موسوعة التفسير

سورةُ إبراهيمَ
الآيات (13-18)

ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ

غريب الكلمات:

مِلَّتِنَا: أي: دينِنا، وطريقتِنا، وإنَّما سُمِّيَ الدِّينُ مِلَّةً؛ لأنَّه يُمَلُّ، أي: يُملَى على المَدعُوِّ إليه، فالملةُ تُبنَى على مَسموعٍ ومتلوٍّ [189] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/275)، ((البسيط)) للواحدي (3/285)، ((المفردات)) للراغب (ص: 773- 774)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 91)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 443). .
وَاسْتَفْتَحُوا: أي: استَنصَروا وسألوا الفتحَ من اللهِ- وهو القَضاءُ، وأصلُ (فتح): يدلُّ على خلافِ الإغلاقِ [190] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 231)، ((تفسير ابن جرير)) (13/614)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/469)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 184)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 252). .
مِنْ وَرائِهِ: أي: مِن أمامِه، والوَراءُ: مِنَ الأضدادِ، يكونُ بمعنى خَلْف وقُدَّام [191] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 231)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/104)، ((الغريبين)) للهروي (6/1992)، ((البسيط)) للواحدي (12/430). .
صَدِيدٍ: قيحٍ ودَمٍ، واشتِقاقُه مِن الصَّدِّ؛ لأنَّه يصُدُّ النَّاظِرينَ عن رُؤيتِه [192] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 231)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 298)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/282)، ((تفسير ابن كثير)) (4/485)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 252)، ((فتح القدير)) للشوكاني (3/120). .
يَتَجَرَّعُهُ: أي: يتحَسَّاه مَرَّةً بعدَ مَرَّةٍ، لا مَرَّةً واحدةً؛ لِمَرارتِه وحرارتِه، وأصلُ (جرع): يدُلُّ على قِلَّةِ الشَّيءِ المَشروبِ [193] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/619)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/444)، ((المفردات)) للراغب (ص: 192)، ((تفسير القرطبي)) (9/351)، ((تفسير ابن كثير)) (4/485). .
يُسِيغُهُ: أي: يُجيزُه ويَبتَلِعُه، وأصلُ (سوغ): يدُلُّ على سُهولةِ الشَّيءِ، واستمرارِه [194] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 534)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/116)، ((المفردات)) للراغب (ص: 435)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 252)، ((تفسير القرطبي)) (9/351). .
عَاصِفٍ: أي: شديدِ هُبوبِ الرِّيحِ، وأصلُ (عصف): يدُلُّ على خِفَّةٍ وسُرعةٍ [195] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 232)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/328)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 185). .

المعنى الإجمالي:

يخبر الله تعالى عن ضيقِ صدورِ الكُفَّار ممَّا قالته الرسُلُ، وأنهم قالوا لهم: لنطرُدَنَّكم مِن بلادِنا إلَّا أن تعودُوا إلى دينِنا، فأوحى اللهُ إلى رسُلِه أنَّه سيُهلِكُ الظالمينَ، وسيجعَلُ العاقبةَ الحسَنةَ للرُّسُلِ وأتباعِهم، بإسكانِهم أرضَ الكافرينَ بعدَ إهلاكِهم، ذلك النَّصرُ في الدُّنيا على الكُفَّارِ، والتَّمكينُ في الأرضِ محقَّقٌ لِمَن خافَ مقامَه بينَ يدَيِ الله يومَ القيامةِ، وخَشِيَ وعيدَه وعَذابَه.
ولجأ الرسُلُ إلى ربِّهم، وسألوه النَّصرَ على أعدائِهم وإهلاكَهم، وهَلَك كلُّ متكبِّرٍ لا يقبَلُ الحَقَّ ولا يُذعِنُ له، ومِن أمامِ هذا الكافِرِ جهنَّمُ تنتظِرُه؛ ليَلْقى عذابَها في الآخرةِ، ويُسقَى فيها مِنَ القَيحِ والدَّمِ الذي يَخرجُ مِن أجسامِ أهلِ النَّارِ. يشربُه قهرًا- وذلك لشدةِ عطشِه- على جرعاتٍ، ولا يَكادُ يَبتَلِعُه؛ لقذارتِه وحرارتِه ومرارتِه، ويأتيه الموت وشِدَّتُه وآلامُه مِن كُلِّ عضوٍ ومَوضِعٍ مِن جَسَدِه، ومِن كُلِّ الجِهاتِ، وما هو بميِّتٍ فيستريحَ، وله مِن بعد هذا العذابِ عذابٌ آخَرُ قَويٌّ شديدٌ مُؤلِمٌ.
ثم يضربُ الله المثلَ لأعمالِ الكفَّارِ، فيقولُ: مثَلُ أعمالِ البِرِّ التي يعملها الكُفَّارِ في الدُّنيا كرَمادٍ فرَّقَتْه وطيَّرَتْه الرِّيحُ القَويَّةُ في يومٍ اشتدَّ فيه هُبوبُها، فلم يبقَ منه شيءٌ، فكذلك أعمالُهم يُبطِلُها الكُفرُ- فلا يجِدونَ منها ما ينفَعُهم عندَ الله- ويُذهِبُ ثَوابَها، كما تُذهِبُ تلك الريحُ الشَّديدةُ الرَّمادَ. ذلك السعيُ والعمَلُ الذي لم يكن على استقامةٍ وهُدىً، هو الضَّلالُ البعيدُ.

تفسير الآيات:

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا ذكَرَ دَعوَةَ الرُّسُلِ لِقَومِهم، ودوامَهم على ذلك، وعدَمَ مَلَلِهم؛ ذكَرَ مُنتهَى ما وصَلَت بهم الحالُ مع قَومِهم [196] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 423). .
وأيضًا لَمَّا حكى اللهُ تعالى عن الأنبياءِ عليهم السَّلامُ أنَّهم اكتَفَوا في دفعِ شُرورِ أعدائِهم بالتوكُّلِ عليه، والاعتمادِ على حِفظِه وحياطتِه؛ حكى عن الكُفَّارِ أنَّهم بالَغوا في السَّفاهةِ [197] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/76). ، فقال:
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا.
أي: وقال الذين كَفَروا باللهِ لرسلِ الله الذين يَدْعونهم للتوحيدِ: واللهِ، لنطرُدَنَّكم من بلادِنا إلا أن تعودوا إلى دينِنا [198] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/612)، ((تفسير القرطبي)) (9/348)، ((تفسير ابن كثير)) (4/483). قال ابن العربي: (قال الطبري: «معناه: لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا إِلَّا أَنْ تَعُودُوا فِي مِلَّتِنَا». وهو غيرُ مفتقرٍ إلى هذا التقدير، فإن أَوْ على بابِها من التخييرِ، خيَّر الكفارُ الرسُلَ بين أن يعودوا في مِلَّتِهم أو يُخرِجوهم من أرضِهم). ((أحكام القرآن)) (3/89). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/206). .
كما قال تعالى حاكيًا قولَ قَومِ شُعَيبٍ له ولِمَن آمن به: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [الأعراف: 88] .
وقال سُبحانه حاكيًا قَولَ قَومِ لُوطٍ: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل: 56] .
وقال عزَّ وجَلَّ مُخبِرًا عن مُشركي قُريشٍ: وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا [الإسراء: 76] .
وقال تبارك وتعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [الأنفال: 30] .
فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ.
أي: فأوحَى اللهُ إلى رسُلِه قائلًا لهم: لنُهلِكَنَّ المُشرِكينَ الذين ظَلَموا أنفُسَهم بوَضعِهم العبادةَ في غَيرِ مَوضِعِها، وصَرفِها لِمَن لا يستحِقُّها [199] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/613)، ((تفسير البيضاوي)) (3/195)، ((تفسير الشوكاني)) (3/119). .
وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14).
وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ.
أي: ولننصُرَنَّكم وأتباعَكم المؤمنينَ على الكفَّارِ، ونجعَلُكم تسكُنونَ أرضَهم مِن بعدِ إهلاكِنا لهم [200] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/613)، ((تفسير السعدي)) (ص: 423)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/244). .
كما قال تعالى: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف: 128- 129] .
وقال سُبحانه: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف: 137] .
لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ .
أي: ذلك النَّصرُ في الدُّنيا على الكُفَّارِ، والتَّمكينُ في الأرضِ، يتحَقَّقُ لِمَن خاف مَقامَه بينَ يدَيَّ يومَ القيامةِ، وخاف مِن وعيدي وعذابي، فاتَّقاني بطاعتي، وتجنُّبِ مَعصِيتي [201] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/613)، ((تفسير القرطبي)) (9/348)، ((تفسير ابن كثير)) (4/484). قال السمعاني في قولِه تعالى: خَافَ مَقَامِي: (أجمَع أهلُ التَّفسيرِ أنَّ معناه: ذلك لمن خَافَ مقامَه بينَ يَديَّ). ((تفسير السمعاني)) (3/108). وقال الشوكاني: (وقيل: إنَّ المقامَ هنا مصدرٌ بمعنَى القيامِ، أي: لمَنْ خافَ قيامي عليه، ومُراقبتي له، كقولِه تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَت [الرعد: 33] وقال الأخفشُ: ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي، أي: عذابي). ((تفسير الشوكاني)) (3/119)، وقيل غيرُ ذلك، يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/77). .
وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15).
وَاسْتَفْتَحُوا  .
أي: طلبَت الرسُلُ مِن اللهِ النَّصرَ على أقوامِهم وإهلاكَهم [202] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/614)، ((تفسير القرطبي)) (9/349)، ((تفسير ابن جزي)) (1/410)، ((تفسير ابن كثير)) (4/484)، ((تفسير أبي السعود)) (5/39)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/209). وممَّن ذهب إلى أنَّ الذين استفتحوا هم الرسُلُ عليهم السلام: ابنُ جريرٍ، والقرطبي، وابنُ جُزَي، وابنُ كثير، وأبو السعودِ، وابنُ عاشور. يُنظر: المصادر السابقة. وممن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباسٍ، ومجاهدٌ، وابنُ جريجٍ، وقتادةُ. يُنظر: ((تفسير ابن أبي حاتم)) (7/2238)، ((تفسير ابن جرير)) (13/614)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/507). وقيل: إنَّ الذين استفتحوا هم الكفارُ، وممَّن ذهب إلى ذلك: السعدي. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 423). وممن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ زيدٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/617). قال ابنُ كثير: (قوله: وَاسْتَفْتَحُوا أي: استنصَرَت الرسُلُ ربَّها على قومِها. قاله ابنُ عباسٍ، ومجاهدٌ، وقتادةُ. وقال عبدُالرحمن بنُ زيدِ بنِ أسلمَ: استفتَحَت الأمَمُ على أنفُسِها، كما قالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال: 32] . ويحتملُ أن يكونَ هذا مرادًا وهذا مرادًا، كما أنَّهم استفتحوا على أنفُسِهم يومَ بدر، واستفتحَ رسولُ الله واستنَصر، وقال اللهُ تعالى للمشركين: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ الآية [الأنفال: 19] ، والله أعلم). ((تفسير ابن كثير)) (4/484). ويُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/39)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/209). .
وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ.
أي: وخَسِرَ وهلَك كُلُّ متكبِّرٍ على الحَقِّ، مُعاندٍ له [203] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/614)، ((تفسير القرطبي)) (9/349)، ((تفسير ابن كثير)) (4/484). .
كما قال تعالى: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ [ق: 24 - 26] .
مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16).
مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ.
أي: مِن أمامِ كُلِّ جبَّارٍ عَنيدٍ نارُ جَهنَّمَ تنتَظِرُه، فهو صائِرٌ إليها في الآخرةِ [204] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/617)، ((تفسير ابن كثير)) (4/484)، ((تفسير السعدي)) (ص: 424)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/209)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/245). .
وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ.
أي: ويُسقَى في جهنَّمَ مِن القَيحِ والدَّمِ الذي يسيلُ مِن أبدانِ أهلِ النَّارِ [205] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/618)، ((تفسير البغوي)) (3/33)، ((تفسير ابن كثير)) (4/485). قال ابن كثير: (وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ أي: في النَّارِ، ليس له شرابٌ إلَّا من حميمٍ أو غسَّاقٍ، فهذا في غايةِ الحرارة، وهذا في غايةِ البَردِ والنَّتن، كما قال: هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ [ص: 57- 58] ). ((تفسير ابن كثير)) (4/485). .
يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) .
يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ.
أي: يتحسَّى ذلك الجبَّارُ العنيدُ الصَّديدَ، ويشرَبُه قَهرًا- مِن شِدَّةِ عَطَشِه- على جَرعاتٍ، ولا يَكادُ يَبتَلِعُه؛ مِن شِدَّةِ خُبثِه وكراهتِه [206] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/619)، ((تفسير البغوي)) (3/33)، ((تفسير ابن كثير)) (4/484). .
وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ.
أي: ويأتيه الموتُ وآلامُه وشِدَّتُه مِن كُلِّ مَوضِعٍ في جسَدِه، ومِن كُلِّ الجِهاتِ، وهو مع  ذلك لا يموتُ فيستريحَ مِن العذابِ [207] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/621)، ((تفسير ابن كثير)) (4/485)، ((التخويف من النار)) لابن رجب (ص: 193، 194)، ((تفسير السعدي)) (ص: 424). .
كما قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا [فاطر: 36- 37] .
وقال سُبحانه: وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى [الأعلى: 11 - 13] .
وقال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى [طه: 74] .
وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ.
أي: ومِن أمامِه عذابٌ آخَرُ قَويٌّ شديدٌ ينتظرُه غيرُ ما هو فيه مِن العَذابِ [208] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/621)، ((تفسير ابن كثير)) (4/486)، ((تفسير السعدي)) (ص: 424)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/211). .
مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى أنواعَ عذابِ الكُفَّارِ في الآيةِ المتقَدِّمة؛ بيَّنَ في هذه الآيةِ أنَّ أعمالَهم بأسْرِها تصيرُ ضائعةً باطِلةً لا ينتَفِعونَ بشَيءٍ منها، وعند هذا يظهَرُ كَمالُ خُسرانِهم؛ لأنَّهم لا يجِدونَ في القيامةِ إلَّا العِقابَ الشَّديدَ، وكُلُّ ما عَمِلوه في الدُّنيا وجَدوه ضائِعًا باطِلًا، وذلك هو الخُسرانُ الشَّديدُ [209] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/80-81). .
وأيضًا لَمَّا فرَغَ من محاوراتِهم وما تَبِعَها ممَّا بَيَّنَ فيه أنَّه لا يُغنيهم مِن بَطشِه شَيءٌ؛ ضرَبَ لهم في ذلك مَثلًا [210] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (10/400). ، فقال تعالى:
مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ.
أي: مثَلُ أعمالِ الذين كفَروا برَبِّهم كرمادٍ طيَّرَتْه وفرَّقَتْه الرِّيحُ القَويَّةُ في يومٍ يشتَدُّ فيه هُبوبُها، فلم يبقَ مِن الرَّمادِ شَيءٌ، فكذلك أعمالُ البِرِّ والخيرِ التي يعمَلُها الكافِرونَ؛ يُبطِلُها الكُفرُ، ويُذهِبُ ثَوابَها، كما تُذهِبُ تلك الريحُ الشَّديدةُ الرَّمادَ [211] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/622-623)، ((تفسير القرطبي)) (9/353)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/131، 132)، ((تفسير ابن كثير)) (4/486، 487)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/212)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/245). والقولُ بأنَّ المرادَ بأعمالِ الكفَّارِ هنا: أعمالُ الخيرِ والبِرِّ ،كالصدقاتِ وغيرِها، هو ظاهرُ اختيارِ ابنِ جريرٍ، والقرطبيِّ، وابنِ القيمِ، وابنِ كثيرٍ، وابنِ عاشورٍ، والشنقيطي. يُنظر: المصادر السابقة. قال الرازي: (اختلفوا في المرادِ بهذه الأعمالِ على وجوهٍ: الوجه الأول: أن المراد منها ما عَمِلوه من أعمال البِرِّ، كالصَّدَقة وصِلة الرَّحم وبِرِّ الوالدين وإطعام الجائع؛ وذلك لأنها تصير مُحبَطةً باطلة بسبَبِ كفرهم، ولولا كفرُهم لانتفعوا بها. والوجه الثاني: أن المرادَ مِن تلك الأعمال عبادتُهم للأصنام وما تكلَّفوه مِن كفرهم الذي ظنوه إيمانًا وطريقًا إلى الخلاص، والوجهُ في خسرانهم أنَّهم أتعبوا أبدانَهم فيها الدهرَ الطويلَ؛ لكي ينتفعوا بها، فصارت وَبالًا عليهم. والوجه الثالث: أنَّ المرادَ مِن هذه الأعمالِ كلا القسمينِ؛ لأنَّهم إذا رأوا الأعمالَ التي كانت في أنفُسِها خيراتٍ قد بطَلَت، والأعمالَ التي ظنُّوها خيراتٍ وأفنَوا فيها أعمارَهم قد بطلت أيضًا، وصارت مِن أعظمِ المُوجِباتِ لعذابِهم؛ فلا شَكَّ أنَّه تَعظُم حسرتُهم وندامتُهم؛ فلذلك قال تعالى: ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ). ((تفسير الرازي)) (19/81). وقال السعدي: (إمَّا أن المراد بها الأعمالُ التي عَمِلوها لله، بأنَّها في ذَهابها وبُطلانِها واضمحلالِها كاضمحلالِ الرَّمادِ- الذي هو أدَقُّ الأشياءِ وأخَفُّها- إذا اشتدَّت به الريحُ في يوم عاصف شديدِ الهبوب، فإنَّه لا يُبقي منه شيئًا، ولا يُقدَرُ منه على شيءٍ، يذهب ويضمَحِلُّ، فكذلك أعمالُ الكفار .. وإمَّا أنَّ المرادَ بذلك أعمالُ الكفَّار التي عَمِلوها ليَكيدوا بها الحَقَّ، فإنَّهم يَسعَونَ ويكدحون في ذلك ومَكرُهم عائِدٌ عليهم، ولن يضرُّوا اللهَ ورُسُلَه وجُندَه وما معهم من الحَقِّ شيئًا). ((تفسير السعدي)) (ص: 424). .
كما قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23] .
لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ.
أي: لا يجِدُ الكُفَّارُ في الآخرةِ أيَّ ثوابٍ لأعمالِ البِرِّ التي عَمِلوها في الدُّنيا، ولا يَرَونَ لها أيَّ منفعةٍ، مثلما لا يُقدَرُ على جَمعِ الرَّمادِ في اليومِ العاصِفِ [212] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (9/354)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/131)، ((تفسير ابن كثير)) (4/487). .
ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ.
أي: أعمالُهم التي بطَلَت وفَقَدوا ثوابَها لم تكُنْ على هُدًى واستقامةٍ، فكانوا في خطأٍ وانحرافٍ بعيدٍ عن طريقِ الصَّوابِ، لا يُمكِنُ معه تدارُكُ تلك الخَسارةِ الكبيرةِ [213] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/625)، ((تفسير الزمخشري)) (2/547)، ((تفسير القرطبي)) (9/354)، ((تفسير ابن كثير)) (4/487). .

الفوائد التربوية:

1- قَولُ الله تعالى: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ يدُلُّ على أنَّ مَن توكَّلَ على ربِّه في دَفعِ عَدُوِّه، كفاه اللهُ أمرَ عَدُوِّه [215] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/77). .
2- قَولُ الله تعالى: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ، وقولُه: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن: 46] فوعَدَ اللهُ بنصرِ الدُّنيا وبثوابِ الآخرةِ لأهلِ الخَوفِ، وذلك إنَّما يكونُ لأنَّهم أَدَّوا الواجِبَ؛ فدلَّ على أنَّ الخوفَ يستلزِمُ فِعْلَ الواجِبِ، ولهذا يُقال للفاجِرِ: لا يخافُ اللهَ [216] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/22). .
3- في قَولِه تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ دَلالةٌ على أنَّ مَن عَمِلَ لغيرِ اللهِ رجاءَ أن يَنتفعَ بما عَمِلَ له؛ كانت صفقتُه خاسرةً [218] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (8/165). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قولُ الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فيه سؤالٌ: هذا يُوهِمُ أنَّهم كانوا على مِلَّتِهم في أوَّلِ الأمرِ حتى يعودوا فيها.
والجوابُ من وجوهٍ:
الوجه الأول: أنَّ أولئك الأنبياءَ عليهم السَّلامُ إنَّما نشؤوا في تلك البلادِ، وكانوا مِن تلك القبائلِ، وفي أوَّلِ الأمرِ ما أظهَروا المخالفةَ مع أولئك الكُفَّارِ، بل كانوا في ظاهِرِ الأمرِ معهم مِن غيرِ إظهارِ مُخالفةٍ؛ فالقومُ ظَنُّوا لهذا السَّبَبِ أنَّهم كانوا في أوَّلِ الأمرِ على دينِهم؛ فلهذا السَّبَبِ قالوا: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا.
الوجه الثاني: أنَّ هذا حِكايةُ كلامِ الكُفَّارِ، ولا يجِبُ في كلِّ ما قالوه أن يكونوا صادِقينَ فيه، فلعلَّهم توهَّموا ذلك، مع أنَّه ما كان الأمرُ كما توهَّموه.
الوجه الثالث: لعلَّ الخِطابَ وإن كان في الظاهِرِ مع الرُّسُلِ إلَّا أنَّ المقصودَ بهذا الخطابِ أتباعُهم وأصحابُهم، ولا بأسَ أن يقال: إنَّهم كانوا قبل ذلك الوَقتِ على دينِ أولئكَ الكُفَّارِ [219] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/76-77). .
الوجه الرابع: أنَّ (العَوْدَ) هنا بمعنى الصيرورةِ، وهو كثيرٌ في كلامِ العَرَبِ [220] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/544). ويُنظر ما تقدَّم في ((التفسير المحرر)) (5/358) في تفسيرِ الآيةِ (88) من سورةِ الأعرافِ. .
2- قولُ الله تعالى: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ خَصَّصَ تعالى الظالمينَ مِن الذين كفروا؛ إذ جائِزٌ أن يؤمِنَ مِن الكَفَرةِ الذين قالوا المقالةَ ناسٌ، فإنَّما توعَّدَ بالإهلاكِ مَن خلُصَ للظُّلمِ [221] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/330). .
3- قال الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا نسَبوها إلى أنفُسِهم وزعَموا أنَّ الرُّسُلَ لا حَقَّ لهم فيها، وهذا من أعظَمِ الظُّلمِ؛ فإنَّ الله أخرجَ عِبادَه إلى الأرضِ، وأمَرَهم بعبادتِه، وسَخَّرَ لهم الأرضَ وما عليها؛ يستعينونَ بها على عبادتِه [222] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 423). .
4- قَولُ الله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ هذه الآيةُ تدُلُّ على أنَّ الخوفَ مِن الله تعالى غيرُ الخَوفِ مِن وَعيدِه؛ لأنَّ العَطفَ يقتضي المُغايرةَ [223] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (11/356). .
5- قال الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ هذه الآيةُ دليلٌ على أنَّ الكافرَ لا يَنتَفِعُ في الآخرةِ بشَيءٍ مِن الحَسَناتِ بحالٍ [224] يُنظر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (4/283). .
6- قولُ الله تعالى: لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ قَدَّمَ مِمَّا كَسَبُوا على ما بَعدَه؛ لأنَّ الكَسبَ هو المقصودُ بالذِّكرِ، بقرينةِ ما قَبلَه، وإن كان القياسُ عكسَ ذلك، كما في البقرةِ؛ حيث قال تعالى: لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة: 264] ؛ لأنَّ عَلَى شَيْءٍ صِلةٌ لـ يَقْدِرُونَ ومِمَّا كَسَبُوا صفةٌ لشَيءٍ [225] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص:293). .
7- قَولُه تعالى: ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ لَمَّا كان هذا خُسرانًا لا يُمكِنُ تَدارُكُه، سَمَّاه بعيدًا [226] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/121). .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ
- قولُه: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ فيه إضْمارُ القولِ، أو إجراءُ الإيحاءِ مَجْراهُ؛ لأنَّه نوعٌ من القولِ [227] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/545)، ((تفسير البيضاوي)) (3/195). .
2- قوله تعالى: وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ
- قولُه: وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ...، فيه مَجِيءُ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ بضَميرِ الخِطابِ؛ تشريفًا لهم بالخِطابِ، ولم يأْتِ بضَميرِ الغَيبةِ كما في قولِه: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ [228] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/417). .
- قولُه: ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ إشارةٌ إلى المُوحَى به؛ وهو إهلاكُ الظَّالمينَ وإسكانُ المُؤمنينَ دِيارَهم، وهذا مأخوذٌ مِن: لَنُهْلِكَنَّ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ، أي: ذلك الأمْرُ مُحَقَّقٌ ثابِتٌ، وعاد إليهما اسمُ الإشارةِ بالإفرادِ بتأْويلِ (المذكور) [229] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/545)، ((تفسير أبي حيان)) (6/416)، ((تفسير أبي السعود)) (5/38)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/207). .
- قولُه عزَّ وجلَّ: خَافَ مَقَامِي أي: المقامَ بينَ يديَّ، وأضافَ ذلك إليه؛ لاختصاصِه به [230] يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (3/126). . وقيل: لفْظُ (مَقامٍ) مُقْحَمٌ؛ للمُبالَغةِ في تعلُّقِ الفعْلِ بمفعولِه، لأنَّ المقامَ أصلُه مكانُ القِيامِ، وأُريدَ فيه بالقيامِ مُطلَقُ الوجودِ؛ لأنَّ الأشياءَ تُعتبَرُ قائمةً، فإذا قيل: خَافَ مَقَامِي كان فيه مِن المبالغةِ ما ليس في (خافَني). بحيثُ إنَّ الخوفَ يَتعلَّقُ بمكانِ المَخُوفِ منه [231] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/545)، ((تفسير أبي حيان)) (6/416)، ((تفسير أبي السعود)) (5/38)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/207). .
3- قوله تعالى: وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ
- قولُه: وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ في إسنادِ الخَيبةِ إلى كلٍّ منهم ما لا يخْفَى مِن المُبالَغةِ [232] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/39). .
4- قوله تعالى: مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ
- قولُه: وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ فيه عطْفُ وَيُسْقَى على مَحذوفٍ، تقديرُه: مِن ورائِه جهنَّمُ، يَلْقَى فيها ما يَلْقَى، ويُسْقَى مِن ماءٍ صديدٍ [233] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/546). ، أو معطوفٌ على مُقَدَّرٍ جوابًا عن سُؤالِ سائلٍ؛ كأنَّه قيل: فماذا يكون إذنْ؟ فقيل: يَلْقَى فيها، ويُسْقَى... [234] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/39). .
- وبيَّنَ الماءَ بالصَّديدِ، فقال: صَدِيدٍ؛ تهويلًا لأمْرِه [235] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/39). .
- وخَصَّ هذه الحالةَ بالذِّكرِ مع أنَّ عذابَ أهلِ النَّارِ مِن وُجوهٍ كثيرةٍ. لأنه يُشبِهُ أن تكونَ هذه الحالةُ أشَدَّ أنواعِ العذابِ، فخُصِّصَت بالذِّكرِ مع قوله: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ [236] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/546)، ((تفسير الرازي)) (19/79)، ((تفسير أبي السعود)) (5/39). .
5- قوله تعالى: يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ
- قولُه: يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ استئنافٌ مبْنِيٌّ على السُّؤالِ؛ كأنَّه قيل: فماذا يفعَلُ به؟ فقيل: يتجرَّعُه، أي: يتكلَّفُ جَرْعَه مرَّةً بعدَ أُخرى؛ لِغلَبَةِ العطَشِ، واستيلاءِ الحرارةِ عليه [237] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/39). .
- وقوله: يَتَجَرَّعُهُ (تجرَّع) تَفعَّل، ويَحتمِلُ هنا وُجوهًا: أنْ يكونَ للمُطاوعَةِ، أي: جرَّعَه فتجرَّعَ، وأنْ يكونَ للتَّكلُّفِ، نحوَ: تحلَّمَ، وأنْ يكونَ لِمُواصلَةِ العَمَلِ في مُهْلَةٍ، نحوَ: تفهَّمَ، أي: يأخُذُه شيئًا فشيئًا، وأنْ يكونَ مُوافقًا للمُجرَّدِ، أي: جرعَه [238] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/418). ، وفي جميعِ هذه الأحوالِ استَقْصى غايةَ ما يمكِنُ أنْ يتناوَلَه شارِبُ الماءِ؛ ففيه ما يُعرَف بالاستِقصاءِ، وهو أنْ يتناوَلَ المُتكلِّمُ معنًى، فيستقصِيَه، أي: يأتِيَ بجميعِ عوارِضِه ولوازِمِه بعد أنْ يَستقصِيَ جميعَ أوصافِه الذَّاتيَّةِ، بحيثُ لا يترُكُ لِمَن يتناولُه بعدَه فيه مقالًا يقولُه، فقدِ استَقْصى المعنى الَّذي أرادَهُ في الآيةِ؛ وهو كراهيةُ الصَّديدِ الَّذي يشرَبُه بأنَّه يتجرَّعُه، وفيه أيضًا تَتميمُ المُبالَغةِ؛ فقد قال: يَتَجَرَّعُهُ، ولو قال: (جرَعَه) لَمَا أفاد المعنى الَّذي أرادَه؛ لأنَّ (جرَعَ الماءَ) لا يُشيرُ إلى معنى الكراهيةِ، ولكنَّه عندما أُتِيَ بالتَّاءِ على صِيغَةِ التَّفعُّلِ، أفهَمَ أنَّه يتكلَّفُ شُرْبَه تكلُّفًا، وأنَّه يُعاني مِن جرَّاءِ شُرْبِه ما لا يأْتي الوصفُ عليه؛ مِن تَقزُّزٍ وكراهيةٍ، ثمَّ احتاط للأمْرِ؛ لأنَّه قد يُوهِمُ بأنَّه تكلَّفَ شُرْبَه ثمَّ هان عليه الأمْرُ بعدَ ذلك؛ فأُتِيَ بالكَيْدُودَةِ، أي: أنَّه تكلَّفَ شُرْبَه وهو لا يكادُ يشرَبُه، ولو اكْتَفى بالكَيْدُودَةِ لَصَحَّ المعنى دونَ مُبالَغةٍ، ولكنْ عندما جاءتْ يُسِيغُهُ، أفهَمَ أنَّه لا يُسيغُه بل يغَصُّ به، فيشرَبُه بعدَ اللَّتَيَّا والَّتي جُرْعَةً غِبَّ جُرْعَةٍ؛ فيَطولُ عَذابُه؛ تارةً بالحرارةِ، وتارةً بالعطَشِ [239] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/172). .
- قولُه: وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ دخَلَ الفعْلُ (كاد)؛ للمُبالَغةِ، يعني: ولا يُقارِبُ أنْ يُسيغَه؛ فكيف تكونُ الإساغةُ [240] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/546)، ((تفسير أبي حيان)) (6/418). ؟!
- قولُه: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ كأنَّ أسبابَ الموتِ وأصنافَه كلَّها قد تألَّبَتْ عليه، وأحاطَتْ به مِن جميعِ الجِهاتِ؛ تفظيعًا لِمَا يُصيبُه مِن الآلامِ [241] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/451). .
- وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ في وصْفِ العذابِ بالغِلظةِ: كِنايةٌ عن قوَّتِه واتِّصالِه؛ لأنَّ الغِلظةَ تستوجِبُ القوَّةَ، وتستَدْعي أنْ يكونَ مُتَّصلًا تتصِلُ به الأزمنةُ كلُّها، فلا انفصالَ بينها [242] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/172). .
- وفي ألفاظِ الآياتِ الوَاردةِ مَوْرِدَ التَّهديدِ والوعيدِ «مُراعاةُ النَّظيرِ»؛ فجميعُ ألفاظِها مُتضافِرةٌ على التَّعبيرِ عنِ المُخيفِ القارِعِ للقُلوبِ [243] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/171). .
6- قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ
- قولُه: مَّثَلُ  الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ... فيه تشبيهٌ تمثيليٌّ؛ فالمُشبَّهُ مُرَكَّبٌ، وهو الَّذين كَفَروا وأعمالُهم الصَّالحةُ الَّتي يقومونَ بها في حَياتِهم؛ كصِلةٍ يَرفِدونَ [244] يَرفِدونَ: يُعطونَ ويُعينونَ ويَصِلون، والرِّفْدُ بالكسرِ: العطاءُ والصِّلة. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (2/475)، ((الغريبين في القرآن والحديث)) للهروي (3/759)، ((النهاية)) لابن الأثير (2/241). بها المُحتاجَ، وصَدقةٍ يَجبُرونَ بها المكسورَ، وعِلْمٍ يعُمُّ نفْعُه العِبادَ، والمُشبَّهُ به: الرَّمادُ- وهو ما سحَقَتْه النَّارُ مِن الأجرامِ- واشتِدادُ الرِّيحِ، واليومُ العاصفُ، ووجْهُ الشَّبهِ: أنَّ الرِّيحَ العاصِفَ تُطَيِّرُ الرَّمادَ، وتُفرِّقُ أجْزاءَه بحيثُ لا يَبْقَى له أثرٌ، فكذلك كُفْرُهم أبطَلَ أعمالَهم وأحبَطَها بحيث لا يبْقَى لها أثرٌ؛ فالمعنى: حالُ أعمالِهم، بقَرينةِ الجُملةِ المُخبَرِ عنها؛ لأنَّه مهما أُطْلِقَ (مثَلُ كذا) إلَّا والمُرادُ حالٌ خاصَّةٌ مِن أحوالِه يُفسِّرُها الكلامُ، فهو مِن الإيجازِ المُلتَزمِ في الكلامِ. فقولُه: أَعْمَالُهُمْ مبتدأٌ ثانٍ، وكَرَمَادٍ خبرٌ عنه، والجُملةُ خبرٌ عن المبتدأِ الأوَّلِ. ولمَّا جُعِلَ الخبرُ عن مثَلِ الَّذين كَفَروا أَعْمَالُهُمْ، آلَ الكلامُ إلى أنَّ مثَلَ أعمالِ الَّذين كَفَروا كرَمادٍ؛ شُبِّهَت أعمالُهم المُتجمِّعةُ العديدةُ برمادٍ مُكدَّسٍ، فإذا اشتدَّتِ الرِّياحُ بالرَّمادِ انتثَرَ وتفرَّقَ تفرُّقًا لا يُرْجى معه اجتماعُه، ووجْهُ الشَّبهِ هو الهيئةُ الحاصِلةُ مِن اضمحلالِ شيءٍ كثيرٍ بعدَ تجمُّعِه، والهيئةُ المُشبَّهةُ معقولةٌ. ومِن لَطائفِ هذا التَّمثيلِ أنِ اخْتِيرَ له التَّشبيهُ بهيئةِ الرَّمادِ المُتجمِّعِ؛ لأنَّ الرَّمادَ أثَرٌ لأفْضَلِ أعمالِ الَّذين كَفَروا وأشْيَعِها بينهم وهو قِرَى الضَّيفِ، حتَّى صارتْ كثرةُ الرَّمادِ كِنايةً في لِسانِهم عنِ الكرَمِ [245] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/212-213)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/173-175). ، وأيضًا ففي تَشبيهِ أعمالِهم بالرَّمادِ سِرٌّ بديعٌ؛ وذلك للتشابُهِ الذي بين أعمالِهم وبين الرَّمادِ في إحراقِ النَّارِ وإذهابِها لأصلِ هذا وهذا، فكانت الأعمالُ التي لغير الله وعلى غيرِ مُرادِه طُعمةً للنَّارِ، وبها تُسعَّرُ النَّارُ على أصحابِها [246] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/131-132). .
- قولُه: أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ جُملةٌ مُستَأنَفَةٌ لِبيانِ مثَلِهم، على تقديرِ سُؤالٍ؛ كأنَّه قيل: كيف مثَلُهم؟ أو: ما بالُ أعمالِهم الَّتي عمِلوها في وُجوهِ البِرِّ؛ مِن صلةِ الأرحامِ، وإعتاقِ الرِّقابِ، وفِداءِ الأسارى، وإغاثةِ المَلْهوفينَ، وقِرَى الأضيافِ، وغيرِ ذلك ممَّا هو مِن بابِ المَكارمِ، حتَّى آلَ أمْرُهم إلى هذا المآلِ؟ فأُجِيبَ بأنَّ: أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ...، وكأنَّه قيل: المُتحصِّلُ مثالًا في النَّفْسِ للَّذين كَفَروا هذه الجُملةُ المذكورةُ؛ وهي: أعمالُهم في فسادِها وقْتَ الحاجةِ وتلاشيها كالرَّمادِ الَّذي تذْرُوه الرِّيحُ، وتفرِّقُه بشدَّتِها حتَّى لا يبْقَى له أثرٌ، ولا يجتمِعُ منه شيءٌ [247] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/547)، ((تفسير البيضاوي)) (3/196)، ((تفسير أبي حيان)) (6 /422)، ((تفسير أبي السعود)) (5/40). .
- قولُه: فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ العصْفُ: اشتِدادُ الرِّيحِ؛ وُصِفَ به زَمانُه للمُبالَغةِ، فجُعِلَ العصْفُ لليومِ، وهو لِمَا فيه، وهو الرِّيحُ أو الرِّياحُ؛ فشَبَّهَ هذه الأعمالَ- في حُبوطِها، وذَهابِها هباءً مَنثورًا؛ لِبنائِها على غيرِ أساسٍ مِن معرفةِ اللهِ والإيمانِ به، وكونِها لِوجْهِه- برمادٍ طيَّرَتْه الرِّيحُ العاصِفُ [248] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/546)، ((تفسير البيضاوي)) (3/196))، ((تفسير أبي السعود)) (5/40). .
- وقولُه: لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ فَذْلَكةُ التَّمثيلِ، وبيانٌ لِجُملةِ التَّشبيهِ، أي: ذهَبَتْ أعمالُهم سُدًى، فلا يَقدِرونَ أنْ ينتَفِعوا بشيءٍ منها [249] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/196)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/212). ، والاكتفاءُ ببيانِ عدَمِ رُؤيةِ الأثَرِ لأعمالِهم للأصنامِ، مع أنَّ لها عُقوباتٍ هائلةً؛ للتَّصريحِ ببُطلانِ اعتقادِهم، وزَعمِهم أنَّها شُفعاءُ لهم عندَ اللهِ تعالى، وفيه تهكُّمٌ بهم [250] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/40). ، وذلك على أحدِ أوجهِ التفسيرِ.