موسوعة التفسير

سورةُ الإسراءِ
الآيات (40-44)

ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ

غريب الكلمات:

أَفَأَصْفَاكُمْ: أي: أَخْتَصَّكم، وأصلُ (صفو): يدُلُّ على خُلوصٍ، وتَناوُلِ صَفْوِ الشَّيءِ [603] يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (1/380)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/292)، ((البسيط)) للواحدي (13/339)، ((المفردات)) للراغب (ص: 488)، ((غريب القرآن)) لقاسم الحنفي (ص: 108).   .
صَرَّفْنَا: أَيْ: بَيَّنَّا، والصَّرْفُ: ردُّ الشيءِ مِن حالةٍ إلى حالةٍ، أو إبدالُه بغيرِه [604] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/77)، ((المفردات)) للراغب (ص: 482)، ((تفسير القرطبي)) (11/250).   .
تَفْقَهُونَ: أي: تَفْهمون، ويُقالُ: فَقِهْتُ الكلامَ؛ إذا فهمتَه حقَّ فهمِه، والفقهُ: هو التوصلُ إلى علمٍ غائبٍ بعلمٍ شاهدٍ، وأصلُ (فقه): يدلُّ على إدراكِ الشيءِ، والعلمِ به [605] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 505)، ((المفردات)) للراغب (ص: 642)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 140).   .

المعنى الإجمالي:

يبيِّنُ الله تعالى بعضَ الأدلةِ على استحالةِ أن يكونَ له شريكٌ أو ولدٌ، فيقول: أفخَصَّكم ربُّكم -أيُّها المُشرِكونَ- بإعطائِكم البَنينَ، واتَّخَذ لنَفسِه الملائِكةَ بَناتٍ؟! إنَّكم لتقولونَ قولًا مُنكَرًا عظيمًا. ولقد وضَّحْنا ونوَّعْنا في هذا القُرآنِ الأحكامَ والمواعِظَ والأمثالَ ليتَّعِظوا ويتَذكَّروا، وما يزيدُهم هذا إلَّا نُفورًا عن الحَقِّ، وغَفْلةً عن النَّظَرِ والاعتِبارِ.
 قُلْ -يا مُحمَّدُ- للمُشرِكينَ: لو أنَّ مع اللهِ آلهةً أُخرى إذَنْ لطَلبَتْ تلك الآلِهةُ المزعومةُ طَريقًا إلى اللهِ بعِبادتِه والتقَرُّبِ وابتغاءِ الوَسيلةِ إليه، تنزَّه اللهُ وتقدَّسَ عَمَّا يقولُه المُشرِكونَ وتعالى عُلُوًّا كَبيرًا. تُسَبِّحُ له -سُبحانَه- السَّمَواتُ السَّبعُ والأَرَضونَ ومَن فيهنَّ مِن جَميعِ المَخلوقاتِ، وكُلُّ شَيءٍ من المخلوقات يُسَبِّحُ اللهَ تعالى تسبيحًا مَقرونًا بالثَّناءِ والحَمدِ له سُبحانَه، ولكِنْ لا تعلَمونَ -أيُّها النَّاسُ- تَسبيحَهم؛ إنَّه سُبحانَه كان حَليمًا بعِبادِه، لا يُعاجِلُ مَن عصاه بالعُقوبةِ، غَفورًا لِمَن تابَ منهم.

تفسير الآيات:

أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ نِسبةَ البناتِ إلى اللهِ تعالى ادِّعاءُ آلهةٍ تَنتَسِبُ إلى الله بالبُنوَّةِ؛ إذ عَبَد فريقٌ مِن العَرَبِ الملائكةَ كما عبدوا الأصنامَ، واعتلُّوا لعبادتِهم بأنَّ الملائكةَ بناتُ الله تعالى، فلمَّا نُهوا عن أن يجعَلوا مع اللهِ إلهًا آخَرَ خَصَّصَ بالتحذيرِ عبادةَ الملائكةِ؛ لئلَّا يتوهَّموا أنَّ عبادةَ الملائكةِ ليست كعبادةِ الأصنامِ؛ لأنَّ الملائكةَ بناتُ اللهِ، ليتوهَّموا أنَّ الله يرضى بأن يعبُدوا أبناءَه، وقد جاء إبطالُ عبادةِ الملائكةِ بإبطالِ أصلِها في معتَقَدِهم، وهو أنَّهم بناتُ الله، فإذا تبيَّن بطلانُ ذلك عَلِموا أنَّ جَعْلَهم الملائكةَ آلهةً يُساوي جَعْلَهم الأصنامَ آلهةً [606] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/107).   .
وأيضًا لَمَّا نَبَّه اللهُ تعالى على فَسادِ طَريقةِ مَن أثبَتَ لله شَريكًا ونَظيرًا؛ نَبَّهَ على طريقةِ مَن أثبَتَ له الوَلَدَ -سُبحانَه-، وعلى كَمالِ جَهلِ هذه الفِرقةِ [607] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (20/344-345).   .
أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا.
أي: أفخَصَّكم ربُّكم -أيُّها المُشرِكونَ- بالذُّكورِ مِن الأولادِ، فلم يجعَلْ لِنَفسِه نَصيبًا منهم، وجعَلَ الملائِكةَ بَناتٍ له كما تَزعُمونَ، والحالُ أنَّكم لا تَرضَونَ البناتِ لأنفُسِكم؟! فهذا خِلافُ المَعقولِ والمَعهودِ المُتعارَفِ عليه؛ فإنَّ السَّادةَ لا يُؤثِرونَ عَبيدَهم بأفضَلِ الأشياءِ، ويتَّخِذونَ لأنفُسِهم أدْوَنَها [608] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/602)، ((تفسير ابن كثير)) (5/77)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/419-420)، ((تفسير السعدي)) (ص: 458)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/157). قال ابنُ كثير: (فجَعلوا الملائكةَ الذين هم عِبادُ الرَّحمنِ إناثًا، ثمَّ ادَّعَوا أنَّهم بناتُ الله، ثمَّ عَبَدوهم، فأخطؤوا في كُلٍّ مِن المقاماتِ الثلاثِ خطأً عَظيمًا). ((تفسير ابن كثير)) (5/77).   !
كما قال تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [الصافات: 149-155] .
وقال سُبحانَه: أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ [الطور: 39].
وقال عزَّ وجلَّ: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [النجم: 21، 22].
إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا.
أي: إنَّكم -أيُّها المُشرِكونَ- لَتَقولونَ على اللهِ قَولًا عَظيمًا، بافتِرائِكم أنَّ المَلائِكةَ بَناتُه [609] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/602)، ((تفسير ابن كثير)) (5/77)، ((تفسير السعدي)) (ص: 458). قال ابن كثير: (ثمَّ شدَّد الإنكارَ عليهم فقال: إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا أي: في زعمِكم لله ولدًا، ثمَّ جعْلِكم ولَدَه الإناثَ التي تأنَفون أن يكنَّ لكم، وربَّما قتلتُموهنَّ بالوأْدِ، فتلك إذًا قِسمةٌ ضِيزى). ((تفسير ابن كثير)) (5/77).   .
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى فظاعةَ قَولِ الكافِرينَ بأنَّ الملائِكةَ بَناتُ اللهِ؛ أعقَبَ ذلك بأنَّ في القُرآنِ هَدْيًا كافيًا، ولكِنَّهم يَزدادونَ نُفورًا مِن تدَبُّرِه [610] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/109).   .
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41).
أي: ولقد بَيَّنَّا ونوَّعْنا وأكثَرْنا في هذا القُرآنِ العِبَرَ والمواعِظَ، والحِكَمَ والأمثالَ، والحُجَجَ والأدِلَّةَ؛ ليتَذَكَّروا ويتَّعِظوا، وما يزيدُ الظَّالِمينَ هذا التَّصريفُ والتَّذكيرُ بآياتِ القُرآنِ إلَّا ذَهابًا وهربًا من الحَقِّ، وتَباعُدًا عن الإيمانِ، وغفلةً عنِ النَّظَرِ والاعتبارِ [611] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/602)، ((تفسير البغوي)) (3/135)، ((تفسير القرطبي)) (10/264، 265)، ((تفسير ابن كثير)) (5/78)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/421)، ((تفسير السعدي)) (ص: 458).   .
كما قال تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا [الإسراء: 89].
وقال سُبحانَه: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [طه: 113] .
وقال جلَّ جلالُه: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء: 82] .
قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه عَودٌ إلى إبطالِ تعدُّدِ الآلهةِ؛ زيادةً في استِئصالِ عَقائِدِ المُشرِكينَ مِن عُروقِها [612] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/110).   .
قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42).
أي: قل -يا مُحمَّدُ- لو كان مع اللهِ مَعبوداتٌ سِواه -كما يَزعُمُ المُشرِكونَ-، إذَنْ لَطَلبَتْ تلك المَعبوداتُ المَزعومةُ التقرُّبَ إلى اللهِ، ونَيْلَ رِضاه بعبادتِه؛ لاعتِرافِهم بفَضلِه، وعِلْمِهم بقُدرتِه وعَجزِهم، فكيف تَعبُدونَهم مِن دُونِه والحالةُ هذه [613] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/603)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (16/124)، ((الجواب الكافي)) لابن القيم (ص: 203، 204)، ((تفسير ابن كثير)) (5/78). وممَّن قال بهذا المعنى المذكور: ابنُ جرير، وابنُ تيمية، وابنُ كثير. يُنظر: المصادر السابقة. وممن قال بنحوِ هذا القولِ مِن السلفِ: قتادةُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/603)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/26). قال ابن القيم: (قال شيخُنا رضي الله عنه [أي: ابنُ تيمية]: والصحيحُ أن المعنى: لابتغَوا إليه سبيلًا بالتقرُّبِ إليه وطاعتِه، فكيف تعبدونَهم مِن دونِه؟ وهم لو كانوا آلهةً كما يقولون لكانوا عبيدًا له، قال: ويدُلُّ على هذا وجوهٌ: منها: قولُه تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء: 57] ، أي: هؤلاء الذين تعبدونَهم مِن دوني هم عبادي كما أنتم عبادي، ويرجون رحمتي ويخافون عذابي، فلماذا تعبدونَهم من دوني؟ الثاني: أنَّه سبحانه لم يقُلْ: لابتغوا عليه سبيلًا، بل قال: لابتغَوا إليه سبيلًا، وهذا اللفظُ إنما يستعمَلُ في التقرُّبِ، كقوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [المائدة: 35] . وأمَّا في المغالبةِ فإنما يُستعمَلُ بعلى، كقوله: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء: 34] . والثالث: أنهم لم يقولوا إن آلهتَهم تغالِبُه وتطلب العلوَّ عليه، وهو سبحانه قد قال: قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ وهم إنما كانوا يقولون: إن آلهتَهم تبتغي التقرُّبَ إليه وتقرِّبُهم زُلفى إليه، فقالوا: لو كان الأمرُ كما تقولون لكانت تلك الآلهةُ عبيدًا له، فلماذا تعبُدون عبيدَه من دونِه؟). ((الجواب الكافي)) (ص: 203-204). وقيل: المعنى: إذًا لطَلَبت تلك الآلهةُ مُغالبةَ اللهِ، وسَعَت إلى الانفرادِ بالمُلكِ دُونَه، كما هي عادةُ الملوكِ بَعضِهم مع بعضٍ. وممَّن اختار هذا المعنى: مقاتلُ بنُ سليمانَ، والواحدي، والسمعاني، ورجَّحه البغوي، وأبو السعود، والشوكاني، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/532)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 635)، ((تفسير السمعاني)) (3/243)، ((تفسير البغوي)) (3/135)، ((تفسير أبي السعود)) (5/174)، ((تفسير الشوكاني)) (3/273)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/158). وممن قال بنحوِ هذا القولِ مِن السلفِ: الحسنُ، وسعيدُ بنُ جبير. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/26). قال السعدي: (أي: لاتخذوا سبيلًا إلى الله بعبادتِه والإنابةِ إليه والتقرُّبِ وابتغاءِ الوسيلة... فعلى هذا المعنى تكونُ هذه الآيةُ كقوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ [الإسراء: 57] . ويحتمِلُ أنَّ المعنى أي: لطلَبوا السبيلَ وسَعَوا في مغالبةِ الله تعالى... فيكونُ هذا كقولِه تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [المؤمنون: 91] ). ((تفسير السعدي)) (ص: 458). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/111). وقال الشنقيطي: (في معنى هذه الآيةِ الكريمةِ وجهانِ مِن التفسيرِ، كلاهما حقٌّ، ويشهدُ له قرآنٌ). ثمَّ ذكَر القولينِ السابقينِ، ورجَّح الثاني. يُنظر: ((أضواء البيان)) (3/158). ؟!
كما قال تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء: 57] .
وقال سُبحانه: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ [الفرقان: 17، 18].
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا أقامَ اللهُ تعالى الدَّليلَ القاطِعَ على كَونِه مُنَزَّهًا عن الشُّرَكاءِ، وعلى أنَّ القَولَ بإثباتِ الآلِهةِ قولٌ باطِلٌ؛ أردَفَه بما يدُلُّ على تَنزيهِه عن هذا القَولِ الباطِلِ، فقال [614] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (20/346).   :
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43).
أي: تَنزيهًا للهِ عمَّا لا يَليقُ بعَظَمتِه، وتعالى عُلُوًّا كبيرًا عمَّا يقولُ المُشرِكونَ مِن الكَذِبِ عليه، كنِسبةِ الوَلَدِ والشَّريكِ إليه [615] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/604)، ((تفسير القرطبي)) (10/266)، ((تفسير ابن كثير)) (5/78)، ((تفسير السعدي)) (ص: 458).   .
كما قال تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 180].
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44).
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ.
أي: تُسَبِّحُ لله السَّمَواتُ السَّبعُ والأرضُ، ومَن فيهنَّ مِنَ المَلائِكةِ والإنسِ والجِنِّ وجميعِ المَخلوقاتِ، فتُنزِّهُه عمَّا لا يليقُ به [616] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/78)، ((تفسير الشوكاني)) (3/274)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (8/4). قال الشنقيطي: (أسْنَد التَّسبيحَ أوَّلًا إلى السَّمواتِ السَّبعِ والأرضِ صراحةً بذواتِهِنَّ، وهنَّ مِنْ غيرِ العقلاءِ بما في كلٍّ منهنَّ مِنْ أفلاكٍ، وكواكِبَ، وبُروجٍ، أو جبالٍ، ووِهادٍ، وفِجاجٍ، ثُمَّ عَطَف على غيرِ العقلاءِ بصيغةِ مَنْ الخاصَّةِ بالعقلاءِ فقال: وَمَنْ فِيهِنَّ ، وإنْ كانتْ مَنْ قد تُستعملُ لغيرِ العقلاءِ إذا نُزِّلْنَ منزلَةَ العقلاءِ... وبهذا شَمِلَ إسنادُ التَّسبيحِ لكلِّ شيءٍ في نطاقِ السَّمواتِ والأرضِ عاقلٍ، وغيرِ عاقلٍ، وقدْ أُكِّدَ هذا الشُّمولُ بصريحِ قولِه تعالَى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ، وكلمةُ شَيْءٍ أعَمُّ العُموماتِ). ((أضواء البيان)) (8/4). وقال القرطبي: (أعاد على السمواتِ والأرضِ ضميرَ مَنْ يعقِلُ، لَمَّا أسندَ إليها فعلَ العاقلِ، وهو التسبيحُ. وقولُه: وَمَنْ فِيهِنَّ يريدُ الملائكةَ والإنسَ والجنَّ، ثُمَّ عَمَّ بعدَ ذلك الأشياءَ كُلَّها في قولِه: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ). ((تفسير القرطبي)) (10/266). ويُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/459). .
كما قال تعالى: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم: 90 - 95] .
وقال سُبحانَه: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [الشورى: 5] .
وقال جلَّ جلالُه: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التغابن: 1] .
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ.
أي: وما مِن شَيءٍ من المَخلوقاتِ إلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِ الله تعالى، فيُنَزِّهُه تنزيهًا مَقرونًا بوَصفِه بصِفاتِ الكَمالِ مع محَبَّتِه وتَعظيمِه عزَّ وجَلَّ [617] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/605)، ((تفسير السمرقندي)) (2/312، 313)، ((تفسير الخازن)) (3/131)، ((تفسير ابن كثير)) (5/79)، ((تفسير السعدي)) (ص: 459). قال الواحدي: (في هذه الآيةِ مذهبان: أحدهما: أنَّ المرادَ بالتسبيحِ هاهنا: حقيقةُ التسبيحِ، فعلى هذا السمواتُ السبعُ والأرضونَ تسبِّحُ لله تسبيحًا حقيقيًّا، وَمَنْ فِيهِنَّ: مِن الملائكةِ والجنِّ والإنسِ، والمرادُ بهذا التخصيصِ؛ لأنَّ الشياطينَ وعبدةَ الأصنامِ لا يسبحونَ لله تسبيحًا حقيقيًّا... المذهبُ الثاني: أنَّ المرادَ بالتسبيحِ هاهنا: الدلالةُ على أنَّ الله عزَّ وجلَّ خالقٌ حكيمٌ مبرَّأٌ مِن الأسواءِ، فالمخلوقون والمخلوقاتُ كلُّها تدلُّ على أنَّ الله عزَّ وجلَّ خالقُها). ((البسيط)) (13/344 - 346). قال الشوكاني: (أخبَر سبحانَه عن السمواتِ والأرضِ بأنَّها تُسَبِّحُه، وكذلك مَن فيها مِنْ مخلوقاتِه الَّذين لهم عقولٌ، وهم الملائكةُ والإنسُ والجنُّ وغيرُهم مِنَ الأشياءِ الَّتي لا تعقِلُ، ثُمَّ زادَ ذلك تعميمًا وتأكيدًا فقال: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ؛ فشملَ كلَّ ما يُسمَّى شيئًا كائنًا ما كان، وقيل: إنَّه يُحملُ قولُه: وَمَنْ فِيهِنَّ على الملائكةِ والثَّقَلينِ، ويُحملُ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ على ما عَدا ذلك مِنَ المخلوقاتِ. وقد اختلَف أهلُ العلمِ فِي هذا العمومِ هل هو مخصوصٌ أم لا؟ فقالَتْ طائفةٌ: ليسَ بمخصوصٍ، وحمَلوا التَّسبيحَ على تسبيحِ الدَّلالةِ؛ لأنَّ كلَّ مخلوقٍ يشهدُ على نفسِه ويُدِلُّ غيرَه بأنَّ اللَّهَ خالِقٌ قادرٌ. وقالَتْ طائفةٌ: هذا التَّسبيحُ على حقيقتِه، والعمومُ على ظاهرِه). ((تفسير الشوكاني)) (3/274). ممن اختار أنَّ الآيةَ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ عامةٌ، وأنَّ التسبيحَ مِن جميعِ المخلوقاتِ تسبيحٌ حقيقيٌّ: ابنُ جريرٍ، والقصابُ، والسمعاني، والقرطبي، وابنُ تيميةَ، والخازنُ، وابنُ القيم، وابنُ كثير، والشوكاني، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/605-607)، ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (2/164)، ((تفسير السمعاني)) (3/244)، ((تفسير القرطبي)) (10/268)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (1/47)، ((تفسير الخازن)) (3/131-132)، ((الروح)) لابن القيم (ص: 72، 73)، ((تفسير ابن كثير)) (5/79)، ((تفسير الشوكاني)) (3/274)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/541). وممن اختار العمومَ، لكن حمَل التسبيحَ على تسبيحِ الدلالةِ، لا التسبيحِ الحقيقيِّ: ابنُ الأنباري، وابنُ حزمٍ، والزمخشري، والرازي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((الأضداد)) لابن الأنباري (ص: 295)، ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) لابن حزم (1/71، 72)، ((تفسير الزمخشري)) (2/669)، ((تفسير الرازي)) (20/347)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/114). وممن جمَع بينَ القولينِ فقال: تسبِّحُ جميع المخلوقات بلسانِ الحالِ، ولسانِ المقالِ: ابنُ العربي، والسعدي، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن العربي (3/205)، ((تفسير السعدي)) (ص: 459)، ((تفسير ابن عثيمين: الحجرات - الحديد)) (ص: 358). قال ابنُ عثيمين: (كلُّ ما في السمواتِ والأرضِ يسبحُ الله... بلسانِ الحالِ، وبلسانِ المقالِ، إلَّا الكافرَ، فإنَّه يسبحُ الله بلسانِ الحالِ لا بلسانِ المقالِ... وهل الحشراتُ والحيواناتُ تسبحُ الله بلسانِ المقالِ؟  الجوابُ: نعم؛ قال الله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ... الحشراتُ كلُّها تسبحُ الله بلسانِ المقالِ، والحصَى يسبحُ الله كما كان ذلك بينَ يدي رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم). ((تفسير ابن عثيمين: الحجرات - الحديد)) (ص: 358).  وقال أيضًا: (التسبيحُ نوعان: تسبيحٌ بلسانِ المقالِ، وتسبيحٌ بلسانِ الحالِ. أمَّا التسبيحُ بلسانِ الحالِ فهو عامٌّ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ. وأمَّا التسبيحُ بلسانِ المقالِ، فهو عامٌّ كذلك، لكن يخرجُ منه الكافرُ؛ فإنَّ الكافرَ لم يسبِّحِ الله بلسانِه، ولهذا يقولُ تعالى: سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر: 23] ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 159] فهم لم يسبِّحوا الله تعالى؛ لأنَّهم أشركوا به، ووصفوه بما لا يليقُ به. فالتسبيحُ بلسانِ الحالِ يعني: أنَّ حالَ كلِّ شيءٍ في السمواتِ والأرضِ تدلُّ على تنزيهِ الله سبحانه وتعالى عن العبثِ وعن النقصِ، حتى الكافر إذا تأمَّلت حالَه، وجدتها تدلُّ على تنزهِ الله تعالى عن النقصِ والعيبِ. وأمَّا التسبيحُ بلسانِ المقالِ، فيعني: أن يقولَ: سبحان الله). ((شرح العقيدة الواسطية)) (1/360). وقيل: قولُه: مِنْ شَيْءٍ عُمُومٌ، ومعناه الخصوصُ في كلِّ حيٍّ ونامٍ، وليسَ ذلك في الجماداتِ. وممن ذهَب إلى هذا المعنى: عكرمةُ، والحسنُ البصري. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/459)، ((تفسير القرطبي)) (10/266). .
كما قال تعالى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [الرعد: 13] .
وقال سُبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ [النور: 41] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء: 79] .
وقال تبارك وتعالى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [البقرة: 74] .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((قَرَصَت نملةٌ نبيًّا مِنَ الأنبياءِ، فأمَرَ بقَريةِ النَّملِ فأُحرِقَتْ، فأوحى اللهُ إليه: أنْ قَرَصَتْك نَملةٌ أحرَقْتَ أمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسبِّحُ؟ !)) [618] رواه البخاري (3019) واللفظ له، ومسلم (2241).   .
وعن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنَّا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفَرٍ، فقَلَّ الماءُ، فقال: اطلُبوا فَضْلةً مِن ماءٍ، فجاؤوا بإناءٍ فيه ماءٌ قَليلٌ، فأدخَلَ يَدَه في الإناءِ، ثمَّ قال: حَيَّ على الطَّهورِ المُبارَكِ، والبَرَكةُ مِنَ اللهِ. فلقد رأيتُ الماءَ يَنبُعُ مِن بَينِ أصابعِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولقد كُنَّا نَسمَعُ تَسبيحَ الطَّعامِ وهو يُؤكَلُ!)) [619] رواه البخاري (3579).   .
وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.
أي: ولكن لا تَعلَمونَ -أيُّها النَّاسُ- تَسبيحَ المَخلوقاتِ؛ لأنَّها على غيرِ لُغَتِكم [620] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/607)، ((تفسير البغوي)) (3/136)، ((تفسير ابن كثير)) (5/79)، ((تفسير السعدي)) (ص: 459).   .
إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا.
أي: إنَّ اللهَ كان حَليمًا، فلا يُعاجِلُ بالعُقوبةِ مَن يكفُرُ به ويَعصِيه، غفورًا لِمَن تابَ مِن عِبادِه، فيَستُرُ ذُنوبَهم، ويتَجاوَزُ عن مُؤاخَذتِهم بها [621] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/607)، ((تفسير ابن كثير)) (5/81)، ((تفسير السعدي)) (ص: 459).   .
كما قال تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا [فاطر: 45] .
وعن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ لَيُملي للظَّالمِ حتى إذا أخَذَه لم يُفلِتْه، ثمَّ قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102] )) [622] رواه البخاري (4686) واللفظ له، ومسلم (2583).   .

الفوائد التربوية:

قال تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ. فالَّذي ينبغي لنا أنْ نَسْتَفيدَه مِنْ ذلك أنْ نذكُرَ في قُلوبِنا عندَ رؤيةِ كُلِّ شيءٍ مِنْ صُنعِ اللهِ، وسماعِ كلِّ صوتٍ مِنْ مخلوقاتِ اللهِ، أنَّه يُسَبِّحُ بحمدِ اللهِ بدَلالتِه على تنزيهِه عمَّا لا يليقُ به، وعلى قدرتِه وحكمتِه ومشيئَتِه ورحمتِه، وأنَّ لها تسبيحًا آخرَ غيبيًّا لا نفقهُه بكَسْبِنا؛ لأنَّنا لا نُدرِكُ حياتَها [623] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/213).   .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- أنَّ المَخلوقاتِ -وإنْ كانت جَمادًا- تُحِسُّ بعَظَمةِ الخالِقِ؛ قال الله تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [624] يُنظر: ((القول المفيد على كتاب التوحيد)) لابن عثيمين (1/320).   .
2- في قَولِه تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ دَليلٌ على أنَّ ذا الرُّوحِ وغيرَه ممَّا لا حياةَ فيه ولا حَرَكةَ ظاهرةً، مِثْلَ الحَجَرِ والمَدَر والخَشَبِ- أنَّها تُسَبِّحُ، لا أنَّه مَخصوصٌ به الرُّوحانيُّونَ دُونَ غَيرِهم [625] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (2/164).   .
3- في قَولِه تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ دَلالةٌ على أنَّ تَرْكَ قَتْلِ الدَّوَابِّ والحَشَراتِ التي سَكَتَ الشَّرعُ عنها -كالصَّراصيرِ والجِعْلانِ، والخُنْفُساءِ وما أشبَهَها- أَولى؛ فإنَّه وإنْ كان قَتْلُها مُباحًا، فتَرْكُها تُسَبِّحُ اللهَ عزَّ وجلَّ أَولى مِن قَتْلِها [626] يُنظر: ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (218/7).   .
4- قال الله تعالى: إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا لَمَّا كان الغالِبُ على أحوالِ البَشَرِ أنَّ حَليمَهم إذا غَضِبَ لا يَغفِرُ، وإنْ عفا كان عَفوُه مُكَدَّرًا؛ قال تعالى: حَلِيمًا غَفُورًا مُشيرًا بصِيغةِ المُبالغةِ إلى أنَّه على غيرِ ذلك؛ ترغيبًا في التَّوبةِ [627] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/428).   .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا
- قولُه: أَفَأَصْفَاكُمْ استفهامٌ معناه الإنكارُ والتَّوبيخُ [628] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/668)، ((تفسير أبي حيان)) (7/52).   . وقيل: الاستفهامُ إنكارٌ وتهكُّمٌ [629] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/107).   .
- قولُه: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ قصَدَ هاهنا بالتَّعرُّضِ لعُنوانِ الرُّبوبيَّةِ تَشديدَ النَّكيرِ وتأكيدَه [630] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/256)، ((تفسير أبي حيان)) (7/52)، ((تفسير أبي السعود)) (5/173).   .
- وجُملةُ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا مُتفرِّعةٌ على جُملةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ تَفريعًا على النَّهيِ باعتبارِ أنَّ المنهيَّ عنه مُشتمِلٌ عمومُه على هذا النَّوعِ الخاصِّ الجديرِ بتَخصيصِه بالإنكارِ [631] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/107).   .
- قولُه: إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا فيه تأكيدُ فعْلِ (تقولون) بمَصدرِه قَوْلًا؛ تأكيدًا لمعنى الإنكارِ. وجعَلَه مُجرَّدَ قولٍ؛ لأنَّه لا يَعْدو أنْ يكونَ كلامًا صدَرَ عن غيرِ رَويَّةٍ؛ لأنَّه لو تأمَّلَه قائلُه أدنى تأمُّلٍ، لوجَدَه غيرَ داخلٍ تحت قضايا المقبولِ عقلًا. والعظيمُ: القويُّ، والمُرادُ هنا أنَّه عظيمٌ في الفسادِ والبُطلانِ؛ بقَرينةِ سياقِ الإنكارِ، ولا أبلَغَ في تَقبيحِ قولِهم مِن وصْفِه بالعظيمِ [632] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/108).   .
2- قَولُه تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا
- قولُه: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا التَّصريفُ كِنايةٌ عن التَّبيينِ بمُختلِفِ البيانِ ومُتَنوِّعِه. وضَميرُ لِيَذَّكَّرُوا عائدٌ إلى معلومٍ من المقامِ دَلَّ عليه قولُه: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ، أي: ليذَّكَّرَ الَّذين خُوطِبوا بالتَّوبيخِ في قولِه: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ؛ فهو التِفاتٌ من الخطابِ إلى الغَيبةِ، أو من خطابِ المُشركينَ إلى خطابِ المُؤمنينَ [633] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/109).   .
- وجُملةُ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا في مَوضعِ الحالِ، وهو حالٌ مقصودٌ منه التَّعجُّبُ من حالِ ضَلالتِهم؛ إذ كانوا يَزْدادون نُفورًا من كلامٍ فُصِّلَ وبُيِّنَ لتَذكيرِهم، وشأْنُ التَّفصيلِ أنْ يُفيدَ الطُّمأنينةَ للمقصودِ [634] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/110).   .
- وقال عَزَّ وجَلَّ هنا: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا، وقال بعدُ في هذه السُّورةِ أيضًا: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا [الإسراء: 89] ، وقال في سُورةِ (الكهفِ): وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف: 54] ، وإنَّما لم يُذكرْ فى أَوَّل سورةِ (الإسراء) للنَّاسِ؛ لتقدُّمِ ذكرِهم فى السُّورةِ، وذكَرهم فى سورةِ (الكهفِ) إِذ لم يَجْرِ ذكرُهم، وذكَر (النَّاس) فى آخرِ سورة (الإسراءِ)، وإنْ جرَى ذكرُهم؛ لأَنَّ ذكرَ الإِنْسِ والجنِّ جرَى معًا، فذكَر لِلنَّاسِ؛ كراهةَ الالتباسِ، وقدَّمه على فِي هَذَا الْقُرْآنِ كما قدَّمه فى قوله: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ثمَّ قال: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ، وأَمَّا فى سورةِ (الكهفِ) فقدِّم فِي هَذَا الْقُرْآنِ؛ لأَنَّ ذكرَه أجلُّ الغرضِ؛ وذلك أَنَّ اليهودَ سألتْه عن قصَّةِ أَصحابِ الكهفِ، وقصَّةِ ذى القَرْنينِ، فأَوحَى الله إليه فى القرآنِ؛ وكان تقديمُه فى هذا الموضعِ أَجدرَ، والعنايةُ بذكرِه أَحرَى وأَخلقَ [635] يُنظر: ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/292). ويُنظر أيضًا: ((ملاك التأويل)) لأبي جعفر الغرناطي (2/311-312).   .
- وقُدِّمَ لِلنَّاسِ على فِي هَذَا الْقُرْآنِ هنا في الآيةِ الثَّانيةِ؛ اهتمامًا بالتَّمييزِ المذكورِ، وبالنَّاسِ لأنَّهم الأصلُ في التَّكليفِ؛ ولهذا اقتصَرَ عليهم في غالبِ الآياتِ؛ كقولِه: مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ [البقرة: 159] ، وقولِه: أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ [البقرة: 185] ، وعكَسَ في (الكهفِ) لمُناسبةِ قولِه قبْلُ: مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً [636] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 325).   [الكهف: 49] .
- ومن المناسبةِ الحَسنةِ كذلك: خِتامُ آيةِ (الإسراءِ) الأُولَى بقولِه: وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا؛ لأنَّ الضميرَ للمَذكورينَ ممَّن خُصَّ بمقصودِ الخِطاب المُكْنَى عنهم بقولِه: لِيَذَّكَّرُوا، وختامُ الآيةِ الثانية بقولِه: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا [الإسراء: 89] ؛ لتُعطِيَ إعادةَ الظاهرِ من التعنيفِ والتقريعِ ما لا يُعطيه المُضمَرُ، ولأنَّ أوَّلَ الخِطابِ وصَدْرَ الآيةِ لَمَّا قُدِّمَ فيه ذِكرُ النَّاس لشرفِ الجِنسِ الإنسانيِّ على الجِنِّ، ثمَّ لم يَكُن ممَّن لم يُؤمِنْ إلَّا العِنادُ، قيل: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ؛ ليُعطيَ بفحواه أنَّه كأنَّه قيل: فأبَى أكثرُ النَّاسِ على تَشريفِهم وتَفضيلِنا إيَّاهم إلَّا الكُفرَ؛ فأحرزَ الظاهرُ ما لم يكُنْ ليحرِزَه إضمارُهم. وختَم آية (الكهفِ) بقولِه: وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف: 54] ؛ تَمهيدًا لِمَا سيأتي بعدَه من قوله تعالى: وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ [الكهف: 56] ، فلمَّا بُنِيَ هذا على الآيةِ، واتَّصلَ الكلامُ والْتَحَم، نُوسِب بينهما، وليس في الآيتَينِ في سُورةِ (الإسراءِ) قبلُ ولا فيما تقدَّم كلَّ واحدةٍ منهما وفيما بُني عليهما ما يَستدعي ذِكرَ الجدلِ ولا الوصفَ به؛ فلذلك خُتِمتْ كلُّ واحدةٍ منهما بما تَقدَّم؛ فأُعقِبَتِ الأُولى بقولِه تعالى: وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا [الإسراء: 41] ، وأُعقِبَتِ الثانيةُ بقولِه: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا، وأُعقِبتْ آيةُ (الكهفِ) بما يُناسِبُ ما ورَد عليه بَعدَه، وجاء كلٌّ على ما يُناسبُ [637] يُنظر: ((ملاك التأويل)) لأبي جعفر الغرناطي (2/312).   .
- قولُه: لِيَذَّكَّرُوا فيه الْتِفاتٌ إلى الغَيبةِ؛ للإيذانِ باقتضاءِ الحالِ أنْ يُعْرِضَ عنهم، ويَحْكي للسَّامعينَ هَنَاتِهم [638] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/174).   .
3- قَولُه تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا
- جُملةُ كَمَا يَقُولُونَ مُعترِضةٌ؛ للتَّنبيهِ على أنَّ تعدُّدَ الآلهةِ لا تحقُّقَ له، وإنَّما هو مُجرَّدُ قولٍ عارٍ عن المُطابقةِ لِمَا في نفْسِ الأمرِ. وإِذًا دالَّةٌ على الجوابِ والجزاءِ؛ فهي مُؤكِّدةٌ لمعنى الجوابِ الَّذي تدُلُّ عليه اللَّامُ المُقترِنةُ بجوابِ (لو) الامتناعيَّةِ الدَّالةِ على امتناعِ حُصولٍ [639] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/110).   .
- قولُه: إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا فيه استحضارُ الذَّاتِ العلِيَّةِ بوصْفِ ذِي الْعَرْشِ دونَ اسمِه العَلَمِ (الله)؛ لِمَا تتضمَّنَه الإضافةُ إلى العرشِ من الشَّأنِ الجليلِ [640] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/112).   ، ولأنَّ في التصريحِ بالعرشِ تَصويرًا لعَظَمتِه سبحانَه [641] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/422).   .
4- قَولُه تعالى: سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا
- قولُه: عُلُوًّا كَبِيرًا فيه وصْفُ العُلوِّ بالكِبَرِ؛ مُبالغةً في معنى البراءةِ والبُعدِ ممَّا وَصَفوه به [642] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/669)، ((تفسير أبي حيان)) (7/54).   .
5- قَولُه تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا
- قولُه: وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ فيه ما يُعْرَفُ بالتَّنكيتِ، وهو قصْدُ المُتكلِّمِ إلى شَيءٍ بالذِّكرِ دونَ غيرِه ممَّا يسُدُّ مَسدَّه لنُكتةٍ في المذكورِ تُرجِّحُ مَجيئَه على سِواه؛ فقد خصَّ سُبحانَه هنا تَفْقَهُونَ دونَ (تعلمون)؛ لِمَا في الفقهِ من الزِّيادةِ على العلْمِ؛ لأنَّه التَّصرُّفُ في المعلومِ بعدَ عِلْمِه، واستنباطِ الأحكامِ منه، والمُرادُ الَّذي يَقْتضيه معنى الكلامِ التَّفقُّهُ في معرفةِ التَّسبيحِ من الحيوانِ البهيمِ والنَّباتِ والجَمادِ، وكلِّ ما يَدخُلُ تحتَ لفظةِ (شَيءٍ) ممَّا لا يعقِلُ ولا ينطِقُ؛ إذ تَسبيحُ ذلك بمُجرَّدِ وُجودِه الدَّالِّ على قُدرةِ مُوجِدِه وحِكمتِه [643] يُنظر: ((البرهان)) للزركشي (3/380)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/449).   ، وذلك على أحدِ القولينِ في المرادِ بالتسبيحِ.
- قولُه: إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا فيه الختْمُ بالحِلْمِ والمغفرةِ عقِبَ تَسابيحِ الأشياءِ، وهو غيرُ ظاهرٍ في بادي الرَّأيِ؛ ووجْهُ ذلك الخِتامِ وحِكمتُه: أنَّه لمَّا كانتِ الأشياءُ كلُّها تُسبِّحُ ولا عِصيانَ في حقِّها وأنتم تَعْصون، ختَمَ بالحلمِ والغُفرانِ؛ مُراعاةً للمُقدَّرِ في الآيةِ وهو العِصيانُ. وقيل: التَّقديرُ: حليمًا عن تَفريطِ المُسبِّحينَ، غفورًا لذُنوبِهم. وقيل: حليمًا عن المُخاطبينَ الَّذين لا يَفْقهون التَّسبيحَ بإهمالِهم النَّظرَ في الآياتِ والعِبَرِ؛ ليَعْرِفوا حقَّه بالتَّأمُّلِ فيما أودَعَ في مَخلوقاتِه ممَّا يُوجِبُ تَنزيهَه [644] يُنظر: ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (5/ 1815- 1816). ويُنظر أيضًا: ((البرهان)) للزركشي (1/ 92- 93).   .