موسوعة التفسير

سورة الزمر
الآيات (73-75)

ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ

غريب الكلمات:

نَتَبَوَّأُ: أي: نَنزِلُ ونَسكُنُ، وأصلُ (بوأ): يدُلُّ على رُجوعٍ إلى شَيءٍ [1370] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 384)، ((تفسير ابن جرير)) (20/271)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/312). .
فَنِعْمَ: نِعْمَ: كَلِمةٌ تُستعمَلُ في المدحِ، وهي مُقابِلُ (بِئْسَ) التي للذَّمِّ [1371] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/447)، ((المفردات)) للراغب (ص: 815). .
حَافِّينَ: أي: مُحيطينَ ومُطيفِينَ بحافَتَيهِ، وأصلُ (حفف): يدُلُّ على إطافةِ شَيءٍ بشَيءٍ [1372] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/271)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 196)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/14)، ((المفردات)) للراغب (ص: 243)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 365). .

المعنى الإجمالي:

يُبيِّنُ اللهُ تعالَى مَصيرَ المتَّقينَ، وما يَقولونَه عِندَما يَرَونَ النَّعيمَ المقيمَ الذي أعَدَّه لهم، فيَقولُ: وسِيقَ الذين اتَّقَوا رَبَّهم إلى الجنَّةِ أفْواجًا وجَماعاتٍ، حتَّى إذا جاؤُوا الجنَّةَ، وفُتِحَت لهم أبْوابُها، وقال خَزَنةُ الجنَّةِ للمُتَّقِينَ: تَحيَّةٌ وأمَنَةٌ مِنَ اللهِ لكم، طِبتُم، فادخُلوا الجنَّةَ، ماكِثينَ فيها أبدًا.
وقال المتَّقون: الحَمدُ للهِ وَحْدَه الذي حَقَّق لنا ما وعَدَنا به، وملَّكَنا أرضَ الجنَّةِ نتَّخِذُ منها سَكنًا حيثُ نُحِبُّ، ونَنزِلُ في أيِّ مَكانٍ شِئْناه منها؛ فنِعمَ ثَوابُ العامِلينَ الجنَّةُ!
وترَى الملائِكةَ مُحيطِينَ بعَرشِ الرَّحمنِ يُنزِّهون ربَّهم مِن كُلِّ العُيوبِ والنَّقائِصِ تَنزيهًا مُقتَرِنًا بحَمدِه تعالَى، وحَكَم اللهُ بيْن عِبادِه بالعَدلِ التَّامِّ. وقيل: الحَمدُ لله رَبِّ العالَمينَ.

تفسير الآيات:

وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73).
مناسبة الآية لما قبلها:
لَمَّا شَرَح سُبحانَه أحوالَ أهلِ العِقابِ في الآيةِ المتقَدِّمةِ؛ شَرَح أحوالَ أهلِ الثَّوابِ في هذه الآيةِ، فقال [1373] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/479). :
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا.
أي: ويُساقُ يوْمَ القِيامةِ الذين اتَّقَوا رَبَّهم بامتِثالِ ما أمَرَ واجتِنابِ ما نهَى: إلى الجنَّةِ أفواجًا وجَماعاتٍ [1374] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/265، 266)، ((تفسير الزمخشري)) (4/147)، ((تفسير القرطبي)) (15/284، 285)، ((تفسير الشوكاني)) (4/546، 548)، ((تفسير السعدي)) (ص: 730). قال الرسعني: (سوقُ المتقينَ: سوقُ مراكبِهم إسراعًا بهم إلى ما أُعِدَّ لهم مِن الكرامةِ في الجنَّةِ). ((تفسير الرسعني)) (6/579). وقال ابنُ كثيرٍ: (زُمَرًا أي: جَماعةً بعدَ جماعةٍ: المقَرَّبون، ثمَّ الأبرارُ، ثمَّ الذين يَلُونَهم، ثمَّ الذين يَلُونَهم، كلُّ طائفةٍ مع مَن يُناسِبُهم: الأنبياءُ مع الأنبياءِ، والصِّدِّيقونَ مع أشكالِهم، والشُّهداءُ مع أضرابِهم، والعُلَماءُ مع أقرانِهم، وكُلُّ صِنفٍ مع صِنفٍ، كُلُّ زُمرةٍ تُناسِبُ بَعضُها بعضًا). ((تفسير ابن كثير)) (7/119). .
كما قال تعالَى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا [مريم: 85] .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ أوَّلَ زُمرةٍ يَدخُلونَ الجنَّةَ على صُورةِ القَمرِ ليلةَ البدْرِ، والذين يَلونَهم على أشَدِّ كَوكبٍ دُرِّيٍّ [1375] دُرِّيٍّ: أي: مُضيءٍ مُتلالِئٍ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (5/285). في السَّماءِ إضاءةً؛ لا يَبولون، ولا يَتغوَّطون، ولا يَمتَخِطونَ، ولا يَتْفُلونَ، أمشاطُهم الذَّهَبُ، ورَشْحُهم [1376] رَشْحُهم: أي: عَرَقُهم. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (5/321). المِسكُ، ومَجامِرُهم الأَلُوَّةُ [1377] مَجامِرُهم الأَلُوَّةُ: المجامِرُ: جَمعُ مِجمَرةٍ، وهي المِبخَرةُ، سُمِّيَت مِجمَرةً لأنَّها يُوضَعُ فيها الجَمرُ لِيَفوحَ به ما يُوضَعُ فيها مِنَ البَخورِ، والأَلُوَّةُ: العُودُ الهِنديُّ، جُعِلَت مَجامِرُهم نَفْسَ العُودِ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (17/172)، ((فتح الباري)) لابن حجر (6/324). ، وأزواجُهم الحُورُ العِينُ، أخلاقُهم على خُلُقِ رجُلٍ واحدٍ [1378] على خُلُقِ رجُلٍ واحدٍ: رُوِيَ (خُلُق) بضَمِّ الخاءِ واللَّامِ، أي: أنَّهم على قَلبٍ واحِدٍ، أخلاقُهم مُتساويةٌ في الحُسنِ والكَمالِ، ورُوِي (خَلْق): بفَتحِ الخاء وتَسكينِ اللَّامِ، أي: أنَّهم في سِنٍّ واحدةٍ، مُتشابِهونَ فيما بيْنهم في الخِلْقةِ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (17/172)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (9/3581)، ((الكوكب الوهاج)) للهرري (25/494). ، على صُورةِ أبيهم آدمَ؛ سِتُّونَ ذِراعًا في السَّماءِ )) [1379] رواه البخاري (3327)، ومسلم (2834) واللفظ له. .
حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا.
أي: حتَّى إذا بلَغَ المتَّقونَ الجنَّةَ، وفُتِحت لهمْ أبوابُها [1380] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/269)، ((معاني القرآن)) للزجاج (4/363، 364)، ((تفسير القرطبي)) (15/285)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (3/54)، ((تفسير السعدي)) (ص: 730)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/71، 72). اختلَف المفسِّرون في جَوابِ إِذَا في هذه الآيةِ؛ فقيل: مَحذوفٌ، تَقديرُه: دَخَلوها. وممَّن ذهَب إلى هذا المعنى: ابنُ جَرير، والزَّجَّاج. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/269)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/364). وقيل: المحذوفُ تقديرُه: سَعِدوا وطابوا، وسُرُّوا وفَرِحوا. وممَّن ذهَب إلى هذا المعنى: ابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/121). وعلى هذينِ الوَجهَينِ فتكونُ الجملةُ مِنْ قَولِه: وَفُتِحَتْ في مَحلِّ نصْبٍ على الحالِ. وقيل: الواوُ للعَطفِ على الجوابِ المحذوفِ، تَقديرُه: حتى إذا جاؤُوها هُذِّبوا ونُقُّوا وفُتِحَت أبوابُها. وممَّن ذهَب إلى هذا القولِ: ابنُ عُثَيمين. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الزمر)) (ص: 498). وقيل: جوابُ إِذَا قَولُه: وَفُتِحَتْ، والواوُ زائِدةٌ، وهو رأيُ الكوفيِّينَ والأخفَشِ. أو الجوابُ قَولُه: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا على زِيادةِ الواوِ أيضًا، أي: حتى إذا جاؤُوها قال لهم خَزَنَتُها. يُنظر: ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (9/447). قال القُرطبيُّ: (قد قيل: إنَّ زِيادةَ الواوِ دَليلٌ على أنَّ الأبوابَ فُتِحَت لهم قبْل أنْ يأتُوا؛ لكَرامتِهم على اللهِ تعالى، والتَّقديرُ: حتى إذا جاؤوها وأبوابُها مُفتَّحةٌ؛ بدَليلِ قَولِه تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ [ص: 50] ، وحُذِفت الواوُ في قِصَّةِ أهلِ النَّارِ؛ لأنَّهم وَقَفوا على النَّارِ وفُتِحَت بعْد وُقوفهِم؛ إذلالًا وتَرويعًا لهم. ذكَره المهْدويُّ، وحكَى معناه النحَّاسُ قَبْلَه). ((تفسير القرطبي)) (15/285). ويُنظر: ((إعراب القرآن)) للنحاس (4/17، 18)، ((تفسير المهدوي)) (5/539). وقال ابنُ عُثَيمين: (دعْوَى أنَّ أبوابَها فُتِحت قبْلَ مَجيئِهم دَعوى لا يُسعِفُها الدَّليلُ؛ بل الدليلُ على خِلافِها؛ لأنَّهم إذا جاؤوها لا يَجِدونها مَفتوحةً، بل يَجِدونَها مُغْلقةً، ثم يَشفَعُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن تُفتَح الأبوابُ لأهلِها). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الزمر)) (ص: 501). وقيل: إنَّ هذه واوٌ تُسمَّى (واوَ الثَّمانيةِ) تَدخُلُ على ما هو ثامِنٌ: إمَّا لأنَّه ثامِنٌ في التَّعدادِ، نَحوُ قَولِه تعالى: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ إلى قَولِه: وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة: 112] ؛ فإنَّه الوَصفُ الثَّامِنُ في التَّعدادِ، وإمَّا لأنَّ فيه مادةَ ثمانيةٍ، كقَولِه تعالى: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: 22] ، فقالوا في وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا: جيءَ بالواوِ؛ لأنَّ أبوابَ الجنَّةِ ثمانيةٌ. يُنظر ما قيل في هذه (الواو): ((مغني اللبيب)) لابن هشام الأنصاري (ص: 474)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/72). .
عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِي اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى عليه وسلَّم قال: ((ما مِنكم مِن أحدٍ يَتوضَّأُ فيَبلُغُ -أو فيُسبِغُ- الوُضوءَ، ثمَّ يقولُ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُه؛ إلَّا فُتِحَت له أبوابُ الجنَّةِ الثَّمانيةُ، يَدخُلُ مِن أيِّها شاءَ )) [1381] رواه مسلم (234). .
وعن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((في الجنَّةِ ثَمانيةُ أبوابٍ، فيها بابٌ يُسمَّى الرَّيَّانَ، لا يَدخُلُه إلَّا الصَّائِمونَ )) [1382] رواه البخاري (3257) واللفظ له، ومسلِم (1152). .
وعن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((آتِي بابَ الجنَّةِ يوْمَ القِيامةِ فأستفتِحُ، فيَقولُ الخازِنُ: مَن أنت؟ فأقولُ: مُحمَّدٌ، فيقولُ: بك أُمِرتُ لا أفتَحُ لأحدٍ قَبْلَك )) [1383] رواه مسلم (197). .
وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ.
أي: وقال خَزَنةُ الجَنَّةِ المُوكَّلونَ بها للمُتَّقينَ: تَحيَّةٌ وأمَنةٌ مِنَ اللهِ لكم، فلا يَنالُكم شَرٌّ ولا مَكروهٌ [1384] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/269)، ((تفسير القرطبي)) (15/286)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 53)، ((تفسير السعدي)) (ص: 730)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الزمر)) (ص: 499). قال ابنُ عُثَيمين: (هذا خبَرٌ وليس دُعاءً، فيما يَظهَرُ... فكأنَّها تُخبِرُهم بأنَّهم حَلَّ عليهم السَّلامُ؛ لأنَّ الجنَّةَ هي دارُ السَّلامِ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الزمر)) (ص: 499). .
طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ.
أي: طابَت أعْمالُكم وأقْوالُكم، فصَلَحْتُم لِسُكنى الجنَّةِ، فادخُلوها ماكِثينَ فيها أبدًا [1385] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/270)، ((تفسير الزمخشري)) (4/147)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/66)، ((تفسير ابن كثير)) (7/122، 123)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/569)، ((تفسير السعدي)) (ص: 730). في قولِه تعالى: طِبْتُمْ أقْوالٌ؛ منها: طابَ لكمُ المُقامُ، قاله ابنُ عبَّاسٍ. ومنها: طِبْتُم بطاعةِ اللهِ، قاله مُجاهِدٌ. ومنها: أنَّهم طُيِّبوا قَبْلَ دُخولِ الجنَّةِ بالمَغْفرةِ، واقتُصَّ من بَعْضِهم لِبَعضٍ، فلمَّا هُذِّبوا قالت لهمُ الخَزَنةُ: طِبْتُم، قاله قَتادةُ. واقْتِصاصُ بَعضِهم من بَعضٍ وتَهْذيبُهم قبْلَ دُخولِ الجنَّةِ ورَد فيه حَديثُ أبي سَعيدٍ عندَ البُخاريِّ (6535). ومنها: كُنْتم طيِّبينَ في الدُّنْيا، قاله الزَّجَّاجُ. يُنظر: ((تفسير ابن الجَوزي)) (4/28). ويُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزَّجَّاج (4/364). ممَّنِ اخْتارَ أنَّ المرادَ: طابَ لكمُ المُقامُ: العُلَيميُّ. يُنظر: ((تفسير العُليمي)) (6/92). وممَّنِ اخْتار في الجُملةِ أنَّ المرادَ: طِبْتم من دَنَسِ المعاصي، وطَهُرتم مِن خَبَثِ الخَطايا: الرازيُّ، والرَّسْعَنيُّ، والبيضاويُّ، والشَّوكانيُّ، والقاسِميُّ، والألوسيُّ. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/480)، ((تفسير الرسعني)) (6/581)، ((تفسير البيضاوي)) (5/50)، ((تفسير الشوكاني)) (4/548)، ((تفسير القاسمي)) (8/297)، ((تفسير الألوسي)) (12/288). قال السعديُّ: (طِبْتُمْ؛ أي: طابَت قُلوبُكم بمَعرفةِ اللهِ ومَحبَّتِه وخَشيَتِه، وألسِنَتُكم بذِكْرِه، وجَوارِحُكم بطاعَتِه). ((تفسير السعدي)) (ص: 730). وممَّن اخْتار أنَّ المرادَ: طَابَتْ أعْمَالُكم في الدُّنيا، فطَابَ اليَومَ مَثوَاكُم: ابنُ جَريرٍ، ومكِّيٌّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/270)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكِّي (10/6390). قال ابنُ كَثيرٍ: (وقولُه: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ: أي: طابَتْ أعْمالُكم وأقْوالُكم، وطابَ سَعْيُكم فطابَ جَزاؤُكم). ((تفسير ابن كثير)) (7/122). وممَّن اخْتار أنَّ المرادَ طِبْتُمْ: أي أعْمالًا، ومُعتَقدًا، ومُستَقرًّا، وجَزاءً: ابنُ عطيَّة، وأبو حيَّانَ. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/543)، ((تفسير أبي حيان)) (9/225). .
قال تعالَى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32] .
وعن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ الله عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَخلُصُ المؤمِنونَ مِن النَّارِ، فيُحبَسُون على قَنطرةٍ [1386] القَنطرةُ: الجسْرُ، وهي عبارةٌ عن الصِّراطِ الممدودِ بيْنَ الجنةِ والنارِ. يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (5/527)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (8/3562). بيْنَ الجنَّةِ والنَّارِ، فيُقَصُّ [1387] فيُقَصُّ: أي: يُمكَّنُ صاحِبُ الحَقِّ مِن أخْذِ القِصاصِ، وهو أنْ يَفعلَ به مِثلَ فِعلِه؛ مِن قتْلٍ، أو قَطعٍ، أو ضرْبٍ، أو جرْحٍ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/72). لِبَعضِهم مِن بَعضٍ مَظالِمُ كانت بيْنَهم في الدُّنيا، حتَّى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِنَ لهم في دُخولِ الجنَّةِ؛ فوالَّذي نَفْسُ مُحمَّدٍ بيَدِه، لَأحَدُهم أَهدَى بمَنزلِه في الجنَّةِ منه بمَنزِلِه كان في الدُّنيا )) [1388] رواه البخاري (6535). .
وعن عبْدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((الجنَّةُ لا يَدخُلُها إلَّا نَفْسٌ مُسلِمةٌ )) [1389] رواه البخاري (6528)، ومسلم (221). .
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74).
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ.
أي: وقال المُتَّقونَ: الحَمدُ للهِ وَحْدَه الذي حَقَّق لنا ما وعَدَنا مِنَ الثَّوابِ على طاعتِه في الدُّنيا، فأنجَزَه لنا في الآخِرةِ [1390] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/270)، ((تفسير القرطبي)) (15/286)، ((تفسير ابن كثير)) (7/123)، ((تفسير السعدي)) (ص: 730)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/72)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/569). .
كما قال تعالَى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف: 43] .
وقال الله سُبحانَه: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ [فاطر: 34، 35].
وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ.
أي: وملَّكَنا اللهُ أرضَ الجنَّةِ [1391] قال الماوَرْديُّ: (في هذه الأرضِ قَوْلانِ؛ أحَدُهما: أرضُ الجنَّةِ...، الثاني: أرضُ الدُّنْيا). ((تفسير الماوردي)) (5/138). ممَّن اخْتار القولَ الأوَّلَ: مُقاتِلُ بنُ سُليمانَ، وابنُ جَريرٍ، والزَّجَّاجُ، والسَّمَرْقَنْديُّ، والثَّعْلبيُّ، والسَّمْعانيُّ، وابنُ عَطيَّةَ، وابنُ الجَوْزيِّ، والرازيُّ، وابنُ جُزَيٍّ، والسعديُّ، وغَيرُهم، ونسَبَه الماوَرْديُّ لأكثَرِ المُفسِّرينَ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/689)، ((تفسير ابن جرير)) (20/270)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزَّجَّاج (4/364)، ((تفسير السمرقندي)) (3/196)، ((تفسير الثعلبي)) (8/260)، ((تفسير السمعاني)) (4/483)، ((تفسير ابن عطية)) (4/543)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/28)، ((تفسير الرازي)) (27/480)، ((تفسير ابن جزي)) (2/226)، ((تفسير السعدي)) (ص: 731)، ((تفسير الماوردي)) (5/138). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ -في رِوايةِ عَطاءٍ-، وأبو العاليةِ، وأبو صالحٍ، وقَتادةُ، ومُجاهِدٌ، والسُّدِّيُّ، وسَعيدُ بنُ جُبيرٍ، وابنُ زَيدٍ. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (15/227)، ((تفسير الماوردي)) (5/138)، ((تفسير ابن كثير)) (7/123). لكنْ قال ابنُ عُثَيْمين: (وهذا التَّفسيرُ يَرِدُّ عليه أمْرانِ: الأمرُ الأوَّلُ: أنَّ الأرضَ إذا أُطلِقَت فهي الأرضُ المقابِلةُ للسَّماءِ، وهي أرضُنا هذه. الأمرُ الثَّاني: أنَّه تعالَى قال: نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ، وكان مُقْتَضى السِّياقِ إذا كانتِ الأرضُ هي الجنَّةَ أنْ يُقالَ: (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ نَشَاءُ)، فلا يَأْتي بالظَّاهِرِ؛ لأنَّ الظَّاهرَ في هذا المكانِ لا مَعْنى له). ((تفسير ابن عثيمين - سورة الزمر)) (ص: 506). قال الواحِديُّ: (ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه قال: يَعني الدُّنْيا تَصيرُ للمؤمِنينَ مِن هذه الأمَّةِ، وهذا حُكمٌ منَ اللهِ عزَّ وجلَّ بإظْهارِ الدِّينِ وقَهرِ الكافِرينَ). ((البسيط)) (15/228). وممَّن اخْتار أنَّ المرادَ بالأرضِ هنا المقابِلةُ للسَّماءِ: ابنُ عُثَيمين. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة الزمر)) (ص: 506). وذكَر أنَّ (أل) هنا للعَهدِ، وأنَّ مَعنى الإيراثِ -على القولِ بأنَّها أرضُ الدُّنيا- هو ما يَسْتَولي عليه المسلِمونَ مِن أراضي الكُفَّارِ، وإيراثٌ آخَرُ: أنَّ وُجودَهم على الأرضِ بحقٍّ، ووجودَ الكُفَّارِ بغَيرِ حقٍّ، لكنَّ اللهَ أبْقاهُم لحِكْمةٍ. يُنظر: ((المصدر السابق)) (ص: 506، 507). واستَبعَدَ أبو حيَّانَ القولَ بأنَّها أرضُ الدُّنْيا، وقال الألوسيُّ: (ليس بشَيءٍ). يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/225)، ((تفسير الألوسي)) (12/288). نَسكُنُ منها حيثُ نُحِبُّ ونَشْتَهي، ونَنزِلُ في أيِّ مَكانٍ شِئْناه منها، فأينَ شِئْنا حَلَلْنا [1392] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/270، 271)، ((تفسير القرطبي)) (15/287)، ((تفسير البيضاوي)) (5/50)، ((تفسير ابن كثير)) (7/123)، ((تفسير السعدي)) (ص: 730). قيل: معْنى وِراثةِ الجَنَّة: أنَّ أهلَها أخَذوا فيها المواضعَ التي كانت لأهلِ النار لو كانوا آمَنوا وأطاعوا اللهَ في الدُّنيا. وممَّن قال بهذا المعنى: ابنُ جَرير، وابنُ عطيَّةَ، وابنُ جُزَي، والعُليمي، ونسَبه القُرطبيُّ إلى أكثرِ المفسِّرينَ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/270)، ((تفسير ابن عطية)) (4/543)، ((تفسير ابن جزي)) (2/226)، ((تفسير العليمي)) (6/92)، ((تفسير القرطبي)) (15/287). وقيل: معْنى (أَوْرَثَنَا): ملَّكَنا نَتَصَرَّفُ فيها كما نشاءُ، تَشبيهًا بحالِ الوارِثِ وتَصَرُّفِه فيما يَرِثُه. وممَّن اختار هذا المعنى: الخازنُ، وأبو حيَّانَ، والنَّسفيُّ. يُنظر: ((تفسير الخازن)) (4/65)، ((تفسير أبي حيان)) (9/225)، ((تفسير النسفي)) (3/195). قال البِقاعيُّ: (جعَل حالَنا فيها في تَمامِ الملكِ، وعدَمِ التسبُّبِ في الحقيقةِ فيه حالَ الوارثِ الذي هو بعْدَ مَوروثِه، ولا شَيءَ بعْدَه، ولا مُنازِعَ له). ((نظم الدرر)) (16/570). وقيل غيرُ ذلك في سَببِ التعبيرِ بالإرثِ هنا. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/480). .
كما قال تعالَى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم: 63].
وقال سُبحانَه: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: 10، 11].
وقال عزَّ وجلَّ: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف: 72].
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((ما مِنكم مِن أحَدٍ إلَّا له مَنزِلانِ: مَنزِلٌ في الجنَّةِ، ومَنزِلٌ في النَّارِ، فإذا مات فدَخَل النَّارَ وَرِثَ أهلُ الجنَّةِ مَنزِلَه، فذلك قَولُه تعالَى: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ [المؤمنون: 10] )) [1393] رواه البخاري (3342)، ومسلم (163). .
فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ.
أي: فنِعْمَ ثَوابُ العامِلينَ بطاعةِ اللهِ في الدُّنيا: نَعيمُ الجنَّةِ في الآخِرةِ [1394] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/271)، ((تفسير القرطبي)) (15/287)، ((تفسير السعدي)) (ص: 730). .
وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75).
وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ.
أي: وتَرى يا مُحمَّدُ [1395] قال الألوسي: (الخِطابُ لسَيِّد المُخاطَبين صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وجُوِّز أنْ يكونَ لكُلِّ مَن تَصِحُّ منه الرُّؤيةُ، كأنَّه قيل: وتَرى -أيُّها الرَّائي- الملائِكةَ حافِّينَ مِن حَولِ العَرشِ، أي: حولَ العَرشِ). ((تفسير الألوسي)) (12/289). ويُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 730). وقال ابنُ عاشورٍ: (الخِطابُ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فيكونُ إيذانًا بأنَّها رُؤيةُ دُنُوٍّ مِن العَرشِ وملائكتِه، وذلك تَكريمٌ له بأنْ يكونَ قدْ حَواه مَوكِبُ الملائكةِ الذين حَولَ العَرشِ). ((تفسير ابن عاشور)) (24/74). الملائِكةَ مُحيطينَ بعَرشِ الرَّحمنِ [1396] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/271، 272)، ((الهداية)) لمكي (10/6393)، ((تفسير القرطبي)) (15/287)، ((بيان تلبيس الجهمية)) لابن تيمية (8/362). قال البقاعيُّ: (فإدخالُ مِنْ يُفهِمُ أنَّهم مع كَثرتِهم إلى حَدٍّ لا يُحصيه إلَّا اللهُ: لا يَملَؤونَ ما حَولَه!). ((نظم الدرر)) (16/571). .
يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ.
أي: يُنَزِّهون ربَّهم عِن كُلِّ العُيوبِ والنَّقائِصِ تَنزيهًا مُقتَرِنًا بوَصفِه بصِفاتِ الكَمالِ؛ مَحبَّةً له وتَعظيمًا [1397] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/272)، ((تفسير ابن كثير)) (7/125)، ((تفسير السعدي)) (ص: 731)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/74)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الزمر)) (ص: 515). .
كما قال تعالَى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ [غافر: 7] .
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ.
أي: وحَكَم اللهُ بيْنَ عِبادِه بالعَدلِ التَّامِّ [1398] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/272)، ((تفسير القرطبي)) (15/287)، ((تفسير ابن كثير)) (7/125)، ((تفسير السعدي)) (ص: 731). قال الشَّوكانيُّ: (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ أي: بيْنَ العبادِ بإدخالِ بعضِهم الجنَّةَ، وبعضِهم النَّارَ، وقيل: بيْنَ النَّبيينَ الذين جِيءَ بهم معَ الشهداءِ وبيْنَ أُممِهم بالحقِّ، وقيل: بيْنَ الملائكةِ بإقامتِهم في مَنازلِهم على حسبِ درجاتِهم، والأوَّلُ أولَى). ((تفسير الشوكاني)) (4/549). .
وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
أي: ويُقالُ: الحَمدُ للهِ تعالى وَحْدَه الخالِقِ المالِكِ، الرَّازِقِ المُدَبِّرِ لجَميعِ الخلائِقِ [1399] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/272)، ((تفسير السعدي)) (ص: 731)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/74)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الزمر)) (ص: 516). .
كما قال تعالَى: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس: 10] .

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالَى: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ إغراءُ النُّفُوسِ على العَمَلِ بعَمَلِ أهلِ الجنَّةِ؛ لأنَّ الإنسانَ إذا تَبيَّنَ له الفَرقُ العظيمُ والتَّبايُنُ الكبيرُ بيْنَ أهلِ النَّارِ وأهلِ الجنَّةِ، فلا بُدَّ أنْ يكونَ عِندَه ما يَحُثُّه ويُزعِجُه إزعاجًا إلى العَمَلِ بعَمَلِ أهلِ الجنَّةِ [1400] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الزمر)) (ص: 504). .
2- حَرَّم اللهُ سُبحانَه الجنَّةَ على مَن في قَلبِه نَجاسةٌ وخُبثٌ، ولا يَدخُلُها إلَّا بعْد طِيبِه وطُهْرِه؛ فإنَّها دارُ الطَّيِّبينَ؛ ولهذا يُقالُ لهم: طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ، أي: ادخُلوها بسَبَبِ طِيبِكم، والبِشارةُ عندَ الموتِ لهؤلاء دونَ غَيرِهم، كما قال تعالَى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32] ؛ فالجنَّةُ لا يَدخُلُها خَبيثٌ، ولا مَن فيه شَيءٌ مِن الخُبْثِ؛ فمَن تَطهَّرَ فى الدُّنيا، ولَقِيَ اللهَ طاهِرًا مِن نَجاساتِه؛ دخَلَها بغيرِ مُعَوِّقٍ، ومَن لم يَتطهَّرْ فى الدُّنيا؛ فإنْ كانت نَجاستُه عَينيَّةً -كالكافِرِ- لم يَدخُلْها بحالٍ، وإنْ كانت نجاستُه كَسبيَّةً عارِضةً دَخَلها بعْدَما يَتطَهَّرُ فى النَّارِ مِن تلك النَّجاسةِ، ثمَّ يَخرُجُ منها، حتَّى إنَّ أهلَ الإيمانِ إذا جازُوا الصِّراطَ حُبِسوا على قَنطرةٍ بيْنَ الجنَّةِ والنَّارِ، فيُهَذَّبونَ ويُنَقَّونَ مِن بَقايا بَقِيَت عليهم، قَصَرَتْ بهم عن الجنَّةِ، ولم تُوجِبْ لهم دُخولَ النَّارِ، حتَّى إذا هُذِّبُوا ونُقُّوا أُذِنَ لهم في دُخولِ الجنَّةِ [1401] يُنظر: ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/56). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قولُه تعالَى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ فيه أنَّ التَّقْوى سَببٌ لدُخولِ الجنَّةِ؛ ووَجْهُ ذلك: أنَّ تَرتيبَ الحُكْمِ على الوَصفِ يدُلُّ على عِلِّيَّتِه؛ يعني: إذا رُتِّبَ الحُكْمُ على وَصْفٍ دَلَّ ذلك على أنَّ هذا الوصفَ هو عِلَّةُ الحُكْمِ، فالسِّياقُ إلى الجنَّةِ هو بسَببِ التَّقوَى؛ إذنْ: تُفيدُ الآيةُ أنَّ التَّقْوى سَببٌ لدُخولِ الجنَّةِ؛ ويُؤيِّدُ هذا قولُه تعالَى: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ [1402] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الزمر)) (ص: 502). [آل عمران: 133، 134].
2- قَولُه تعالَى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وكذا: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ [الزمر: 71] ، هذه الآياتُ وَصَفَت مَصيرَ أهلِ الكُفرِ، ومَصيرَ المتَّقينَ يومَ الحَشرِ، وسكَتَت عن مَصيرِ أهلِ المعاصي الذين لم يَلتَحِقوا بالمتَّقين بالتَّوبةِ مِن الكبائِرِ، وغُفرانِ الصَّغائِرِ باجتِنابِ الكَبائِرِ، وهذه عادةُ القُرآنِ في الإعراضِ عن وَصْفِ رِجالٍ مِن الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ بمَعصيةِ رَبِّهم إلَّا عندَ الاقتِضاءِ لِبَيانِ الأحكامِ؛ فإنَّ الكبائِرَ مِن أمْرِ الجاهليَّةِ. فما كان لأهلِ الإسلامِ أنْ يَقَعوا فيها، فإذا وَقَعوا فيها فعليْهم بالتَّوبةِ، فإذا ماتُوا غيْرَ تائِبينَ فإنَّ اللهَ تعالَى يُحصِي لهم حَسَناتِ أعمالِهم، وطَيِّباتِ نَواياهم، فيُقاصُّهم بها إنْ شاء، ثمَّ همْ فيما دونَ ذلك يَقتَرِبونَ مِن العِقابِ بمِقدارِ اقتِرابِهم مِن حالِ أهلِ الكُفرِ في وَفْرةِ المعاصي، فيُؤمَرُ بهم إلى النَّارِ، أو إلى الجنَّةِ، ومنهم أهلُ الأعرافِ [1403] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/73). .
3- في قَولِه تعالَى عن الجنَّةِ: فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وكذا عن النار: فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا [الزمر: 71] ؛ دَليلٌ على أنَّ النَّارَ والجنَّةَ لهما أبوابٌ تُفتَحُ وتُغلَقُ، وأنَّ لكلٍّ منهما خَزَنةً، وهما الدَّارانِ الخالصتانِ اللَّتانِ لا يَدخُلُ فيهما إلَّا مَن استَحقَّهما؛ بخِلافِ سائرِ الأمكنةِ والدُّورِ [1404] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 731). .
4- قال تعالَى: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ قال خَزَنةُ أهْلِ الجنَّةِ لأهْلِها: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فبَدؤوهُم بالسَّلامِ المتضَمِّنِ للسَّلامةِ مِن كلِّ شَرٍّ ومَكْروهٍ؛ أي: سَلِمتُم فلا يَلحَقُكم بعْدَ اليومِ ما تَكرَهونَ، ثمَّ قال لهم: طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ؛ أي: سَلامَتُكم ودُخولُها بطِيبِكُم؛ فإنَّ اللهَ حرَّمَها إلَّا على الطَّيِّبينَ، فبَشَّروهم بالسَّلامةِ، والطِّيبِ، والدُّخولِ، والخُلودِ [1405] يُنظر: ((حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح)) لابن القيم (ص: 53). .
5- قال تعالَى: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ، فالجنَّةُ دارُ الطَّيِّبينَ، لا يَدخُلُها إلَّا طيِّبٌ، وأمَّا النَّارُ فإنَّها دارُ الخُبثِ في الأقْوالِ، والأعْمالِ، والمآكِلِ، والمشارِبِ، ودارُ الخَبيثينَ؛ فاللهُ تعالَى يَجمَعُ الخَبيثَ بَعضَه إلى بَعضٍ، فيَركُمُه [1406] رَكَم الشَّيءَ: إذا جَمَعه وألْقَى بعضَه على بعضٍ. يُنظر: ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 20). كما يُركَمُ الشَّيءُ لتَراكُبِ بَعضِه على بَعضٍ، ثمَّ يَجعَلُه في جَهنَّمَ معَ أهْلِه، فليْس فيها إلَّا خَبيثٌ.
ولَمَّا كان النَّاسُ على ثَلاثِ طبَقاتٍ: طيِّبٌ لا يَشينُه خَبيثٌ، وخَبيثٌ لا طيِّبَ فيه، وآخَرونَ فيهم خُبثٌ وطِيبٌ، دُورُهم ثَلاثةٌ: دارُ الطَّيِّبِ المحْضِ، ودارُ الخَبيثِ المحْضِ، وهاتانِ الدَّارانِ لا تَفْنَيانِ، ودارٌ لمَن معَه خُبثٌ وطِيبٌ، وهي الدَّارُ الَّتي تَفْنى، وهي دارُ العُصاةِ؛ فإنَّه لا يَبْقي في جَهنَّمَ مِن عُصاةِ الموَحِّدينَ أحَدٌ؛ فإنَّه إذا عُذِّبوا بقَدْرِ جَزائِهم أُخرِجوا مِن النَّارِ فأُدخِلوا الجنَّةَ، ولا يَبْقى إلَّا دارُ الطِّيبِ المحْضِ، ودارُ الخُبثِ المحْضِ [1407] يُنظر: ((الوابل الصيب من الكلم الطيب)) لابن القيم (ص: 20). .
6- أنَّ أهلَ الجنَّةِ في مَنازلِهم لا يُريدونَ غيْرَها؛ لقولِه تعالَى: حَيْثُ نَشَاءُ، وهذا مِن تَمامِ النَّعيمِ؛ لأنَّ الإنسانَ لو تَطَلَّعَ إلى مَنازلِ غيْرِه، لَرَأى أنَّه لم يَكْمُلْ له النَّعيمُ، يقولُ مثلًا: فلانٌ أحسنُ منِّي قصْرًا! فلانٌ أكثرُ منِّي مالًا! فيَتَنَغَّصُ عليه النَّعيمُ، لكنْ إذا رأى أنَّه في المكانِ الذي يَشاؤُه، ولا يُريدُ التَّحَوُّلَ عنه؛ فإنَّ هذا مِن كَمالِ النَّعيمِ، قال اللهُ تعالَى: لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [1408] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الزمر)) (ص: 511). قال الألوسيُّ: (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ: أي: يَتبوَّأُ كلٌّ منَّا في أيِّ مكانٍ أرادَه مِن جنَّتِه الواسِعةِ، لا أنَّ كلًّا منهم يَتبوَّأُ في أيِّ مكانٍ من مُطلَقِ الجنَّةِ، أو مِن جنَّاتِ غَيرِه المُعيَّنةِ لذلك الغَيرِ، فلا يُقالُ: إنَّه يَلزَمُ جَوازُ تَبوُّءِ الجَميعِ في مكانٍ واحدٍ وَحْدةً حَقيقةً، وهو مُحالٌ، أو أنْ يأخُذَ أحَدُهم جنَّةَ غَيرِه، وهو غَيرُ مُرادٍ. وقيلَ: الكَلامُ على ظاهِرِه، ولكلٍّ منهم أنْ يَتبوَّأَ في أيِّ مكانٍ شاء مِن مُطلَقِ الجنَّةِ، ومن جنَّاتِ غَيرِه، إلَّا أنَّه لا يَشاءُ غيْرَ مَكانِه؛ لسَلامةِ نفْسِه، وعِصْمةِ اللهِ تعالى له عن تلك المَشيئةِ). ((تفسير الألوسي)) (12/289). [الكهف: 108] .
7- قال عزَّ وجلَّ: وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ في قَولِه تعالَى: أَجْرُ الْعَامِلِينَ بَيانُ مِنَّةِ اللهِ سُبحانَه وتعالَى بالجَزاءِ؛ حيثُ جَعَله أجْرًا، وكأنَّه أجرٌ مَفْروضٌ على اللهِ عزَّ وجلَّ [1409] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الزمر)) (ص: 512). .
8- في قَولِه تعالَى: فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ أرادوا بـ «العامِلينَ» أنفُسَهم -أي: عامِلِي الخَيرِ- وهذا مِن التَّصريحِ بالحَقائِقِ، وليس فيه عَيْبُ تَزكيةِ النَّفسِ؛ لأنَّ ذلك العالَمَ عالَمُ الحقائِقِ الكامِلةِ المجَرَّدةِ عن شَوبِ النَّقائِصِ [1410] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/73). .
9- قال اللهُ تعالَى: وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ذكَرَ هنا أنَّ الملائِكةَ تَحُفُّ مِن حَولِ العَرشِ، وذكَرَ في مَوضِعٍ آخَرَ أنَّ له حَمَلةً، فقال: وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة: 17] ، وجَمَع في مَوضِعٍ ثالثٍ بيْنَ حَمَلتِه ومَن حَولَه، فقال: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ [1411] يُنظر: ((الرسالة العرشية)) لابن تيمية (ص: 8). [غافر: 7] .
10- في قَولِه تعالَى: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بَيانُ أنَّ اللهَ تعالَى يَختِمُ الأمورَ بالحَمدِ، كقَولِه تعالَى: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام: 45] ، وكقَولِه تعالَى: وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [1412] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (8/34). [يونس: 10] .
11- في قَولِه تعالَى: وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قيل: إنَّ اللهَ تعالَى ابتَدأَ ذِكرَ الخَلقِ بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ في قَولِه سُبحانَه: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام: 1] ، وخَتَم بالحَمدِ في آخِرِ الأمرِ، وهو استِقرارُ الفَريقَينِ في مَنازِلِهم؛ فنَبَّه بذلك على تَحميدِه في بِدايةِ كُلِّ أمرٍ وخاتِمتِه. واللهُ أعلَمُ بمُرادِه وأسرارِ كِتابِه [1413] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (3/465). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ
- قولُه: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا في قولِه: وَسِيقَ -بالنِّسبةِ لأهلِ النَّارِ وأهلِ الجنَّةِ؛ إذ عُبِّرَ عن الذَّهابِ بالفَريقينِ جَميعًا بلَفظٍ واحدٍ-: نَوعُ بَلاغةٍ دَقيقُ المسلَكِ؛ وهو أنْ يأتيَ المتكلِّمُ بكلمةٍ واحدةٍ، فتكونُ تارةً دالَّةً على الهَوانِ والعِقابِ، ثمَّ يأْتي بها ثانيةً، فتكونُ دالَّةً على الإكرامِ وحُسْنِ الثَّوابِ، والمرادُ بسَوقِ أهلِ النَّارِ طَرْدُهم إليها بالهَوانِ والعُنْفِ كما يُفعَلُ بالأَسارَى والخارجينَ على السُّلطانِ إذا سِيقوا إلى حَبْسٍ أو قتْلٍ. والمرادُ بسَوقِ أهْلِ الجنَّةِ مَساقُ إعزازٍ وتَشريفٍ؛ للإسراعِ بهم إلى دارِ الكَرامةِ، وقيل: سَوقُ مَراكِبِهم؛ لأنَّه لا يُذهَبُ بهم إلَّا راكبينَ، وحَثُّها إسراعًا إلى دارِ الكرامةِ والرِّضوانِ، كما يُفعَلُ بمَن يُشرَّفُ ويُكرَّمُ مِن الوافدينَ على بَعضِ الملوكِ؛ فشتَّانَ ما بيْنَ السَّوقينِ! [1414] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/147)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (1/498)، ((تفسير أبي السعود)) (7/264)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/451). وقد انتقَدَ الطِّيبيُّ هذا القولَ الثانيَ. يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/447).
- وأيضًا اختيارُ لَفظِ (السَّوقِ)، وبِناءُ الفِعلِ للمَفعولِ؛ لِلدَّلالةِ على عَظَمةِ الكِبْرياءِ والجَلالِ، ولِتُوافِقَ ما خُتِم به الكلامُ بما بُدِئَ به؛ ألَا تَرَى كيف قِيل: وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ؟ فكما أنَّ ذلك المَجيءَ لا يدُلُّ على فَضْلِهم وكَرامتِهم، بلْ على الكِبْرياءِ والجَلالِ، وكذلك هذا السَّوقُ. ويُمكِنُ أنْ يُجْرى على المشاكَلةِ؛ فإنَّه لَمَّا نُسِبَ السَّوقُ إلى الكفَّارِ، وانضمَّ معه مَقامُ الجَبروتِ والكِبْرياءِ، قِيل: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ [1415] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/448). .
- وفيه مُناسبةٌ حَسَنةٌ؛ حيثُ قال في أهلِ النَّارِ: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا [الزمر: 71] ، وقال هنا في أهلِ الجنَّةِ: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا بزِيادة الواوِ؛ ووَجْهُ ذلك: أنَّ أهلَ النَّارِ بمُجرَّدِ وُصولِهم إليها فُتِحَت لهمْ أبوابُها مِن غيرِ إنظارٍ ولا إمهالٍ، ولِيَكونَ فتْحُها في وُجوهِهم وعلى وُصولِهم أعظَمَ لِحَرِّها، وأشدَّ لِعَذابِها، وأمَّا الجنَّةُ؛ فإنَّها الدَّارُ العاليةُ الغاليةُ، التي لا يُوصَلُ إليها، ولا يَنالُها كلُّ أحدٍ إلَّا مَن أتَى بالوَسائلِ الموصِلةِ إليها، ومع ذلك فيَحتاجون لِدُخولِها لِشَفاعةِ أكرَمِ الشُّفعاءِ على اللهِ تعالَى؛ فلمْ تُفتَحْ لهمْ بمُجرَّدِ ما وَصَلوا إليها، بلْ يَسْتشفِعون إلى اللهِ بمُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى يَشفَعَ؛ فيُشفِّعُه اللهُ تعالَى [1416] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 731). . وقيل: إنَّها واوُ الحالِ، أي: جاؤوها وقدْ فُتِحَت أبوابُها قبْلَ مَجيئِهم، بخِلافِ أبوابِ النَّارِ؛ فإنَّها إنَّما فُتِحَت عندَ مَجيئِهم، والسِّرُّ في ذلك: أنْ يَتعجَّلوا الفرَحَ والسُّرورَ إذا رأَوا الأبوابَ مُفتَّحةً، وأهلُ النَّارِ يَأْتونها وأبوابُها مُغلَقةٌ؛ لِيَكونَ أشدَّ لِحَرِّها، أو أنَّ الوقوفَ على البابِ المغلَقِ نَوعُ ذُلٍّ وهَوانٍ؛ فصِينَ أهْلُ الجنَّةِ عنه، أو أنَّ الكريمَ يُعجِّلُ المثوبةَ ويُؤخِّرُ العُقوبةَ، أو اعتُبِرَ في ذلك عادةُ دارِ الدُّنيا؛ لأنَّ عادةَ مَن في مَنازلِها مِن الخدَمِ إذا بُشِّروا بقُدومِ أهْلِ المنازلِ؛ فتْحُ أبوابِها قبْلَ مَجيئهم -استبشارًا وتطلُّعًا إليهم-، وعادةَ أهلِ الحُبوسِ إذا شُدِّدَ في أمْرِها؛ ألَّا تُفتَحَ أبوابُها إلَّا عندَ الدُّخولِ إليها أو الخروجِ [1417] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/225)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (1/498)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/71، 72). . أو فُتِحتْ أبوابُها؛ إكرامًا لهم -قبْلَ وُصولِهم- إليها بنفْسِ الفتْحِ وبما يَخرُجُ إليهم مِن رائحتِها، ويرَوْنَ مِن زَهْرتِها وبَهْجتِها [1418] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/568). . وقيل غيرُ ذلك في زِيادةِ الواوِ [1419] ويُنظر ما تقدَّم في حاشية تفسير الآية (ص: 459). .
- قولُه: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا إِذَا ظَرْفُ مُسْتقبَلٍ مُتضمِّنٌ معْنى الشَّرْطِ، وجُملةُ جَاءُوهَا في مَحلِّ جَرٍّ بإضافةِ الظَّرْفِ إليها، وجَوابُها هنا مَحذوفٌ -على قوْلٍ-؛ لأنَّه في صِفَةِ أهْلِ الجنَّةِ؛ فدَلَّ بحَذْفِه على أنَّه شَيءٌ لا يُكتَنَهُ، ولا يُحِيطُ به الوصْفُ، كأنَّه قِيل: حصَلوا على النَّعيمِ المقيمِ الذي لا يَشوبُه التَّنغيصُ والتَّكديرُ، وإنَّما صار الحذْفُ في مِثلِ هذا أبلَغَ مِن الذِّكرِ؛ للإيذانِ بأنَّ لهم حِينئذٍ مِن فُنونِ الكراماتِ ما لا يَحدِقُ به نِطاقُ العباراتِ، فتَذهَبُ النَّفْسُ فيه كلَّ مَذهَبٍ، ولو ذُكِرَ الجوابُ لَقصُرَ عن الوجْهِ الذي تَضمَّنَه البَيانُ [1420] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/264)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/453). ، فحُذِف؛ تَفخيمًا لِشأنِه وتَعظيمًا لقَدْرِه؛ كعادتِهم في حذْفِ الأجوبةِ [1421] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (3/54). .
- وهذه الآياتُ السَّابقةُ مِن بابِ الجمْعِ معَ التَّقسيمِ؛ فإنَّ قولَه: وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ [الزمر: 70] جمَعَ الأنفُسَ كلَّها في حُكمِ تَوفيةِ أُجورِ الأعْمالِ صالحِها وسَيِّئِها. وقولَه: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وقولَه: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا إلى آخِرِ الآياتِ؛ تَقسيمٌ لذلك الجمْعِ، وتَفصيلٌ لذلك المُجمَلِ، وقدْ أُوثِرَ فيهما الَّذِينَ كَفَرُوا والَّذِينَ اتَّقَوْا على الكافرينَ والمتَّقِين؛ لِيَدُلَّ على العُمومِ [1422] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/447). .
- قولُه: طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ عقَّبَ دُخولَها على الطِّيبِ بحَرفِ الفاءِ الَّذي يؤْذِنُ بأنَّه سَببٌ للدُّخولِ؛ أي: بسَببِ طِيبِكم، قيلَ لكمُ: ادْخُلوها [1423] يُنظر: ((الوابل الصيب من الكلم الطيب)) لابن القيم (ص: 20). .
2- قولُه تعالَى: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
- قولُه: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ... عطْفُ هذا الكلامِ يُؤذِنُ بأنَّ قولَهم ذلك غيْرُ جَوابٍ لِقَولِ الملائكةِ، بلْ حَمِدوا اللهَ على ما منَحَهم مِن النَّعيمِ الذي وَعَدَهم به، وإنَّما وعَدَهم به بعُنوانِ الأعمالِ الصَّالحةِ، فلمَّا كانوا أصحابَ الأعمالِ الصَّالحةِ، جَعَلوا وَعْدَ العامِلينَ للصَّالحاتِ وَعْدًا لهم؛ لِتَحقُّقِ المعلَّقِ عليه الوعدُ فيهم [1424] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/72). .
- قولُه: فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ والأصلُ هو «فنِعْم أجْرُنا»، ولكنَّه قال: أَجْرُ الْعَامِلِينَ تَرْغيبًا في الأعمالِ، وحثًّا على عدَمِ الاتِّكالِ [1425] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/570). .
3- قولُه تعالَى: وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
- قولُه: وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ... كَلامٌ مُستأنَفٌ مَسوقٌ لِوَصفِ الملائكةِ المقرَّبينَ في ذلِك اليومِ. أو هو عَطْفٌ على ما قبْلَه مِن ذِكرِ أحوالِ يوْمِ القِيامةِ التي عُطِفَ بعضُها على بعضٍ؛ ابتداءً مِن قولِه: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [الزمر: 68] ، أنَّ مِن جُملةِ تلك الأحوالِ حَفَّ الملائكةِ حوْلَ العرْشِ. والخِطابُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فيكونُ إيذانًا بأنَّها رُؤيةُ دُنوٍّ مِن العرْشِ ومَلائكتِه، وذلك تَكريمٌ له بأنْ يكونَ قدْ حَواهُ مَوكبُ الملائكةِ الذين حوْلَ العرْشِ [1426] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/74). .
- وفي استِحضارِ اللهِ تعالَى بوَصْفِ رَبِّهِمْ إيماءٌ إلى أنَّ قُرْبَهم مِن العرْشِ تَرفيعٌ في مَقامِ العُبوديَّةِ الملازِمةِ للخلائقِ [1427] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/74). .
- قولُه: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ تَأْكيدٌ لِجُملةِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [الزمر: 69] المتقدِّمةِ [1428] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/74). .
- قولُه: وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَجوزُ أنْ يكونَ تَوكيدًا لِجُملةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ [الزمر: 74] ، ويجوزُ أنْ يكونَ حِكايةَ قولٍ آخَرَ لِقائلينَ مِن الملائكةِ والرُّسلِ وأهْلِ الجنَّةِ؛ فهو أعمُّ مِن القولِ المتقدِّمِ الذي هو قوْلُ المَسُوقينَ إلى الجنَّةِ مِن المتَّقينَ، فهذا قوْلُهم يَحمَدون اللهَ على عَدْلِ قَضائِه وجَميعِ صِفاتِ كَمالِه [1429] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/74). .
- قَولُه: وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حُذِفَ فاعِلُ القَولِ؛ إشعارًا بالعُمومِ، وأنَّ الكونَ كلَّه قال: «الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمين»؛ لِمَا شاهَدوا مِن حِكمةِ الحَقِّ وعَدْلِه وفَضْلِه؛ فيَحمَدُه أهلُ السَّمواتِ وأهلُ الأرضِ، والأبرارُ والفُجَّارُ، والإنسُ والجِنُّ، حتَّى أهلُ النَّارِ، قال الحسنُ: (لقدْ دخَلوا النَّارَ وإنَّ حمْدَه لَفي قُلوبِهم، ما وجَدوا عليه سبيلًا) [1430] يُنظر: ((الفوائد)) لابن القيم (ص: 162)، ((روضة المحبين)) لابن القيم (ص: 64-65). .
وقيل: لم يُبَيِّنْ أنَّ ذلك القائِلَ مَن هو؟! والمقصودُ مِن هذا الإبهامِ التَّنبيهُ على أنَّ خاتِمةَ كَلامِ العُقَلاءِ في الثَّناءِ على حَضرةِ الجَلالِ والكِبرياءِ ليْس إلَّا أنْ يَقولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وتَأكَّدَ هذا بقَولِه تعالَى في صِفةِ أهلِ الجنَّةِ: وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [1431] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/481). [يونس: 10] .
- والمَقْضيُّ بيْنهم إمَّا جميعُ العِبادِ، وإمَّا الملائكةُ بإقامتِهم في مَنازلِهم على حسَبِ تَفاضُلِهم؛ فعلَى الأوَّلِ تَكريرُ الحمْدِ في قولِه: وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لإناطةِ معنًى زائدٍ به؛ لأنَّ الأوَّلَ للتَّفضلةِ بيْن الفريقينِ بحسَبِ الوعْدِ والوعيدِ، والسَّخطِ والرِّضوانِ، والثَّاني للتَّفرقةِ بيْنهما بحسَبِ الأبدانِ: فَريقٌ في الجنَّةِ، وفَريقٌ في السَّعيرِ، فتكونُ الآيةُ كالتَّتميمِ بالنِّسبةِ إلى الأُولى في إتمامِ القضاءِ، وعلى الثَّاني كالتَّكميلِ؛ لأنَّ ذلك القضاءَ في حقِّ بني آدَمَ، وهذا في حقِّ الملائكةِ [1432] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/449، 450). .
- وقد تميَّزَ خِتامُ سُورةِ الزُّمَرِ بذِكرِ أحوالِ القِيامةِ والتَّحميدِ والتَّسبيحِ، كما تَميَّزَ بالجَزالةِ في اللَّفظِ، والمرادُ بالجَزالةِ كوْنُ اللَّفظِ مَتينًا قويًّا، على عُذوبةٍ في الفَمِ، وحَلاوةِ جَرْسِه في السَّمْعِ، ولو تأمَّلَ المتأمِّلُ قَوارعَ القُرآنِ عندَ ذِكرِ الحِسابِ والعذابِ، والميزانِ والصِّراطِ، وعندَ ذِكرِ الموتِ ومُفارَقةِ الدُّنيا، وما جَرى هذا المَجْرى؛ فإنَّه لا يَرى شيئًا مِن ذلك وَحْشِيَّ الألْفاظِ، ولا مُتوعِّرًا مُوغِلًا في الجَساوةِ والنُّبوِّ [1433] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/450). .