موسوعة التفسير

سورةُ الرَّعدِ
الآيات (28-30)

ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ

غريب الكلمات:

طُوبَى لَهُمْ: أي: طيبُ العيشِ لهم، أو: الخيرُ وأقصَى الأُمنيةِ، أو: طوبى: شجرةٌ في الجنةِ، وقيل: بل هي إشارةٌ إلى كلِّ مستطابٍ في الجنةِ، وأصلُ (طيب): خلافُ الخبيثِ [431] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 322)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/435)، ((المفردات)) للراغب (ص: 528)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 180)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 251). .
مَآبٍ: أي: مرجعٍ، ومنقلَبٍ، وأصلُ (أوب): الرجوعُ [432] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 412)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/152)، ((تفسير القرطبي)) (15/221). .
مَتَابِ: أي: تَوبتي ومَرْجعي وأَوْبتي، وأصلُ (توب): يدلُّ على الرجوعِ [433] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/530)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 419)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/357)، ((تفسير القرطبي)) (9/318)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 251). .

المعنى الإجمالي:

يُبَيِّنُ اللهُ تعالى أنَّ الذين يستحِقُّونَ الهِدايةَ هم الذين آمنوا، وسَكَنَت قُلوبُهم إلى ذِكرِ اللهِ، ألا بِذِكرِ اللهِ تسكُنُ القُلوبُ، ويزولُ اضطرابُها. إنَّ هؤلاء المؤمنينَ الذين امتلأتْ قلوبُهم بالإيمانِ الصَّحيحِ، وعَمِلوا الأعمالَ الصَّالِحاتِ، لهم حالٌ طَيِّبةٌ، ومَرجِعٌ حسَنٌ إلى رِضوانِ اللهِ  وجنَّتِه، ومِثلَ ذلك الإرسالِ للأنبياءِ السَّابقينَ أرسَلْناك- أيُّها الرَّسولُ- بكتابٍ تبلِّغُه للنَّاسِ وتَقرَؤُه عليهم، كما أرسَلْنا رسُلًا إلى أمَمٍ مِن قَبلِك، وحالُ قَومِك الجُحودُ بوَحدانيَّةِ الرَّحمنِ، قلْ لهم- يا محمدُ: إن الذي كفَرْتُم به أنا مُؤمِنٌ به، وهو ربِّي وَحدَه، لا معبودَ بحَقٍّ سواه، عليه توكلتُ، وإليه مَرجِعي.

تفسير الآيات:

الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
ذكَرَ سُبحانَه وتعالى في هذه الآية الحَضَّ على ذِكرِ اللهِ، وأنَّه به تحصُلُ الطُّمأنينةُ؛ ترغيبًا في الإيمانِ، فبِذكرِه تعالى تطمئِنُّ القُلوبُ لا بالآياتِ المُقتَرَحةِ، بل ربَّما كُفِرَ بَعدَها فنزلَ العذابُ، كما سلَفَ في بعضِ الأمَمِ [434] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/385). .
وأيضًا لَمَّا قال اللهُ تعالى في الآيةِ التي سَبَقَت: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ يعني: أنَّ الآيةَ التي يَقتَرِحونَها لا تُوجِبُ هِدايةً، بل اللهُ هو الذي يهدي ويُضِلُّ- نَبَّهَهم هنا على أعظَمِ آيةٍ وأجَلِّها، وهي: طُمأنينةُ قُلوبِ المؤمِنينَ بذِكرِه الذي أنزَلَه؛ إذ يستحيلُ في العادةِ أن تطمئنَّ القلوبُ وتسكنَ إلى الكذبِ والافتراءِ والباطلِ [435] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/438). ، فقال:
الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ.
أي: ويهدي الله الذين آمنوا [436] قال ابن الجوزي: (قولُه تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا هذا بدلٌ مِن قولِه: أَنَابَ، والمعنى: يَهْدي الذين آمنوا). ((تفسير ابن الجوزي)) (2/494). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/518)، ((تفسير القرطبي)) (9/315). وتسكُنُ قُلوبُهم، ويزولُ قَلقُها واضطِرابُها بذِكرِ اللهِ تعالى، ومِن ذِكرِه: القُرآنُ [437] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/518)، ((تفسير القرطبي)) (9/315)، ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (3/1125)، ((تفسير ابن كثير)) (4/455)، ((تفسير السعدي)) (ص: 417)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/137). .
أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.
أي: ألا بذِكرِ اللهِ تَسكُنُ قُلوبُ المؤمنينَ، ويزولُ عنها قلَقُها واضطِرابُها، وحَريٌّ بها ألَّا تَطمئِنَّ لشَيءٍ سِوى ذِكرِه سُبحانَه [438] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/518)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (5/570)، ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/480)، ((تفسير السعدي)) (ص: 417)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/137). قال ابن القيم: (مِن أفضَلِ ذِكرِه: ذِكرُه بكَلامِه... ومِن ذِكرِه سُبحانه: دُعاؤُه واستغفارُه والتضَرُّع إليه). ((جلاء الأفهام)) (ص: 451). .
الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29).
أي: الذين آمَنوا بكُلِّ ما يجِبُ عليهم الإيمانُ به، وعَمِلوا- تصديقًا لهذا الإيمانِ- الأعمالَ الصَّالِحةَ- أولئك لهم حالٌ طَيِّبةٌ، وحُسنُ مَرجِعٍ؛ وذلك بما ينالونَ مِن رِضوانِ اللهِ وكَرامتِه في الدُّنيا والآخرةِ، فلهم كَمالُ الخيرِ والطُّمَأنينةِ، والفَرَحِ والسُّرورِ، ولهم النَّعيمُ الدَّائمُ، ومِن جملةِ ذلك شَجرةُ طُوبَى التي في الجنَّةِ [439] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/455)، ((تفسير السعدي)) (ص: 417)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/138). قال الواحدي: (أكثرُ المفسِّرين على أنَّ «طوبى» اسمُ شجرةٍ في الجنةِ، وهو قولُ أبي هريرة، ومُغيثِ بنِ سُمَيٍّ، وشَهرِ بنِ حَوْشَبٍ، ومجاهدٍ، ومقاتلٍ، وابنِ عبَّاس في روايةِ الكلبيِّ وعطاءٍ. ورُوي ذلك عن رسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((الوسيط)) (3/15). قال النحَّاس: (قال ابنُ عبَّاسٍ وأبو أُمامة: طُوبى: شَجَرةٌ في الجنَّةِ، وكذلك قال عُبَيدُ بنُ عُمَير. وقال مجاهِدٌ: هي الجنَّةُ. وقال عِكرمةُ: أي: نِعْمَ ما لهم!. وقال إبراهيمُ: طُوبى: أي: خيرٌ وكَرامةٌ. وهذه الأقوالُ مُتَقارِبةٌ؛ لأنَّ طُوبى: فُعْلَى مِنَ الطِّيبِ، أي: مِنَ العَيشِ الطَّيِّبِ لهم، وهذه الأشياءُ تَرجِعُ إلى الشَّيءِ الطَّيِّبِ). ((معاني القرآن)) (3/493). وقال الرسعني: (قال ابنُ الأنباري: تأويلُها: الحالُ المستطابةُ. قلتُ: إلى هذا المعنى ترجِعُ أقوالُ المفسِّرين). ((تفسير الرسعني)) (3/482). .
كما قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97] .
وعن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّ رَجُلًا قال له: يا رسولَ اللهِ، طوبى لِمَن رآك، وآمَنَ بك، قال: طوبى لِمَن رآني وآمَنَ بي، ثمَّ طوبى، ثمَّ طوبى، ثمَّ طوبى لِمَن آمنَ بي ولم يَرَني، قال له رجُلٌ: وما طُوبى؟ قال: شجَرةٌ في الجنَّةِ مَسيرةَ مئةِ عامٍ، ثِيابُ أهلِ الجنَّةِ تخرُجُ مِن أكمامِها [440] الأكمامُ: جمع الكِمِّ: وهو وِعاءُ الطَّلعِ وغِطاءُ النَّوْرِ. يُنظر: ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 273). ) [441] أخرجه أحمد (11673)، وأبو يعلى في ((المسند)) (1374)، وابن حبان في ((الصحيح)) (7413)، وابن أبي داود في ((البعث)) (68)، وأصله في ((صحيح مسلم)) (2828). حسَّنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (47)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (3918). .
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ(30).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لما حكَى الله عن الكافرينَ قولَهم: لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ؛ جاءَهم الجوابُ في هذه الآيةِ؛ لأنَّ الجوابَ السَّابِقَ بقَولِه: قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ جوابٌ بالإعراضِ عن جَهالتِهم، والتعَجُّبِ مِن ضَلالِهم، وما هنا هو الجوابُ الرَّادُّ لِقَولِهم [442] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/139). .
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ.
أي: كما أرسَلْنا الأنبياءَ مِن قَبلِك بوَحيِنا، وأعطَيناهم كُتُبَنا- يا محمَّدُ- أرسَلْناك بهذا القُرآنِ إلى قومٍ قد مَضَت مِن قَبلِهم جماعاتٌ أرسَلْنا لهم رسُلًا، فلستَ ببِدْعٍ مِن الرُّسُلِ حتى يَستَنكِرَ قومُك رسالتَك، ويَطلُبوا منك آياتٍ مُقترَحةً لإثباتِها، ولك بهم أُسوةٌ حَسَنةٌ حين كَذَّبَتْهم أقوامُهم واستهزَأتْ بهم في عدَمِ الإجابةِ إلى آياتِهم المُقتَرَحةِ، فصبروا على ذلك، وكما أوقَعْنا بأسَنا بأولئك، فلْيحذَرْ قَومُك مِن حُلولِ العذابِ بهم [443] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/41)، ((تفسير القرطبي)) (9/317)، ((تفسير ابن كثير)) (4/459-460)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (10/337-338)، ((تفسير السعدي)) (ص: 418)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/139). .
كما قال تعالى: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [التوبة: 69-70] .
لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ.
أي: أرسَلْناك- يا مُحمَّدُ- إلى قَومِك لِتقرَأَ عليهم أعظَمَ الآياتِ والمُعجِزاتِ، وهو القُرآنُ الذي لستَ تقولُه مِن تِلقاءِ نَفسِك، بل هو وحيٌ أوحاه اللهُ إليك ليَهتَدوا به، ولم نُرسِلْك لإجابةِ ما يقتَرِحونَ مِن الآياتِ؛ ليَحصُلَ لهم الاهتداءُ للحَقِّ [444] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/530)، ((تفسير الرازي)) (19/41)، ((تفسير القرطبي)) (9/317)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (10/338-339)، ((تفسير السعدي)) (ص: 418)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/140). .
كما قال تعالى: وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ [النمل: 92] .
وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ.
أي: والحالُ أنَّ قَومَك- يا محمَّدُ- يَجحَدونَ ويُكَذِّبونَ بوَحدانيَّةِ اللهِ، ويُنكِرونَ اسمَ اللهِ (الرَّحمن) فلم يُقابِلوا رَحمَتَه- التي أعظَمُها أنْ أرسَلْناك إليهم رَسولًا، وأنزَلْنا عليك القُرآنَ ليَهتَدوا به- بالقَبولِ والشُّكرِ والانقيادِ للحَقِّ، بل قابلوها بالإنكارِ والرَّدِّ، والاستمرارِ على الكُفرِ والشِّركِ [445] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/530)، ((تفسير ابن كثير)) (4/460)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (10/339)، ((تفسير السعدي)) (ص: 418)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/141). .
كما قال تعالى: وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ [الأنبياء: 36] .
وقال سُبحانه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ [الفرقان: 60] .
قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ.
مُناسَبتُها لِما قَبلَها:
لَمَّا تضَمَّنَ كُفرُهم بالرَّحمنِ كُفرَهم بالقُرآنِ ومَن أُنزِلَ عليه، وكان الكُفرُ بالمُنعِم في غايةِ القَباحةِ، كان كأنَّه قيل: فماذا أفعَلُ حينئذٍ أنا ومَنِ اتَّبَعني؟ فكان أنْ بدأَ جوابَهم عن الكفرِ بالموحِي؛ لأنَّه أهمُّ [446] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (10/339). ، فقال:
قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ.
أي: إنْ كفَرَ هؤلاء الذين أرسلتُك إليهم- يا مُحمَّدُ- بالرَّحمنِ، فقل لهم: الذي كفَرْتُم به أنا مُؤمِنٌ به، ومُقِرٌّ ومُعتَرِفٌ له بالربوبيَّةِ والألوهيَّةِ؛ فهو ربِّي الذي أوجَدَني وربَّاني بنِعَمِه، لا أكفُرُ إحسانَه كما كفَرْتُموه أنتم، وهو اللهُ الذي لا معبودَ بحَقٍّ سِواه [447] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/530)، ((تفسير القرطبي)) (9/318)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (10/339)، ((تفسير ابن كثير)) (4/460)، ((تفسير السعدي)) (ص: 418). .
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ.
أي: على اللهِ وَحدَه اعتمَدْتُ في جميعِ أموري، وإليه وحدَه مرجِعي وأَوْبَتي، فلا أرجعُ في جميعِ شُؤوني- مِن عباداتٍ وحاجاتٍ- إلَّا إليه [448] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/530)، ((تفسير ابن كثير)) (4/460)، ((تفسير السعدي)) (ص: 418). ومِن المفسِّرين مَن حمَل (المتابَ) على العمومِ، أي: في الدُّنيا بالرجوعِ إليه والتوبةِ، وفي الآخرةِ بالمعادِ. وهو اختيارُ القرطبيِّ والبقاعي. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (9/318)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (10/340). .

الفوائد التربوية:

1- قال الله تعالى: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ فالقُلوبُ حَقيقٌ بها وحَرِيٌّ ألَّا تطمَئِنَّ لشَيءٍ سِوى ذِكرِه؛ فإنَّه لا شيءَ ألَذُّ للقُلوبِ ولا أشهَى ولا أحلَى مِن محبَّةِ خالِقِها، والأُنسِ به ومَعرفتِه، وعلى قَدرِ مَعرفتِها باللهِ ومَحبَّتِها له، يكونُ ذِكرُها له [449] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 417). .
2- قال الله تعالى: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ومِن ذِكرِ اللهِ: القُرآنُ؛ فالقُلوبُ حين تعرِفُ معانيَ القُرآنِ وأحكامَه تطمَئِنُّ لها؛ فإنَّها تدُلُّ على الحَقِّ المُبِين المُؤَيَّدِ بالأدلَّةِ والبَراهين، وبذلك تطمئِنُّ القلوبُ، فإنَّها لا تطمئِنُّ القلوبُ إلَّا باليقينِ والعِلمِ، وذلك في كتابِ اللهِ مضمونٌ على أتَمِّ الوُجوهِ وأكمَلِها، وأمَّا ما سواه من الكتُبِ التي لا تَرجِعُ إليه، فلا تطمئِنُّ بها، بل لا تزالُ قَلِقةً مِن تعارُضِ الأدلَّةِ، وتضادِّ الأحكامِ [450] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 417). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ، فيه سُؤالٌ: أليس أنَّه تعالى قال في سورةِ الأنفالِ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال: 2] ، والوَجَلُ ضِدُّ الاطمئنانِ، فكيف وصَفَهم هاهنا بالاطمِئنانِ؟
الجوابُ: أنَّ الطُّمَأنينةَ إنَّما تَعتري قُلوبَهم إذا سَمِعوا ذِكرَ اللهِ؛ لِمَا انشرَحَت له صدورُهم مِن مِعرفةِ الحَقِّ وتيقُّنِه، فقُلوبهُم مُطمَئِنَّةٌ غايةَ الطُّمَأنينةِ إلى مَعرفةِ الحَقِّ، عالِمونَ أنَّه حَقٌّ لا يُخالِجُهم شَكٌّ، ومع هذا يخافونَ مِنَ اللهِ ألَّا يتقَبَّلَ منهم أعمالَهم ونحوَ ذلك، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون: 60] ، ويَخافونَ الزَّيغَ والذَّهابَ عن الهُدى، كما قال تعالى: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [451] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)) للشنقيطي (ص: 103)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/479)، ويُنظر أيضًا: ((تفسير الرازي)) (19/39-40). [آل عمران: 8] .
وأيضًا فالله تعالى إذا ذُكِرَ وَجِلَت القلوبُ، فحصَل لها اضطرابٌ ووجلٌ لما تخافُه مِن دونِه، وتخشاه مِن فواتِ نصيبِها منه، فالوجلُ إذا ذُكِر حاصلٌ بسببٍ مِن الإنسانِ، وإلَّا فنفسُ ذكرِ الله يُوجِبُ الطمأنينةَ؛ لأنَّه هو المعبودُ لذاتِه، والخيرُ كلُّه منه [452] يُنظر: ((النبوات)) لابن تيمية (1/378). .
2- أخبَرَ الله تعالى أنَّ القُلوبَ تَطمَئِنُّ بالقرآنِ- أي: تَسكُنُ إليه مِن قَلَقِ الجَهلِ والرَّيبِ والشَّكِّ- كما يطمَئِنُّ القَلبُ إلى الصِّدقِ، ويَرتابُ بالكَذِب، فقال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ، وجعلَ هذا من أعظَمِ الآياتِ على صِدقِه، وأنَّه حَقٌّ مِن عِندِه، ولهذا ذكَرَه جَوابًا لِقَولِ الكُفَّارِ: لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ، فقال: قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أي: بكِتابِه الذي أنزَلَه، وهو ذِكرُه وكلامُه، ولو كان في العَقلِ الصَّريحِ ما يُخالِفُه لم تطمَئِنَّ به قلوبُ العُقَلاءِ [453] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (3/1125). .
3- الأصلُ في إزالةِ قَسوةِ القُلوبِ بالذِّكرِ قَولُه تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [454] يُنظر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (1/263). .
4- قَولُ الله تعالى: كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ فيه إيماءٌ إلى أنَّ القُرآنَ هو مُعجِزتُه؛ لأنَّه ذَكَرَه في مُقابلةِ إرسالِ الرُّسُلِ الأوَّلينَ، ومُقابلةِ قَولِه: وَيَقُولُ الَّذِيَن كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ، وقد جاء ذلك صريحًا في قَولِه تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ [العنكبوت: 51] ، وقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما من الأنبياءِ نَبيٌّ إلَّا أُوتيَ مِن الآياتِ ما مِثلُه آمَنَ عليه البشَرُ، وإنَّما كان الذي أُوتيتُ وحيًا أوحاه اللهُ إليَّ) ) [455] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/140). والحديث أخرجه البخاري (4981) واللفظ له، ومسلم (152). .
5- قال الله تعالى: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ اختيارُ اسمِ (الرَّحمن) مِن بينِ أسمائِه تعالى؛ لأنَّ كُفرَهم بهذا الاسمِ أشَدُّ؛ لأنَّهم أنكروا أن يكونَ اللهُ رَحمنَ؛ قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ [الفرقان: 60] ، فأشارتِ الآيةُ إلى كُفرَينِ مِن كُفرِهم: جَحدِ الوَحدانيَّةِ، وجَحدِ اسمِ الرَّحمن، ولأنَّ لهذه الصِّفةِ مَزيدَ اختصاصٍ بتكذيبِهم الرَّسولَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وتأييدِه بالقرآنِ؛ لأنَّ القُرآنَ هُدًى ورحمةٌ للنَّاسِ، وقد أرادوا تعويضَه بالخوارِقِ التي لا تُكسِبُ هَديًا بذاتِها، ولكنَّها دالَّةٌ على صِدقِ مَن جاء بها [456] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/141). .
6- في قَولِه تعالى: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ دَلالةٌ على أنَّ مَن أنكرَ اسمًا مِن أسماءِ اللهِ الثَّابتةِ في الكتابِ أو السُّنَّةِ؛ فهو كافِرٌ [457] يُنظر: ((القول المفيد على كتاب التوحيد)) لابن عثيمين (2/198). .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
- قولُه: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ... استئنافٌ اعتِراضيٌّ؛ مُناسبَتُه المُضادَّةُ لحالِ الَّذين أضَلَّهم اللهُ، والبيانُ لحالِ الَّذين هَداهُم، مع التَّنبيهِ على أنَّ مِثالَ الَّذين ضلُّوا هو عدَمُ اطمئنانِ قُلوبِهم لذِكْرِ اللهِ، وهو القُرآنُ؛ لأنَّ قولَهم: لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ يتضمَّنُ أنَّهم لم يعُدُّوا القُرآنَ آيةً مِن اللهِ، ثمَّ التَّصريحُ بجِنْسِ عاقبةِ هؤلاءِ، والتَّعريضُ بضدِّ ذلك لأولئك؛ فذِكْرُها عَقِبَ الجُملةِ السَّابقةِ يُفِيدُ الغَرضَينِ، ويُشيرُ إلى السَّببينِ [458] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/137). .
- وفي قولِه: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ العُدولُ إلى صِيغَةِ المُضارِعِ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ؛ لإفادةِ دوامِ الاطمئنانِ وتجدُّدِه حسَبَ تجدُّدِ الآياتِ وتعدُّدِها [459] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/20). ، وهو فنٌّ رَفيعٌ مِن فُنونِ البَلاغةِ، حيثُ عدَلَ عن عطْفِ الماضي على الماضي؛ فلم يقُلْ: (واطمأنَّت قُلوبُهم)؛ لِسرٍّ دِقيقٍ مِن أسرارِ هذه اللُّغةِ الشَّريفةِ؛ ذلك أنَّ مِن خَصائصِ الفعلِ المُضارِعِ: أنَّه قد لا يُلاحَظُ فيه زمانٌ مُعيَّنٌ مِن حالٍ أو استقبالٍ، وهما الزَّمانانِ اللَّذانِ يَحتمِلُهما المُضارِعُ؛ فلا يدلُّ إلَّا على مُجرَّدِ الاستمرارِ، والمُرادُ بهذه الآيةِ: أنَّ المُؤمنينَ تطمَئِنُّ قُلوبُهم بصُورةٍ مُطَّرِدةٍ مهما تتالَتِ المِحَنُ، وتعاقَبَتِ الأَرْزاءُ؛ فكأنَّما أعَدُّوا لكلِّ مِحْنةٍ صبرًا، ولكلِّ رُزْءٍ اطْمئنانًا جديدًا؛ فهذا سِرُّ عطْفِ المُضارِعِ وَتَطْمَئِنُّ على الماضي آمَنُوا [460] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/120). .
- قولُه: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ افْتُتِحَتِ الجُملةُ بحرْفِ التَّنبيهِ أَلَا؛ اهتمامًا بمضْمونِها، وإغراءً بوعْدِه، وهي بمنزلةِ التَّذييلِ لِمَا في تَعريفِ (القُلوب) مِن التَّعميمِ، وفيه إثارةُ الباقينَ على الكُفرِ على أنْ يتَّسِموا بسِمةِ المُؤمنينَ مِن التَّدبرِ في القُرآنِ؛ لِتطمئنَّ قُلوبُهم [461] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/138). .
- وتقديمُ المفعولِ يدلُّ على أنَّها لا تطمئِنُّ إلَّا بذكرِه [462] يُنظر: (( النبوات)) لابن تيمية (1/378) . .
2- قوله تعالى: كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ
- قولُه: كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ جوابٌ رادٌّ لقولِهم: لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ؛ فيجوزُ جعْلُ هذه الجُملةِ مِن مقولِ القولِ في قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ...، ويجوزُ جعْلُها مَقطوعةً عنها، وأيًّا ما كان فهي بمَنزلةِ البيانِ لجُملةِ القولِ كلِّها، أو البيانِ لجُملةِ المقولِ، وهو التَّعجُّبُ [463] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/129). .
- في الافتِتاحِ باسمِ الإشارةِ كَذَلِكَ تأْكيدٌ للمُشارِ إليه، وهو التَّعجُّبُ مِن ضلالتِهم؛ إذ عَمُوا عن صِفَةِ الرِّسالةِ، والمُشارُ إليه: الإرسالُ المأْخوذُ مِن فعْلِ أَرْسَلْنَاكَ، أي: مثْلَ الإرسالِ البيِّنِ أرسَلْناك، فالمُشبَّهُ به عينُ المُشبَّهِ، إشارةً إلى أنَّه لِوُضوحِه لا يُبَيِّنُ ما وضَحَ مِن نفْسِه [464] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/139). .
- قولُه: فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ فيه التَّعريضُ بالوعيدِ بمثْلِ مَصيرِ الأُمَمِ الخاليةِ الَّتي كذَّبَت رُسُلَها، وتضمَّنتْ لامُ التَّعليلِ في قولِه: لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ أنَّ الإرسالَ لأجلِ الإرشادِ والهدايةِ إلى ما أمَرَ اللهُ، لا لأجلِ الانتِصابِ لِخوارِقِ العاداتِ [465] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/139). .
- قولُه: لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ فيه تَقديمُ المجْرورِ عَلَيْهِمُ على المنْصوبِ الَّذِي أَوْحَيْنَا...، وهو مِن قَبِيلِ: الإبهام ثمَّ البَيان، وفيه ما لا يَخْفَى مِن ترقُّبِ النَّفْسِ إلى ما سَيَرِدُ، وحُسْنِ قَبولِها له عند وُرودِه عليها [466] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/21). .
- قولُه: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ فيه العُدولُ عنِ المُضْمَرِ (بِه) إلى المُظْهَرِ المُتعرِّضِ لِوصْفِ الرَّحمةِ بِالرَّحْمَنِ؛ للدَّلالةِ على أنَّ الإرسالَ ناشئٌ منها، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [467] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/21). [الأنبياء: 107] .
- والتَّعبيرُ بالمُضارِعِ يَكْفُرُونَ؛ للدَّلالةِ على تَجدُّدِ ذلك واستمرارِه [468] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/140). .
- وجُملةُ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ نَتيجةٌ لِكونِه ربًّا واحدًا، أو كالنتيجةِ؛ لذلك فُصِلَتْ عنِ الَّتي قبلَها- أي: لم تُعْطَفْ عليها-؛ لِمَا بينهما مِن الاتِّصالِ، وتقديمُ المجْرورَيْنِ- وهما: عَلَيْهِ وإِلَيْهِ-؛ لإفادةِ اختِصاصِ التَّوكُّلِ والمَتابِ بالكونِ عليه، أي: لا على غيرِه؛ لأنَّه لمَّا توحَّدَ بالرُّبوبيَّةِ كان التَّوكُّلُ عليه، ولمَّا اتَّصَفَ بالرَّحمانيَّةِ كان المَتابُ إليه؛ لأنَّ رَحمانيَّتَه مَظِنَّةٌ لِقَبولِه توبةَ عبْدِه [469] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/140). .