موسوعة التفسير

سُورَةُ البَقَرَةِ
الآيات (151-157)

ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ

غريب الكلمات:

يُزَكِّيكُمْ: يطهِّركم، وأصل الزَّكاة: النَّماء والزِّيادة مع التَّطهيرِ [1379] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 31)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/17)، ((المفردات)) للراغب (ص: 380)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 23)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 48). .
الْحِكْمَةَ: إصابة الحقِّ بالعلم والعقل، وأصل (حَكَم): المنْع، وأوَّل ذلك الحَكْم، وهو المنع من الظُّلم. والإحكام هو الفصل والتمييز، والفرق والتحديد الذي به يتحقَّق الشيء ويحصُل إتقانه؛ ولهذا دخل فيه معنى المنْع كما دخَل في الحدِّ، فالمنع جزءُ معناه لا جميع معناه. والحِكمة اسمٌ للعَقل، وإنَّما سُمِّي حِكمة؛ لأنَّه يمنع صاحبه من الجَهل، وقيل: المقصود بها هنا: السُّنة [1380] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 148)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/91)، ((المفردات)) للراغب (ص: 249)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 36، 347)، ((الإكليل في المتشابه والتأويل)) لابن تيمية (ص: 11)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 94). .
وَاشْكُرُوا لي: الشُّكر: ظهورُ أثَر نِعمة الله على لسانِ عبده: ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه: شهودًا ومحبَّةً، وعلى جوارحِه: انقيادًا وطاعةً، وأصلُه: الثناءُ على صانعِ المعروف، وهو ضدُّ الكُفر [1381] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 284)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/207)، ((المفردات)) للراغب (ص: 461)، ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/234)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 75). .
وَلَا تَكْفُرُونِ: الكُفْر: السِّتر والتَّغطية، وهو ضدُّ الشُّكر، وكُفر النِّعمة: ستْرُها بترك أداء شُكرها، ونسيانُها [1382] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/191)، ((المفردات)) للراغب (ص: 714). .
صَلواتٌ: أي: ثناء، وأصل الصَّلَاة: الدُّعاء [1383] يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (12/165-166)، ((المفردات)) للراغب (ص: 491). .

مشكل الإعراب:

قوله: وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ:
أَمْوَاتٌ: خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: لا تقولوا: هم أمواتٌ.
بَلْ: حرف إضراب، وعطف.
أَحْيَاءٌ: أيضًا خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: بل هم أحياءٌ، وقد راعى لفظَ (مَنْ)- وهو الإفراد- مرةً فأفردَ في قولِه: يُقْتَلُ، وراعى معناها مرةً أخرى- وهو العموم- فجمَع في قولِه: أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ. وجملةُ (هم أموات) في محلِّ نصب بالقول وَلَا تَقُولُوا؛ لأنَّها محكيَّة به، وجملة (بل هم أحياء) تحتمل أن تكون ابتدائيَّةً فلا يكون لها محلٌّ من الإعراب، وتحتمل: أن يكون محلها النَّصب بقولٍ محذوف أي: (بل قولوا هم أحياء)، ولا يجوز أن تنتصبَ بالقول الأوَّل وَلَا تَقُولُوا؛ لفساد المعنى [1384] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/114)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (2/184)، ((إعراب القرآن الكريم)) لدعاس (1/65). .

المعنى الإجمالي :

حين أَخبَر تعالى أنَّ مِن أسباب تحويل القِبلة من بيت المقدِس إلى الكعبة إتمامَ نِعمته ببيان شرائع ملَّة إبراهيم عليه السَّلام، أخبر تعالى أيضًا أنَّ تلك النِّعمة هي مِثل إنعامه من قبلُ بإرسال محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ إلى العَربِ وهو منهم، يَعرِفون نَسبَهُ وأخلاقَهُ الفاضلة، فجاء إليهم ليقرأ عليهم القرآن، ويُطهِّرهم من أدران الشِّرك، وقذَر المعاصي، وسوء الأخلاق، ويوضِّح لهم معانيَ القرآن، ويَنشُر فيهم سُنَّته، ويُعلِّمهم أمورًا لم يكونوا يعلمونها من قبل، من الأخبار الماضية، أو الآتية، وكل ما لا تستقل بمعرفته العقول حيث لا سبيل إلى معرفته إلا من خلال الوحي، وأمر اللهُ عبادَه أنْ يذكروه عزَّ وجلَّ قولًا وعملًا، وسيكونُ جزاءُ ذلك أنْ يَذكُرهم سبحانه، وما أعظمَه من جزاء! كما أمرَهم جلَّ وعلا بشُكره على نِعمه، وعدم جُحودها.
ثم أمَر اللهُ عبادَهُ المؤمنين بالاستعانةِ في جميع أمورهم الدينيَّة والدنيويَّة بالصبر، وهو حبس النَّفْس وكفُّها عمَّا تكره، وأن يَستعينوا بالصَّلاة، مخبرًا سبحانه أنَّه مع الصَّابرين؛ معيَّةً خاصَّةً تَقتضي القُربَ منهم، ومحبَّتهم، ونَصْرهم وإعانتهم.
ونَهى سبحانه وتعالى عن القول الذي يُصاحبه اعتقادٌ بموتِ مَن يُقتلُ في سبيلِ الله عزَّ وجلَّ، وأخبر أنَّهم أحياءٌ عند الله تعالى، يتمتَّعون فيها بنعيم الجنَّة، وإنْ كان النَّاسُ لا يَشعُرون بهذا الأمر.
ثمَّ أخبَر الله تعالى عبادَهُ المؤمنين أنَّه سيبتليهم بقليل من الخوف، والجوع، وذَهابِ بعضٍ من أموالهم، وموتِ بعضٍ منهم، وحُصولِ نقصٍ من ثمراتهم، وأمَر الله تعالى نبيَّه محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم، أن يبشر الصَّابرين على الابتلاء، الذين يقولون عن يقينٍ جازمٍ عندما تُصيبهم المصيبة: إنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أي: إنَّهم مملكون للهِ، خاضِعون له، وسيَنتقلون إليه بعد موتهم، ومَصيرُهم بين يديه يومَ القيامة؛ ليجازيَ كلَّ شخصٍ بما عمِل، فأولئك الصَّابرون لهم من اللهِ عزَّ وجلَّ الثناءُ والتنويه بشأنهم، وتتنزَّل عليهم من ربِّهم سُبحانه الرَّحماتُ، وهؤلاء هم الذين أَرشدهم الله عزَّ وجلَّ للحقِّ، ووفَّقهم للعمل به.

تفسير الآيات:

كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151).
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ.
أي: بيَّنَّا لكم شرائعَ ملَّة إبراهيم الحَنيفيَّة، فأمرْناكم باستقبال الكَعبة؛ نِعمةً من الله تعالى عليكم، مِثل ما أنعم عليكم أيضًا أوَّلَ مرَّة، بإرسال محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ منكم- أيُّها العربُ-؛ إذ يتحدَّث بلِسانكم، وتَعرِفون نَسبَه وخُلُقه؛ وذلك إجابةً لدعوة إبراهيمَ عليه السَّلام [1385] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/694)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/233)، ((تفسير ابن عطية)) (1/226)، ((تفسير القرطبي)) (2/170)، ((تفسير السعدي)) (ص: 74). .
وكان إبراهيم عليه السلام قد دعا ربَّهُ قائلًا: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة: 129] .
يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ.
أي: هذا الرَّسول الذي أنعمْنا عليكم بإرساله فيكم، أتَى ليقرأ عليكم القُرآن، ويُطهِّركم من دَنَس الشِّرك والكُفران، ورَذائل الأخلاق والعِصيان، ويبيِّن لكم السُّنَّة ومعاني كلامِ الرَّحمن [1386] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/694-695)، ((تفسير ابن عطية)) (1/226)، ((تفسير ابن كثير)) (1/464)، ((تفسير السعدي)) (ص: 74). .
وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ.
أي: ويُنبِّئكم بأخبار مَن سلَف، وأخبار ما يأتي من الغُيوب [1387] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/695)، ((تفسير ابن عطية)) (1/226)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/50). .
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152).
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ.
أي: عليكم بذِكري في مقابل تلك النعم التي تقدَّم ذكرها. وهذا الذِّكر المأمور به عامٌّ يَشمل ذِكر الله قولًا باللِّسان، وعملًا بالقلب وبالجوارح، ورتَّب الله عزَّ وجلَّ على هذا الذِّكر جزاءً عظيمًا، وهو أن يَذكُر هو سبحانَه مَن ذكَره [1388] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن تيميَّة)) (13/134-135)، ((تفسير ابن كثير)) (1/465)، ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/307)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/50)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/166، 168). .
فعن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((يقول اللهُ تعالَى: أنا عندَ ظنِّ عَبْدي بي، وأنا معه إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نفسِه ذَكرتُه في نفْسي، وإنْ ذَكَرَنِي في ملأٍ ذَكرتُه في ملأٍ خيرٍ منهم )) [1389] رواه البخاري (7405)، واللَّفْظ له، ومسلم (2675). .
وعن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((وما اجتَمعَ قومٌ في بيتِ مِن بيوتِ اللهِ، يتْلون كتابَ اللهِ، ويَتدارسونه بينهم، إلَّا نَزلتْ عليهم السَّكينةُ، وغَشِيتْهم الرحمةُ، وحفَّتْهم الملائكةُ، وذَكرَهم اللهُ فيمَن عِنده )) [1390] رواه مسلم (2699). .
وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ.
أي: اشكُروني على ما مَنحتُكم من نِعمٍ باللِّسانِ وبالقلب والجوارح، ولا تجحدوا إحساني إليكم. ومن أعظمِ ذلك: نِعمةُ الإسلام، وإرسالُ محمَّدٍ عليه الصَّلاة والسلام، والهدايةُ إلى الشَّرائع الصَّحيحة، ومنها استقبالُ الكعبة الشريفة [1391] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/696)، ((تفسير ابن عطية)) (1/226-227)، ((مجموع رسائل ابن رجب)) ((1/349)، ((تفسير السعدي)) (ص: 74)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/51)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/166). .
كما قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7] .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153).
مُناسبة الآية لِمَا قبلها:
لَمَّا فرَغ تعالى من بيان الأمر بالشُّكر، شَرَعَ في بيان الصَّبر، والإرشادِ إلى الاستعانة بالصَّبر والصَّلاة؛ فإنَّ العبدَ إمَّا أن يكونَ في نِعمةٍ فيَشكرَ عليها، وإمَّا في نِقمةٍ فيَصبرَ عليها فقال تعالى [1392] يُنظر ((تفسير ابن كثير)) (1/446). :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ.
أي: يا مَعشرَ المؤمنين، عليكم بالْتزامِ الصَّبر وأداءِ الصَّلاة؛ فهُما عونٌ لكم على عظيمِ الأعمال. وذلك مِثل تحمُّل الطاعات كالقِتال في سبيل الله، وترْك المحظورات، وعلى ما يُصيب العبدَ من مصيبات [1393] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/697-698)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/51-52)، ((تفسير السعدي)) (ص: 75). .
إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.
أي: إنَّه سبحانه وتعالى مع الصَّابرين معيَّةً خاصَّةً تَقتضي قُربَه منهم، ومحبَّتَه لهم، ونصْرهم وتأييدَهم، وإعانتهم [1394] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/698)، ((تفسير السعدي)) (ص: 75)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/172). .
وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154).
وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ.
أي: ولا تقولوا: إنَّ مَن قُتل في سبيل الله عزَّ وجلَّ، فهو ميِّت [1395] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/698-699)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/53)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/175-176). .
كما قال تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 169 - 171] .
بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ.
أي: ليس الأمرُ كما ظننتم، فالحقُّ أنَّ الشُّهداءَ من بعد مقتلهم، وحتى قِيامِ السَّاعة، أحياءٌ عند الله تعالى، حياةً برزخيَّةً يتمتَّعون فيها في الجَنَّة، ويُصاحبهم الفرحُ العظيم بما أعطاهم الله تعالى من فضْله، ولكن لا يَشعُر النَّاسُ بهذا الأمر في الدُّنيا؛ فليس لديهم أيُّ إدراكٍ لرؤية ذلك، أو الشُّعور به [1396] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/699، 703)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/53)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/217)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/176). .
عن مَسروق بن الأَجدع، قال: ((سألْنا عبدَ اللهِ (هو ابنُ مسعودٍ) عن هذه الآيةِ: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ قال: أمَا إنَّا سألْنا عن ذلك، فقال: أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضرٍ، لها قناديلُ مُعلَّقةٌ بالعرشِ، تَسرحُ من الجنةِ حيث شاءت، ثمَّ تأوي إلى تِلك القَناديلِ، فاطَّلع إليهم ربُّهم اطَّلاعةً، فقال: هل تَشتهون شيئًا؟ قالوا: أيَّ شيءٍ نَشتهي، ونحن نسرحُ من الجنةِ حيثُ شِئْنا؟! ففَعَل ذلك بهم ثلاثَ مراتٍ، فلمَّا رأَوا أنَّهم لن يُترَكوا من أن يَسألوا، قالوا: يا ربِّ، نُريد أن تردَّ أرواحَنا في أجسادِنا حتى نُقتَلَ في سبيلِك مرةً أخرى، فلمَّا رأى أنْ ليس لهم حاجةٌ تُرِكوا )) [1397] رواه مسلم (1887). .
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155).
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ.
أي: ولَنَختبرنَّكم بشَيءٍ يَسيرٍ يقَع في قلوبِكم من الخوف، وفي أَجسادِكم من الجُوع، ولَنَبتلينَّكم بذَهاب بعض أموالِكم، وموتِ بعضِكم، كأبنائِكم وأَهلِيكم وأقارِبكم، وحُصولِ النَّقْص في ثِمارِكم [1398] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/704-705)، ((تفسير ابن كثير)) (1/467)، ((تفسير السعدي)) (ص:76). وممَّن قال من السَّلف: إنَّ المعنيَّ بهذه الآية المؤمِنون: ابن عبَّاس، وسعيد بن جبير، وعطاء. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/704)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (1/263). .
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ.
أي: أخبِر الصَّابرين يا محمَّد، خبرًا يَسرُّهم لم يسبقْ أنْ أخبَرهم به أحدٌ من قبلُ [1399] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/705-706)، ((تفسير السعدي)) (ص: 76)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/56)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/179). .
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156).
بيَّن سبحانه هنا مَن الصَّابرون الذين أمَر نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّمَ ببِشارتهم، فأخبَر أنَّهم الذين يقولون- عن اعتقاد ويقين -: إنَّهم عبيدٌ مملوكون لله الذي له مُطلَق التصرُّف فيهم بحِكمته ورحمته، وإنَّهم منتقِلون من هذه الدُّنيا الفانية وممَّا فيها من مصائب، وصائِرون إليه وحْدَه يومَ المعاد، فيُجازي كلَّ عاملٍ بعمله [1400] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/706)، ((تفسير ابن كثير)) (1/467-468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 76)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/179). .
عن أمِّ سَلمةَ رضي الله عنها، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((ما من مُسلمٍ تُصيبُه مُصيبةٌ فيقولُ ما أمره اللهُ: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعون! اللَّهمَّ أْجُرْني في مُصيبتي وأَخْلِفْ لي خيرًا منها- إلَّا أخلف اللهُ له خيرًا منها. قالت: فلمَّا مات أبو سَلمةَ قلتُ: أيُّ المسلمين خيرٌ من أبي سلمةَ؟! أوَّلُ بيتٍ هاجر إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! ثمَّ إنِّي قلتُها، فأخلف اللهُ لي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ قالت: أرسل إليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَاطبَ بنَ أبي بَلْتَعةَ يَخطُبُني له، فقلتُ: إنَّ لي بنتًا وأنا غيورٌ، فقال: أمَّا ابنتُها فنَدعو اللهَ أن يُغنيَها عنها، وأَدْعو اللهَ أن يَذْهَبَ بالغيْرةِ )) [1401] رواه مسلم (918). .
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157).
أي: إنَّ هؤلاءِ الصَّابرين المبشَّرين الذين يقولون: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، لهم من الله تعالى ثناءٌ عليهم وتنويهٌ بشأنهم، وتتنزَّل عليهم منه سبحانه الرَّحمات، وهؤلاء هم الذين أرْشدَهم الله تعالى للحقِّ، ووفَّقهم للعمل به [1402] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/707)، ((تفسير ابن كثير)) (1/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 76)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/182-183). .

الفوائد التربويَّة :

1- وجوبُ الشُّكر؛ لقوله تعالى: وَاشْكُرُوا لِي؛ و(الشُّكر) يكون بالقلب، وباللِّسان، وبالجوارح؛ ولا يكون إلَّا في مقابلة نِعمة [1403] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/169). .
2- تحريم كفر النعمة؛ لقوله تعالى: وَلَا تَكْفُرُونِ ولهذا إذا أنعم الله على عبده نعمة، فإنه يحبُّ أن يرى أثر نعمته عليه [1404] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/170). .
3- قرَن الله تعالى بين الصَّبر والصَّلاة في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ؛ لأنهما عونانِ على مصالحِ الدنيا والآخِرة، وذَكَر الصبر ثُم الصلاة؛ لأنَّها تُعين على الصَّبر [1405] يُنظر: ((عدَّة الصابرين)) لابن القيم (ص 30)، ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/170). .
4- أنَّ في جزاء الصَّبر المذكور تنشيطًا على الأعمال، والثَّبات عليها؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ؛ فإذا آمَن الإنسانُ بأنَّ الله معه، ازداد نشاطًا، وثباتًا [1406] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/174). .
5- التَّنبيه على الإخلاص في القِتال؛ لقوله تعالى: فِي سَبِيلِ اللهِ [1407] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/176). .
6- أنَّ ثوابَ الله سبحانه وتعالى للعامل أجَلُّ وأعلى؛ وذلك لأنَّ الشهيدَ عرَّض نفْسه للموت ابتغاءَ ثواب الله، فأثابَه الله تعالى بأنْ جعَله حيًّا بعد موته حياةً برزخيَّةً أكملَ من حياة الدنيا؛ لقوله تعالى: عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: 169] [1408] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/177). .
7- اشتملتِ الآيتان من قوله: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ.... إلى وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ على توطين النُّفوس على المصائب قَبل وقوعها؛ لتخفَّ وتسهُل إذا وقعَتْ، وبيان ما تُقابَل به، وهو الصَّبر، وبيان ما يُعين على الصَّبر، وما للصَّابر من الأجْر [1409] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 76) .
8- في قوله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ... وأُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ: أنَّ للعبد من الصلوات والرحمة بقَدْر ما له من تحقيق الصَّبر، وهكذا كلُّ وصْف رُتِّب عليه خيرٌ وأجرٌ وثواب، وكلُّ وصفٍ نَهى الله عنه ورتَّب عليه وعلى الاتِّصافِ به عُقوبةً وشرًّا ونقصًا؛ لأنَّ الحُكم المعلَّق على وصْف يَزيد بزيادته، ويَنقُص بنُقصانه [1410] يُنظر: ((القواعد الحسان)) للسعدي (ص: 13)، ((قواعد التفسير)) لخالد السبت (2/629). .

الفوائِد العِلميَّة واللَّطائف:

1- أنَّ كون الرَّسول صلى الله عليه وسلم مِنَّا يَقتضي أنْ تكون قريش أوَّل مَن يُصدِّق به؛ لأنَّهم يعرفونه، ويَعرِفون نَسبَه، ويَعرِفون أمانته؛ ولهذا وبَّخهم الله تعالى على الكُفر به، ووصْفِه بالضَّلال، والجُنون، فقال جلَّ وعلا: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم: 2] ، وقال جلَّ وعلا: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التكوير: 22] [1411] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/162). .
2- أنَّ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّمَ علَّم الأمَّة لفظَ القرآن، ومعناه؛ لقوله تعالى: وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ؛ ولهذا كان الصَّحابةُ رضي الله عنهم إذا استشكلوا شيئًا من المعنى، سألوه، فعَلَّمهم، ولكن الغالب أنَّهم لا يَستشكلون؛ لأنَّه نزَل بلُغتهم، وفي عصرهم، يَعرِفون معناه، ومَغزاه، وأسبابه [1412] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/164). .

بلاغة الآيات:

1- قوله: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا فيه تنكيرُ (الرسول) للتعظيم؛ ولتجري عليه الصِّفات التي كلُّ واحدةٍ منها نِعمةٌ خاصَّة [1413] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (2/48). .
2- قوله: يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ فيه تكرار الفعل (يعلم)؛ ليدلَّ على أنه جِنسٌ آخَر [1414] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (1/114). .
- وقدّم هنا وَيُزَكِّيكُمْ على وَيُعَلِّمُكُمُ عكس ما في الآية السابقة في حِكاية قول إبراهيم عليه السَّلام: وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة: 129] ؛ لأنَّ المقام هنا للامتنان على المسلمين؛ فقُدِّم فيها ما يُفيد معنى المنفعة الحاصلة من تلاوة الآيات عليهم، وهي منفعة تزكية نفوسهم؛ اهتمامًا بها، وبعثًا لها بالحِرص على تحصيل وسائلها، وتعجيلًا للبشارة بها، فأما في دعوة إبراهيم فقد رُتِّبت الجمل على حسب ترتيب حصولِ ما تضمَّنتْه في الخارج، مع ما في ذلك التخالف من التفنُّن [1415] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (2/49-50). .
3- قوله: وَلَا تَكْفُرُونِ فيه إيجازٌ بالحذْف؛ لأنَّه من كُفر النِّعمة، أي: ولا تكفروا نعمتي، ولو كان من الكفر الذي هو ضدُّ الإيمان، لكان: ولا تكفروا، أو ولا تكفروا بي، والنون نون الوِقاية، حُذفت ياء المتكلم بعدَها تخفيفًا؛ لتناسُب الفواصل [1416] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (2/50). .
4- قوله: إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ تذييلٌ في معنى التعليل، أي: اصبروا؛ ليكون الله معكم؛ لأنَّه مع الصابرين [1417] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (2/53). .
5- قوله: وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ فيه إيجاز بالحذف؛ حيث حذف المبتدأ (هم)؛ لأهميَّة ذِكر الخبر؛ لأنَّهم ما كانوا يتصوَّرون أنَّهم أحياء [1418] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (1/215). .
6- قوله: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ
- فيه: تقديمُ الوعدِ بالبَلاء قبل كَونِه؛ وإنما أَخبرَ به قبل الوقوعِ ليُوطِّنوا عليه نفوسَهم، ويزدادَ يقينُهم عند مشاهدتِهم له حسبما أَخبرَ به [1419] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/207)، ((تفسير البيضاوي)) (1/114)، ((تفسير أبي السعود)) (1/180)، ((تفسير القاسمي)) (1/441). .
- وجيء بكلمة شَيْءٍ مفردة، ولم يقل: (بأشياء)؛ لبيان أنَّ كلَّ بلاءٍ أصاب الإنسان- وإنْ جلَّ- ففوقه ما يقلُّ إليه، وليخفِّف عليهم، ويُريَهم أنَّ رحمته معهم في كلِّ حال لا تزايلهم، وليعلموا أنَّه شيءٌ يسير، له عاقبةٌ حميدةٌ. ولئلَّا يوهِم بأشياء من كل واحد، فيدل على ضروب الخوف والتقدير بشيءٍ مِن كذا، وشيء من كذا. أو قلَّله بالنِّسبة إلى ما يُصيب به معانديهم في الآخِرة [1420] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/207)، ((تفسير الرازي)) (4/129)، ((تفسير البيضاوي)) (1/114)، ((تفسير أبي السعود)) (1/180)، ((تفسير القاسمي)) (1/441)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/54-55). .
7- قوله: قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ فيه التوكيد بـ(إنَّ)؛ لأنَّ المقام مقام اهتمام، ولأنه يُنزَّل المصاب فيه منزلةَ المنكر؛ لكونه مِلكًا لله تعالى وعبدًا له؛ إذ تُنسيه المصيبة ذلك، ويَحُول هولُها بينه وبين رُشده، واللام في لله للمِلك [1421] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (2/57). .
8- قول الله سبحانه: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
- قوله: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ... الإشارة بـ(أولئك) الذي فيه معنى البعد؛ للإيذان بعلوِّ رُتبتِهم، وفيه تنبيهٌ على أنَّ الحكم الذي يرد بعد اسم الإشارة مترتِّبٌ على تلك الأوصاف، وهذا بيانٌ لجزاء صبرهم [1422] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (1/180)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/57). .
- قوله: صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ: جاءت صَلَواتٌ بصيغة الجمع؛ تنبيهًا على كثرتها منه، وأنَّها حاصلةٌ في الدنيا توفيقًا وإرشادًا، وفي الآخرة ثوابًا ومغفرة، وإضافة اسم الرب إلى ضَميرهم رَبِّهم؛ لإظهارِ مزيدِ العناية بهم، وأنَّ عليهم رحمةً واسعة فائضةً من مالك أمورِهم، ومبلِّغِهم إلى كمالاتهم اللائقةِ بهم [1423] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (1/180)، ((تفسير القاسمي)) (1/443). .
- قوله تعالى: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ: فيه تَكرار اسم الإشارة أُولَئِكَ؛ لإظهارِ كمالِ العناية بهم [1424] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (1/181). .
- وأيضًا في قوله تعالى: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ: تأكيدٌ بقوله: هُمُ وبالألف واللام، كأنَّ الهداية انحصرت فيهم، وباسم الفاعل؛ ليدلَّ على الثبوت؛ لأنَّ الهداية ليستْ من الأفعال المتجدِّدة وقتًا بعد وقت، فيخبر عنها بالفعل، بل هي وصفٌ ثابت [1425] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (2/59)، ((تفسير أبي السعود)) (1/181). .
- والجُملتان الثابتتان في قوله تعالى: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ تدلَّان على الاعتناء بأمر المخبَر عنه، وبُدئ بالجملة الأولى أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ؛ لأنَّها أهمُّ في حصول الثواب المترتِّب على الوصف الذي قبله، وأُخِّرت جملة وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ؛ لأنَّها تنزَّلت ممَّا قبلها منزلةَ العِلَّة؛ لأنَّ ذلك القول المترتِّب عليه ذلك الجزاء الجزيل لا يصدُر إلَّا عمَّن سبقت هدايته [1426] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (2/59). .