موسوعة التفسير

سُورةُ القَدْرِ
الآيات (1-5)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ

المعنى الإجمالي:

افتَتَح اللهُ تعالى هذه السُّورةَ الكريمةَ مُخبِرًا بأنَّه تعالى أنزَلَ القُرآنَ في لَيلةِ القَدْرِ مِن شَهرِ رَمَضانَ، ثمَّ عظَّم شأنَها قائلًا: وما أعلَمَك -يا محمَّدُ- أيُّ شَيءٍ لَيلةُ القَدْرِ؟!
ثمَّ بيَّن الله سُبحانَه مَظاهِرَ فَضْلِها، فقال: لَيلةُ القَدْرِ في خَيرِها وبَرَكتِها وثَوابِ الأعمالِ فيها: أفضَلُ مِن ألْفِ شَهرٍ.
تَهبِطُ الملائكةُ وجِبريلُ مِنَ السَّماءِ إلى الأرضِ في لَيلةِ القَدْرِ بإذْنِ رَبِّهم مِن كُلِّ أمرٍ، وهي لَيلةٌ ذاتُ سلامةٍ مِن كُلِّ شَرٍّ وأذًى، وذلك مِن بَعْدِ غُروبِ الشَّمسِ إلى طُلوعِ الفَجْرِ.

تفسير الآيات:

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1).
أي: إنَّا أنزَلْنا القُرآنَ في لَيلةِ القَدْرِ مِن شَهرِ رَمَضانَ [6] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/542)، ((الوسيط)) للواحدي (4/532)، ((تفسير ابن عطية)) (5/504)، ((تفسير القرطبي)) (20/129)، ((تفسير ابن كثير)) (8/441)، ((تفسير السعدي)) (ص: 931). قال الرازي: (أجمَعَ المفَسِّرونَ على أنَّ المرادَ: إنَّا أنزَلْنا القُرآنَ في لَيلةِ القَدْرِ). ((تفسير الرازي)) (32/228). قال ابنُ جُزَي: (وفي كَيْفيَّةِ إنْزالِه في لَيْلةِ القَدْرِ قَوْلانِ: أحَدُهما: أنَّه ابْتَدَأَ إنْزالُه فيها. والآخَرُ: أنَّه أُنزِلَ القُرآنُ فيها جُمْلةً واحِدةً إلى السَّماءِ، ثُمَّ نَزَلَ به جِبْريلُ إلى الأرضِ بطولِ عِشْرينَ سَنةً). ((تفسير ابن جزي)) (2/499). ويُنظر: ((تفسير الماوردي)) (6/311). ممَّن اختارَ القَولَ الأوَّلَ -أنَّ المُرادَ: أنَّ ابْتِداءَ نُزولِه على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان في لَيلةِ القَدْرِ-: القاسِميُّ، والسعديُّ، وابنُ عُثَيْمينَ. يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (9/516)، ((تفسير السعدي)) (ص: 931)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 269). وممَّن قال بهذا مِن السَّلَفِ: الشَّعْبيُّ. يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (6/312). وممَّن اختار القَولَ الثَّانيَ -أنَّ المرادَ إنزالُه كامِلًا مِن اللَّوحِ المحفوظِ إلى السَّماءِ الدُّنيا-: ابنُ جريرٍ، والزَّجَّاجُ، والسَّمرقنديُّ، ومكِّيٌّ، والواحِديُّ، والسَّمعانيُّ، والبَغَويُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/542)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/347)، ((تفسير السمرقندي)) (3/601)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/8365)، ((الوسيط)) للواحدي (4/532)، ((تفسير السمعاني)) (6/260)، ((تفسير البغوي)) (5/283). وممَّن قالَ بهذا القَولِ مِن السَّلَفِ: ابنُ عبَّاسٍ، وسَعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والرَّبيعُ بنُ أنَسٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/542)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (8/567). ومِمَّن جمَعَ بيْنَ القَولَينِ: البِقاعيُّ. يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/177). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عاشور)) (30/456، 457). واخْتُلِفَ في سَبَبِ تَسْميةِ لَيْلةِ القَدْرِ بذلك؛ فقيل: سُمِّيَتْ بذلك لأنَّها اللَّيلةُ الَّتي يُقَدِّرُ اللهُ تَعالى ويَحكُمُ ويَقْضي فيها أمورَ سَنةٍ كامِلةٍ. ومِمَّن ذهَبَ إلى هذا القَولِ: ابنُ قُتَيْبةَ، وابنُ جَريرٍ، والواحِديُّ، والبَغَويُّ، وابنُ جُزَي، والعُلَيْمي، والشنقيطي. يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 534)، ((تفسير ابن جرير)) (24/542)، ((الوسيط)) للواحدي (4/532)، ((تفسير البغوي)) (5/283)، ((تفسير ابن جزي)) (2/500)، ((تفسير العليمي)) (7/405)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/173). قال البَغَويُّ: (سُمِّيَتْ لَيْلةَ القَدْرِ؛ لأنَّها لَيْلةُ تَقديرِ الأمورِ والأحكامِ، يُقدِّرُ اللهُ فيها أمْرَ السَّنةِ في عِبادِه وبِلادِه إلى السَّنةِ المُقْبلةِ). ((تفسير البغوي)) (5/283). قال الرَّازيُّ: (وهذا القَولُ اختيارُ عامَّةِ العُلَماءِ). ((تفسير الرازي)) (32/229). وقال ابنُ جُزَي: (وسُمِّيَتْ لَيْلةَ القَدْرِ مِن تَقْديرِ الأمورِ فيها، أو مِن القَدْرِ بمَعْنى الشَّرَفِ، ويَتَرجَّحُ الأوَّلُ بقَوْلِه: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان: 4]). ((تفسير ابن جزي)) (2/500). وممَّن اختارَ أنَّها سُمِّيَتْ بذلك مِن الشَّرَفِ والفَضْلِ كما قال تعالى فِي سورةِ الدُّخَانِ: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان: 3] أي: لَيْلةِ القَدْرِ والشَّرَفِ عندَ اللهِ تَعالى: ابنُ عاشورٍ، ونَسَبَه ابنُ عَطيَّةَ وغيرُه للزُّهْريِّ. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/457)، ((تفسير ابن عطية)) (5/505). وقيل: المرادُ: أنَّ لها قَدْرًا عظيمًا، وشَرَفًا كبيرًا، والأعمالُ فيها ذاتُ قَدْرٍ وشرَفٍ. ومِمَّن ذهب إلى هذا المعنى: البِقاعيُّ. يُنظر: ((نظم الدرر)) (22/178). ومِمَّن جمَعَ بيْنَ المَعْنيَينِ السابقين في الجُملةِ (أي: الشرف والتقدير): السعديُّ، وابنُ عُثَيْمينَ. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 931)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 270). قال السعديُّ: (سُمِّيَتْ لَيْلةَ القَدْرِ؛ لِعِظَمِ قَدْرِها، وفَضْلِها عندَ اللهِ، ولأنَّه يُقدَّرُ فيها ما يكونُ في العامِ مِنَ الأجَلِ والأرْزاقِ والمَقاديرِ القَدَريَّةِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 931). وقيلَ غيرُ ذلك في سَبَبِ التَّسْميةِ. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (4/469)، ((تفسير الرسعني)) (8/689). قال الرَّسْعنيُّ: (اخْتَلَفوا: هلْ هي باقِيةٌ، أو كانت في زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خاصَّةً؟ على قَولَينِ. والصَّحيحُ: أنَّها باقِيةٌ. واختَلَفوا: هل هي مَخْصوصةٌ بشَهرِ رَمَضانَ، أو تكونُ في جَميعِ السَّنةِ؟ على قَولَينِ. والصَّحيحُ: اخْتِصاصُها بشَهرِ رمضانَ. وذهَبَ الأكثَرونَ إلى اخْتِصاصِ الأفْرادِ مِن العَشرِ الأخيرِ منه بها، وعليه تدُلُّ الأحاديثُ الصَّحيحةُ، والآثارُ). ((تفسير الرسعني)) (8/690). وقد اختلفوا في تعيينِ ليلةِ القدرِ، وأرجاها عندَ الجمهورِ ليلةُ سبعٍ وعشرينَ، ومِن أهلِ العلمِ مَن رجَّح أنَّها تتنقَّلُ في ليالي العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/505)، ((تفسير ابن كثير)) (8/447)، ((فتح الباري)) لابن حجر (4/262)، ((تفسير ابن عثيمين: جزء عم)) (ص: 272). قال ابنُ حجرٍ: (قال العلماءُ: الحِكمةُ في إخفاءِ ليلةِ القدرِ؛ ليحصلَ الاجتهادُ في التماسِها، بخلافِ ما لو عُيِّنتْ لها ليلةٌ لاقتُصِر عليها). ((فتح الباري)) (4/266). ويُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/451). وقال ابن عثيمين: (إنَّما أبهمها الله عزَّ وجلَّ لفائدتينِ عظيمتينِ: الفائدة الأولى: بيانُ الصَّادقِ في طلبِها مِن المتكاسلِ... الفائدة الثانية: كثرةُ ثوابِ المسلمينَ بكثرةِ الأعمالِ؛ لأنَّه كلَّما كثُر العملُ كثُر الثَّوابُ). ((تفسير ابن عثيمين: جزء عم)) (ص: 273). عن عائِشةَ رَضِي اللهُ عنها، قالت: ((قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القَدرِ، ما أقولُ فيها؟ قال: قُولي: اللَّهُمَّ، إنِكَّ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فاعْفُ عَنِّي)). رواه أحمد (6/171) (25423)، والترمذي (3513)، وابن ماجة (3850)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 407) (7712)، والحاكم (1/712). قال الترمذي: (حسنٌ صحيحٌ)، وقال الحاكم: (صحيحٌ على شرطِ الشيخيْنِ ولم يخرجاه)، وقال النووي في ((الأذكار)) (247): (إسنادُه صحيحٌ)، وصححه ابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/249)، والألباني في ((صحيح الترمذي)) (3513). وعن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه قال: ((... أخبَرَنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّها تطلُعُ يومَئذٍ لا شُعاعَ لها)). رواه مسلم (762). وفي لفظٍ آخَرَ لِمُسلمٍ عن أبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((وأمارَتُها أن تطلُعَ الشَّمسُ في صبيحةِ يَومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها)). .
كما قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ [البقرة: 185] .
وقال سُبحانَه: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ [الدخان: 3] .
وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((تحَرَّوا لَيلةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ )) [7] رواه البخاري (2020)، ومسلم (1169). .
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا عُلِمَ مِنَ السِّياقِ تعظيمُ لَيلةِ القَدْرِ بعَظَمةِ ما أُنزِلَ فيها، وبالتَّعبيرِ عنها بهذا، قال مؤكِّدًا لذلك التَّعظيمِ؛ حَثًّا على الاجتهادِ في إحيائِها؛ لأنَّ للإنسانِ مِنَ الكَسَلِ والتَّداعي إلى البَطالةِ ما يُزَهِّدُه في ذلك [8] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/178). :
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2).
أي: قال اللهُ تعالى مُفَخِّمًا شأنَها، ومُعَظِّمًا لها: وما الَّذي أعلَمَك -يا محمَّدُ- أيُّ شَيءٍ لَيلةُ القَدْرِ [9] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/545)، ((تفسير ابن كثير)) (8/441)، ((تفسير السعدي)) (ص: 931). قال ابنُ عاشور: (أي: يَعسُرُ على شَيءٍ أن يُعَرِّفَك مِقدارَها). ((تفسير ابن عاشور)) (30/458). ؟!
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3).
أي: إنَّ لَيلةَ القَدْرِ -في خَيرِها وبَرَكتِها وثَوابِ الأعمالِ فيها- أفضَلُ مِن ألْفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القدرِ [10] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/547)، ((تفسير ابن عطية)) (5/505)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/179)، ((تفسير السعدي)) (ص: 931). قال ابن كثير: (عن مجاهدٍ: ليلةُ القدرِ خيرٌ مِن ألفِ شهرٍ، ليس في تلك الشُّهورِ ليلةُ القدرِ. وهكذا قال قتادةُ بنُ دعامةَ، والشافعيُّ، وغيرُ واحدٍ... وهذا القولُ بأنَّها أفضلُ مِن عبادةِ ألفِ شهرٍ، وليس فيها ليلةُ القدرِ هو اختيارُ ابنِ جريرٍ، وهو الصَّوابُ لا ما عداه). ((تفسير ابن كثير)) (8/443). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/547). وقال ابنُ كثير أيضًا: (الألْفُ شَهرٍ عِبارةٌ عن ثلاثٍ وثمانينَ سَنةً وأربعةِ أشهُرٍ). ((تفسير ابن كثير)) (8/442). وقال ابنُ عثيمين: (المرادُ بالخَيريَّةِ هنا ثوابُ العمَل ِفيها، وما يُنزِلُ اللهُ تعالى فيها مِن الخَيرِ والبَرَكةِ على هذه الأُمَّةِ؛ ولذلك كان مَن قامها إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنْبِه). ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 270، 271). .
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن قام لَيلةَ القَدْرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنْبِه )) [11] رواه البخاري (1901)، ومسلم (760). .
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4).
أي: تَهبِطُ الملائكةُ وجِبريلُ مِنَ السَّماءِ إلى الأرضِ في لَيلةِ القَدْرِ بإذْنِ رَبِّهم لهم [12] قيل: تهبِطُ إلى السَّماءِ الدُّنيا. ومِمَّن قال به: الزمخشريُّ. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/781). وقيل: تهبِطُ إلى الأرضِ. ومِمَّن قال بهذا: الرازيُّ، والقرطبيُّ، وابنُ جُزَي، والشوكانيُّ، وابنُ عاشور، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (32/233)، ((تفسير القرطبي)) (20/133)، ((تفسير ابن جزي)) (2/500)، ((تفسير الشوكاني)) (5/576)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/463)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 271). قال الرَّازي: (اختيارُ الأكثَرينَ أنَّهم يَنزِلونَ إلى الأرضِ، وهو الأوجَهُ؛ لأنَّ الغَرَضَ هو التَّرغيبُ في إحياءِ هذه اللَّيلةِ، ولأنَّه دَلَّت الأحاديثُ على أنَّ الملائِكةَ يَنزِلونَ في سائِرِ الأيَّامِ إلى مَجالِسِ الذِّكرِ والدِّينِ، فلَأَنْ يَحصُلَ ذلك في هذه اللَّيلةِ مع عُلُوِّ شَأنِها: أَولى، ولأنَّ النُّزولَ المُطلَقَ لا يُفيدُ إلَّا النُّزولَ مِن السَّماءِ إلى الأرضِ). ((تفسير الرازي)) (32/233). مِن كُلِّ أمرٍ مِمَّا أمَرَ اللهُ به [13] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/547، 548)، ((الوسيط)) للواحدي (4/537)، ((تفسير القرطبي)) (20/133). قيل: معنى مِنْ كُلِّ أَمْرٍ: مِن كُلِّ أمرٍ قَضاه اللهُ في تلك السَّنةِ؛ مِن رِزقٍ، وأجَلٍ، وغيرِ ذلك. ومِمَّن ذهب إلى هذا: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، والزَّجَّاجُ، ومكِّيٌّ، والسَّمعانيُّ، والزمخشري، والرَّسْعَني، والقرطبي، والنسفي، وابنُ جُزَي، وجلال الدين المحلي، والشربيني، وأبو السعود، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/771)، ((تفسير ابن جرير)) (24/ 547)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/347)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/ 8373)، ((تفسير السمعاني)) (6/262)، ((تفسير الزمخشري)) (4/781)، ((تفسير الرسعني)) (8/ 694)، ((تفسير القرطبي)) (20/133)، ((تفسير النسفي)) (3/666)، ((تفسير ابن جزي (2/ 500)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 815)، ((تفسير الشربيني)) (4/568)، ((تفسير أبي السعود)) (9/183)، ((تفسير الشوكاني)) (5/576). وقيلَ: مِنْ كُلِّ أَمْرٍ: أي بكلِّ أمْرٍ مِن الخَيرِ والبَرَكةِ، وممَّن اختارَه: البَغَويُّ، والخازِنُ. يُنظر: ((تفسير البغوي)) (5/289)، ((تفسير الخازن)) (4/453). وقيل: إنَّ المَجْرورَ يَتَعلَّقُ بما بَعْدَه، والمَعْنى: أنَّها سَلامٌ مِن كلِّ أمْرٍ، أي: سَلامةٌ مِن الآفاتِ. وممَّن اختار هذا المعنى: السَّمَرْقَنديُّ، قال: (قال عزَّ وجَلَّ: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ يَعْني: يَنزِلونَ بأمْرِ رَبِّهم مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ، يَعْني: تلك اللَّيْلةُ مِن كلِّ أمْرٍ سَلامٌ، يَعْني: مِن كلِّ آفةٍ سَلامةٌ، يَعْني: في هذه اللَّيلةِ لأمَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ). ((تفسير السمرقندي)) (3/602). قال ابنُ جُزَي: (والأَظهَرُ أنَّ الكَلامَ تَمَّ عِندَ قَولِه: مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، ثُمَّ ابتدَأَ قَولَه: سَلَامٌ). ((تفسير ابن جزي)) (2/500). وقال الشَّوْكانيُّ: (قَولُه: مِنْ كُلِّ أَمْرٍ أي: مِن أجْلِ كلِّ أمْرٍ مِن الأمورِ الَّتي قَضى اللهُ بها في تلك السَّنةِ. وقيلَ: إنَّ مِنْ بمَعْنى اللَّامِ، أي: لكلِّ أمْرٍ. وقيلَ: هي بمَعْنى الباءِ، أي: بِكلِّ أمْرٍ). ((تفسير الشوكاني)) (5/576). وقال ابن عاشور: (ومِنْ في قولِه: مِنْ كُلِّ أَمْرٍ يجوزُ أنْ تكونَ بَيانِيَّةً تُبَيِّنُ الإذْنَ مِن قولِه: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، أيْ: بإذنِ رَبِّهم الَّذي هو في كلِّ أمرٍ. ويجوزُ أن تكونَ [مِنْ] بمعنى الباءِ، أي: تتنَزَّلُ بكُلِّ أمرٍ، مِثلُ ما في قَولِه تعالى: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد: 11]، أي: بأمرِ اللهِ، وهذا إذا جعَلْتَ باءَ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ سَببيَّةً، ويجوزُ أن تكونَ للتَّعليلِ، أي: مِن أجْلِ كُلِّ أمرٍ أراد اللهُ قَضاءَه بتَسخيرِهم). ((تفسير ابن عاشور)) (30/464). وقال ابنُ عثيمين: (قيلَ: إنَّ مِنْ بمعنى الباءِ، أي: بكُلِّ أمرٍ مِمَّا يأمُرُهم اللهُ به، وهو مُبهَمٌ لا نعلَمُ ما هو، لكِنَّنا نقولُ: إنَّ تنَزُّلَ الملائكةِ في الأرضِ عُنوانٌ على الخَيرِ والرَّحمةِ والبَرَكةِ). ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 271). ويُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/537). .
كما قال تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان: 4] .
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر اللهُ سُبحانَه فضائِلَ لَيلةِ القَدْرِ، كانت النَّتيجةُ أنَّها متَّصِفةٌ بالسَّلامةِ التَّامَّةِ، كاتِّصافِ الجنَّةِ -الَّتي هي سَبَبُها- بها؛ فكان ذلك أدَلَّ على عظَمَتِها [14] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/181). .
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5).
أي: لَيلةُ القَدْرِ سالِمةٌ مِن كُلِّ شَرٍّ وأذًى، وذلك مِن بَعْدِ غُروبِ الشَّمسِ إلى زَمَنِ طُلوعِ الفَجْرِ [15] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/548)، ((الوسيط)) للواحدي (4/537)، ((تفسير القرطبي)) (20/134)، ((تفسير السعدي)) (ص: 931). قال الزمخشري: (سَلَامٌ هِيَ ما هي إلَّا سلامةٌ، أي: لا يُقَدِّرُ اللهُ فيها إلَّا السَّلامةَ والخَيرَ، ويُقضَى في غيرِها بلاءٌ وسَلامةٌ. أو: ما هي إلَّا سلامٌ؛ لكَثرةِ ما يُسَلِّمونَ على المؤمنينَ). ((تفسير الزمخشري)) (4/781). ممَّن اختارَ في الجُمْلةِ أنَّ سَلَامٌ أي: سَلامةٌ وخَيْرٌ وبَرَكةٌ، فلا شَرَّ فيها: مُقاتِلُ بنُ سُلَيْمانَ، وابنُ جَريرٍ، والزَّجَّاجُ، وابنُ أبي زَمَنِينَ، والثَّعْلَبيُّ، والخازِنُ، والشَّوكانيُّ، والسعديُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/771)، ((تفسير ابن جرير)) (24/548)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/348)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (5/150)، ((تفسير الثعلبي)) (10/258)، ((تفسير الخازن)) (4/453)، ((تفسير الشوكاني)) (5/576)، ((تفسير السعدي)) (ص: 931). وممَّن قال بنَحوِ هذا القَولِ مِن السَّلفِ: الضَّحَّاكُ، ومُجاهِدٌ. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/ 537)، ((تفسير البغوي)) (5/289). وممَّن اخْتارَ أنَّ سَلَامٌ مِن التَّسْليمِ؛ وذلك لتَسْليمِ المَلائِكةِ على المُؤمِنينَ: جَلالُ الدِّينِ المحلِّيُّ، والعُلَيْميُّ. يُنظر: ((تفسير الجلالين)) (ص: 816)، ((تفسير العليمي)) (7/407). وممَّن قال به مِن السَّلَفِ: الشَّعْبيُّ، والكَلْبيُّ. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/537)، ((تفسير البغوي)) (5/289). وقال عَطاءٌ: (يُريدُ: سَلامٌ على أولياءِ اللهِ، وأهْلِ طاعتِه). يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/537). قال ابنُ عاشورٍ: (يُطلَقُ السَّلامُ على التَّحِيَّةِ والمِدْحةِ، وفُسِّرَ السَّلامُ بالخَيْرِ، والمَعْنيانِ حاصِلانِ في هذه الآيةِ؛ فالسَّلامةُ تَشملُ كُلَّ خَيرٍ؛ لأنَّ الخَيرَ سَلامةٌ مِنَ الشَّرِّ ومِنَ الأذى، فيَشملُ السَّلامُ: الغُفرانَ، وإجْزالَ الثَّوابِ، واسْتِجابةَ الدُّعاءِ بخَيرِ الدُّنيا والآخِرةِ. والسَّلامُ بمَعْنى: التَّحيَّةِ والقَولِ الحَسَنِ، مُرادٌ به ثَناءُ المَلائِكةِ على أهْلِ لَيلةِ القَدْرِ). ((تفسير ابن عاشور)) (30/465). .

الفوائد التربوية:

1- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَن تأمَّلَ هذه السُّورةَ عَلِمَ منها ما للقُرآنِ مِن العَظَمةِ؛ فأقْبَلَ عليه بكُلِّيَّتِه يَتْلوه حَقَّ تِلاوتِه [16] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/182). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ فيه تحريضُ المُسلِمينَ على تحيُّنِ لَيلةِ القَدْرِ بالقيامِ [17] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/456). . فيَنبغي للإنسانِ أنْ يَجتَهِدَ في كلِّ لَيالي العَشرِ الأواخرِ مِن رمضانَ حتَّى لا يُحرَمَ مِن فَضْلِ لَيلةِ القَدْرِ وأَجْرِها [18] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/243). .
3- قَولُ اللهِ تعالى: سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ عَرَّف بمُنتهاها؛ ليَحرِصَ النَّاسُ على كثرةِ العَمَلِ فيها قبلَ انتِهائِها [19] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/461). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- مِن تَسديدِ تَرتيبِ المُصحفِ أنْ وُضِعَت سُورةُ (القَدْرِ) عَقِبَ سُورةِ (العَلَقِ) مع أنَّها أقَلُّ عدَدَ آياتٍ مِن سُورةِ (البيِّنةِ) وسُوَرٍ بعْدَها، كأنَّه إيماءٌ إلى أنَّ الضَّميرَ في أَنْزَلْنَاهُ يَعودُ إلى القرآنِ الَّذي ابتُدِئَ نُزولُه بسُورةِ العلَقِ [20] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/456، 457). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ أجمَعَ المفَسِّرونَ على أنَّ المرادَ: إنَّا أنزَلْنا القُرآنَ في لَيلةِ القَدْرِ، ولكِنَّه تعالى تَرَك التَّصريحَ بالذِّكرِ؛ لأنَّ هذا التَّركيبَ يدُلُّ على عِظَمِ القُرآنِ مِن ثلاثةِ أوجُهٍ:
أحَدُها: أنَّه أسنَدَ إنزالَه إليه، وجعَلَه مُختَصًّا به دونَ غَيْرِه.
والثَّاني: أنَّه جاء بضَميرِه دونَ اسمِه الظَّاهرِ؛ شهادةً له بالنَّباهةِ والاستغناءِ عن التَّصريحِ.
والثَّالِثُ: تعظيمُ الوَقتِ الَّذي أُنزِلَ فيه [21] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (32/228). ويُنظر ما يأتي في بلاغةِ الآيات (ص: 76). .
3- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فيه سؤالٌ: ما معنى أنَّه أُنزِلَ في لَيلةِ القَدْرِ، مع العِلمِ بأنَّه أُنزِلَ مُفَرَّقًا؟
الجوابُ مِن وُجوهٍ:
الوَجهُ الأوَّلُ: قال الشَّعبيُّ: (ابتدَأَ إنزالُه لَيلةَ القَدْرِ؛ لأنَّ البَعثَ كان في رمَضانَ).
الوَجهُ الثَّاني: قال ابنُ عبَّاسٍ: (أُنزِلَ إلى سماءِ الدُّنيا جملةً لَيلةَ القَدْرِ، ثمَّ إلى الأرضِ نُجومًا). أي: مفرَّقًا.
الوَجهُ الثَّالِثُ: أنَّ التَّقديرَ: أنزَلْنا هذا الذِّكرَ في لَيلةِ القَدْرِ، أي: في فضيلةِ لَيلةِ القَدْرِ، وبَيانِ شَرَفِها [22] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (32/228، 229). وضعَّف ابنُ جُزَي الوجهَ الثَّالثَ. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/499). .
4- قال الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ نُزولُ القرآنِ في زمانٍ بعَيْنِه يَقتضي فَضْلَ ذلك الزَّمانِ [23] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/255). .
5- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ صَريحٌ في أنَّ الآياتِ الأُوَلَ مِن القُرآنِ الكريمِ نَزَلت ليلًا [24] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/457). .
6- في قَولِه تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ذَكَرَ اللهُ تعالى نفْسَه بالعَظَمةِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ؛ لأنَّه سُبحانَه وتعالى العَظيمُ الَّذي لا شيءَ أعظمُ منه، واللهُ تعالى يَذْكُرُ نفْسَه أحيانًا بصيغةِ العَظَمةِ، مِثلُ هذه الآيةِ الكريمةِ، ومِثلُ قَولِه تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] ، ومِثلُ قَولِه تبارك وتعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس: 12] ، وأحيانًا يَذكُرُ نفْسَه بصيغةِ الواحدِ، مِثلُ: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه: 14] ؛ وذلك لأنَّه واحِدٌ عظيمٌ، فباعتبارِ الصِّفةِ يأتي ضَميرُ العَظَمةِ، وباعتبارِ الوَحدانيَّةِ يأتي ضميرُ الواحِدِ [25] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 268). .
7- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ لا تعارُضَ بيْنه وبيْن قَولِه تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان: 3] ؛ لأنَّ اللَّيلةَ المُبارَكةَ هي ليلةُ القَدْرِ، وهي مِن شهرِ رَمَضانَ بنَصِّ قَولِه تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ [البقرة: 185] ، فما يَزعُمُه كثيرٌ مِنَ العُلَماءِ مِن أنَّ اللَّيلةَ المبارَكةَ لَيلةُ النِّصفِ مِن شَعبانَ تَرُدُّه هذه النُّصوصُ القُرآنيَّةُ [26] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)) للشنقيطي (ص:280). .
8- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ فيه دليلٌ على أنَّ ليلةَ القَدْرِ ثابتةٌ باقيةٌ، خِلافًا لِمَن زعَمَ أنَّها رُفِعَت [27] يُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن الفرس (3/623)، ((الإكليل)) للسيوطي (ص:295). قال النووي: (وأجمَعَ مَن يُعتَدُّ به على وُجودِها ودوامِها إلى آخِرِ الدَّهرِ؛ للأحاديثِ الصحيحةِ المشهورةِ ) ((شرح النووي على مسلم)) (8/57). .
9- قال تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ كلُّ موضعٍ فى القرآنِ: وَمَا أَدْرَاكَ فقد عُقِّب ببَيانِه، وكلُّ موضعٍ ذُكِر بلَفظِ: وَمَا يُدْرِيكَ لم يُعقَّبْ ببَيانِه، نحوُ قولِه تعالى: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [28] يُنظر: ((المفردات)) للراغب (ص: 313)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (2/597). وقال الفَرَّاءُ: (كلُّ ما كان في القرآنِ مِن قولِه: وَمَا أَدْرَاكَ فقد أدراه، وما كان مِن قولِه: وَمَا يُدْرِيكَ فلم يُدْرِه). ((معاني القرآن)) (3/280). وأخرج ابنُ جرير في ((تفسيره)) (23/207) بسندِه عن سُفْيانَ بنِ عُيَيْنةَ، قال: (ما في القرآنِ: وَمَا يُدْرِيكَ فلم يُخبِرْه، وما كان: وَمَا أَدْرَاكَ فقد أخبَرَه). وأخرجه أيضًا ابنُ المُنذِرِ وابنُ أبي حاتمٍ، كما في ((الدر المنثور)) للسيوطي (6/664). قال ابنُ عاشور: (مُرادُهم أنَّ مَفعولَ «ما أدراك» مُحقَّقُ الوقوعِ؛ لأنَّ الاستِفهامَ فيه للتَّهويلِ، وأن مَفعولَ «ما يُدْريك» غيرُ مُحقَّقِ الوقوعِ؛ لأنَّ الاستِفهامَ فيه للإنكارِ، وهو في معْنى نفْيِ الدِّرايةِ). ((تفسير ابن عاشور)) (29/114). [الشورى: 17] .
10- في قَولِه تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ خَصَّ اللهُ بها نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأُمَّتَه حينَ جَعَلَ أعمارَهم قصيرةً، فأعطاهم فَضْلَ هذه اللَّيلةِ؛ لِيَبْلُغوا بها وحْدَها فوقَ ما بَلَغَتِ الأُمَمُ السَّالِفةُ في طُولِ أعمارِهم؛ جُودًا وكرَمًا وتفضيلًا لهذا النَّبيِّ على مَن تَقَدَّمَه مِن الأنبياءِ، وتفضيلًا لأُمَّتِه على أُمَمِهم؛ لأنَّه خاتَمُ الأنبياءِ إلى أنْ تقومَ السَّاعةُ [29] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/530). .
11- في قَولِه تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تفاضُلُ الأعمالِ باعتبارِ الزَّمانِ [30] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- الفاتحة والبقرة)) (3/359). .
12- قَولُ اللهِ تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، فيه سُؤالٌ: صَحَّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه قال: ((إنَّ لَكِ مِن الأجْرِ على قَدْرِ نَصَبِكِ ونَفَقَتِكِ )) [31] أخرجه الحاكِمُ (1733) مِن حديثِ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها. صحَّحَه الحاكمُ وقال: (على شَرْطِ الشَّيخَينِ)، والألبانيُّ في ((صحيح الجامع)) (2160). ، ومِن المَعْلومِ أنَّ الطَّاعةَ في ألْفِ شَهْرٍ أَشَقُّ مِن الطَّاعةِ في لَيلةٍ واحِدةٍ، فكيف يُعقَلُ اسْتِواؤُهما [32] قولُ بعضِ النَّاسِ: الثوابُ والأجرُ على قدرِ المشقَّةِ ليس بمستقيمٍ على الإطلاقِ، فليس الأجرُ على قدرِ المشقَّةِ في كلِّ شيءٍ، ولكنَّ الأجرَ على قدرِ منفعةِ العملِ ومصلحتِه وفائدتِه، وعلى قدرِ طاعةِ أمرِ الله ورسولِه. فأيُّ العملينِ كان أحسنَ، وصاحبُه أطوعَ وأتبعَ كان أفضلَ؛ فإنَّ الأعمالَ لا تتفاضلُ بالكثرةِ، وإنَّما تتفاضلُ بما يحصُلُ في القلوبِ حالَ العملِ، نعم كثيرًا ما يكثُرُ الثَّوابُ على قدرِ المشقَّةِ والتَّعبِ، لا لأنَّ المشقَّةَ مقصودةٌ مِن العملِ؛ ولكن لأنَّ العملَ مستلزمٌ للمشقَّةِ والتَّعبِ. يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (10/620، 622) و (25/281). ؟
الجَوابُ مِن وُجوهٍ:
الوجْهُ الأوَّلُ: أنَّ الفِعلَ الواحِدَ قد يَخْتلِفُ حالُه في الحُسْنِ والقُبْحِ بسَبَبِ اخْتِلافِ الوُجوهِ المُنْضَمَّةِ إليه؛ فالأفْعالُ تَختَلِفُ آثارُها في الثَّوابِ والعِقابِ لاخْتِلافِ وُجوهِها، فلا يَبعُدُ أن تكونَ الطَّاعةُ القَليلةُ في الصُّورةِ مُساوِيةً في الثَّوابِ للطَّاعاتِ الكَثيرةِ.
الوجهُ الثَّاني: أنَّ مَقصودَ الحَكيمِ سُبْحانَه أن يَجُرَّ الخَلْقَ إلى الطَّاعاتِ؛ فتارةً يَجعَلُ ثَمَنَ الطَّاعةِ ضِعْفَينِ، ومَرَّةً عَشْرًا، ومرَّةً سَبْعَمِئةٍ، وتارةً بحَسَبِ الأزْمِنةِ، وتارةً بحَسَبِ الأمْكِنةِ، والمَقصودُ الأصْليُّ مِن الكلِّ جَرُّ المُكلَّفِ إلى الطَّاعةِ، وصَرْفُه عن الاشْتِغالِ بالدُّنْيا [33] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (32/232). .
والعَمَلُ القَليلُ قد يَفضُلُ الكَثيرَ باعْتِبارِ الزَّمانِ، وباعْتِبارِ المَكانِ، وباعْتِبارِ كَيْفيَّةِ الأداءِ، كصَلاةٍ واحِدةٍ أُدِّيَتْ بجَماعةٍ؛ فإنَّها تَعدِلُ خَمْسًا وعِشْرينَ مَرَّةً صَلاةً مِثلَها أُدِّيَتْ على الانْفِرادِ، إلى غَيرِ ذلك. نَعمْ، هذه الأَفضَليَّةُ قد تُعقَلُ في بعضٍ، وقد لا، كما فيما نحن فيه، ولا حَجْرَ على اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا يَعلَمُ ما عندَه سُبحانَه إلَّا هو جَلَّ شَأنُه [34] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (15/415). .
13- قَولُ اللهِ تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ فيه سؤالٌ: قَولُه: وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ [الصافات: 165] يُنافي قَولِه تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ؟
الجوابُ: نَصرِفُ الحالتَينِ إلى زمانَينِ مختَلِفينِ [35] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (32/233). .
14- في قَولِه تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا نزولُ الملائكةِ إلى الأرضِ، وهذا عُنوانٌ على الرَّحمةِ والخَيرِ والبَركةِ؛ ولهذا إذا امتنَعَتِ الملائكةُ مِن دُخولِ شَيءٍ كان ذلك دليلًا على أنَّ هذا المكانَ الَّذي امتنَعَتِ الملائكةُ مِن دُخولِه قد يَخْلو مِن الخَيرِ والبَركةِ [36] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 271). .
15- في قَولِه تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ أنَّ الملائكةَ تَنْتَشِرُ في الأرضِ، فيَبْطُلُ سُلطانُ الشَّياطينِ [37] يُنظر: ((لطائف المعارف)) لابن رجب (ص: 182). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ اشتَمَلَتْ هذه الآيةُ على تَنويهٍ عَظيمٍ بالقرآنِ، فافتُتِحَت بحرْفِ (إنَّ)، وبالإخبارِ عنها بالجُملةِ الفِعليَّةِ، وكِلاهما مِن طُرقِ التَّأكيدِ والتَّقَوِّي، ويُفيدُ هذا التَّقديمُ قَصرًا، وهو قصْرُ قلْبٍ [38] القَصرُ أو الحَصرُ هو: تَخصيصُ شَيءٍ بشَيءٍ وحصْرُه فيه، ويُسمَّى الأمرُ الأوَّلُ: مَقصورًا، والثَّاني: مقصورًا عليه؛ مِثلُ: إنَّما زَيدٌ قائمٌ، و: ما ضرَبتُ إلَّا زيدًا. وينقسِمُ إلى قَصْرٍ حقيقيٍّ، وقصرٍ إضافيٍّ، وادِّعائيٍّ، وقصرِ قَلْبٍ؛ فالحقيقيُّ هو: أن يختصَّ المقصورُ بالمقصورِ عليه بحسَبِ الحقيقةِ والواقِعِ، بألَّا يتعدَّاه إلى غيرِه أصلًا، مِثلُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، حيثُ قُصِر وصْفُ الإلَهيَّةِ الحقِّ على مَوصوفٍ هو اللهُ وحْدَه، وهذا مِن قصرِ الصِّفةِ على المَوصوفِ، وهو قصرٌ حقيقيٌّ. والقصرُ الإضافيُّ: أن يكونَ المقصورُ عنه شيئًا خاصًّا، يُرادُ بالقصرِ بيانُ عدَمِ صحَّةِ ما تصوَّره بشأنِه أو ادَّعاه المقصودُ بالكلامِ، أو إزالةُ شكِّه وترَدُّدِه، إذا كان الكلامُ كلُّه منحصِرًا في دائرةٍ خاصَّةٍ؛ فليس قصرًا حقيقيًّا عامًّا، وإنَّما هو قصرٌ بالإضافةِ إلى موضوعٍ خاصٍّ، يَدورُ حوْلَ احتمالَينِ أو أكثرَ مِن احتمالاتٍ محصورةٍ بعددٍ خاصٍّ، ويُستدَلُّ عليها بالقرائنِ، مِثلُ قولِه تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران: 144] . والقصرُ الادِّعائيُّ: ما كان القصرُ الحقيقيُّ فيه مَبنيًّا على الادِّعاءِ والمبالَغةِ؛ بتنزيلِ غيرِ المذكورِ منزِلةَ العدَمِ، وقصْرِ الشَّيءِ على المذكورِ وحْدَه. وقصْرُ القَلبِ: أن يَقلِبَ المتكلِّمُ فيه حُكمَ السَّامعِ؛ كقولِك: ما شاعرٌ إلَّا زَيدٌ، لِمَن يَعتقِدُ أنَّ شاعرًا في قبيلةٍ معيَّنةٍ أو طرَفٍ مُعَيَّنٍ، لكنَّه يقولُ: ما زَيدٌ هناك بشاعِرٍ. وللقَصرِ طُرُقٌ كثيرةٌ؛ منها: القصرُ بالنَّفيِ والاستثناءِ، والقصرُ بـ (إنَّما)، والقصرُ بتقديمِ ما حَقُّه التَّأخيرُ، وغيرُ ذلك. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسَّكَّاكي (ص: 288)، ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للقزويني (1/118) و(3/6)، ((التعريفات)) للجُرْجاني (1/175، 176)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/ 167)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 167، 168)، ((موجز البلاغة)) لابن عاشور (ص: 92 - 100)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكة الميداني (1/525). ؛ للرَّدِّ على المشرِكين الَّذي نَفَوا أنْ يكونَ القرآنُ مُنزَّلًا مِن اللهِ تعالَى [39] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/456). .
- ولَيلةُ القدْرِ: اسمٌ جَعَلَه اللهُ لِلَّيلةِ الَّتي ابتُدِئَ فيها نُزولُ القُرآنِ، ويَظهَرُ أنَّ أوَّلَ تَسميتِها بهذا الاسمِ كان في هذه الآيةِ، ولم تكُنْ مَعروفةً عندَ المسلمينَ، وبذلك يكونُ ذِكْرُها بهذا الاسمِ تَشويقًا لمَعرفتِها؛ ولذلك عُقِّبَ بقولِه: وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [40] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/457). [القدر: 2] .
- والتَّعريفُ في الْقَدْرِ تَعريفُ الجِنسِ، ولم يَقُلْ: (في لَيلةِ قدْرٍ) بالتَّنكيرِ؛ لأنَّه قُصِدَ جَعْلُ هذا المُركَّبِ بمَنزلةِ العَلَمِ لتلك اللَّيلةِ كالعَلَمِ بالغَلَبةِ؛ لأنَّ تَعريفَ المُضافِ إليه باللَّامِ مع تَعريفِ المُضافِ بالإضافةِ، أوغَلُ في جَعْلِ ذلك المركَّبِ لَقَبًا؛ لاجتماعِ تَعريفَينِ فيه [41] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/457). .
- قولُه: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ عظَّمَ القرآنَ مِن ثَلاثةِ أوجُهٍ؛ أحدُها: أنْ أسنَدَ إنْزالَه إليه، وجَعَلَه مُختَصًّا به دونَ غيرِه، وهذا مُنبِئٌ عن كَمالِ العِنايةِ به، وفي إيثارِ صِيغةِ الجمْعِ وضَميرِ العظَمةِ تشريفٌ للقرآنِ، وتَعظيمٌ دونَه كلُّ تَعظيمٍ.
والثَّاني: أنَّه جاء بضَميرِه دونَ اسمِه الظَّاهرِ؛ شَهادةً له بالنَّباهةِ والاستِغناءِ عن التَّنبيهِ عليه، وإيماءً إلى أنَّه حاضرٌ في أذهانِ المسلِمينَ؛ لشِدَّةِ إقبالِهِم عليه، فكونُ الضَّميرِ دونَ سبْقِ مَعادٍ إيماءٌ إلى شُهرتِه بيْنَهم.
والثَّالثُ: الرَّفعُ مِن مِقدارِ الوقتِ الَّذي أُنزِلَ فيه بقولِه تعالَى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ لِما فيه مِنَ الدَّلالةِ على أنَّ عُلوَّ قَدرِها خارجٌ عن دائرةِ دِرايةِ الخَلْقِ، ولا يَدْريها إلَّا علَّامُ الغُيوبِ، كما يُشعِرُ به قولُه تعالَى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ؛ فالمَقصودُ مِن تَشريفِ اللَّيلةِ الَّتي كان ابتداءُ إنزالِ القرآنِ فيها -على قولٍ- تَشريفٌ آخَرُ للقرآنِ بتَشريفِ زَمانِ ظُهورِه؛ تَنبيهًا على أنَّه تعالَى اختارَ لابتداءِ إنزالِه وَقْتًا شَريفًا مُبارَكًا؛ لأنَّ عِظَمِ قدْرِ الفِعلِ يَقْتضي أنْ يُختارَ لإيقاعِه أفضْلُ الأوقاتِ والأمكنةِ، فاختيارُ أفضْلِ الأوقاتِ لابتداءِ إنزالِه يُنبِئُ عن عُلوِّ قَدْرِه عندَ اللهِ تعالَى [42] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/780)، ((تفسير البيضاوي)) (5/327)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (16/522)، ((تفسير أبي حيان)) (10/514)، ((تفسير أبي السعود)) (9/ 182)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/456، 458)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/537). .
2- قولُه: وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ تَفخيمٌ لشَأنِها، وتَنويهٌ بطَريقِ الإبهامِ المرادِ به أنَّ إدراكَ كُنْهِها ليس بالسَّهلِ؛ لِما ينطوي عليه مِن الفضائلِ الجَمَّةِ [43] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/780)، ((تفسير أبي حيان)) (10/514)، ((تفسير أبي السعود)) (9/182)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/458). .
- وأُعِيدَ اسمُ (لَيلة القَدْرِ) مَرتَّينِ على خِلافِ مُقتضى الظَّاهرِ؛ لأنَّ مُقتضى الظَّاهرِ الإضمارُ، فقُصِدَ الاهتمامُ بتَعيينِها تَعظيمًا لِلَيلتِه، فحَصَلَ تَعظيمُ لَيلةِ القدْرِ صَريحًا، وحَصَلَت كِنايةٌ عن تَعظيمِ ما أُنزِلَ فيها، وأنَّ اللهَ اختار إنْزالَه فيها؛ ليَتطابَقَ الشَّرَفانِ، وقد تَكرَّرَ هذا اللَّفظُ ثلاثَ مرَّاتٍ، والمَرَّاتُ الثَّلاثُ يَنْتهي عندَها التَّكريرُ غالِبًا [44] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 620)، ((تفسير أبي السعود)) (9/182)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/458، 459). .
3- قولُه: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ بَيانٌ أوَّلُ لشَيءٍ مِن الإبهامِ الَّذي في قولِه تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [القدر: 2] ؛ فلذلك فُصِلَت الجُملةُ -أي: لم تُعطَفْ على الَّتي قبْلَها-؛ لأنَّها استِئنافٌ بَيانيٌّ، كأنَّها جَوابٌ لسُؤالٍ نَشَأَ عن تَفخيمِ لَيلةِ القدْرِ، تَقديرُه: وما فَضائلُها؟ أو لأنَّها كعطْفِ البيانِ، فهي بَيانٌ إجماليٌّ لشَأنِها إثْرَ تَشويقِه عليه السَّلامُ إلى دِرايتِها؛ فإنَّ ذلكَ مُعرِبٌ عن الوعدِ بإدْرائِها [45] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/182)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/459)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/538). .
- وعدَدُ الألْفِ قيل: إنَّه مقصودٌ، وقيل: إنَّه مُستعمَلٌ في وَفرةِ التَّكثيرِ، كقولِه: واحدٌ كألْفٍ، وإنَّما جُعِلَ تَمييزُ عدَدِ الكثرةِ هنا بالشَّهرِ؛ للرَّعْيِ على الفاصلةِ الَّتي هي بحَرْفِ الرَّاءِ [46] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/182)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/459)، ((التفسير الوسيط)) لطنطاوي (15/464). وقال القاسمي: (لك أن تَقِفَ في التَّفضيلِ عندَ النَّصِّ، وتُفَوِّضَ الأمرَ في تحديدِ ما فُضِّلَت عليه اللَّيلةُ بألْفِ شَهرٍ إلى اللهِ تعالى؛ فهو الَّذي يعلَمُ سَبَبَ ذلك، ولم يبَيِّنْه لنا، ولك أن تُجريَ الكلامَ على عادتِهم في التَّخاطُبِ، وذلك في الكتابِ كثيرٌ... فيكونُ التَّحديدُ بالألْفِ لا مفهومَ له، بل الغَرَضُ منه التَّكثيرُ، وأنَّ أقَلَّ عَدَدٍ تَفضُلُه هو ألْفُ شَهرٍ... فهي ليلةٌ خيرٌ مِن الدَّهرِ إنْ شاء اللهُ). ((تفسير القاسمي)) (9/516، 517). .
4- قولُه: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ:
- مَوقعُ قولِه: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا إلى قولِه: مِنْ كُلِّ أَمْرٍ مِن جُملةِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3] ؛ مَوقعُ الاستِئنافِ البَيانيِّ، أو مَوقعُ بدَلِ الاشتمالِ [47] بَدلُ الاشتمالِ: هو الَّذي يدُلُّ على مَعنًى في مَتْبوعِه أو صِفةٍ فيه، مِثلُ: أعْجَبَني مُحمَّدٌ خُلُقُه؛ فـ(خُلُقُه) بَدَلٌ مِن (مُحمَّدٌ)؛ بَدَلُ اشْتِمالٍ. يُنظر: ((أوضح المسالك)) لابن هشام (3/365)، ((توضيح المقاصد)) للمرادي (2/1037)، ((شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك)) لابن مالك (3/ 249). ، فلِمُراعاةِ هذا الموقعِ فُصِلَتِ الجُملةُ عن الَّتي قبْلَها، ولم تُعطَفْ عليها مع أنَّهما مُشترِكتانِ في كَونِ كلِّ واحدةٍ منهما تُفيدُ بَيانًا لجُملةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [القدر: 2] ، فأُوثِرَت مُراعاةُ مَوقعِها الاستِئنافيِّ أو البَدَليِّ على مُراعاةِ اشتِراكِهما في كَونِها بَيانًا لجُملةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ لأنَّ هذا البَيانَ لا يَفوتُ السَّامعَ عندَ إيرادِها في صُورةِ البَيانِ أو البدَلِ، بخِلافِ ما لو عُطِفَت على الَّتي قبْلَها بالواوِ؛ لفَواتِ الإشارةِ إلى أنَّ تَنزُّلَ الملائكةِ فيها مِن أحوالِ خَيريَّتِها [48] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/464). ويُنظر أيضًا: ((تفسير البيضاوي)) (5/327)، ((تفسير أبي السعود)) (9/183). .
- قولُه: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ إذا ضُمَّ هذا البيانُ الثَّاني لِما في قولِه: وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [القدر: 2] مِن الإبهامِ التَّفخيميِّ؛ حَصَلَ منهما ما يدُلُّ دَلالةً بيِّنةً على أنَّ اللهَ جَعَلَ مِثلَ هذه الفَضيلةِ لكلِّ لَيلةٍ مِن لَيالي الأعوامِ تَقَعُ في مِثلِ اللَّيلةِ مِن شَهْرِ نُزولِ القُرآنِ كَرامةً للقُرآنِ، ولِمَن أُنزِلَ عليه، وللدِّينِ الَّذي نَزَلَ فيه، وللأُمَّةِ الَّتي تتَّبعُه، ألَا تَرى أنَّ مُعظَمَ السُّورةِ كان لذِكرِ فَضائلِ لَيلةِ القدْرِ؟ فما هو إلَّا للتَّحريضِ على تطَلُّبِ العمَلِ الصَّالحِ فيها؛ فإنَّ كَونَها خَيرًا مِن ألْفِ شَهرٍ أومَأَ إلى ذلك، وبيَّنَتْه الأخبارُ الصَّحيحةُ [49] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/461). .
- والتَّعبيرُ بالفِعلِ المُضارعِ في قولِه: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ مُؤذِنٌ بأنَّ هذا التَّنزُّلَ مُتكرِّرٌ في المستقبَلِ بعْدَ نُزولِ هذه السُّورةِ [50] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/461). .
- قولُه: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ، الرُّوحُ: جِبريلُ، وإنَّما أُفرِدَ بالذِّكرِ؛ تَنويهًا بفَضْلِه [51] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/538). .
- ولَفظةُ كُلِّ مُستعمَلةٌ في معْنى الكثرةِ للأهمِّيَّةِ، أي: في أُمورٍ كَثيرةٍ عَظيمةٍ [52] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/464). .
- وتَنوينُ أَمْرٍ للتَّعظيمِ [53] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/464). .
5- قولُه: سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ بَيانٌ لمَضمونِ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، وهو كالاحتِراسِ [54] الاحتِراسُ: هو التَّحرُّزُ مِن الشَّيءِ والتَّحفُّظُ منه، وهو نوعٌ مِن أنواعِ إطنابِ الزِّيادةِ، وهو أن يكونَ الكلامُ محتملًا لشَيءٍ بعيدٍ، فيُؤتى بكلامٍ يَدفعُ ذلك الاحتمالَ. أو الإتيانُ في كلامٍ يوهِمُ خلافَ المقصودِ بما يَدفَعُ ذلك الوهمَ، ويُسمِّيه بعضُهم: التَّكميلَ. يُنظر: ((تحرير التحبير)) لابن أبي الإصبع (ص: 245)، ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للقزويني (3/208)، ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (3/64)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/251)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (ص: 49). ؛ لأنَّ تَنزُّلَ الملائكةِ يكونُ للخَيرِ ويكونُ للشَّرِّ لعِقابِ مُكذِّبي الرُّسلِ، فأُخبِرَ هنا أنَّ تَنزُّلَ الملائكةِ لَيلةَ القدْرِ لتَنفيذِ أمْرِ الخَيرِ للمُسلِمينَ الَّذين صاموا رَمَضانَ، وقاموا لَيلةَ القدْرِ، فهذه بِشارةٌ [55] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/464، 465). .
- وتَنكيرُ سَلَامٌ للتَّعظيمِ، وأُخبِرَ عن اللَّيلةِ بأنَّها سَلامٌ للمُبالَغةِ؛ لأنَّه إخبارٌ بالمَصدرِ [56] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/464، 465). .
- وتَقديمُ المُسنَدِ -وهو سَلَامٌ- على المُسنَدِ إليهِ -وهو هِيَ- لإفادةِ الاختِصاصِ، أي: ما هي إلَّا سَلامٌ، والقصْرُ ادِّعائيٌّ [57] القَصرُ أو الحَصرُ هو: تَخصيصُ شَيءٍ بشَيءٍ وحصْرُه فيه، ويُسمَّى الأمرُ الأوَّلُ: مَقصورًا، والثَّاني: مقصورًا عليه؛ مِثلُ: إنَّما زَيدٌ قائمٌ، و: ما ضرَبتُ إلَّا زيدًا. وينقسِمُ إلى قَصْرٍ حقيقيٍّ، وقصرٍ إضافيٍّ، وادِّعائيٍّ، وقصرِ قَلْبٍ؛ فالحقيقيُّ هو: أن يختصَّ المقصورُ بالمقصورِ عليه بحسَبِ الحقيقةِ والواقِعِ، بألَّا يتعدَّاه إلى غيرِه أصلًا، مِثلُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، حيثُ قُصِر وصْفُ الإلَهيَّةِ الحقِّ على مَوصوفٍ هو اللهُ وحْدَه، وهذا مِن قصرِ الصِّفةِ على المَوصوفِ، وهو قصرٌ حقيقيٌّ. والقصرُ الإضافيُّ: أن يكونَ المقصورُ عنه شيئًا خاصًّا، يُرادُ بالقصرِ بيانُ عدَمِ صحَّةِ ما تصوَّره بشأنِه أو ادَّعاه المقصودُ بالكلامِ، أو إزالةُ شكِّه وترَدُّدِه، إذا كان الكلامُ كلُّه منحصِرًا في دائرةٍ خاصَّةٍ؛ فليس قصرًا حقيقيًّا عامًّا، وإنَّما هو قصرٌ بالإضافةِ إلى موضوعٍ خاصٍّ، يَدورُ حوْلَ احتمالَينِ أو أكثرَ مِن احتمالاتٍ محصورةٍ بعددٍ خاصٍّ، ويُستدَلُّ عليها بالقرائنِ، مِثلُ قولِه تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران: 144] . والقصرُ الادِّعائيُّ: ما كان القصرُ الحقيقيُّ فيه مَبنيًّا على الادِّعاءِ والمبالَغةِ؛ بتنزيلِ غيرِ المذكورِ منزِلةَ العدَمِ، وقصْرِ الشَّيءِ على المذكورِ وحْدَه. وقصْرُ القَلبِ: أن يَقلِبَ المتكلِّمُ فيه حُكمَ السَّامعِ؛ كقولِك: ما شاعرٌ إلَّا زَيدٌ، لِمَن يَعتقِدُ أنَّ شاعرًا في قبيلةٍ معيَّنةٍ أو طرَفٍ مُعَيَّنٍ، لكنَّه يقولُ: ما زَيدٌ هناك بشاعِرٍ. وللقَصرِ طُرُقٌ كثيرةٌ؛ منها: القصرُ بالنَّفيِ والاستثناءِ، والقصرُ بـ (إنَّما)، والقصرُ بتقديمِ ما حَقُّه التَّأخيرُ، وغيرُ ذلك. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسَّكَّاكي (ص: 288)، ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للقزويني (1/118) و(3/6)، ((التعريفات)) للجُرْجاني (1/175، 176)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/ 167)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 167، 168)، ((موجز البلاغة)) لابن عاشور (ص: 92 - 100)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكة الميداني (1/525). ؛ لعدَمِ الاعتدادِ بما يَحصُلُ فيها لغَيرِ الصَّائمينَ القائمينَ [58] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/465). .
ويَجوزُ أنْ يكونَ سَلَامٌ هِيَ مُرادًا به الإخبارُ فقطْ. ويَجوزُ أنْ يُرادَ بالمصدرِ الأمرُ، والتَّقديرُ: سلِّموا سَلامًا؛ فالمصدرُ بَدلٌ مِن الفعلِ، وعُدِلَ عن نَصْبِه إلى الرَّفعِ؛ ليُفيدَ التَّمكُّنَ، والمعْنى: اجْعَلوها سَلامًا بيْنَكم، أي: لا نِزاعَ ولا خِصامَ [59] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/465). .
- وقولُه: حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ غايةٌ لِما قبْلَه مِن قولِه: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ إلى سَلَامٌ هِيَ، والمَقصودُ مِن الغايةِ إفادةُ أنَّ جَميعَ أحيانِ تلك اللَّيلةِ مَعمورةٌ بنُزولِ الملائكةِ والسَّلامةِ، فالغايةُ هنا مُؤكِّدةٌ لمَدلولِ (لَيلةٍ)؛ لأنَّ اللَّيلةَ قد تُطلَقُ على بَعضِ أجْزائِها [60] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/465، 466). .
- وقيل: جِيءَ بحرْفِ حَتَّى لإدخالِ الغايةِ مَطْلَعِ الْفَجْرِ؛ لبَيانِ أنَّ لَيلةَ القدْرِ تَمتَدُّ بعْدَ مَطلعِ الفَجرِ، بحيث إنَّ صَلاةَ الفجْرِ تُعتبَرُ واقعةً في تلك اللَّيلةِ؛ لئلَّا يُتوهَّمَ أنَّ نِهايتَها كنِهايةِ الفِطرِ بآخِرِ جُزءٍ مِن اللَّيلِ، وهذا تَوسعةٌ مِن اللهِ في امتدادِ اللَّيلةِ إلى ما بعْدَ طُلوعِ الفَجرِ [61] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/466). قال الواحدي: (قال ابنُ عبَّاسٍ والمفسِّرون: إلى مَطلِعِ الفجرِ. والمطلعُ: الطُّلوعُ). ((البسيط)) (24/ 198). وقال السعدي: (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ أي: مبتداها مِن غُروبِ الشَّمسِ، ومنتهاها طلوعُ الفجرِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 931). وقال ابنُ عثيمين: (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ أي: إلى مطلعِ الفجرِ، وإذا طلَع الفجرُ انتهَتْ ليلةُ القَدْرِ). ((تفسير ابن عثيمين: جزء عم)) (ص: 272). .