موسوعة التفسير

سُورةُ العَلَقِ
الآيات (6-19)

ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ

غريب الكلمات:

لَيَطْغَى: أي: يَتَجاوَزُ الحَدَّ في الخُروجِ عن الحَقِّ، وأصلُ (طغى): هو مجاوَزةُ الحَدِّ في العِصْيانِ [77] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/412)، ((المفردات)) للراغب (ص520)، ((تفسير القرطبي)) (6/245). .
الرُّجْعَى: أي: المَرجِعَ والرُّجوعَ، يُقالُ: رجَعَ إليه يرجِعُ رُجوعًا ومَرجِعًا، ورُجْعَى: مصدَرٌ على فُعْلَى. وأصلُ (رجع): يدُلُّ على رَدٍّ وتَكرارٍ [78] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/490)، ((البسيط)) للواحدي (24/173). .
لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ: أي: لَنَقبِضَنَّ بناصيتِه ونَجُرُّه بها ذليلًا، والسَّفْعُ: الجَذْبُ بشِدَّةٍ، يُقالُ: سَفَعَه: إذا اقتلَعَه مِن مَوضِعِه بجَذْبِ بَعْضِه جَذبًا شَديدًا. وقيل: أي: لَنُحرِقَنَّه ولَنُسَوِّدَنَّ وَجْهَه؛ مأخوذٌ مِن سفَعَتْه النَّارُ: إذا أحرَقَتْه، وغَيَّرَت وَجْهَه إلى حالِ تسويدٍ. والنَّاصيةُ: شَعرُ مُقَدَّمِ الرَّأسِ، وقد يُعَبَّرُ بها عن جملةِ الإنسانِ، وأصلُ (سفع): يدُلُّ على السَّوادِ، وعلى تناوُلِ شَيءٍ باليَدِ [79] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/83)، ((البسيط)) للواحدي (24/176)، ((تفسير ابن عطية)) (5/503)، ((تفسير القرطبي)) (20/125). .
خَاطِئَةٍ: الخاطِئُ: اسمُ فاعِلٍ مِن خَطِئَ: إذا فَعَل الخطيئةَ، وهي الإثمُ والذَّنبُ، ومَصْدَرُه: الخِطْءُ، وأصلُه: يدُلُّ على تعَدِّي الشَّيءِ، والذَّهابِ عنه [80] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/198)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/76). .
نَادِيَهُ: أي: قَومَه وعَشيرتَه وأهلَ مَجلِسِه، يُقالُ: نَدَوْتُ القَومَ أَنْدُوهم نَدْوًا: إذا جمَعْتَهم، ويُقالُ للمَوضِعِ الَّذي يجتَمِعون فيه: النَّادِي، وأصلُ (ندو): يدُلُّ على تجَمُّعٍ [81] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/411)، ((البسيط)) للواحدي (14/302) و(24/ 179، 180)، ((تفسير القرطبي)) (20/126). .
الزَّبَانِيَةَ: أي: ملائِكةَ العَذابِ الغِلاظَ الشِّدادَ؛ مأخوذٌ مِنَ الزَّبْنِ، وهو الدَّفعُ بشِدَّةٍ، وسُمُّوا بذلك؛ لأنَّهم يَدفَعونَ أهلَ النَّارِ إليها، وأصلُ (زبن): يدُلُّ على الدَّفعِ [82] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/46)، ((تفسير البغوي)) (8/481)، ((تفسير ابن عطية)) (5/503)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/452). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى مبيِّنًا الأسبابَ الَّتي تحمِلُ الإنسانَ على الطُّغيانِ: كَلَّا! إنَّ مِن شأنِ الإنسانِ وطَبْعِه أن يطغَى إذا كَثُرَ مالُه، ورأى نَفْسَه غَنِيًّا بما أنعمَ اللهُ عليه، مُستَغنيًا عن غَيْرِه بذلك!
ثُمَّ يَتَوعَّدُ اللهُ تَعالى مَن يَطْغى ويَعِظُه، فيقول: إنَّ إلى رَبِّك -يا محمَّدُ- المَرجِعَ والمصيرَ.
ثُمَّ يقولُ تَعالى مُعَجِّبًا نَبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّمَ مِن حالِ شَقِيٍّ مِن الأشْقِياءِ وأمْثالِه: أرأَيْتَ -يا محمَّدُ- هذا الطَّاغيَ أبا جَهلٍ الَّذي يَنهاك عن الصَّلاةِ؟ فماذا لو كان هذا العَبدُ المَنهيُّ عن الصَّلاةِ على استقامةٍ وسَدادٍ في صلاتِه لرَبِّه، أو كان آمِرًا بتقوى اللهِ؟!
أرأَيتَ- يا محمَّدُ- هذا الَّذي كذَّبَ بالحَقِّ، وأعرَضَ عن اتِّباعِه، ألم يعلَمْ بأنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عليه وعلى أفعالِه وأقوالِه؟
ثُمَّ يقولُ تَعالى مُتَوعِّدًا هذا الكافِرَ الشَّقِيَّ: كَلَّا! لَئِنْ لم يتوقَّفْ عن نهيِ محمَّدٍ عن الصَّلاةِ لَنأخُذَنَّ بناصيتِه إذلالًا له؛ تلك النَّاصيةِ الكاذِبةِ في أقوالِها، الخاطِئةِ في أفعالِها.
ثُمَّ يقولُ تَعالى مُتَهكِّمًا مِن هذا الكافِرِ: فلْيَدْعُ أبو جَهلٍ أهلَ مَجلِسِه مِن قَومِه وعَشيرتِه؛ لِيَستنصِرَ بهم، ونحن سنَدعو ملائِكةَ العَذابِ الغِلاظَ الشِّدادَ.
 ثُمَّ يَأمُرُ اللهُ تَعالى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يُداوِمَ على عِبادةِ رَبِّه، وألَّا يَنْقادَ لنَهْيِ هذا الكافِرِ، فيقولُ: كلَّا! لا تُطِعْه -يا محمَّدُ- في نَهْيِه لك عن الصَّلاةِ، ولا تُبالِ به، واسجُدْ لرَبِّك في صَلاتِك واقتَرِبْ منه.

تفسير الآيات:

كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6).
سَبَبُ النُّزولِ:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (قال أبو جَهلٍ: هل يُعفِّرُ محمَّدٌ وَجْهَه [83] هل يُعَفِّرُ محمَّدٌ وجْهَه: أي: يَسجُدُ ويُلصِقُه بالعَفَرِ، وهو التُّرابُ. يُنظر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) لعياض (8/329). بيْن أظهُرِكم [84] بيْن أظْهُرِكم: أي: بيْنَكم. يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمُظْهِري (6/176). ؟! فقيل: نعَمْ. فقال: واللَّاتِ والعُزَّى لئِنْ رأيتُه يَفعَلُ ذلك لَأطأَنَّ على رقَبتِه، أو لأُعفِّرَنَّ وَجْهَه في التُّرابِ، فأتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يصَلِّي؛ زعَمَ لِيَطَأَ على رَقَبتِه، قال: فما فَجِئَهم منه إلَّا وهو يَنكِصُ على عَقِبَيه، ويَتَّقي بيَدَيه. فقيل له: ما لَك؟! فقال: إنَّ بيْني وبيْنه لَخَنْدقًا مِن نارٍ وهَولًا وأجِنحةً! فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو دنا منِّي لَاختَطَفَته الملائكةُ عُضوًا عُضوًا، فأنزل اللهُ عزَّ وجَلَّ -لا ندري في حديثِ أبي هُرَيرةَ، أو شَيءٌ بلَغَه [85] هذا مِن قولِ الرَّاوي عن أبي هريرةَ، يقولُ: لا نعلَمُ هل الإخبارُ عن إنزالِ الآيةِ داخلٌ فيما رآه أبو هريرةَ وحضَره، أو شيءٌ بلَغه عن غيرِه ممَّن حضَره ورآه. يُنظر: ((الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم)) للهرري (25/401). -: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [العلق: 6 - 13] -يعني: أبا جَهلٍ- أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق: 14 - 19] ) [86] رواه مسلم (2797). .
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ تعالى في مقَدِّمةِ السُّورةِ دلائِلَ ظاهِرةً على التَّوحيدِ والقُدرةِ والحِكمةِ بحيثُ يَبعُدُ مِن العاقِلِ ألَّا يطَّلِعَ عليها، ولا يَقِفَ على حقائِقِها؛ أتْبَعَها بما هو السَّبَبُ الأصليُّ في الغَفلةِ عنها، وهو: حُبُّ الدُّنيا، والاشتِغالُ بالمالِ والجاهِ، والثَّروةِ والقُدرةِ؛ فإنَّه لا سَبَبَ لعَمى القَلبِ في الحقيقةِ إلَّا ذلك [87] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (32/220). .
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6).
أي: ما هكذا يَنبغي أن يكونَ الإنسانُ؛ أن يُنعِمَ عليه رَبُّه بخَلْقِه وتعليمِه، ثمَّ يَكفُرَ به، ويَتجاوَزَ حَدَّه، ويَستكبِرَ عليه [88] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/532)، ((تفسير ابن عطية)) (5/502)، ((تفسير القرطبي)) (20/123)، ((تفسير السعدي)) (ص: 930)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 260). قال الألوسي: (كَلَّا ردعٌ لمَن كفَر مِن جنسِ الإنسانِ بنعمةِ الله تعالى عليه بطغيانِه، وإن لم يُذكَرْ لدلالةِ الكلامِ عليه، وذلك لأنَّ مفتتحَ السُّورةِ إلى هذا المقطعِ يدلُّ على عظيمِ منَّتِه تعالى على الإنسانِ، فإذا قيل: كَلَّا كان ردعًا للإنسانِ الذي قابَل تلك النِّعمَ الجلائلَ بالكفرانِ وبالطُّغيانِ، وكذلك التعليلُ بقولِه تعالى: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أي: ليتجاوزُ الحدَّ في المعصيةِ واتِّباعِ هوَى النَّفسِ، ويستكبرُ على ربِّه عزَّ وجلَّ). ((تفسير الألوسي)) (15/403). وقال ابنُ القيِّم: (الإنسانُ هو الإنسانُ مِن حيثُ هو، من غيرِ اختصاصٍ بواحدٍ بعَينِه). ((الروح)) (ص: 126). وقال ابنُ عطيَّةَ: (كَلَّا: هي ردٌّ على أقوالِ أبي جَهلٍ وأفعالِه). ((تفسير ابن عطية)) (5/502). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/442). !
أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7).
أي: إنَّ مِن شأنِ الإنسانِ وطَبْعِه أن يَطغى إذا كَثُرَ مالُه، ورأى نَفْسَه غَنِيًّا بما أنعمَ اللهُ عليه، مُستَغنيًا عن غَيْرِه بذلك [89] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/532)، ((الوسيط)) للواحدي (4/529)، ((تفسير ابن كثير)) (8/437)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/444، 445). .
إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8).
أي: إنَّ إلى رَبِّك -يا محمَّدُ- المَرجِعَ والمصيرَ، فيُجازي ذلك الطَّاغيَ على أعمالِه [90] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/533)، ((تفسير الألوسي)) (15/404)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/446). قال الألوسي: (الخطابُ قيل: للإنسانِ... وجُوِّز أنْ يكونَ الخطابُ لسيدِ المخاطَبينَ صلَّى الله عليه وسلَّم... ولعلَّه الأظهرُ نظرًا إلى الخطاباتِ قبلَه). ((تفسير الألوسي)) (15/404). .
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10).
أي: أرأَيْتَ -يا محمَّدُ- هذا الطَّاغيَ أبا جَهلٍ الَّذي ينهى عَبدًا للهِ -وهو محمَّدٌ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- إذا صلَّى لله سُبحانَه عِندَ الكَعْبةِ [91] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/533)، ((تفسير القرطبي)) (20/124)، ((تفسير ابن كثير)) (8/438). قال ابنُ عطيَّة: (لم يختَلِفْ أحدٌ مِن المفَسِّرينَ في أنَّ النَّاهيَ: أبو جَهلٍ، وأنَّ العبدَ المصَلِّيَ: محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((تفسير ابن عطية)) (5/502). ؟
أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11).
أي: ماذا لو كان هذا العَبدُ المَنهيُّ عن الصَّلاةِ على استقامةٍ وسَدادٍ في صلاتِه لرَبِّه [92] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/534)، ((تفسير ابن كثير)) (8/438)، ((تفسير السعدي)) (ص: 930)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 262). ؟
أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12).
أي: أو كان آمِرًا بتقوى اللهِ والحَذَرِ مِن سَخَطِه وعَذابِه، وأنت تَزجُرُه وتتَوعَّدُه إن صلَّى، فكيف يَجدُرُ ذلك بمَن تلك صِفتُه [93] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/534)، ((الوسيط)) للواحدي (4/529)، ((تفسير ابن كثير)) (8/438)، ((تفسير السعدي)) (ص: 930)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 263). ؟!
أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13).
أي: أرأَيتَ- يا محمَّدُ- هذا الَّذي كذَّبَ بالحَقِّ، وأعرَضَ عن اتِّباعِه [94] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/535)، ((تفسير القرطبي)) (20/124)، ((تفسير السعدي)) (ص: 930). ؟
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14).
أي: ألم يعلَمْ بأنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عليه وعلى أفعالِه وأقوالِه، وسيُجازيه على ذلك [95] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/535)، ((تفسير ابن كثير)) (8/438)، ((تفسير السعدي)) (ص: 930)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 263). ؟
كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15).
أي: ليس الأمرُ كما يقولُ هذا الرَّجُلُ! وأُقسِمُ لَئِنْ لم يتوقَّفْ عن نهيِ محمَّدٍ عن الصَّلاةِ لَنأخُذَنَّ بمُقَدَّمِ رأسِه؛ إذلالًا له [96] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/763)، ((تفسير ابن جرير)) (24/536)، ((تفسير القرطبي)) (20/125)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/450)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 264). ومِمَّن قال في الجُملةِ بأنَّ السَّفعَ: هو الأخذُ بعُنفٍ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، والقرطبيُّ، وابن عاشور، وابن عثيمين. يُنظر: المصادر السَّابقة. وممَّن قال بنَحْوِ هذا القَولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاس. يُنظر: ((الدر المنثور)) للسيوطي (8/566). قال ابنُ جرير: ( لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ يقولُ: لنأخُذَنَّ بمقَدَّمِ رأسِه، فلَنُضِيمَنَّه ولَنُذِلَّنَّه). ((تفسير ابن جرير)) (24/536). وقال الرازي: (هذا السَّفْعُ يحتملُ أنْ يكونَ المرادُ منه إلى النَّارِ في الآخرةِ، وأنْ يكونَ المرادُ منه في الدُّنيا). ((تفسير الرازي)) (32/224). ممن اختار الأوَّلَ -أي: لَنَأْخُذَنَّ بناصِيَتِه ولَنَجُرَّنَّه إِلى النَّارِ: ابنُ أبي زَمَنِين، والسَّمعاني، والبغوي، والرَّسْعني، والعُلَيمي، والشَّوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن أبي زمنين)) (5/148)، ((تفسير السمعاني)) (6/258)، ((تفسير البغوي)) (5/282)، ((تفسير الرسعني)) (8/685)، ((تفسير العليمي)) (7/403)، ((تفسير الشوكاني)) (5/572). وقال ابنُ جُزَي: (ويظهَرُ لي أنَّ هذا الوعيدَ نفذ عليه يومَ بدرٍ حينَ قُتِل وأُخِذ بناصيتِه فجُرَّ إلى القَليبِ). ((تفسير ابن جزي)) (2/ 498). وقيل: سَفْعُ النَّاصيةِ هو وَسْمُها بالسَّوادِ يومَ القيامةِ. ومِمَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/438). .
كما قال سبحانه وتعالى: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ [الرحمن: 41].
نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16).
أي: لَنأخُذَنَّ بتلك النَّاصيةِ الكاذِبةِ في أقوالِها، الخاطِئةِ في أفعالِها [97] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/536)، ((تفسير القرطبي)) (20/126)، ((تفسير ابن كثير)) (8/438)، ((تفسير السعدي)) (ص: 930). .
فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17).
أي: فلْيَدْعُ أبو جَهلٍ أهلَ مَجلِسِه مِن قَومِه وعَشيرتِه؛ لِيَستنصِرَ بهم [98] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/536)، ((الوسيط)) للواحدي (4/530)، ((تفسير القرطبي)) (20/126)، ((تفسير ابن كثير)) (8/438)، ((تفسير السعدي)) (ص: 930)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 265). .
عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: ((كان رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلِّي عندَ المقامِ، فمرَّ به أبو جهلِ بنِ هشامٍ، فقال: يا محمَّدُ ألم أنهَكَ عن هذا؟ وتوعَّدَه، فأغلَظ له رسولُ اللهِ وانتهرَه، فقال: يا محمَّدُ بأيِّ شيٍء تُهدِّدُني؟ أما واللهِ إنِّي لأكثرُ هذا الوادي ناديًا، فأنزَل اللهُ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ، قال ابنُ عباسٍ: لو دعا ناديَه أخذتْه زبانيةُ العذابِ من ساعتِه)) [99] أخرجه الترمذي (3349)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11684)، وأحمد (3044) باختلافٍ يسيرٍ، وابن جرير في ((التفسير)) (24/525) واللفظُ له قال الترمذي: (حسنٌ غريبٌ صحيحٌ). وقال الحاكم في ((المستدرك)) (3855): (صحيحُ الإسنادِ). وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (275): (إسنادُه صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ). وقال شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (5/167): (إسنادُه صحيحٌ). .
سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18).
أي: ونحن سنَدعو ملائِكةَ العَذابِ الغِلاظَ الشِّدادَ إنْ دعا أبو جَهلٍ قَومَه [100] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/536)، ((تفسير القرطبي)) (20/126)، ((تفسير ابن كثير)) (8/438)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 265). وحُذِفَت الواوُ مِن سَنَدْعُ لَفظًا لالتِقاءِ السَّاكِنَينِ، وحُذِفَت في خَطِّ المُصحَفِ إتباعًا لِلَّفظِ، اختِصارًا وتخفيفًا. أو مشاكلةً لـ فَلْيَدْعُ. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/503)، ((تفسير الألوسي)) (15/410). .
كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19).
أي: ليس الأمرُ كما يزعُمُ أبو جَهلٍ! فلا تُطِعْه في نَهْيِه لك عن الصَّلاةِ، ولا تُبالِ به، ولا تَخْشَهْ، واسجُدْ لرَبِّك في صَلاتِك واقتَرِبْ منه [101] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/540، 541)، ((تفسير ابن عطية)) (5/503)، ((تفسير القرطبي)) (20/128)، ((تفسير ابن كثير)) (8/439)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/172، 173)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/453)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 266). قال البقاعي: (كَلَّا أي: لا يَقدِرُ على دُعاءِ ناديه، ولا يَنتهي عن أذاه للمُطيعِ بالتَّهديدِ؛ فلْيَرتَدِعْ عن كُلٍّ مِن ذلك). ((نظم الدرر)) (22/172). وقال السعدي: (هذا عامٌّ لكُلِّ ناهٍ عن الخَيرِ، ومَنهيٍّ عنه، وإن كانت نازِلةً في شأنِ أبي جَهلٍ حينَ نهى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الصَّلاةِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 930، 931). وقال ابنُ عثيمين: (المرادُ بالسُّجودِ هنا الصَّلاةُ، لكِنْ عَبَّر بالسُّجودِ عن الصَّلاةِ؛ لأنَّ السُّجودَ ركنٌ في الصَّلاةِ لا تَصِحُّ إلَّا به؛ فلهذا عَبَّرَ به عنها). ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 266). .
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أقرَبُ ما يكونُ العَبدُ مِن رَبِّه وهو ساجِدٌ؛ فأكثِروا الدُّعاءَ )) [102] رواه مسلم (482). .

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى وعيدٌ للطَّاغي، وتحقيرٌ لغِنًى ينقَطِعُ [103] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/163). .
2- في قَولِه تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى أنَّ المالَ أحيانًا يُفْسِدُ صاحبَه، ويَحْمِلُه على أنْ يَستَكْبِرَ على الخَلْقِ، ويَرُدَّ الحَقَّ [104] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/546). !
3- قال تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى عِلَّةُ هذا الخُلُقِ أنَّ الاستِغناءَ تُحَدِّثُ صاحِبَه نَفْسُه بأنَّه غيرُ مُحتاجٍ إلى غَيرِه، وأنَّ غَيرَه محتاجٌ، فيرى نَفْسَه أعظَمَ مِن أهلِ الحاجةِ، ولا يزالُ ذلك التَّوَهُّمُ يَرْبو في نَفْسِه حتَّى يَصيرَ خُلُقًا، حيث لا وازِعَ يَزَعُه مِن دينٍ أو تفكيرٍ صَحيحٍ؛ فيَطغى على النَّاسِ لشُعورِه بأنَّه لا يَخافُ بأسَهم؛ لأنَّ له ما يَدفَعُ به الاعتِداءَ مِن لَأْمةِ (أي: دِرعِ) سِلاحٍ، وخَدَمٍ وأعوانٍ، ومُنتَفِعينَ بمالِه مِن شُرَكاءَ وعُمَّالٍ وأُجَراءَ، فهو في عِزَّةٍ عندَ نَفْسِه، فقد بَيَّنَت هذه الآيةُ حَقيقةً نَفسيَّةً عَظيمةً مِن الأخلاقِ وعِلمِ النَّفسِ، ونَبَّهَت على الحَذَرِ مِن تَغَلْغُلِها في النَّفسِ [105] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/444، 445). .
4- في قَولِه تعالى: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ عِظةٌ للنَّاسِ، وتهديدٌ لِمَن يمنَعُ غَيرَه عن الطَّاعةِ [106] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (20/421). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قولُه تعالى: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى، وقولُه: إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، وقولُه: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر: 2] ، وقولُه: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج: 19] ، وقولُه سُبحانَه: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: 34] ، وقَولُه: وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب: 72] هذا شَأْنُ الإنسانِ مِن حيثُ ذاتُه ونفْسُه، وأمَّا خروجُه عن هذه الصِّفاتِ فهو بفَضْلِ ربِّه وتوفيقِه له ومِنَّتِه عليه، لا مِن ذاتِه؛ فليس له مِن ذاتِه إلَّا هذه الصِّفاتُ، وما به مِن نعمةٍ فمِن اللهِ وَحْدَه [107] يُنظر: ((الروح)) لابن القيم (ص: 126). .
2- في قَولِه تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى أنَّ هذا هو الطَّبعُ الغالِبُ في الإنسانِ؛ متى استغنى عن شَيءٍ عَمِيَ عن مَواضِعِ افتِقارِه، فتغَيَّرت أحواُله معه، وتجاوَزَ فيه ما ينبغي له الوُقوفُ عندَه، ((ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ! )) [108] أخرجه البخاري (6436)، ومسلم (1049) مطوَّلًا مِن حديثِ عبدِالله بنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما. ، ومَن كان مفتَقِرًا إلى شَيءٍ كان مُنطاعًا له، كما في حديثِ ((آخِرُ أهلِ النَّارِ خُروجًا منها )) [109] أخرجه البخاري (6571)، ومسلم (186) مطوَّلًا من حديثِ عبدِالله بنِ مسعودٍ رضيَ الله عنه. ، يُقسِمُ لرَبِّه أنَّه لا يَسألُ غَيرَ ما طَلَبه، فإذا أُعطِيَه واستغنى به سأل غَيرَه حتَّى يَدخُلَ دارَ القَرارِ [110] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/162). ثُمَّ قال البِقاعيُّ: (ولعَلَّه نَبَّهَ بهذا على أنَّ هذه الأمَّةَ المُحتاجةَ ستُفتَحُ لها خَزائِنُ الأرضِ، فيُطغيها الغِنى كما أَطْغى مَن قبلَها وإن كانوا هم يُنكِرونَ ذلك كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم...، «واللهِ ما الفَقْرَ أَخْشى عليكم، ولكن أَخْشى أن تُبسَطَ عليكم الدُّنْيا كما بُسِطَتْ على مَن كان قَبْلَكم، فتَنافَسوها كما تَنافَسوها، فتُهلِكَكم كما أَهلَكَتْهم» [البخاري «3158»، ومسلم «2961»] أو كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم). .
3- في قَولِه تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى بيانُ حِكمةِ تَضييقِه تعالى للرِّزقِ على مَن ضَيَّقَه عليه، وأنَّ مِن حِكَمِ ذلك أنَّ بَسْطَ الرِّزقِ للإنسانِ قد يحمِلُه على البَغْيِ والطُّغيانِ، وكقَولِه تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ [111] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/60). [الشورى: 27].
4- قَولُه تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى فيه مِن لُطفِ التَّعبيرِ قَولُه: أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى أي: أنَّ الطُّغيانَ الَّذي وقَعَ فيه؛ عن وَهمٍ تراءى له أنَّه استَغنى سواءٌ بمالِه أو بقُوَّتِه؛ لأنَّ حقيقةَ المالِ ولو كان جِبالًا ليس له منه إلَّا ما أكَلَ ولَبِسَ وأنفَقَ، وهل يستطيعُ أن يأكُلَ لُقمةً واحِدةً إلَّا بنِعمةِ العافيةِ؟! فإذا مَرِضَ فماذا ينفَعُه مالُه؟! وإذا أكَلَها فهل يستفيدُ منها إلَّا بنِعمةٍ مِنَ اللهِ عليه؟! ومِن هذه الآيةِ أخَذَ بعضُ النَّاسِ أنَّ الغَنيَّ الشَّاكِرَ أعظَمُ مِن الفقيرِ الصَّابرِ؛ لأنَّ الغِنى مُوجِبٌ للطُّغيانِ، وقد قال بعضُ النَّاسِ: الصَّبرُ على العافيةِ أشَدُّ مِنَ الصَّبرِ على الحاجةِ [112] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (9/28). .
5- في قَولِه تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى لم يَقُلْ: «إنِ استَغْنى»، بل جَعَلَ الطُّغيانَ ناشئًا عن رُؤيةِ غِنَى نفْسِه، ولم يَذْكُرْ هذه الرُّؤيةَ في سورةِ (اللَّيلِ)، بل قال: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [اللَّيل: 8 - 10]، وهذا -واللهُ أعلمُ- لأنَّه ذَكَرَ موجِبَ طُغيانِه، وهو رؤيةُ غِنَى نفْسِه، وذَكَرَ في سورةِ (اللَّيلِ) مُوجِبَ هلاكِه، وعدَمِ تيسيرِه لليُسْرى، وهو استِغناؤه عن ربِّه بتَرْكِ طاعتِه وعُبوديَّتِه؛ فإنَّه لوِ افتقرَ إليه لَتَقَرَّبَ إليه بما أَمَرَه مِن طاعتِه، فِعْلَ المملوكِ الَّذي لا غِنَى له عن مَولاه طَرْفةَ عَينٍ، ولا يَجِدُ بُدًّا مِنِ امتثالِ أوامرِه؛ ولذلك ذَكَر معه بُخْلَه، وهو تَرْكُه إعطاءَ ما وَجَبَ عليه مِن الأقوالِ والأعمالِ وأداءِ المالِ، وجَمَعَ إلى ذلك تكذيبَه بالحُسْنى، وهي الَّتي وَعَدَ بها أهلَ الإحسانِ بقولِه: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس: 26] ؛ فالاستغناءُ عنِ اللهِ سببُ هلاكِ العبدِ وتيسيرِه لكُلِّ عُسْرى، ورؤيتُه غِنَى نفْسِه سَبَبُ طُغيانِه، وكِلاهما مُنافٍ للفَقرِ والعُبوديَّةِ [113] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 14). .
6- في قَولِه تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى رَبطٌ لطيفٌ بأوَّلِ السُّورةِ؛ إذ كان خَلْقُ الإنسانِ مِن عَلَقٍ -وهي أحوَجُ ما يكونُ إلى لُطفِ اللهِ وعِنايتِه ورَحمتِه في رَحِمِ أمِّه-، فإذا بها مُضغةٌ ثمَّ عِظامٌ، ثمَّ تُكسَى لحمًا، ثمَّ تنشَأُ خَلْقًا آخَرَ، ثمَّ يأتي إلى الدُّنيا طِفلًا رَضيعًا لا يملِكُ إلَّا البُكاءَ، فيُجري اللهُ له نهرَينِ مِن لَبَنِ أمِّه، ثمَّ يُنبِتُ له الأسنانَ، ويَفتِقُ له الأمعاءَ، ثمَّ يَشِبُّ ويَصيرُ غُلامًا يافِعًا، فإذا ما ابتلاه رَبُّه بشَيءٍ مِن المالِ أو العافيةِ فإذا هو يَنسى كلَّ ما تقَدَّمَ! ويَنسى حتَّى رَبَّه، ويَطغى ويَتجاوَزُ حَدَّه حتَّى مع اللهِ خالِقِه ورازِقِه! كما رَدَّ عليه تعالى بقَولِه: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [114] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (9/28). [يس: 77 - 79] .
7- في قولِه تعالى: إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى إيذانٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّ أبا جَهْلٍ سيُكذِّبُه حينَ يَدْعوه إلى الإسلامِ وسيَتولَّى [115] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/449). .
8- في قَولِه تعالى: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى إثباتُ صفةِ الرُّؤيةِ للهِ عزَّ وجلَّ [116] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) لابن عثيمين (1/327). .
9- هناك فرقٌ بين الخاطِئِ والمُخْطِئِ؛ فالخاطِئُ -مثلًا- مَن قَتَلَ متعمِّدًا، أمَّا مَن قَتَلَ غيرَ متعمِّدٍ فهو مُخطِئٌ؛ ولذلك فإنَّ الخاطِئَ مُعَذَّبٌ، كما في قَولِه تعالى: نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ، والمُخْطِئَ غيرُ مُعَذَّبٍ [117] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 35). .
10- في قَولِه تعالى: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ مُعجِزةٌ خاصَّةٌ مِن مُعجِزاتِ القُرآنِ؛ فإنَّه تحَدَّى أبا جَهلٍ بهذا، وقد سَمِعَ أبو جَهلٍ القُرآنَ، وسَمِعَه أنصارُه، فلم يُقدِمْ أحدٌ منهم على السَّطْوِ على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مع أنَّ الكلامَ يُلهِبُ حَمِيَّتَه [118] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/452). !
11- في قَولِه تعالى: كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ أنَّه ((أقرَبُ ما يكونُ العَبدُ مِن رَبِّه وهو ساجِدٌ )) [119] يُنظر: ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 295). والحديث أخرجه مسلمٌ (482) مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ رضيَ الله عنه. .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى استِئنافٌ ابتدائيٌّ؛ لظُهورِ أنَّه في غرَضٍ لا اتِّصالَ له بالكلامِ الَّذي قبْلَه، وحرْفُ كَلَّا ردْعٌ وإبطالٌ، وليس في الجُملةِ الَّتي قبْلَه ما يَحتمِلُ الإبطالَ والرَّدعَ؛ فوُجودُ كَلَّا في أوَّلِ الجُملةِ دَليلٌ على أنَّ المقصودَ بالرَّدعِ هو ما تَضمَّنَه قولُه: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى، وحقُّ (كلَّا) أنْ تَقَعَ بعْدَ كَلامٍ لإبطالِه والزَّجرِ عن مَضمونِه، فوُقوعُها هنا في أوَّلِ الكلامِ يَقْتضي أنَّ معْنى الكلامِ الآتي بعْدَها حَقيقٌ بالإبطالِ، وبرَدْعِ قائلِه، فابتُدِئَ الكلامُ بحرْفِ الرَّدعِ للإبطالِ، وللمُبالَغةِ في الزَّجرِ [120] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/777)، ((تفسير البيضاوي)) (5/325)، ((تفسير أبي حيان)) (10/508)، ((تفسير أبي السعود)) (9/178)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/442)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/529). .
- قولُه: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى مَوقعُ هذه الجُملةِ مَوقعُ المُقدِّمةِ لِما يَرِدُ بعْدَه مِن قولِه: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى إلى قولِه: لَا تُطِعْهُ [العلق: 9-19] ؛ لأنَّ مَضمونَه كَلمةٌ شاملةٌ لمَضمونِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى إلى قولِه: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ [121] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/444). [العلق: 17] .
- قولُه: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى بَيانٌ للمَردوعِ، والمَردوعِ عنه [122] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/178). .
- والتَّعريفُ في الْإِنْسَانَ للجِنسِ، أي: مِن طَبْعِ الإنسانِ أنْ يَطْغى إذا أحسَّ مِن نفْسِه الاستغناءَ، واللَّامُ مُفيدةٌ الاستغراقَ العُرفيَّ، أي: أغلَبُ النَّاسِ في ذلك الزَّمانِ إلَّا مَن عَصَمَه خُلقُه أو دِينُه [123] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/444). .
- وتَأكيدُ الخبَرِ بحرْفِ التَّأكيدِ ولامِ الابتداءِ؛ لقَصْدِ زِيادةِ تَحقيقِه لغَرابتِه، حتَّى كأنَّه ممَّا يُتوقَّعُ أنْ يَشُكَّ السَّامعُ فيه [124] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/444). .
- قولُه: أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى مَفعولٌ له، أي: يَطْغى لأنْ رَأى نفْسَهُ مُستغنيًا، وتَعليلُ طُغيانِه برُؤيتهِ لا بنَفْسِ الاستغناءِ؛ للإيذانِ بأنَّ مَدارَ طُغيانِه زَعْمُه الفاسدُ [125] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/178). .
- والاستِغناءُ: شِدَّةُ الغِنى؛ فالسِّينُ والتَّاءُ فيه للمُبالَغةِ في حُصولِ الفِعلِ، مِثلُ: استجابَ، واستقَرَّ [126] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/444). .
2- قولُه تعالَى: إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى
- جُملةُ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى مُعترِضةٌ بيْن المُقدِّمةِ والمَقصدِ، والخِطابُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: مَرجِعُ الطَّاغي إلى الله، وهذا مَوعظةٌ وتَهديدٌ على سَبيلِ التَّعريضِ لِمَن يَسمَعُه مِن الطُّغاةِ، وتَعليمٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتَثبيتٌ له، أي: لا يَحزُنْك طُغيانُ الطَّاغي؛ فإنَّ مَرجِعَه إلَيَّ، ومَرجعَ الطَّاغي إلى العَذابِ؛ قال تبارك تعالَى: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآَبًا [النبأ: 21-22] ، وهي مَوعظةٌ للطَّاغي بأنَّ غِناهُ لا يَدفَعُ عنه الموتَ، والموتُ: رُجوعٌ إلى اللهِ. وتَأكيدُ الخبَرِ بـ (إنَّ) مُراعًى فيه المعْنى التَّعريضيُّ؛ لأنَّ مُعظَمَ الطُّغاةِ يَنسَون هذه الحقيقةَ بحيث يُنَزَّلون مَنزِلةَ مَن يُنكِرُها [127] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/446). .
وقيل: هو كَلامٌ مُستأنَفٌ مَسوقٌ لخطابِ الإنسانِ تَهديدًا له، وتَحذيرًا له مِن عاقِبةِ الطُّغيانِ، وتَحقيرًا لِما هو فيه مِن حيث مآلُه إلى البَعثِ والحِسابِ والجَزاءِ على طُغيانِه، والالْتفاتُ مِن الغَيبةِ إلى الخِطابِ؛ للتَّشديدِ في التَّهديدِ [128] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/777)، ((تفسير البيضاوي)) (5/325)، ((تفسير أبي حيان)) (10/508)، ((تفسير أبي السعود)) (9/179)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/530). .
- وتَقديمُ إِلَى رَبِّكَ على الرُّجْعَى؛ للاهتمامِ بذلك [129] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/446). .
3- قولُه تعالَى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى
- جُملةُ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى إلى آخِرِها، هي المَقصودُ مِن الرَّدعِ الَّذي أفادَهُ حرْفُ كَلَّا في قوله: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى [العلق: 6] ؛ فهذه الجُملةُ مُستأنَفةٌ استِئنافًا ابتدائيًّا مُتَّصلًا باستِئنافِ جُملةِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى [130] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/446). .
- قولُه: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى تَقبيحٌ وتَشنيعٌ لحالِه، وتَعجيبٌ منها [131] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/179). .
- وكَلمةُ أَرَأَيْتَ تَعجيبٌ مِن حالٍ، تُقالُ لِلَّذي يُعْلَمُ أنَّه رَأى حالًا عَجيبةً، والرُّؤيةُ عِلميَّةٌ، أي: أعلِمْتَ الَّذي يَنْهَى عبْدًا؟ والمُستفهَمُ عنه هو ذلك العِلمُ، والمفعولُ الثَّاني لـ (رأيتَ) مَحذوفٌ دلَّ عليه قولُه في آخِرِ الجُمَلِ: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق: 14] ، والاستِفهامُ مُستعمَلٌ في التَّعجيبِ؛ لأنَّ الحالةَ العَجيبةَ مِن شَأنِها أنْ يُستفهَمَ عن وُقوعِها استِفهامَ تَحقيقٍ وتَثبيتٍ لنَبَئِها؛ إذ لا يَكادُ يُصَدَّقُ به. ويَجوزُ أنْ تكونَ الرُّؤيةُ بَصريَّةً؛ لأنَّها حِكايةُ أمْرٍ وَقَعَ في الخارجِ، والخِطابُ في أَرَأَيْتَ لغيرِ مُعيَّنٍ [132] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/777)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/446، 447). . وقيل: قولُه: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى هو إيذانٌ بأنَّ حالَه مِنَ الشَّناعةِ والغَرابةِ بحيثُ يجِبُ أنْ يَراها كلُّ مَن يَتأتَّى مِنْه الرُّؤيةُ، ويَقْضي منها العجَبَ [133] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/179). .
- والَّذِي يَنْهَى هو أبو جَهْلٌ؛ إذ قال قولًا يُريدُ به نهْيَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يُصلِّيَ في المسجدِ الحرامِ، فقال في نادِيه: (لئنْ رَأَيتُ محمَّدًا يُصلِّي في الكعبةِ لَأطأَنَّ على عُنقِه)؛ فإنَّه أراد بقولِه ذلك أنْ يَبلُغَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فعُبِّرَ بالفِعلِ يَنْهَى؛ لأنَّه تَهديدٌ يَتضمَّنُ النَّهيَ عن أنْ يُصلِّيَ في المسجِدِ الحرامِ، ولم يُرْوَ أنَّه نَهاهُ مُشافَهةً [134] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/446). .
- والمرادُ بالعبْدِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإطلاقُ العبْدِ هنا على معْنى الواحدِ مِن عِبادِ اللهِ، أي: شخْصٌ، وعُدِلَ عن التَّعبيرِ عنه بضَميرِ الخِطابِ؛ لأنَّ التَّعجيبَ مِن نفْسِ النَّهيِ عن الصَّلاةِ، بقَطْعِ النَّظَرِ عن خُصوصيَّةِ المُصلِّي، فشُمولُه لنَهْيِه عن صَلاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوقَعُ [135] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/447). .
- وأيضًا لَفظُ العَبدِ وتَنكيرُه؛ لتَفخيمِه عليهِ السَّلامُ، والدَّلالةِ على كَمالِ عُبوديَّةِ المنهيِّ، وللمُبالَغةِ في تَقبيحِ النَّهيِ واسْتِعظامِه، وتَأكيدِ التَّعجُّبِ منه [136] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/326)، ((تفسير أبي السعود)) (9/179). .
- وكذلِك صِيغةُ المضارِعِ في قولِه: يَنْهَى؛ لاستِحضارِ الحالةِ العَجيبةِ، وإلَّا فإنَّ نَهْيَه قدْ مضَى. والمَنهيُّ عنه مَحذوفٌ، يُغْني عنه تَعليقُ الظَّرفِ بفِعلِ يَنْهَى، أي: يَنْهاه عن صَلاتِه [137] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/447). .
- وقولُه: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى تَعجيبٌ آخَرُ مِن حالٍ مَفروضٍ وُقوعُه، أي: أتَظُنُّه يَنْهى أيضًا عبْدًا مُتمكِّنًا مِن الهُدى فتَعجَبَ مِن نَهْيِه، والتَّقديرُ: أرأَيْتَه إنْ كان العبدُ على الهُدى، أيَنْهاهُ عن الهُدى؟! أو إنْ كان العبْدُ آمِرًا بالتَّقوى، أيَنْهاهُ عن ذلك؟! والمعْنى: أنَّ ذلك هو الظَّنُّ به، فيُعَجِّبُ المخاطَبَ مِن ذلك؛ لأنَّ مَن يَنْهى عن الصَّلاةِ وهي قُربةٌ إلى اللهِ، فقدْ نَهى عن الهُدى، ويُوشِكُ أنْ يَنْهَى عن أنْ يَأمُرَ أحدٌ بالتَّقوى [138] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/447). .
- وفُصِلَت جُملةُ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى لوُقوعِها مَوقعَ التَّكريرِ؛ لأنَّ فيها تَكريرَ التَّعجيبِ مِن أحوالٍ عَديدةٍ لشَخصٍ واحدٍ [139] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/448). .
- وأُتِيَ بحَرفِ الشَّرطِ (إنْ) الَّذي الغالبُ فيه عدَمُ الجَزمِ بوُقوعِ فِعلِ الشَّرطِ؛ مُجاراةً لحالِ الَّذي يَنْهى عَبدًا [140] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/447). .
- ونَظْمُ الأمرِ والتَّكذيبِ والتَّوَلِّي في سِلكِ الشَّرطِ المتردِّدِ بيْنَ الوُقوعِ وعدَمِه ليس باعتِبارِ نفْسِ الأفعالِ المذكورةِ مِن حيثُ صُدورُها عن الفاعلِ؛ فإنَّ ذلك ليس في حيِّزِ التَّردُّدِ أصلًا، بلْ باعتبارِ أوصافِها الَّتي هي كَونُها أمْرًا بالتَّقوى وتَكذيبًا وتَوَلِّيًا [141] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/179). .
- قولُه: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى الرُّؤيةُ هنا عِلميَّةٌ، وحُذِفَ مَفعولَا فِعلِ الرُّؤيةِ اختصارًا؛ لدَلالةِ الَّذِي يَنْهَى [العلق: 9] على المَفعولِ الأوَّلِ، ودَلالةِ قولِه: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق: 14] ، أو قولِه: يَنْهَى على المفعولِ الثَّاني في الجُملةِ قبْلَها، والتَّقديرُ: أرأَيْتَه [142] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/448)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/531). .
- وعَلَى للاستِعلاءِ المُفيدِ شِدَّةَ التَّمكُّنِ مِن الهُدى بحيثُ يُشبِهُ تَمكُّنَ المُسْتعلي على المكانِ [143] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/448). .
- وجَوابُ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى مَحذوفٌ، تَقديرُه: أيَنْهاهُ أيضًا [144] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/448). ؟!
وقيل: جَوابُ الشَّرطِ الَّذي في حيِّزِ أَرَأَيْتَ الثَّانيةِ والثَّالثةِ في قولِه: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى وأَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى مَحذوفٌ، تَقديرُه هنا: إنْ كان على الهُدى أو أمَرَ بالتَّقوى، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى، وإنَّما حُذِفَ؛ لدَلالةِ ذِكرِه في جَوابِ الشَّرطِ الثَّاني، وتَقديرُ جَوابِ الشَّرطِ في الثَّالثةِ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أفلَمْ يَعلَمْ بأنَّ اللهَ يَرى، أي: على تَقديرِ الفاءِ [145] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/778)، ((تفسير البيضاوي)) (5/326)، ((تفسير أبي حيان)) (10/510)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/447)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/532). .
- قولُه: إِنْ كَانَ يَجوزُ أنْ يكونَ الضَّميرُ عائدًا على المصلِّي، وإنَّما ضُمَّ إلى فِعلِ الصَّلاةِ الأمرُ بالتَّقْوى في قولِه: إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى؛ لأنَّ أبا جَهلٍ كان يشُقُّ عليه مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمْرانِ: الصَّلاةُ، والدُّعاءُ إلى اللهِ تعالَى، ولأنَّه كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُوجَدُ إلَّا في أمْرَينِ: إصلاحُ نفْسِه بفِعلِ الصَّلاةِ، وإصلاحُ غيرِه بالأمْرِ بالتَّقوى [146] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (32/223)، ((تفسير أبي حيان)) (10/509). .
- ولعلَّه ذَكَرَ الأمرَ بالتَّقوى في التَّعجُّبِ والتَّوبيخِ ولم يَتعرَّضْ له في النَّهيِ؛ لأنَّ النَّهيَ كان عن الصَّلاةِ والأمرِ بالتَّقوَى، فاقتَصَرَ على ذِكرِ الصَّلاةِ؛ لأنَّه دَعوةٌ بالفِعلِ، أو لأنَّ نهْيَ العبدِ إذا صلَّى يَحتمِلُ أنْ يكونَ لها ولغَيرِها، وعامَّةُ أحوالِها مَحصورةٌ في تَكميلِ نفْسِه بالعِبادةِ وغيرِه بالدَّعوةِ [147] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/326). .
4- قولُه تعالَى: أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى جُملةٌ مُستأنَفةٌ للتَّهديدِ والوَعيدِ على التَّكذيبِ والتَّولِّي [148] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/448). ؟!
- والهمزةُ للاستفهامِ؛ للتَّقريرِ والتَّعجُّبِ [149] يُنظر: (إعراب القرآن)) لدرويش (10/532). .
- والمفعولُ الأوَّلُ لـ (رَأيْتَ) مَحذوفٌ، وهو ضَميرٌ عائدٌ إلى الَّذِي يَنْهَى [العلق: 9] ، والتَّقديرُ: أرأَيْتَه إنْ كذَّبَ... إلى آخِرِه [150] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/448)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/531). .
- وجَوابُ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى مُقدَّرٌ يدُلُّ عليه: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى، والتَّقديرُ: إنْ كذَّبَ وتَولَّى فاللهُ عالِمٌ به؛ كِنايةً عن تَوعُّدِه، وجُملةُ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى مُستأنَفةٌ لإنكارِ جَهْلِ المُكذِّبِ بأنَّ اللهَ سيُعاقِبُه، والشَّرطُ وجَوابُه سادَّانِ مَسدَّ المَفعولِ الثَّاني [151] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/448، 449). .
- وكذلِك حُذِفَ مَفعولُ كَذَّبَ؛ لدَلالةِ ما قبْلَه عليه، والتَّقديرُ: إنْ كذَّبَه، أي: العبدَ الَّذي صلَّى [152] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/449). .
- وإنَّما أُفرِدَ التَّكذيبُ والتَّوَلِّي بشَرطيَّةٍ مُستقِلَّةٍ مَقرونةٍ بالجَوابِ مُصدَّرةٍ باستخبارٍ مُستأنَفٍ، ولم يُنظَمَا في سِلكِ الشَّرطِ الأوَّلِ بعَطْفِهما على (كانَ)؛ للإيذانِ باستقلالِهِما بالوُقوعِ في نفْسِ الأمرِ، واستتباعِ الوعيدِ الَّذي يَنطِقُ بهِ الجَوابُ، وأما قبلَها فأمرُ الشَّرطِ فيه ليس إلَّا لتوسيعِ الدَّائرةِ، وهو السِّرُّ في تجريدِه عن الجوابِ، والإحالةِ به على جوابِ الشَّرطيةِ بعدَه [153] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/180)، ((تفسير الألوسي)) (15/406). .
5- قولُه تعالَى: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى، أي: يطَّلِعُ على أحوالِه مِن هُداهُ وضَلالِه، فيُجازِيه على حسَبِ ذلك، -وذلك على أنَّ الضميرَ في قولِه: إِنْ كَانَ يعودُ للنَّاهي-، وكُنِّيَ بأنَّ اللهَ يَرى عن الوَعيدِ بالعِقابِ، ففيه وَعْدٌ بأنَّ الله ينتصِفُ له مِنْه [154] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/778)، ((تفسير البيضاوي)) (5/326)، ((تفسير أبي حيان)) (10/509)، ((تفسير أبي السعود)) (9/180)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/449). .
وقيل: المعْنى: أرأَيتَ الَّذي يَنْهى عبْدًا إذا صلَّى، وهو على الهُدى وأمَرَ بالتَّقوى، والنَّاهي مُكذِّبٌ مُتوَلٍّ عن الذِّكرِ، أي: فما أعجَبَ هذا! ألمْ يَعلَمْ أبو جَهلٍ بأنَّ اللهَ تعالَى يَراهُ ويَعلَمُ فِعلَه؟! فهذا تَقريرٌ وتَوبيخٌ [155] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/509). . وذلك على أنَّ الضَّميرَ في إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى يعودُ على المُصَلِّي.
- وأيضًا قولُه: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى إكمالُ التَّوبيخِ والوعيدِ بحسَبِ التَّوقيفاتِ الثَّلاثةِ -أي: في قولِه: أَرَأَيْتَ [العلق:9، 11-13]- يَصلُحُ مع كلِّ واحدٍ منها، فجاء بها في نَسَقٍ، ثمَّ جاء بالوعيدِ الكافي بجَميعِها اختصارًا واقتِضابًا، ومع كلِّ تَقريرٍ تَكملةٌ مُقدَّرةٌ تتَّسِعُ العِباراتُ فيها، وأَلَمْ يَعْلَمْ دالٌّ عليها مُغْنٍ [156] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/502)، ((تفسير أبي حيان)) (10/509). .
- والاستِفهامُ إنكاريٌّ، أي: كان حقُّه أنْ يَعلَمَ ذلك، ويَقِيَ نفْسَه العِقابَ [157] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/449). .
- وحُذِفَ مَفعولُ يَرَى؛ ليَعُمَّ كلَّ مَوجودٍ [158] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/449). .
6- قولُه تعالَى: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ
- كَلَّا رَدعٌ لأبي جَهلٍ وخُسوءٌ له عن نَهْيِه عن عِبادةِ اللهِ تعالى، وأمْرِه بعِبادةِ اللَّاتِ [159] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/778)، ((تفسير البيضاوي)) (5/326)، ((تفسير أبي حيان)) (10/511)، ((تفسير أبي السعود)) (9/180)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/533). . وأُكِّدَ الرَّدعُ الأوَّلُ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى -على أنَّ المرادَ بالرَّدعِ أبو جهلٍ على قولٍ- بحَرْفِ الرَّدعِ الثَّاني في آخِرِ الجُملةِ، وهو المَوقعُ الحَقيقُ بحرْفِ الرَّدعِ؛ إذ كان تَقديمُ نَظيرِه في أوَّلِ الجُملةِ؛ لِما دَعا إليه المقامُ مِن التَّشويقِ [160] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/449). .
- قولُه: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ أُعقِبَ الرَّدعُ بالوعيدِ على فِعلِه إذا لم يَرتدِعْ ويَنتَهِ عنه. واللَّامُ مُوطِّئةٌ للقسَمِ، وجُملةُ لَنَسْفَعَنْ جَوابُ القسَمِ، وأمَّا جَوابُ الشَّرطِ فمَحذوفٌ دلَّ عليه جَوابُ القسَمِ [161] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/511)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/450). .
- قولُه: لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ السَّفْعُ: القبْضُ على الشَّيءِ وجَذْبُه بشِدَّةٍ، والنَّاصيةُ: مُقدَّمُ شَعرِ الرَّأسِ، والأخْذُ مِن النَّاصيةِ أخْذُ مَن لا يُترَكُ له تَمكُّنٌ مِن الانفلاتِ؛ فهو كِنايةٌ عن أخْذِه إلى العَذابِ، وفيه إذلالٌ؛ لأنَّهم كانوا لا يَقبِضون على شَعرِ رَأسِ أحدٍ إلَّا لضَرْبِه أو جَرِّه، وأُكِّدَ ذلك السَّفعُ بالباءِ المَزيدةِ الدَّاخلةِ على المَفعولِ؛ لتَأكيدِ اللُّصوقِ [162] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/450). قال القرطبي: (خَصَّ النَّاصيةَ بالذِّكرِ على عادةِ العَرَبِ فيمَن أرادوا إذلالَه وإهانتَه، أخَذوا بناصيتِه). ((تفسير القرطبي)) (20/125). .
- والتَّعريفُ في (النَّاصيةِ) للعهْدِ التَّقديريِّ [163] قال الشهاب الخفاجي: (العهدُ الذِّكري قد يكونُ بإعادةِ المتقدِّمِ بعينِه، وقد يكونُ بإعادةِ لازمِه ووصفِه، وإن لم يَجرِ له صريحُ ذِكرٍ، ويُسمَّى العهدَ التقديريَّ، وذلك بأنْ يُسنَدَ إلى الموصوفِ ما يَستَدْعي تلك الصِّفةَ، فتُذكرُ الصِّفةُ معرفةً كأنَّها جرَى ذكرُها، كما إذا قيل لك: شتَمك زيدٌ، فتقولُ: أفعَل السَّفيهُ؟ فإنَّ الشَّتمَ تنبيهٌ على سفاهتِه، حتَّى كأنَّه قيل: اعتَرض لك سفيهٌ، أو أنْ يكونَ الموصوفُ عَلَمًا في تلك الصِّفةِ حقيقةً أو ادِّعاءً، فمتى ذُكِر عُلِمتْ صِفَتُه). ((حاشيته على تفسير البيضاوي)) (1/337). ، أي: بناصيتِه، أي: ناصيةِ الَّذي يَنْهى عبْدًا إذا صلَّى، وعُبِّرَ بالنَّاصيةِ عن جَميعِ الشَّخصِ، واكتُفِيَ بتَعريفِ العهْدِ عن الإضافةِ؛ إذ عُلِمَ أنَّها ناصيةُ النَّاهي [164] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/778)، ((تفسير البيضاوي)) (5/326)، ((تفسير أبي حيان)) (10/511)، ((تفسير أبي السعود)) (9/180)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/450). .
- قولُه: نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ نَاصِيَةٍ بدَلٌ مِن (النَّاصيةِ)، وتَنكيرُها لاعتبارِ الجِنسِ، أي: هي مِن جِنسِ ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئةٍ [165] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/450). .
- ووُصِفَت النَّاصيةُ بالكذِبِ، والمرادُ: كاذبٌ صاحبُها، خاطئٌ صاحِبُها؛ وذلك للمُبالَغةِ، وفيه مِن الحُسنِ والجَزالةِ ما ليس في قولِك: (ناصيةِ كاذبٍ خاطئٍ)، والمُبالَغةُ فيه أنَّ الكافرَ بَلَغَ في الكذِبِ والخطَأِ إلى حيثُ إنَّ الكذِبَ والخطَأَ ظاهِرانِ مِن ناصيتِه، على نحْوِ قَولِهم: وَجْهُه نِصفُ الجَمالِ [166] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/778)، ((تفسير البيضاوي)) (5/326)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (16/519)، ((تفسير أبي السعود)) (9/180)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/ 450)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/534). .
7- قولُه تعالَى: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ
- قولُه: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ تَفريعٌ على الوَعيدِ؛ فالفاءُ الفَصيحةُ، أي: إنِ استَمرَّ في غُلَوائِه وإنْ أصرَّ على المُعانَدةِ والمُكابَرةِ، فلْيَدْعُ [167] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/451)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/534). .
- ولامُ الأمرِ في فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ للتَّعجيزِ؛ لأنَّ أبا جَهْلٍ هدَّدَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكَثرةِ أنصارِه، وهم أهلُ نادِيهِ، فرَدَّ اللهُ عليه بأنْ أمَرَه بدَعوةِ نادِيهِ؛ فإنَّه إنْ دَعاهم لِيَسْطُوا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، دَعا اللهُ مَلائكةً فأهْلَكوه، وقولُه: سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ جَوابُ الأمرِ التَّعجيزيِّ، أي: فإنْ دَعا نادِيَه، دَعَونا لهمُ الزَّبانيةَ [168] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/452). .
- وإضافةُ النَّادي إلى ضَميرِ أبي جَهْلٍ؛ لأنَّه رَئيسُهم، ويَجتمِعون إليه [169] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/452). .
- قولُه: كَلَّا لَا تُطِعْهُ (كَلَّا) رَدعٌ بعْدَ رَدعٍ، وزَجرٌ إثرَ زَجرٍ؛ فهو تَأكيدٌ للرَّدعِ والزجْرِ لأبي جهْلٍ؛ فهو رَدعٌ لإبطالِ ما تَضمَّنَه قولُه: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ، أي: وليس بفاعلٍ، وهذا تأكيدٌ للتَّحدِّي والتَّعجيزِ [170] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/779)، ((تفسير البيضاوي)) (5/326)، ((تفسير أبي حيان)) (10/512)، ((تفسير أبي السعود)) (9/181)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/453)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/534). .
- قولُه: لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ هذا فَذْلَكةٌ [171] الفَذْلَكة: مِن فَذْلَكَ حِسابَه فَذْلَكةً، أي: أنْهاهُ وفَرَغ منه، وذكَر مُجمَلَ ما فُصِّل أوَّلًا وخُلاصتَه. والفَذْلَكةُ كلمةٌ منحوتةٌ كـ (البَسملةِ) و(الحَوقَلةِ)، مِن قولِهم: (فذَلِكَ كذَا وكذَا عددًا). ويُرادُ بالفَذْلَكةِ: النَّتيجةُ لِمَا سبَق مِن الكلامِ، والتَّفريعُ عليه، ومنها فَذْلَكةُ الحسابِ، أي: مُجمَلُ تفاصيلِه، وإنهاؤُه، والفراغُ منه، كقولِه تعالى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ بعدَ قولِه: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196]. يُنظر: ((تاج العروس)) للزَّبِيدي (27/293)، ((كُنَّاشة النوادر)) لعبد السلام هارون (ص: 17)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (ص: 638، 639). للكلامِ المُتقدِّمِ مِن قولِه: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى [العلق: 9-10] ، أي: لا تَترُكْ صَلاتَك في المسجدِ الحرامِ، ولا تَخْشَ منه [172] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/453). .
- وأُكِّدَ قولُه: لَا تُطِعْهُ بجُملةِ وَاسْجُدْ؛ اهتمامًا بالصَّلاةِ. وعُطِفَ عليه وَاقْتَرِبْ؛ للتَّنويهِ بما في الصَّلاةِ مِن مَرضاةِ اللهِ تعالَى، بحيث جَعَل المُصلِّيَ مُقْترِبًا مِن اللهِ تعالَى [173] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/453). .
- والاقتِرابُ: افتِعالٌ مِن القُربِ، عُبِّرَ بصِيغةِ الافتعالِ؛ لِما فيها مِن معْنى التَّكلُّفِ والتَّطلُّبِ، أي: اجتهِدْ في القُربِ إلى اللهِ بالصَّلاةِ [174] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/453). .