موسوعة التفسير

سُورةُ النِّساءِ
الآيات (36- 42)

ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ

غريبُ الكَلِمات:

وَالْجَارِ الْجُنُبِ: أي: الَّذي ليس بينه وبين جارِه قَرابة، أو مَن يقرُبُ مسكنُه مِن الجارِ، أو الغريبُ، وأصْل الجوار: الميل؛ وسُمِّي الجار جارًا لميلِه إلى جاره، والجنابة: البُعد؛ يُقال: رجلٌ جُنُب، أي: غريبٌ يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 126)، ((المفردات)) للراغب (ص: 206، 211)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 64)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 138)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 355). .
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ: أي: الصَّاحِبِ إلى الجَنْبِ القَريبِ مِنْه، ويَدخُل فيه الرَّفيقُ في السَّفرِ وغَيرِه, والمرأةُ, والملازِمُ للمَرءِ رجاءَ نفْعِه؛ لأنَّ كلَّهم بجَنبِ الذي هو مَعَه وقريبٌ منه، وأصْل (صحب): يدلُّ على مُقارنةِ شَيءٍ ومُقاربتِه يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 127)، ((تفسير الطبري)) (7/16)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 173)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/335)، ((المفردات)) للراغب (ص: 205)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 355). .
وَابْنِ السَّبِيلِ: المنقطِع الضَّعيف ببلدٍ يُريد بلدًا آخرَ، أو المسافِر البعيد عن منزلِه، ويُطلَق كذلك على الضَّيف، ونُسِب إلى السَّبيل؛ لممارستِه إيَّاه، والسَّبيل: الطَّريق الَّذي فيه سهولة يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 127)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 173، 368)، ((المفردات)) للراغب (ص: 395)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 26، 141)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 139، 183)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 34). .
مُخْتَالًا: ذا خيلاءَ، أو مُتكبِّرًا يأنَفُ ويَستنكِفُ عن قَراباتِه وجِيرانه وأصحابِه لفقرِهم، والمختالُ البَطِرُ في مِشيتِه، وهو اسمُ فاعلٍ، مِن (اختال)، وألِفُه منقلبةٌ عن ياء؛ لقولهم: الخُيلاء والمخيلة يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/245)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 64)، ((تفسير أبي حيان)) (3/609)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 139)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 885). .
فَخُورًا: الَّذي يُعدِّد مناقبَه كِبْرًا وتطاولًا، والفَخرُ: المباهاةُ في الأشياءِ الخارجة عن الإنسانِ؛ كالمالِ والجاهِ، وأصل فخر يدل على عِظَم وقِدَم يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/480)، ((المفردات)) للراغب (ص: 627)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 139). .
وَأَعْتَدْنَا: من العَتَادِ، وقيل: أصله: أَعدَدْنا، فأبدلَ من إحدى الدَّالين تاء، والعتاد: ادِّخارُ الشَّيءِ قبل الحاجة إليه؛ كالإعداد، والعَتيد: الشَّيء المُعدُّ، وأصل (عتد): يدلُّ على حُضور وقُرب، ويدلُّ على تهيئة الشَّيء يُنظر: ((العين)) للخليل (2/29)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/216)، ((المفردات)) للراغب (ص: 545، 550). .
رِئَاءَ النَّاسِ: أي: مراءاةً، وأصل الرِّياء: فِعلُ شيءٍ ليراه النَّاس يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/473)، ((المفردات)) للراغب (ص: 375). .
قَرِينًا: أي: الشَّيطان المقرون بالإنسان لا يُفارقُه، أو مقارنًا لاصقًا، مِن: قرنت الشَّيء بالشَّيء، ويُطلق القرين كذلك على: المصاحِب، وأصل (قرن): جمعُ شيءٍ إلى شيء يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/76)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 139)، ((تاج العروس)) للزبيدي (35/541). .
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ: أي: زِنَةَ نَملةٍ صَغيرة؛ يُقال: هذا على مثقالِ هذا، أي: على وزنِ هذا. وأصل الثِّقَل: ضدُّ الخفَّة، والذَّرَّة جمْعها: ذَرٌّ، وهي أصغرُ النَّملِ، وتُطلَق كذلك على ما لا وزنَ له، وما يَرفَعُه الرِّيح من التُّرابِ، وأجزاء الهواء في الكوَّةِ يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 127)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 455)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/382)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 139)، ((تاج العروس)) للزبيدي (28/157). .
لَدُنْهُ: أي: عِنده، أو لديه، لكن (لَدُن) أخصُّ من (عند) ينظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/243)، ((المفردات)) للراغب (ص: 739)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 140)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 801). .
بِشَهِيدٍ: أي: شاهِد، أو مُشاهِد للشَّيء، والشَّهادة: قولٌ صادرٌ عن عِلم حصَل بمشاهدةِ بصيرةٍ أو بصَر، وأصل شهد: حضور، وعِلم، وإعلام يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 65)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/221)، ((المفردات)) للراغب (ص: 465- 467). .
لو تُسَوَّى بِهِمُ: أي لو يُدخَلون فيها حتى تعلُوَهم، أو يكونون ترابًا، فيستوون معها حتَّى يَصيروا وهي شيئًا واحدًا، أو يَهلِكون فيها، وأصل (سوي): استقامةٌ واعتدالٌ بين شيئين يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عُبيدة (1/128)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 127)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/112)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 64)، ((تاج العروس)) للزبيدي (38/333). .

المَعْنى الإجماليُّ:

يأمُرُ اللهُ تعالى عبادَه بعِبادته وَحْدَه، وذلك بالتَّذلُّلِ له، والخضوعِ له بالطَّاعة، مخلِصين له العبادة، غيرَ مشركين فيها معه غيرَه، كما أمرهم بالإحسانِ إلى الوالدَين، وإلى الأقارب، وأن يُحسنوا إلى اليتامى، وذَوِي الحاجاتِ الَّذين لا يجدون كفايتَهم، وإلى الجار الَّذي تربطهم به القرابة، والجار الَّذي لا قرابةَ بينهم وبينه، وأمرهم كذلك بالإحسان في صحبةِ كلِّ مصاحبٍ ومرافقٍ لهم؛ كرفيق السفر، وكالزَّوجة، وكذلك أن يُحْسِنوا إلى المسافرِ الَّذي يمرُّ بهم مجتازًا، وأن يُحسنوا إلى مَن يملِكونه مِن بَشَرٍ رقيقٍ، أو حيوانٍ، فإنَّ الله تعالى لا يحبُّ مَن كان معجَبًا بنفسه، متكِّبرًا على الخَلْق، ومَن يُثني على نفسِه ويمدَحُها فخرًا وبَطَرًا على الخَلْق، هؤلاء هم الَّذين يُمسِكون أموالَهم عن الإنفاقِ فيما أمَر الله تعالى، كما يُمسكون ما آتاهم اللهُ مِن علمٍ عن بذلِه للنَّاس، بل ويأمرون غيرَهم بالإمساكِ أيضًا، ويُخفون ما أنعَم اللهُ به عليهم من مالٍ أو عِلمٍ، وأعدَّ اللهُ لهؤلاء الكافرين الَّذين ذكَر صفاتِهم عقابًا مُخزيًا ومُذِلًّا.
وممَّا يتَّصفون به كذلك: أنَّهم يُنفِقون أموالَهم ليراهم النَّاسُ ويُثنوا عليهم، ولا يؤمِنون بالله ولا باليومِ الآخِرِ، سوَّل لهم الشَّيطانُ تلك الأفعالَ، ومَن يكُنْ للشَّيطانِ مُصاحِبًا، فيُطِعْه فيما يُمليه عليه، فبئس الصَّاحبُ هو.
وأيُّ حرجٍ ومشقَّة سيُصيبُ هؤلاء لو أنَّهم آمنوا باللهِ وباليوم الآخِرِ، وأنفَقوا ممَّا تفضَّل اللهُ به عليهم، وكان اللهُ بهم عليمًا.
ثمَّ يُبيِّنُ تعالى أنَّه لا يظلِمُ أحدًا مِن خَلْقِه شيئًا ولو قلَّ، وإن تكُنْ حسنة فإنَّه تعالى يضاعفُها لفاعلها، ويُعطي مِن عنده ثوابًا عظيمًا.
فكيف تكونُ الحالُ يوم القيامة إذا جاء اللهُ بشهيد مِن كلِّ أمَّةٍ، وهم الأنبياءُ، يشهَدون على أُمَمهم، وإذا جاء اللهُ بمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم شهيدًا على هذه الأمَّة، ذلك اليوم يتمنَّى مَن كفَر بالله وعصَى رسولَه لو ابتلعَتْهم الأرضُ فلا يُحاسَبون، وفي ذلك اليومِ يعترفون بكلِّ ما فعَلوه، ولا يُخفونَ عن اللهِ شيئًا.

تفسير الآيات:

وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا أرشَد اللهُ سبحانه وتعالى كلَّ واحدٍ من الزَّوجين إلى المعامَلةِ الحسَنة مع الآخَرِ، وإلى إزالة الخصومة، أرشَد في هذه الآيةِ إلى سائرِ الأخلاق الحسَنة فأمره بالإحسانِ إلى الوالدَيْنِ، وإلى مَن عطَفَه على الوالدَيْنِ ممَّن ذُكر في الآية، فجاءت حثًّا على الإحسانِ، واستطرادًا لمكارمِ الأخلاق، وأنَّ المؤمنَ لا يكتفي مِن التَّكاليفِ الإحسانيَّة بما يتعلَّق بزوجتِه فقط، بل عليه غيرُها من برِّ الوالدَيْنِ وغيرِهم، وافتتح التَّوصُّلَ إلى ذلك بالأمرِ بإفرادِ الله تعالى بالعبادةِ؛ إذ هي مبدأُ الخيرِ الَّذي تترتَّبُ الأعمالُ الصَّالحةُ عليه يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/75)، ((تفسير أبي حيان)) (3/631). فقال:
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
أي: تذلَّلوا لله تعالى، واخضَعوا له بطاعتِه سبحانه، وأَخلِصوا العبادةَ له وحْدَه، دون أنْ تُساووا بينه وبين غيرِه فيما له من حقوقٍ على عباده يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/5)، ((تفسير ابن كثير)) (2/297-298)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/304). .
قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمعاذٍ: ((أتَدْري ما حقُّ اللهِ على العِباد؟ قال: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: أنْ يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا، ثمَّ قال: أَتَدْري ما حقُّ العِبادِ على الله إذا فَعَلوا ذلك؟ ألَّا يُعذِّبَهم )) رواه البخاري (6267) ومسلم (30). .
 ولَمَّا أمَر اللهُ تعالى بعبادته، والقيام بحقِّه، أمَر بالقيام بحقوقِ العبادِ الأقربِ فالأقرب يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 178). ، فقال:
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
أي: أحسِنوا إلى الوالدَيْنِ، بالقولِ الكريمِ، والخطاب اللَّطيفِ، وطاعةِ أمرِهما، واجتنابِ نهيهما، وبغيرِ ذلك من أنواع البِرِّ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/5)، ((تفسير ابن كثير)) (2/298)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/304-305). .
وَبِذِي الْقُرْبَى
مُناسَبتُها لِمَا قَبلَها:
نصَّ على الوالدَيْنِ أوَّلًا، وثنَّى بالقَرابة؛ وذلك لأنَّه لا قرابةَ إلَّا بواسطة الوالدَيْنِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/305). ، فقال سبحانه:
وَبِذِي الْقُرْبَى
أي: وأحسِنوا إلى أقاربِكم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/5-6)، ((تفسير ابن كثير)) (2/298)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178). .
وَالْيَتَامَى
أي: وأحسِنوا إلى اليتامى (وهم الَّذين فقَدوا آباءَهم ممن دون سنِّ البلوغِ) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/5-6)، ((تفسير ابن كثير)) (2/298)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178). .
وَالْمَسَاكِينِ
أي: وأحسِنوا كذلك إلى ذَوي الحاجاتِ، الَّذين لا يَجِدون ما يقومُ بكِفايتِهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/5-6)، ((تفسير ابن كثير)) (2/298)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178). .
وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى
أي: وأحسِنوا إلى جارِكم الَّذي بينكم وبينه قَرابةٌ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/8)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/306). .
وَالْجَارِ الْجُنُبِ
أي: وأحسِنوا كذلك إلى جارِكم الَّذي ليس بينكم وبينه قرابةٌ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/10-11)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/306). .
عن عبدِ الله بن عمرَ رضِي اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما زالَ جِبريلُ يوصيني بالجَارِ، حتَّى ظنَنتُ أنَّهُ سيورِّثُهُ )) رواه البخاري (6015)، ومسلم (2625). .
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ
أي: وأحسِنوا صُحبةَ مَن يصحَبُكم ويُرافِقُكم؛ كالرَّفيقِ في السَّفرِ، وكالزَّوجة يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/16-17)، ((تفسير السعدي)) (1/178)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/307). .
وَابْنِ السَّبِيلِ
أي: وأحسِنوا إلى المسافرِ، الَّذي يمرُّ عليكم مجتازًا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/18-19)، ((تفسير ابن كثير)) (2/301)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/307). .
وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
أي: وأحسِنوا إلى ما تملِكون مِن البشر (وهم الرَّقيق) يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/51)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/307-308). .
عن خَيْثَمَةَ قال: ((كنَّا جلوسًا مع عَبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، إذ جاءَه قَهْرَمانٌ له القَهْرَمان-بفَتْحِ القافِ والرَّاءِ وسُكونِ الهاءِ بينهما-: لفظٌ فارسيٌّ معرَّبٌ، وهو الخَازنُ القائِمُ بِحَوائجِ الإنسانِ وأُمورِه، والوكيلُ، والحافِظُ لِمَا تحتَ يدِه، وقِيل: هو مِن أُمناءِ المَلِكِ وخَاصَّتِه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/129)، ((شرح النووي على مسلم)) (7/82)، ((تاج العروس)) للزَّبيدي (33/322). ، فدخَل. فقال: أعطيتَ الرَّقيقَ قُوتَهم؟ قال: لا. قال: فانطلِقْ فأعطِهم، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كفَى بالمرءِ إثمًا أن يَحبِسَ عمَّن يملِكُ قُوتَه )) رواه مسلم (996). .
وعن أبي هريرةَ رضِي اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((للمَملوكِ طعامُه وكسْوَتُه، ولا يُكَلَّفُ من العَملِ إلَّا ما يُطيقُ )) رواه مسلم (1662). .
وعن أبي هريرةَ رضِي اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((إذا أتَى أَحدَكم خادِمُه بطَعامِه، فإنْ لم يُجلِسْه معَه، فليُناوِلْه لُقمةً أو لُقمتينِ، أو أُكْلةً أو أُكْلتَينِ؛ فإنَّه ولِيَ علاجَه )) رواه البخاري (2557). .
وعن أبي ذَرٍّ رضِي اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((إخوانُكم خَوَلُكم، جعلَهم اللهُ تحتَ أيديِكم، فمَن كان أخوه تحتَ يدِه، فلْيُطعِمْه ممَّا يأكُلُ، وليُلْبِسه ممَّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإنْ كلَّفتُموهم فأعينُوهم )) رواه البخاري (30). .
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا
مُناسَبتُها لِمَا قَبلَها:
لَمَّا أمَر اللهُ تعالى بالإحسانِ للأصنافِ المذكورةِ وإكرامِهم، كان في العادةِ أنْ ينشأَ عمَّن اتَّصَف بمكارمِ الأخلاقِ أنْ يَجدَ في نفسِه زهوًا وخُيلاءَ، وافتخارًا بما صدَر منه من الإحسانِ، وكثيرًا ما افتخَرتِ العربُ بذلك وتعاظَمَتْ في نثرِها ونَظْمِها به، فأراد تعالى أن ينبِّهَ على التَّحلِّي بصفةِ التَّواضُعِ، وألَّا يتكبَّرَ على مَن أحسَنَ إليه، وألَّا يفخَرَ عليه؛ كما قال تعالى: لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة: 264] ، فنفى تعالى محبَّتَه عن المتحلِّي بهذينِ الوصفَينِ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/634). .
وأيضًا لَمَّا ذكَر اللهُ تعالى الأمرَ بعبادتِه، والإحسان إلى عبادِه، ذكَر موانعَ هذا الإحسانِ الغالبةَ على البشَرِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/19)، ((تفسير ابن كثير)) (2/301)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/307). ، فقال جلَّ وعلا:
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا
أي: إنَّ الله تعالى لا يحبُّ مَن كان ذا خُيَلاءَ، معجَبًا بنفسِه متكبِّرًا على الخَلْق، فلا يقوم بما أوجَبه اللهُ تعالى عليه من حقوقٍ، فَخُور بقولِه، فيُثني على نفسِه، ويمدَحُها على وجهِ الفخرِ والبطَرِ على عباد اللهِ تعالى بما أعطاه من النِّعم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/19)، ((تفسير ابن كثير)) (2/301)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/307). .
عن عبد الله بن عمر رضِي اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((من جرَّ ثوبَه خُيَلاءَ، لم ينظرِ اللهُ إليه يومَ القيامةِ )) رواه البخاري (3665) واللفظ له، ومسلم (2085). .
وعن عبد الله بن عمرَ رضِي اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((بينما رَجُلٌ يَجرُّ إزارَه من الخُيلاءِ خُسِفَ به، فهو يتجَلْجَلُ يَتجَلْجَل: أي: يَغُوصُ في الأَرضِ حِينَ يُخسَفُ به، أوْ يَتَحَرَّكُ ويَنزِلُ مُضطَرِبًا. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/284)، ((شرح النووي على مسلم)) (14/64). في الأرضِ إلى يومِ القيامةِ )) رواه البخاري (3485). .
وعن عِياضٍ رضِي اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((وإنَّ اللهَ أَوْحى إليَّ أنْ تواضَعوا؛ حتى لا يَفخرَ أحدٌ على أحدٍ، ولا يَبغيَ أحدٌ على أحدٍ )) رواه مسلم (2865). .
وعن أبي مالكٍ الأشعريِّ رضِي اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((أربعٌ في أمَّتي مِن أمرِ الجاهليَّةِ، لا يَتركونهنَّ- وذَكَر منها-: الفَخْر في الأحسابِ )) رواه مسلم (934). .
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37)
مُناسَبتُها لِمَا قَبلَها:
لَمَّا ذكَر اللهُ تعالى ذمَّ المُختالِ الفَخور، شرَع في بيان صِفاتِه، فقال جلَّ وعلا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/21)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/316). :
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ
أي: إنَّ اللهَ تعالى لا يحبُّ المختالَ الفخورَ الَّذي يُمسِك مالَه عن الإنفاق فيما أمَره الله تعالى به؛ كالإحسانِ إلى الوالدَيْنِ، والأقاربِ واليتامى والمساكين، والجارِ ذي القربى، والجارِ الجُنُب، والصَّاحبِ بالجَنْبِ، وابنِ السَّبيل، وما ملَكتِ الأيمانُ، ولا يدفعون حقَّ الله فيها، ويأمُرون النَّاسَ بالبخلِ أيضًا بأقوالِهم وأفعالِهم، ومِن البُخلِ كذلك: البُخلُ بالعِلم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/21، 22، 25)، ((تفسير ابن كثير)) (2/302)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/316-318). .
عن جابرِ بن عبد الله رضِي اللهُ عنهما، قال: ((قال لي رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو قدْ جاء مالُ البحرينِ، لقدْ أعطيتُك هكذا وهكذا- ثلاثًا- فلم يَقدَمْ مالُ البحرينِ حتَّى قُبِض رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا قدِم على أبي بكرٍ، أمَر مناديًا فنادَى: مَن كان له عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَيْنٌ أو عِدَةٌ فليأتِني، قال جابرٌ: فجئتُ أبا بكرٍ فأخبرتُه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: لو جاءَ مالُ البحرينِ أعطيتُك هكذا وهكذا- ثلاثًا- قال: فأعطاني، قال جابرٌ: فلقيتُ أبا بكرٍ بعدَ ذلك فسألتُه فلم يُعطِني، ثمَّ أتيتُه فلم يُعطِني، ثمَّ أتيتُه الثَّالثةَ فلم يُعطِني، فقُلْتُ له: قد أتيتُك فلم تُعطِني، ثمَّ أتيتُك فلم تُعطِني، ثمَّ أتيتُك فلم تُعطِني، فإمَّا أن تُعطيَني وإمَّا أن تبخَلَ عنِّي، فقال: أقُلْتَ: تبخَلُ عني؟ وأيُّ داءٍ أَدْوَأُ من البُخلِ؟! قالها ثلاثًا، ما منعتُك من مرَّةٍ إلَّا وأنا أُريد أنْ أعطيَك! وعن عمرو، عن محمَّد بن علي: سمعتُ جابرَ بن عبد الله يقول: جئتُه، فقال لي أبو بكر: عُدَّها، فعدَدْتُها، فوجدتُها خَمسَ مئةٍ، فقال: خُذْ مِثلَها مرَّتينِ )) رواه البخاري (4383). .
وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
أي: إنَّ البَخيلَ بالمالِ يُخفِي عن النَّاسِ ما لَدَيه من أموالٍ، فلا يُظهِر أثَرَ نِعمةِ الله تعالى عليه، ولا تَبِينُ في أكلِه ولا في ملبَسِه، ولا في غيرِهما؛ لأجل ألَّا يطلُبَ أحدٌ مالًا منهم، ولا يَلومهم أحدٌ إذا بَخِلوا، ويُخفي كذلك ما لَدَيه من عِلمٍ، فلا يُظهِرُه للنَّاس ليَسترشِدوا به، ومِن ذلك: إخفاءُ اليهودِ لصفةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وأمْرِ بَعثتِه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/25)، ((تفسير ابن كثير)) (2/303)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/318). .
وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
أي: إنَّ هؤلاء الكفَّارَ الَّذين يبخَلون ويأمُرون النَّاسَ بالبُخل، ويكتمون ما آتاهم اللهُ تعالى من فضلِه، قد هيَّأ اللهُ عزَّ وجلَّ لهم ولكلِّ كافرٍ عقابًا مُذلًّا مخزيًا، جزاءً على كفرِهم واستكبارِهم على أداء حقوقِ الله تعالى وحقوقِ عباده يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/25)، ((تفسير ابن كثير)) (2/303)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/319). .
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
ولَمَّا ذمَّ سبحانه وتعالى المُقْتِرين، أتبَعَه ذمَّ المسرِفين المبذِّرين فقال يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/279). :
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ
أي: ومِن صفاتِهم أيضًا: أنَّهم يبذُلون أموالَهم من أجلِ أن يراهم النَّاسُ فيُثنوا عليهم، ويمدحوهم بالكرمِ والعطاءِ، لا يُريدون بذلك وجهَ الله تعالى يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/26)، ((تفسير ابن كثير)) (2/303)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/321). .
وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ
أي: إنَّهم لا يُؤمِنون باللهِ تعالى فيتقرَّبوا إليه، ولا يؤمِنون باليومِ الآخِرِ فيرجوا ثوابَه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/26)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/321-322). .
وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا
أي: إنَّما حمَلهم على صَنيعِهم القبيحِ هذا، وعدُولِهم عن فِعلِ الطَّاعة على وجهِها: الشَّيطانُ؛ فإنَّه سوَّل لهم وأمْلَى لهم، وقارنَهم فحَسَّن لهم القبائحَ، فمن يكُنِ الشَّيطانُ له خليلًا وصاحبًا يعمَلُ بطاعتِه ويتَّبعُ أمرَه فبئس الصَّاحبُ هو؛ لأنَّه يريدُ إهلاكَ مَن قارَنه، ويَسعى فيه أشدَّ السَّعي؛ إذ يأمُرُه بالمنكَرِ، ويَنهاه عن المعروفِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/27)، ((تفسير ابن كثير)) (2/303)، ((تفسير السعدي)) (ص: 178)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/322-323). .
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ
أي: وأيُّ حرجٍ ومشقَّةٍ تلحَقُ هؤلاء لو سلَكوا الطَّريقَ الحميدةَ، بالإيمانِ باللهِ تعالى، والإخلاصِ له، والإيمان باليومِ الآخِرِ ورجاءِ ثوابه، وأنفَقوا ممَّا أعطاهم اللهُ تعالى فيما يحبُّه ويرضاه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/28)، ((تفسير ابن كثير)) (2/304)، ((تفسير السعدي)) (ص: 179)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/326-327). ؟!
وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا
أي: إنَّ اللهَ تعالى عليمٌ بنيَّاتهم وأحوالِهم وأعمالِهم، وهو حافظٌ لها، ومجازيهم عليها يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/28). ، وعليمٌ بمن يستحقُّ التَّوفيقَ منهم، فيوفِّقُه ويُلهمُه رُشدَه، ويُقيِّضه لعملٍ صالحٍ يرضى به عنه، وبمن يستحقُّ الخِذلانَ والطَّردَ عن جَنابِه الأعظمِ يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/304). ، وهو عليمٌ أيضًا بما هم عليه مِن كُفرٍ، وبما هم عليه لو آمَنوا باللهِ سبحانه وتعالى يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/327). .
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا قال الله تعالى: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ [النساء: 39] فكأنَّه قال: فإنَّ اللهَ لا يظلمُ مَن هذه حالُه مثقالَ ذرَّةٍ، وإن تك حسنةً يضاعِفْها، فرغَّبَ بذلك في الإيمانِ والطَّاعةِ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/80). :
وأيضًا لَمَّا أمر اللهُ تعالى بعبادته تعالى، وبالإحسانِ للوالدَيْنِ ومَن ذُكِر معهم، ثمَّ أعقَب ذلك بذمِّ البُخلِ والأوصاف المذكورةِ معه، ثمَّ وبَّخ مَن لم يؤمِنْ، ولم يُنفِقْ في طاعةِ الله، كان هذا كلُّه توطئةً لذِكرِ الجزاءِ على الحسَناتِ والسَّيِّئاتِ، فأخبَر تعالى بصفةِ عدلِه، وأنَّه عزَّ وجلَّ لا يظلِمُ أدنى شيء وبيَّن أنَّه لا يظلِمُ أحَدًا من العاملين بتلك الوصايا، قليلًا أو كثيرًا، بل يُوفِّيه حقَّه بالقِسطاسِ المستقيمِ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/642)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (5/85).. فقال:
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
أي: إنَّ اللهَ تعالى لا يبخَسُ أحَدًا مِن خَلْقِه حقَّه، ولو قدْرَ وزنِ ذرَّةٍ منه، فلا ينقصُ من حسناتِ عبدِه، ولا يَزيدُ في سيِّئاتِه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/28)، ((تفسير السعدي)) (ص: 179)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/329-330). .
وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا
أي: وإن توجَدْ حسنةٌ، فإنَّ اللهَ تعالى يضاعِفُها إلى عَشْرِ أمثالِها، إلى سَبعِمائةِ ضِعفٍ، إلى أضعافٍ كثيرة يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/34)، ((تفسير السعدي)) (ص: 179)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/330). .
قال اللهُ تعالى حكايةً عن لقمان: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان: 16] .
وقال اللهُ سبحانه: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47] .
وقال اللهُ عزَّ وجلَّ: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 6- 8] .
عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضِي اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا يَدخلُ النَّارَ أحدٌ في قلبِه مثقالُ حبَّةِ خردلٍ من إيمانٍ )) رواه مسلم (91). .
وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا
أي: إنَّ اللهَ تعالى يُعطيه مِن عندِه أيضًا ثوابًا عظيمًا لا يتصوَّرُه إنسانٌ (قيل: هو الجنَّة) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/37)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/330). .
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا بيَّن الله تعالى أنَّ في الآخرةِ لا يجري على أحدٍ ظُلمٌ، وأنَّه تعالى يجازي المحسِنَ على إحسانِه، ويَزيدُه على قدرِ حقِّه، بيَّن تعالى في هذه الآية أنَّ ذلك يجري بشَهادةِ الرُّسلِ الَّذين جعَلهم اللهُ الحُجَّةَ على الخَلْقِ؛ لتكونَ الحُجَّةُ على المسيءِ أبلَغَ، والتَّبكيتُ له أعظمَ، وحسرتُه أشدَّ، ويكونَ سرورُ مَن قَبِلَ ذلك مِن الرَّسول وأظهَر الطَّاعةَ أعظمَ، ويكونَ هذا وعيدًا للكفَّارِ الَّذين قال اللهُ فيهم: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء: 40] ، ووعدًا للمُطِيعين الَّذين قال اللهُ فيهم: وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا [النساء: 40] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/83). .
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ
أي: فكيف تكون الحالُ يوم القيامة حين يأتي اللهُ تعالى مِن كلِّ أمَّةٍ بشَهيدٍ، وهم الأنبياءُ عليهم السَّلامُ، فيشهَدون على أُمَمِهم بأعمالِها, وتصديقِ رسلِها, أو تكذيبِهم، وتبليغِهم رسالةَ ربِّهم عزَّ وجلَّ؟ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/37-38)، ((تفسير ابن كثير)) (2/306)، ((تفسير السعدي)) (ص: 179)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/334). .
وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا
أي: وكيف تكون الحالُ أيضًا إذا شهِد محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم على أمَّتِه بأنَّه بلَّغ رسالةَ ربِّه سبحانه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/38)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/335-336). ؟
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضِي اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال له: ((اقْرَأْ عَلَيَّ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أقرَأُ عليكَ وعليكَ أُنزِلَ؟! قال: نعمْ، فقرأتُ سورةَ النِّساءِ، حتَّى أتيتُ إلى هذه الآية: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء: 41] ، قال: حسْبُكَ الآن، فالتفتُّ إليهِ فإذا عيناه تذْرِفان )) رواه البخاري (5050). .
يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
الآيةُ استئنافٌ بيانيٌّ؛ لأنَّ السَّامعَ يتساءلُ عن الحالةِ المبهَمة المدلولة لقوله: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [النساء: 41] ويتطلَّبُ بيانَها، فجاءت هذه الجملةُ مبيِّنةً لبعضِ تلك الحالةِ العجيبة، وهي حالُ الَّذين كفَروا حين يرَوْن بوارقَ الشَّرِّ: مِن شهادةِ شُهداءِ الأممِ على مؤمنِهم وكافرِهم، ويوقِنون بأنَّ المشهودَ عليهم بالكفرِ مأخوذون إلى العذابِ، فينالُهم مِن الخوفِ ما يوَدُّون منه لو تُسوَّى بهم الأرضُ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/58). قال الله تعالى:
يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ
أي: حينها يتمنَّى مَن كفَر باللهِ تعالى وعصى رسولَه فلم يمتثِلْ أمرَه ولم يجتنِبْ نهيَه، أنْ لو تبتلِعُهم الأرضُ فيُدفَنونَ فيها ولا يَظْهَرون، ويكونون ترابًا منها، فلا يُحاسَبون يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/40-42)، ((تفسير ابن كثير)) (2/307)، ((تفسير السعدي)) (ص: 179)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/337-338). .
وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا
أي: إنَّهم يَعترفون بما فعَلوه، ويُقرُّون بما عمِلوه، وتَشهَدُ عليهم جوارحُهم بما كانوا يعمَلون يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/42)، ((تفسير ابن كثير)) (2/307)، ((تفسير السعدي)) (ص: 179). .

الفوائد التربوية:

1- في قوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا تحريمُ الإساءةِ إلى الوالدَيْنِ؛ لأنَّ الأمرَ بالشَّيء نهيٌ عن ضدِّه يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/309). .
2- أنَّ مَن لم يُحسِنْ إلى والدَيْه ولم يُسِئْ لهما فهو مُقصِّرٌ؛ لأنَّ اللهَ أمَر بالإحسان، وخلافُ الإحسانِ شيئانِ: إساءةٌ، وعدمُ إساءةٍ وإحسانٍ، وهذا خلافُ ما أمَرنا اللهُ به؛ قال تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/309). .
3- في الأمرِ بالإحسانِ إلى الأقاربِ في قوله: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى تنبيهٌ على أنَّ مِن سَفالةِ الأخلاقِ أن يستخفَّ أحدٌ بالقريبِ؛ لأنَّه قريبُه، وآمِنٌ من غوائلِه، ويصرِف بِرَّه ووُدَّه إلى الأباعدِ؛ ليستكفيَ شرَّهم، أو ليُذكَرَ في القبائل بالذِّكرِ الحسَنِ؛ فإنَّ النَّفسَ الَّتي يطوِّعُها الشَّرُّ، وتَدينُها الشِّدَّةُ، لَنَفسٌ لئيمةٌ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/50). .
4- في قوله تعالى: وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ذمُّ مَن يكتُمُ ما آتاه اللهُ من فضلِه، والكتمانُ نوعانِ: كتمانٌ فِعليٌّ، وكتمانٌ قوليٌّ: فالكتمانُ الفِعليُّ: ألَّا يُرَى أثَرُ نعمةِ اللهِ على العبد، فيُعطيه اللهُ المالَ فيخرُجُ إلى النَّاسِ بلباس الفقراءِ، وبمركوبِ الفقراء، لا تعفُّفًا ولكن بُخلًا، والكتمانُ القوليُّ: أن يتحدَّثَ عند النَّاس فيقول: أنا ليس عندي مالٌ، أنا متوسِّطُ الحالِ، أو يزيد ويقول: أنا فقيرٌ، أو ما أشبَهَ ذلك يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/320). .
5- أنَّ مَن عدَل عن المشروعِ ابتُلِي بالممنوع؛ وذلك أنَّ الَّذين يبخَلون بما آتاهم اللهُ مِن فضلِه ابتُلوا بإنفاقِ المالِ على وجهٍ لا خيرَ فيه، على أنَّهم يبذلونه رئاءَ النَّاس، وهذا وجهٌ لا خيرَ فيه، بل إذا وقَع تعبُّدًا كان شرًّا، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/323). .
6- في قوله تعالى: وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا تنبيهٌ إلى تأثيرِ قُرَناءِ المرءِ في سِيرتِه، وما ينبغي من اختيارِ القَرين الصَّالحِ على قرين السُّوءِ يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (5/83). .
7- في قول الله تعالى: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ.. الآية: أنَّ الإنسانَ يجبُ أن يوازِنَ في الأمورِ بين النَّافعِ والضَّارِّ، فينظُرَ ماذا يترتَّبُ على إيمانِه أو على كُفرِه، حتَّى يختارَ خيرَ الطَّريقينِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/328). .
8- أنَّ المُنفِقَ لا يُنفِقُ من كِيسِه، لكنَّه مُنفِقٌ ممَّا رزَقه اللهُ؛ فالفضلُ كلُّ الفضلِ لله عزَّ وجلَّ؛ قال تعالى: وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/328). .
9- في قوله تعالى: وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ بيانُ منَّةِ الله سبحانه على عبادِه بما أعطاهم، وأنَّ العطاءَ عطاؤُه، ويتفرَّعُ على هذه الفائدة: أن تعتمدَ على اللهِ في حصول الرِّزق، ولا يعني هذا ألَّا نفعَلَ الأسبابَ الَّتي نصِلُ بها إلى الرِّزق، بل لا بدَّ أن نفعلَ الأسبابَ، لكن مع الاعتمادِ على اللهِ عزَّ وجلَّ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/328). .
10- إثباتُ العِلمِ للهِ تعالى بأحوالِ عبادِه؛ لقوله: وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا، ويتفرَّعُ على هذه الفائدةِ: الرَّغبةُ والرَّهبةُ؛ وذلك لأنَّك إذا علِمتَ أنَّ اللهَ عليمٌ بك خِفْتَ من مخالفتِه، ورجَوْتَ في موافقتِه؛ إذ لا يضيِعُ شيءٌ على اللهِ عزَّ وجلَّ، والإيمانُ بعِلمِ اللهِ عزَّ وجلَّ يكسِبُ الإنسانَ مراقبةَ اللهِ سبحانه تمامًا؛ لأنَّ أيَّ شيءٍ تفعَلُه فهو عليمٌ بك، فهذا يحمِلُ الإنسانَ على الرَّجاءِ في فعل ما يحبُّه اللهُ، وعلى الخوفِ مِن فعل ما يكرَهُه اللهُ عزَّ وجلَّ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/329). .
11- أنَّ الحسنةَ تجذِبُ الحسنةَ، وتُؤخَذ من قوله: وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا؛ لأنَّ هذا الأجرَ قد يكونُ سببُه زيادةَ الحسناتِ بسببِ الحسنةِ الأُولى، فمِن نعمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ أنَّ الإنسانَ إذا عمِل العملَ الصَّالحَ وُفِّقَ لعمَلٍ آخَرَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/334). .
12- وجوبُ العمل بما في السُّنَّةِ وإن لم يكُنْ في القرآنِ، وتؤخذ من قوله: وَعَصَوُا الرَّسُولَ؛ لأنَّ هناك أوامرَ صدَرَتْ من الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم ولم تكُنْ في القرآنِ، فيجب العملُ بها يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/339). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائف:

1- أنَّ الإثباتَ المحضَ لا يدلُّ على التَّوحيدِ، ويُؤخَذُ ذلك مِن أنَّه لَمَّا أمَر بالعبادة قال: وَلَا تُشْرِكُوا؛ وذلك أنَّ الإنسانَ قد يَعبُدُ اللهَ لكن يعبُدُ غيرَه، فنقول: إذا عبَد مع اللهِ غيرَه فإنَّه لم يُخلِصِ العبادةَ لله، والمطلوبُ: إخلاصُ العبادةِ له يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/309). .
2- وجوبُ الإحسانِ إلى الوالدينِ؛ لقوله: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، فالله تعالى قال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ولم يقُلْ: وإلى الوالدين؛ لأنَّ المطلوبَ مباشَرةُ الإنسانِ بالإحسانِ إلى والدَيْه، لا إيصال الإحسانِ فقط، ولو قال: إلى الوالدينِ إحسانًا كان المطلوبُ إيصالَ الإحسانِ فقط يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/309). .
3- قوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا فيه أنَّ أعظمَ حقوقِ البَشر حقُّ الوالدينِ؛ لأنَّ اللهَ جعَله في المرتبةِ الثَّانية بعد حقِّه، ولا يرِدُ على هذا حقُّ الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ لأنَّ حقَّ الرَّسولِ داخلٌ في حقِّ اللهِ، ووجهُه: أنَّ العبادةَ لا تتمُّ إلَّا بالإخلاصِ لله، والمتابعةِ لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وإذا تحقَّقَت متابعةُ الرَّسول فقد أدَّيْت حقَّه، والرَّسولُ لا يسأَلُنا أجرًا، إنَّما يسألُنا أن نتعبَّدَ للهِ بما شرَع يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/309). .
4- مع أنَّ الوالدينِ من الأقاربِ، إلَّا أنَّ قَرابةَ الوِلادِ لَمَّا كانت مخصوصةً بكونِها أقربَ القراباتِ، وكانت مخصوصةً بخواصَّ لا تحصُلُ في غيرِها، لا جرمَ ميَّزها اللهُ تعالى في الذِّكرِ عن سائر الأنواعِ، فذكَر في هذه الآيةِ قَرابةَ الوِلادِ، ثمَّ أتبعَها بقرابةِ الرَّحِمِ، فقال تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/76). .
5- في قوله: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى أنَّ الأقربَ فالأقربَ أَولى بالإحسان، ويؤخَذُ مِن أنَّ اللهَ قدَّم الوالدينِ، وهما أقربُ القَرابات، فقياسًا على ذلك نقول: مَن كان أقربَ مِن بقيَّةِ القَرابات فهو أحقُّ، هذا وجهٌ، والوجه الثَّاني: أنَّ المعلَّقَ على وصفٍ يقوَى بقوَّةِ ذلك الوصفِ، ويضعُفُ بضَعفِ ذلك الوصفِ، والحُكمُ هنا معلَّقٌ على القَرابة؛ فكلُّ مَن كان أقربَ كان حقُّه أوكدَ، فصارتِ الدَّلالةُ على أنَّنا نقدِّمُ الأقربَ فالأقربَ من وجهين: الوجهُ الأوَّلُ: قياسيٌّ، والثَّاني: معنويٌّ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/310). .
6- الأمرُ بالإحسانِ إلى المساكين؛ لقوله: وَالْمَسَاكِينِ، ومَن كان منهم أشدَّ مَسكنةً كانت الوصيةُ به أوكَدَ؛ لأنَّه عُلِّق على وصفٍ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/310). .
7- قدَّم اللهُ اليتيمَ على المسكينِ في قوله: وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ؛ لأنَّ المسكينَ لكِبَرِه يمكِنُه أن يعرِضَ حالَ نفسِه على الغير، فيجلِب به نفعًا، أو يدفَع به ضررًا، وأمَّا اليتيمُ فلا قُدرةَ له عليه يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/76). .
8- إثباتُ المحبَّةِ للهِ، وتؤخذ من قوله: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا، فهذا وإن كان نفيًّا إلَّا أنَّه لو كانت المحبةُ منتفيةً عن اللهِ مطلقًا ولا تجوزُ عليه، لم يكُنْ لنفيِها فائدةٌ هنا، وعلى هذا فإنَّها تدلُّ على إثباتِ المحبَّةِ لله، ومذهبُ السَّلفِ وأهلِ السُّنَّةِ إثباتُ المحبَّةِ لله حقيقةً، وأنَّه جلَّ وعلا يُحِبُّ، وأنَّ محبَّتَه تتعلَّقُ بالأعمالِ، وتتعلَّقُ بالأشخاصِ، وتتعلَّقُ بالأزمنةِ، وتتعلَّقُ بالأمكنةِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/313). .
9- قوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى .... فيه عنايةُ اللهِ سبحانه بعِبادِه؛ يُستفادُ ذلك من وجوهٍ في هذه الآية: أوَّلًا: مِن جِهة القيامِ بحقِّ الوالدينِ والقَرابات، وثانيًا: من جِهة جَبْرِ النَّقصِ الَّذي يحصلُ على بعضِ النَّاس، مثل: المساكينِ واليتامى، وثالثًا: أنَّ حُسنَ الجوارِ سببٌ للالتحامِ وللالتئامِ بين النَّاس وعدم الكراهيةِ والبَغضاءِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/312). .
10- أنَّ اللهَ تعالى أرحمُ بالإنسانِ مِن أولاده، ويؤخَذُ مِن قوله: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا؛ حيث أمَر الولدَ أن يُحسِن إلى والدِه، وهذا يدلُّ على أنَّ اللهَ أرحمُ بالإنسانِ من أولادِه، كما أنَّ قولَ الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ [النِّساء: 11] يدلُّ على أنَّ اللهَ أرحمُ بالإنسانِ من والديه، وهذا هو الواقعُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/312). .
11- في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا، إنَّما خصَّ اللهُ تعالى هذينِ الوصفينِ بالذَّمِّ في هذا الموضعِ؛ لأنَّ مَن اتَّصَف بهاتينِ الصِّفتينِ حمَلتاه على الإخلالِ بمَن ذُكِر في الآيةِ ممَّن يكونُ لهم حاجةٌ إليه، فالمختالَ هو المتكبِّرُ، وكلُّ مَن كان متكبِّرًا فإنَّه قلَّما يقومُ برعايةِ الحقوقِ، ثمَّ أضاف إليه ذمَّ الفَخورِ؛ لئلَّا يُقدِمَ على رعايةِ هذه الحقوقِ لأجل الرِّياءِ والسُّمعةِ، بل لمحضِ أمرِ اللهِ تعالى، فالفخر هو عدُّ المناقبِ على سبيلِ التَّطاولِ بها والتَّعاظمِ على النَّاس يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/78)، ((تفسير أبي حيان)) (3/633).. .
12- في قوله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أنَّه تعالى ذكَر في هذه الآيةِ مِن الأحوالِ المذمومة ثلاثًا: أوَّلها: كون الإنسانِ بخيلًا، وهو المراد بقوله: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ، وثانيها: كونهم آمِرين لغيرِهم بالبُخلِ، وهذا هو النِّهايةُ في حبِّ البُخلِ، وهو المراد بقوله: وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ، وثالثها: قوله: وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فيُوهِمون الفقرَ مع الغنى، والإعسارَ مع اليَسارِ، والعَجْزَ مع الإمكانِ، ثمَّ إنَّ هذا الكتمانَ قد يقعُ على وجهٍ يُوجِبُ الكفرَ، مثل: أن يُظهِرَ الشِّكايةَ عن اللهِ تعالى، ولا يرضى بالقضاءِ والقدَرِ، وهذا ينتهي إلى حدِّ الكفرِ؛ فلذلك قال: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/79). .
13- انتفاءُ الظُّلم عن اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لقوله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وهذا النَّفيُ يتضمَّنُ إثباتَ كمالِ العدل، وليس المرادُ به مجرَّدَ انتفاءِ الظُّلم؛ لأنَّ مجرَّدَ انتفاء الظُّلمِ لا يدلُّ على كمالٍ، وقد قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى [النحل: 60] ، أي: الوصفُ الأعلى يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/331). .
14- أنَّ ما ذُكِر على سبيل المبالغةِ لا مفهومَ له؛ لقوله: مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فلا يُفهَمُ مِن قوله: مِثْقَالَ ذَرَّةٍ أنَّه يظلِمُ دون ذلك، بل لا يظلِمُ مِثقالَ ذرَّةٍ ولا دونها، لكنَّ عادةَ العربِ ضربُ المثَلِ في الشَّيء الحقيرِ بمِثقالِ الذَّرَّةِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/333). .
15- أنَّ رحمةَ اللهِ تعالى سبقَتْ غضَبَه؛ لأنَّ الحسناتِ تُضاعَفُ، والسَّيِّئاتِ لا تُزادُ؛ فقوله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، هذا نفيُ زيادةِ السَّيِّئاتِ، والتَّضعيفُ في الحسَناتِ: وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا، وهو سبحانه يَجزي على الحسنةِ ثوابًا أكثرَ من المقابَلة، فلا يقال: الحسنةُ بعَشْرِ أمثالِها إلى سَبعِ مِئةِ ضِعفٍ فقط، بل هناك شيءٌ فوق هذا، وهو قوله: وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/333، 334). .

بَلاغةُ الآياتِ:

1- قوله: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا وَبِذِي الْقُرْبى فيه مناسبةٌ حسنةٌ، حيثُ عبَّر هنا بقوله: وَبِذِي الْقُرْبى بزِيادة الباء، وفي سورة البقرة عبَّر بـوَذِي الْقُرْبَى بغيرِ الباء في قوله: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى [البقرة: 83] ، وإعادةُ الباءِ تدلُّ على التَّوكيدِ والمبالغةِ؛ فبُولِغ في آيةِ النساءِ؛ لأنَّها في حقِّ هذه الأمَّة، ولم يُبالغْ في آية سورةِ البقرة؛ لأنَّها في حقِّ بني إسرائيل،  والاعتناءُ بهذه الأمَّةِ أكثرُ مِن الاعتناء بغيرها؛ إذ هي خيرُ أمَّة أخرجت للنَّاس يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/631). وقيل: أُعيدتِ الباءُ في سُورة النِّساء دون سورةِ البقرة؛ نظرًا للسِّياق؛ ففي سورة النساء، كان الكلامُ عن القَراباتِ من أوَّلِ السُّورةِ إلى آخِرها، وليس فقط في هذه الآيةِ؛ ففي الآيةِ الأولى من مطلعِ السُّورة قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ، ثم بعدَها قوله تعالى: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا؛ إذنْ ذِكر (الباء) مع ذِي القُربى في هذه الآيةِ مِن سورة النِّساء كان لمراعاةِ التَّفصيلِ والتوكيدِ، أمَّا في آية سورة البقرة فليس السياقُ في القَرابات؛ فحُذِفت (الباء) في (ذي القربى)؛ مراعاةً للإيجازِ. يُنظر: ((لمسات بيانية)) لفاضل السامرائي (ص: 241). .  
وقيل: فائدةُ إعادةِ حرفِ الجرِّ وَبِذِي الْقُرْبَى الإشارةُ إلى أنَّ الإحسانَ إلى القَرابةِ مُستقلٌّ، بمعنى أنَّه لو فُرِض أنَّ الرَّجُلَ ليس له والِدانِ، فحقُّ القرابةِ ثابتٌ، وليس مبنيًّا على حقِّ الوالدينِ، وتابعًا له؛ لأنَّ الوالدينِ قد يَكونانِ ميِّتينِ؛ فحقُّ القَرابةِ باقٍ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة النساء)) (1/310). .
وقيل: إنَّ  إعادةَ الجارِّ لإفادة التَّنويع يُنظر: ((تفسير المنار)) لرشيد رضا (5/74). .
2- قوله: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، فيه التَّعبيرُ بالبَعضِ عن الكلِّ؛ حيثُ قال: مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ومعلومٌ أنَّ المرادَ ما ملَكْتُم يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/311). .
3- وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا: فيه وَضْعُ الظَّاهر لِلْكَافِرِينَ موضِعَ المُضمَرِ (لهم)؛ للإشعارِ بأنَّ مَن هذا شأنُه فهو كافرٌ لنِعمةِ الله، ومَن كان كافرًا لنعمةِ الله، فله عذابٌ يُهينُه، كما أهان النِّعمةَ بالبُخلِ والإخفاءِ يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/74)، ((تفسير أبي السعود)) (2/176)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (2/216)، ((الجدول في إعراب القرآن الكريم)) لصافي (5/36). .
- والجملةُ اعتراضٌ تذييليٌّ مقرِّر لِما قبلها يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/74)، ((تفسير أبي السعود)) (2/176). .
4- قوله: وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ: فيه تقديمُ إنفاقِهم رِئاءَ النَّاسِ على عدمِ إيمانِهم باللهِ واليومِ الآخِر، مع كونِ المؤخَّرِ أقبَحَ من المقدَّمِ؛ لرعايةِ المناسبةِ بين إنفاقِهم ذلك وبين ما قبله مِن بُخلِهم وأمرِهم للنَّاس به يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/177). .
5- قوله: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا... الآية: استفهامٌ غرَضُه التَّوبيخُ لهم على الجهلِ بمكان المنفعةِ، والاعتقادِ في الشَّيء على خلافِ ما هو عليه، والتَّحريضُ على الفكرِ لطلبِ الجواب؛ لعلَّه يؤدِّي بهم إلى العِلم بما فيه من الفوائدِ الجليلةِ، والعوائدِ الجميلة يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/74). .
- وفيه تنبيهٌ على أنَّ المدعوَّ إلى أمرٍ لا ضررَ فيه ينبغي أن يُجيبَ إليه احتياطًا؛ فكيف إذا تضمَّن المنافعَ يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/74). ؟!
- وتقديمُ الإيمانِ باللهِ واليومِ الآخِرِ على الإنفاقِ؛ لأهميَّة الإيمانِ في نفسِه، ولعدمِ الاعتدادِ بالإنفاقِ بدونه يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/74)، ((تفسير أبي السعود)) (2/177). .
6- قوله: وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ: فيه تكرير لَا النَّافية، وكذلك تكريرُ الباء؛ للإشعارِ بأنَّ كلًّا منهما منتفٍ على حِدَتِه يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (2/217). .
7- قوله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا...: فيه مبالغةٌ بذِكْر المثقالِ يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/177). ، مع تأكيدِ الخبَرِ بـ: (إنَّ) واسميَّةِ الجملةِ.
- وفيه: التَّجوُّزُ بإطلاقِ الشَّيءِ على ما يُقارِبُه في المعنى؛ فقد أُطلِقَ الظُّلمُ على انتقاصِ الأجرِ من حيث إنَّ نقصَه عن الموعودِ به قريبٌ في المعنى من الظُّلم يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/665). .
- وقوله: مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فيه: التَّنبيهُ بما هو أدْنَى على ما هو أعْلَى يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/665). .
- وفيه: إبهامٌ؛ إذ لم يُبيِّنْ فيه المضاعَفةَ في الأجرِ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/665). .
8- قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ...: الاستفهامُ فيه يدلُّ على التَّفخيمِ والتَّعظيمِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/336). .