موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: أسبابُ الوُقوعِ في الذُّلِّ المذمومِ


1- الإشراكُ باللَّهِ تعالى والابتداعُ في الدِّينِ:
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152] .
قال الطَّبَريُّ: (يقولُ تعالى ذِكرُه: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ إلهًا سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ، بتعجيلِ اللَّهِ لهم ذلك وَذِلَّةٌ وهي الهوانُ؛ لعقوبةِ اللَّهِ إيَّاهم على كُفرِهم برَبِّهم فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا في عاجِلِ الدُّنيا قبلَ آجِلِ الآخِرةِ) [3475] ((جامع البيان)) (13/134). .
وقال الشَّاطبيُّ: (كُلُّ من ابتدع في دينِ اللَّهِ فهو ذليلٌ حقيرٌ بسَبَبِ بدعتِه، وإن ظَهَر لبادي الرَّأيِ عِزُّه وجبروتُه، فهم في أنفُسِهم أذِلَّاءُ، وأيضًا فإنَّ الذِّلَّةَ الحاضرةَ بَيْنَ أيدينا موجودةٌ في غالبِ الأحوالِ؛ ألا ترى أحوالَ المبتَدِعةِ في زمانِ التَّابعين، وفيما بعدَ ذلك؟ حتى تَلبَّسوا بالسَّلاطينِ، ولاذوا بأهلِ الدُّنيا، ومَن لم يقدِرْ على ذلك استخفى ببدعتِه، وهرَب بها عن مخالطةِ الجُمهورِ، وعَمِل بأعمالِها على التَّقيَّةِ) [3476] ((الاعتصام)) (1/167). .
2- محاربةُ اللهِ ورسولِه ومخالفةُ أمرِهما:
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ [المجادلة: 20] .
قال ابنُ كثيرٍ: (يقولُ تعالى مخبِرًا عن الكُفَّارِ المعانِدين المحادِّين للهِ ورَسولِه، يعني: الذين هم في حَدٍّ، والشَّرعُ في حدٍّ، أي: مجانِبون للحَقِّ مُشاقُّون له، هم في ناحيةٍ والهدى في ناحيةٍ، أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ أي: في الأشقياءِ المُبعَدين المطرودين عن الصَّوابِ، الأذَلِّين في الدُّنيا والآخِرةِ) [3477] ((تفسير القرآن العظيم)) (8/53). .
وقال الشَّوكانيُّ: (أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ أي: أولئك المحادُّون للهِ ورَسولِه، المتَّصِفون بتلك الصِّفاتِ المتقَدِّمةِ: من جملةِ مَن أذلَّه اللهُ مِن الأمَمِ السَّابقةِ واللَّاحقةِ؛ لأنهَّم لمَّا حادُّوا اللهَ ورسولَه صاروا من الذُّلِّ بهذا المكانِ. قال عطاءٌ: يريدُ الذُّلَّ في الدُّنيا والخِزيَ في الآخِرةِ) [3478] ((فتح القدير)) (5/230). .
3- النِّفاقُ والاعتزازُ بغَيرِ اللهِ سُبحانَه وتعالى:
قال تعالى: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المُنافِقون: 8] .
قال الكلاباذيُّ: (قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فكان الأذَلُّ هو الأعَزَّ عِندَ نفسِه بكثرةِ أتباعِه وكثرةِ أنصارِه..، فالذِّلَّةُ هي التَّعزُّزُ بمن لا يملِكُ لنفسِه ضَرًّا ولا نفعًا، ولا يملِكُ موتًا ولا حياةً ولا نُشورًا، فهو كما قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج: 73] ، فلا أذَلَّ ممَّن ردَّ إلى نفسِه الأمَّارةِ بالسُّوءِ، وانفرد في متابعةِ هواه وظُلمةِ رأيه، وانقطَع عمَّن له العِزَّةُ؛ فإنَّ العِزَّةَ للهِ ولرسولهِ وللمُؤمِنين...) [3479] ((معاني الأخبار)) (1/136) بتصرف يسير. .
4- استمراءُ المعاصي وتسويفُ التَّوبةِ:
قال تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [آل عمران: 112] .
قال أبو حيَّانَ الأندَلُسيُّ: (لمَّا ذكَر تعالى حلولَ العُقوبةِ بهم من ضَربِ الذِّلَّةِ والمسكنةِ، والمَباءةِ [3480] المباءةُ: المرجِعُ إلى الشَّيءِ. يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/ 229). بالغَضَبِ، بَيَّنَ عِلَّةَ ذلك، فبدأ بأعظَمِ الأسبابِ في ذلك، وهو كُفرُهم بآياتِ اللَّهِ، ثمَّ ثنَّى بما يتلو ذلك في العِظَمِ، وهو قَتلُ الأنبياءِ، ثمَّ أعقب ذلك بما يكونُ من المعاصي، وما يتعدَّى من الظُّلمِ) [3481] ((البحر المحيط)) (1/384). .
وقال الحَسَنُ البَصريُّ: (أمَا واللَّهِ لئن تدقدَقَتْ بهم الهماليجُ، ووَطِئَت الرِّحالُ أعقابَهم، إنَّ ذُلَّ المعاصي لفي قلوبِهم، ولقد أبى اللهُ أن يعصيَه عبدٌ إلَّا أذَلَّه) [3482] رواه أبو نعيم ((حلية الأولياء)) (2/149). .
5- الكِبرُ والأنَفةُ عن قَبولِ الحَقِّ:
قال الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يحشَرُ المتكَبِّرون يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صورةِ الرِّجالِ، يغشاهم الذُّلُّ من كُلِّ مكانٍ)) [3483] رواه مطوَّلًا الترمذي (2492) واللفظ له، وأحمد (6677). صحَّحه الترمذي، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2492)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (10/157)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6677)، وجوَّده ابن حجر في ((فتح الباري)) (11/431). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (من تعاظَم وتكَبَّرَ ودعا النَّاسَ إلى إطرائِه في المدحِ والتَّعظيمِ، والخضوعِ والرَّجاءِ، وتعليقِ القلبِ به خوفًا ورجاءً والتجاءً واستعانةً؛ فقد تشبَّه باللَّهِ ونازعَه في ربوبيَّتِه وإلهيَّتِه، وهو حقيقٌ بأن يُهينَه غايةَ الهوانِ، ويُذِلَّه غايةَ الذُّلِّ، ويجعَلَه تحتَ أقدامِ خَلقِه) [3484] ((الداء والدواء)) (ص: 137). .
6- اتِّباعُ الهوى:
قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [الجاثية: 23] .
(قال ابنُ تَيميَّةَ: من قَهَره هواه ذلَّ وهان، وهلَك وباد) [3485] ((غذاء الألباب)) للسفاريني (2/458). . وقال ابنُ القيِّمِ: (لكُلِّ عبدٍ بدايةٌ ونهايةٌ؛ فمن كانت بدايتُه اتِّباعَ الهوى كانت نهايتُه الذُّلَّ والصَّغارَ والحِرمانَ والبَلاءَ المتبوعَ بحَسَبِ ما اتَّبع من هواه، بل يصيرُ له ذلك في نهايتِه عذابًا يُعَذَّبُ به في قَلبِه) [3486] ((روضة المحبين)) (1/483). .
وقال ابنُ القَيِّمِ أيضًا: (تجِدُ في المتَّبِعُ لهواه من ذُلِّ النَّفسِ ووضاعتِها ومهانتِها وخِسَّتِها وحقارتِها ما جعله اللهُ سُبحانَه فيمن عصاه... وقد جَعَل اللهُ سُبحانَه العِزَّ قرينَ طاعتِه، والذُّلَّ قرينَ مَعصيتِه) [3487] ((الجواب الكافي)) لابن القيم (1/179، 180). .
7- مفارقةُ جماعةِ المُسلِمين:
قال اللهُ تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 115] .
قال الكلاباذيُّ: (فمن... خالف أولياءَ اللهِ عزَّ وجَلَّ باتِّباعِه غيرَ سَبيلِهم، فهو الوحيدُ الشَّريدُ الطَّريدُ، الحقيرُ الذَّليلُ، النَّذْرُ القليلُ، جليسُ الشَّيطانِ، وبَغيضُ الرَّحمنِ...) [3488] ((معاني الأخبار)) (1/136). .
8- تركُ الِجهادِ وحُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ:
عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إذا ضَنَّ النَّاسُ  بالدِّينارِ والدِّرهَمِ، وتبايعوا بالعِينةِ، وتَبِعوا أذنابَ البَقَرِ، وتركوا الجهادَ في سبيلِ اللَّهِ؛ سلَّط اللَّهُ عليهم ذلًّا لا يرفَعُه حتَّى يراجِعوا دينَهم)) [3489] رواه من طرق: أبو داود (3462) مختصرًا، وأحمد (4825) واللفظُ له. صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3462)، وفي ((صحيح الجامع)) (675)، وحسَّنه لغيره ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (504)، وحسَّنه بمجموع طرقه الوادعي في ((صحيح دلائل النبوة)) (559)، وصحَّح إسنادَه الطبري في ((مسند عمر)) (1/108)، وابن تيمية في ((بيان الدليل)) (109)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (3/143)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (7/27). .
قال ابنُ رجَبٍ: (من أعظَمِ ما حَصَل به الذُّلُّ من مخالفةِ أمرِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَركُ ما كان عليه من جهادِ أعداءِ اللَّهِ، فمن سلك سبيلَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عزَّ، ومن ترك الجهادَ مع قدرتِه عليه ذَلَّ... ورأى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سِكَّةَ الحَرثِ [3490] سِكَّةُ الحَرثِ، هي الحديدةُ التي تُحرَثُ بها الأرضُ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن رجب (5/5). فقال: ((ما دخَلَت دارَ قومٍ إلَّا دخلها الذُّلُّ)) [3491] رواه البخاري (2321) عن أبي أمامةَ الباهليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((لا يدخُلُ هذا بيتَ قَومٍ إلَّا أدخله الذُّلَّ)). . فمن ترَك ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الجهادِ مع قدرتِه، واشتغل عنه بتحصيلِ الدُّنيا من وجوهِها المباحةِ، حصَل له من الذُّلِّ، فكيف إذا اشتغل عن الجهادِ بجَمعِ الدُّنيا من وجوهِها المحرَّمةِ؟!) [3492] ((الحكم الجديرة بالإذاعة)) لابن رجب الحنبلي (1/40، 41). .
وقال الحَسَنُ البصريُّ: (قد رأينا أقوامًا آثروا عاجِلَتَهم على عاقِبَتِهم، فذَلُّوا وهلكوا وافتضَحوا) [3493] رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (2/157). . وقال الحسَنُ: (ما أعزَّ أحدٌ الدِّرهَمَ إلَّا أذلَّه اللَّهُ) [3494] رواه عبد الله بن أحمد في ((زوائد الزهد)) (1536)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (6/152). .
وقال أبو العتاهيةِ:
ألا إنَّما التَّقوى هي العزُّ والكَرَمُ
وحبُّك للدُّنيا هو الذُّلُّ والسَّقَمُ
وليس على عبدٍ تقيٍّ نقيصةٌ
إذا حقَّق التَّقوى وإن حاك أو حَجَم [3495] ((الحكم الجديرة بالإذاعة)) لابن رجب الحنبلي (1/32).
9- البُخلُ وشيوعُ الرِّبا وأكلُ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ:
قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا ضَنَّ النَّاسُ بالدِّينارِ والدِّرهَمِ، وتبايعوا بالعِينةِ، وتَبِعوا أذنابَ البَقَرِ، وتركوا الجهادَ في سبيلِ اللَّهِ؛ سلَّط اللَّهُ عليهم ذلًّا لا يرفَعُه حتَّى يراجِعوا دينَهم)) [3496]رواه من طرق: أبو داود (3462) مختصرًا، وأحمد (4825) واللفظ له صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3462)، وفي ((صحيح الجامع)) (675)، وحسَّنه لغيره ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (504)، وحسَّنه بمجموع طرقه الوادعي في ((صحيح دلائل النبوة)) (559)، وصحَّح إسناده الطبري في ((مسند عمر)) (1/108)، وابن تيمية في ((بيان الدليل)) (109)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (3/143)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (7/27). .
10- إيذاءُ الصَّالحين واحتقارُهم:
قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13] .
وقال تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم: 32] .
قال المناويُّ: (فينبغي للإنسانِ ألَّا يحتقِرَ أحدًا؛ فربَّما كان المحتقَرُ أطهَرَ قلبًا، وأزكى عمَلًا، وأخلصَ نيَّةً؛ فإنَّ احتقارَ عبادِ اللهِ يورِثُ الخُسرانَ، ويُورِثُ الذُّلَّ والهوانَ) [3497] ((فيض القدير)) (5/380). .
11- سؤالُ النَّاسِ والتَّطلُّعُ لِما في أيديهم:
قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لَأَن يأخُذَ أحَدُكم حَبْلَه، فيأتيَ بحُزمةِ الحَطَبِ على ظَهرِه فيبيعَها، فيكُفَّ اللهُ بها وَجْهَه: خيرٌ له من أن يسألَ النَّاسَ؛ أعطَوه أو مَنَعوه)) [3498] رواه البخاري (1471) من حديثِ الزُّبَيرِ بنِ العوَّامِ رَضِيَ اللهُ عنه. .
قال ابنُ حَجَرٍ: (فيه الحَضُّ على التَّعفُّفِ عن المسألةِ، والتَّنزُّهِ عنها، ولو امتَهَن المرءُ نفسَه في طَلَبِ الرِّزقِ، وارتكَب المشقَّةَ في ذلك، ولولا قُبحُ المسألةِ في نظَرِ الشَّرعِ لم يُفَضِّلْ ذلك عليها، وذلك لِما يدخُلُ على السَّائِلِ من ذُلِّ السُّؤالِ، ومِن ذُلِّ الرَّدِّ إذا لم يُعْطَ) [3499] ((فتح الباري)) (3/336). .
وقال ابنُ مُفلِحٍ: (أَولى النَّاسِ بحِفظِ المالِ، وتنميةِ اليسيرِ منه، والقناعةِ بقليلِه؛ توفيرًا لحِفظِ الدِّينِ والجاهِ، والسَّلامةِ مِن مِنَنِ العوامِّ الأراذِلِ: العالِمُ الذي فيه دينٌ، وله أنَفةٌ من الذُّلِّ) [3500] ((الآداب الشرعية)) (1/219). .
12- موالاةُ الكافِرين:
قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء: 139] ، وقد نهى اللهُ عن موالاةِ الكافِرين، ومن ذلك قولُه: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 28] ، وقَولُه: يَا أَيَّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء: 144] ، وقَولُه: يَا أَيَّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51] إلى غيرِ ذلك.
13- التَّحزُّبُ والتَّفرُّقُ وتنافُرُ القُلوبِ:
جاءت نصوصٌ عديدةٌ في الشَّريعةِ تحَذِّرُ من التَّحزُّبِ والتَّفرُّقِ؛ لما لذلك من أثرٍ سَلبيٍّ من ضَعفِ قُوَّةِ المسلمين، وذَهابِ عِزِّهم، ولحوقِ الذُّلِّ والمهانةِ بهم.
قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 103] .
وقال تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران: 105] .
وقال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 46] .
14- الطَّمَعُ؛ قال ابنُ عطاءٍ: (ما بَسَقت أغصانُ ذُلٍّ إلَّا على بَذرِ طَمَعٍ... أنت حرٌّ ممَّا أنت عنه آيِسٌ، وعبدٌ لِما أنت له طامِعٌ) [3501] ((الحكم)) (ص: 28). .
وكان يُقالُ: (ما دَرَجَت أفراخُ ذُلٍّ إلَّا من وَكرِ طماعةٍ) [3502] يُنظَر: ((نفح الطيب)) للمقري التلمساني (6/ 332). . وقال بعضُ العارفين: (الطَّمَعُ طَمَعانِ: طَمَعٌ يوجِبُ الذُّلَّ للهِ، وهو إظهارُ الافتقارِ، وغايتُه العَجزُ والانكسارُ، وغايتُه الشَّرَفُ والعِزُّ والسَّعادةُ الأبديَّةُ، وطَمَعٌ يوجِبُ الذُّلَّ في الدَّارينِ -وهو المرادُ هنا- وهو رأسُ حُبِّ الدُّنيا، وحُبُّ الدُّنيا رأسُ كُلِّ خطيئةٍ، والخطيئةُ ذُلٌّ وخِزيٌ. وحقيقةُ الطَّمَعِ أن تُعَلِّقَ همَّتَك وقلبَك وأمَلَك بما ليس عندك، فإذا أمطَرَت مياهُ الآمالِ على أرضِ الوجودِ، وألقيَ فيها بَذرُ الطَّمعِ؛ بسَقَت أغصانُها بالذُّلِّ، ومتى طَمِعْتَ في الآخرةِ وأنت غارِقٌ في بحرِ الهوى ضَلَلْتَ وأضلَلْتَ) [3503] يُنظَر: ((فيض القدير)) للمناوي (3/ 132). .

انظر أيضا: