موسوعة التفسير

سُورةُ المائِدَةِ
الآيات (94 - 96)

ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ

غريب الكلمات:

النَّعَمِ: أي: الإبل والبَقر والغَنَم، وأصلُ (نعم): يدلُّ على ترفُّه وطِيب عَيشٍ وصلاحٍ [1721] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 145)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 461)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/446)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 88). .
ذَوَا عَدْلٍ: أي: عَدلانِ بيِّنَا العدالةِ، والعدالةُ هي الاستقامةُ على طريقِ الحقِّ بالاجتنابِ عمَّا هو محظورٌ دِينًا، وأصل (عدل): يدلُّ على استواءٍ [1722] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/246) ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 88)، ((تفسير ابن كثير)) (3/216)، ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 191). .
هَدْيًا: جمْع هَدْيَةٍ، وهو هنا مختصٌّ بما يُهدَى إلى البيتِ مِن الأنعامِ، وأصلُ (هدي): يدلُّ على مَا أُهدِيَ مِن هَديَّةٍ إلى ذي مودَّةٍ، ويدلُّ على التَّقدُّمِ للإرشادِ [1723] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/42- 43)، ((المفردات)) للراغب (ص: 839)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 104). .
عَدْلُ ذَلِكَ: أي: مِثلُه، أو مَا يُعادلُه، وأصلُ (عدل): يدلُّ على استواءٍ [1724] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 147)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/246)، ((المفردات)) للراغب (ص: 551)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 88). .
وَبَالَ أَمْرِهِ: أي: جزاءَ ذَنبِه، أو ثِقْلَ فِعلِه، أو عاقبةَ أمْره مِن الشرِّ، والوَبَال: الوخامةُ، وسوءُ العاقبة، وأصل (وبل): يدلُّ على شِدَّةٍ في شيءٍ، وتجمُّع [1725] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 479)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/82)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 89)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 949). .
مَا سَلَفَ: أي: الذي مضَى وتَقدَّم، والسَّلفُ: المتقدِّم، وأصل (سلف): يدلُّ على تقدُّم وسَبْق [1726] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 504)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/483)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 116). .
صَيْدُ الْبَحْرِ: أي: ما صِيدَ من السَّمكِ، والصيدُ هنا يُرادُ به المَصيدُ، أو: ما يُصطادُ منه طريًّا [1727] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 147)، ((تفسير القرطبي)) (6/318)، ((تفسير ابن كثير)) (3/197). .
وَلِلسَّيَّارَةِ: أي: المسافِرين، وأصلُ (سير): يدلُّ على مُضيٍّ وجريانٍ [1728] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 147)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/120)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 89). .
تُحْشَرُونَ: تُجمَعون وتُساقون، والحشرُ: الجمْعُ مع سَوْقٍ، أو الجمعُ بكثرةٍ، وكلُّ جمْعٍ حشْرٌ، والحشر أيضًا: البعثُ والانبعاثُ [1729] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 188)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/66)، ((المفردات)) للراغب (ص: 237)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 161). .

مشكل الإعراب:

قوله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ.
فَجَزَاءٌ: مرفوعٌ مُنوَّن، على أنَّه مبتدأٌ لخبرٍ محذوفٍ، والتقدير: فعليه جزاءٌ، ويجوز أنْ يكونَ جَزَاءٌ خبرًا لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: فالواجبُ جزاءٌ، ويجوز أنْ يكون فاعلًا بفِعلٍ محذوف، أي: فيلزمه أو يجبُ عليه جزاءٌ. ومِثْلُ: بمعنى (مماثِل)، وهي مرفوعةٌ صفةٌ لـجَزَاءٌ، ويجوزُ أن تكون بدلًا منه. ومِنَ النَّعَمِ متعلِّقٌ بمحذوفٍ، حالٌ من ضمير المفعول المحذوف؛ أي: ما قَتَلَهُ من النَّعَم. أو في محلِّ رفْع صِفة ثانية لـجَزَاءٌ.
وقُرِئ جَزَاءُ بالرَّفْعِ من غيرِ تنوينٍ على إضافتِه إلى مِثلِ، وإعراب (جَزَاءُ) على هذه القِراءة كما سبَق، لكن: مِثْلِ مجرورةٌ على أنَّها مضاف إليها، وهي في حُكم الزَّائدة؛ لأنَّ الذي يجِبُ به الجزاءُ هو المقتولُ لا مِثلُه، وهذا كقولِه تعالى: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ [البقرة: 137] أي: بما آمنتُم به، وكقولهم: مِثلي لا يقولُ ذلك، أي: أنا لا أقولُ ذلِك. ومِنَ النَّعَمِ جارٌّ ومجرور في محلِّ نصْبٍ، حالٌ من الضمير في قَتَلَ؛ لأنَّ المقتولَ يكون من النَّعَم، أو يكونُ الجارُّ والمجرور متعلقًا بنَفْسِ الجزاء.
ومَا قَتَلَ: مَا يجوزُ أنْ تكون موصولةً اسميَّة، أو نكرةً موصوفةً، والعائد محذوف- على كِلا التَّقديرَينِ - أي: مِثل الذي قتَله مِن النَّعم، أو مِثل شيءٍ قتَلَه من النَّعَم [1730] يُنظَر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/236- 238)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/460- 461)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/418- 420). .
قوله: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا.
هَدْيًا: منصوبٌ على أنَّه حالٌ من الهاء في بِهِ، فيكون بمعنى مَهْدِيٍّ، أو منصوبٌ على المصدر- أي: إنَّه مفعولٌ مُطلَق لفِعل محذوفٍ-، أي: يُهديه هَدْيًا، وقيل غير ذلك.
أَوْ كَفَّارَةٌ: بالرَّفْع والتنوينِ، على أنَّه معطوفٌ على فجَزَاءٌ، أي: أو عليه كفَّارةٌ. وطَعَامُ: مرفوعٌ على البَدل مِن كفَّارة. وصِيَامًا منصوبٌ على التمييز [1731] يُنظَر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/238)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/461)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/423- 424). .
قوله: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ.
مَتَاعًا لَكُمْ: مَتَاعًا منصوبٌ على المصدر- مفعول مُطلَق- لأنَّ قوله: أُحِلَّ لَكُمْ بمعنى: أَمْتَعْتُكم به إمتاعًا، أو منصوبٌ على أنَّه مفعولٌ من أجْلِه، أي: أُحِلَّ لكم تمتيعًا لكم. ولَكُمْ صِفة لـمَتَاعًا- على القول بأنَّ مَتَاعًا مصدرٌ. وعلى القول بأنَّ مَتَاعًا مفعولٌ لأجْله، فيكون لَكُمْ مُتعلِّقًا بفعلٍ محذوف، أي: أَعْني لكم [1732] يُنظَر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/238)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/462)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/429- 430). .

المعنى الإجمالي:

يُخبِرُ الله تعالى عِبادَه المؤمنينَ أنَّه سيختبرُهم في حالِ إحرامِهم ببعضٍ مِن الصيدِ المحرَّم، الذي يستطيعون أخْذَه بأيديهم أو رِماحِهم؛ وذلك حتَّى يَعلمَ اللهُ مَن يَخافُه حالَ كَوْنِه لا يَرَى اللهَ عَزَّ وجَلَّ، ومَن يَخشاهُ في حالِ غِيابِه عن النَّاسِ، ثم توعَّد مَن اعتدَى متجاوزًا ما حدَّه اللهُ بعدَ حُكمِ تحريم الصَّيدِ عند التلبُّسِ بالإحرامِ، فخالَف شرْعَ اللهِ في ذلك؛ توعَّدَه بأنَّ له عذابًا مؤلِمًا مُوجِعًا.
ثمَّ نهى اللهُ تعالى عِبادَه المؤمنينَ عن قَتْلِ الصَّيدِ وهُم مُحْرِمون، أو كانوا داخِلَ الحرمِ، وبيَّن أنَّ مَن قتَلَ الصيدَ قاصدًا ذلك، فيجبُ عليه أنْ يذبَحَ مِثلَه مِن بهيمةِ الأنعامِ، يُقدِّر ذلك المِثْلَ الواجبَ اثنانِ عَدْلانِ من المؤمنينَ، ويَنبغي أن يَصلَ هذا الهديُ الواجبُ على قاتلِ الصَّيدِ إلى الحَرمِ؛ ليُذبحَ هناك، ويُوزَّع لحْمُه على مساكينِه. أو يكفِّر قاتلُ الصيدِ عمَّا اقتَرفَه من ذنبٍ بإطعامِ مساكينَ. أو يصوم ما يُعادلُ الإطعامَ، بأنْ يكون مقابلَ إطعامِ كلِّ مِسكينٍ صِيامُ يومٍ؛ ليذوقَ مَن قتَل الصيدَ- وهو مُحرِمٌ بعدَ تحريمِه- عقوبةَ ما اقترفَه مِن ذنبٍ. ثم ذكَر اللهُ مَظْهرًا مِن مظاهرِ رحمتِه بعبادِه؛ وهو أنَّه عفا الله عمَّا مضى مِن قبلِ التَّحريمِ، فلم يؤاخِذْهم عليه، أمَّا مَن عاود فِعلَ ذلك بعد أنْ بَلَغه التحريمُ؛ فإنَّ اللهَ تعالى ينتقمُ منه، ويعاقِبُه عقابًا شديدًا، فهو سبحانه عزيزٌ ذو انتقامٍ.
وبعدَ أنْ ذَكَر اللهُ حُكمَ صَيدِ البَرِّ بيَّن أنَّ صيدَ البحرِ وطعامَه حلالٌ حتى للمُحرِم- وصيدُ البَحر ما أُخِذ حيًّا، وطعامُه ما لَفَظَه البحرُ ميتًا، أو طفَا عليه أو انْحسَر عنه- أحلَّ الله تعالى ذلك؛ منفعةً لعبادِه في حالِ إقامَتِهم وحالِ سَفَرِهم، وأوضَحَ اللهُ سبحانه أنَّ صيدَ البَرِّ حرامٌ على عِبادِه حالَ إحرامِهم، فلْيتَّقوا اللهَ في كُلِّ أحوالِهم؛ فهو الذي إليه يُحشَرونَ وإليه مَرْجِعُهم فيجازيهم على أعمالِهم.

تفسير الآيات:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا أمَرَهم اللهُ تعالى ألَّا يُحرِّموا الطيِّباتِ، أخرج منها ما حرَّمَه في حالٍ دون حال، وهو حال الصيد [1733] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/361)، ويُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/428). ، فقال:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ.
أي: يا أيُّها المؤمنون، لَيَختبِرنَّكم اللهُ تعالى، ويَمتحِنَنَّ إيمانَكم ببعضِ الصَّيد المحرَّمِ الذي تَقدِرونَ على أخْذِه بأيديكم ورِماحِكم، وذلك حالَ إحرامِكم بحَجٍّ أو عُمرةٍ [1734] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/670)، ((تفسير ابن كثير)) (3/190)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/378). .
لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ.
أي: أقامَ اللهُ تعالى هذا الابتلاءَ؛ ليَعلمَ عِلمًا ظاهرًا للخَلْقِ، يَترتَّبُ عليه الثوابُ والعِقابُ، مَن يخافُ اللهَ تعالى ولم يَرَهُ، ومَن يَخافُ اللهَ تعالى في حالِ غِيابِه عن النَّاسِ، فيُطيع ربَّه عزَّ وجلَّ، ويَجتنب معصيتَه سرًّا وجهرًا، وهو لا يَراه ولا يُعايِنُه [1735] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/672)، ((تفسير ابن كثير)) (3/190)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/378-379). .
كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك: 12] .
فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
أي: فمَن تجاوَزَ حدَّ اللهِ عزَّ وجلَّ بعدَ حُكمِ تحريمِ الصَّيدِ عليه حالَ إحرامِه، فخالَفَ شرْعَ اللهِ تعالى في ذلك؛ فله عذابٌ مؤلِمٌ مُوجِع [1736] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/673)، ((تفسير ابن كثير)) (3/190)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/379). .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ .
أي: يا أيُّها المؤمنون، إيَّاكم أن تَقْتُلوا صيدَ البَرِّ [1737] المقصودُ بالصَّيد: الحيوانُ البريُّ المأكولُ المتوحِّش طبعًا. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/385). وأنتم مُحْرِمون بحجٍّ أو عمرةٍ [1738] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/673)، ((تفسير ابن كثير)) (3/190)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244). ، أو كنتم داخِلَ منطقةِ الحَرَم [1739] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/384-385). قال ابنُ عثيمين: (والحُرُم: جمعُ حرامٍ، والمرادُ به: الحُرُم في المكانِ، والحُرُم في الحالِ: الحُرُم في المكانِ: بأن يكونوا في حَرمِ مكَّةَ، والحُرُم في الحالِ: بأن يكونوا مُحرِمين بحجٍّ أو عمرةٍ، وعلى هذا لو أحرَم الإنسانُ مِن ذي الحُليفةِ فمِن حينِ إحرامِه مِن ذي الحليفةِ يدخلُ في الآيةِ، ولو كان محلًّا ووصَل إلى مكَّة إلى حدودِ الحَرَم، فإذا دخل هذه الحدودَ فقد صار حرامًا أي: يدخل في الآية أيضًا). .
وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ.
أي: وكلُّ مَن قتَلَ منكم صَيدًا، مُتعمِّدًا قتْلَه، فيجبُ عليه أنْ يَذبحَ مِثلَه من بهيمةِ الأنعامِ: الإبلِ، والبقر، والغَنم [1740] قال ابنُ عُثيمين: (المرادُ بالمماثلة هنا: المقاربةُ في الخِلْقة؛ لأنَّ التماثُلَ بيْن الصَّيدِ وبَين النَّعَم مستحيلٌ، أعْني: التماثُلَ من كلِّ وجه؛ لكن المراد بذلك التقارُب في الخِلقة) ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/387). ، ويَتصدَّقَ به عِوضًا عمَّا قَتَله [1741] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/678-679)، ((تفسير ابن كثير)) (3/192)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/429)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/386-387). .
يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ .
أي: يُقدِّرُ ذلك الجزاءَ الواجبَ، اثنانِ عدلانِ منكم- أيُّها المؤمنون- من ذوي الاستقامةِ والمروءةِ [1742] قال ابنُ عُثيمين عن المروءة: (العدالةُ: هي الاستقامةُ في الدِّين والمروءة، فمعنى ذَوَا عَدْلٍ أي: ذوا استقامةٍ في الدِّين والمروءة. أمَّا في الدِّين: ففسَّرها الفقهاءُ رحمهم الله بأنْ يأتي بالفرائض، وأنْ لا يفعلَ كبيرةً، ولا يُصرَّ على صغيرةٍ، هذه الاستقامةُ في الدِّين، الاستقامةُ في المروءة: أنْ لا يفعل ما يَشينُه عندَ الناسِ، وأنْ يفعل ما يُجمِّله عندهم، يعني: يفعل الجميلَ ويَدَع الـمُشين، وهذا الأخيرُ يختلف باختلافِ الأحوالِ والبلدان والأزمان، قد يكون فعلُ شيءٍ في بلد لا يَخرم المروءةَ، وقد يكون في بلد آخَر يَخرم المروءةَ، والعبرةُ بأعرافِ الناس المستقيمة، لا عِبرةَ للهَمجِ) ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/387). ، يَعرِفان الحُكمَ، ووجهَ الشَّبَهِ [1743] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/689)، ((تفسير ابن كثير)) (3/192)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/387-388). قال السعديُّ: (كما فعَل الصحابةُ رضي الله عنهم، حيث قضَوْا بالحمامة شاةً، وفي النعامة بدنةً، وفي بقَر الوحش- على اختلاف أنواعِه- بقرةً، وهكذا كلُّ ما يُشبه شيئًا من النَّعم، ففيه مِثلُه، فإنْ لم يُشبه شيئًا ففيه قِيمتُه، كما هو القاعدةُ في المُتْلَفات) ((تفسير السعدي)) (ص: 244). .
هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ.
أي: هذا الهدْيُ يَنبغي أنْ يكونَ واصلًا إلى الحرَمِ، فيُذبحَ فيه، ويُوزَّعَ لحْمُه على مساكينِه [1744] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/695، 707)، ((تفسير ابن كثير)) (3/194)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/388). قال القرطبيُّ: (ولم يُردِ الكعبةَ بعينِها؛ فإنَّ الهديَ لا يبلغُها؛ إذ هي في المسجدِ، وإنَّما أراد الحرمَ، ولا خلافَ في هذا) ((تفسير القرطبي)) (6/314). .
أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ.
أي: وله- عوضًا عن ذَبْحِ الهَدْي المماثِل- أنْ يكفِّرَ عن ذَنبِه بإطعامِ مساكينَ [1745] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/696، 704)، ((تفسير ابن كثير)) (3/194)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/388-389). .
أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا.
أي: وله أيضًا أنْ يَختارَ للجزاءِ صِيامَ ما يُعادِلُ إطعامَ المساكينِ، فيصومَ عن إطعامِ كلِّ مِسكينٍ يومًا [1746] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/708-709)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/389). .
لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ.
أي: أوْجَبْنا الجزاءَ المذكور على قاتِلِ الصَّيدِ المنهيِّ عن قتلِه؛ ليذوقَ عقوبةَ ذَنبِه الذي ارتكبَه بإلزامِه بما يُتعِبُه، ويشقُّ عليه [1747] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/712)، ((تفسير ابن كثير)) (3/195)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/389-390). .
عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ.
أي: تجاوزَ اللهُ تعالى عن قتْلِكم الصيدَ، وأنتم حُرُمٌ، قبلَ تحريمِ ذلك عليكم، فلا يُؤاخِذكم به [1748] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/712-713)، ((تفسير ابن كثير)) (3/195)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/390). .
وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ.
أي: ومَن فعل ذلك بعد تحريمِه، وبُلوغِ الحُكم الشرعيِّ إليه، فإنَّ الله تعالى يَأخُذُه بعقوبةٍ [1749] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/720-722)، ((تفسير ابن كثير)) (3/195)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/390). .
وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ.
أي: واللهُ تعالى مَنيعٌ في سُلطانه، غالبٌ على أمْرِه، لا يَقهرُه قاهرٌ، ولا يَمنعُه من الانتقامِ مانعٌ، ذو معاقبةٍ لِمَن عصاه سبحانه [1750] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/722)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/390). .
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا كانَ الصيدُ يشملُ الصيدَ البَرِّيَّ والبَحريَّ، استَثْنى تعالى الصيدَ البحريَّ، فذَكَر في الآياتِ الماضيةِ حُكمَ صيدِ البَرِّ للمُحْرِم، وذكر هنا حُكمَ صيدِ البَحرِ [1751] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/410).   ، فقال:
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ.
أي: أباحَ الله تعالى لكم مُطلقًا في حالِ حِلِّكم وحَرَمِكم- أيُّها المؤمنون- أكْلَ صيدِ البحرِ، وهو ما أخذتُموه من حيواناتِه حيًّا، وطعام البحرِ، وهو ميتتُه التي لفَظَها أو طفَتْ عليه، أو انحسر عنها [1752] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/722، 726، 734)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/410-412). وممَّن قال مِن السَّلف في معنى صيد البحرِ وطعامِه بنحو ما قُلنا: أبو بكر الصِّدِّيق، وعمر بن الخطَّاب، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وأبو هُرَيرة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن جُبَير، والسُّدِّي، وقَتادة، وسعيد بن المسيَّب، ومجاهد. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/722)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (4/1210). وقال مكي: (وكلُّ نهرٍ تسمِّيه العربُ بحرًا، فالأنهارُ صيدُها داخلٌ في هذا، حلالٌ بإجماعٍ) ((الهداية الى بلوغ النهاية)) (3/1880).  .
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ.
أي: منفعةً لكم- أيُّها المخاطَبون- فتنتفعون به أكْلًا وبَيعًا، ومنفعةً أيضًا للمسافرينَ يَتزوَّدونَ به في سَفرِهم، ويَجلِبونه بضاعةً إلى الأمصارِ في تَرحالِهم [1753] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/735)، ((تفسير ابن كثير)) (3/198)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/53)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/410). وقد ذهَب إلى أنَّ المراد بـ لَكُمْ أي: أنتم- أيُّها المقيمون- في بلادِكم. وهو اختيارُ ابن جرير في ((تفسيره)) (8/735)، والواحديِّ في ((الوجيز)) (ص: 36)، وابن عطية في ((تفسيره)) (2/241)، وابن عثيمين في ((تفسير سورة المائدة)) (2/410). وممَّن قال بنحو ذلك من السَّلف: مقاتل. يُنظر: ((زاد المسير)) لابن الجوزي (1/588). وقال ابن عاشور: (والخطابُ في قولِه: مَتَاعًا لَّكُمْ للمُخاطبين بقولِه: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرُ باعتبارِ كونِهم مُتناولين الصَّيد، أي: متاعًا للصَّائدين وللسَّيَّارة) ((تفسير ابن عاشور)) (7/52). .
وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا .
أي: وحرَّم اللهُ تعالى عليكم- أيُّها المؤمنون- أخْذَ الحيوانِ البريِّ في حالِ إحرامِكم [1754] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/737-738، 746-747)، ((تفسير ابن كثير)) (3/200)، ((تفسير السعدي)) (ص: 245)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/411). .
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ .
أي: واتَّقوه سبحانه بفِعلِ ما أمَر، وترْكِ ما نَهى، واستَعِينوا على تقواه بعِلمِكم أنَّكم إليه راجعونَ، فيُجازِيكم في آخرتِكم ثوابًا أو عقابًا على ما قدَّمتُم في دُنياكم [1755] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/750)، ((تفسير السعدي)) (ص: 245)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/411-412). .

الفوائد التربوية:

1- في قوله تعالى: لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ بيانُ امتحانِ اللهِ تبارَك وتعالى لعبادِه بتيسيرِ أسبابِ المعصية لهم؛ ليعلمَ مَن يخافُه بالغيبِ ومَن لا يخافُه إلَّا في العلانِيَة، ووجهُه من الآية ظاهِر [1756] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/396)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/85)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/379)، ((تفسير ابن عادل)) (7/513). .
2- قَوْلُه تعالى: لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فيه الحذرُ مِن الوقوعِ في المعصيةِ، وإن تيسَّرتْ أسبابُها، ومعرفةُ أنَّ ذلك امتحانٌ مِن الله [1757] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/380). ، فقد يكونُ التيسيرُ هو عينَ الابتلاءِ؛ ليعلمَ اللهُ مَن يخافُه في السرِّ، حيثُ لا يراه أحدٌ من النَّاس؛ إذ إنَّ هذا الصيدَ في مُكنتِهم وسهْلُ الأخْذ؛ فالخائفُ لا يَصيدُ، وغيرُ الخائفِ يَصيدُ [1758] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/362)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/38). .
3- قولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ فيه أنَّ اجتنابَ قتْلِ الصيدِ مِن مقتَضَياتِ الإيمانِ؛ وجهُ ذلك: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وجَّه الخطابَ بهذا النهيِ إلى المؤمنين، ودلَّ على أنَّ قتْلَ الصَّيدِ مُنافٍ لكمالِ الإيمانِ [1759] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/390-391). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَوْلُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ... فيه فضلٌ عظيمٌ لهذه الأمَّة، وأنَّها تَفضُل سائرَ الأُمَمِ، وعلى رأسهم الأمَّةُ اليهوديَّة، وفيه أيضًا فضيلةُ الصَّحابة رضي الله عنهم، الذين هم مُقَدَّمُ هذه الأمَّةِ، فقد امتحن اللهُ تعالى أصحابَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عُمرةِ الحُديبِيَةِ بالصيدِ وهم مُحرِمون، فهيَّأ لهم جميعَ أنواعِ الصيدِ من الوُحوش والطَّير، مِن كِبارِها وصِغارها، ولم يَعتَدِ رجلٌ منهم، ولم يَصِدْ في الإحرام، كما بيَّنه الله تعالى بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ... فخافوا اللهَ عزَّ وجلَّ وعظَّموا محارمَه، فلم ينتهكوها أو يتحيَّلوا عليها، أمَّا بنو إسرائيلَ فقد ابتلاهم اللهُ بصيدٍ، وهو صيدُ السَّمكِ، كما قال تعالى: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ [الأعراف: 163] فحَدَاهم الطَّمَعُ في أكْلِ الحُوتِ إلى أنِ اعْتَدَوْا في السَّبتِ، فكانوا يجعلون شِباكًا في يومِ الجُمعة، ثم يأخذون السَّمكَ أو الحيتانَ يومَ الأحَدِ، فمَسَخَهم اللهُ قِرَدةً [1760] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/59). ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/380). .
2- قَوْلُه: لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ ابتلاءُ تكليفٍ ونهْيٍ، كما دلَّ عليه تعلُّقُه بأمْرٍ ممَّا يُفعَل؛ فهو ليس كالابتلاءِ في قوله: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ... [البقرة: 155] ، وإنَّما أخبَرَهم بهذا على وجْهِ التَّحذير؛ فالابتلاءُ مُستقبَلٌ؛ لأنَّه لا يَتحقَّقُ معنى الابتلاءِ إلَّا مِن بعدِ النهي والتَّحذيرِ، ووجودُ نونِ التوكيدِ يُعيِّن المضارعَ للاستقبالِ؛ فالمستقبل هو الابتلاءُ، وأمَّا الصَّيدُ ونوالُ الأيدي والرِّماحِ فهو حاضِرٌ [1761] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور))  (7/38- 39). .
3- جاءتْ (مِن) في قولِه: مِنَ الصَّيْدِ للتبعيضِ؛ وذلك مِن وجهينِ: الأوَّل: أنَّ المرادَ صيدُ البَرِّ دون البَحر، والثاني: صيدُ الإحرامِ دون صيدِ الإحلالِ [1762] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/428). .
4- خصَّ اللهُ الأيديَ بالذِّكرِ في قولِه تعالى: تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ؛ لأنَّها أعظمُ تصرُّفًا في الاصطيادِ، وفيها تدخُلُ الجوارحُ والحِبالاتُ وما عُمِل باليدِ مِن فِخاخٍ وشِباكٍ، وخصَّ الرِّماح بالذِّكْرِ، فقال: وَرِمَاحُكُمْ؛ لأنَّها أعظمُ ما يُجرحُ به الصَّيدُ، وفيها يدخلُ السَّهمُ ونحوه [1763] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (2/236)، ((تفسير أبي حيان)) (4/362). . وقيل: عَبَّر بالأَيدي والرِّماح؛ ليشملَ الصَّيدَ القريبَ والبعيدَ؛ فبَعضٌ من الصَّيدِ يُتناوَلُ بالأيدي لقُرب غِشيانِه حتَّى تَتمكَّن منه اليدُ، وبعضٌ منه يُنال بالرِّماح لبُعده وتَفرُّقه؛ فلا يُوصَل إليه إلَّا بالرُّمح [1764] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/362). . وقيل: عَبَّر بقوله: تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ؛ للدَّلالةِ على غَايةِ قُرْبِ الصَّيدِ، حتى لو شَاؤوا لتناوَلوه بأَيديهم؛ فنَهاهم اللهُ أنْ يَقْرَبوه، وهذا لتَحقيقِ وقوعِ الابتلاءِ بِالصَّيْدِ؛ إذ ابتلاهَم بما يَغشاهُم في رِحالهم، ويَتمكَّنون مِن أخْذِه بالأيدي والرِّماح سرًّا وجهرًا؛ لتظهرَ طاعةُ مَن يُطيع منهم في سِرِّه وجَهْرِه [1765] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/190)، ((تفسير الألوسي)) (2/438). .
5- يُؤخَذُ من لفظ الصَّيْدِ أنَّه لا بدَّ أن يكون وحشيًّا؛ لأنَّ الإنسيَّ ليس بِصَيْدٍ، وأن يكون مأكولًا؛ فإنَّ غيرَ المأكولِ لا يُصادُ، ولا يُطلَق عليه اسمُ الصَّيد [1766] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 245). .
6- في سِياق قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ إشكالٌ، وهو أنَّه قد نرَى في ظاهرِ الآية أنَّها تدلُّ على تجدُّدِ العِلم للهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّه قال: لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ، ثم قال: لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ، وهو جلَّ وعلا عالمٌ بذلك قبلَ أنْ يخلُقَ هذا، وقد قدَّر مقاديرَ الخلائِقِ قبلَ خلْق السَّمواتِ والأرضِ بخَمسينَ ألفَ سَنةٍ، والجوابُ عن هذا الإشكال: أنَّ عِلمَ الله تعالى بالشيءِ قبلَ وقوعِه علمٌ بأنَّه سيقَعُ، وعِلمه بعدَ وقوعه عِلمٌ بأنَّه واقعٌ، وفرْقٌ بين كونِ الشيءِ معلومًا قبلَ أن يقعَ، ومعلومًا بعدَ أن يقَعَ؛ فالعلمُ الأوَّلُ لا يترتَّبُ عليه جزاءٌ بالنِّسبةِ للعبدِ، والعِلم الثاني: يترتَّبُ عليه جزاءٌ [1767] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 243)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/381). ، فمعنى لِيَعْلَمَ اللَّهُ أنْ يعلمَ عِلمًا ظاهرًا للخَلْقِ يترتَّب عليه الثوابُ والعقابُ [1768] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 244). .
7- مِن مِنَنِ اللهِ تعالى على عبادِه: أنْ أخبرَهم ببعضِ ما سيَبْتَليهم به؛ ليُطيعوه ويُقدِموا على بصيرةٍ، ويَهلِكَ من هلَك عن بيِّنةٍ، ويحيا من حيَّ عن بيِّنةٍ، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ [1769] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 244). .
8- أفاد قولُه: تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ أنهم يتمكَّنون من صيدِه؛ ليتمَّ بذلك الابتلاءُ، وإلَّا فلو كان غيرَ مقدورٍ عليه بيدٍ ولا رُمحٍ، لم يبقَ للابتلاءِ فائدةٌ [1770] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 244). .
9- قَوْلُه تعالى: لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ثناءٌ على الذين يَخافون اللهَ؛ فقدْ أثنى عليهم بصِدق الإيمانِ وتنَوُّرِ البصيرة؛ فإنَّهم خافوه ولم يَرَوْا عظمتَه وجلالَه، ونعيمَه وثوابَه، ولكنَّهم أيقَنوا بذلك عن صِدْقِ استدلالٍ [1771] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/40). .
10- يُستفادُ من مجموعِ الآيتين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ... ويَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ النهيُ عن الاصطيادِ، والنهيُ عن قتْلِ الصيدِ، والظَّاهِرُ عمومُ الصَّيدِ، وقد خُصَّ هذا العمومُ بصيدِ البَرِّ؛ لِقَوْلِه: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ [1772] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/363). .
11- حرَّم اللهُ تعالى الصيدَ في حالينِ: حال كَوْن الصائِد مُحرِمًا، وحال كون الصيدِ مِن صيدِ الحرَم ولو كان الصائدُ حلالًا، والحكمةُ في ذلك أنَّ الله تعالى عظَّمَ شأنَ الكعبةِ من عَهدِ إبراهيمَ عليه السَّلام، وأمَرَه بأنْ يتَّخذَ لها حرَمًا كما كان الملوكُ يتَّخذونَ الحِمَى، فكان بيتُ اللهِ وحِماه- وهو حَرَمُ البَيْتِ- مُحتَرمًا بأقْصى ما يُعدُّ حُرمةً وتعظيمًا؛ فلذلك شرَع اللهُ حَرَمًا للبيتِ واسعًا، وجعَل الله البيتَ أمْنًا للنَّاس، ووسَّع ذلك الأمنَ حتى شَمِلَ الحيوانَ العائِشَ في حَرمِه، بحيث لا يرَى الناسُ للبيتِ إلَّا أمنًا للعائذِ به وبحَرَمِه [1773] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/42). .
12- يُستفادُ من قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ التصريحُ بالنَّهي عن قتْلِ الصيدِ في حالِ الإحرامِ، والنَّهيُ عن قتْلِه يشملُ النهيَ عن مُقدِّمات القتْلِ، وعن المشاركةِ في القَتْلِ، والدَّلالةِ عليه، والإعانةِ على قتْله؛ حتى إنَّ مِن تمام ذلك أنَّه يُنهَى الْمُحْرِمَ عن أكْلِ ما قُتِل أو صِيدَ لأجْلِه؛ وهذا كلُّه تعظيمٌ لهذا النُّسُكِ العظيمِ [1774] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 244). .
13- ممَّا يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ تعظيمُ الإحرامِ وتعظيمُ الحَرَم؛ أما تعظيمُ الإحرامِ: فإنَّ منْعَ الْمُحْرِم من الصَّيد يعني احترامَ النُّسُك وعدَمَ اللَّهو وعدَم التَّرَف؛ لأنَّه لو أُبيح للمُحْرِم أن يَصطادَ لتلهَّى عن النُّسُك؛ ولهذا قال الله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197] ، كلُّ هذا لأجْلِ أنْ يَتفرَّغَ الإنسانُ قلبًا وقالَبًا لِما هو مُتلبِّسٌ به من النُّسُك. وأمَّا حَرَمُ مكَّة فظاهرٌ أيضًا أنَّ في الآيةِ دليلًا على تعظيمِه وحُرمتِه؛ لأنَّ الحرمَ آمنٌ كما قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت: 67] ، وقال عزَّ وجلَّ: وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين: 3] ، هذا البلدُ آمِنٌ فيه الآدميُّون والحيوانُ والأشجارُ؛ ولذلك يَحرُمُ صيدُه، ويحرُمُ قَطْعُ شجرِه إلَّا الميِّت، ويَحرُم القتالُ فيه، كما قال عزَّ وجلَّ: وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ [1775] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/395). [البقرة: 191] .
14- حرَّمَ الله تعالى الصَّيدَ على الْمُحْرِم بقولِه: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة: 1] ، وقوله: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا [المائدة: 2] ، وبقولِه هنا: لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وكرَّر ذلك تغليظًا لحُكمِه [1776] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/370). .
15- أنَّ ما صادَه المحْرِمُ مَيتةٌ؛ لا يحلُّ أكْلُه لا له ولا لغَيْره، سواءٌ قتَلَه بالسَّهم، أو أمْسَكه وذبَحه؛ فإنَّه مَيْتة؛ لِقَوْلِه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وجه الدَّلالةِ: أنَّ الله عبَّر عن صَيدِه بقَتْله، ومعلومٌ أنَّ القَتْل ليس ذَكاةً؛ فيدلُّ هذا على أنَّ ما قَتلَه المُحْرِمُ من الصيودِ فهو مَيتةٌ [1777] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/397)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/392). .
16- تقييدُ القتْلِ بالعَمدِ في قولِه تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ. خَرَجَ به المخطِئُ، فمَن لم يتعمَّدْ فقتَل خطأً، بأنْ كان ناسيًا لإحرامِه، أو رَماه ظانًّا أنَّه ليس بصيدٍ، فإذا هو صيدٌ، أو عدَل سهمُه الذي رماه لغيرِ صيدٍ فأصابَ صيدًا، فلا جزاءَ عليه ولا إثمَ [1778] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/364)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/44). ، فالجزاءُ إنَّما يلزم المتعمِّدَ، والقاعدةُ: أنَّه لا مؤاخذةَ مع الجهلِ والنِّسيانِ، وكذلك الإكراهُ، وهي قاعدةٌ عظيمةٌ في الشَّريعة الإسلاميَّة، ولا يجوزُ أن نُخْرِجَ منها أيَّ شيءٍ إلَّا بدليلٍ [1779] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/394). .
17- قال سبحانه وتعالى: فَجَزَاءٌ سمَّى اللهُ الكفَّارةَ هنا جزاءً؛ لأنَّ فيها تأديبًا وعقوبةً، وقد دلَّنا على أنَّ مَقْصِدَ التَّشريع في ذلك هو العقوبةُ؛ قولُه عقِبَه: لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ [1780] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/45). .
18- يُؤخذُ من قولِه تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ أنَّه لو اجتَمَع مُحرِمونَ في صَيدٍ لم يجبْ عليهم إلَّا جزاءٌ واحِدٌ [1781] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/365). .
19- أَوْ في قوله: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ وقولِه: أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ تَقتضي تخييرَ قاتِلِ الصيدِ في أحدِ الثلاثَةِ المذكورةِ، وكذلك كلُّ أمَرٍ وقَعَ بـ (أو) في القرآنِ، فهو من الواجِبِ المخيَّر، والقولُ بالتَّخييرِ هو قولُ الجمهورِ [1782] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/48). .
20- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه تعالى: ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أنَّ العَدْلينِ ذَكَرانِ، فلا يَحكُم فيه امرأتانِ، وإن اتَّصَفَتا بالعدالةِ [1783] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/366). .
21- وصف ذَوَا عَدْلٍ بقولِه: مِنْكُمْ أي: من المسلمينَ؛ للتحذير من متابعةِ ما كان لأهلِ الجاهليَّةِ مِن عَمَلٍ في صيدِ الحَرَمِ؛ فلعلَّهم يدَّعُونَ معرفةً خاصَّةً بالجزاءِ [1784] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/48). .
22- استُدِلَّ بقوله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ على إثباتِ القياسِ؛ لأنَّه تعالى فرَضَ تعيينَ المِثل إلى اجتهادِ النَّاسِ [1785] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/366). .
23- أنَّ جزاءَ الصَّيد لا بدَّ أن يصِلَ إلى الحَرَمِ، ويُذبَحَ هناك؛ لِقَوْلِه: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ، فلو قُدِّرَ أنَّ إنسانًا أَحْرَمَ مِن ذي الحُليفَةِ وقتَل صيدًا في بَدْرٍ، فإنَّه يجبُ عليه أن يَجزي هذا الصيدَ في مكَّةَ ولا بدَّ [1786] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/93)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/404). .
24- ممَّا يُستفادُ من التَّصريحِ بالكعبة في قوله: بَالِغَ الْكَعْبَةِ الزِّيادةُ في التعظيمِ، والإعلامُ بأنَّها هي المقصودَةُ بالذاتِ بالزِّيارة والعمارةِ [1787] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/302). .
25- أنَّ هؤلاءِ المساكينَ لا يُحْصَرونَ بعددٍ معيَّنٍ، بل له أن يُطْعِمَ ثلاثةً أو عشَرةً أو عشرينَ أو ثلاثينَ؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى أطلَقَ، فقال: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ وأقلُّهم ثلاثةٌ [1788] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/405). .
26- اسْتُدِلَّ بقَوْلِه تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ على جوازِ التعزيرِ بالمالِ؛ لأنَّ هذا القاتِلَ أُلزِمَ بهذه الفِدْيةِ؛ ليذوقَ وبالَ أمْرِه، فهو نوعٌ من التَّعزيرِ [1789] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/406). ومسألةُ التعزيرِ بالمال فيها خلافٌ بين أهلِ العلم. يُنظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (12/270). .
27- قَوْلُه: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ فيه رحمةُ الله عزَّ وجلَّ بهذه الأمَّة؛ حيث خيَّرها بين قوله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ وبين ما بَعدَه، فقال: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا و(أو) للتَّخييرِ [1790] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/303). .
28- إنَّما سمَّى الله تعالى ما أوْجَبه على مَن قتَل صيدَ البَرِّ وهو مُحْرِمٌ وَبالًا في قولِه: لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ؛ لأنَّه خيَّره بينَ ثلاثةِ أشياءَ؛ اثنانِ منها يوجِبَان تنقيصَ المالِ، وهو ثقيلٌ على الطَّبْعِ، وهما الجزاءُ بالمِثل والإطعامُ، والثَّالثُ يُوجِبُ إيلامَ البَدَنِ، وهو الصَّومُ، وذلك أيضًا يَثقُل على الطَّبعِ؛ وذلك حتى يُحترزَ عن قتْلِ الصَّيدِ في الحرمِ، وفي حالِ الإحرامِ [1791] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (7/528). .
29- لا يُوصَفُ الله تعالى بالانتقامِ وصفًا مُطلقًا، ولا يُسمَّى بالمنتقِم، وقولُه: ذُو انْتِقَامٍ لا يدلُّ على أنَّه وصفٌ مُطلَقٌ لله؛ لأنَّ الله تعالى قيَّدَ الانتقامَ بالمجرمين، فقال تعالى: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة: 22] ، فنُقيِّد ما قيَّده اللهُ عزَّ وجلَّ [1792] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/410). وأيضًا فقوله: ذُو انْتِقَامٍ وصف لـعزيزٌ وهو الذي لا يحتاج إلى ناصرٍ، فوُصِف بذلك؛ لأنَّ من صِفاته الحِكمةَ، وهي تَقتضي الانتقامَ من المُفْسِد؛ لتكونَ نتائجُ الأعمالِ على وَفْقِها [1793] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/51). .
30- أنَّ جميعَ حيوانِ البحرِ حلالٌ؛ لِقَوْلِه: صَيْدُ الْبَحْرِ والإضافةُ تقتضي العمومَ، فيشملُ كلَّ ما في البحرِ مِن سَمَكٍ وحيتانٍ، صغيرٍ وكبيرٍ مشابهٍ للإنسانِ، أو مشابهٍ للذِّئابِ، أو مشابهٍ للخنزيرِ، أو غير ذلك [1794] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة المائدة)) (2/412، 413). .
31- استدلَّ جمهورُ العلماءِ على حِلِّ مَيتةِ البحرِ بقولِه تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ وطعامُه يشملُ ما مات فيه [1795] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/198). .
32- حِلُّ صيدِ البحرِ للمُحِلِّين والمحرِمينَ؛ لِقَوْلِه: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [1796] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/412). .
33- أنَّه لو وُجِد ماءٌ فيه سمكٌ داخلَ حدودِ الحرَمِ فإنَّ الظاهِرَ أنَّه يكونُ حلالًا؛ لعمومِ قوله: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ، ثم قال: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [1797] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/412). .
34- من حِكمةِ الله عزَّ وجلَّ في حِلِّ صيدِ البحرِ دون صيدِ البَرِّ؛ لأنَّ الأوَّل تناوُلُه سَهْلٌ، ولا يلهو به الإنسانُ، كما يلهو به في صيدِ البَرِّ، بخلافِ صيدِ البرِّ الذي يتلهَّى الإنسانُ به وينسابُ وراءَه، ثم إنَّ صيدَ البحرِ صيدٌ خفيٌّ في باطنِ المياه؛ فلا يكونُ كالصَّيْدِ الظَّاهِرِ على سطحِ الأَرْضِ [1798] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/413). .
35- الإشارةُ إلى جوازِ ادِّخارِ لحمِ البَحْرِ؛ لِقَوْلِه: وَلِلسَّيَّارَةِ يعني: السَّائرينَ في السَّفر، ومِثل ذلك لحمُ صيد البرِّ في غيرِ الإحرامِ، لكن يُشترَطُ في ذلك ألَّا يصلَ إلى حدِّ الضَّررِ، فإنْ وصَلَ إلى حدِّ الضَّرَر بأنْ أَنتنَ، وقَبُحتْ رائحتُه، وخِيفَ على الإنسانِ منه، صار إمَّا مَكروهًا وإمَّا حرامًا؛ لقولِ الله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29] ، وقوله: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [1799] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/96)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/414). [البقرة: 195] .
36- لَمَّا كان الاصطيادُ بحَشْرِ المصيدِ إلى حيثُ يَعجِز عن الخلاصِ منه، وكانتْ حالةُ الإحرامِ أشبهَ شيءٍ بحالةِ الحَشرِ في التجرُّدِ عن المخيطِ، والإعراضِ عن الدنيا وتمتُّعاتِها، ختَم الآيةَ بقولِه عطفًا على ما تقديرُه: فلا تأكلوا شيئًا منه في حالِ إحرامكم، وَاتَّقُوا اللهَ، أي: الذي له الأمرُ كلُّه في ذلك وفي غيرِه من الاصطياد وغيرِه؛ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ؛ ليكونَ العَرْضُ عليه نُصْبَ أَعْيُنِكم، فتكونوا مواظبِينَ على طاعتِه مُحترِزينَ عن مَعصيتِه [1800] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/304). .

بلاغة الآيات:

1- قَوْلُه: لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ فيه: التأكيدُ باللَّامِ، ونونِ التَّوكيدِ، في قوله: لَيَبْلُوَنَّكُمُ التي تُعيِّن المضارعَ للاستقبالِ [1801] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/39). .
- وقوله: بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنكيرُ بِشَيءٍ؛ للتَّقليلِ والتَّصْغيرِ [1802] وقد اختُلِفَ في توجيهِ هذِه الصِّيغةِ التي تُشعِرُ بالتَّقليل والتَّصغيرِ هنا؛ فقِيل: المرادُ بما يُشعِرُ به اللفظُ من التَّقليل والتَّصغيرِ هو أنْ يُعلمَ أنَّ هذا المذكورَ ليسَ بفِتنةٍ مِن الفِتَنِ العِظامِ التي يكونُ التكليفُ فيها صَعبًا شاقًّا، كالابتلاءِ ببَذْلِ الأَرواحِ والأموالِ في الجِهادِ، وإنَّما هو ابتلاءٌ سَهلٌ؛ فتكونُ مِحنةً يَسيرةً؛ تَخفيفًا من اللهِ تعالى ولُطفًا. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/676)، ((تفسير الرازي)) (12/428)، ((تفسير البيضاوي)) (2/143)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244). وقيل: المرادُ هو التَّنبيهُ على أنَّ جميعَ ما يقَعُ الابتلاءُ به مِن هذه البلايا بَعضٌ مِن كلٍّ بالنِّسبةِ إلى مَقدورِ اللهِ تعالى؛ فإنَّ جميعَ المحن والأرزاء والبلاء والفِتن ليستْ بالنسبةِ إلى مَقدورِ الله تعالى سِوى جزءٍ يَسيرٍ، خَليقٌ به أن يُحقَّر ويُصغَّر، وهذِه الصِّيغةُ- التي تُشعِرُ بالتَّقليل والتَّصغيرِ- بعَينِها قدْ وردتْ في الفِتَن العَظيمةِ في قولِه تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ، ولا خَفاءَ في عِظَم هذه البلايا والمِحن التي يَستحقُّ الصَّابرُ عليها أنْ يُبشَّر؛ لأنَّه صَبَر على عَظيمٍ؛ وإنَّما خاطَب سُبحانَه المؤمنين بهذه الصِّيغةِ تَخفيفًا لهم، وبَعثًا لهم على الصَّبر، وحفزًا لهم على الاحتِمالِ؛ تَلطُّفًا بهم، وتَرفُّقًا بما يُكابدونه منه؛ لأنَّ سَبْقَ التوعُّدِ بذلك لم يكُن إلَّا ليكونوا مُتوطِّنين على ذلك عندَ وقوعِه، فيكون أيضًا باعثًا على تَحمُّلِه؛ لأنَّ مُفاجأةَ المكروهِ بَغتةً أصعبُ، والإنذارَ به قبل وقوعِه ممَّا يُسهِّلُ موقعَه. يُنظر: ((تفسير الزمخشري- حاشية ابن المنير)) (1/677)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (3/17-18). ، وعَبَّر بـمِن التي للتَّبعيض، أي: بشَيءٍ غيرِ كثيرٍ. وقيل: تَنكيرُ بِشَيْءٍ هنا للتنويعِ لا للتَّحقيرِ [1803] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/39). .
2- قَوْلُه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ استئنافٌ بيانيٌّ؛ لبيانِ الإجمالِ الواقِعِ في قولِه تعالى: لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ... [1804] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/42)، ويُنظر أيضًا: ((البرهان)) للزركشي (2/192). .
3- قولُه: وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ فيه: إيجازٌ بديع؛ لأنَّ شأنَ جواب الشَّرطِ إذا كان فِعلًا ألَّا تدخلَ عليه الفاءُ الرابطة؛ لاستغنائِه عن الرَّبط بمجرَّدِ الاتِّصالِ الفِعلي، ودخولُ الفاءِ على الفعلِ يقعُ في كلامِهم على خلافِ الغالِبِ؛ لقصدِ الدَّلالةِ على الاختصاصِ، أو التَّقوِّي، والتقدير: (فَهو ينتقمُ الله منه)؛ لقصدِ الاختصاصِ للمبالغةِ في شِدَّةِ ما يناله، حتى كأنه لا يَنالُ غيرَه، أو لقصدِ التقوِّي، أي: تأكيدِ حصولِ هذا الانتقامِ [1805] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/50). .
4- قَوْلُه: وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ تذييلٌ، وفي هذه الجملة تَذكارٌ بنِقَمِ الله وتخويفٌ [1806] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/369)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/51). .
- ولَمَّا كان قاتلُ صيدِ البَرِّ مُنتهكًا لحُرمةِ الإحرامِ والحَرَم، وكان التَّقديرُ: فاللهُ قادرٌ عليه، عَطَفَ على ذلك ما اقتَضاه المقامُ مِن الإتيانِ بالاسمِ العَظيم (اللَّه) ووصْفِ العزَّةِ، فقال: وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [1807] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/304). .
5- قَوْلُه: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ... استئنافٌ بيانيٌّ نشأَ عن قولِه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُم؛ فإنَّه اقتَضى تحريمَ قتْلِ الصَّيدِ على المحْرِم، وجَعَلَ جزاءَ فِعْلِه هدْيَ مِثلِ ما قتَل مِن النَّعَم، فكان السامعُ بحيث يسألُ عن صيدِ البَحرِ؛ فبيَّن اللهُ للناس حُكمَ صيدِ البحرِ وأبقاه على الإباحةِ [1808] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/51). .
6- قَوْلُه: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا فيه: زيادةُ تأكيدٍ لتحريمِ الصَّيدِ؛ تصريحًا بمفهومِ قولِه: لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، ولبيانِ أنَّ مُدَّةَ التحريمِ مُدَّةُ كونِهم حُرُمًا [1809] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/53). .
7- قَوْلُه: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فيه: تنبيهٌ وتهديدٌ جاءَ عقيبَ تحليلٍ وتحريمٍ، وناسَب ذِكرُ الحشْر؛ إذ فيه يَظهَرُ مَن أطاع وعصَى [1810] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/371). ؛ ففي إجراءِ الوَصفِ بالموصولِ الَّذِي وتِلك الصِّلة إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ تذكيرٌ بأنَّ المرجِعَ إلى الله؛ ليُعِدَّ الناسُ ما استطاعوا من الطاعةِ لذلك اللِّقاء [1811] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/53). .
- وقوله: الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ قدَّم الجارَّ والمجرورِ في قوله: إِلَيْهِ على عاملِه، وهو قولُه: تُحْشَرُونَ؛ لفائدتين: فائدة معنويَّة، وفائدة لفظيَّة؛ فالفائدةُ المعنويَّة: الحصرُ، وهذه قاعدةٌ معروفة عند البلاغيِّين والأصوليِّين: أنَّه إذا قُدِّمَ ما حقُّه التأخيرُ، فإنَّه يُفيد الحصرَ. والفائدةُ اللفظيَّة: مناسبةُ رُؤوسِ الآياتِ [1812] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/417). .