلُ اشتِمالٍ منها، مع ما في المُعادِ منها مِن تأْكيدٍ لِمُرادِفِه. أو استِئنافٌ يُفيدُ الاستِدلالَ على إمكانِ الحَشرِ، ووَصْفَ حالٍ مِن أحوالِه، وهو تَشقُّقُ الأرضِ عنهم، أي: عن أجسادٍ مَثيلةٍ لأجسادِهم، وعن الأجسادِ الَّتي لم يَلحَقْها الفَناءُ [504] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/332). .
- وتقدُّمُ الجارِّ المجرورِ عَلَيْنَا على الخَبرِ يَسِيرٌ يُفيدُ الاختِصاصَ، أي: هو يَسيرٌ في جانبِ قُدرتِنا، لا كما زَعَمَه نُفاةُ الحشرِ [505] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/393)، ((تفسير البيضاوي)) (5/145)، ((تفسير أبي السعود)) (8/135)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/332). .
4- قولُه تعالَى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ استِئنافٌ بَيانيٌّ ناشئٌ عن قولِه: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [ق: 39] ؛ فهو إيغالٌ في تَسليةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَعريضٌ بوَعيدِهم وتَهديدِهم [506] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/393)، ((تفسير الرازي)) (28/157)، ((تفسير البيضاوي)) (5/145)، ((تفسير أبي حيان)) (9/544)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/333). .
- وفي قَولِه: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ فُرِّع أمْرُه بالتَّذكيرِ على وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ؛ لأنَّه ناشئٌ عن نفْيِ كَونِه جبَّارًا عليهم، وهذا كقولِه تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ [الغاشية: 21، 22]، ولكنْ خَصَّ التَّذكيرَ هنا بالمؤمنينَ الَّذين يَخافونَ وعيدَ اللهِ تعالَى؛ لأنَّه أرادَ التَّذكيرَ الَّذي يَنفَعُ المُذَكَّرَ، ولأنَّ مَن لا يَخافُ الوعيدَ -لِكَونِه غيرَ مُصدِّقٍ بوُقوعِه- لا يَذَّكَّرُ؛ إذ لا تَنفَعُ فيه الذِّكرى، كما قال سُبحانَه: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [507] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/544)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/333). [الذاريات: 55].
- وما أنسَبَ هذا الاختِتامَ بالافتِتاحِ، حيثُ جاءَ أوَّلُ هذِه السُّورةِ وآخِرُها مُتناسِبَينِ ومُتقارِبَينِ في المعنَى، حيثُ قال في الأوَّلِ: ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ [ق: 1] ، وقال في آخِرِها: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ؛ فافتَتحَ بما اختَتمَ به [508] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/119) و(28/158)، ((تفسير أبي حيان)) (9/544)، ((تفسير الألوسي)) (13/344). .