موسوعة التفسير

سورةُ ص
الآيات (49-54)

ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ

غريب الكلمات:

عَدْنٍ: أي: إِقامَةٍ وخُلدٍ، واسِتقرارٍ وثباتٍ، يُقالُ: عَدَن بالمكانِ، يَعْدِنُ عَدْنًا، إذا لَزِمه، ولم يَبْرَحْ منه، وأصلُ (عدن): يدُلُّ على الإقامةِ [681] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 334)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/248)، ((المفردات)) للراغب (ص: 553)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 142)، ((النهاية)) لابن الأثير (3/192)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 227). .
قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ: أي: حابِساتُ الأبصارِ على أزواجِهنَّ، وأصلُ (قصر): يدُلُّ على الحَبسِ [682] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 371)، ((تفسير ابن جرير)) (19/538)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 378)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/97)، ((تفسير القرطبي)) (15/80)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 352). .
أَتْرَابٌ: أي: مُتساوِياتٌ في السِّنِّ، وأصلُ (ترب): يدُلُّ على تَساوي شَيئَينِ [683] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 381)، ((تفسير ابن جرير)) (20/123)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 76)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/346)، ((تفسير القرطبي)) (15/219)، ((تفسير ابن كثير)) (7/78). .
نَفَادٍ: أي: فَناءٍ وانقِطاعٍ، وأصلُ (نفد): يدُلُّ على انقِطاعِ شَيءٍ وفَنائِه [684] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/125)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/458)، ((المفردات)) للراغب (ص: 817). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى مبيِّنًا عاقبةَ المتَّقينَ وما لَهم مِن النَّعيمِ في الآخرةِ: هذا الَّذي تقَدَّمَ مِن ذِكرِ هؤلاء الأنبياءِ ذِكرٌ جَميلٌ في الدُّنيا، وشَرَفٌ يُذْكَرونَ به أبدًا، وإنَّ لِلمُتَّقينَ لَحُسْنَ مَرجِعٍ يَصيرونَ إليه في الآخِرةِ، وهو جَنَّاتُ إقامةٍ دائِمةٍ، يَبقَونَ فيها أبدًا، مَفتوحةً لهم أبوابُها، مُتَّكِئينَ في تلك الجنَّاتِ، يَطلُبونَ فيها فواكِهَ كثيرةً وشَرابًا.
 وعندَ هؤلاء المتَّقينَ نِساءٌ قاصِراتٌ أطرافَهنَّ على أزواجِهنِّ، فلا يَتطَلَّعْنَ إلى غَيرِهم؛ لشِدَّةِ مَحبَّتِهنَّ لهم، مُتساوياتُ الأعمارِ.
هذا ما نَعِدُكم به -أيُّها المُؤمِنونَ- لِيَومِ الحِسابِ؛ جزاءً على أعمالِكم الصَّالحةِ.
ثُمَّ يخبِرُ اللهُ تعالى عن دوامِ هذا النَّعيمِ، فيقولُ: إنَّ هذا الَّذي ذكَرْناه لكم مِن الجَزاءِ لَرِزْقُنا، ليس له زَوالٌ ولا انقِطاعٌ!

تفسير الآيات:

هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49).
مناسبة الآية لما قبلها:
أنَّه لَمَّا أمَرَ اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم بالصَّبرِ على سَفاهةِ قَومِه، وذَكَر جُملةً مِنَ الأنبياءِ وأحوالِهم؛ ذَكَر ما يَؤولُ إليه حالُ المُؤمنينَ والكافِرينَ مِنَ الجَزاءِ، ومَقَرَّ كُلِّ واحِدٍ مِنَ الفَريقَينِ [685] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/166). ، وذلك يوجِبُ الصَّبرَ على تكاليفِ اللهِ تعالى [686] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/401). .
هَذَا ذِكْرٌ.
أي: هذا الَّذي يُتْلَى عليكم ممَّا تقدَّم مِن أوصافِ الأنبياءِ شرَفٌ وثَناءٌ جميلٌ يُذْكَرون به أبدًا، وكيف لا يكونُ شرَفًا والمُثْني عليهم ربُّ العالَمينَ [687] يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/562)، ((تفسير الرسعني)) (6/506)، ((تفسير العليمي)) (6/38)، ((تفسير الشوكاني)) (4/502). قولُه: هَذَا إشارةٌ إلى ما تقدَّم في هذه السُّورةِ مِن ذِكرِ الأنبياءِ. وقيل: الإشارةُ إلى القرآنِ بجملتِه. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/211)، ((تفسير الشوكاني)) (4/502). وقال ابنُ عطية: (هَذَا ذِكْرٌ يحتمِلُ معنيَينِ؛ أحدُهما: أن يُشيرَ إلى مدحِ مَن ذُكِرَ، وإبقاءِ الشَّرَفِ له...، والثَّاني: أن يُشيرَ بهذا إلى القُرآنِ؛ إذ هو ذِكرٌ للعالَمِ). ((تفسير ابن عطية)) (4/510). ممَّن اختار القولَ الأوَّلَ؛ أنَّ الذِّكرَ بمعنى الشَّرفِ والثَّناءِ الجميلِ: الزَّجَّاجُ، والواحديُّ، وابنُ الجوزي، والرسعني، والقرطبي، والعليمي، وأبو السعود، والشوكاني، والقاسمي. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/337)، ((الوسيط)) للواحدي (3/562)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/579)، ((تفسير الرسعني)) (6/506)، ((تفسير القرطبي)) (15/219)، ((تفسير العليمي)) (6/38)، ((تفسير أبي السعود)) (7/231)، ((تفسير الشوكاني)) (4/502)، ((تفسير القاسمي)) (8/267). قال الألوسي: (وشاع الذِّكرُ بهذا المعنى [أي: الشَّرَفِ]؛ لأنَّ الشَّرَفَ يَلزَمُه الشُّهرةُ والذِّكرُ بيْن النَّاسِ، فتُجُوِّزَ به عنه بعَلاقةِ اللُّزومِ، والمرادُ: في ذِكرِ قَصَصِهم وتنويهِ اللهِ تعالى بهم شَرَفٌ عَظيمٌ لهم). ((تفسير الألوسي)) (12/203). ويُنظر: ((حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي)) (7/315). وممَّن اختار أنَّ الذِّكرَ هنا بمعنى التَّذكيرِ: ابنُ جرير، ومكِّي، وابنُ كثير، ورجَّحه ابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/120)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (10/6270)، ((تفسير ابن كثير)) (7/77)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 204). قال ابنُ كثير: (وقَولُه: هَذَا ذِكْرٌ أي: هذا فَصلٌ فيه ذِكرٌ لِمَن يَتذَكَّرُ). ((تفسير ابن كثير)) (7/77). وقال البِقاعي: (هَذَا أي: ما تَلَوْناه عليك مِن أمورِهم وأمورِ غَيرِهم ذِكْرٌ أي: شَرَفٌ في الدُّنيا، ومَوعِظةٌ مِن ذِكرِ القُرآنِ ذي الذِّكرِ). ((نظم الدرر)) (16/400). وقيل: المعنى: هذا المذكورُ مِن الآياتِ نوعٌ مِن الذِّكرِ الَّذي هو القرآنُ، وذَكَرَ ذلك للانتقالِ مِن نوعٍ مِن الكلامِ إلى آخَرَ. وممَّن اختار هذا المعنى في الجملةِ: الزمخشريُّ، والرازيُّ، وابنُ جُزَي، وأبو حيَّان. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/100)، ((تفسير الرازي)) (26/401)، ((تفسير ابن جزي)) (2/211)، ((تفسير أبي حيان)) (9/166). قال الرَّازيُّ في بيانِ هذا الوَجهِ: إنَّ الله تعالى (إنَّما شرَحَ ذِكرَ أحوالِ هؤلاء الأنبياءِ عليهم السَّلامُ؛ لأجْلِ أن يَصبِرَ مُحمَّدٌ عليه السَّلامُ على تحمُّلِ سَفاهةِ قَومِه، فلمَّا تمَّم بيانَ هذا الطَّريقِ، وأراد أن يَذكُرَ عَقيبَه طَريقًا آخَرَ يُوجِبُ الصَّبرَ على سَفاهِة الجُهَّالِ، وأراد أن يُمَيِّزَ أحَدَ البابَينِ عن الآخَرِ: لا جَرَمَ قال: هَذَا ذِكْرٌ، ثمَّ شَرَع في تقريرِ البابِ الثَّاني، فقال: وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ، كما أنَّ المصَنِّفَ إذا تمَّم كلامًا قال: هذا بابٌ، ثمَّ شَرَع في بابٍ آخَرَ، وإذا فَرَغ الكاتِبُ مِن فَصلٍ مِن كِتابِه وأراد الشُّروعَ في آخَرَ، قال: هذا وقد كان كَيْتَ وكَيْتَ، والدَّليلُ عليه أنَّه لَمَّا أتَمَّ ذِكرَ أهلِ الجنَّةِ وأراد أن يُردِفَه بذِكرِ أهلِ النَّارِ قال: هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ [ص: 55]). ((تفسير الرازي)) (26/401). ؟!
وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ.
مناسبتها لما قبلها:
هذا شُروعٌ في بَيانِ أجْرِهمُ الجَزيلِ في الآجِلِ بَعدَ بَيانِ ذِكرِهمُ الجَميلِ في العاجِلِ [688] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/231). .
وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ.
أي: وإنَّ للَّذينَ يَتَّقونَ سَخَطَ اللهِ وعَذابَه، بامتِثالِ أوامِرِه، واجتِنابِ نواهيه: لَحُسْنَ مَرجِعٍ يَصيرونَ إليه في الآخِرةِ [689] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/121)، ((تفسير القرطبي)) (15/219)، ((تفسير ابن كثير)) (7/77)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/401)، ((تفسير السعدي)) (ص: 715). .
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50).
جَنَّاتِ عَدْنٍ.
أي: لهم حُسنُ مآبٍ، وهو جَنَّاتُ إقامةٍ دائِمةٍ، يَبقَونَ فيها أبدًا، فلا يُخرَجونَ مِنها، ولا يُريدونَ التَّحَوُّلَ عنها [690] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/121)، ((تفسير القرطبي)) (15/219)، ((تفسير ابن كثير)) (7/77)، ((تفسير السعدي)) (ص: 715). .
مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ.
أي: مُفتَّحةً لهم أبوابُها [691] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/121)، ((تفسير القرطبي)) (15/219)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/550). قال الشوكاني: (قال الحسَنُ: إِنَّ الأبوابَ يُقالُ لها: انْفَتِحي فتَنفتِحُ، انْغَلِقي فتَنغَلِقُ. وقيلَ: تَفتحُ لهم الملائكةُ الأبوابَ). ((تفسير الشوكاني)) (4/503). وقال ابنُ جريرٍ: (فإنْ قال لنا قائلٌ: وما في قولِه: مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ مِن فائدةِ خبرٍ حتَّى ذُكِر ذلك؟ قيل: فإنَّ الفائدةَ في ذلك إخبارُ الله تعالى عنها أنَّ أبوابَها تُفتَحُ لهم بغيرِ فتحِ سُكَّانِها إيَّاها بمعاناةٍ بيدٍ ولا جارحةٍ، ولكن بالأمرِ فيما ذُكِر). ((تفسير ابن جرير)) (20/122). وقال البِقاعي: (لَهُمُ أي: لا لِغَيرِهم الْأَبْوَابُ الَّتي لها والَّتي فيها، فلا يَلحَقُهم في دُخولِها ذُلُّ الحجابِ، ولا كُلْفةُ الاستِئذانِ، تَستَقبِلُهم الملائِكةُ بالتَّبجيلِ والإكرامِ). ((نظم الدرر)) (16/401، 402). ويحتمِلُ قَولُه: مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ أبوابَ الجنَّةِ، يقالُ له: ادخُلْ أيَّ بابٍ مِن أبوابِها شِئْتَ، على ما يَقولُه بَعضُ النَّاسِ. وجائِزٌ أن يكونَ أبوابُ كُلِّ أحَدٍ مِنهم في الجنَّةِ تكونُ مُفتَّحةً؛ لأنَّ إغلاقَ الأبوابِ إنَّما يكونُ في الدُّنيا: إمَّا لخَوفِ السَّرِقةِ، أو نظَرِ النَّاسِ إلى أهلِه وحَرَمِه، وخَوفِ نَظَرِ أهلِه إلى النَّاسِ؛ لهذا المعنى تُتَّخَذُ الأبوابُ في الدُّنيا والغَلَقُ والإغلاقُ دُونَهم، وليس ذلك المعنى في الجنَّةِ. يُنظر: ((تفسير الماتريدي)) (8/638). .
مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51).
مناسبة الآية لما قبلها:
أنَّه لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى إقامَتَهم ويُسْرَ دُخولِهم؛ وَصَف حالَهم إذ ذاك، فقال [692] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/402). :
مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51).
أي: مُتَّكِئينَ في تلك الجنَّاتِ، يَطلُبونَ فيها فَواكِهَ كَثيرةً مِن فاكِهةِ الجنَّةِ، وشَرابًا مِن شَرابِها [693] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/122)، ((تفسير السعدي)) (ص: 715)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/282)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 205، 206). قيل: وَشَرَابٍ أي: وشَرابٍ كَثيرٍ. فحُذِفَت: «كثير»؛ لدَلالةِ الكلامِ عليها. وممَّن قال بهذا المعنى: الواحديُّ، والرازي، والقرطبي، والنسفي، والشوكاني. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/563)، ((تفسير الرازي)) (26/402)، ((تفسير القرطبي)) (15/219)، ((تفسير النسفي)) (3/160)، ((تفسير الشوكاني)) (4/503). وقال ابن كثير: (أي: مِن أيِّ أنواعِه شاؤوا أتَتْهم به الخُدَّامُ). ((تفسير ابن كثير)) (7/78). ويُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 715). .
كما قال تعالى: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ [يس: 55 - 57] .
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52).
مناسبة الآية لما قبلها:
أنَّه لَمَّا بيَّنَ اللهُ تعالى أمْرَ المَسكَنِ، وأمْرَ المأكولِ والمَشروبِ؛ ذكَرَ عَقِيبَه أمْرَ المَنكوحِ [694] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/402). .
وأيضًا لَمَّا كان الأكلُ والشُّربُ داعيَينِ إلى النِّساءِ، لاسيَّما مع الرَّاحةِ؛ قال [695] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/402). :
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52).
أي: وعندَ المُتَّقينَ فيها نِساءٌ قاصِراتٌ أطرافَهنَّ على أزواجِهنَّ، فلا يَرينَ سِواهم، ولا يُرِدْنَ غَيرَهم [696] قال ابن القيِّم: (المفسِّرون كُلُّهم على أنَّ المعنى: قصَرْنَ طَرْفَهنَّ على أزواجِهنَّ؛ فلا يَطمَحْنَ إلى غيرِهم. وقيل: قصَرْنَ طَرْفَ أزواجِهنِّ، فلا يَدَعُهم حُسنُهنَّ وجمالُهنَّ أن يَنظُروا إلى غَيرِهنَّ. وهذا صحيحٌ مِن جهةِ المعنى، وأمَّا مِن جهةِ اللَّفظِ فقاصِراتٌ: صِفةٌ مُضافةٌ إلى الفاعلِ لحِسانِ الوُجوهِ، وأصلُه قاصِرٌ طَرْفُهنَّ، أي: ليس بطامِحٍ مُتَعدٍّ). ((حادي الأرواح)) (ص: 220). وممَّن ذهب إلى حَملِ الآيةِ على كِلا المعنيَينِ: السعدي، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 715)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 206). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عاشور)) (23/282، 283). ، وهُنَّ شابَّاتٌ مُتَساوياتٌ أعمارُهنَّ [697] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/123)، ((تفسير السمعاني)) (4/449)، ((تفسير القرطبي)) (15/219، 220)، ((تفسير ابن كثير)) (7/78)، ((تفسير السعدي)) (ص: 715). ممَّن اختار أنهنَّ أترابٌ بَعضُهنَّ لِبَعضٍ، مستوياتُ الأسنانِ فهُنَّ في سِنٍّ واحدةٍ: ابنُ جرير، والزَّجَّاجُ، والبغويُّ، وأبو حيَّان، وابن كثير، والسعدي، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/123)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/338)، ((تفسير البغوي)) (4/74)، ((تفسير أبي حيان)) (9/167)، ((تفسير ابن كثير)) (7/78)، ((تفسير السعدي)) (ص: 715)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/520). وممَّن قال بنحوِ هذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ، ومحمَّدُ بنُ كعبٍ القُرَظيُّ، ومجاهدٌ، وقَتادةُ، والسُّدِّيُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/123)، ((تفسير ابن كثير)) (7/78)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (7/199). وقيل: هُنَّ أترابٌ لأزواجِهنَّ؛ أسنانُهنَّ كأسنانِهم. وممَّن اختار هذا المعنى: أبو القاسمِ النَّيسابوريُّ، والنسفي. يُنظر: ((إيجاز البيان عن معاني القرآن)) لأبي القاسم النيسابوري (2/716)، ((تفسير النسفي)) (6/160). وممَّن جمَع بيْن المعنيَينِ فقال: المرادُ أنَّهنَّ أترابٌ بَعضُهنَّ لبَعضٍ، وأنَّهنَّ أترابٌ لأزواجِهنَّ أيضًا: البِقاعي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/403)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/283). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 207). قال ابن عاشور: (الظَّاهِرُ أنَّ أَتْرَابٌ وَصْفٌ قائِمٌ بجميعِ نِساءِ الجنَّةِ مِن مخلوقاتِ الجنَّةِ، ومِن النِّساءِ اللَّاتي كُنَّ أزواجًا في الدُّنيا لأصحابِ الجنَّةِ؛ فلا يكونُ بعَضُهنَّ أحسَنَ شَبابًا مِن بَعضٍ، فلا يَلحَقُ بعضَ أهلِ الجنَّةِ غَضٌّ إذا كانت نساءُ غَيرِه أجَدَّ شَبابًا، ولئلَّا تَتفاوَتَ نِساءُ الواحِدِ مِن المتَّقينَ في شَرخِ الشَّبابِ، فيَكونَ النَّعيمُ بالأقَلِّ شَبابًا دونَ النَّعيمِ بالأجَدِّ مِنهنَّ). ((تفسير ابن عاشور)) (23/283). .
كما قال الله تباركَ وتعالى: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات: 48، 49].
وقال سُبحانَه: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا [النبأ: 31 - 33].
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53).
أي: هذا الجَزاءُ المذكورُ هو ما يَعِدُكم اللهُ به -أيُّها المُتَّقونَ- ليَومِ الحِسابِ؛ جَزاءً لكم على أعمالِكم الصَّالحةِ [698] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/124)، ((تفسير ابن كثير)) (7/78)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/403)، ((تفسير السعدي)) (ص: 715)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 207، 208). .
إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54).
أي: إنَّ هذا الجَزاءَ المَذكورَ للمُتَّقينَ في الجنَّةِ لَرِزقُنا الَّذي نُعطيهم إيَّاه؛ كرامةً مِنَّا لهم، ليس له زَوالٌ ولا انقِطاعٌ عنهم أبَدًا [699] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/124)، ((تفسير ابن كثير)) (7/78)، ((تفسير السعدي)) (ص: 715)، ((أضواء البيان)) الشنقيطي (6/348). قال الشوكاني: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ أي: هذا الجزاءُ الَّذي وُعِدْتُم به لأجْلِ يومِ الحسابِ؛ فإنَّ الحسابَ عِلَّةٌ للوصولِ إلى الجزاءِ، أو المعنَى: في يومِ الحسابِ). ((تفسير الشوكاني)) (4/503). .
كما قال تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود: 108] .

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى: وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ الحَثُّ على التَّقْوى، وذلك بذِكرِ ثَوابِها؛ لأنَّ الحَثَّ على الشَّيءِ يكونُ بالأمرِ به -كما هو ظاهِرٌ-، ويكونُ بالوَعيدِ على تَركِه، والثَّناءِ على فِعلِه، وطُرُقُ الحَثِّ على الشَّيءِ مُتنَوِّعةٌ، ومنها ذِكرُ حُسْنِ المآبِ [700] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 209). .
2- في قَولِه تعالى: هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ حَثُّ النَّاسِ على العَمَلِ؛ لأنَّه كُلَّما تَذَكَّرَ الإنسانُ أنَّه سوف يُحاسَبُ عن عَمَلِه فإنَّه سوف يَحرِصُ ويَجتهِدُ في العَمَلِ؛ حتَّى لا يُحاسَبَ على شَيءٍ يكونُ عليه [701] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 212). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ بِشارةُ المتَّقينَ بأنَّ لهم حُسْنَ المآبِ -أي: المرجِعِ-، وعلى العَكسِ مِن ذلك: غيرُ المتَّقينَ لهم سُوءُ المآبِ؛ لأنَّ اللهَ إذا حَكَمَ للشَّيءِ بصِفةٍ مِن الصِّفاتِ فإنَّه يُحكَمُ له بضِدِّه إذا انتَفَتْ هذه الصِّفةُ [702] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 209). .
2- قَولُ الله تعالى: مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ هذا دليلٌ على الأمانِ التَّامِّ، وأنَّه ليس في جنَّاتِ عَدنٍ ما يُوجِبُ أن تُغلَقَ لأجْلِه أبوابُها [703] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 715). .
3- قَولُ الله تعالى: مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ فلا يَحتاجونَ أن يَفْتَحوها هم، بل هم مَخْدومون [704] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 715). ، فأفاد ذلك كثرةَ الخَدَمِ [705] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 211). .
4- تأمَّلْ قولَه سُبحانَه: مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ كيف تَجِدُ تحتَه معنًى بديعًا، وهو أنَّهم إذا دَخَلوا الجنَّةَ لم تُغْلَقْ أبوابُها عليهم، بل تبقَى مُفَتَّحةً كما هي، وأمَّا النَّارُ فإذا دَخَلَها أهلُها أُغلِقَتْ عليهم أبوابُها، كما قال تعالى: إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [الهمزة: 8] أي: مُطبَقةٌ، ومنه سُمِّيَ البابُ وَصيدًا، وهي مُؤْصَدةٌ في عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ، قد جُعِلَتِ العَمَدُ مُمسِكةً للأبوابِ مِن خَلْفِها -على قولٍ- كالحَجَرِ العظيمِ الَّذي يُجعَلُ خَلْفَ البابِ [706] يُنظر: ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 53). .
5- قولُه تعالَى: مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ الاتِّكاءُ: مِن هَيئاتِ أهلِ السَّعادةِ. وقولُه: يَدْعُونَ فِيهَا يَدُلُّ على أنَّ عِندَهم مَن يَستَخدِمونَه فيما يَستَدعونَ؛ كَقَولِه: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ [707] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/167). [الإنسان: 19] .
6- قَولُ الله تعالى: يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ هذا يَدُلُّ على كَمالِ النَّعيمِ، وكَمالِ الرَّاحةِ والطُّمَأنينةِ، وتمامِ اللَّذَّةِ [708] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 715). .
7- في قَولِه تعالى: قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ كمالُ عِفَّةِ هؤلاءِ النِّساءِ؛ لِكَونِهنَّ قاصِراتِ الطَّرْفِ على أزواجِهنَّ، لا يَنظُرنَ إلى غيرِ أزواجِهنَّ، وفيها كمالُ جمالِ هؤلاء النِّساءِ حِسًّا ومعنًى؛ لأنَّهنَّ يَقصُرْنَ أطرافَ أزواجِهنَّ عليهنَّ، فالزَّوجُ لا يَنظُرُ إلى غيرِها؛ لأنَّها قد مَلأتْ عَينَه، وسَرَّت قَلبَه [709] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 211). ، وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ.
8- في قَولِه تعالى: إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ دَلالةٌ على بقاءِ نَعيمِ الجنَّةِ [710] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (1/310). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ كَلامٌ مُستَأنَفٌ مَسوقٌ لِلإيذانِ بانتِهاءِ ما تَقدَّمَ مِن قَصَصٍ، والشُّروعِ في مَوضوعٍ آخَرَ، ولَمَّا كان ما يَذكُرُه نَوعًا مِن أنواعِ التَّنزيلِ، قالَ: هَذَا ذِكْرٌ، وهي جُملةٌ فَصَلتِ الكَلامَ السَّابِقَ عن الكَلامِ الآتي بَعدَها؛ قَصدًا لِانتِقالِ الكَلامِ مِن غَرَضٍ إلى غَرَضٍ، مِثلَ جُملةِ (أمَّا بَعدُ)، وهذا الأُسلوبُ مِنَ الانتِقالِ هو المُسَمَّى في عُرفِ عُلَماءِ الأدَبِ: الاقتِضابَ [711] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/100)، ((تفسير البيضاوي)) (5/32)، ((تفسير أبي حيان)) (9/166)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/280، 281)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/373). . وذلك على قولٍ.
- وصَرَّح بالخَبَرِ في قَولِه: هَذَا ذِكْرٌ؛ لِلاهتِمامِ بتَعيينِ الخَبَرِ، أيْ: هذا شَرَفٌ لهم، وذِكرٌ جَميلٌ يُذْكَرونَ به أبَدًا، أو نَوعٌ مِنَ الذِّكرِ الَّذي هو القُرآنُ، وبابٌ منه مُشتَمِلٌ على أنباءِ الأنبياءِ عليهمُ السَّلامُ، وأرادَ أنْ يَذكُرَ على عَقِبِه بابًا آخَرَ، وهو ذِكرُ الجَنَّةِ وأهلِها [712] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/100)، ((تفسير أبي السعود)) (7/231)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/281). .
- قَولُه: هَذَا ذِكْرٌ قيل: المَقصودُ مِنَ المُشارِ إليه التَّذكُّرُ والاقتِداءُ، فلا يَأخُذِ السَّامِعُ اسمَ الإشارةِ مأْخَذَ الفَصلِ المُجرَّدِ والانتِقالِ الاقتِضابيِّ، مع إرادةِ التَّوجيهِ بلَفظِ (ذِكرٌ)، بتَحميلِه مَعنى حُسنِ السُّمعةِ، أيْ: هذا ذِكرٌ لِأولئك المُسَمَّينَ في الآخَرِينَ، مع أنَّه تَذكِرةٌ لِلمُقتَدينَ، ومِن هنا احتُمِلَ أنْ تَكونَ الإشارةُ بهذا إلى القُرآنِ، أيْ: القُرآنُ ذِكرٌ؛ فتَكونَ الجُملةُ استِئنافًا ابتِدائيًّا لِلتَّنويهِ بشَأنِ القُرآنِ [713] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/281). .
- قَولُه: وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ المُرادُ بالمُتَّقينَ إمَّا الجِنسُ، وهم داخِلونَ في الحُكمِ دُخولًا أوَّليًّا، وإمَّا المَذكورونَ أنْفُسُهم؛ عَبَّرَ عنهم بذلك مَدْحًا لهم بالتَّقْوى الَّتي هي الغايةُ القاصيةُ مِنَ الكَمالِ [714] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/231). .
- واللَّام في لِلْمُتَّقِينَ لامُ الاختِصاصِ، أيْ: لهم حُسنُ مآبٍ يَومَ الجَزاءِ [715] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/281). .
- وأظهَرَ الوَصفَ الَّذي أدَّاهم إلى هذا المآبِ؛ تَعميمًا لكُلِّ مَنِ اقتدَى بهم؛ حَثًّا على الاقتِداءِ، فقال: لِلْمُتَّقِينَ [716] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/401). .
2- قولُه تعالَى: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ
- تَفتيحُ الأبوابِ كِنايةٌ عن التَّمكينِ مِنَ الانتِفاعِ بنَعيمِها؛ لِأنَّ تَفتيحَ الأبوابِ يَستَلزِمُ الإذْنَ بالدُّخولِ، وهو يَستَلزِمُ التَّخليةَ بيْنَ الدَّاخِلِ وبيْنَ الانتِفاعِ بما وراءَ الأبوابِ [717] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/282). .
3- قولُه تعالَى: مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ
- قَولُه: يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ استِئنافٌ لِبيانِ حالِهم فيها [718] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/32)، ((تفسير أبي السعود)) (7/231)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/374). .
- والاقتِصارُ على ذِكرِ الفاكِهةِ؛ لِلإشعارِ بأنَّ مَطاعِمَهم لِمَحضِ التَّلذُّذِ والتَّفكُّهِ، وليستْ لِلتَّغذِّي وإقامةِ الجِسمِ؛ فإنَّ التَّغذِّيَ لِلتَّحلُّلِ، ولا تَحَلُّلَ ثَمَّةَ [719] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/32)، ((تفسير أبي السعود)) (7/231)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/374). . وقيل: المقصودُ مِن ذِكرِ الفاكهةِ التَّنبيهُ بالأدْنى على الأعلَى، يعني: لَمَّا كانت الفاكهةُ حاضرةً أبدًا، كان الإدامُ أَولى بالحضورِ [720] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/42)، ((تفسير البيضاوي)) (5/9)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/142)، ((تفسير أبي حيان)) (9/100)، ((تفسير أبي السعود)) (7/190). .
- والشَّرابُ: اسمٌ للمشروبِ، وغَلَب إطلاقُه على الخَمرِ إذا لم يَكُنْ في الكلامِ ذِكْرٌ للماءِ، وتَنوينُ (شَرَابٍ) هنا لِلتَّعظيمِ، أيْ: شَرابٍ نَفيسٍ في جِنسِه. قيل: لَمَّا كانتِ الفاكِهةُ يَتَنوَّعُ وَصْفُها بالكَثرةِ، وكَثرَتُها باختِلافِ أنواعِها، وكَثرةِ كُلِّ نَوعٍ منها، ولَمَّا كانَ الشَّرابُ نَوعًا واحِدًا وهو الخَمرُ؛ أُفرِدَ. وقيل: التَّقديرُ: وشرابٌ كثيرٌ، لكنْ حُذِف (كثيرٌ)؛ لدَلالةِ ما قبْلُ، ورعايةً للفاصلةِ [721] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/167)، ((تفسير الألوسي)) (12/204)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/282). .
4- قولُه تعالَى: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ
- إسنادُ قَاصِرَاتُ إلى ضَميرِهِنَّ إسنادٌ حَقيقيٌّ، أيْ: لا يُوَجِّهنَ أنظارَهُنَّ إلى غَيرِهم، وذلك كِنايةٌ عن قَصرِ مَحَبَّتِهِنَّ على أزواجِهِنَّ. ويَجوزُ أنْ يَكونَ المَعنى: أنَّهُنَّ يَقصُرنَ أطرافَ أزواجِهِنَّ عليهِنَّ، فلا تَتوَجَّهُ أنظارُ أزواجِهِنَّ إلى غَيرِهِنَّ؛ اكتِفاءً منهم بحُسنِهِنَّ؛ وذلك كِنايةٌ عن تَمامِ حُسنِهِنَّ في أنظارِ أزواجِهِنَّ بحيث لا يَتعَلَّقُ استِحسانُهم بغَيرِهِنَّ [722] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/282، 283). .
- وقَولُه: أَتْرَابٌ كأنَّ اللِّدَاتِ [723] اللِّدَات: جمعُ اللِّدَةِ -بالكسر-، وهو الَّذي يولَدُ معك في وقتٍ واحدٍ. يُنظر: ((تاج العروس)) للزَّبِيدي (9/326). سُمِّينَ أتْرابًا؛ لِأنَّ التُّرابَ مَسَّهُنَّ في وَقتٍ واحِدٍ، وإنَّما جُعِلنَ على سِنٍّ واحِدةٍ؛ لِأنَّ التَّحابَّ بيْنَ الأقرانِ أثبَتُ. وقيلَ: هُنَّ أترابٌ لِأزواجِهِنَّ، أسنانُهُنَّ كأسنانِهم، أو بَعضُهُنَّ لِبَعضٍ، لا عَجوزَ فيهِنَّ ولا صَبيَّةَ [724] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/100)، ((تفسير البيضاوي)) (5/32)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/283). .
5- قولُه تعالَى: هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ استِئنافٌ ابتِدائيٌّ مُؤكِّدٌ لِمَضمونِ جُملةِ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ [ص: 49] ، والإشارةُ إذَنْ إلى ما سَبَقَ ذِكرُه مِن قَولِه: لَحُسْنَ مَآَبٍ [ص: 49] . وجيءَ باسمِ الإشارةِ القَريبِ هَذَا؛ تَنزيلًا لِلمُشارِ إليه مَنزِلةَ المُشارِ إليه الحاضِرِ؛ إيماءً إلى أنَّه مُحَقَّقٌ وُقوعُه تَبشيرًا لِلمُتَّقينَ [725] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/283). .
- والتَّعبيرُ بالمُضارِعِ في قَولِه: تُوعَدُونَ على ظاهِرِه، ويَجوزُ أنْ يَكونَ كَلامًا يُقالُ لِلمُتَّقينَ في الجَنَّةِ، فتَكونَ الجُملةُ مَقولَ قَولٍ مَحذوفٍ، هو في مَحَلِّ حالٍ ثانيةٍ مِنَ (المُتَّقِينَ)، والتَّقديرُ: مَقولًا لهم: هذا ما تُوعَدونَ لِيَومِ الحِسابِ [726] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/283، 284). .
- قولُه: تُوعَدُونَ بتاءِ الخِطابِ فيه التِفاتٌ مِنَ الغَيبةِ إلى الخِطابِ، وهو ألْيَقُ بمقامِ الامتِنانِ والتَّكريمِ، وتَشريفِ المُتَّقينَ بعِزِّ الحُضورِ لِخِطابِ اللهِ تَعالى، ويحتمِلُ أنْ يكونَ الكلامُ للمُتَّقينَ في الجنَّةِ، فالخِطابُ لهم على ظاهِرِه. وقرئ يُوعَدُونَ بياءِ الغَيبةِ [727] قرأها بالياءِ للغَيْبةِ: ابنُ كثير، وأبو عَمرٍو، وقرأها الباقون بالتَّاءِ للخِطابِ. يُنظر: ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 614)، ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (2/361). ، وهو يوافقُ ما قبْلَه مِن الآياتِ [728] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/167)، ((تفسير أبي السعود)) (7/231)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/284). .
- واللَّامُ في لِيَوْمِ الْحِسَابِ لامُ العِلَّةِ، أيْ: وُعِدتُموه لِأجْلِ يَومِ الحِسابِ، والمَعنى: لِأجْلِ الجَزاءِ يَومَ الحِسابِ؛ فإنَّ الحِسابَ عِلَّةٌ لِلوُصولِ إلى الجَزاءِ، فلَمَّا كانَ الحِسابُ مُؤْذِنًا بالجَزاءِ، جُعِلَ اليَومُ هو العِلَّةَ، وهذه اللَّامُ تُفيدُ مَعنى التَّوقيتِ تَبَعًا، كقَولِه: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء: 78] ؛ تَنزيلًا لِلوَقتِ مَنزِلةَ العِلَّةِ [729] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/32)، ((تفسير أبي السعود)) (7/231)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/284)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/374). .
6- قولُه تعالَى: إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ فيه التَّوكيدُ بـ (إنَّ)؛ لِلاهتِمامِ [730] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/285). .
- والعُدولُ عن الضَّميرِ إلى اسمِ الإشارةِ في قَولِه: إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا؛ لِكَمالِ العِنايةِ بتَمييزِه وتَوجيهِ ذِهنِ السَّامِعِ إليه [731] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/284). .