موسوعة التفسير

سُورَةُ آل عِمْرانَ
الآيات (142-145)

ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ

غريبُ الكَلِمات :

انْقَلَبْتُمْ: انصرفتُم، والانقلابُ: الانصرافُ؛ يُقال لِمَن كان على شيءٍ ثم رجَع عنه: قد انقلَبَ على عقِبِه، ومنه قيل للكافرِ بعد إسلامه: مُرتدٌّ، وأصلُ (قلب): صَرْفُ الشَّيء عن وجهٍ إلى وجهٍ، أو ردُّه من جِهةٍ إلى جِهة، كقَلَب الثوب يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 113)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/17)، ((المفردات)) للراغب (ص: 681). .
أَعْقَابِكُمْ: جمْعُ عقِب، وهو: مُؤخَّر الرِّجْل، ويُقال: رجَع على عَقِبه: إذا انثنى راجعًا، وأصلُ العقب: يدلُّ على تأخيرِ شيءٍ وإتيانِه بعد غيرِه يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/77)، ((المفردات)) للراغب (ص: 575). .

المَعنَى الإجماليُّ :

يُنكر اللهُ تعالى على المؤمنين أن يَظنُّوا أنَّهم سيَدخلون الجَنَّة بمجرَّدِ إيمانهم، بل لا بدَّ أن يُبتلَوا؛ حتى يَعلمَ الله المجاهدين حقًّا في سبيلِه، ويعلمَ الصابرين.
ثم يُذكِّرهم تعالى أنَّهم كانوا يَتمنَّون مواجهةَ أعدائهم، ويَطمعون في بلوغِ مرتبةِ الشهادةِ بالموتِ في سبيلِ الله، وهاهم رأَوا بأعينهم يومَ أُحُد ما كانوا تمنَّوه، فلمَ لمْ يَثبُتوا ويَصبِروا حتى ينالوا ما كانوا يَطمعون إليه.
ثم يُخبرهم اللهُ تعالى أنَّ محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غيرُ مخلَّد في الدُّنيا، فإنَّما هو رسولٌ كباقي رُسل الله الذين من قبلِه؛ قد انقضتْ آجالهم في الدُّنيا بالموت أو القتْل؛ فهل إذا انقضَى أجلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يكون هذا مبرِّرًا ليرتدُّوا عن دِينهم؟! ومَن يَرتدِدْ عن دِينه فلن يضرَّ اللهَ برِدَّته عن الدِّين شيئًا، وسيُثيب الله الشَّاكرين.
ثم يُبيِّن الله أنَّه ما كان لنَفْسٍ أن تموتَ إلَّا بإذن الله، وذلك إذا جاء أجلُها الذي كتَبه الله لها، ثم أَخبر تعالى أنه يُؤتي الناسَ من ثواب الدُّنيا والآخرة ما عَلَقتْ به إرادتُهم؛ فمَن يُردْ ثوابَ الدنيا بعملِه، يُؤتِه منها، ومَن يُرِدْ به ثوابَ الآخِرة، يُؤتِه منها، وسيُثيب الله تعالى الشَّاكرين.

تفسير الآيات :

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا أرشدَ الله تعالى المؤمنين في الآياتِ السَّابقة إلى أنَّه لا يَنبغي لهم أن يَضعُفوا أو يَحزنوا، وبَيَّن لهم حِكمةَ ما أصابهم يومَ أُحد، وأنَّه منطبِقٌ على سُنَّته في مداولة الأيَّام بين الناس، وفي تمحيصِ أهل الحقِّ بالشَّدائد، وفي ذلك من الهِداية والإرشادِ والتَّسلية ما يُربِّي المؤمنَ على الصِّفات التي يَنالُ بها الغَلبةَ والسِّيادةَ بالحقِّ، وهذه مِن سعادةِ الدُّنيا- بيَّن لهم في هذه الآيةِ أنَّ سعادةَ الآخِرة لا تُنالُ أيضًا إلَّا بالجهادِ والصَّبر يُنظر: ((تفسير المنار)) (4/127). ، فقال:
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)
أي: لا تظنُّوا- يا معشرَ المؤمنين- أنْ تنالوا شَرَفَ دخولِ الجنَّة قبلَ أن تُبتَلَوْا، ويرَى اللهُ تعالى- واقعًا ظاهرًا- المجاهدين منكم في سبيلِه، ويرَى كذلك الصَّابرين على الجهادِ وعلى ما يَنالهم من مَصائبَ وآلامٍ، كما وقَع يوم أُحُد يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/91)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/498)، ((تفسير ابن كثير)) (2/127)، ((تفسير السعدي)) (ص: 150)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/209). .
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ
أي: قدْ كنتُم- يا مَعشرَ المؤمنين- قبلَ مجيء غزوةِ أُحُدٍ تَتحرَّقون شوقًا لمناجزةِ الأعداء، وتَطمَعون في الموتِ؛ لنَيلِ الشَّهادة في سَبيلِ الله تعالى كما وقَع لإخوانِكم يومَ بدر يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/93)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/498)، ((تفسير ابن كثير)) (2/127)، ((تفسير السعدي)) (ص: 150)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/233-235). .
فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
أي: ها قدْ حصَل لكم ما تمنَّيتموه من لِقاءِ الأعداءِ، وشاهدتُم بأمِّ أعينِكم يومَ أُحُد الموتَ وأسبابَه وشِدَّته، ومَن يموتُ مِن الناس، أبصرتُم ذلك عِيانًا، فلِمَ لمْ تَثبُتوا وتَصبروا؛ حتى تنالوا ما أردتموه من قبلُ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/93)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/498)، ((تفسير ابن كثير)) (2/127)، ((تفسير السعدي)) (ص: 150)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/234-235). ؟!
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
أي: إنَّ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غيرُ مخلَّدٍ في الدُّنيا، بل له أُسوةٌ في إخوانِه المرسَلين في انقضاءِ أجلِه الدُّنيوي بالموتِ أو القتْل، كما وقَعَ لهم من قبلُ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/96، 97)، ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (18/267)، ((تفسير ابن كثير)) (2/128)، ((تفسير السعدي)) (ص: 150). .
أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
أي: هلْ يَعني انقضاءُ أجَل نبيِّكم محمَّد صلَّى الله عليه وسلِّم بالموت أو القَتْل، أنْ يكونَ مبرِّرًا لكم لترتدُّوا عن دِينكم، فترجعوا من بعد نبيِّكم كفَّارًا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/97)، ((تفسير ابن كثير)) (2/128)، ((تفسير السعدي)) (ص: 150). ؟!
وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا
أي: إنَّ كلَّ مَن يَرتدُّ عن دِين الله تعالى، فإنَّما يضرُّ نفسَه في الحقيقةِ، ولن يُصيبَ اللهَ سبحانه شيءٌ من ضررِ ذلك؛ فإنَّ الله عزَّ وجلَّ غنيٌّ عنه وعن إيمانه، فلن يُوهِن ارتدادُه سُلطانَه، ولن يَنقصَ ذلك شيئًا من مُلكِه، ولن يَنال اللهَ سبحانه وتعالى بأيِّ سوء يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/97)، ((تفسير السعدي)) (ص: 150)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/113)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/240). .
وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ
أي: إنَّ اللهَ تعالى سيُثيب مَن قاموا بشُكر نِعَمه بقلوبِهم وألْسِنتِهم وجوارحِهم، كالذين ثَبتوا على إيمانِهم، واتَّبعوا محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حياتِه وبعد مماتِه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/97)، ((تفسير ابن كثير)) (2/128)، ((تفسير السعدي)) (ص: 150)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/240-241). .
عن عائشةَ رضي الله عنها: ((أنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه أقبلَ على فَرَسٍ مِن مَسْكنِه بالسُّنُحِ السُّنُحِ- بضمِّ السِّين والنونِ، وقيل: بسُكون النون-: موضِعٌ بعوالي المدينة، فيه منازلُ بني الحارث بن الخزرج. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/407). ، حتى نزلَ فدخلَ المسجدَ، فلم يُكلِّمِ الناسَ حتى دخلَ على عائشةَ، فتَيَمَّمَ فتيمَّم: أي: توخَّاه وقصَدَه دون مَن سواه. يُنظر: ((الصحاح)) (5/2064). رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مغشيٌّ بثوبِ حِبَرَةٍ الحِبَرة- على وزن عِنَبة-: ثوب يمانيٌّ من قُطن أو كَتَّان، مُخطَّط، يقال: بُردٌ حِبَرةٌ- على الوصف-، وبُردُ حِبَرةٍ- على الإضافة. يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (1/118). ، فكشفَ عن وجهِه، ثم أكبَّ عليه فقبَّلَه وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمِّي! واللهِ لا يَجمَعُ اللهُ عليك مَوْتَتَيْنِ، أمَّا الموتةُ التي كُتِبَتْ عليك فقد مِتَّها. قال الزهريُّ: حدَّثَني أبو سَلَمَةَ، عن عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ: أنَّ أبا بكرٍ خرجَ وعمرُ بنُ الخَطَّابِ يُكلِّمُ الناسَ، فقال: اجلسْ يا عُمرُ، فأبَى عمرُ أن يَجلِسَ، فأقبلَ الناسُ إليه وتَركوا عمرَ، فقال أبو بكرٍ: أمَّا بعدُ، فمَن كان منكم يَعبُدُ محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنَّ محمدًا قد ماتَ، ومَن كان منكم يَعبُدُ اللهَ، فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يموتُ؛ قال اللهُ: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... إلى قوله: الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144- 145] . وقال: واللهِ لكأَنَّ الناسَ لم يَعلَموا أنَّ اللهَ أنزلَ هذه الآيةَ حتَّى تلاها أبو بكرٍ، فتلقَّاها منه الناسُ كلُّهم، فما أسمعُ بَشرًا مِن الناسِ إلَّا يَتلوها، فأَخبرني سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ: أنَّ عمرَ قال: واللهِ ما هو إلَّا أنْ سمعتُ أبا بكرٍ تلاها فعَقِرْتُ فَعَقِرتُ: أي: أسلمتني قوائمي من الخوف، أو دُهشت ولم أستطِع أَنْ أتقدَّمَ أو أتأخَّرَ من فجأة الرَّوع؛ مأخوذٌ من العَقَر- بفَتْحتين. ينظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/273)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/159). ، حتى ما تُقِلُّني مَا تُقِلُّني- بِضَم أَوله، وَكسر الْقَاف، وَتَشْديد اللَّام-: أي ما تحمِلنِي، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا *الأعراف: 57*. ينظر: ((عمدة القاري)) للعيني (18/72). رجلايَ، وحتى أَهْوَيتُ إلى الأرضِ حينَ سمعتُه تلاها، علمت أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد مات )) رواه البخاري (4452). .
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا
أي: لا يَنبغي أن تموتَ نفْسُ أيِّ أحدٍ مِن خَلْق الله تعالى، سواء كان محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أو غيره، إلَّا إذا أذِن الله جلَّ جلاله، وذلك حين يَبلُغ الوقتَ المحدَّد الذي كتَبه اللهُ تعالى لموته، فيَستوفي بذلك المدَّةَ المضروبةَ لحياته الدنيا؛ فأمَّا قبلَ ذلك فلنْ يموتَ أحدٌ لا بكيدِ كائدٍ، ولا بحِيلة محتالٍ، ولو اجتمعتْ حوله جميعُ أسبابِ الموت، فالجُبن لا يَزيد في العُمر، والشجاعةُ والإقدامُ لا تَنقص منه، وفي هذا تقويةٌ للنفوسِ على الجِهاد في سبيلِ الله عزَّ وجلَّ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/106)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/500)، ((تفسير ابن عطية)) (1/517، 518)، ((تفسير ابن كثير)) (2/129)، ((تفسير السعدي)) (ص: 151)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/185). .
قال تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [النحل: 61] .
وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا
أي: إنَّ مَن قصَد بأعمالِه وسَعيهِ طلبَ الدنيا فحسبُ، فسيُؤتيه اللهُ تعالى مُبتغاه منها، إنْ شاء، وليس له في الآخِرة من ثوابٍ على تلك الأعمالِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/108)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/500)، ((تفسير ابن عطية)) (1/518)، ((تفسير ابن كثير)) (2/130)، ((تفسير السعدي)) (ص: 151)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/248-249، 253-254). .
قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا [الإسراء: 18] .
وقال سبحانه: وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى: 20] .
وقال عز وجل: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ [البقرة: 200] .
وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا
أي: وأمَّا مَن قصَد بأعمالِه وسَعيهِ طلبَ ثوابها الأُخروي، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يُعطيه- بإذنه- ما ابْتغَى يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/108)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/500)، ((تفسير ابن كثير)) (2/130)، ((تفسير ابن عثمين- سورة آل عمران)) (2/249). .
ولا يَمنع هذا مِن نَيلِ نَصيبِه الدُّنيويِّ الذي قَسَمه اللهُ تعالى له يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (1/518)، ((تفسير ابن عثمين- سورة آل عمران)) (2/249). .
كما قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 134] .
وقال أيضًا: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201] .
وقال سبحانه: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [الإسراء: 19] .
وقال عزَّ وجلَّ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ [الشورى: 20] .
وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ
أي: إنَّ الله تعالى سيُثيب كلَّ شاكرٍ فضلًا منه سبحانه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/108)، ((تفسير ابن كثير)) (2/130)، ((تفسير السعدي)) (ص: 151)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/249). .
قال تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [الإسراء: 19] .

الفوائد التربويَّة :

1- حبُّ الله وحبُّ الآخرة لا يتمُّ بالدَّعْوَى؛ فليس كلُّ مَن أقرَّ بدِين الله كان صادقًا، ولكن الفَصل فيه: تسليطُ المكروهات والمحبوبات؛ فإنْ بقِي الحبُّ عند تسليطِ أسباب البلاء ظهَر أنَّ ذلك الحبَّ كان حقيقيًّا؛ يُبيِّن ذلك قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، فالصَّبرُ والثباتُ عند جلائلِ المصائبِ أعظمُ دليلٍ على الوثوقِ باللهِ ووعدِه، الذي هو صريحُ الإيمان يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/375-376)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/81). .
2- بيانُ أنَّ التمنِّي رأسُ مال المفاليس؛ فالتمنِّي دون فِعلِ السببِ خُسرانٌ، وذلك رأسُ مالِ المفلسِ الذي لنْ يُحصِّل له شيئًا، والجنة لا تُدرك بالتمنِّي؛ لقوله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/232). .
3- في قوله أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ دليلٌ على أنَّ الجَنَّةَ أعلى المطالِب، وأفضلُ ما به يتنافسُ المتنافسون، وكلَّما عظُم المطلوب، عظُمت وسيلتُه والعملُ الموصل إليه؛ فلا يُوصلُ إلى الراحةِ إلَّا بترْك الراحة، ولا يُدركُ النَّعيم إلَّا بتركِ النَّعيم، ولكنْ مكارهُ الدنيا التي تُصيب العبدَ في سبيل الله عند توطينِ النَّفسِ لها، وتمرينِها عليها، ومعرفةِ ما تؤول إليه، تنقلبُ عند أربابِ البصائرِ مِنحًا يُسَرُّون بها، ولا يُبالون بها، وذلك فضلُ الله يُؤتِيه مَن يشاء يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 150). .
4- أنَّ الجهاد سببٌ لدخول الجنة؛ لقوله: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ، ولا فَرْقَ بين الجِهادِ بالسِّلاح والجِهادِ بالعِلم؛ فكلاهما جهادٌ، بل قد تَحتاج الأمَّةُ الإسلاميَّة إلى جهادِ العلم أكثرَ ممَّا تحتاج إلى جهادِ السِّلاح، وقد يكونُ بالعكس، وقد يتساويان. ولكن لا بدَّ من وجودِهما في الأمَّة الإسلاميَّة يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/233). .
5- أنَّ الصَّبرَ سببٌ لدخول الجنَّة؛ لقوله: وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، وأنَّ الجزاءَ يكون على قدْر العمل، فإذا كان ثوابُ الجهادِ الجَنَّةَ، وثوابُ الصبر الجنةَ، دلَّ على عِظَم مرتبتهما في دِين الله عزَّ وجلَّ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/233). .
6- يجبُ على المرءِ ألَّا يطلُبَ أمرًا حتى يُفكِّر في عواقبِه، ويَسبُرَ مقدارَ تحمُّله لمصائبه، وأنَّه لا يَنبغي للإنسان أن يتمنَّى المكروه؛ لأنَّه إذا تمنَّاه ووقَع، ربَّما ينكِص، قال تعالى: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/109)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/235). .
7- قوله: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ: أفاد أنَّه لا بأسَ أن يُوبِّخ الإنسانُ مَن تحدَّى واتَّخذ لنفسِه مكانًا عاليًا إذا وجَده قد تخاذَلَ في هذا المكان يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/236). .
8- قوله: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ: هذه الآية تُنبِّه كلَّ مؤمنٍ إلى الحذرِ من الغرورِ بحديثِ النَّفس والتمنِّي والتشهِّي، وتَهديه إلى امتحانِ نفْسِه بالعملِ الشاق، وعدمِ الثِّقةِ بما دون الجِهادِ والصَّبر على المكارهِ في سَبيل الحقِّ؛ حتى يأمنَ الدعوَى الخادعةَ، بَلْهَ الدعوى الباطِلة، وإنَّما الخادعة أنْ تدَّعي ما تتوهَّم أنَّك صادقٌ فيه مع الغفلةِ أو الجهلِ بعجزك عنه، والباطلةُ لا تَخفى عليك، وإنَّما تظنُّ أنَّها تَخفى على سواك يُنظر: ((تفسير المنار)) (4/130). .
9- قوله: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ..: فيه عدمُ الاعتمادِ في اتِّباعِ الحقِّ ولزومِه والثباتِ عليه على وُجودِ المعلِّم، بحيث يُترَك الحقُّ بعد ذَهاب المعلِّمِ أو موته يُنظر: ((تفسير المنار)) (4/133). .
10- المؤثِّر في جلْبِ الثواب والعقاب: هو القصدُ لا ظواهرُ الأعمال؛ يُبيِّن ذلك قولُه تعالى: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/379).


الفوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف:

1- قوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ... وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ الآية، في هذه الآيةِ أعظمُ دليلٍ على فَضيلةِ الصِّدِّيقِ الأكبر أبي بكر، وأصحابِه الذين قاتَلوا المرتدِّين بعدَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّهم هم ساداتُ الشَّاكرين يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 151). .
2- الاستدلالُ بذِكر النَّظائرِ؛ ليقتنعَ الإنسانُ بما سمِع؛ لقوله تعالى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/242). .
3- إثباتُ أنَّ محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خاتمُ الرُّسل؛ لقوله: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ و(أل) هنا للعموم، ولم يقُل: (قد خلتْ من قبله رسل)، بل قال: الرُّسُل، وإذا كان الرسلُ كلُّهم قد خَلَوْا من قبله، لزِمَ مِن ذلك أنْ يكونَ هو آخِرَهم يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/242). .
4- الردُّ على مَن توهَّم أو زعَمَ أنَّ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم حيٌّ في قبره؛ لقوله: أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/243). .
5- قال تعالى: وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ولم يَذكُرْ جزاءَهم؛ ليدلَّ ذلك على كثرتِه وعَظمتِه، وليعلمَ أنَّ الجزاءَ على قدْرِ الشُّكر؛ قِلَّةً وكثرةً وحسنًا يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 151). .
6- جوازُ الإطلاقِ في الكلامِ إذا جاء مفسَّرًا في موضِع آخَر؛ لقوله: وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ؛ فإنَّ هذه الآيةَ مجملَةٌ لم يُبيِّن الله تعالى كيف يكون هذا الجزاء، ولكنَّه قد بُيِّن في نصوص أخرى، كقوله تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام: 160] ، والشَّريعة يُفسِّر بعضُها بعضًا، ويُقيِّد بعضُها بعضًا، ويُخصِّص بعضُها بعضًا، وهذا يَجعل النَّفْسَ تتطلَّع إلى بيانِ هذا المجمَل، فتَحرِص وتَبحث، وتَقرِن بين الأدلَّة، فيكون المسلمُ ملمًّا بجميع النصوص يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/245). .
7- إثباتُ أنَّ كلَّ شيء- حتى الموت- مخلوقٌ لله في قوله: إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ، وما كان صادرًا عن إِذنٍ فهو مخلوقٌ، ويدلُّ لهذا قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ [الملك: 2] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/250). .
8- أنَّه لا يُمكن أن يَتقدَّم الإنسانُ أو يتأخَّر عن الأجَل الذي قدَّره اللهُ له؛ لقوله: كِتَابًا مُؤَجَّلًا، ويُؤيِّد هذا آياتٌ؛ منها قوله تعالى: فَلَا يَسْتَأخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [يونس: 49] ، ومنها: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون: 11] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/250). .
9- أنَّ الناسَ لهم مشاربُ، ولكلِّ واحدٍ مسلكٌ؛ لقوله: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/252). .
10- أنَّ الإخبارَ عن الشَّيء، أو عن وقوعِ الشَّيء لا يدلُّ على حِلِّه؛ فقوله: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا لا يدلُّ على حِلِّ إرادةِ الإنسانِ الدُّنيا بعمله، إنَّما هو خبرٌ عن أمْرٍ وقَع، والحِلُّ والحُرمة يُؤخذانِ من دليلٍ آخَر من الشرع يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/252). .
11- الردُّ على الجَبريَّة؛ لقوله: وَمَنْ يُرِدْ حيث أثبتَ للإنسان إرادةً، والجبريَّة يقولون: إنَّ الإنسانَ ليس له إرادةٌ، وإنَّه يفعل بدون اختيارٍ ولا إرادة، ولكنْ كلُّ النُّصوصِ السَّمعيَّة والعقليَّة تردُّ على قولهم يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/253). .
12- إيثارُ إرادةِ الآخِرة على الدُّنيا؛ لقوله: وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ؛ فإنَّ هذا يدلُّ على أنَّ مَن أراد الآخرة، فإنَّه من الشاكرين الذين يَجزيهم اللهُ عزَّ وجلَّ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/254). .
13- إثباتُ الجزاءِ على العمل، وهو دائرٌ بين أمرين، بين عدْلٍ وفَضْل، ويمتنع الأمرُ الثالث، وهو الظُّلمُ بالنِّسبة للهِ عزَّ وجلَّ، ولكنْ لكمال عدْله سبحانه وتعالى قال: وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/254). .

بلاغة الآيات :

1- قوله: أَمْ حَسِبْتُمْ: الهمزةُ فيه للإنكارِ، والاستفهامُ المقدَّر بعدَ أَمْ مُستعمَلٌ في التَّغليطِ والنهيِ؛ ولذلك جاء بـأَمْ؛ للدَّلالةِ على التغليط، أي: لا تَحْسَبوا أنْ تَدخُلوا الجَنَّةَ دون أنْ تُجاهِدوا وتَصبِروا على عواقِب الجهاد يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/420)، ((تفسير أبي حيان)) (3/381)، ((تفسير أبي السعود)) (2/91)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/106).
2- قوله: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ: فيه تَكرارُ الفِعل (يعلم)؛ إمَّا لاختلافِ المتعلَّق، وإمَّا للتَّنبيهِ على فَضْل الصَّابرِ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/381). .
3- قوله: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ: أي: تتمنَّوْن الحربَ ومناجزةَ الأعداء يوم أُحد؛ فإنَّها من مبادِئ الموتِ، أو تتمنَّون الموتَ بالشَّهادة في سبيل الله، وهو خبرٌ فيه توبيخٌ لهم على تمنِّيهم الحربَ، وعلى ما تَسبَّبوا له مِن خروجِ رسولِ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإلحاحِهم عليه، ثمَّ انهزامِهم عنه وقِلَّة ثباتِهم عندَه، كأنَّه قيل: إنْ كُنتُمْ صادقينَ في تمنِّيكم ذلك فقدْ رأيتُموه معاينينَ له حِين قُتِلَ بين أيديكم مَنْ قُتل مِن إخوانِكم وأقاربِكم، وشارفتُم أن تُقتلوا، فلِمَ فعلتُم ما فعلتُم. وليس التوبيخُ على تمنِّي الشَّهادةِ بناءً على تضمُّنها لغلَبةِ الكفَّارِ؛ لأنَّ مَطلبَ مَن يتمنَّاها نيلُ كرامةِ الشُّهداءِ من غير أنْ يخطُرَ بباله شئ غيرُ ذلك فلا يستحِقُّ العتابَ من تلك الجِهة يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/421)، ((تفسير البيضاوي)) (2/40)، ((تفسير أبي السعود)) (2/92)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/107-110). .
4- قوله: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ: فيه قصرٌ، والقصرُ قلبيٌّ؛ فإنَّهم لَمَّا انْقَلبوا على أعقابِهم، فكأنَّهم اعتَقدوا أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلام رسولٌ لا كسائرِ الرُّسلِ في أنَّه يخلو كما خَلَوا، ويجب التمسُّكُ بدِينه بعده، كما يجب التمسُّكُ بدِينهم بعدَهم، فردَّ عليهم بأنَّه ليس إلَّا رَسولًا كسائرِ الرُّسلِ، فسَيخْلُو كما خلَوْا، ويجبُ التمسُّكُ بدِينه كما يجبُ التمسُّكُ بدِينهم يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/92)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (2/64). .
5- قول الله تعالى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ: فيه ذِكر الرُّسُل بالتَّعريفِ الدالِّ على العُموم، ويُؤخذُ منه التَّفخيمُ للرُّسل، والتنويهُ بهم على مُقتضَى حالِهم مِن اللهِ تعالى يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/363)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/242). .
6- قوله: أفَإِنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلى أعْقَابِكُمْ: همزةُ الاستفهام في أَفَإِنْ للإنكار، والفاءُ للسببيَّة، وهذا يؤكِّدُ ما اقتضتْه جملةُ القصر، من التعريضِ بالإنكارِ عليهم في اعتقادِهم خلافَ مضمونِ جُملة القصر؛ فقد حصَل الإنكارُ عليهم مرَّتين: إحداهما بالتعريضِ المستفادِ من جُملة القصر، والأُخرى بالتَّصريحِ الواقِع في هذه الجُملة يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/112). .
- وقوله: مَاتَ أَوْ قُتِلَ فيه: تَكرار؛ وقد سوَّغه كونُ العُرفِ في الموتِ خِلافَ العُرْف في القَتْل، وإنْ كان كلاهما واحدًا من حيثُ مفارقةُ الرُّوحِ الجسدَ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/381). .
7- قوله: وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا: خبرٌ، الغرضُ منه تأكيدُ الوعيد؛ لأنَّ كلَّ عاقلٍ يعلمُ أنَّ الله تعالى لا يَضرُّه كفرُ الكافرين، بل المرادُ أنَّه لا يضرُّ إلَّا نفسَه يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/377). .
- وقوله تعالى: فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا، أي: شيئًا من الضَّرر، لا قليلًا ولا كثيرًا؛ أفادَ ذلك التَّنكيرُ في شَيْئًا حيثُ وقَع في سِياقِ النَّفي يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/364)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/113). .
8- قوله: وَسَيَجْزِى اللهُ الشَّاكِرِينَ: فيه مناسبةٌ حسنةٌ بإتْباعِ الوعيدِ بالوَعْد يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/377). .
- وفيه: إظهارُ الاسمِ الجليلِ (الله) في موقِعِ الإضمار؛ لإبرازِ مزيدِ الاعتناءِ بشأن جزائِهم يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/94). .
9- قوله: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا: خبرٌ فيه تحريضٌ وتشجيعٌ على القتال يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/41). .
- وفي قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ... جِيءَ الحُكمُ بصِيغة الجُحود (ما كان)؛ للمبالغةِ في انتفاءِ أنْ يكونَ موتٌ قَبْل الأجَلِ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/114). .
- وقوله: مُؤجَّلًا: يُؤكِّد معنى إلَّا بِإِذْنِ اللهِ؛ لأنَّ قوله: بِإِذْنِ اللهِ يُفيد أنَّ له وقتًا قد يكون قريبًا، وقد يكون بعيدًا يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/41)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/115). .
10- قوله: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ:
- قوله: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا: خبرٌ فيه تعريضٌ بالذين شَغلتْهم الغنائمُ يومَ أُحُدٍ يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/424)، ((تفسير أبي السعود)) (2/94). .
- وقوله: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ فيه تَكرار يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/381). ، وهو يُفيدُ التأكيدَ على المعنى.