موسوعة التفسير

سُورةُ الأعرافِ
الآيات (163-166)

ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ

غريب الكلمات:

حَاضِرَةَ الْبَحْرِ: أي قريبةً مِن شاطِئِه، وأصلُ (حضر) إيرادُ الشَّيءِ، ووُرودُه ومُشاهَدَتُه [1971] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/75)، ((المفردات)) للراغب (ص: 242)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 120)، ((الكليات)) لأبي البقاء الكفوي (ص: 410). .
يَعْدُونَ: أي: يتعَدَّون ويُجاوِزونَ ما أُمِروا به، أو يظلمونَ؛ يقال: عَدَوْتُ على فلانٍ: إذا ظَلمْتَه، والاعتِداءُ: مُجاوزةُ الحقِّ [1972] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 174)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 508)، ((المفردات)) للراغب (ص: 554)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 120)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 211). .
حِيتَانُهُمْ: الحوتُ: السمكُ، وقيل: العَظيمُ مِنه، وهو مُضطرِبٌ أبدًا غيرُ مُستقِرٍّ، ويقال: حاوَتَني فلانٌ، أي: راوَغَني مُراوغةَ الحُوتِ، وأصله: مِن الاضطرابِ والرَّوغانِ [1973] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/114)، ((المحكم والمحيط الأعظم)) لابن سيده (3/493)، ((المفردات)) للراغب (ص: 261)، ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 83). .
شُرَّعًا: أي: ظاهرةً، واحِدُها شارعٌ، وأصلُ (شرع): شيءٌ يُفتَح في امتدادٍ يكونُ فيه [1974]  يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 174)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 291)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/262)، ((المفردات)) للراغب (ص: 451)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 120)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 211). .
لا يَسْبِتُونَ: أي: لا يَفعَلونَ سَبتَهم، أو لا يَدَعونَ العَملَ في السَّبتِ، وقيل: معناه: لا يقطعونَ العَمَل، وقيل: لا يكونونَ في السَّبتِ، وأصلُ السَّبتِ: القَطعُ [1975] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 508)، ((المفردات)) للراغب (ص: 392)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 211).
نَبْلُوهُمْ: أي: نَختبرُهم ونمتَحِنُهم [1976] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (1/92)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (1/433)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/293)، ((التبيان)) لابن الهائم (1/112). .
يَفْسُقُونَ: أي: يَخرُجونَ عَن الطَّاعةِ، وذلك مِن قولِهم: فسَقَ الرُّطَبُ، إذا خرجَ عَن قِشرِه، والفُسوق: خروجٌ مِن الطَّاعةِ إلى المعصيةِ، وخروجٌ من الإيمانِ إلى الكُفرِ [1977] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 368)، ((المفردات)) للراغب (ص: 636)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 117)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 693). .
تَعِظُونَ: أي: تَنْهونَ وتَزجُرونَ [1978] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (1/411)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/126)، ((المفردات)) للراغب (1/876)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 80). .
مَعْذِرَةً: أي: لِنُعذَرَ فيهم، والعُذْرُ: تحرِّي الإنسانِ ما يمحو به ذنوبَه؛ فهو مَصدَرُ (عَذَرْت)، كأنَّه قيل: أطلُبُ منه أن يَعذِرَنِي [1979] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/253، 254)، ((المفردات)) للراغب (ص: 555)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 120). .
بَئِيسٍ: أي: شَدِيدٍ، والبُؤْسُ والبَأْسُ والبَأْسَاءُ: الشدَّةُ والمَكروهُ، إلَّا أنَّ البُؤسَ في الفَقرِ والحَربِ أكثَرُ، والبأسُ والبأساءُ في النِّكايةِ، وأصلُ الكَلِمةِ مِن الشِّدَّة [1980] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 174)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 121)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/328)، ((التفسير البسيط)) للواحدي (3/143)، ((المفردات)) للراغب (ص: 153)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 120)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 211)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 252). .
عَتَوْا: أي: تكبَّروا وتجبَّروا، والعُتُوُّ: النبُوُّ عن الطَّاعةِ، وأَصلُه يدُلُّ على استكبارٍ [1981] يُنظر: ((العين)) للخليل (2/226)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 332)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/225)، ((المفردات)) للراغب (ص: 546)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 205). .
خَاسِئِينَ: أي: صاغِرينَ ذليلينَ، أو باعِدينَ ومُبعَدينَ أيضًا، والخسوءُ: الصَّغارُ والطَّردُ، ويقال: خَسَأْتُ الكَلبَ فَخَسَأَ، أي: زَجَرتُه مستهينًا به فانزجَرَ [1982] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 52)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 205)، ((المفردات)) للراغب (ص: 282)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 92)، ((الكليات)) لأبي البقاء الكفوي (ص: 438). .

المعنى الإجمالي:

يأمُرُ اللهُ نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يسألَ اليَهودَ الذين بحَضرتِه، عن القريةِ التي على شاطئِ البَحرِ، وأن يستفسِرَهم عن اعتداءِ أهلِها يومَ السَّبتِ، ومُخالَفَتِهم لأمرِ اللهِ؛ بتعظيمِ ذلك اليومِ، والانقطاعِ للعبادةِ، وتركِ الاصطيادِ فيه، حين كانت تأتيهم الحيتانُ يومَ السَّبتِ كثيرةً ظاهرةً ومُقبلةً، وفي بقيَّةِ الأيَّامِ غَير السَّبتِ لا تأتيهم، كذلك يختبِرُهم اللهُ بما كانوا يفسُقونَ.
واذكر- يا محمَّدُ- حين قالت جماعةٌ مِن أهلِ تلك القريةِ لِمَن كان يعِظُ المُعتدينَ منهم: لمَ تنهَونَ المُستحِلِّينَ للصَّيدِ يومَ السَّبتِ، واللهُ تعالى مُهلِكُهم، أو مُعذِّبُهم عذابًا شديدًا، فأجابوهم: نفعلُ ذلك مَعذِرةً إلى رَبِّكم فيما أخَذ علينا مِن الأمرِ بالمعروفِ، والنَّهي عن المُنكَر، ولعلَّ هؤلاء المُعتدينَ يتَّقونَ اللهَ، ويجتنبونَ المعصيةَ، فلمَّا تَرَك المعتدونَ ما ذُكِّروا به، ولم يَقبَلوا نصيحةَ الواعظينَ؛ أنجى اللهُ الذين ينهونَ عَن المعصيةِ، وأخذَ الذينَ ظَلَموا أنفسَهم بمعصِيَتِهم لله، بعذابٍ شديدٍ نتيجةَ فِسقِهم.
فلمَّا تَمَرَّدوا وتجاوَزوا ما نُهوا عنه، وتمادَوْا في صَيدِ السَّمَكِ يومَ السَّبتِ، قال اللهُ لهم: صِيرُوا قردةً حَقيرينَ، مَطرودينَ مِن الخَيرِ.

تفسير الآيات:

وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ
أي: واسأَلْ- يا محمَّدُ- اليهودَ الذين بحَضرَتِك، عن خَبرِ المدينة التي كانت على شاطئِ البحرِ [1983] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/506)، ((البسيط)) للواحدي (9/408)، ((تفسير الرازي)) (15/390)، ((تفسير البغوي)) (2/241)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (5/491)، ((تفسير السعدي)) (ص: 306)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/148)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/274). قال الشنقيطي: (قصةُ هذه القريةِ كان يُخفِيها اليهودُ؛ لأنَّها سُبَّةٌ عليهم، وإخبارُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهم بها، وسؤالُهم عنها مع أنَّه نبيٌّ أُميٌّ- مِن مُعجِزاتِه وأدلَّةِ نُبُوَّتِه؛ لأنَّه ما عَلِمَها إلَّا عن طريقِ الوَحيِ). ((العذب النمير)) (4/271). ويُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/170)، ((تفسير القرطبي)) (7/305)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (9/316). وقال ابنُ عاشور: (هذه القصَّةُ ليست مما كُتِب في توراةِ اليَهودِ، ولا في كُتُبِ أنبيائِهم، ولكنَّها ممَّا كان مرويًّا عن أحبارِهم، ولذلك افتُتِحَت بالأمرِ بسُؤالِهم عنها؛ لإشعارِ يهودِ العَصرِ النبويِّ بأنَّ اللهَ أطلعَ نبيَّه- عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- عليها، وهم كانوا يكتُمونَها.. وهذه القريةُ قيل: (أيْلَة)، وهي المسمَّاةُ اليومَ (العَقَبة)، وهي مدينةٌ على ساحِلِ البَحرِ الأحمرِ، قُربَ شِبهِ جزيرة طور سِينا، وهي مبدأُ أرضِ الشَّامِ مِن جِهةِ مِصرَ). ((تفسير ابن عاشور)) (9/146 - 147). ويُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/493).   .
إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ
أي: اسألِ اليَهودَ عن اعتداءِ أهلِ تلك القريةِ في يومِ السَّبتِ، ومُخالَفَتِهم ما أمَرَهم اللهُ به مِن تعظيمِ يومِ السَّبتِ بالانقطاعِ للعِبادةِ، وتَركِ العَمَل، والاصطيادِ فيه [1984] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/509)، ((معاني القرآن)) للزجاج (2/384)، ((البسيط)) للواحدي (9/409)، ((تفسير الرازي)) (15/391)، ((تفسير ابن كثير)) (3/493)، ((تفسير السعدي)) (ص: 306)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/275). .
كما قال سبحانه: وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ [النساء: 154] .
وقال تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 65-66] .
إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا
أي: اسْأَلْهم حينَ اعتدى أهلُ تلك القريةِ عندما كانت الأسماكُ الكثيرةُ تَجيءُ إليهم في يَومِ السَّبتِ مُقبلةً ظاهرةً، وكثيرةً على وَجهِ البَحرِ [1985] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/509)، ((معاني القرآن)) للزجاج (2/384)، ((تفسير الزمخشري)) (2/171)، ((تفسير السعدي)) (ص: 306)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/148)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/275). قال الرازي: (قوله: يَوْمَ سَبْتِهِمْ معناه: يومَ تَعظيمِهم أمرَ السَّبتِ). ((تفسير الرازي)) (15/391). وقال البيضاوي: (مصدَرُ (سَبَتَتِ اليهودُ): إذا عظَّمت سَبتَها بالتجَرُّدِ للعبادةِ، وقيل: اسمٌ لليومِ، والإِضافةُ لاختصاصِهم بأحكامٍ فيه). ((تفسير البيضاوي)) (3/39). ويُنظر: ((البسيط)) للواحدي (9/411)، ((تفسير القرطبي)) (7/305)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/149)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/275).          .
وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ
أي: وفي سائِرِ الأيَّامِ غير يومِ السَّبتِ لا تأتيهم الحِيتانُ [1986] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/510)، ((الوسيط)) للواحدي (2/420)، ((تفسير السمعاني)) (2/225)، ((تفسير البغوي)) (2/242)، ((تفسير أبي السعود)) (3/285)، ((تفسير السعدي)) (ص: 306)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/275). .
كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
أي: مِثلَ ذلك الابتلاءِ العَظيمِ الذي وصَفْنا؛ نختَبِرُهم؛ بسبَبِ خُروجِهم عن طاعةِ الله [1987] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/510)، ((تفسير الرازي)) (15/391)، ((تفسير السعدي)) (ص: 306)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/150)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/275). .
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تَرتَكِبوا ما ارتكَبَت اليهودُ، فتستحِلُّوا محارِمَ اللهِ بأدنى الحِيَل)) [1988] رواه ابن بطة في كتابه ((إبطال الحيل)) (ص: 46). جوَّد إسناده ابن تيمية في ((بيان الدليل)) (86 )، وابن القيم في ((إغاثة اللهفان)) (1/513 )، وابن كثير في ((تفسير القرآن)) (3/492)، وصححه ابن باز في ((مجموع فتاوى ابن باز)) (230/19). .
وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)
وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ
أي: واذكُرْ [1989] قدَّر المحذوف هاهنا بـ (اذكر): ابنُ جرير، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/511)، ((العذب النمير)) (4/279). وقدَّره بـ (اسأل): أي: اسأَلْ بني إسرائيلَ: ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/150). - يا مُحمَّدُ- حينَ قالت جماعةٌ مِن أهلِ تلك القَريةِ لِمَن كان يعِظُ المُعتَدينَ منهم: لِماذا تَنهَونَ المُستحِلِّينَ للصَّيدِ في يَومِ السَّبتِ، واللهُ سيُهلِكُهم في الدُّنيا بعذابٍ يستأصِلُهم [1990] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/511)، ((تفسير أبي السعود)) (3/285)، ((تفسير أبي حيان)) (5/207)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/150)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/279 - 280). قال ابنُ كثيرٍ: (يُخبِرُ تعالى عن أهلِ هذه القَريةِ أنَّهم صاروا إلى ثلاثِ فِرَقٍ: فِرقةٌ ارتكَبَت المحذورَ، واحتالوا على اصطيادِ السَّمَك يومَ الَّسبت، .. وفرقةٌ نَهَت عن ذلك، وأنكَرَت واعتزَلَتْهم. وفرقةٌ سَكَتَت فلم تَفعَلْ ولم تَنهَ، ولكنَّها قالت للمُنكِرةِ: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا؟ أي: لم تَنهَونَ هؤلاءِ، وقد عَلِمتُم أنَّهم هَلَكوا واستحَقُّوا العقوبةَ مِن اللهِ؟ فلا فائدةَ في نَهيِكم إيَّاهم). ((تفسير ابن كثير)) (3/494). والقَولُ بأنَّهم افتَرَقوا ثلاثَ فِرَقٍ هو قولُ جُمهورِ المُفَسِّرينَ، كما نسبَه إليهم القُرطبيُّ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (7/307). وقال الرازي: (قوله: أُمَّةٌ مِنْهُمْ أي: جماعةٌ مِن أهلِ القَريةِ- مِن صُلحائِهم الذين رَكِبوا الصَّعبَ والذَّلولَ في مَوعظةِ أولئك الصيَّادينَ، حتى أيِسُوا مِن قَبولِهم- لأقوامٍ آخَرينَ ما كانوا يُقلِعونَ عَن وَعظِهم. وقوله: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أي: مُختَرِمُهم، ومُطَهِّرُ الأرضِ منهم أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا لِتمادِيهم في الشَّرِّ، وإنَّما قالوا ذلك لِعِلمِهم أنَّ الوَعظَ لا ينفَعُهم). ((تفسير الرازي)) (15/391). ؟!
أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا 
أي: أو سيعذبهم الله بعذابٍ شديدٍ [1991] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/511)، ((معاني القرآن)) للنحاس (3/94)، ((تفسير ابن عطية)) (2/469)، ((تفسير البيضاوي)) (3/39)، ((تفسير أبي حيان)) (5/208 - 207)، ((تفسير أبي السعود)) (3/285). قال أبو السعود: (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا دونَ الاستئصالِ بالمرةِ). ((تفسير أبي السعود)) (3/285). وقال الشوكانيُّ: (قالوا ذلك على غلبةِ الظنِّ لما جرتْ به عادةُ الله مِن إهلاكِ العصاةِ، أو تعذيبِهم مِن دونِ استئصالٍ بالهلاكِ). ((تفسير الشوكاني)) (2/293). وقال أبو حيان: (يحتملُ أن يكونَ العذابُ في الدُّنيا، ويحتملُ أن يكونَ في الآخرةِ). ((تفسير أبي حيان)) (5/208 - 207). وذهب بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ المرادَ بالعذابِ هنا عذابُ الآخرةِ. وهو اختيارُ ابنِ جريرٍ، والزجاجِ، وابنِ عطيَّة. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/511)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (2/385)، ((تفسير ابن عطية)) (2/469). .
كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الإسراء: 58] .
وقال سبحانه: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا [الطلاق: 8-10] .
وقال عزَّ وجلَّ: فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران: 56] .
وقال جلَّ جلاله: فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [فصلت: 27] .
قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ
أي: قال الذين يَنهونَ المُعتَدينَ عن مَعصيةِ اللهِ: نحن نعِظُهم مِن أجلِ أن نُعذَرَ عند اللهِ فيما فَرَضَ علينا مِن الأمرِ بالمعروفِ، والنَّهيِ عن المُنكَرِ، فلا يؤاخِذنا بالتَّقصيرِ في ذلك [1992] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/511)، ((تفسير ابن كثير)) (3/494)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/280). قال ابنُ عاشور: (ومعنى اعتذرَ: أظهر العُذْر، والعذرُ السببُ الذي تبطلُ به المؤاخذةُ بذنبٍ أو تقصيرٍ، فهو بمنزلةِ الحجةِ التي يُبديها المؤاخَذُ بذنبٍ؛ ليظهرَ أنَّه بريءٌ مما نُسِب إليه، أو متأوِّلٌ فيه). ((تفسير ابن عاشور)) (9/152). .
وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
أي: ونَعِظُهم أيضًا رجاءَ أن تُؤَثِّرَ فيهم موعِظَتُنا، فيمتَثِلوا أوامِرَ اللهِ تعالى، ويجتَنِبوا نواهِيَه، فيكفُّوا عن اقترافِ هذا الجُرمِ العَظيمِ، وهو مخالفةُ نَهيِ اللهِ تعالى عن صَيدِ السَّمكِ يَومَ السَّبتِ [1993] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/511)، ((تفسير ابن كثير)) (3/494)، ((تفسير السعدي)) (ص: 307)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/280). .
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ
أي: فلما تَرَك المُعتَدونَ ما أمَرَهم اللهُ تعالى به مِن تَعظيمِ يَومِ السَّبتِ، ولم يَقبَلوا نصيحةَ الواعظينَ [1994] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/524 - 225)، ((تفسير أبي حيان)) (5/208)، ((تفسير ابن كثير)) (3/494)، ((تفسير السعدي)) (ص: 307)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/281). .
  أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ
أي: أنجَينَا مِن العَذابِ، الذين كانوا يَنهَونَ المُعتَدينَ عن ارتكابِ السيِّئاتِ، واستحلالِ المُحرَّمات [1995] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/225)، ((تفسير ابن كثير)) (3/494)، ((تفسير السعدي)) (ص: 307). قال ابنُ كثير: (نصَّ على نجاةِ النَّاهينَ، وهلاكِ الظَّالِمينَ، وسكَتَ عن السَّاكِتينَ؛ لأنَّ الجَزاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ؛ فهم لا يستحقُّونَ مدحًا فيُمدَحوا، ولا ارتَكَبوا عظيمًا فيُذَمُّوا). ((تفسير ابن كثير)) (3/494). قال الشِّنقيطيُّ: (أشكَلَ على ابنِ عبَّاسٍ أمْرُ الفِرقةِ السَّاكتة التي لم ترتَكِبْ ما نُهِيَت عنه، مِن اليهودِ، هل عُذِّبُوا أو نَجَوا، حتى بيَّنَ له مولاه عكرمةُ دُخولَهم في النَّاجِينَ دُونَ المُعَذَّبينَ، وهذا هو الحَقُّ؛ لأنَّه سبحانَه قال عن السَّاكتين: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فأخبَرَ أنَّهم أنكَروا فِعلَهم، وغَضِبوا عَليهم، وإنْ لم يواجِهوهم بالنَّهيِ، فقد واجَههم به مَن أدَّى الواجِبَ عنهم؛ فإنَّ الأمرَ بالمَعروفِ والنَّهيَ عن المُنكَر، فَرضُ كفايةٍ؛ فلما قام به أولئك سَقَط عن الباقِينَ، فلم يكونوا ظالِمينَ بِسُكوتِهم. وأيضًا فإنَّه سبحانَه إنَّما عذَّبَ الذين نَسُوا ما ذُكِّرُوا به، وعَتَوا عمَّا نُهُوا عنه، وهذا لا يتَناوَلُ السَّاكتينَ قَطعًا). ((أضواء البيان)) (4/222). ويُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/273). .
وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ
أي: وأخَذْنا الذين ظَلَموا أنفُسَهم بمعصِيةِ الله، بعذابٍ شَديدٍ [1996] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (3/143)، ((تفسير ابن عطية)) (2/469)، ((تفسير السعدي)) (ص: 307)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/153)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/282 - 283). قال ابنُ جريرٍ في معنى بَئِيسٍ: (أهلُ التَّأويلِ أجمَعوا على أنَّ مَعناه: شَديد). ((تفسير ابن جرير)) (10/527). وقال ابنُ عاشور: (وقد أُجمِلَ هذا العَذابُ هنا، فقيل: هو عذابٌ غَيرُ المَسخِ المَذكورِ بَعدَه، وهو عذابٌ أُصيبَ به الذين نَسُوا ما ذُكِّروا به... أي: أنَّ اللهَ أعذَرَ إليهم، فابتَدَأهم بعذابِ الشدَّةِ، فلمَّا لم يَنتَهوا وعَتَوا، سلَّط عليهم عذابَ المَسخِ. وقيل: العَذابُ البَئيسُ هو المَسخُ، فيكونُ قَولُه: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ بيانًا.. بمنزلةِ التَّأكيدِ لِقَولِه: فَلَمَّا نَسُوا، صِيغَ بهذا الأسلوبِ؛ لتَهويلِ النِّسيانِ والعُتوِّ، ويكونُ المعنى: أنَّ النِّسيانَ- وهو الإعراضُ- وقع مقارِنًا للعتُوِّ). ((تفسير ابن عاشور)) (9/153). ويُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/173)، ((تفسير الرازي)) (15/393)، ((تفسير ابن جزي)) (1/311)، ((تفسير أبي السعود)) (3/286). .
كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102] .
  بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
أي: عذَّبناهم بسبَبِ خُروجِهم عن طاعةِ اللهِ [1997] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (2/470)، ((تفسير الشوكاني)) (2/293)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/153)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/283 - 284). .
فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)
فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ
أي: فلمَّا تَمَرَّدوا وتجاوَزوا ما نُهوا عنه، وتمادَوْا في صَيدِ السَّمَكِ يومَ السَّبتِ [1998] وهو اختيارُ ابنِ جريرٍ، والنحاسِ، والقرطبيِّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/528)، ((إعراب القرآن)) للنحاس (2/78)، ((تفسير القرطبي)) (7/309). وممن قال بهذا القولِ مِن السَّلف قتادةُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/529). .
وقيل: فلمَّا تكَبَّروا عن تَركِ ما نهاهم اللهُ عنه [1999] وهو اختيارُ الواحديِّ، والزمخشريِّ، والرازي، وابنِ جزيٍّ، والشنقيطيِّ. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (9/422)، ((تفسير الزمخشري)) (2/173)، ((تفسير الرازي)) (15/393)، ((تفسير ابن جزي)) (1/311)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/285). وممَّن قال بنحوِ هذا مِن السَّلَفِ عكرمةُ. يُنظر: ((تفسير ابن أبي حاتم)) (5/1602). .
قال تعالى: بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ [الملك: 21] .
وقال سبحانه: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا [الفرقان: 21] .
وقال عز وجل: وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ [الأعراف: 77] .
قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ
أي: فلما تمرَّدوا وتكبَّروا، قُلنا لهم: صِيرُوا قردةً حَقيرينَ، مَطرودينَ مِن الخَيرِ [2000] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/66 - 67)، ((إعراب القرآن)) للنحاس (2/78)، ((تفسير ابن كثير)) (3/497)، ((تفسير الشوكاني)) (2/293)، ((تفسير السعدي)) (ص: 307)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/285 - 286). .
كما قال سبحانَه: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 65-66] .
وقال تعالى: أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [النساء: 47] .
وقال عزَّ وجلَّ: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل: 40] .

الفوائد التربوية:

1- مَن أطاعَ اللهَ تعالى خفَّفَ اللهُ عنه أحوالَ الدُّنيا والآخرةِ، ومَن عصاه ابتلاه بأنواعِ البَلاءِ والمِحَنِ؛ يُبيِّنُ ذلك قَولُ الله تعالى: كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ففِسقُهم هو الذي أوجَبَ أن يبتَلِيَهم اللهُ تعالى، وأن تكونَ لهم هذه الِمحنةُ، وإلَّا فلو لم يَفسُقوا، لعافاهم الله، ولَما عَرَّضَهم للبلاءِ والشَّرِّ [2001] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (15/391)، ((تفسير السعدي)) (ص:306).
2- العقوبةُ إذا نزلَت نجا منها الآمِرونَ بالمعروفِ، والنَّاهونَ عَن المنكَرِ؛ يُبيِّنُ ذلك قولُ الله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [2003] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:306). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قولُ اللهِ تعالى: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ يدلُّ على أنَّ الحِيَلَ في تحليلِ الأمورِ التي حرَّمَها الشَّارِعُ، مُحرَّمةٌ؛ كنِكاح المُحَلِّل، وما أشبَهَه مِن الحِيَلِ [2004] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (9/360). .
2- قولُ اللهِ تعالى: إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا زاد في تَبكِيتِهم بالإشارةِ إلى المُسارعةِ في الكُفرِ، بالإضافةِ في قَولِه: حِيتَانُهُمْ إيماءً إلى أنَّها مخلوقةٌ لهم، فلو صَبَروا نالوها وهم مُطيعونَ [2005] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/138). .
3- قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ هذه الآيةُ الكريمةُ جاء فيها بيانُ حِكمَتينِ مِن حِكَمِ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عَن المُنكَرِ؛ لأنَّ استقراءَ القُرآنِ دَلَّ على أنَّ الأمرَ بالمَعروفِ والنَّهيَ عن المُنكَرِ، له حِكَمٌ ثلاثٌ، تضمَّنَت هذه الآيةُ مِن تلك الحِكَمِ الثَّلاثِ اثنتينِ، أمَّا الحِكَمُ الثَّلاثُ:
فالأولى منها: أن يُقيمَ الإنسانُ عُذرَه أمامَ رَبِّه، ويَخرُجَ بذلك الأمرِ مِن عُهدةِ التَّقصيرِ في الأمرِ بالمَعروفِ؛ لِئلَّا يدخُلَ في قَولِه: كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة: 79] وهذه الحكمةُ أشاروا لها بِقَولِهم: مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ
الحكمةُ الثَّانيةُ: هي رَجاءُ انتفاعِ المُذَكَّرِ، كما قال هنا عنهم: وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
الحكمةُ الثَّالثةُ مِن حِكَمِ الأمرِ بالمعروفِ التي لم تُذكَرْ في هذه الآيةِ الكريمةِ: هي إقامةُ الحُجَّةِ لله على خَلقِه في أرضِه نيابةً عَن رُسُلِه؛ لأنَّ اللهَ يقولُ: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165] فأهلُ العِلمِ يُقيمونَ حُجَّةَ اللهِ على خَلقِه بإقامةِ الحُجَّةِ، والأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عَن المُنكَرِ، نيابةً عن الرُّسُلِ في ذلك [2007] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/281). .
4- قولُ اللهِ تعالى: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ مَسَخَهم اللَّه إلى صورَةِ الْقِرَدةِ، وهي أشبهُ شيءٍ بالأناسِيِّ في الشَّكْلِ  الظَّاهرِ، وليست بإنسانٍ حقيقَةً، فكذلك أعمالُ هؤلاء وحِيَلُهم لـمَّا كانت مُشابهةً للحقِّ في الظَّاهرِ، وَمُخالِفَةً له في الباطنِ، ولما كان الذَّنبُ الذي فعلُوه صورتُه صورةُ المباحِ، ولكنَّ حقيقتَه غيرُ مباحٍ، كَانَ جَزاؤُهم مِن جنسِ عَملِهم، فمُسِخوا قردةً، لما مسَخوا دينَ الله بحيثُ لم يتمسَّكوا إلا بما يشبهُ الدِّينَ في بعضِ ظاهرِه، دونَ حقيقتِه [2008]  يُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (6/28)، ((تفسير ابن  كثير)) (1/288)، ((تفسير ابن عثيمين: الفاتحة والبقرة)) (1/231). .  

بلاغة الآيات:

قوله تعالى: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ هذا السُّؤالُ معناه التَّقريرُ، والتَّقريعُ بقديمِ كُفْرِهم وتجاوُزِهم حدودَ اللهِ، والإعلامُ بأنَّ هذا مِن عُلومِهم التي لا تُعلَمُ إلَّا بكِتابٍ أو وَحيٍ، فإذا أعلَمَهم به مَن لم يَقرأْ كِتابَهم، عُلِمَ أنَّه مِن جِهةِ الوَحيِ [2009] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/170). .
قَولُه تعالى: يَعْدُونَ اختيارُ صِيغةِ المُضارِعِ؛ للدَّلالةِ على تكرُّرِ ذلك منهم [2010] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/148). .
وقُولُه: سَبْتِهِمْ أضيفَ إلى ضَميرِهم؛ لاختصاصِه بهم بما أنَّهم يهود، تعريضًا بهم لاستحلالِهم حُرمةَ السَّبتِ [2011] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/149-150). .
قوله: كَذِلَكَ نَبْلُوهُمْ مُستأنفةٌ استئنافًا بيانيًّا لجوابِ سُؤالِ مَن يَقولُ: ما فائدةُ هذه الآيةِ مع عِلمِ اللهِ بأنَّهم لا يَرعَوُونَ عَن انتهاكِ حُرمةِ السَّبتِ [2012] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/150). .
قَولُه: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا الاستفهامُ هنا إنكاريٌّ في معنى النَّفي، فيدلُّ على انتفاءِ جَميعِ العِلَلِ التي مِن شَأنِها أن يُوعَظَ لِتَحصيلِها، وذلك يُفضي إلى اليَأسِ مِن حُصولِ اتِّعاظِهم [2013] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/151).  .
واسما الفاعِلِ في قَولِه: مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ مُستَعملانِ في مَعنى الاستقبالِ، بِقَرينةِ المقامِ، وبقرينةِ التَّردُّدِ بين الإهلاكِ والعَذابِ؛ فإنَّها تُؤذِنُ بأنَّ أحدَ الأمرينِ غَيرُ مُعَيَّنِ الحُصولِ، لأنَّه مُستقبَلٌ، ولكِنْ لا يخلو حالُهم عن أحَدِهما [2014] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/151-152).   .
قَولُه: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةَ خَاسِئِينَ بيانٌ لإجمالِ العَذابِ البَئيسِ- على القَولِ بأنَّ العذابَ البَئِيسَ هو المَسخُ- وهو بمنزلةِ التَّأكيدِ لِقَولِه: فَلَمَّا نَسُوا... صِيغَ بهذا الأُسلوبِ لِتَهويلِ النِّسيانِ والعُتُوِّ، ويكون المعنى أنَّ النِّسيانَ- وهو الإعراضُ- وقع مُقارِنًا للعُتُوِّ؛ وما ذُكِّروا به وما نُهُوا عنه معناهما شَيءٌ واحدٌ، فكان مقتضى الظَّاهِرِ أن يُقالَ: (فلمَّا نَسُوا وعَتَوا عمَّا نهُوا عنه وذُكِّرُوا به قُلنَا لهم...)، فعدل عن مُقتضى الظَّاهِرِ إلى هذا الأسلوبِ مِن الإطنابِ؛ لتَهويلِ أمرِ العَذابِ، وتكثيرِ أشكالِه، ومقامُ التَّهويلِ مِن مُقتَضياتِ الإطنابِ [2015] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/153-154).   .