موسوعة التفسير

سورةُ الحاقَّةِ
الآيات (13 - 18)

ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ

غَريبُ الكَلِماتِ:

الصُّورِ: أي: القَرنِ الَّذي يَنفُخُ فيه إسرافيلُ [114] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 25، 26)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 308)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 97)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 193)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 566). .
فَدُكَّتَا: أي: فُتِّتَتَا وكُسِرَتا، وأصلُ (دكك): يدُلُّ على تَطامُنٍ وانسِطاحٍ [115] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/224)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/258)، ((المفردات)) للراغب (ص: 316)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 453). .
وَاهِيَةٌ: أي: ضعيفةٌ، يُقالُ: وهَى البِناءُ يَهِي وَهْيًا فهو واهٍ: إذا ضَعُف جدًّا. ويُقالُ: كلامٌ واهٍ، أي: ضعيفٌ. أو المعنى: مُنشَقَّةٌ مُتصَدِّعةٌ، يُقال: وهَى الشَّيءُ: إذا انخرَق، والوَهْيُ: شقٌّ في الأديمِ والثَّوبِ ونحوِهما. أو المعنى: مُسترخيةٌ ساقطةُ القوَّةِ، وكلُّ شيءٍ استرخى رِباطُه فقد وَهِيَ [116] يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/181)، ((تفسير ابن جرير)) (23/224)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 485)، ((الغريبين في القرآن والحديث)) للهروي (6/2041)، ((المفردات)) للراغب (ص: 887، 888)، ((تفسير الرازي)) (30/625)، ((تفسير القرطبي)) (18/265). .
أَرْجَائِهَا: أي جوانبِها ونواحيها، وأصلُ (رجو) هنا: يدُلُّ على ناحيةِ الشَّيءِ [117] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 484)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 83)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/494)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 412). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ الله تعالى مفصِّلًا أهوالَ يومِ القيامةِ: فإذا نَفَخ المَلَكُ يومَ القيامةِ في القَرْنِ الموَكَّلِ به نفخةً واحدةً، ورُفِعَت الأرضُ والجِبالُ وأُزيلَتا مِن أماكنِهما، فدُقَّتا دَقَّةً واحِدةً؛ فيَومَئذٍ تَقَعُ السَّاعةُ، وتتصَدَّعُ السَّماءُ وتَنشَقُّ، فتكونُ يومَ القيامةِ ضَعيفةً لا قُوَّةَ لها، مُتشَقِّقةً، لا تتماسَكُ، والملائِكةُ على أطرافِ السَّماءِ وحافَاتِها، ويَحمِلُ عَرْشَ رَبِّك فَوقَ رُؤوسِهم يومَئذٍ ثمانيةٌ مِنَ الملائِكةِ! يَومَئذٍ تُعرَضُونَ -أيُّها النَّاسُ- على اللهِ تعالى؛ لِمُحاسَبتِكم، ولا يَخفى عليه سُبحانَه أيُّ شَيءٍ مِن أُمورِكم!

تَفسيرُ الآياتِ:

فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تَعالى ما فَعَله بالمكذِّبين لرُسلِه، وكيف جازاهُم، وعجَّلَ لهم العُقوبةَ في الدُّنيا، وأنَّ اللهَ نجَّى الرُّسلَ وأتْباعَهم؛ كان هذا مُقدِّمةً لذِكرِ الجزاءِ الأُخرويِّ، وتَوفيةِ الأعمالِ كاملةً يومَ القيامةِ، فذكَرَ أمْرَ الآخرةِ وما يَعرِضُ فيها لأهلِ السَّعادةِ وأهلِ الشَّقاوةِ، وبدَأَ بالأمورِ الهائلةِ الَّتي تَقَعُ أمامَ القيامةِ، وأوَّلُ ذلك: أنَّه يَنفُخُ إسرافيلُ في الصُّورِ [118] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/257)، ((تفسير السعدي)) (ص: 883). .
وأيضًا فإنَّ اللهَ تَعالى لَمَّا حكَى هذه القَصصَ السَّابقةَ، ونبَّهَ بها على ثُبوتِ القُدرةِ والحِكمةِ له سُبحانَه؛ فحينَئذٍ ثَبَت بثُبوتِ القُدرةِ إمكانُ القِيامةِ، وثَبَت بثُبوتِ الحِكمةِ إمكانُ وُقوعِ القيامةِ. ولَمَّا ثَبَت ذلك؛ شَرَع سُبحانَه في تَفاصيلِ أحوالِ القيامةِ، فذَكَر أوَّلًا مُقدِّماتِها [119] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/624). .
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13).
أي: فإذا نَفَخ المَلَكُ في القَرنِ الموَكَّلِ به، نفخةً واحدةً لا يُحتاجُ لحُصولِ المُرادِ منها إلى تَكَرُّرِها؛ فأمْرُ الله لا يُخالَفُ ولا يُمانَعُ [120] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/224)، ((تفسير ابن عطية)) (5/358)، ((تفسير السعدي)) (ص: 883)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/125). قيل: المرادُ: النَّفخةُ الأولى. وممَّن اختاره: ابنُ جرير، والثعلبيُّ، والواحدي، والسمعاني، والبغوي، والزمخشري، وابن الجوزي، والرازي، والبيضاوي، والخازن، وابن جُزَي، وأبو السعود. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/224)، ((تفسير الثعلبي)) (10/28)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1127)، ((تفسير السمعاني)) (6/37)، ((تفسير البغوي)) (5/145)، ((تفسير الزمخشري)) (4/601)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 412)، ((تفسير الرازي)) (30/625)، ((تفسير البيضاوي)) (5/240)، ((تفسير الخازن)) (4/334)، ((تفسير ابن جزي)) (2/ 405)، ((تفسير أبي السعود)) (9/23). قال الرَّسْعَني: (قال عَطاءٌ: هي النَّفخةُ الأولى؛ لأنَّ عندَها خرابُ هذا العالَمِ). ((تفسير الرسعني)) (8/256). وقال القرطبي: (قال ابنُ عبَّاسٍ: هي النَّفخةُ الأولى لقيامِ السَّاعةِ، فلم يَبْقَ أحدٌ إلَّا مات). ((تفسير القرطبي)) (18/264). ممَّن نص على أنَّها نفخةُ الفزَعِ: ابنُ عطيَّة، وأبو حيَّان، والكوراني. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/358)، ((تفسير أبي حيان)) (10/257)، ((تفسير الكوراني)) (ص: 221). قال أبو حيَّان: (هذه النَّفخةُ نفخةُ الفزَعِ. قال ابنُ عبَّاسٍ: وهي النَّفخةُ الأولى الَّتي يَحصُلُ عنها خرابُ العالَمِ، ويؤيِّدُ ذلك قولُه: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ). ((تفسير أبي حيان)) (10/257). وقال ابن عطيَّة: (والنَّفخةُ المُشارُ إليها في هذه الآيةِ: نفخةُ القيامةِ الَّتي للفزَع، ومعها يكونُ الصَّعقُ، ثمَّ نفخةُ البعثِ، وقيل: هي نفَخاتٌ ثلاثةٌ: نفخةُ الفزَعِ، ونفخةُ الصَّعقِ، ثمَّ نفخةُ البعثِ، والإشارةُ بآياتنا هذه إلى نفخةِ الفزَعِ؛ لأنَّ حمْلَ الجبالِ هو بَعْدَها). ((تفسير ابن عطية)) (5/358). وقال النَّسَفي: (هي النَّفخةُ الأولى، ويموتُ عندَها النَّاسُ). ((تفسير النسفي)) (3/530). ويُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (1/579). وقيل: هي النَّفْخةُ الآخِرةُ نفخةُ البعثِ والنُّشورِ والقيامِ لرَبِّ العالَمينَ؛ للفصلِ بيْن الخلائقِ. وممَّن ذهب إلى هذا في الجملةِ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ أبي زَمَنِين، والطُّوفي، وابن كثير، وجلال الدين المحلي، والسعدي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/422)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (5/28)، ((الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية)) للطوفي (ص: 654)، ((تفسير ابن كثير)) (8/211)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 762)، ((تفسير السعدي)) (ص: 883). قال أبو حيَّان: (وعلى هذا لا يكونُ الدَّكُّ بعدَ النَّفخِ، والواوُ لا ترتِّبُ). ((تفسير أبي حيان)) (10/257). لكنْ قال الألوسي بعدَ أنْ ذكَر أنَّ القولَ الأوَّلَ هو المناسِبُ لمَا بَعْدُ: (وإن كانت الواوُ لا تدُلُّ على التَّرتيبِ، لكنْ مُخالَفةُ الظَّاهرِ مِن غيرِ داعٍ ممَّا لا حاجةَ إليه). ((تفسير الألوسي)) (15/49). وقال الطوفي: (هذه نفخةُ البعثِ في وقتِها الخاصِّ، بدليلِ تنزيلِ الملائكةِ، وظُهورِ عرشِ الرَّحمنِ جلَّ جلالُه). ((الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية)) (ص: 654). وقال الرَّسْعَني: (قال ابنُ السَّائبِ ومقاتلٌ: هي النَّفخةُ الثَّانيةُ؛ لقولِه تعالى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ [الحاقة: 18] عَقِيبَ ذِكرِ النَّفخةِ. ويُجابُ عن هذا بأن يقالَ: المرادُ بقولِه: يَوْمَئِذٍ الحينُ الواسعُ الَّذي يقعُ فيه [النَّفختانِ] والنُّشورُ والحسابُ، كما تقولُ: رأيتُه في عامِ كذا، أو في يومِ كذا، وإنَّما كانت رؤيتُك إيَّاه في جزءٍ منه). ((تفسير الرسعني)) (8/256). ويُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/422). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الزمخشري)) (4/601)، ((تفسير الرازي)) (30/625). وقد اختلَف العلماءُ في عددِ النَّفخِ في الصُّورِ. .
عن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ما الصُّورُ؟ قال: قَرنٌ يُنفَخُ فيه)) [121] أخرجه أبو داودَ (4742)، وأحمدُ (6507) باختلافٍ يسيرٍ، والترمذيُّ (2430)، والنسائيُّ (11456) واللَّفظُ لهما. حسَّنه الترمذيُّ، وصحَّح إسنادَه الحاكمُ في ((المستدرك)) (2/550)، وذكر ثبوتَه ابنُ كثير في ((تفسير القرآن)) (5/308)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2430). .
وعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كيف أنعَمُ وقد التَقَم صاحِبُ القَرنِ القَرْنَ، وحنَى جَبهتَه، وأصغى سَمْعَه، ينتَظِرُ أن يُؤمَرَ أن يَنفُخَ، فيَنفُخُ. قال المسلِمونَ: فكيف نقولُ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: قولوا: حَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، توكَّلْنا على اللهِ رَبِّنا)) [122] أخرجه الترمذيُّ (3243) واللَّفظُ له، وأحمدُ (11039). حسَّنه الترمذيُّ، وصحَّح الحديثَ الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (3243). .
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14).
أي: وإذا رُفِعَت الأرضُ والجِبالُ وأُزيلَتا مِن أماكنِهما، فدُقَّتا دَقَّةً واحِدةً شَديدةً حتَّى تفتَّتتا وكُسِرتا [123] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/224)، ((تفسير القرطبي)) (18/264)، ((تفسير العليمي)) (7/144)، ((تفسير السعدي)) (ص: 883)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/125). قال أبو حيَّان: (المرادُ جملةُ الأرضِ وجُملةُ الجِبالِ، أي: ضُرِبَ بَعضُها ببعضٍ حتَّى تفتَّتَت). ((تفسير أبي حيان)) (10/258). وقال البِقاعي: (فَدُكَّتَا أي: مُسِحَت الجُمْلَتانِ؛ الأرضُ وأوتادُها، وبُسِطَتا ودُقَّ بَعضُها ببعضٍ دَكَّةً وَاحِدَةً أي: فصارَتا كَثِيبًا مَهِيلًا، وسُوِّيَتا بأيسَرِ أمرٍ، فلم يُمَيَّزْ شَيءٌ منهما مِن الآخَرِ، بل صارَا في غايةِ الاستواءِ، مِن قولِهم: ناقةٌ دكَّاءُ، أي: لا سَنامَ لها، وأرضٌ دكَّاءُ، أي: مُتَّسِعةٌ مُستويةٌ). ((نظم الدرر)) (20/353). قال السمعاني: (فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً أي: زُلْزِلَتا زَلْزَلةً واحدةً. وَيُقَال: فُتَّتَا فتةً واحدةً. وقيل: ضُرِب أحَدُهما بالآخَرِ فانهَدَمَتا وهلَكَتا). ((تفسير السمعاني)) (6/37). وقال ابنُ كثير بِناءً على تفسيرِه للنَّفخةِ بأنَّها نفخةُ البعثِ والنُّشورِ: (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً، أي: فمُدَّتْ مَدَّ الأديمِ العُكاظي [نسبة الى عُكاظ]، وتَبَدَّلت الأرضُ غيرَ الأرضِ). ((تفسير ابن كثير)) (8/211). وقيل: بُسِطَتا بسطةً واحدةً، فصارَتَا أرضًا لا تَرى فيها عِوَجًا ولا أَمْتًا، مِن قولِك: اندَكَّ السَّنامُ، إذا انفَرَش. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/601). .
كما قال تعالى: كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا [الفجر: 21].
وقال الله سُبحانَه وتعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا [المزمل: 14] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا [طه: 105 - 107] .
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15).
أي: فيومَ يُنفَخُ في الصُّورِ، وتُدَكُّ الأرضُ والجِبالُ، تَقَعُ السَّاعةُ، وتقومُ القيامةُ حينَئذٍ [124] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/224)، ((تفسير ابن كثير)) (8/211)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/354)، ((تفسير الألوسي)) (15/50). .
وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى تأثيرَ النَّفخةِ في العالَمِ السُّفليِّ؛ ذكَر العلويَّ، فقال [125] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/354). :
وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16).
أي: وتتصَدَّعُ السَّماءُ وتَنشَقُّ، فتكونُ يومَ القيامةِ مُتشَقِّقةً ضَعيفةً خَفيفةً لا تتماسَكُ [126] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/224)، ((تفسير القرطبي)) (18/265)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/354)، ((تفسير السعدي)) (ص: 883). ممَّن اختار أنَّ وَاهِيَةٌ أي: ضعيفةٌ: الزَّجَّاجُ، وابنُ أبي زَمَنِين، والثعلبيُّ، والسمعاني، والبغوي، والرَّسْعَني، والقرطبي، وجلال الدين المحلي، والعُلَيمي، والألوسي، وابن عثيمين. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/216)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (5/28)، ((تفسير الثعلبي)) (10/28)، ((تفسير السمعاني)) (6/37)، ((تفسير البغوي)) (5/145)، ((تفسير الرسعني)) (8/257)، ((تفسير القرطبي)) (18/265)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 762)، ((تفسير العليمي)) (7/144)، ((تفسير الألوسي)) (15/51)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 94). ممَّن اختار أنَّ وَاهِيَةٌ أي: مُتشَقِّقةٌ مُتصَدِّعةٌ: الفرَّاءُ، وابنُ جرير، ومكِّي. يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/181)، ((تفسير ابن جرير)) (23/224)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/ 7673). وقال السمرقندي: (ضعيفةٌ مُنشَقَّةٌ متمَزِّقةٌ). ((تفسير السمرقندي)) (3/490). وقال ابن عبَّاس: متمزِّقةٌ ضعيفةٌ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/225). وقيل: المعنى: ضعيفةٌ، ساقطةُ القوَّةِ، مسترخيةٌ. وممَّن اختاره: الزمخشريُّ، والرازي، والبيضاوي، والنَّسَفي، وأبو السعود، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/601)، ((تفسير الرازي)) (30/625)، ((تفسير البيضاوي)) (5/240)، ((تفسير النسفي)) (3/530)، ((تفسير أبي السعود)) (9/24)، ((تفسير الشوكاني)) (5/337). وقال البِقاعي: (وَاهِيَةٌ أي: ضعيفةٌ مُتساقِطةٌ، خفيفةٌ لا تَتماسَكُ). ((نظم الدرر)) (20/354). .
كما قال تعالى: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [الرحمن: 37].
وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17).
وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا.
أي: ويكونُ الملائِكةُ على أطرافِ السَّماءِ وحافَاتِها حينَ تَنشَقُّ، خاضِعينَ للهِ، مُستَكينينَ لعَظَمتِه [127] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/225)، ((تفسير البغوي)) (5/145)، ((تفسير ابن عطية)) (5/359)، ((تفسير القرطبي)) (18/265)، ((تفسير ابن كثير)) (8/212)، ((تفسير السعدي)) (ص: 883)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/127). قال الواحدي: (قولُه تعالى: وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا معنى الأرجاءِ في اللُّغةِ: النَّواحي... والمفسِّرون يَقولون: على حَافَاتِها وأطرافِها ونَواحيها وأقطارِها. كلُّ هذا مِن ألفاظِهم). ((البسيط)) (22/156). وقال ابن عطية: (قال جمهورُ المفسِّرينَ: الضَّميرُ في أَرْجَائِهَا عائدٌ على السَّماءِ، أي: الملائكةُ على نَواحيها وما لم يَهِ منها ... وقال الضَّحَّاكُ أيضًا وابنُ جُبَيرٍ: الضَّميرُ في أَرْجَائِهَا عائدٌ على الأرضِ وإن كان لم يتقدَّمْ لها ذِكرٌ قريبٌ؛ لأنَّ القصَّةَ واللَّفظَ يَقتضي إفهامَ ذلك).((تفسير ابن عطية)) (5/359). .
كما قال تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا [الفرقان: 25] .
وقال سُبحانَه: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] .
وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ.
أي: ويَحمِلُ عَرْشَ رَبِّك فَوقَ رُؤوسِهم يومَ القيامةِ ثمانيةٌ مِنَ الملائِكةِ [128] يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (5/216)، ((الوسيط)) للواحدي (4/345)، ((تفسير ابن كثير)) (8/212)، ((تفسير السعدي)) (ص: 883). قال ابنُ عاشور: (المرادُ بالثَّمانيةِ الَّذين يحمِلونَ العَرشَ: ثمانيةٌ مِن الملائِكةِ؛ فقيل: ثمانيةُ شُخوصٍ. وقيل: ثمانيةُ صُفوفٍ... وهذا مِن أحوالِ الغَيبِ الَّتي لا يتعَلَّقُ الغَرَضُ بتَفصيلِها). ((تفسير ابن عاشور)) (29/127). .
كما قال تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا [غافر: 7] .
وعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُذِنَ لي أن أُحدِّثَ عن ملَكٍ مِن ملائكةِ اللهِ مِن حَمَلةِ العَرشِ، إنَّ ما بيْنَ شَحْمةِ أذُنِه إلى عاتِقِه مَسيرةَ سبعِمِئةِ عامٍ!)) [129] أخرجه أبو داودَ (4727) واللَّفظُ له، والطَّبَرانيُّ في ((المعجم الأوسط)) (4421) بلفظ: ((سبعين))، والبيهقيُّ في ((الأسماء والصفات)) (846). صحَّح إسنادَه الذَّهبيُّ في ((العلو)) (ص: 97)، وجوَّد إسنادَه ابنُ كثير في ((تفسير القرآن)) (8/239)، وقال ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (8/533): (إسنادُه على شرطِ الصَّحيحِ)، وصحَّح الحديثَ الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (4727). .
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18).
أي: يَومَ القيامةِ الَّذي تقَعُ فيه جميعُ تلك الأمورِ تُعرَضُونَ -أيُّها النَّاسُ- على اللهِ تعالى؛ لِمُحاسَبتِكم دونَ أن يَخفى عليه أيُّ شَيءٍ مِنكم [130] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/230، 231)، ((تفسير القرطبي)) (18/267، 268)، ((تفسير ابن جزي)) (2/406)، ((تفسير ابن كثير)) (8/212، 213)، ((تفسير السعدي)) (ص: 883). قال السعدي: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ على الله لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ لا مِن أجسامِكم وأجسادِكم، ولا مِن أعمالِكم وصِفاتِكم؛ فإنَّ اللهَ تعالى عالِمُ الغَيبِ والشَّهادةِ، ويَحشُرُ العِبادَ حُفاةً عُراةً غُرْلًا، في أرضٍ مستويةٍ، يُسْمِعُهم الدَّاعي، ويَنْفُذُهم البصرُ، فحينَئذٍ يُجازيهم بما عَمِلوا). ((تفسير السعدي)) (ص: 883). !
كما قال تعالى: وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الكهف: 47، 48].

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً سؤالٌ: أنَّه ليس في القرآنِ لفظةٌ زائدةٌ لا تُفِيدُ معنًى، ولا كلمةٌ قد فُهِمَ معناها ممَّا قَبْلَها فأُعِيدتْ لا لمعنًى، أو لمجرَّدِ التَّأكيدِ المَحْضِ دونَ فائدةٍ جديدةٍ! فما وجْهُ ذِكْرِ النَّفخةِ الواحدةِ والدَّكَّةِ الواحدةِ؟
الجوابُ: أنَّ ذلك ليس على وجهِ التَّأكيدِ المُجَرَّدِ، بلِ المرادُ: التَّقييدُ بالمَرَّةِ الواحدةِ، ولَمَّا كانتِ النَّفخةُ قد يُرادُ بها الواحدةُ مِن الجنسِ، وقد يُرادُ بها مُطْلَقَة -كما في البقلةِ، وحَبَّةِ الحِنطةِ، واللَّعْنةِ، والهِمَّةِ، ونحوِها- وكان المرادُ التَّقييدَ بالمَرَّةِ الواحدةِ مِن هذا الجنسِ؛ أتَى بالواحدةِ لِيَدُلَّ على هذا المعنى، أي: أنَّ النَّفخَ لم يكنْ نفختَينِ، ولم يَكُ دَكُّ الأرضِ والجبالِ بعْدَ حمْلِهما دكَّتَينِ، بل واحِدةً فقط؛ فِعْلَ المُقْتَدِرِ على الشَّيءِ المتمكِّنِ منه، ونظيرُه قولُه تعالى: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [يس: 53] ، ونظيرُه قولُه تعالى: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ [يس: 29] أي: لم يُتابِعْ عليهمُ الصَّيحةَ، بل أهلكَهم مِن صَيحةٍ واحِدةٍ [131] يُنظر: ((جامع المسائل)) لابن تيمية (8/343). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا فيه سُؤالٌ: الملائِكةُ يموتونَ في الصَّعقةِ الأُولى؛ لقَولِه تعالى: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [الزمر: 68] -وذلك على القول بأنَّ المرادَ بالنَّفخةِ: الأولى-، فكيف يُقالُ: إنَّهم يَقِفونَ على أرجاءِ السَّماءِ؟
الجوابُ مِن وَجهَينِ:
الوَجهُ الأوَّلُ: أنَّهم يَقِفونَ لحظةً على أرجاءِ السَّماءِ، ثمَّ يموتونَ.
الوَجهُ الثَّاني: أنَّ المرادَ الَّذين استثناهم اللهُ في قَولِه تعالى: إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [132] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/625). [الزمر: 68] .
3- في قَولِه تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ رَدٌّ على مَن يَزْعُمُ -مِن المعتزلةِ- أنَّ العَرشَ مُلْكُه، فكيف يكونُ مُلْكُه محمولًا؟! أَمْ كيف يكونُ الملائكةُ خارجينَ مِن المُلْكِ؟! فقد بان بغيرِ إشكالٍ أنَّه السَّريرُ [133] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/394). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالَى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ
- هو شُروعٌ في بَيانِ نفْسِ الحاقَّةِ، وكَيفيَّةِ وُقوعِها، إثرَ بَيانِ عِظَمِ شأْنِها بإهلاكِ مُكذِّبيها [134] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/23)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/194). .
- والفاءُ في فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ لتَفريعِ ما بعْدَها على التَّهويلِ الَّذي صُدِّرت به السُّورةُ مِن قولِه: الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: 1- 3] ، فعُلِمَ أنَّه تَهويلٌ لأمْرِ العذابِ الَّذي هُدِّد به المشركون مِن أمثالِ ما نال أمْثالَهم في الدُّنيا ومِن عَذابِ الآخرةِ الَّذي يَنتظِرُهم، فلمَّا أتمَّ تَهديدَهم بعَذابِ الدُّنيا؛ فرَّعَ عليه إنْذارَهم بعَذابِ الآخرةِ الَّذي يحُلُّ عندَ القارعةِ الَّتي كذَّبوا بها كما كذَّبت بها ثَمودُ وعادٌ، فحَصَل مِن هذا بَيانٌ للقارعةِ بأنَّها ساعةُ البعثِ، وهي الواقعةُ [135] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/124). . وهذا على القولِ بأنَّ المرادَ بالنَّفخةِ نفخةُ البعثِ والنُّشورِ.
- وإنَّما حسُنَ إسنادُ الفِعلِ نُفِخَ إلى المصدرِ نَفْخَةٌ؛ لتَقيُّدِه بالوحدةِ والمرَّةِ لا نفخًا مجرَّدًا مبهَمًا، وحسُنَ تَذكيرُه؛ للفصْلِ؛ ولأنَّ تأنيثَ النَّفخِ غيرُ حقيقيٍّ [136] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/601)، ((تفسير البيضاوي)) (5/240)، ((تفسير الخلوتي)) (10/137)، ((تفسير الألوسي)) (15/50). .
- قولُه: نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وصْفُ النَّفخةِ بواحدةٍ تأكيدٌ لإفادةِ الوَحدةِ مِن صِيغةِ الفَعلةِ؛ تَنْصيصًا على الوَحدةِ المفادةِ مِن التَّاءِ، والتَّنصيصُ على هذا للتَّنبيهِ على التَّعجيبِ مِن تأثُّرِ جَميعِ الأجسادِ البشريَّةِ بنَفخةٍ واحدةٍ دَونَ تَكريرٍ؛ تَعجيبًا من عَظيمِ قُدرةِ الله ونُفوذِ أمْرِه؛ لأنَّ سِياقَ الكلامِ مِن مَبدأِ السُّورةِ تَهويلُ يَومِ القيامةِ، فتَعدادُ أهوالِه مَقصودٌ، ومِن أجْلِ القصدِ إليه هنا لم يُذكَرْ وصْفُ واحدٍ في قولِه تعالَى: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ في سُورةِ (الرُّومِ) [الآية: 25]، فحصَلَ مِن ذِكرِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ تأْكيدُ معْنى النَّفخِ، وتأْكيدُ معْنى الوَحدةِ، فليس المرادُ بوَصْفِها بواحدةٍ أنَّها غيرُ مُتْبَعةٍ بثانيةٍ؛ فقد جاء في آياتٍ أُخرى أنَّهما نَفختانِ، بل المرادُ أنَّها غيرُ مُحتاجٍ حُصولُ المرادِ منها إلى تَكرُّرِها؛ كِنايةً عن سُرعةِ وُقوعِ الواقعةِ، أي: يومِ الواقعةِ. وأمَّا ذِكرُ كَلمةِ نَفْخَةٌ فلِيَتأتَّى إجراءُ وصْفِ الوَحدةِ عليها، فذِكرُ نَفْخَةٌ تَبَعٌ غيرُ مَسوقٍ له الكلامُ، فتَكونُ هذه النَّفخةُ هي الأُولى -على قولٍ في التَّفسيرِ-، وهي المؤْذِنةُ بانقراضِ الدُّنيا، ثمَّ تقَعُ النَّفخةُ الثَّانيةُ الَّتي تكونُ عندَ بَعثِ الأمواتِ [137] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/614)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/125). .
- وقد أكَّد النَّفخةَ بأنَّها وَاحِدَةٌ؛ لأنَّ أمرَ الله لا يُخالَفُ ولا يُمانَعُ، ولا يحتاجُ إلى تَكرارٍ وتأكيدٍ [138] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/211). .
2- قولُه تعالَى: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً
- بُنِيَت أفعالُ نُفِخَ، وَحُمِلَتِ، وفَدُكَّتَا للمجهولِ؛ لأنَّ الغرَضَ مُتعلِّقٌ ببَيانِ المفعولِ لا الفاعلِ، أو للعِلمِ بالفاعلِ [139] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/125)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/195، 196). .
3- قولُه تعالَى: فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ
- قولُه: فَيَوْمَئِذٍ تأْكيدٌ لمعْنى فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ ... إلخ؛ لأنَّ تَنوينَ (يومَئذٍ) عِوَضٌ عن جُملةٍ تدُلُّ عليها جُملةُ نُفِخَ فِي الصُّورِ إلى قولِه: دَكَّةً وَاحِدَةً، أي: فيومَ إذ نُفِخَ في الصُّورِ... إلى آخِرِه، وَقَعَت الواقعةُ، وهو تأْكيدٌ لَفظيٌّ بمُرادِفِ المؤكَّدِ؛ فإنَّ المُرادَ بـ (يوم) مِن قولِه: فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ مُطلَقُ الزَّمانِ، كما هو الغالبُ في وُقوعِه مُضافًا إلى (إذا) [140] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/126). .
- قولُه: وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ، أي: تَحقَّقَ ما كان مُتوقَّعًا وُقوعُه؛ لأنَّهم كانوا يُتوعَّدون بواقعةٍ عَظيمةٍ، فيومَئذٍ يَتحقَّقُ ما كانوا يُتوعَّدون به، فعُبِّرَ عنه بفِعلِ المُضيِّ؛ تَنبيهًا على تَحقيقِ حُصولِه، والمعْنى: فحينَئذٍ تقَعُ الواقعةُ [141] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/126). .
- والواقعةُ: مُرادِفةٌ للحاقَّةِ والقارعةِ، فذِكرُها إظهارٌ في مَقامِ الإضمارِ؛ لزِيادةِ التَّهويلِ، وإفادةِ ما تَحْتوي عليه مِن الأحوالِ الَّتي تُنبِئُ عنها مَواردُ اشتِقاقِ أوصافِ الحاقَّةِ والقارعةِ والواقعةِ [142] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/126). .
4- قولُه تعالَى: وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ يَجوزُ أنْ يكونَ مَعطوفًا على جُملةِ نُفِخَ فِي الصُّورِ، فيكونَ مُلحَقًا بشرْطِ (إذا)، وتأْخيرُ عطْفِه مِن أجْلِ ما اتَّصَلَ بهذا الانشقاقِ مِن وصْفِ الملائكةِ المحيطينَ بها، ومِن ذِكرِ العرشِ الَّذي يُحيطُ بالسَّمواتِ، وذِكرِ حَمَلتِه [143] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/126). .
- وتَقييدُ الوَهْيِ بـ يَوْمَئِذٍ يُفيدُ أنَّ الوَهْيَ طرَأَ عليها بعْدَ أنْ كانتْ صُلْبةً بتَماسُكِ أجْزائِها، أي: فهي يومَئذٍ مَطروقةٌ مَسلوكةٌ [144] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/127). .
5- قولُه تعالَى: وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ المَلَكُ: أصْلُه الواحدُ مِن الملائكةِ، وتَعريفُه هنا تَعريفُ الجِنسِ، وهو في معْنى الجمْعِ، أي: جِنسُ المَلَكِ، أي: جَماعةٌ مِن الملائكةِ، أو جميعُ الملائكةِ إذا أُرِيدَ الاستِغراقُ، والمَلَكُ أعمُّ مِن الملائكةِ، ألَا تَرى أنَّ قولَك: ما مِن مَلَكٍ إلَّا وهو شاهدٌ، أعمُّ مِن قولِك: ما مِن ملائكةٍ، واستِغراقُ المفردِ أصرَحُ في الدَّلالةِ على الشُّمولِ [145] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/601)، ((تفسير البيضاوي)) (5/240)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/127). . أو إنَّما جِيءَ به مُفرَدًا؛ لأنَّه أخفُّ [146] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/259). .
- ويَتعلَّقُ فَوْقَهُمْ بقولِه: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ، وهو تأْكيدٌ لِما دلَّ عليه (يَحْمِلُ) مِن كونِ العرْشِ عاليًا [147] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/128). .
- قولُه: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ كأنَّ الدَّاعيَ إلى ذِكرِ الحَمَلةِ إجْمالًا هو الانتِقالُ إلى الإخبارِ عن عرْشِ اللهِ؛ لئلَّا يكونَ ذِكرُه اقتِضابًا بعْدَ ذِكرِ الملائكةِ [148] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/128). .
- إضافةُ عرْشٍ إلى اللهِ تعالَى في قولِه: عَرْشَ رَبِّكَ إضافةُ تَشريفٍ [149] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/128). .
6- قولُه تعالَى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ
- جُملةُ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ مُستأنَفةٌ، أو هي بَيانٌ لجُملةِ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ، أو بدَلُ اشتِمالٍ منها [150] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/129). .
- والعرْضُ: إمرارُ الأشياءِ على مَن يُريدُ التَّأمُّلَ منها، مِثلُ عرْضِ السِّلعةِ على المشتري، وعرْضِ الجَيشِ على أميرِه، وأُطلِقَ هنا كِنايةً عن لازِمِه، وهو المحاسَبةُ، مع جَوازِ إرادةِ المعْنى الصَّريحِ [151] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/128). .
- وتأْنيثُ خَافِيَةٌ؛ لأنَّه وصْفٌ لموصوفٍ مُؤنَّثٍ يُقدَّرُ بالفَعلةِ مِن أفعالِ العِبادِ، أو يُقدَّرُ بنفْسٍ، أي: لا تَختبِئُ مِن الحسابِ نفْسٌ، أي: أحدٌ، ولا يَلتبِسُ كافرٌ بمؤمنٍ، ولا بارٌّ بفاجرٍ [152] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/129). .
- وتَكريرُ لَفظِ يَوْمَئِذٍ لتَهويلِ ذلك اليومِ الَّذي مَبْدؤُه النَّفخُ في الصُّورِ، ثمَّ يَعقُبُه ما بعْدَه ممَّا ذُكِر في الجُمَلِ بعْدَه، فقدْ جَرى ذِكرُ ذلك اليومِ خمْسَ مرَّاتٍ؛ لأنَّ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ تَكريرٌ لـ (إذا) مِن قولِه: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ؛ إذ تَقديرُ المضافِ إليه في يَوْمَئِذٍ هو مَدلولُ جُملةِ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ، فقدْ ذُكِرَ زَمانُ النَّفخِ أوَّلًا، وتَكرَّرَ ذِكرُه بعْدَ ذلك أربعَ مرَّاتٍ [153] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/129). .