موسوعة التفسير

سورةُ يس
الآيات (59-67)

ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ

غَريبُ الكَلِماتِ:

وَامْتَازُوا: أي: انفَصِلوا وانفَرِدوا، وأصلُ (ميز): يدُلُّ على انفِصالِ شَيءٍ مِن شَيءٍ [649] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 367)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/289)، ((المفردات)) للراغب (ص: 783)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 350). .
جِبِلًّا: أي: خَلْقًا، وجماعةً، وأصلُ (جبل): يدُلُّ على تجمُّعِ الشَّيءِ في ارتفاعٍ [650] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 367)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 180)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/502)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 316)، ((تفسير القرطبي)) (15/47)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 350). وقال ابنُ عاشورٍ: (هو مشتَقٌّ مِن الجَبْلِ -بسكونِ الباءِ- بمعنى الخَلْقِ). ((تفسير ابن عاشور)) (23/48). .
اصْلَوْهَا: أي: ادخُلوها، وذُوقوا حَرَّها، وأصلُ الصَّليِ: الإيقادُ بالنَّارِ [651] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/472)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 110)، ((المفردات)) للراغب (ص: 490)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 350). .
نَخْتِمُ: أي: نَطبَعُ، ونمنَعُهم مِن الكلامِ، وأصلُ (ختم): يدُلُّ على بُلوغِ آخِرِ الشَّيءِ [652] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/472)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/245)، ((المفردات)) للراغب (ص: 275). .
لَطَمَسْنَا: أي: مَحَوْنا وأعمَيْنا، والطَّمسُ: إزالةُ الأثَرِ بالمحْوِ، وأصلُ (طمس): يدُلُّ على مَحوِ الشَّيءِ ومَسحِه [653] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/475)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/424)، ((المفردات)) للراغب (ص: 524)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 350). .
لَمَسَخْنَاهُمْ: أي: جعَلْناهم قِرَدةً وخَنازيرَ أو حِجارةً، والمَسخُ: تشويهُ الخَلقِ، وتحويلُه مِن صُورةٍ إلى صورةٍ [654] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/323)، ((المفردات)) للراغب (ص: 768)، ((تفسير البغوي)) (4/21)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 350). .
مَكَانَتِهِمْ: أي: مَكانِهم، وأصلُ (مكن): يدُلُّ على الموضِعِ الحاوي للشَّيءِ [655] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 368)، ((تفسير ابن جرير)) (19/477، 478)، ((المفردات)) للراغب (ص: 772، 773). .

المعنى الإجماليُّ:

يُبيِّنُ الله تعالى جزاءَ المجرمينَ وما يُقالُ لهم، فيقولُ: ويُقالُ يومَ القيامةِ للكافِرينَ: انفَرِدوا اليومَ -أيُّها المجرِمونَ- عن المؤمِنينَ، واخرُجوا مِن بَيْنِهم، لقد عَهِدْتُ إليكم -يا بني آدَمَ- عَهدًا مُؤكَّدًا على ألسِنةِ رُسُلي: ألَّا تَعبُدوا الشَّيطانَ؛ لأنَّه لكم عَدوٌّ ظاهِرُ العداوةِ، وأنِ اعبُدوني وحْدي، هذا الَّذي أمَرْتُكم به مِن إخلاصِ العبادةِ، والطَّاعةِ لي: هو الطَّريقُ الواضِحُ المُستَقيمُ. ولقد أضَلَّ الشَّيطانُ منكم خَلقًا كَثيرًا، أفلم تَعقِلوا عداوتَه فتَترُكوا طاعتَه؟!
ثمَّ يُخبِرُ الله تعالى أنَّه يُقالُ لهم: هذه جهنَّمُ ماثِلةً أمامَ أعيُنِكم، ادخُلوها وذوقُوا حَرَّها اليومَ؛ بسَبَبِ كُفرِكم في الدُّنيا.
ثمَّ يَذكُرُ الله تعالى جانبًا آخَرَ مِن أحوالِ الكافرينَ يومَ القيامةِ، فيقولُ: اليومَ نَطْبَعُ على أفواهِ هؤلاء الكافِرينَ فنَجعَلُها لا تَنطِقُ، وتُكَلِّمُنا أيديهم، وتَشهَدُ عليهم أرجُلُهم بما كانوا يَكسِبونَه في الدُّنيا مِن الذُّنوبِ والآثامِ!
ثمَّ يُبيِّنُ سبحانَه قدرتَه على هؤلاءِ الكافرينَ، وأنَّهم تحتَ تصرُّفِه، فيقولُ: ولو نشاءُ مَحْوَ أبصارِهم لَمَحَوْناها، فلو أرادوا في تلك الحالةِ المبادَرةَ إلى الطَّريقِ لِيَسيروا فيه لَما استَطاعوا ذلك، والحالةُ هذه! ولو نَشاءُ لَمَسَخْنا هؤلاء الكُفَّارَ وغيَّرْنا صُوَرَهم، وأبْطَلْنا قوَّتَهم، وهم في مكانِهم الَّذي يُقيمونَ فيه؛ فلا يَقدِرونَ أن يَمضُوا إلى الأمامِ، أو أن يَعودوا إلى الخَلفِ!

تَفسيرُ الآياتِ :

وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ تعالى جزاءَ المتَّقينَ؛ ذكَرَ جزاءَ المُجرِمين [656] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 698). ، فقال:
وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59).
أي: يُقالُ [657] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (4/432). قال ابن عطية: (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ ... فيه حَذفٌ تقديرُه: ونَقولُ للكَفَرةِ. وهذه مُعادِلةٌ لِقَولِه لأصحابِ الجنَّةِ: سَلَامٌ). ((تفسير ابن عطية)) (4/459). يومَ القيامةِ: وتميَّزوا اليومَ -أيُّها الكافِرونَ- عن المؤمِنينَ، واخرُجوا مِن جُملتِهم مُنفَرِدينَ عنهم في موقِفِ الحَشرِ [658] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/469، 470)، ((تفسير القرطبي)) (15/46)، ((تفسير ابن كثير)) (6/584)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/150)، ((تفسير السعدي)) (ص: 698)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/45)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 210-212). قال الواحدي: (وقال السُّدِّيُّ: كونُوا على حِدَةٍ. وهذا قَولُ أكثَرِ المفَسِّرينَ، واختيارُ أبي إسحاقَ؛ قال: معناه: انفَرِدوا عن المؤمِنينَ). ((البسيط)) (18/509). ويُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) لأبي إسحاقَ الزَّجَّاجِ (4/292). .
كما قال تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ [يونس: 28] .
وقال سُبحانَه: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [الروم: 14] .
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى حالَ المؤمِنينَ والمُجرِمين، كان لقائِلٍ أن يَقولَ: «إنَّ الإنسانَ كان ظَلومًا جَهولًا»، والجَهلُ مِن الأعذارَ؛ فبَيَّن سُبحانَه أنَّه قد سَبَق إيضاحُ السُّبُلِ بإيضاحِ الرُّسُلِ، وقال: قد عَهِدْنا إليكم وتَلَوْنا عليكم ما ينبغي أن تَفعَلوه وما لا يَنبغي [659] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/297). .
وأيضًا لَمَّا امْتَثَلوا ما أُمِروا به مِن الامتيازِ؛ قال لهم على جهةِ التَّوبيخِ والتَّقريعِ [660] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/77). :
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ.
أي: يقولُ اللهُ تعالى [661] قال ابنُ عاشور: (إقبالٌ على جميعِ البشَرِ الَّذين جمَعَهم المحشَرُ، غيرَ أهلِ الجنَّةِ الَّذين عُجِّلوا إلى الجنَّةِ، فيَشملُ هذا جميعَ أهلِ الضَّلالةِ مِن مُشرِكينَ وغَيرِهم، ولعلَّه شامِلٌ لأهلِ الأعرافِ). ((تفسير ابن عاشور)) (23/46). : ألم أُوصِكم -يا بني آدَمَ- على ألسِنةِ رُسُلي ألَّا تَعبُدوا الشَّيطانَ فتُطيعوه فيما أمَرَكم به؛ مِن الكُفرِ والشِّركِ بي، ومَعصيتي [662] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/470)، ((تفسير القرطبي)) (15/47)، ((تفسير ابن كثير)) (6/584)، ((تفسير السعدي)) (ص: 698)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/46، 47). ؟
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا نهَى عِبادَه عن عبادةِ الشَّيطانِ؛ ذكَرَ ما يَحمِلُهم على قَبولِ ما أُمِروا به، والانتِهاءِ عمَّا نُهُوا عنه [663] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/299). .
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.
أي: إنَّ الشَّيطانَ لكم عدُوٌّ ظاهِرُ العَداوةِ [664] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/470)، ((الوسيط)) للواحدي (3/517)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/152، 153)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/47)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 214، 215). .
كما قال تعالى: يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 27] .
وقال سُبحانَه: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الكهف: 50] .
وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا مَنَع عبادةَ الشَّيطانِ؛ حَمَل على عبادةِ الرَّحمنِ [665] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/300). .
وأيضًا لَمَّا بكَّتَهم بالتَّذكيرِ بما ارتكَبوا -مع النَّهيِ عن عبادةِ العَدُوِّ- تقديمًا لدَرءِ المفاسِدِ؛ وبَّخَهم بالتَّذكيرِ بما ضَيَّعوا مع أخذِ العُهودِ مِن واجِبِ الأمرِ بعبادةِ الوَليِّ [666] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/153). .
وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61).
أي: ألم أعهَدْ إليكم -يا بني آدَمَ- بعِبادتي وَحْدي وطاعتي، بامتِثالِ ما أُمِرتُم به، واجتِنابِ ما نُهِيتُم عنه؛ فإنَّ توحيدي وطاعتي ومَعصيةَ الشَّيطانِ: طَريقٌ مُستقيمٌ، وهو دينُ الإسلامِ القَويمُ [667] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/470)، ((البسيط)) للواحدي (18/510)، ((تفسير القرطبي)) (15/47)، ((تفسير ابن كثير)) (6/584)، ((تفسير السعدي)) (ص: 698)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 215، 216). ؟!
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62).
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا.
أي: ولقد أضَلَّ الشَّيطانُ منكم خَلْقًا كثيرًا عن الصِّراطِ المُستَقيمِ، فصَدَّهم عن توحيدي وطاعتي [668] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/471)، ((تفسير القرطبي)) (15/47)، ((تفسير ابن كثير)) (6/585)، ((تفسير السعدي)) (ص: 698)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/298)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 220، 221). .
كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ [الأنعام: 128] .
وقال سُبحانَه: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ: 20] .
أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ.
أي: أفلم تَعقِلوا عداوةَ الشَّيطانِ لكم، وإضلالَه مَن أطاعَه مِن الأُمَمِ السَّابقةِ، وما حلَّ بهم -بسَبَبِ ذلك- مِن العذابِ والهلاكِ، فتُطيعوني، وتَترُكوا طاعةَ الشَّيطانِ [669] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/472)، ((الوسيط)) للواحدي (3/517)، ((تفسير السمعاني)) (4/385)، ((تفسير البغوي)) (4/19)، ((تفسير القرطبي)) (15/47)، ((تفسير ابن كثير)) (6/585)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/155)، ((تفسير السعدي)) (ص: 698)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/48)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 223). ؟!
هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا أنكَرَ عليهم أن يَفعَلوا فِعلَ مَن لا عَقلَ له؛ قال مُتمِّمًا للخِزيِ [670] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/155). :
هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63).
أي: يُقالُ لهم [671] يُنظر: ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (11/7232)، ((الوسيط)) للواحدي (4/224)، ((تفسير الشوكاني)) (4/433). قيل: قائلُ ذلك هم خَزَنةُ النَّارِ. وممَّن ذهَب إليه: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والسَّمرقنديُّ، والقرطبيُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/583)، ((تفسير السمرقندي)) (3/129)، ((تفسير القرطبي)) (15/47). : هذه جَهنَّمُ الَّتي كنتُم تُوعَدونَ بها في الدُّنيا [672] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/472)، ((تفسير القرطبي)) (15/47)، ((تفسير ابن كثير)) (6/585)، ((تفسير السعدي)) (ص: 698). .
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64).
أي: ادخُلوها اليومَ وباشِروا نارَها، وقاسُوا حَرَّها؛ بسَبَبِ كُفرِكم في الدُّنيا [673] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/472)، ((الوسيط)) للواحدي (3/518)، ((تفسير ابن عطية)) (4/460)، ((تفسير السعدي)) (ص: 698)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/49). .
كما قال تعالى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور: 13- 16].
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان كأنَّه قيل: هل يَحكُمُ فيهم بعِلمِه، أو يَجري الأمرُ على قاعدةِ الدُّنيا في العملِ بالبَيِّنةِ؟ بيَّن أنَّه على أظهرَ مِن قواعدِ الدُّنيا [674] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/156). .
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ.
أي: اليومَ نَطبَعُ على أفواهِهم، ونمنَعُهم مِنَ الكَلامِ [675] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/472)، ((تفسير ابن كثير)) (6/585)، ((تفسير السعدي)) (ص: 698). قال السَّمعاني: (قال أهلُ التَّفسيرِ: هذا حينَ يُنكِرُ الكُفَّارُ كُفرَهم وتَكذيبَهم رُسُلَ اللهِ، فيَختِمُ اللهُ على أفواهِهم). ((تفسير السمعاني)) (4/385). !
كما قال تعالى: وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ [النمل: 85] .
وقال سُبحانَه: هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ [المرسلات: 35] .
وعن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ الله عنه، قال: ((كنَّا عندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فضَحِكَ، فقال: هل تَدرُونَ مِمَّ أضحَكُ؟ قُلْنا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ. قال: مِن مُخاطَبةِ العَبدِ رَبَّه؛ يقولُ: يا رَبِّ، ألم تُجِرْني مِن الظُّلمِ؟ قال: يقولُ: بلى. قال: فيقولُ: فإنِّي لا أُجيزُ على نفْسي إلَّا شاهِدًا مني. قال: فيقولُ: كفَى بنَفْسِك اليومَ عليك شهيدًا، وبالكرامِ الكاتِبينَ شُهودًا! قال: فيُختَمُ على فيه، فيُقالُ لأركانِه [676] المرادُ بالأركانِ هنا: الجوارحُ. يُنظر: ((إكمال المُعْلِم)) للقاضي عياض (8/522). : انطِقي! قال: فتَنطِقُ بأعمالِه! قال: ثمَّ يُخلَّى بيْنَه وبيْن الكَلامِ، فيقولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وسُحْقًا! فعنكُنَّ كنتُ أناضِلُ !)) [677] رواه مسلم (2969). .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه في الحديثِ المرفوعِ الطَّويلِ، وفيه: أنَّه يُقالُ للمنافقِ يومَ القيامةِ: ((الآنَ نَبعَثُ شاهِدَنا عليك، ويَتفكَّرُ في نَفْسِه: مَن ذا الَّذي يَشهَدُ علَيَّ؟! فيُختَمُ على فيه، ويُقالُ لفَخِذِه ولَحمِه وعِظامِه: انطِقي، فتَنطِقُ فَخِذُه ولَحمُه وعِظامُه بعَمَلِه! وذلك لِيُعذِرَ [678] ليُعذِرَ: أي: لِيُزيلَ اللهُ عُذْرَ هذا المنافِقِ مِن قِبَلِ نَفْسِه، بكَثرةِ ذُنوبِه، وشَهادةِ أعضائِه عليه؛ بحيث لم يَبْقَ له عُذرٌ يَتمَسَّكُ به. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (8/3529). مِن نَفْسِه، وذلك المنافِقُ، وذلك الَّذي يَسخَطُ اللهُ عليه )) [679] رواه مسلم (2968). .
وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ.
أي: وتُكَلِّمُنا أيديهم بما عَمِلَته [680] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/472)، ((تفسير السمعاني)) (4/386)، ((تفسير ابن كثير)) (6/585)، ((تفسير السعدي)) (ص: 698)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/50)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 230). .
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.
أي: وتَنطِقُ أرجُلُهم، فتَشهَدُ عليهم بما كانوا يَكسِبونَه في الدُّنيا مِن الذُّنوبِ والآثامِ [681] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/472)، ((تفسير السمعاني)) (4/386)، ((تفسير ابن كثير)) (6/585)، ((تفسير السعدي)) (ص: 698)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/50). .
كما قال اللهُ سُبحانَه وتعالى: حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ [فصلت: 20 - 22] .
وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ إلجاءَهم إلى الاعترافِ بالشِّركِ بعدَ إنكارِه يومَ القيامةِ، كان ذلك مُثيرًا لأن يَهجِسَ في نُفوسِ المؤمِنينَ أن يَتمَنَّوا لو سَلَك اللهُ بهم في الدُّنيا مِثلَ هذا الإلجاءِ؛ فألجأَهم إلى الإقرارِ بوحدانيَّتِه، وإلى تصديقِ رَسولِه واتِّباعِ دينِه؛ فأفاد اللهُ أنَّه لو شاء ذلك في الدُّنيا لَفَعل [682] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/51). . وهذا بِناءً على قولٍ في التَّفسيرِ
وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66).
أي: ولو نَشاءُ لأذهَبْنا أعيُنَ الكُفَّارِ، فلا يكونُ لها وجودٌ ولا أثَرٌ، فإذا ابتَدَروا مُسرِعينَ لسُلوكِ الطَّريقِ، فلن يُبصِروه والحالةُ هذه؛ فهم لا مَحالةَ هالِكونَ [683] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/475، 476)، ((البسيط)) للواحدي (18/513)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/158، 159)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/51، 52). وممَّن ذهب إلى أنَّه يقالُ ذلك تهديدًا لهم في الدُّنيا إن لم يَرجِعوا عن كُفرِهم، فيُفعل بهم ذلك عقوبةً لهم: ابنُ جرير، والواحديُّ، والبِقاعي، وابنُ عاشور. يُنظر: المصادر السابقة. ونسَبَه ابنُ الجوزيِّ للأكثَرينَ. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/529). قال البِقاعي: (الصِّرَاطَ أي: الطَّريقَ الواضِحَ الَّذي ألِفُوه واعتادوه، ولهم به غايةُ المعرفةِ، ولَمَّا كان الأعمى لا يمكِنُه في مِثلِ هذه الحالةِ المَشيُ بلا قائدٍ فضلًا عن المُسابَقةِ؛ سَبَّب عن ذلك قَولَه مُنكِرًا: فَأَنَّى أي: كيف ومِن أين يُبْصِرُونَ أي: فلم يَهتَدوا للصِّراطِ؛ لعدَمِ إبصارِهم، بل تَصادَموا فتَساقَطوا في المهالِكِ، وتهافَتوا). ((نظم الدرر)) (16/159). وقال السعدي: (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ بأن نُذْهِبَ أبصارَهم، كما طمَسْنا على نطقِهم. فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ أي: فبادَروا إليه؛ لأنَّه الطَّريقُ إلى الوصولِ إلى الجنَّةِ، فَأَنَّى يُبْصِرُونَ وقد طُمِسَتْ أبصارُهم؟!). ((تفسير السعدي)) (ص: 698). وقيل: المرادُ مِن ذلك: الطَّمسُ المعنويُّ، أي: أن يُذهِبَ اللهُ بصائرَهم، فلا يُبصِرونَ طريقَ الهدى. وممَّن قال بهذا المعنى: ابنُ عبَّاس رَضِيَ الله عنهما. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/474). وقال مقاتلٌ: (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ نزلَت فى كفَّارِ مكَّةَ، يقولُ: لو نشاءُ لَحَوَّلْنا أبصارَهم مِن الضَّلالةِ إلى الهدَى فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ ولو طمستُ الكفرَ لاستبقوا الصِّراطَ، يقولُ: لأبصَروا طريقَ الهدَى، ثمَّ قال جلَّ وعزَّ: فَأَنَّى يُبْصِرُونَ؛ فمِن أين يُبصِرونَ الهدَى إن لم أُعمِّ عليهم طريقَ الضَّلالةِ؟!). ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/584). .
كما قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 20] .
وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67).
أي: ولو نَشاءُ لَمَسَخْنا الكُفَّارَ في أماكِنِهم الَّتي هم فيها؛ فبدَّلْنا خِلقَتَهم، وحوَّلْنا صورَتَهم، وأبطَلْنا قوَّتَهم؛ فلا يَستَطيعونَ الذَّهابَ أمامَهم، ولا الرُّجوعَ خَلْفَهم [684] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/386)، ((تفسير القرطبي)) (15/50)، ((تفسير ابن جزي)) (2/185)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/159)، ((تفسير الشوكاني)) (4/434)، ((تفسير القاسمي)) (8/193)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/52، 53). قال الشوكاني: (كرَّر التَّهديدَ لهم، فقال: وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ المَسخُ: تبديلُ الخِلقةِ إلى حَجَرٍ، أو غيرِه مِن الجَمادِ، أو بهيمةٍ). ((تفسير الشوكاني)) (4/434). وقال ابنُ عاشور: (أي: لو نَشاءُ لَمَسَخْنا الكافرين في الدُّنيا في مكانِهم الَّذي أظهَروا فيه التَّكذيبَ بالرُّسُلِ، فما استطاعوا انصرافًا إلى ما خرَجوا إليه، ولا رُجوعًا إلى ما أتَوا منه، بل لَزِموا مكانَهم؛ لِزَوالِ العَقلِ الإنسانيِّ منهم؛ بسبب المسخِ!). ((تفسير ابن عاشور)) (23/52). وقال السعدي: (وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ أي: لأذْهَبْنا حركتَهم فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا إلى الأمامِ وَلَا يَرْجِعُونَ إلى ورائِهم؛ ليبعدوا عن النارِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 698). !

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- في قَولِه تعالى: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ التَّحذيرُ مِن الشَّيطانِ وإغوائِه؛ فهو يَسعى لإضلالِ بني آدمَ [685] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 224). ويُنظر أيضًا: ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/231). .
2- قال الله تعالى: وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فائِدةُ نُطقِ الأعضاءِ؛ لِيُعلَمَ أنَّ ما كان عَونًا على المعاصي صار شاهِدًا؛ فلا ينبغي لأحدٍ أن يَصحَبَ أحدًا إلَّا لله تعالى؛ لئلَّا يَفتَضِحَ ثَمَّ بسبَبِ صُحبتِه [686] يُنظر: ((تفسير العليمي)) (5/494). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- هذا القرآنُ الكريمُ مَثانٍ؛ تُثَنَّى فيه المعاني، فيُذكَرُ الشَّيءُ ويُذكَرُ ضِدُّه؛ لأنَّه لو ذُكِرَ ما يكونُ به الرَّجاءُ دونَ ما يكونُ فيه الخَوفُ لغَلَبَ جانبُ الرَّجاءِ على جانبِ الخَوفِ، ووقَعَ الإنسانُ في الأمنِ مِن مَكرِ اللهِ، ولو ذُكِرَ فيه جانبُ الخوفِ دونَ جانبِ الرَّجاءِ لَوَقَعَ الإنسانُ في القُنوطِ مِن رحمةِ اللهِ؛ فكان اللهُ عزَّ وجلَّ إذا ذكَرَ النَّعيمَ ذكَرَ ضِدَّه، وإذا ذكَرَ أصحابَ الجنةِ ذكَرَ أصحابَ النَّارِ، وهكذا، كما قال تعالى هنا: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ...، ثمَّ قال: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ .... وهذا أحَدُ معاني قولِه تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ [الزمر: 23] ، يعني: أنَّه تُثَنَّى فيه المعاني؛ حتَّى يَكمُلَ السَّيرُ إلى اللهِ سُبحانَه وتعالى على الوجهِ المطلوبِ [687] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 203). .
2- في قَولِه تعالى: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ أنَّه ينبغي لِمَن قام بعملٍ أنْ يَذْكُرَ الوصفَ المناسِبَ لهذا العملِ، فهنا لَمَّا أُمِروا بالانصرافِ وطُرِدُوا نَاسَبَ أنْ يَذْكُرَ سَبَبَ ذلك، فكأنَّه قال: «امتازوا لإجرامِكم»، ولا شكَّ أنَّ ذِكْرَ سببِ الحُكْمِ يُزيلُ الشُّبهةَ واللَّبْسَ والاعتِراضَ، ويَنبني على هذه الفائدةِ: أنَّ تعليقَ الحُكْمِ بوصفٍ يدُلُّ على أنَّ هذا الوصفَ هو عِلَّةُ ذلك الحُكْمِ، فإذا قلتَ مثلًا: أكْرِمِ المجتهِدَ مِن الطَّلبةِ؛ فهنا عَلَّقَ الإكرامَ بالاجتهادِ، وهذا يُفيدُ أنَّ علَّةَ الإكرامِ هو الاجتهادُ، فهذه القاعدةُ مفيدةٌ لطالبِ العلمِ، وهي: «أنَّ تعليقَ الحُكْمِ بوصفٍ يدُلُّ على عِلِّيَّتِه»، أي: أنَّه عِلَّةُ ذلك الحُكْمِ [688] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 211). .
3- في قَولِه تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ إثباتُ رحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ بالخَلقِ؛ حيثُ لم يَجعَلْ إخلاصَهم له موكولًا إلى عُقولِهم، بل عَهِدَ بذلك إليهم على ألسِنةِ الرُّسُلِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ، لأنَّ اللهَ لو جَعَلَ الإخلاصَ موكولًا إلى العقولِ لاختلفَتِ العقولُ في ذلك اختلافًا كثيرًا؛ لأنَّ الأهواءَ لا تَنضَبِطُ؛ فجَعلَ اللهُ عزَّ وجلَّ ذلك ممَّا تَكفَّلَ به هو نَفْسُه لعِبادِه [689] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 217). .
4- في قَولِه تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ أنَّ الذُّنوبَ كلَّها جزءٌ مِن الشِّركِ، وهي مِن فروعِه؛ فإنَّها جميعَها طاعةٌ للشَّيطانِ واتِّباعٌ لخُطواتِه، وقال الشَّيطانُ: إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ [690] يُنظر: ((تفسير آيات أَشكلت على كثير من العلماء)) لابن تيمية (1/349). [إبراهيم: 22] .
5- كَتَب عبدُ الملِكِ بنُ مَرْوانَ إلى سعيدِ بنِ جُبيرٍ يَسألُه عن مسائلَ... فأجابَه عنها، وفيها: (تسألُ عن العبادةِ، والعبادَةُ هي الطَّاعةُ؛ ذلك أنَّه مَن أطاعَ اللهَ فيما أمرَه به وفيما نهاهُ عنه فقد آثَرَ عبادةَ اللهِ، ومَن أطاعَ الشَّيطانَ في دينِه وعمَلِه فقد عَبَد الشَّيطانَ، ألَا تَرَى أنَّ اللهَ قال للَّذين فرَّطوا: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ؟ وإنَّما كانت عِبادَتُهم الشَّيطانَ أنَّهم أطاعوه في دينِهم) [691] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/294). ، فمعنى أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ أي: لا تُطيعوه؛ بدَليلِ أنَّ المَنهيَّ عنه ليس هو السُّجودَ له فحَسْبُ، بل الانقيادُ لأمرِه، والطَّاعةُ له؛ فالطَّاعةُ عِبادةٌ، لا يُقالُ: فنكونُ نحن مأمورينَ بعبادةِ الأُمراءِ؛ حيثُ أُمِرْنا بطاعتِهم في قَولِه تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59] ؛ لأنَّا نَقولُ: طاعتُهم إذا كانت بأمرِ اللهِ لا تكونُ إلَّا عبادةً للهِ وطاعةً له، وإنَّما عبادةُ الأمراءِ: طاعتُهم فيما لم يَأذَنِ اللهُ فيه [692] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/298). . فمعنَى عبادتِهم للشَّيطانِ ليست أنَّهم سَجَدُوا للشَّيطانِ، ولا ركَعوا للشَّيطانِ، ولا صَامُوا للشَّيطانِ، ولا حَجُّوا للشَّيطانِ، وإنَّما عبادتُهم للشَّيطانِ: هي اتِّباعُهم ما شَرَعه مِن النُّظُمِ على ألْسِنةِ أوليائِه، كما في قولِه: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ، ثمَّ قال: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام: 121] ، فصَرَّحَ اللهُ عزَّ وجلَّ بأنَّ مَنِ اتَّبَعَ تشريعَ إبليسَ وقال: بأنَّ المَيتةَ حلالٌ: أنَّه مشركٌ باللهِ، فالمرادُ بعبادتِه طاعتُه فيما شَرَع، واتِّباعُه في نُظُمِه وقوانينِه [693] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/231). .
6- في قَولِه تعالى: أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ أنَّ العبادةَ لا تَختَصُّ بالرُّكوعِ والسُّجودِ، والذَّبحِ والنَّذْرِ، وما أشْبَهَ ذلك، بل هي عامَّةٌ شامِلةٌ لكُلِّ طاعةٍ يكونُ فيها كَمالُ التَّذلُّلِ [694] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 218). .
7- قال تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ، وقال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ: 40، 41]. فكلُّ مَن عَبَد غيرَ اللهِ فإنَّما يعبُدُ الشَّيطانَ، وإن كان يَظُنُّ أنَّه يعبُدُ الملائكةَ والأنبياءَ؛ ولهذا تتمَثَّلُ الشَّياطينُ لمَن يعبُدُ الملائكةَ والأنبياءَ والصَّالحينَ ويُخاطِبونَهم، فيَظُنُّونَ أنَّ الَّذي خاطَبَهم مَلَكٌ أو نَبيٌّ أو وليٌّ، وإنَّما هو شيطانٌ، فكلُّ مَن لم يَعبُدِ اللهَ مُخْلِصًا له الدِّينَ فلا بُدَّ أنْ يكونَ مشرِكًا عابِدًا لغيرِ اللهِ، وهو في الحقيقةِ عابِدٌ للشَّيطانِ. فكلُّ واحدٍ مِن بني آدمَ إمَّا عابِدٌ للرَّحمنِ، وإمَّا عابِدٌ لِلشَّيطانِ [695] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (14/283). .
8- أنَّه ينبغي التَّخليةُ قبْلَ التَّحليةِ؛ لأنَّه قال: لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ هذا تخليةٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي تحليةٌ، أي: نفْيٌ وإثباتٌ، وهذا هو التَّوحيدُ؛ فالتَّوحيدُ مبنيٌّ على نفيٍ وإثباتٍ؛ لأنَّ النَّفيَ المُجرَّدَ تَعطيلٌ مَحضٌ وعَدَمٌ، والإثباتَ المُجَرَّدَ لا يَمنَعُ المشارَكةَ، فلا يَتِمُّ التَّوحيدُ إلَّا بنفيٍ وإثباتٍ، ويُبْدَأُ أوَّلًا بالنَّفيِ؛ لِيَرِدَ الإثباتُ على مكانٍ خالٍ مِن الشَّوائبِ خالصٍ صالحٍ لاستقرارِ الإثباتِ فيه، وهذا في القرآنِ كثيرٌ، ومنه قولُه تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف: 26، 27]، فتَبَرَّأَ أولًا مِن كلِّ معبودٍ، ثمَّ أثبتَ العبادةَ للهِ وحْدَه الَّذي فَطَرَه [696] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 217). .
9- في قَولِه تعالى: هَذَا صِرَاطٌ إشارةٌ إلى أنَّ الإنسانَ مُجتازٌ؛ لأنَّه لو كان في دارِ إقامةٍ، فقَولُه: هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ لا يكونُ له معنًى؛ لأنَّ المقيمَ يقولُ: وماذا أفعَلُ بالطَّريقِ وأنا من المُقيمينَ [697] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/300). ؟!
10- في قَولِه تعالى: أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ أنَّ مَن ساء تَصرُّفُه صَحَّ أنْ يُنفَى عنه العَقلُ وإنْ كان عاقِلًا عَقلًا ظاهِرًا، والعَقلُ عَقلان: عقلٌ هو مَناطُ التَّكليفِ، وهو عَقلُ الإدراكِ. وعَقلٌ هو مَناطُ المَدحِ والذَّمِّ، وهو عَقلُ التَّصَرُّفِ الَّذي يكونُ به الرُّشدُ [698] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 224). .
11- في قَولِه تعالى: جَهَنَّمُ بيانُ صفةِ النارِ، وأنَّها -والعياذُ باللهِ- كلُّها ظُلْمةٌ، وكلُّها سَوادٌ؛ لأنَّها مِن الجُهمةِ، أي: الظُّلمةِ والسَّوادِ [699] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 226). .
12- في قَولِه تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ الظَّاهِرُ أنَّ السِّرَّ في الخَتمِ على فيه: مَنعُه من أن يَلغَطَ حالَ شهادتِها عليه، كما هو دأْبُ أهلِ العنادِ عندَ الخِصامِ [700] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/157). .
13- قد يُخيَّلُ تَعارُضٌ بيْنَ هذه الآيةِ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ ... وبيْن قولِه: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور: 24]، ولا تَعارُضَ؛ لأنَّ آيةَ (يس) في أحوالِ المشركينَ، وآيةَ سُورةِ (النُّورِ) في أحوالِ المنافقينَ [701] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/50). .
14- سُئل ابنُ عبَّاسٍ: لَا يَنْطِقُونَ [النمل: 85] ، وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: 23] الْيَوْمَ نَخْتِمُ؟ فقال: (إنَّه ذو ألوانٍ؛ مَرَّةً يَنْطِقونَ، ومَرَّةً يُخْتَمُ عليهم) [702] ذكره البخاري معلقًا في ((صحيحه)) قبل حديث (4930). . فيوم القيامةِ يومٌ طويلٌ ذو مواطِنَ مُختلِفةٍ، فيَنطِقون في وقتٍ ومكانٍ، ولا يَنطِقون في آخَرَ [703] يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (19/272). .
15- قولُه تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ لا يَتنافَى مع قولِه تعالى: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء: 42] ؛ لأنَّ عدَمَ الكتْمِ المذكورَ هناك إنَّما هو باعتبارِ إخبارِ أيدِيهم وأرجُلِهم بكلِّ ما عَمِلوا عندَ الختْمِ على أفواهِهم إذا أنْكَروا شِركَهم ومَعاصِيَهم [704] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/241). .
16- في قَولِه تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ أنَّ اللهَ تعالى أسنَدَ فِعلَ الخَتمِ إلى نَفْسِه وقال: نَخْتِمُ، وأسنَدَ الكلامَ والشَّهادةَ إلى الأيدي والأرجُلِ؛ لأنَّه لو قال تعالى: «نختِمُ على أفواهِهم، ونُنطِقُ أيديَهم» يكونُ فيه احتِمالُ أنَّ ذلك منهم كان جَبرًا وقهرًا، والإقرارُ بالإجبارِ غيرُ مَقبولٍ؛ فقال تعالى: وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ أي: باختيارِها بعدَما يُقدِرُها اللهُ تعالى على الكلامِ؛ لِيَكونَ أدَلَّ على صُدورِ الذَّنبِ منهم [705] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/302). .
17- في قَولِه تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ الخَتمُ لازِمُ الكُفَّارِ: في الدُّنيا على قُلوبِهم، وفي الآخرةِ على أفواهِهم؛ ففي الوقتِ الَّذي كان الخَتمُ على قُلوبِهم كان قَولُهم بأفواهِهم، كما قال تعالى: ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ [التوبة: 30] ، فلمَّا خَتَم على أفواهِهم أيضًا لزِمَ أن يكونَ قَولُهم بأعضائِهم؛ لأنَّ الإنسانَ لا يملِكُ غيرَ القَلبِ واللِّسانِ والأعضاءِ؛ فإذا لم يَبْقَ القَلبُ والفَمُ تعيَّنَ الجوارِحُ والأركانُ [706] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/302). .
18- في قَولِه تعالى: وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بيانُ قدرةِ اللهِ سُبحانَه وتعالى؛ فإنَّه خلافُ العادةِ أنْ تَتكَلَّمَ الأيدي والأرجُلُ، ولكنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ؛ ولهذا لَمَّا ذَكَر اللهُ عنهم أنَّهم وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [707] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 233). [فصلت: 21] .
19- قال الله تعالى: وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ أنكر بَعضُهم كلامَ الجوارحِ، وقال: معنى الكلامِ وُجودُ دَلالةٍ تدُلُّ على أنَّها قد عَلِمَت ما عَمِلَت! والصَّحيحُ أنَّها تتكلَّمُ حقيقةً، وغيرُ مُستبعَدٍ كَلامُ الجوارِحِ في قُدرةِ اللهِ تعالى [708] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/386). .
20- في قَولِه تعالى: وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ أنَّ الإنسانَ يمكنُ أنْ يَشْهَدَ بعضُه على بعضٍ؛ لأنَّ هذا الرَّجُلَ الواحدَ تَشْهَدُ عليه أعضاؤُه بما عَمِل، ويَتَفَرَّعُ على هذا: أنَّ الإنسانَ -في الدُّنيا- يمكِنُ أنْ يَشْهَدَ على نفْسِه، وشهادتُه على نفْسِه هو إقرارُه على نفْسِه [709] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 234). .
21- في قَولِه تعالى: بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ أنَّ العِبرةَ في العَمَلِ بما كان فيه مِن كَسبٍ، لا بمُجَرَّدِ العَمَلِ؛ لأنَّ مُجرَّدَ العَمَلِ قد لا يكونُ كَسبًا، كما لو صدَرَ مِن جاهلٍ، أو صدَرَ مِن ساهٍ أو نائمٍ، أو ما أشْبَهَ ذلك [710] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 234). .
22- قال الله تعالى: وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ مِن فوائدِ الآيةِ الكريمةِ ضَرْبُ المَثَلِ عن الأشياءِ المعقولةِ بالأشياءِ المحسوسةِ؛ فإنَّ هؤلاء لو طُمِسَتْ أعينُهم ما استطاعوا أنْ يَهتَدوا إلى السَّبيلِ، فكذلك إذا طَمَسَ اللهُ بصيرةَ القَلبِ -والعياذُ بالله- لم يَستَطِعِ الوُصولَ إلى الحقِّ، ولم يَعرِفِ الحَقَّ [711] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 237). ، وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ.

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالى: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ عَطفٌ إمَّا على الجُملةِ السَّابقةِ المَسوقةِ لِبَيانِ أحوالِ أهلِ الجنَّةِ؛ عطَفَ قِصَّةَ سُوءِ حالِ هؤلاءِ وكَيفيَّةِ عِقابِهم على قِصَّةِ حُسنِ حالِ أولئك ووَصْفِ ثَوابِهم، وكأنَّ تَغييرَ السَّبكِ لِتَخييلِ كَمالِ التَّبايُنِ بيْنَ الفريقينِ وحالَيْهما، وإمَّا على مُضمَرٍ يَنساقُ إليه حِكايةُ حالِ أهلِ الجنَّةِ، كأنَّه قِيلَ إثرَ بَيانِ كَونِهم في شُغُلٍ عَظيمِ الشَّأنِ وفَوزِهم بنَعيمٍ مُقيمٍ يَقصُرُ عنه البيانُ: فلْيَقَرُّوا بذلك عَينًا، وامتازُوا عنهم أَيُّهَا المُجرِمون إلى مَصيرِكم [712] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/77)، ((تفسير أبي السعود)) (7/174)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/45). .
- قولُه: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ فِعلُ (امتاز) مُطاوِعُ مازَهُ؛ إذا أفرَدَه عمَّا كان مُختلِطًا معه، وُجِّهَ الأمْرُ إليهم بأنْ يَمْتازوا مُبالَغةً في الإسراعِ بحُصول المَيزِ؛ لأنَّ هذا الأمْرَ أمْرُ تَكوينٍ، والمرادُ: امتيازُهم بالابتعادِ عن الجنَّةِ، وذلك بأنَّ يَصِيروا إلى النَّارِ، فيَؤُولُ إلى معنَى: ادْخُلوا النَّارَ [713] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/45). .
- ونِداؤُهم بعُنوانِ الْمُجْرِمُونَ؛ للإيماءِ إلى عِلَّةِ مَيزِهم عن أهْلِ الجنَّةِ بأنَّهم مُجرِمون، فاللَّامُ في الْمُجْرِمُونَ مَوصولةٌ، أي: أيُّها الَّذين أجْرَموا [714] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/45). .
- وحُذِفَت أداةُ النِّداءِ؛ لا لِقُربِ الكرامةِ، بل للدَّلالةِ على أنَّهم في القَبضةِ، لا مانِعَ مِن غايةِ التَّصَرُّفِ فيهم لكُلِّ ما يُرادُ؛ لأنَّه لا حائِلَ دُونَهم [715] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/150). .
- وتَكريرُ كَلمةِ (اليومَ) ثلاثَ مرَّاتٍ في الحِكايةِ؛ للتَّعريضِ بالمُخاطَبين فيه -وهم الكفَّارُ الَّذين كانوا يَجحَدون وُقوعَ ذلك اليومِ- مع تأْكيدِ ذِكرِه على أسماعِهم بقولِه: فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ [يس: 54] ، وقولِه: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ [يس: 55] ، وقولِه: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [716] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/45). .
2- قولُه تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ هو إشهادٌ على المشركينَ، وتَوبيخٌ وتَقْريعٌ لهم، وإلزامٌ للحُجَّةِ [717] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/271)، ((تفسير أبي حيان)) (9/77)، ((تفسير أبي السعود)) (7/175)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/46)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/217). .
- قولُه: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ الاستفهامُ تقريريٌّ، والجملةُ جاريةٌ مجرَى التَّقريعِ والتَّوبيخِ والتَّبكيتِ والإلزامِ. وخُوطِبوا بعُنوانِ يَا بَنِي آَدَمَ؛ لأنَّ مَقامَ التَّوبيخِ على عِبادتِهم الشَّيطانَ يَقْتضي تَذكيرَهم بأنَّهم أبناءُ الَّذي جعَلَه الشَّيطانُ عَدُوًّا له [718] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/46)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/217). .
- والعهدُ: الوِصايةُ، وَوِصايةُ اللهِ بني آدَمَ بألَّا يَعبُدوا الشَّيطانَ هي ما تَقرَّرَ واشتُهِرَ في الأُمَمِ بما جاء به الرُّسلُ في العصورِ الماضيةِ، فلا يَسَعُ إنكارُه، وبهذا الاعتبارِ صحَّ الإنكارُ عليهم في حالِهم الشَّبيهةِ بحالِ مَن يَجحَدُ هذا العهدَ [719] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/46). .
- وفي قولِه تعالى: أَعْهَدْ تَوالي العينِ والهاءِ، وهما حَرفانِ مُتقارِبَا المَخرجِ مِن حُروفِ الحلْقِ، إلَّا أنَّ تَواليَهما لم يُحدِثْ ثِقلًا في النُّطقِ بالكلمةِ يُنافي الفصاحةَ بمُوجبِ تَنافُرِ الحروفِ؛ لأنَّ انتقالَ النُّطقِ في مَخرجِ العينِ مِن وسَطِ الحلْقِ إلى مَخرجِ الهاءِ مِن أقْصى الحلْقِ، خفَّفَ النُّطقَ بهما، وكذلك الانتقالُ مِن سُكونٍ إلى حَركةٍ زاد ذلك خِفَّةً [720] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/46). .
- قولُه: أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ جعَلَ عِبادةَ غيرِ الله عِبادةَ الشَّيطانِ؛ لأنَّه الآمِرُ بها، والمزيِّنُ لها [721] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/271). . وعِبادةُ الشَّيطانِ: طاعتُه فيما يُوسوِسُ به إليهم ويُزيِّنه لهم، وعُبِّرَ عنها بالعِبادةِ؛ لِزِيادةِ التَّحذيرِ والتَّنفيرِ عنها في مُقابَلةِ عِبادتِه عزَّ وجلَّ [722] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/175). .
- وجُملةُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ تَعليلٌ لِجُملةِ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ، وقد أغنَتْ (إنَّ) عن فاءِ السَّببيَّةِ [723] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/271)، ((تفسير أبي السعود)) (7/175)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/47). .
- ووَصْفُ العدُوِّ بأنَّه مُبِينٌ؛ للمُبالَغةِ، أي: عَداوتُه واضحةٌ، ووَجْهُ وُضوحِها: أنَّ المرْءَ إذا راقَبَ عواقبَ الأعمالِ الَّتي تُوسوِسُها له نفْسُه، واتَّهمَها، وعرَضَها على وَصايا الأنبياءِ والحكماءِ؛ وَجَدَها عواقبَ نَحسةً، فوضَحَ له أنَّها مِن الشَّيطانِ بالوسوسةِ، وأنَّ الَّذي وَسوَسَ بها عدُوٌّ له؛ لأنَّه لو كان وَدودًا لَمَا أوقَعَه في الكوارثِ، ولا يُظَنُّ به الإيقاعُ في ذلك عن غيرِ بَصيرةٍ؛ لأنَّ تَكرُّرَ أمثالِ تلك الوساوسِ للمرْءِ ولأمثالِه ممَّن يَبوحُ له بأحوالِه يدُلُّ ذلك التَّكرُّرُ على أنَّها وَساوسُ مَقصودةٌ للإيقاعِ في المهالِكِ؛ فعُلِمَ أنَّ المشيرَ بها عَدُوٌّ ألَدُّ، ولعلَّ هذا المعنى هو المشارُ إليه بقولِه تعالى: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ [724] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/47، 48). [يس: 62] .
3- قولُه تعالى: وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ عطْفٌ على أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ بإعادةِ (أنِ) التَّفسيريَّةِ، فهما جُملتانِ مُفسِّرتانِ لِعَهدينِ، وعُدِلَ عن الإتيانِ بصِيغةِ قَصْرٍ؛ لأنَّ في الإتيانِ بهاتَينِ الجُملتينِ زِيادةَ فائدةٍ؛ لأنَّ مِن أهلِ الضَّلالةِ الدَّهريِّينَ والمعطِّلينَ، فهمْ وإنْ لم يَعبُدوا الشَّيطانَ ولكنَّهم لم يَعبُدوا اللهَ، فكانوا خائِسينَ بالعهدِ [725] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/48). .
- قولُه: هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ تَعليلٌ للأمْرِ في قولِه: وَأَنِ اعْبُدُونِي [726] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/218). .
- وصِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ أي: صِراطٌ بَليغٌ في بابِه، بليغٌ في استِقامتِه، جامعٌ لكلِّ شَرطٍ يجِبُ أنْ يكونَ عليه، وفي هذا تَوبيخٌ للكافرينَ مِن بني آدَمَ على العُدولِ عن الصِّراطِ المستقيمِ، والتَّفادي عن سُلوكِه، كما يَتفادَى النَّاسُ عن الطَّريقِ المُعْوَجِّ الَّذي يُؤدِّي إلى الضَّلالةِ والتَّهْلُكةِ، كأنَّه قِيل: أقَلُّ أحوالِ الطَّريقِ الَّذي هو أقْوَمُ الطُّرقِ: أنْ يُعتقَدَ فيه كما يُعتقَدُ في الطَّريقِ الَّذي لا يُضِلُّ السَّالكَ، كما يقولُ الرَّجلُ لِولَدِه وقد نصَحَه النُّصحَ البالغَ الَّذي ليس بعْدَه: هذا فيما أظَنُّ قولٌ نافعٌ غيرُ ضارٍّ؛ تَوبيخًا له على الإعراضِ عن نَصائحِه [727] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/23، 24). .
- وأيضًا تَنوينُ صِرَاطٌ وتَنكيرُه؛ للتَّعظيمِ والتَّفخيمِ والمبالَغةِ، أو للتَّبعيضِ؛ فإنَّ التَّوحيدَ سُلوكُ بعضِ الطَّريقِ المستقيمِ، وفيه إيجازٌ يُشِيرُ إلى ما عُهِدَ إليهم مِن مَعصيةِ الشَّيطانِ وطاعةِ الرَّحمنِ؛ إذ لا صِراطَ أقْوَمُ منه [728] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/271، 272)، ((تفسير أبي السعود)) (7/175)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/48)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/219). .
- وتَقديمُ النَّهيِ على الأمْرِ في قولِه: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ؛ لأنَّ حقَّ التَّخليةِ التَّقديمُ على التَّحليةِ كما هو مُقرَّرٌ، ولِيَتَّصِلَ به قولُه: هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ؛ فإنَّه إشارةٌ إلى عِبادتِه تعالى الَّتي هي عبارةٌ عن التَّوحيدِ والإسلامِ، وهو المشارُ إليه بقولِه تعالى: هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [729] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/175)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/220). [الحجر: 41] .
4- قولُه تعالى: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ
- قولُه: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا رُجوعٌ إلى بَيانِ مُعاداةِ الشَّيطانِ، مع ظُهورِ عَداوتِه، ووُضوحِ إضلالِه لِمَن له أدْنَى عقْلٍ ورأْيٍ [730] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/272). .
- وهو جَوابُ قَسَمٍ مَحذوفٍ، والجُملةُ استِئنافٌ مَسوقٌ لِتَشديدِ التَّوبيخِ، وتأْكيدِ التَّقريعِ؛ ببَيانِ أنَّ جِناياتِهم ليستْ بنَقْضِ العهْدِ فقطْ، بلْ به وبعَدَمِ الاتِّعاظِ بما شاهَدوا مِن العُقوباتِ النَّازلةِ على الأُمَمِ الخاليةِ بسَببِ طاعتِهم للشَّيطانِ؛ فالخِطابُ لِمُتأخِّريهم الَّذين مِن جُملتِهم كُفَّارُ مكَّةَ، خُصُّوا بزِيادةِ التَّوبيخِ والتَّقريعِ؛ لِتَضاعُفِ جِناياتِهمِ [731] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/175)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/221). . أو عطْفٌ على إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ؛ فعَداوتُه واضحةٌ بدَليلِ التَّجرِبةِ، فكانت عِلَّةً للنَّهيِ عن عِبادةِ ما يأْمُرُهم بعِبادتِهم [732] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/48). .
- والفاءُ في قولِه تعالى: أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ للعطفِ على مُقدَّرٍ يَقْتضيهِ المقامُ، أي: أكنتُم تُشاهِدونَ آثارَ عُقوباتِهم، فلمْ تَكونوا تَعقِلون أنَّها لِضَلالِهم؟ أو فلَمْ تَكونُوا تَعقِلون شيئًا أصلًا حتَّى تَرْتدِعُوا عمَّا كانُوا عليه؛ كَيْلَا يَحيقَ بكمُ العِقابُ [733] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/176). ؟
- وأيضًا قولُه: أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ تَوبيخٌ للكافرينَ والمنكِرينَ، والاستفهامُ إنكاريٌّ عن عَدمِ كَونِهم يَعقِلون، أي: يُدرِكونَ؛ إذ لو كانوا يَعقِلون لَتَفَطَّنوا إلى إيقاعِ الشَّيطانِ بهم في مَهاوي الهلاكِ، وزِيادةُ فِعلِ الكونِ تَكُونُوا؛ للإيماءِ إلى أنَّ العقْلَ لم يَتكوَّنْ فيهم، ولا همْ كائنونَ به [734] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/49). .
5- قولُه تعالى: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ كلامٌ مُستأنَفٌ مَسوقٌ لِمُجابَهتِهم بالمصيرِ الهائلِ الَّذي يَصِيرون اليه، بعْدَ أنْ بلَغَ الغايةَ في تَوبيخِهم وتَقريعِهم، وإلْزامِهم وتَبكيتِهم [735] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/176)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/49)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/221). .
6- قولُه تعالى: اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ
- الأمْرُ بقولِه: اصْلَوْهَا مُستعمَلٌ في الإهانةِ والتَّنكيلِ، وإطلاقُ الصَّلْيِ على الإحراقِ: تَهكُّمٌ [736] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/176)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/49). .
- والتَّعريفُ في الْيَوْمَ تَعريفُ العهْدِ، أي: هذا اليومَ الحاضرَ، وأُرِيدَ به جوابُ ما كانوا يَقولون في الحياةِ الدُّنيا مِن استبطاءِ الوعدِ والتَّكذيبِ؛ إذ يَقولونَ: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [يونس: 48] ، والباءُ في بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ سَببيَّةٌ، أي: بسَببِ كُفرِكم في الدُّنيا [737] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/49). .
7- قولُه تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ هذه الآيةُ خاتمةٌ لِبَيانِ أحوالِ المَعادِ، وهي كالتَّخلُّصِ إلى ذِكرِ أحوالِ المكذِّبينَ مِن قَومِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَقريعِهم وتَوبيخِهم، وهو قولُه: وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ [738] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/84، 85). .
- وفي ذِكرِ لفظِ الْيَوْمَ تَنويهٌ بذِكْرِه بحُصولِ هذا الحالِ العجيبِ فيه، وهو انتقالُ النُّطقِ مِن مَوضعِه المعتادِ إلى الأيدي والأرجُلِ [739] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/49). .
- وضَمائرُ الغَيبةِ في (أفواهِهِم- أيديهمْ- أرجُلُهم- يَكسِبون) عائدةٌ على الَّذين خُوطِبوا بقولِه: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [يس: 63] على طَريقةِ الالتِفاتِ؛ للإيذانِ بأنَّ ذِكرَ أحوالِهم القَبيحةِ استَدْعَى أنْ يُعرِضَ عنهم، ويَحكيَ أحوالَهم الفظيعةَ لِغَيرِهم، مع ما فيه مِن الإيماءِ إلى أنَّ ذلك مِن مُقتضياتِ الختْمِ؛ لأنَّ الخِطابَ لِتَلقِّي الجوابِ، وقد انقطَعَ بالكُلِّيَّةِ. ومواجهتُهم بهذا الإعلامِ تأْييسٌ لهم بأنَّهم لا يَنفَعُهم إنكارُ ما اطَّلَعوا عليه مِن صَحائفِ أعمالِهم [740] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/176)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/50). .
- قولُه: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ ... سمَّى نُطقَ اليدِ كلامًا، ونُطقَ الرِّجْلِ شَهادةً؛ لأنَّ الغالبَ في اليدِ كَونُها فاعلةً، وفي الرِّجْلِ كَونُها حاضرةً، وقولُ الفاعلِ على نفْسِه إقرارٌ لا شَهادةٌ، وقولُ الحاضرِ على غيرِه شَهادةٌ [741] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 474). . فاليدُ تُخبِرُ عمَّا فَعَلَتْ، والرِّجْلُ تُخبِرُ عمَّا فَعَلَ غيرُها؛ لأنَّ الأصلَ في المباشَرةِ اليدُ؛ ولهذا دائمًا يُعَلَّقُ الكَسبُ باليَدِ، فيُقالُ: فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: 30] ، أو بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم: 41] ؛ فلهذا كانت الأيدي مُباشِرةً، والأرجُلُ شاهِدةً؛ لأنَّ الشَّاهِدَ هو الَّذي يُخبِرُ عمَّا فَعَلَ غيرُه، والفاعِلَ هو الَّذي يُخبِرُ عمَّا فَعَلَه هو بنَفْسِه [742] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 230). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الرازي)) (26/302). .
وقيل: في قَولِه تعالى: وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ احتِباكٌ [743] الاحتِباكُ: هو الحذفُ مِن الأوائلِ لدَلالةِ الأواخِرِ، والحذفُ مِن الأواخِرِ لدَلالةِ الأوائلِ، إذا اجتمَع الحَذفانِ معًا، وله في القرآنِ نظائرُ، وهو مِن إبداعاتِ القرآنِ وعناصرِ إعجازِه، وهو مِن ألطفِ الأنواعِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/204)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (1/347). ؛ أثبَتَ الكلامَ للأيدي أوَّلًا؛ لأنَّها كانت مُباشِرةً؛ دليلًا على حَذفِه مِن حَيِّزِ الأرجُلِ ثانيًا، وأثبَت الشَّهادةَ للأرجُلِ ثانيًا؛ لأنَّها كانت حاضِرةً؛ دليلًا على حَذفِها مِن حَيِّزِ الأيدي أوَّلًا، وبقرينةِ أنَّ قَولَ المباشِرِ إقرارٌ، وقَولَ الحاضِرِ شَهادةٌ [744] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/157). .
- في قَولِه تعالى: عَلَى أَفْوَاهِهِمْ لَفتُ القَولِ إلى الغَيبةِ؛ إيذانًا بالإعراضِ لِتناهي الغَضَبِ [745] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/156). .
- وطُوِيَ في قولِه: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ ... ما ورَدَ تفَصيلُه في آيٍ أُخَرَ؛ فقدْ قال تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: 22، 23]، وقال: وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ * فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ [يونس: 28، 29]؛ وإنَّما طُوِيَ ذِكرُ الدَّاعي إلى خِطابِهم بهذا الكلامِ؛ لأنَّه لم يَتعلَّقْ به غرَضٌ هنا، فاقتُصِرَ على المقصودِ [746] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/50). .
8- قولُه تعالى: وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ
- قولُه: وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ ... وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ ... ليس مَساقُ الشَّرطيَّتينِ لِمُجرَّدِ بَيانِ قُدرتِه تعالى على ما ذُكِرَ مِن عُقوبةِ الطَّمسِ والمسخِ، بلْ لِبَيانِ أنَّهم بما همْ عليه مِن الكُفرِ، ونقْضِ العهدِ، وعَدَمِ الاتِّعاظِ بما شاهَدوا مِن آثارِ دَمارِ أمثالِهم؛ أحِقَّاءُ بأنْ يُفعَلَ بهم في الدُّنيا تلك العُقوبةُ كما فُعِلَ بهم في الآخرةِ عُقوبةُ الختْمِ، وأنَّ المانعَ مِن ذلك ليس إلَّا عدَمُ تَعلُّقِ المشيئةِ الإلهيَّةِ به، كأنَّه قِيل: لو نَشاءُ عُقوبتَهم بما ذُكِرَ مِن الطَّمْسِ والمسخِ جَرْيًا على مُوجَبِ جِناياتِهم المستدعيةِ لها، لَفعَلْناها، ولكنَّا لم نَشأْها؛ جَرْيًا على سَنَنِ الرَّحمةِ والحكمةِ الدَّاعيتَينِ إلى إمهالِهم [747] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/272)، ((تفسير أبي السعود)) (7/177). .
- وأيضًا في قولِه: وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ إيثارُ صِيغةِ الاستِقبالِ، وإنْ كان المعنى على المُضِيِّ؛ لإفادةِ أنَّ عَدَمَ الطَّمسِ على أعيُنِهم لاستِمرارِ عَدَمِ المشيئةِ [748] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/176). ، وليُتوقَّعَ في كلِّ حينٍ؛ فيَكونَ أبلَغَ في التَّهديدِ [749] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (3/361). .
- وجِيءَ بحَرْفِ الاستعلاءِ (على)؛ للدَّلالةِ على تَمكُّنِ الطَّمْسِ، وإلَّا فإنْ (طمَسَ) يَتعدَّى بنَفْسِه [750] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/51). .
- قولُه: فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ الاستِباقُ: افتِعالٌ مِن السَّبقِ، والافتعالُ دالٌّ على التَّكلُّفِ والاجتهادِ في الفِعلِ، أي: فبادَرُوا [751] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/52). .
- وكذلك قولُه: فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ لا يَخلو مِن أنْ يكونَ على حذْفِ الجارِّ وإيصالِ الفِعلِ، والأصلُ: (فاستَبقوا إلى الصِّراطِ)، أو يُضمَّنَ معنى (ابتَدَروا)، أي: ابتَدَروا الصِّراطَ مُتسابقينَ، أي: مُسرعينَ لِمَا دَهَمَهم؛ رَجاءَ أنْ يَصِلوا إلى بُيوتِهم قبْلَ أنْ يَهلِكوا فلم يُبصِروا الطَّريقَ [752] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/25)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/52). .
- قولُه: فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (أنَّى) استِفهامٌ بمعنى (كيف)، وهو مُستعمَلٌ في الإنكارِ، أي: لا يُبصِرون وقد طُمِسَت أعيُنُهم، أي: لو شِئنا لَعجَّلْنا لهمْ عُقوبةً في الدُّنيا يَرتدِعون بها، فيُقْلِعوا عن إشراكِهم [753] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/79)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/52). .
- وقَدَّم الطَّمسَ والإعماءَ على المَسخِ والإعجازِ؛ لِيَكونَ الكلامُ مُدرَجًا، كأنَّه قال: إنْ أعماهم لم يَرَوا الطَّريقَ الَّذي هم عليه، وحينَئذٍ لا يَهتَدونَ إليه، ثمَّ ارتقى وقال: فلو مسَخَهم وسَلَب قُوَّتَهم بالكُلِّيَّةِ؛ لا يَهتَدونَ إلى الصِّراطِ بوَجهٍ مِن الوُجوهِ؛ لأنَّه قد يُقالُ: إنَّ الأعمَى قد يَهتدي إلى الطَّريقِ بأماراتٍ عَقليَّةٍ أو حِسِّيَّةٍ غيرِ حِسِّ البَصَرِ؛ كالأصواتِ، والمشيِ بحِسِّ اللَّمسِ [754] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/303). .
- قولُه: عَلَى مَكَانَتِهِمْ أي: مَكانِهم، إلَّا أنَّ المكانةَ أخَصُّ، فالمقصودُ مَكانُهم ومَنزِلُهم الَّذي همْ فيه قُعودٌ [755] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/177)، ((تفسير روح البيان)) (7/334). .
- قولُه: فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ كان مُقْتضى المقابَلةِ أنْ يُقالَ: ولا رُجوعًا، ولكنْ عُدِلَ إلى وَلَا يَرْجِعُونَ؛ لِرِعايةِ الفاصلةِ؛ فجُعِل قولُه: وَلَا يَرْجِعُونَ معطوفًا على جُملة فَمَا اسْتَطَاعُوا وليس عطفًا على مُضِيًّا؛ لأنَّ فِعلَ (استطاع) لا يَنصِبُ الجُمَلَ، والتَّقديرُ: فما مَضَوْا ولا رَجَعُوا، فجَعَلْنا لهم العذابَ في الدُّنيا قبْلَ عذابِ الآخِرَةِ، وأَرَحْنا منهم المؤمنينَ، وتَركْناهم عِبرةً ومَوعِظةً لِمَن بعدَهم. وقيل: عُطِفَ قولُه: وَلَا يَرْجِعُونَ على جُملة الشَّرطِ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ ...، أي: لا يَتجدَّدُ لهم بوجهٍ مِن الوجوهِ رُجوعٌ إلى حالتِهم الَّتي كانتْ قبْلَ المَسخِ؛ دَلالةً على أنَّ هذه الأمورَ حَقٌّ، لا كما يقولونَ مِن أنَّها خيالٌ وسِحرٌ، بل ثباتُها لا يُمكِنُ أحدًا مِن الخَلْقِ رفْعُه، ولا تغييرُه بنوعِ تغييرٍ، ولو قيل: (ولا رُجوعًا) لم يُفِدْ هذا المعنى النَّفيسَ [756] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/272)، ((تفسير أبي السعود)) (7/177)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/276)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/52، 53). .
- وقدَّم سُبحانَه المُضيَّ على الرُّجوعِ؛ لأنَّ الرُّجوعَ أهوَنُ مِن المُضيِّ؛ لأنَّ المُضيَّ لا يُنبِئُ عن سُلوكِ الطَّريقِ مِن قَبْلُ، وأمَّا الرُّجوعُ فيُنبئُ عنه، ولا شَكَّ أنَّ سُلوكَ طَريقٍ قد رُئِيَ مرَّةً أهونُ مِن سلوكِ طريقٍ لم يُرَ؛ فقال: «لا يَستطيعونَ مُضيًّا ولا أقَلَّ مِن ذلك»، وهو الرُّجوعُ الَّذي هو أهونُ مِن المُضيِّ [757] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/304). !