موسوعة التفسير

سورةُ إبراهيمَ
الآيات (19-21)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ

غريب الكلمات:

وَبَرَزُوا: أي: ظَهَروا وخَرَجوا مِن قُبورِهم، وأصلُ (برز): يدلُّ على ظُهورِ الشَّيءِ وبُدُوِّه [251] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/626)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/218)، ((المفردات)) للراغب (ص: 118). .
أَجَزِعْنَا: الجزعُ: حزنٌ يصرِفُ الإنسانَ عمَّا هو بصددِه، ويقطعُه عنه، وأصلُ الجزعِ: قطعُ الحبلِ مِن نصفِه [252] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/453)، ((المفردات)) للراغب (ص: 194، 195). .
مَحِيصٍ: أي: مَعدِلٍ ومَهرَبٍ، وأصلُ (حيص): يدلُّ على المَيلِ في جَورٍ [253] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 232)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 468)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/124)، ((تفسير القرطبي)) (9/355)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 143)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 877، 882). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى: ألم تَرَ أنَّ اللهَ خلقَ السَّمواتِ والأرضَ لأمرٍ عظيمٍ؛ وذلكَ ليعبدَه الخلقُ، ولا يُشرِكوا به شَيئًا، وليعرِفوا ما له مِن صفاتِ الكمالِ، وأنَّه القادِرُ على إعادةِ الخَلقِ يومَ القيامةِ، فهو سبحانَه لم يخلُقِ السَّمواتِ والأرضَ عَبَثًا؟ إنْ شاءَ أن يُذهِبكم- أيُّها البشرُ- إن عَصَيتُموه، أذهَبكم، ويأتِ بِقَومٍ غَيرِكم أطوعَ لله منكم، وما إذهابُكم والإتيانُ بغَيرِكم بمتعذِّرٍ ولا مُمتنِعٍ على اللهِ، بل هو سَهلٌ يَسيرٌ عليه.
ثمَّ يحْكي الله تعالَى جانبًا مِن الحوارِ الذي يجري يومَ القيامةِ بينَ الأتباعِ والمتبوعينَ، فيقولُ تعالى: وظهَروا جميعًا مِن قُبورِهم يومَ القيامةِ لله الواحِدِ القَهَّار؛ مجتمعينَ في أرضٍ مُستَوِيةٍ، لا يخفَى فيها أحدٌ منهم، فيقولُ الأتباعُ لقادتِهم الذين كانوا يستكبِرونَ في الدُّنيا عن اتِّباعِ الحَقِّ: إنَّا كنَّا لكم في الدُّنيا أتباعًا، نأتمِرُ بأمركِم، فأضلَلْتُمونا، فهل أنتم اليومَ دافِعونَ عنَّا مِن عذابِ اللهِ شَيئًا، ولو قليلًا؟ فيقولُ الرُّؤساءُ: لو هدانا اللهُ إلى الإيمانِ لأرشَدْناكم إليه، ولكِنَّه لم يوَفِّقْنا، فضَلَلْنا وأضلَلْناكم، سواءٌ علينا الجَزَعُ مِن العذابِ والصَّبرُ عليه، فليس لنا في كلا الحالَينِ مَهربٌ من العذابِ ولا مَنجًى.

تفسير الآيات:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) .
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا بيَّنَ اللهُ تعالى أنَّ أعمالَ الكافرينَ تَصيرُ باطِلةً ضائِعةً، بيَّنَ أنَّ ذلك البُطلانَ والإحباطَ إنَّما جاء بسبَبٍ صدرَ منهم، وهو كُفرُهم باللهِ وإعراضُهم عن العبوديَّة؛ فإنَّ اللهَ تعالى لا يُبطِلُ أعمالَ المُخلِصينَ ابتداءً، وكيف يليقُ بحِكمتِه أن يفعَلَ ذلك، وإنَّه تعالى ما خلقَ كُلَّ هذا العالَمِ إلَّا لداعيةِ الحِكمةِ والصَّوابِ [254] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/81-82). .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ .
أي: ألم تَرَ [255]  قولُه: أَلَمْ تَرَ الرُّؤيةُ هنا هي القلبِيَّةُ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (9/354)، ((تفسير الشوكاني)) (3/123). والخطابُ فيه: قيل: هو خِطابٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والمُرادُ به أُمَّتُه. وقيل: خِطابٌ لكلِّ واحدٍ مِن الكَفَرةِ. وقيل: خطابٌ لكلِّ مَن يصلحُ للخطابِ غيرَ معيَّنٍ، وكلِّ مَن يُظَنُّ به التساؤلُ عن إمكانِ إهلاكِ المشركينَ. يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/196)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/214). قال ابنُ جَريرٍ: (يقولُ عَزَّ ذِكْرُه لِنَبِيِّه محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ألمْ تَرَ- يا محمَّدُ- بعَينِ قَلْبِك، فتَعلَمَ أنَّ اللهَ أنشَأَ السَّمواتِ والأرضَ بالحقِّ مُنفرِدًا بإنشائِها بغَيرِ ظَهيرٍ ولا مُعينٍ). ((تفسير ابن جرير)) (13/625). أنَّ الله خلقَ السَّمواتِ والأرضَ وَحدَه بغَيرِ ظَهيرٍ ولا مُعينٍ، لأمرٍ عظيمٍ؛ ليعبدَه الخلقُ، ويعرِفوا ما له من صِفاتِ الكَمالِ، وأنَّه القادِرُ على إعادةِ الخَلقِ يومَ القيامةِ، فهو سبحانَه لم يخلُقْهنَّ عَبَثًا [256] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/625)، (( تفسير ابن الجوزي)) (2/509)، ((تفسير القرطبي)) (9/354)، ((تفسير ابن كثير)) (4/487)، ((تفسير السعدي)) (ص: 424)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/214). قال أبو حيان: (ومعنى بِالْحَقِّ قال الزَّمخشرِيُّ: بالحِكمةِ، والغرَضِ الصَّحيحِ، والأمْرِ العظيمِ، ولم يَخلُقْها عبَثًا ولا شَهوةً. وقال ابنُ عطيَّةَ: بِالْحَقِّ، أي: بما يَحِقُّ مِن جِهَةِ مَصالحِ عِبادِه، وإنفاذِ سابِقِ قَضائِه، ولِيَدُلَّ عليه وعلى قُدرَتِه. وقِيلَ: بقولِه وكَلامِه. وقِيلَ: بِالْحَقِّ حالٌ، أي: مُحِقًّا). ((تفسير أبي حيان)) (6/424).  ويُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/547)، ((تفسير ابن عطية)) (3/332). ؟
كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الدخان: 38-39] .
وقال سُبحانه: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأحقاف: 33] .
وقال تعالى: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [غافر: 57] .
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ.
أي: إنَّ القادِرَ الذي تفرَّدَ بخَلقِ السَّمواتِ والأرضِ إن شاء أن يُفنِيَكم- أيُّها النَّاسُ- إن عَصَيتُموه، أفناكم، ويأتِ بقَومٍ غَيرِكم أفضَلَ وأطوَعَ لله منكم [257] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/625)، ((تفسير القرطبي)) (9/354)، ((تفسير ابن كثير)) (4/487)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/215). قال السعديُّ: (يَحتمِلُ أنَّ المعنَى: إنْ يشَأْ يُذْهِبْكم ويأْتِ بقَومٍ غَيرِكم يَكونونَ أطوَعَ للهِ منكم، ويَحتمِلُ أنَّ المُرادَ أنَّه: إنْ يشَأْ يُفْنِيكم، ثمَّ يُعِيدُهم بالبَعثِ خلْقًا جديدًا، ويدُلُّ على هذا الاحتمالِ ما ذكَرَهُ بَعدَه مِن أحوالِ القيامةِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 424). .
كما قال الله تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا [النساء: 133] .
وقال سُبحانه: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد: 38] .
وقال عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة: 54] .
وقال تعالى: نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا [الإنسان: 28] .
وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20).
أي: وما إذهابُكم- أيُّها النَّاسُ- والإتيانُ بخَلقٍ آخَرَ مَكانَكم، بمُمتَنِعٍ على اللهِ ولا مُتعَذِّرٍ، بل هو سَهلٌ يَسيرٌ عليه سُبحانَه [258] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/625)، ((تفسير ابن كثير)) (4/487)، ((تفسير السعدي)) (ص: 424).  .
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى أصنافَ عذابِ هؤلاءِ الكُفَّارِ، ثمَّ ذكَرَ عَقيبَه أنَّ أعمالَهم تصيرُ مُحبَطةً باطِلةً؛ ذكَرَ في هذه الآيةِ كيفيَّةَ خَجالتِهم عندَ تمسُّكِ أتباعِهم، وكيفيَّةَ افتضاحِهم عندَهم. وهذا إشارةٌ إلى العذابِ الرُّوحانيِّ الحاصِلِ بسبَبِ الفَضيحةِ والخَجالةِ [259] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/82). .
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا .
أي: وظهَروا [260] قيل: المرادُ بهم: الذين كفروا. وممن اختار ذلك: ابنُ جريرٍ، والقرطبي، والعليمي. ((تفسير ابن جرير)) (13/626)، ((تفسير القرطبي)) (9/355)، ((تفسير العليمي)) (3/515). وقيل: المرادُ: جميعُ النَّاسِ بَرُّهم وفاجِرُهم. وممَّن اختار هذا القولَ: أبو حيان، وابنُ كثيرٍ، والسعدي. يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/425)، ((تفسير ابن كثير)) (4/488)، ((تفسير السعدي)) (ص: 424). جميعًا مِن قُبورِهم لله وَحدَه يومَ القيامةِ، مجتمعينَ في أرضٍ مُستَوِيةٍ لا يخفَى فيها أحدٌ منهم [261] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/626)، ((تفسير القرطبي)) (9/355)، ((تفسير ابن كثير)) (4/488)، ((تفسير السعدي)) (ص: 424).  .
كما قال تعالى: يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: 16] .
وقال سُبحانه: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة: 18] .
فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا.
أي: فقال الأتباعُ لقادتِهم وسادتِهم الذين كانوا يستكبِرونَ في الدُّنيا عن اتِّباعِ الحَقِّ: إنَّا كنَّا لكم في الدُّنيا أتباعًا نُطيعُكم ونقَلِّدُكم، فأضلَلْتُمونا [262] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/626)، ((تفسير ابن كثير)) (4/488)، ((تفسير السعدي)) (ص: 424).  .
كما قال تعالى: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ [غافر: 47-48] .
فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ.
أي: فهل أنتم دافِعونَ عنَّا اليومَ شَيئًا- ولو قليلًا- مِن عذابِ اللهِ [263] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/626)، ((تفسير القرطبي)) (9/355)، ((تفسير ابن كثير)) (4/488)، ((تفسير السعدي)) (ص: 424).  ؟
قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ.
أي: قال القادةُ المَتبوعونَ لأتباعِهم: لو هَدانا اللهُ إلى الحَقِّ، لهدَيناكم إليه، فلمَّا أضلَّنا أضلَلْناكم، فحقَّ علينا وعليكم عذابُ اللهِ [264] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (12/448)، ((تفسير البغوي)) (3/35)، ((تفسير القرطبي)) (9/355)، ((تفسير ابن كثير)) (4/488). .
كما قال تعالى حاكيًا قولَ القادةِ لأتباعِهم: فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ [الصافات: 31-32] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سبأ: 31-33] .
سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ .
أي: سواءٌ علينا أجَزِعْنا مِن العذابِ أم صَبَرْنا عليه، ما لنا في كِلا الحالَينِ مِن مَهرَبٍ ولا ملجأٍ نَفِرُّ إليه مِن عذابِ اللهِ [265] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/626)، ((تفسير القرطبي)) (9/355)، ((تفسير ابن كثير)) (4/488)، ((تفسير السعدي)) (ص: 424). قال القاسميُّ: (استظهَرَ ابنُ كثيرٍ هذه المُراجعةَ في النَّارِ بَعدَ دُخولِهم إليها؛ لِآيةِ: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ [غافر: 47]. ولا يَخْفى أنَّ الآيةَ في هذه السُّورةِ تَصدُقُ بالتَّخاصُمِ في الموقفِ وفي النَّارِ؛ لِإفادَتِها أنَّ ذلك أثَرُ بُروزِهم، وهو صادِقٌ بما ذكَرْنا، فلا قَرينةَ فيها لكونِ ذلك في النَّارِ فقطْ، كما ادَّعاهُ. وربَّما كان قولُه: وَبَرَزُوا يدُلُّ للمَوقِفِ بمعناه المُتقدِّمِ. ثمَّ إنَّ هذا التَّخاصُمَ يَجوزُ أنْ يكونَ مُتعدِّدَ المواطِنِ؛ لظاهِرِ قولِه: عِنْدَ رَبِّهِمْ، وقولِه: فِي النَّارِ، ويَجوزُ أنْ يكونَ مرَّةً واحدةً). ((تفسير القاسمي)) (6/311). ويُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/488). .
كما قال سُبحانه: اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور: 16].

الفوائد التربوية:

قَولُ الله تعالى: وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ جيءَ في هذه الآيةِ بوَصفِ حالِ الفِرَقِ يومَ القيامةِ، ومُجادلةِ أهلِ الضَّلالةِ مع قادتِهم، مع كونِ المؤمنينَ في شُغُلٍ عن ذلك بنُزُلِ الكرامةِ، والغرَضُ من ذلك تنبيهُ النَّاسِ إلى تدارُكِ شَأنِهم قبل الفَواتِ، فالمقصودُ: التحذيرُ ممَّا يُفضي إلى سُوءِ المَصيرِ [266] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/216). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ الرُّؤيةُ: مُستعملةٌ في العِلمِ النَّاشئِ عن النَّظرِ والتأمُّلِ؛ لأنَّ السَّمواتِ والأرضَ مُشاهَدةٌ لكُلِّ ناظرٍ، وأمَّا كونُها مخلوقةً لله فمُحتاجٌ إلى أقَلِّ تأمُّلٍ؛ لسُهولةِ الانتقالِ مِن المُشاهدةِ إلى العِلمِ، وأمَّا كونُ ذلك مُلتَبِسًا بالحَقِّ فمُحتاجٌ إلى تأمُّلٍ عَميقٍ، فلمَّا كان أصلُ ذلك كُلِّه رؤيةَ المخلوقاتِ المذكورةِ، عُلِّقَ الاستدلالُ على الرُّؤيةِ [267] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/214). .
2- قَولُه تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ... فيه بَيانٌ لإبعادِهم في الضَّلالِ، وعَظيمِ خَطْبِهم في الكُفْرِ باللهِ؛ لِوضوحِ آياتِه الشَّاهدةِ له، الدَّالَّةِ على قُدرتِه الباهِرةِ، وحِكمتِه البالِغةِ، وأنَّه هو الحقيقُ بأنْ يُعْبَدَ، ويُخافَ عِقابُه، ويُرْجَى ثوابُه في دارِ الجزاءِ [268] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/547)، ((تفسير أبي حيان)) (6/424). .
3- قولُه تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ فيه إعلامٌ منه سبحانه باقْتِدارِه على إعدامِ الموجودِ، وإيجادِ المعدومِ، وأنَّه يَقدِرُ على الشَّيءِ، وجنْسِ ضدِّه [269] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/547). قال الطِّيبيُّ: (قوله: «وجِنسِ ضِدِّه»، مُبالَغةٌ في الاقتدارِ، يعني: أنَّه ليس بقادِرٍ على الضِّدِّ فقطْ، بلْ هو قادِرٌ على الضِّدِّ وأمثالِه؛ كالتَّبايُنِ والتَّماثُلِ والتَّقابُلِ، والنَّظيرِ والنِّدِّ، وغَيرِها). ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (8/576). .
4- قال تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ فرتَّبَ قُدرتَه تعالى على ذلك على قُدرتِه تعالى على خَلْقِ السَّمواتِ والأرضِ على هذا النَّمطِ البَديعِ؛ إرشادًا إلى طَريقِ الاستِدلالِ؛ فإنَّ مَن قدَرَ على خَلْقِ مِثْلِ هاتيك الأجرامِ العَظيمةِ، كان على تبْديلِ خلْقٍ آخرَ بهم أقدَرَ [270] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/196)، ((تفسير أبي السعود)) (5/41). .
5- إنْ قيل: كيفَ قال اللهُ تعالى: وَبَرَزُوا لِلَّهِ معَ كونِه سبحانَه عالِمًا بهم، لا تخفَى عليه خافيةٌ مِنْ أحوالِهم؛ بَرَزوا أوْ لم يَبْرُزوا؟
والجواب: لأنَّهم كانُوا يَسْتَتِرونَ عن العُيونِ عندَ فعلِهم للمعاصي، ويظُنُّونَ أَنَّ ذلك يخفَى على اللَّهِ تعالَى، فالكلامُ خارجٌ على ما يَعتقدونَه [271] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/123). ، فإذا ظهَرتْ فضائحُهم، وشهِدتْ عليهم جوارحُهم يومَ القيامةِ علِموا حينئذٍ، وتيقَّنوا أنَّهم بَرزوا لله جميعًا، وأنَّه لا يخفَى شيءٌ مِن أعمالِهم وأحوالِهم. وقيل: إذا خَرجوا مِن قبورِهم بَرزوا لموقفِ الحسابِ [272]  يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (3/525). .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ
- قولُه تعالى: أَلَمْ تَرَ... استئنافٌ بَيانيٌّ، ناشِئٌ عن جُملةِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ [إبراهيم: 13] ؛ فإنَّ هَلاكَ فِئةٍ كاملةٍ شَديدةِ القُوَّةِ والمِرَّةِ أمْرٌ عَجيبٌ، يُثِيرُ في النُّفوسِ السُّؤالَ: كيف تُهْلَكُ فِئةٌ مِثْلُ هؤلاء؟! فيُجابُ بأنَّ اللهَ الَّذي قدَرَ على خَلْقِ السَّمواتِ والأرضِ في عظَمَتِها قادِرٌ على إهلاكِ ما هو دُونَها؛ فمَبْدَأُ الاستئنافِ هو قولُه: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [إبراهيم: 19] ، ومَوقِعُ جُملةِ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ [إبراهيم: 19] مَوقِعُ التَّعليلِ لجُملةِ الاستئنافِ؛ قُدِّمَ عليها كما تُجعَلُ النَّتيجةُ مُقدَّمةً في الخَطابةِ والجِدالِ على دَليلِها، ومُناسَبةُ مَوقعِ هذا الاستئنافِ ما سبَقَهُ مِن تفرُّقِ الرَّمادِ في يَومٍ عاصفٍ [273] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/213-214).
- قوله: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ المقصودُ منه: التَّعريضُ بالمُشركينَ خاصَّةً؛ تأكيدًا لِوعيدِهم الذي اقتَضاه قولُه: لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ [إبراهيم: 13-14] ، أي: إن شاء أعدمَ الناسَ كلَّهم، وخَلَق ناسًا آخِرينَ، وقد جِيءَ في الاستدلالِ على عَظيمِ القُدرةِ بالحُكمِ الأعمِّ؛ إدماجًا للتعليمِ بالوعيدِ، وإظهارًا لعظيم القُدرةِ، وفيه إيماءٌ إلى أنَّه يُذهِبُ الجبابرةَ المعانِدين، ويأتي في مَكانِهم في سِيادةِ الأرضِ بالمؤمنينَ؛ ليُمكِّنَهم من الأرضِ [274] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/215). .
2- قوله تعالى: وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ
- قولُه: وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فيه مَجيءُ الفعْلِ وَبَرَزُوا الَّذي يكونُ في المستقبَلِ بلفْظِ الماضي؛ وإنَّما ذُكِرَ بلفْظِ الماضي لِتحقُّقِ وُقوعِه؛ لِصدْقِ المُخبِرِ به؛ لأنَّ ما أخبَرَ به عزَّ وعلا- لِصدْقِه- كأنَّه قد كان ووُجِدَ ووقَعَ، وكان مُقتضَى الظاهرِ أن يقولَ: (ويَبرُزون لله)؛ فعدَلَ عن المضارعِ إلى الماضي؛ للتَّنبيهِ على تَحقيقِ وُقوعِه حتى كأنَّه قد وقَع [275] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/548)، ((تفسير البيضاوي)) (3/196)، ((تفسير أبي حيان)) (6/425)، ((تفسير أبي السعود)) (5/41)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/215). .
- وجَمِيعًا تأكيدٌ؛ لِيشمَلَ جميعَهم [276] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/216). .
- قولُه: فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا السِّينُ والتَّاءُ في اسْتَكْبَرُوا؛ للمُبالَغةِ في الكِبْرِ [277] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/216). . وتَبَعًا جمْعُ تابِعٍ، كـ (غائبٌ وغَيَبٌ)، أو مصدرٌ نُعِتَ به للمُبالَغةِ، أو على إضمارِ مُضافٍ، أي: ذوي تَبَعٍ [278] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/197)، ((تفسير أبي السعود)) (5/41). .
- قولُه: فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ الاستفهامُ مِن بابِ التَّبكيتِ والتَّوبيخِ والعِتابِ والتَّقريعِ؛ لأنَّهم قد علِموا أنَّهم لا يَقدِرونَ على الإغناءِ عنهم، أي: فأظْهِروا مكانتَكم عندَ اللهِ الَّتي كنْتُم تدَّعونَها وتُغْرونَنا بها في الدُّنيا. والفاءُ في قولِه: فَهَلْ؛ للدَّلالةِ على سببيَّةِ الاتِّباعِ للإغناءِ؛ فهي لِتفريعِ الاستِكبارِ على التَّبعيَّةِ؛ لأنَّها سَببٌ يقْتَضي الشَّفاعةَ لهم [279] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/548- 549))، ((تفسير أبي حيان)) (6/425)، ((تفسير أبي السعود)) (5/41)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/216). .
- قولُه: فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا فيه تقديمُ المُسنَدِ إليه أَنْتُمْ على المُسنَدِ مُغْنُونَ عَنَّا؛ لأنَّ المُستفهَمَ عنه كونُ المُستكبرينَ يُغْنونَ عنهم، لا أصلُ الغَناءِ عنهم؛ لأنَّهم آيسونَ منه لَمَّا رأَوا آثارَ الغضبِ الإلهيِّ عليهم وعلى سادَتِهم، كما تدلُّ عليه حِكايةُ قولِ المُستكبرينَ: سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ؛ فعلِموا أنَّهم قد غرُّوهم في الدُّنيا [280] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/216). .
- و(مِن) في قولِه: مِنْ عَذَابِ اللَّهِ قيل: إنها للتَّبْيينِ، و(من) في قوله: مِنْ شَيْءٍ قيل: إنها للتَّبعيضِ؛ كأنَّه قيل: هل أنتم مُغْنونَ عنَّا بعضَ الشَّيءِ الَّذي هو عَذابُ اللهِ؟ ويجوزُ أنْ تكونَا للتَّبعيضِ معًا، بمعنى: هل أنتم مُغْنونَ عنَّا بعضَ شيءٍ هو بعضُ عذابِ اللهِ؟ أي: بعضَ بعضِ عذابِ اللهِ [281] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/548). ، وقيل: (مِن) في مِنْ شَيْءٍ لاستِغراقِ الجنْسِ، زائدةٌ للتَّوكيدِ؛ لِوقوعِ مَدْخولِها في سياقِ الاستفهامِ بحرف (هل)، والمعنى: هل تمْنَعونَ عنَّا شيئًا [282] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/426)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/216). ؟
- قولُه: سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا الهَمزةُ و(أَمْ) لِتأكيدِ التَّسويةِ، وإنَّما أسنَدُوهما، ونسَبوا استِواءَهما إلى ضَميرِ المُتكلِّمِ المُنتظِمِ للمُخاطَبينَ أيضًا؛ مُبالَغةً في النَّهيِ عنِ التَّوبيخِ، بإعلامِ أنَّهم شُركاءُ لهم فيما ابْتُلوا به، وتسليةً لهم [283] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/41). .
- وجُملةُ مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ واقعةٌ موقِعَ التَّعليلِ لمعنى الاستواءِ، أي: حيثُ لا مَحيصَ ولا نجاةَ فسواءٌ الجزَعُ والصَّبرُ [284] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/217). .
- قولُه: سَوَاءٌ عَلَيْنَا اتَّصَلَ بما قبلَه- أي: لم يُعطَفْ عليه- مِن حيثُ إنَّ عِتابَهم لهم كان جزَعًا ممَّا هم فيه مِن العذابِ، فقالوا: سواءٌ علينا جميعًا نحن وأنتم، أجزِعْنا أم صبَرْنا؛ فلا فائِدةَ مِن هذا الجزَعِ والتَّوبيخِ، كما لا فائدةَ في الصَّبرِ، وأتْبَعوا الإقناطَ مِن النَّجاةِ، فقالوا: مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ [285] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/549). .