الموسوعة الحديثية


- قالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: يا رَسولَ اللَّهِ، يَصْدُرُ النَّاسُ بنُسُكَيْنِ، وأَصْدُرُ بنُسُكٍ؟ فقِيلَ لَهَا: انْتَظِرِي، فَإِذَا طَهُرْتِ، فَاخْرُجِي إلى التَّنْعِيمِ، فأهِلِّي ثُمَّ ائْتِينَا بمَكَانِ كَذَا، ولَكِنَّهَا علَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أوْ نَصَبِكِ.
الراوي : الأسود بن يزيد | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 1787 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (1787)، ومسلم (1211)
الحَجُّ هو الرُّكنُ الخامسُ مِن أركانِ الإسلامِ، وقد بيَّنَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَناسِكَ الحجِّ بأقوالِه وأفعالِه، ونَقَلَها لنا الصَّحابةُ الكرامُ رَضيَ اللهُ عنهم أجمعينَ.
وفي هذا الحَديثِ تَرْوي أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها بَعضَ ما حَدَثَ في حَجَّةِ الوداعِ، وهذا المتْنُ جُزءٌ مِن رِوايةٍ أطوَلَ أخْبَرَت فيها أنَّهم خرَجوا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا غرَضَ لهم إلَّا الحجُّ، فلمَّا قَدِموا مكَّةَ أمَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن لم يُحضِرِ الهدْيَ مِن خارجِ مكَّةَ أنْ يُحِلُّوا مِن إحرامِهم بعْدَ الطَّوافِ بالبيتِ، والسَّعْيِ بيْن الصَّفا والمَروةِ، والحَلْقِ أو التَّقصيرِ، ويَتمتَّعوا إلى يومِ الثامنِ مِن ذي الحِجَّةِ يومِ التَّرويةِ، فيُحرِموا بالحجِّ.
أمَّا عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها فقدْ مَنَعَها مِن التَّحلُّلِ كَونُها حاضَت لَيلةَ دُخولِها مَكَّةَ بِسَرِفَ، وهو اسْمُ بُقْعةٍ على عَشَرةِ أميالٍ مِن مَكَّةَ، وكانَت مُحرِمةً بِعُمرةٍ، وأدْخَلَت عليها الحَجَّ، فصارَت قارِنةً، فلَم تَطُفْ بالبَيتِ طَوافَ العُمرةِ لِمانِع الحَيضِ، وأمَّا طَوافُ الإفاضةِ فقدْ طافَتْه في يومِ النَّحرِ. فاشْتَكَت لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأظْهَرَت حُزنَها بسَببِ أنَّ النَّاسَ يَرجِعُون بِنُسُكينِ مُسْتقلَّينِ -وهما الحجُّ والعُمرةُ- وتَرجِعُ هي بِنُسُكٍ واحدٍ في الظَّاهِرِ، حَرَصتْ على ذلِك رَضيَ اللهُ عنها؛ لِتكثيرِ الأفعالِ كما حَصَلَ لِسائِرِ أُمَّهاتِ المُؤمنينَ وغيرِهنَّ من الصَّحابةِ.
فقال لها النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «انْتظرِي، حتَّى إذا طهُرْتِ مِنَ الحيضِ، فاخرُجي إلى التَّنعيمِ»، وهو مَوضعٌ على ثَلاثةِ أميالٍ أو أربعةٍ مِنْ مكَّةَ، وهو أَقْرَبُ أطرافِ الحِلِّ إلى البَيْتِ، وسُمِّي به لأنَّ على يَمِينِه جبلَ نُعَيْمٍ، وعلى يَسارِهِ جَبَلَ نَاعِمٍ، والوادِيَ اسمُه نَعْمَانُ. ثُمَّ قال لها: فَأهِلِّي بِالعُمرةِ، يعني أحْرِمِي بها وأدِّيها، وأرْسَلَها مع أخِيها عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وقال لها: ثُمَّ ائْتِينا بِمكانِ كذا، يَقصِدُ الأَبطَحَ، وهو المكانُ الذي نزَلَ فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدَما انْصَرَفَ مِن مِنًى، وانْطَلَقَ منه قافلًا إلى المدينةِ، ويُسمَّى المُحَصَّبَ، وهو مكانٌ متَّسِعٌ بيْن مكَّةَ ومِنًى بيْنَ الجبلَيْنِ إلى المقابرِ؛ سُمِّيَ به لاجتماعِ الحَصْباءِ فيه بِحَمْلِ السَّيلِ إليه، ويُسمَّى الآنَ الجَعفريَّةَ، وهي تابعةٌ لمَنطقةِ الجُمّيزةِ.
ثُمَّ قال لها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ولكنَّها على قدْرِ نَفَقَتِك أو نَصَبَكِ»، أي: إنَّ الأجرَ فيها على قدْرِ النَّصَبِ والتَّعبِ والجهْدِ، والمالِ، فكُلَّما زادَ المالُ المُنفَقُ والجهدُ المبذولُ زادَ الأجرُ مِنَ اللهِ تعالى.
وفي الحديثِ: أنَّ الثَّوابَ في العبادةِ يَكثُرُ بكَثرةِ التَّعَبِ والنَّفقةِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ العُمرةِ في أشهُرِ الحجِّ.