موسوعة التفسير

سُورةُ يُونُس
الآيات (48-53)

ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ

غريب الكلمات:

بَيَاتًا: أي: ليلًا، وَقتَ اشتِغالِهم بالنَّومِ، وأصلُ (بيت): يدلُّ على مأوى الإنسانِ باللَّيلِ [656] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 165)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 119)، ((المفردات)) للراغب (ص: 151)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 154)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 252). .
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ: أي: يَستخبِرونَك، والنبأُ: خبرٌ له شأنٌ عظيمٌ. وأصلُ (نبأ): يدلُّ على الإتيانِ من مكانٍ إلى مكانٍ [657] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 142)، ((تفسير ابن جرير)) (12/191)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 461)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/385)، ((المفردات)) للراغب (ص: 788)، ((تفسير القرطبي)) (8/351)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 157)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 200). .
إِي: أي: نَعَم، وهي كلمةٌ موضوعةٌ لتحقيقِ كلامٍ مُتقَدِّمٍ [658] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 105)، ((المفردات)) للراغب (ص: 103)، ((تفسير القرطبي)) (8/351)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 231). .

المعنى الإجمالي:

يُخبِرُ تعالى أنَّ المُشرِكينَ يقولونَ مُخاطبينَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَن اتَّبَعه: متى سيأتي عذابُ اللهِ الذي تَعِدونَنا به إن كُنتم صادقينَ؟
فأمَرَ اللهُ نبيَّه محمَّدًا أن يُجيبَهم: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَقدِرُ على ضَرِّ نَفسِه ولا نَفْعِها، إلَّا ما شاء اللهُ أن يَملِكَه ويقدِرَ عليه، وليس ممَّا يقدِرُ عليه أن يأتيَهم بما سألوا من العذابِ، لكلِّ قَومٍ وقتٌ مُحَدَّدٌ قَدَّرَه اللهُ لانقضاءِ مُدَّتِهم، فإذا جاء ذلك الوقتُ فلا يُؤخَّرونَ عنه ساعةً، ولا يتقَدَّمُ أجَلُهم عنه، وأمَرَه أن يقولَ لهم: أخبِروني إن أتاكم عذابُ اللهِ ليلًا أو نهارًا، ماذا يستعجِلُ المجرمونَ مِن العذابِ سِوى الشَّرِّ الذي لا يستطيعونَ اجتنابَه؟! أثمَّ إذا وقع العذابُ بكم آمَنتُم، حين لا ينفَعُكم الإيمانُ، آلآنَ تؤمِنونَ وقد كنتم تستعجِلونَه مُكَذِّبينَ به؟!
ثمَّ يُبَيِّنُ تعالى أنَّه يُقالُ يومَ القيامةِ للَّذين ظَلَموا أنفُسَهم: ذوقوا العذابَ الدَّائِمَ، فهل يَجزيكم اللهُ إلَّا بما كُنتم تَعمَلونه في الدُّنيا.
ثمَّ يقولُ اللهُ لنبيِّه: يستخبِرُك المُشرِكونَ قائلينَ: أحقٌّ ما تَعِدُنا به؟ قل لهم: نعَم وربِّي، إنَّه لحَقٌّ لا شَكَّ فيه، وما أنتم بمعجزينَ الله، بل هو قادِرٌ عليكم.

تفسير الآيات:

وَيَقُولُونَ مَتَى هَـذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
عَطفٌ على جُملةِ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [يونس: 46] والمناسَبةُ أنَّه لَمَّا بَيَّنَت الآيةُ السَّالفةُ أنَّ تعجيلَ الوعيدِ في الدُّنيا للمُشرِكينَ وتأخيرَه سواءٌ عند الله تعالى؛ إذ الوعيدُ الأتَمُّ هو وعيدُ الآخرةِ- أُتبِعَت بهذه الآيةِ حكايةً لتهكُّمِهم على تأخيرِ الوَعيدِ [659] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/188). .
وَيَقُولُونَ مَتَى هَـذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ.
أي: ويقولُ المُشرِكونَ: متى سيأتينا عذابُ اللهِ إن كُنتُم- أيُّها الرَّسولُ ومَن اتَّبَعَك- صادقينَ فيما تَعِدونَنا به مِن العَذابِ [660] يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 500)، ((تفسير ابن عطية)) (3/124)، ((تفسير ابن كثير)) (4/273)، ((تفسير السعدي)) (ص: 365)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/189). قيل: المرادُ بالوَعدِ: قيامُ السَّاعةِ. وممَّن اختار ذلك: ابن جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/189). وقيل: الوعدُ المذكورُ هو ما هُدِّدوا به من عذابِ الدُّنيا. وممَّن اختار ذلك: ابن عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/189). وممَّن قال بنحو هذا القولِ مِن السَّلفِ ابنُ عبَّاس. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (2/334). ؟!
قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (49).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
أمَرَ اللهُ تعالى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأن يُجيبَ عن شُبهةِ تأخُّرِ الوعيدِ بجوابٍ يحسِمُ المادَّةَ، وهو قولُه: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ والمرادُ أنَّ إنزالَ العذابِ على الأعداءِ، وإظهارَ النُّصرةِ للأولياءِ، لا يَقدِرُ عليه أحَدٌ إلَّا اللهُ سُبحانه، وأنَّه تعالى ما عَيَّنَ لذلك الوعدِ والوعيدِ وقتًا مُعَيَّنًا [661] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (17/262). .
وأيضًا لَمَّا تضَمَّنَ قَولُهم: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ استعجالَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما يتوعَّدُهم به، أمَرَه بأن يتبَرَّأَ من القدرةِ على شيءٍ لم يُقْدِرْه اللهُ عليه [662] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/134). .
قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ.
أي: قُلْ لهم- يا مُحمَّدُ-: لا أقدِرُ على ضَرِّ نَفسي ولا نَفْعِها في ديني ولا دُنياي، إلَّا ما شاء اللهُ أن أملِكَه وأقدِرَ عليه، ولستُ قادرًا على الإتيانِ بما تسألونَني عنه مِن العذابِ [663] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/189، 190)، ((تفسير ابن عطية)) (3/124)، ((تفسير القرطبي)) (8/350)، ((تفسير ابن كثير)) (4/273). .
لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ.
أي: لكلِّ قومٍ وقتٌ محددٌ قدَّره اللهُ لانقضاءِ مُدَّتِهم [664] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/190)، ((تفسير ابن عطية)) (3/124)، ((تفسير ابن كثير)) (4/273). .
إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ.
أي: إذا جاء وقتُ انقضاءِ أجَلِ كلِّ أمةٍ، فلا يُؤخَّرونَ عن ذلك الوَقتِ الذي قدَّرَه اللهُ لهلاكِهم ساعةً، ولا يتقدَّم أجَلُهم عنه [665] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/190)، ((تفسير ابن عطية)) (3/124)، ((تفسير القرطبي)) (8/350)، ((تفسير ابن كثير)) (4/273). .
كما قال تعالى: مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ [الحجر: 5] .
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا كان جُلُّ قَصدِ المُشرِكينَ بِقَولِهم السَّابِقِ: الاستهزاءَ، وكان وقوعُه أمرًا مُمكِنًا، وكان مِن شأنِ العاقِلِ أن يَبعُدَ عن كلِّ خَطَرٍ ممكِنٍ- أمَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بجوابٍ آخَرَ [666] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/136-137). .
وأيضًا فإنَّ هذا جوابٌ ثانٍ عَن قَولِهم: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ باعتبارِ ما يتضَمَّنُه قَولُهم مِن الوَعدِ بأنَّهم يُؤمِنونَ إذا حَقَّ الوَعدُ الذي توعَّدَهم به، وهذا الجوابُ إبداءٌ لخَلَلِ كَلامِهم واضطرابِ استهزائِهم، وقع هذا الأمرُ بأن يُجيبَهم هذا الجوابَ بعد أن أُمِرَ بأن يجيبَهم بِقَولِه: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وهذا الجوابُ واقِعٌ موقِعَ التَّسليمِ الجَدَليِّ بعد أن يُجابَ المُخطئُ بالإبطالِ [667] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/191). .
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا.
أي: قُلْ- يا محمَّدُ- للمُشرِكينَ: أخبِروني إن أتاكم عذابُ اللهِ ليلًا، وقتَ نَومِكم، أو نهارًا، وقتَ اشتغالِكم بمَعاشِكم [668] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/273)، ((تفسير الشوكاني)) (2/513). .
مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ.
أي: أيَّ شيءٍ [669] على اعتبارِ أنَّ (ما) و (ذا) اسمًا واحدًا، في موضع نصب، ويجوز أن يكون (ما) استفهامًا، و(ذا) بمعنى (الذي)، ويكون المعنى: ما الذي يستعجل منه المجرمون؟  كقولك: أيُّ شيء الذي يستعجل منه المجرمون؟ يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (3/24)، ((البسيط)) للواحدي (11/220)، ((تفسير ابن عطية)) (3/124). يَستعجِلُ المُشرِكونَ مِن العذابِ إلا الشَّرَّ الذي لا يستطيعونَ دَفْعَه عن أنفُسِهم [670] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/190)، ((البسيط)) للواحدي (11/221، 222)، ((تفسير السعدي)) (ص: 366)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/193). قال ابنُ عطيَّةَ: (الضميرُ في مِنْهُ يحتملُ أن يعودَ على اللهِ عزَّ وجَلَّ، ويحتملُ أن يعودَ على العَذابِ). ((تفسير ابن عطية)) (3/124). ويُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (3/24)، ((تفسير القرطبي)) (8/350). قال القرطبي: (أي: إنْ أتاكم العذابُ، فما نَفْعُكم فيه؟! ولا يَنفَعُكم الإيمانُ حِينئذٍ). ((تفسير القرطبي)) (8/350). ؟
أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51).
أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ.
أي: أإذا نزَلَ عذابُ اللهِ بكم- أيُّها المُشرِكونَ- آمَنتُم به [671] قيل: المرادُ آمَنتُم بالله، وممَّن اختار ذلك: البغويُّ، وابنُ كثيرٍ، والسعديُّ. يُنظر: ((تفسير البغوي)) (2/422)، ((تفسير ابن كثير)) (4/273)، ((تفسير السعدي)) (ص: 366). وقيل: المرادُ آمَنتُم بالعذابِ. وممَّن اختار ذلك: ابنُ جريرٍ، والواحديُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/190)، ((البسيط)) للواحدي(11/222). حين لا ينفَعُكم الإيمانُ [672] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/190)، ((البسيط)) للواحدي (11/222)، ((تفسير البغوي)) (2/422)، ((تفسير ابن عطية)) (3/124)، ((تفسير السعدي)) (ص: 366). ؟!
قال سبحانه: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ [غافر: 84-85] .
آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ.
أي: آلآنَ تُؤمِنونَ- أيُّها المُشرِكونَ- بعد أن وقَعَ بكم العذابُ، وقد كنتُم قبل مَجيئِه تَستعجِلونَه مُكَذِّبينَ به [673] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/190)، ((البسيط)) للواحدي (11/222)، ((تفسير السعدي)) (ص: 366)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/194). ؟
كما قال تعالى عن فِرعونَ لَمَّا أدرَكَه الغَرَقُ: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس: 90-91] .
ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (52).
ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ.
أي: ثمَّ يُقالُ يومَ القيامةِ للَّذين ظَلَموا أنفُسَهم بالكُفرِ بالله: تجرَّعوا العَذابَ الدَّائمَ الذي لا ينقَطِعُ [674] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/191)، ((تفسير ابن عطية)) (3/125)، ((تفسير القرطبي)) (8/351)، ((تفسير ابن كثير)) (4/273). .
هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ.
أي: يُقالُ للذينَ ظَلَموا: هل يُجازيكم اللهُ إلَّا بما كُنتُم تعملونَ في الدُّنيا من الكُفرِ والتَّكذيبِ والمعاصي [675] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/191)، ((تفسير الشوكاني)) (2/514)، ((تفسير السعدي)) (ص: 366). ؟
كما قال تعالى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور: 13 - 16].
وقال سُبحانه: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا * إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ: 21 - 30] .
وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لما أخبَر عن الكفارِ بقولِه: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [يونس: 48] ، وأجابَ عنه؛ حكَى عنهم أنَّهم رجَعوا إلى الرسولِ مرةً أخرَى في عينِ هذه الواقعةِ، وسألوه عن ذلك السُّؤالِ مرةً أُخرَى [676] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (17/264). .
وأيضًا فإنَّ هذا حِكايةُ فَنٍّ مِن أفانينِ تَكذيبِ المُشرِكينَ، فمَرَّةً يتظاهرونَ باستبطاءِ الوَعدِ استخفافًا به، ومَرَّةً يُقبِلونَ على الرَّسولِ في صورةِ المُستَفهِم الطَّالبِ، فيسألونَه: أهذا العذابُ الخالِدُ- أي: عذابُ الآخرةِ- حَقٌّ؟! فالجملةُ مَعطوفةٌ على جملةِ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ [677] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/195). [يونس: 48] .
وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ.
أي: ويَستخبِرُك المُشرِكونَ- يا محمَّدُ- فيقولونَ لك: أحقٌّ ما تَعِدُنا به [678] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/274)، ((تفسير السعدي)) (ص: 366). ممَّن اختار أنَّ الضميرَ هو يعودُ على البعثِ وقيامِ السَّاعةِ: ابنُ كثيرٍ، والسعدي. يُنظر: المصادر السابقة. وقيل: المرادُ به العذابُ الأُخرويُّ. وممن اختار ذلك: ابنُ جريرٍ، وابنُ عاشورٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/191)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/195). وقيل: المرادُ به العذابُ الدُّنيويُّ. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (17/264). وقال القُرطبي: (قولُه تعالى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أي: يَستَخبرونَك- يا مُحمَّدُ- عن العذابِ وقيامِ السَّاعةِ). ((تفسير القرطبي)) (8/351). ؟
قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ.
أي: قُلْ لهم- يا محمَّدُ-: نعَمْ، وأُقسِمُ بربِّي إنَّ ما وعَدْتُكم به لَحَقٌّ واقعٌ، لا شكَّ فيه، وما أنتم بفائِتي اللهِ؛ فهو قادرٌ عليكم [679] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/191)، ((تفسير القرطبي)) (8/351)، ((تفسير ابن كثير)) (4/274)، ((تفسير السعدي)) (ص: 366). .

الفوائد التربوية:

في قَولِ اللهِ تعالى: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أعظَمُ واعظٍ، وأبلَغُ زاجرٍ لِمَن صار ديدَنُه وهِجِّيراه المُناداةَ لرسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والاستغاثةَ به عندَ نُزولِ النَّوازِلِ التي لا يَقدِرُ على دَفْعِها إلَّا اللهُ سبحانه، وكذلك مَن صار يطلُبُ مِن الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما لا يقدِرُ على تحصيلِه إلَّا اللهُ سُبحانَه، فإنَّ هذا مقامُ رَبِّ العالمينَ الذي خلقَ الأنبياءَ والصَّالحين وجميعَ المخلوقينَ، ورَزَقهم، وأحياهم ويُميتُهم، فكيف يُطلَبُ من نبيٍّ من الأنبياءِ، أو مَلَكٍ من الملائكةِ، أو صالحٍ مِن الصالحينَ ما هو عاجزٌ عنه، غيرُ قادرٍ عليه، ويُترَكُ الطَّلَبُ لِرَبِّ الأربابِ، القادرِ على كلِّ شَيءٍ، الخالق الرزاق، المعطي المانِعُ؟! وحَسبُك بما في هذه الآيةِ مَوعِظةً؛ فإنَّ هذا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ، وخاتَمُ الرُّسُل، يأمُرُه اللهُ بأن يقولَ لعبادِه: لا أملِكُ لِنَفسي ضَرًّا ولا نفعًا، فكيف يملِكُه لِغَيره، وكيف يملِكُه غيرُه- مَن رُتبَتُه دون رُتبَتِه، ومَنزِلَتُه لا تبلُغُ إلى مَنزِلتِه- لنفسِه، فضلًا عن أن يَملِكَه لِغَيرِه، فيا عجبًا لِقَومٍ يعكُفونَ على قبورِ الأمواتِ، الذين قد صاروا تحت أطباقِ الثَّرى، ويطلُبونَ منهم من الحوائِجِ ما لا يقدِرُ عليه إلَّا اللهُ عزَّ وجَلَّ! كيف لا يتيقَّظونَ لِما وقَعوا فيه مِن الشِّركِ، ولا يتنَبَّهونَ لِما حَلَّ بهم من المُخالفةِ لِمَعنى: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ومَدلولِ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [680] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (2/511). ؟!

الفوائد العلمية واللطائف :

1- قَولُ اللهِ تعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ يدلُّ على أنَّ أحدًا لا يموتُ إلَّا بانقضاءِ أجَلِه، وكذلك المقتولُ لا يُقتَلُ إلَّا على هذا الوجهِ [681] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (17/262)، ويُنظر أيضًا: ((شرح العقيدة الطحاوية)) لابن أبي العز (1/127). .
2- قَولُ الله تعالى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ أمَرَ اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُجيبَهم بهذا القَسَمِ، والفائدةُ فيه أمورٌ:
 أحدها: أن يَستَميلَهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويتكَلَّمَ معهم بالكلامِ المُعتادِ، ومن الظَّاهِرِ أنَّ مَن أخبَرَ عن شيءٍ وأكَّدَه بالقَسَمِ، فقد أخرَجَه عن الهَزْلِ، وأدخَلَه في بابِ الجِدِّ. وثانيها: أنَّ النَّاسَ طَبَقاتٌ؛ فمِنهم مَن لا يُقِرُّ بالشَّيءِ إلَّا بالبُرهانِ الحَقيقيِّ، ومنهم من لا ينتَفِعُ بالبُرهانِ الحَقيقيِّ، بل ينتَفِعُ بالأشياءِ الإقناعيَّةِ نحو القَسَمِ [682] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (17/264). .
3- كثرةُ الحَلِفِ مكروهٌ، ولكنْ قد يُستحَبُّ إذا كان فيه مصلحةٌ شرعيَّةٌ، كما أمَرَ اللهُ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ، قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [التغابن: 7] ، قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [683] يُنظر: ((مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية)) للبعلي (ص: 548). [سبأ: 3] .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
قولُه: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فيه حكايةُ قولِهم بصيغةِ المضارِعِ (يَقولون)؛ لِقَصدِ استِحْضارِ الحالةِ، وللدَّلالةِ على تَكرُّرِ صُدورِه مِنهم، والسُّؤالُ مُستعمَلٌ في الاستِبْطاءِ، وهو كِنايةٌ عن عدَمِ اكْتِراثِهم به، وأنَّهم لا يَأْبَهون به؛ لِيَنتقِلَ مِن ذلك إلى أنَّهم مُكذِّبون بحُصولِه بطريقِ الإيماءِ بقَرينةِ قولِهم: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وهُم يُريدون أنَّنا لا نُصدِّقُك حتَّى نرى ما وعَدتَنا؛ كنايةً عن اعتِقادِهم عدَمَ حُلولِه، وأنَّهم لا يُصدِّقون به [684] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/189). .
2- قوله تعالى: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ
قولُه: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا: فيه تقديمُ الضَّرِّ؛ لأنَّ مَساقَ النَّظْمِ لإظهارِ العَجْزِ عنه، وأمَّا ذِكْرُ النَّفعِ فلِتَوسيعِ الدَّائرةِ تَكمِلةً للعَجزِ، وما وقَع في سورةِ الأعرافِ مِن تقديمِ النَّفعِ في قوله: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [الأعراف: 188] ؛ للإشعارِ بأهمِّيَّتِه والمقامُ مَقامُه [685] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4 /151). .
قولُه: إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فيه إظهارُ أَجَلُهُمْ في موقعِ الإضمارِ؛ فعلى القولِ بأنَّ الضَّميرَ في أَجَلُهُمْ جُعِل للأُمَمِ المدلولِ عليها بـ (كلِّ أمَّةٍ)؛ فإظهارُ (الأجَلِ) مُضافًا إليه؛ لإفادةِ المعنى المقصودِ الَّذي هو بُلوغُ كلِّ أمَّةٍ أجَلَها الخاصَّ بها، فالإظهارُ في موقعِ الإضمارِ؛ لزيادةِ التَّقريرِ، والإضافةُ إلى الضَّميرِ؛ لإفادةِ كَمالِ التَّعيينِ، أي: إذا جاءَها أجَلُها الخاصُّ بها [687] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4 /152). .
قولُه: فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ فيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيث قدَّم بيانَ انتفاءِ الاستِئْخارِ على بيانِ انتفاءِ الاستقدامِ؛ لأنَّ المقصودَ الأهَمَّ بيانُ عدَمِ خَلاصِهم مِن العذابِ ولو ساعةً، وذلك بالتَّأخُّرِ، بخِلافِ ما في قولِه تعالى: مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ [الحجر: 5، والمؤمنون:43]، حيث تقدَّم (السَّبقُ) في الذِّكرِ؛ لأنَّ المرادَ بيانُ سِرِّ تأخيرِ عَذابِهم مع استحقاقِهم له حسَبما يُنبِئُ عنه قولُه تعالى: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر: 3] ؛ فالأهَمُّ إذ ذاك بيانُ انتفاءِ السَّبْقِ [688] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/152). .
3- قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ
أمَرَ تعالى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بجوابٍ آخَرَ بعدَ الجوابِ في الآيةِ المتقَدِّمةِ، في قَولِه تعالى: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، حذَف مِن هذا الجوابِ الآخرِ واوَ العطفِ؛ لئلا يُظنَّ أنَّه لا يكفي في كونِه جوابًا إلا بضمِّه إلى ما عُطِف عليه [689] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/136-137). .
قال: بَيَاتًا ولم يَقُل: (لَيْلًا) مع أنَّه أكثَرُ استعمالًا، وأظهَرُ مطابقةً مع النَّهارِ؛ لأنَّ المعهودَ في الاستعمالِ عندَ ذِكرِ الإهلاكِ والتَّهديدِ ذِكرُ البَياتِ، وإنْ قُرِنَ به النَّهارُ [690] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص:248). .
لَمَّا كان أخذُ اللَّيلِ أنكى وأسرَعَ، قَدَّمَه فقال: بَيَاتًا أي: في اللَّيلِ بَغتةً وأنتم نائِمونَ [691] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/136). .
لَمَّا كان الظَّفَرُ ليلًا لا يستلزِمُ الظَّفَرَ نهارًا مُجاهرةً، قال: أَوْ نَهَارًا أي: مُكاشَفةً، وأنتم مُستَيقِظونَ [692] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/136). .
قولُه: مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ يحتملُ أن تَكونَ جملةُ الاستفهامِ جاءت على سبيلِ التَّلطُّفِ بهم، والتَّنبيهِ لهم على أنَّ العذابَ لا ينبَغي أن يُستعجَلَ، ويجوزُ أن تكونَ الجملةُ جاءَت على سبيلِ التَّعجُّبِ والتَّهويلِ للعذابِ، أي: أيَّ شيءٍ شديدٍ تَستعجِلون مِنه، أي: ما أشدَّ وأهوَلَ ما تستَعجِلون مِن العذابِ [693] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/68). ! ويحتملُ أنَّ الاستفهامَ مُستعمَلٌ في الإنكارِ عَليهم، وفي التَّعجُّبِ مِن تَعجُّلِهم العذابَ بنِيَّةِ أنَّهم يُؤمِنون به عندَ نُزولِه [694] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/192). .
وقولُه أيضًا: مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ فيه إظهارٌ في مَقامِ الإضمارِ، حيث لم يَقُلْ: (ماذا يَستعجِلون منه)؛ لِقَصدِ التَّسجيلِ عليهم بالإجرامِ، وللتَّنبيهِ على خطَئِهم في استعجالِ الوعيدِ؛ لأنَّه يأتي عليهم بالإهلاكِ فيَصيرون إلى الآخرةِ [695] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/193). ، فإنَّهم لِجُرمِهم ينبغي أن يَفزَعوا من مجيءِ الوَعيدِ لا أن يَستعجِلوا [696] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (2/24). .
4- قوله تعالى: أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
قولُه: أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ استفهامٌ مستعمَلٌ في الإنكارِ بمعنى التَّغليطِ، وإفسادِ رأيِهم؛ فإنَّهم وعَدوا بالإيمانِ عند نزولِ العذابِ؛ استِهْزاءً مِنهم، فوقَع الجوابُ بمُجاراةِ ظاهرِ حالِهم، وبيانِ أخطائِهم [697] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/194). .
قولُه: آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ الاستفهامُ في آلآنَ استفهامٌ إنكاريٌّ عن حصولِ إيمانِهم عند حُلولِ ما توَعَّدهم؛ فعبَّر عن وقتِ وُقوعِه باسمِ الزَّمانِ الحاضرِ، وهو (الآنَ)؛ حكايةً للِسانِ حالِ مُنكِرٍ عليهم في ذلك الوقتِ؛ استحضَر حالَ حُلولِ الوعدِ، كأنَّه حاضرٌ في زمنِ التَّكلُّمِ، وهذا الاستحضارُ مِن تخييلِ الحالةِ المستقبَلةِ واقعةً [698] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/194). .
قولُه: وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ يُفيدُ تَشديدَ التَّوبيخِ والتَّقريعِ، وزيادةَ التَّنديمِ والتَّحسيرِ؛ وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ بِهِ على الفعلِ تَسْتَعْجِلُونَ؛ للاهتمامِ بالوعدِ الَّذي كذَّبوا به، ولِمُراعاةِ الفواصلِ [699] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/153)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/194). .
5- قوله تعالى: ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ
في الإتيانِ بـ (ثُمَّ) إشارةٌ إلى تراخي ذلك عن الإهلاكِ في الدُّنيا بالمُكثِ في البَرزخِ، أو إلى أنَّ عَذابَه أدنى مِن عذابِ يَومِ الدِّينِ [700] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/138). .
قولُه: ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ فيه استعمالُ صِيغةِ المُضِيِّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا في معنى المستقبَلِ؛ تَنبيهًا على تحقيقِ وُقوعِه، مِثلُ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ [701] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/195). [النحل:1] .
وقولُه: لِلَّذِينَ ظَلَمُوا فيه إظهارٌ في مَقامِ الإضمارِ- حيث لم يَقُلْ: (قيل لهم)- فوضَع الموصولَ موضِعَ الضَّميرِ؛ لِتَسجيلِ وصفِ الظُّلمِ عليهم، أي: لِذَمِّهم بما في حيِّزِ الصِّلةِ، وللإشعارِ بعِلِّيَّتِه لإصابةِ ما أصابَهم [702] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4 /153)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/195). .
وقولُه: هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ الاستفهامُ إنكاريٌّ بمعنى النَّفيِ؛ ولذلك جاء بعدَه الاستثناءُ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ، وفيه توبيخٌ لهم، وتوضيحُ أنَّ الجزاءَ هو على كَسْبِ العبدِ [703] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/70)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/195). .
قَولُ الله تعالى: هَلْ تُجْزَوْنَ بناه للمَفعولِ؛ لأنَّ المُخيفَ مُطلَقُ الجَزاءِ [704] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/138). .
6- قولُه تعالى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ
الاستِفْهامُ في قولِه: أَحَقٌّ هُوَ استفهامٌ على جهةِ الإنكارِ والاستهزاءِ [705] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/352)، ((تفسير أبي حيان)) (6/71). .
وقولُه أيضًا: أَحَقٌّ هُوَ فيه تقديمُ الخبَرِ (حقٌّ) على المبتدَأِ هُوَ؛ للاهتمامِ به [706] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/154). .
قولُه: قُلْ إِيْ وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ فيه زيادةُ توكيدٍ بإظهارِ الجملةِ الَّتي كانَت تُضمَرُ بعدَ قولِه: إِيْ وَرَبِّي، وهي مَسوقةٌ مُؤكَّدةٌ بـ(إنَّ) واللَّامِ؛ مُبالَغةً في التَّوكيدِ في الجوابِ [707] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/71). .