موسوعة التفسير

سورةُ الرَّعدِ
الآيتان (33-34)

ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ

المعنى الإجمالي:

تُبيِّنُ لنا الآياتُ الكريمةُ لونًا مِن الحِجَاجِ مع المُشركينَ، يتضَمَّنُ توبيخًا لهم، وتعجيبًا مِن عُقولِهم، فيقولُ سُبحانه: أفمَن هو قائِمٌ على شُؤونِ جَميعِ العِبادِ- مِن أرزاقٍ وغيرِها- رقيبٌ على ما يَكسِبونَه مِن أعمالٍ، حافِظٌ لها، ومُجازٍ عليها، كمَن ليس كذلك مِن هذه الأصنامِ؟!
وجَعَلوا لله شُرَكاءَ مِن خَلْقِه يَعبُدونَهم، قلْ لهم- يا محمدُ: سمُّوهم بالأسماءِ التي يستحقُّونَها ما دُمتُم جعَلْتموهم شركاءَ لله، ولن يَجِدوا ما يَجعَلُهم أهلًا للعبادةِ، أم تُخبِرونَ اللهَ بشُرَكاءَ في أرضِه لا يعلَمُهم، أم تُسَمُّونَهم شُرَكاءَ بظاهرٍ مِن اللَّفظِ مِن غيرِ أن يكونَ لهم حقيقةٌ! بل حُسِّنَ للكُفَّارِ قَولُهم الباطِلُ، وصُرِفوا عن سبيلِ الله. ومَن يُضِلَّه الله فلا أحدَ يهديه، ويأخذُ بيدِه إلى الحَقِّ والرَّشادِ، ولهؤلاء الكُفَّارِ عذابٌ في الحياةِ الدُّنيا بالقتلِ والأسرِ والخِزي والمصائبِ والآفاتِ، ولَعذابُهم في الآخرةِ أغلظُ وأشَدُّ، وليس لهم من أحدٍ يَمنَعُهم مِن عذابِ اللهِ.

تفسير الآيتين:

أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّها تفريعٌ على مجموعِ قَولِه تعالى: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [الرعد: 30] ، أي: أنَّ كُفرَهم بالرَّحمنِ وإيمانَك بأنَّه ربُّك المقصورةُ عليه الرُّبوبيَّةُ، يتفَرَّعُ على مجموعِ ذلك استفهامُهم استفهامَ إنكارٍ عليهم تسويتَهم مَن هو قائمٌ على كلِّ نفسٍ بمن ليس مِثلَه مَن جعلوهم له شرُكاءَ [507] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/149). .
وأيضًا: لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى الوعيدَ للكافرينَ، والجوابَ عن اقتراحِهم الآياتِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ أورد تعالى على المُشرِكينَ ما يجري مَجرى الحِجاجِ، وما يكونُ توبيخًا لهم وتَعجيبًا مِن عُقولِهم [508] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/44). ، فقال:
أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ.
أي: أفاللهُ القائِمُ على شُؤونِ جَميعِ عِبادِه- ومِن ذلك أرزاقُهم- العالِمُ بهم وبأحوالِهم، الرَّقيبُ على ما يَكسِبونَه مِن أعمالٍ، الحافِظُ لها، والمُجازي عليها خيرًا وشَرًّا، كمَن ليس بهذه الصِّفةِ مِن الأصنامِ التي لا تسمَعُ ولا تُبصِرُ، ولا تنفَعُ ولا تضُرُّ؟! كلَّا، ليس الأمرُ كذلك [509] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/545)، ((تفسير القرطبي)) (9/322)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/197)، ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/424، 425)، ((تفسير ابن كثير)) (4/463)، ((تفسير السعدي)) (ص: 419)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/150). قال السمعاني: (أكثرُ المفسِّرين أنَّ قولَه: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ هُوَ الله). ((تفسير السمعاني)) (3/96). .
وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ.
أي: اللهُ هو القائِمُ بأرزاقِ هؤلاء المُشرِكينَ، والمدبِّرُ لأمورِهم، والرَّقيبُ الحافِظُ عليهم أعمالَهم، ومع ذلك جعلوا لله شُرَكاءَ مِن خَلقِه يَعبدونَهم معه! قُلْ- يا محمَّدُ- لأولئك الكُفَّارِ: سَمُّوا هؤلاء الذين أشَركتُموهم في عبادةِ اللهِ بالأسماءِ التي يستحِقُّونَها: هل هي خالقةٌ رازقةٌ، محييةٌ مميتةٌ، أم هي مخلوقةٌ، لا تملكُ ضرًّا ولا نفعًا؟ فإذا سمَّوْها فوصَفوها بما تستحِقُّه مِن الصفاتِ، تبيَّنَ ضلالُهم، فما يسمُّونَهم إلا بما يعلمون أنَّ تلك الأسماءَ لهم حقيقةٌ، كحجرٍ وخشبٍ وكوكبٍ وأمثالِها [510] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/547)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (2/254) (6/194)، ((تفسير ابن كثير)) (4/463)، ((تفسير السعدي)) (ص: 419)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/151، 152). قال ابنُ تيمية: (إذا جعلتُم أولئك شركاءَ فسمُّوهم إذًا بالأسماءِ التي يسمَّى بها القائمُ على كلِّ نفسٍ بما كسبَتْ، فإنَّه سبحانَه يسمَّى بالحيِّ القيومِ، المحيي المميتِ، السميعِ البصيرِ، الغنيِّ عما سواه، وكلُّ شيءٍ فقيرٌ إليه، ووجودُ كلِّ شيءٍ به، فهل تستحِقُّ آلهتُكم اسمًا مِن تلك الأسماءِ؟ فإن كانت آلهةً حقًّا فسمُّوها باسمٍ مِن هذه الأسماءِ؛ وذلك بهتٌ بيِّنٌ؛ فإذا انتفَى عنها ذلك عُلِم بطلانُها، كما عُلِم بطلانُ مسمَّاها. وأمَّا إن سمَّوها بأسمائِها الصادقةِ عليها كالحجارةِ وغيرِها مِن مسمَّى الجماداتِ وأسماءِ الحيوانِ التي عبدوها مِن دونِ الله كالبقرِ وغيرِها، وبأسماءِ الشياطينِ الذين أشركوهم معِ الله جلَّ وعلا، وبأسماءِ الكواكبِ المسخراتِ تحتَ أوامرِ الربِّ، والأسماءُ الشاملةُ لجميعِها أسماءُ المخلوقاتِ المحتاجاتِ المدبراتِ المقهوراتِ. وكذلك بنو آدمَ عبادةُ بعضِهم بعضًا، فهذه أسماؤُها الحقُّ، وهي تبطلُ إلهيتَها؛ لأنَّ الأسماءَ التي مِن لوازمِ الإلهيةِ مستحيلةٌ عليها؛ فظهَر أن تسميتَها آلهةً مِن أكبرِ الأدلةِ على بطلانِ إلهيتِها، وامتناعِ كونِها شركاءَ لله عزَّ وجلَّ). ((مجموع الفتاوى)) (15/197). وقال الواحدي: (قولُه تعالى: قُلْ سَمُّوهُمْ ليس يريدُ بهذا أن يَذكُروا أسماءَهم التي جعَلوها لهم كاللَّاتِ والعُزَّى؛ لأنَّه لا يكونُ في هذا احتِجاجٌ عليهم، ولكِنَّ المعنى: سَمُّوهم بما يَستَحِقُّونَ مِن الأسماءِ التي هي صِفاتٌ، ثمَّ انظُروا هل تدُلُّ صِفاتُهم على أنَّه يجوزُ أن يُعبَدوا أم لا؟ وهذا تنبيهٌ على أنَّهم مُبطِلونَ؛ لأنَّ المعنى يَؤُولُ إلى أنَّ الصَّنَمَ لو كان إلهًا لتُصُوِّرَ منه أن يَخلُقَ ويَرزُقَ ويُحييَ ويُميتَ، ولحَسُنَ حينئذٍ أن يُسمَّى بالخالِقِ والرَّازقِ، فكأنَّ الله تعالى قال: قُلْ سَمُّوهم بإضافةِ أفعالِهم إليهم إن كانوا شُرَكاءَ لله تعالى، كما يضافُ إلى الله تعالى أفعالُه بالأسماءِ الحُسنى). ((البسيط)) (12/359). .
قال تعالى: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [يوسف: 40] .
وقال سُبحانه: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم: 23] .
أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ.
أي: أم الأمرُ- أيُّها المُشرِكونَ- أنَّكم تُخبِرونَ اللهَ بأنَّ معه شُركاءَ في الأرضِ، وهو لا يعلَمُ بذلك؟! وما لا يعلَمُ عالِمُ الغَيبِ والشهادةِ أنَّه موجودٌ، فباطِلٌ، ولو كان موجودًا لعَلِمَه [511] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/547)، ((تفسير القرطبي)) (9/323)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/195)، ((تفسير ابن كثير)) (4/463)، ((تفسير السعدي)) (ص: 419). .
أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ.
أي: أم الأمرُ أنَّكم ادَّعيتُم لله شُرَكاءَ بمُجَرَّد ظواهِرِ أقوالِكم التي لا حقيقةَ لها، وإنَّما هي ظَنٌّ وكَذِبٌ، وباطِلٌ [512] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/195)، ((تفسير السعدي)) (ص: 419). .
بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ.
أي: ليس لله شَريكٌ في السَّمواتِ ولا في الأرضِ، ولكِنْ زُيِّنَ [513] قال الشوكاني: (وقرأ ابنُ عباس «زَيَّنَ» على البناء للفاعل، على أنَّ الذي زيَّنَ لهم ذلك هو مكرُهم. وقرأ مَن عداه بالبناءِ للمفعولِ، والمُزَيِّنُ هو اللهُ سبحانه، أو الشَّيطانُ). ((تفسير الشوكاني)) (3/102). وممَّن نصَّ على أنَّ المزَيِّنَ هو اللهُ عزَّ وجلَّ: ابنُ عطية، والرازي، والقرطبي. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/314)، ((تفسير الرازي)) (19/45)، ((تفسير القرطبي)) (9/323). وممن قال بأن المزينَ هنا هو الشيطانُ: الواحدي. يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 573). وممن قال مِن السلفِ بذلك: ابنُ عباسٍ. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (2/497). للمُشرِكينَ كُفرُهم وشِركُهم وكَذِبُهم على اللهِ [514] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/549)، ((تفسير القرطبي)) (9/323)، ((تفسير ابن كثير)) (4/463)، ((تفسير السعدي)) (ص: 419). قال ابن عطية: (مَكْرُهُمْ: لفظٌ يعُمُّ أقوالَهم وأفعالَهم التي كانت بسبيلِ مُناقضةِ الشَّرعِ). ((تفسير ابن عطية)) (3/314). .
وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ.
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
1- قراءةُ وَصُدُّوا بضمِّ الصادِ على ما لم يسَمَّ فاعِلُه، أي: أُضِلُّوا عن الإيمانِ، قيل: صَدَّهم اللهُ عن اتِّباعِ سَبيلِه؛ لكُفرِهم به، وقيل: صَدَّهم الشَّيطانُ بتَزيينِه [515] قرأ بها عاصمٌ وحمزةُ والكسائي ويعقوبُ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/298). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((تفسير ابن جرير)) (13/550)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/58)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 373)، ((تفسير الشوكاني)) (3/102). .
2- قراءةُ وَصَدُّوا بفتح الصادِ، بإسنادِ الفعل إلى الفاعلِ، أي: صَدُّوا بأنفُسِهم وأعرَضوا عن الإيمانِ، وقيل: صَدُّوا غيرَهم عن الإيمانِ فأضلُّوهم، وقيل: إنَّهم لمَّا زُيِّنَ لهم ما هم فيه وأنَّه حقٌّ، دَعَوا إليه وصَدُّوا النَّاسَ عن اتِّباعِ طريقِ الرُّسلِ [516] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/298). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((معاني القراءات)) للأزهري (2/58)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 373)، ((تفسير ابن كثير)) (4/464). .
وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ.
أي: وصُرِفوا- لكُفرِهم بالله- عن طريقِ الإيمانِ المُستقيمِ المُوصِل إليه وإلى دارِ كرامتِه [517] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/550)، ((تفسير البغوي)) (3/24)، ((تفسير القرطبي)) (9/323)، ((تفسير ابن كثير)) (4/464). .
كما قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف: 57] .
وقال سُبحانه: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ * وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [يس: 9، 10].
وقال عزَّ وجلَّ: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ [العنكبوت: 38].
وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ.
أي: ومَن يُضِلَّه اللهُ عن طريقِ الحَقِّ، ويَخذُلْه عن اتِّباعِه، فلا أحدَ يُوفِّقُه إلى الخيرِ [518] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/551)، ((تفسير القرطبي)) (9/323)، ((تفسير الشوكاني)) (3/102). .
كما قال تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء: 88] .
وقال سُبحانه: مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام: 39] .
لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ (34).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا أخبَرَ اللهُ تعالى عن الكافرينَ بتلك الأمورِ المذكورةِ؛ بيَّنَ أنَّه جمعَ لهم بين عذابِ الدُّنيا، وبين عذابِ الآخرةِ الذي هو أشَقُّ، وأنَّه لا دافِعَ لهم عنه لا في الدُّنيا ولا في الآخرةِ [519] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/46). .
وأيضًا فإنَّها استئنافٌ بيانيٌّ نشأ عن قَولِه: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ؛ لأنَّ هذا التَّهديدَ يُومئُ إلى وعيدٍ يسألُ عنه السَّامِعُ، وفيه تكمِلةٌ للوعيدِ المتقَدِّمِ في قولِه: وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ مع زيادةِ الوعيدِ بما بعدَ ذلك في الدَّارِ الآخرةِ [520] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/154). .
لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
أي: لهؤلاءِ الكُفَّارِ عَذابٌ في الحياةِ الدُّنيا بالقتلِ والأسرِ والخِزي، والمصائبِ والأمراضِ والآفاتِ [521] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/551)، ((الوسيط)) للواحدي (3/18)، ((تفسير ابن عطية)) (3/315)، ((تفسير القرطبي)) (9/324). .
وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ.
أي: ولَعذابُهم في الآخرةِ أشَدُّ وأغلَظُ مِن عذابِهم في الدُّنيا [522] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/551)، ((الوسيط)) للواحدي (3/18)، ((تفسير ابن عطية)) (3/315)، ((تفسير السعدي)) (ص: 419). .
وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ.
أي: وما لهؤلاءِ الكافرينَ مِن أحدٍ يَقيهم ويمنَعُهم مِن عذابِ اللهِ [523] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/551)، ((تفسير ابن عطية)) (3/315)، ((تفسير القرطبي)) (9/324)، ((تفسير السعدي)) (ص: 419). .

الفوائد التربوية:

1- كلُّ نَقصٍ وبَلاءٍ وشَرٍّ في الدُّنيا والآخرةِ، فسَببُه الذنوبُ، ومُخالفةُ أوامِرِ الرَّبِّ؛ فليس في العالَمِ شَرٌّ قَطُّ إلَّا الذُّنوبُ ومُوجِباتُها. وآثارُ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ في القلوبِ والأبدانِ والأموالِ أمرٌ مشهودٌ في العالَمِ، لا يُنكِرُه ذو عَقلٍ سَليمٍ، بل يَعرِفُه المُؤمِنُ والكافِرُ، والبَرُّ والفاجِرُ. وشهودُ العَبدِ هذا في نَفسِه وفي غيرِه، وتأمُّلُه ومُطالعتُه: مِمَّا يُقَوِّي إيمانَه بما جاءت به الرُّسُلُ، وبالثَّوابِ والعقابِ؛ فإنَّ هذا عَدلٌ مَشهودٌ مَحسوسٌ في هذا العالمِ، ومَثوباتٌ وعُقوباتٌ عاجِلةٌ دالَّةٌ على ما هو أعظَمُ منها لِمَن كانت له بَصيرةٌ، ومتى انفتَحَ هذا البابُ للعبدِ انتفَعَ بمُطالعةِ تاريخِ العالَمِ، وأحوالِ الأُمَمِ، ومُجرَياتِ الخَلقِ، بل انتفَعَ بمُجرَياتِ أهلِ زَمانِه وما يُشاهِدُه من أحوالِ النَّاسِ، وفَهِمَ حينئذ معنى قَولِه تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ،  وقولِه: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: 18] فكُلُّ ما تراه في الوجودِ مِن شَرٍّ وألمٍ وعقوبةٍ وجَدبٍ، ونَقصٍ في نَفسِك وفي غَيرِك؛ فهو من قيامِ الرَّبِّ تعالى بالقِسطِ، وهو عَدلُ اللهِ وقِسطُه وإن أجراه على يَدِ ظالمٍ؛ فالمُسلِّطُ له أعدَلُ العادلينَ [525] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/424-425). .
2- قولُ الله تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ هو تعالى المحيطُ بأحوالِ النُّفوسِ جَلِيِّها وخَفِيِّها، ونبَّهَ على بعضِ حالاتِها وهو (الكسب)؛ ليتفكَّرَ الإنسانُ فيما يَكسِبُ مِن خيرٍ وشَرٍّ، وما يترتَّبُ على الكَسبِ في الجزاءِ [526] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/392). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ فاللهُ سُبحانَه وتعالى يقومُ عليها بكَسبِها لا بكَسبِ غيرِها، وهذا مِن قيامِه بالقِسطِ [527] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (14/182). .
2- قال الله تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ معلومٌ أنَّ القائِمَ على كُلِّ نفسٍ بما كسَبَت هو اللهُ عزَّ وجَلَّ، فصار الوجودُ كُلُّه قائمًا باللهِ تعالى؛ إيجادًا، وإمدادًا، وإعدادًا [528] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) لابن عثيمين (1/41). .
3- قولُه تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ فيه جوازُ وصفِ الله بالقيامِ على التَّقْيِيدِ، وهو أنَّه قَائِمٌ على كلِّ نفسٍ بما كسَبتْ، ولا يجوزُ أَن يُسمَّى قَائِمًا على الإِطلاقِ؛ لأنَّ الشَّرْعَ لم يرِدْ به [529] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (3/96). .
4- قد تضمَّنَ هذا الاحتجاجُ في هذه الآيةِ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ... أساليبَ وخصوصياتٍ:
أحدُها: توبيخُهم على قياسِهم أصنامَهم على اللهِ في إثباتِ الإلهيَّةِ لها قياسًا فاسدًا؛ لانتفاءِ الجهةِ الجامعةِ، فكيف يُسَوَّى مَن هو قائمٌ على كلِّ نفْسٍ بمَن ليسوا في شيءٍ من ذلك؟!
ثانيها: تَجهِيلُهم في جَعْلِهم أسماءً لا مُسمَّياتِ لها آلهةً.
ثالثُها: إبطالُ كونِ أصنامِهم آلهةً بأنَّ اللهَ لا يعلَمُها آلهةً، وهو كِنايةٌ عنِ انتفاءِ إلهيَّتِها.
رابعُها: أنَّ ادِّعاءَهم آلهةً مُجَرَّدُ كلامٍ، لا انطباقَ له مع الواقعِ، وهو قولُه: أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ.
خامسُها: أنَّ ذلك تمويهٌ باطِلٌ روَّجَه فيهم دُعاةُ الكُفْرِ، وهو معنى تَسْميتِه مَكرًا في قولِه: بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ.
سادسُها: أنَّهم يَصُدُّونَ النَّاسَ عن سَبيلِ الهُدى [530] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/153). .
5- إنَّما قال الله تعالى: وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ؛ لأنَّه أزيَدُ؛ إن شئتَ بسبَبِ القوَّةِ والشِّدَّةِ، وإن شئتَ بسبَبِ كثرةِ الأنواعِ، وإن شئتَ بسبَبِ أنَّه لا يختَلِطُ بها شيءٌ مِن مُوجِباتِ الرَّاحةِ، وإنْ شِئتَ بسبَبِ الدَّوامِ، وعدمِ الانقطاعِ [531] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/46). .

بلاغة الآيتين :

1- قوله تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
- قولُه: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ... احتِجاجٌ عليهم في إشراكِهم باللهِ، يعني: أفاللهُ الَّذي هو قائمٌ رقيبٌ على كُلِّ نَفْسٍ صالحةٍ أو طالحةٍ بِما كَسَبَتْ، يعلَمُ خيرَه وشرَّه، ويُعِدُّ لكلٍّ جَزاءَه؛ كمَن ليس كذلك [532] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/531). ؟!
- والاستفهامُ في قولِه: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ إنكاريٌّ، وحُذِفَ خبَرُه تَصريحًا في التَّوبيخِ والزِّرايةِ عليهم على القياسِ الفاسِدِ؛ لِفقْدِ الجِهةِ الجامعةِ لهما، وهذا يُسَمَّى في البلاغةِ: (الإضمار على شَريطةِ التَّفسيرِ)، وهو: أنْ يُحْذَفَ مِن صدْرِ الكلامِ ما يُؤْتَى به في آخِرِه، فيَكونَ الآخِرُ دليلًا على الأوَّلِ [533] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/127- 129). .
- قولُه: وَجَعَلُوا للَّهِ شُرَكَاءَ استِئنافُ إخبارٍ عن سُوءِ صنيعِهم، وكونِهم أشْرَكوا مع اللهِ ما لا يصلُحُ للأُلوهيَّةِ؛ نَعَى عليهم هذا الفِعلَ القبيحَ، فهي جُملةٌ مُستقِلَّةٌ، جِيءَ بها للدَّلالةِ على الخبَرِ. أو حاليةٌ، أي: أَفَمَنْ هذه صِفاتُه كمَن ليس كذلك، وقد جعَلوا له شُركاءَ لا شريكًا واحدًا؟! وعلى القولِ بأنَّ هذه الجُملةَ معطوفةٌ على الخبَرِ، إنْ قُدِّرَ ما يصلُحُ لذلك، أي: أَفَمَنْ هذا شأنُه لم يُوَحِّدوه، وجَعَلوا له شُركاءَ؟! ووضَعَ المُظْهَرَ موضِعَ المُضْمَرِ- حيث لم يقُلْ: (وجعَلوا له)-؛ تَقديرًا لِأُلوهيَّتِه، وتَصريحًا بها، وللتَّنصيصِ على وَحدانيَّتِه ذاتًا واسمًا، وللتَّنبيهِ على أنَّهم جعَلوا شُركاءَ لِمَن هو فَردٌ واحدٌ لا يُشارِكُه أحدٌ في اسمِه، وللتَّنبيهِ على اختِصاصِه باستِحقاقِ العبادةِ، مع ما فيه مِن البَيانِ بعد الإبهامِ بإيرادِه مَوصولًا؛ للدَّلالةِ على التَّفخيمِ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ [534] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/44)، ((تفسير أبي حيان)) (6/392)، ((تفسير أبي السعود)) (5/24)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/127- 129). . وقيل: فائدةُ هذا الإظهارِ: التَّعبيرُ عنِ المُسَمَّى باسمِه العَلَمِ الَّذي هو الأصلُ؛ إذ كان قد وقَعَ الإيفاءُ بحَقِّ العُدولِ عنه إلى الموصولِ في الجُملةِ السَّابقةِ، فتَهيَّأَ المَقامُ للاسمِ العَلَمِ، وليكونَ تصريحًا بأنَّه المُرادُ مِن الموصولِ السَّابقِ؛ زِيادةً في التَّصريحِ بالحُجَّةِ [535] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/151). .
- قولُه: قُلْ سَمُّوهُمْ فيه تنبيهٌ على أنَّ هؤلاءِ الشُّركاءَ لا يستحِقُّونَ العِبادةَ، وتبْكيتٌ لهم إثرَ تبْكيتٍ، والمعنى: أي: سمُّوهم مَن هُمْ؟ وماذا أسماؤُهم؟ أو صِفُوهم، فانْظروا هل لهم ما يَستحِقُّونَ به العِبادةَ، ويستأْهِلونَ الشَّرِكةَ [536] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/189)، ((تفسير أبي السعود)) (5/24). ؟! وقيل: هذا تهديدٌ، كما تقولُ لِمَن تُهَدِّدُه على شُرْبِ الخَمْرِ: سَمِّ الخمْرَ بعد هذا [537] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/393). ، وفيه تعجيزٌ لهم، أي: عيِّنوا أسماءَهم، فقولوا: فُلانٌ وفلانٌ؛ فهو إنكارٌ لِوُجودِها على وجْهٍ بُرهانيٍّ، كما يقولُ المرْءُ لِخَصمِه: إنْ كان الَّذي تدَّعيه موجودًا فسَمِّه؛ لأنَّ المُرادَ بالاسمِ العِلمُ [538] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/127- 129). . أو الأمْرُ مُستعمَلٌ في معنى الإباحةِ؛ كِنايةً عن قِلَّةِ المُبالاةِ بادِّعائِهم أنَّهم شُركاءُ، أي: سمُّوهم شُركاءَ، فليس لهم حَظٌّ إلَّا التَّسميةُ، أي: دونَ مُسَمَّى الشَّريكِ [539] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/151). .
- قولُه: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ فيه نَفْيُ الشَّيءِ بإيجابِه، أو عكسُ الظَّاهِرِ، وهو مِن مُستَطرَفاتِ عِلْمِ البَيانِ، وحقيقةُ هذا النَّفيِ: أنَّهم ليسوا بشُركاءَ، وأنَّ اللهَ لا يعلَمُهم كذلك؛ لأنَّهم- في الواقعِ- ليسوا كذلك، وإنْ كانت لهم ذواتٌ ثابتةٌ يعلَمُها اللهُ، إلَّا أنَّها مَرْبوبةٌ حادِثةٌ لا آلهةٌ معبودةٌ، ولكنْ مَجِيءُ النَّفيِ بهذه الطَّريقةِ المَتلوَّةِ بَديعٌ لا تَكادُ تُكْتَنَه بَلاغتُه وعِبارتُه [540] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/127- 129). .
- قولُه: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ استِفهامٌ إنكاريٌّ توبيخيٌّ [541] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/393)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/152). ، وهذا احتِجاجٌ بليغٌ على أُسلوبٍ عجيبٍ يُنادي على نفْسِه بالإِعجازِ، ويَدُلُّ على أنَّه ليس مِن كَلامِ البَشرِ لِمَن عرَفَ وأنصَفَ مِن نفْسِه [542] يُنظر: ((تفسير الزمخشري- مع الحاشية)) (2/532)، ((تفسير البيضاوي)) (3/189). .
- وخَصَّ الأرضَ بنَفيِ الشَّريكِ عنها، وإن لم يكُنْ شَريكٌ البتَّةَ، فقال: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ؛ لأنَّهم ادَّعَوا أنَّ له شُرَكاءَ في الأرضِ لا في غَيرِها [543] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/45). . وقيل: قيَّد ذلك بـ (الأرض) لزيادةِ تجهيلِهم؛ لأنَّه لو كان يخفَى عن علمِه شيءٌ، لخفِي عنه ما لا يُرى، ولما خفِيت عنه موجوداتٌ عظيمةٌ بزعمِكم [544] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/152). .
- وأَمْ الثَّانيةُ في قولِه: أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ مُتَّصِلةٌ، وهي مُعادِلَةٌ همْزةَ الاستفهامِ المُقدَّرةَ في أَمْ تُنَبِّئُونَهُ، وإعادةُ الباءِ؛ للتَّأْكيدِ بعدَ أَمْ العاطفةِ [545] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/151). .
- أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ فيه محذوفٌ، تقديرُه: أفمَنْ هو رقيبٌ على كلِّ نفْسٍ صالحةٍ وطالحةٍ، يَعلمُ ما كسبتْ مِن خيرٍ وشرٍّ، كمَن ليس كذلك مِن شُركائِهم الَّتي لا تضُرُّ ولا تنفَعُ؟! ويَدُلُّ عليه قولُه عَقِبَه: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ، ونحوُه قولُه: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ [الزمر: 22] ، والتَّقديرُ: كمنْ قَسَا قَلبُه؛ يدلُّ له قولُه: فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [546] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 290). [الزمر: 22] .
- وفي قولِه: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ العُدولُ عنِ اسمِ الجلالةِ إلى الموصولِ (مَنْ)؛ لأنَّ في الصِّلةِ دَليلًا على انتِفاءِ المُساواةِ، وتَخطئةً لأهْلِ الشِّركِ في تَشريكِ آلهتِهم للهِ تعالى في الإلهيَّةِ، ونِداءً على غَباوتِهم؛ إذْ هم مُعترِفونَ بأنَّ اللهَ هو الخالِقُ، ولِمَا في هذه الصِّلةِ مِن التَّعريضِ [547] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/150). .
- قولُه: بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ فيه وضْعُ الموصولِ لِلَّذِينَ كَفَرُوا موضِعَ المُضْمَرِ (لهم)؛ ذمًّا لهم، وتَسجيلًا عليهم بالكُفْرِ [548] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/24). .
- وجُملةُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ تَذييلٌ؛ لِمَا فيه مِن العُمومِ [549] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/154). .
2- قوله تعالى: لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ
- قولُه: لَهُمْ عَذَابٌ فيه تَنكيرُ عَذَابٌ؛ للتَّعظيمِ [550] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/154). .
- قولُه: وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ مِنْ الأُولى صِلةٌ للوقايةِ، ومِن الثَّانيةُ الدَّاخلةُ على وَاقٍ لتأْكيدِ النَّفيِ؛ للتَّنصيصِ على العُمومِ [551] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/25)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/155). .