موسوعة التفسير

سورةُ الإنسانِ
الآيات (19-22)

ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ

مشكل الإعراب:

قَولُه تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ
1- قَولُه تعالى: ثَمَّ اسمُ إشارةٍ للمَكانِ البَعيدِ بمعنى (هُناك) مَبنيٌّ على الفَتحِ في محَلِّ نَصبٍ؛ ظرفُ مكانٍ مُتعَلِّقٌ بـ رَأَيْتَ، ومفعولُ الرُّؤيةِ غيرُ مذكورٍ؛ لأنَّ القَصدَ: وإذا صَدَرَتْ منك رؤيةٌ إلى ذلك المكانِ رَأَيْتَ كَيْتَ وكَيْتَ، فهو مُنَزَّلٌ مَنزِلةَ اللَّازِمِ. وقيل: التَّقديرُ: رأيتَ ما ثَمَّ، فـ «ما» مفعولٌ به، وهو اسمٌ مَوصولٌ حُذِفَ، وقامتَ صِلَتُه «ثَمَّ» مَقامَه، وهو قَولُ الكوفيِّينَ.
2- قَولُه تعالى: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ: في نَصبِ عَالِيَهُمْ أوجُهٌ؛ أحدُها: أنَّه ظَرفٌ مُتعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، و ثِيَابُ مُبتدَأٌ مؤخَّرٌ، كأنَّه قيل: فوقَهم ثيابُ... الثَّاني: أنَّه حالٌ مِن الضَّميرِ في عَالِيَهُمْ في قَولِه تعالى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ [الإنسان: 19] ، وهو اسمُ فاعلٍ، وثِيَابُ مرفوعٌ على الفاعليَّةِ به، أي: يَطوفُ عليهم وِلْدانٌ عاليًا للمَطُوفِ عليهم ثِيابٌ، ولم يؤنِّثْ «عالِيًا»؛ لأنَّ «الثِّيابَ» غيرُ حقيقيِّ التَّأنيثِ. وقيل غَيرُ ذلك [209] يُنظر: ((إعراب القرآن)) للنحاس (5/66)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/1260)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (10/614، 615)، ((تفسير الألوسي)) (15/178). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى: ويَطوفُ على الأبرارِ في الجنَّةِ بالشَّرابِ أو غَيرِه أولادٌ صِغارٌ، إذا رأيتَهم ظَنَنْتَهم -لحُسْنِهم وانتِشارِهم لخِدمةِ الأبرارِ- لُؤلؤًا مُفَرَّقًا، وإذا نَظَرْتَ هناك في تِلكَ الجنَّةِ أبصَرْتَ نَعيمًا ومُلْكًا عَظيمًا، عليهم ثيابٌ مِن حريرٍ رقيقٍ أخضَرِ اللَّونِ، ومِن فَوقِها ثيابٌ مِن حريرٍ غَليظٍ له بَريقٌ ولَمَعانٌ، وحُلُّوا أساوِرَ مِن فِضَّةٍ، وسقاهم اللهُ شَرابًا طاهِرًا مُطَهِّرًا لهم مِن كُلِّ أذًى.
يُقالُ للأبرارِ: إنَّ هذا النَّعيمَ ثوابٌ لكم على ما عَمِلْتُموه في الدُّنيا، وكان سَعْيُكم بالأعمالِ الصَّالحةِ مَشكورًا مُتَقَبَّلًا.

تفسير الآيات:

وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى ذكَرَ مَن يكونُ خادِمًا في تلك المجالِسِ [210] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/752). .
وأيضًا لَمَّا ذكَرَ المَطوفَ به؛ لأنَّه الغايةُ المقصودةُ- وصَفَ الطَّائِفَ؛ لِما في طَوافِه مِن العَظَمةِ المشهودةِ؛ تصويرًا لِما هم فيه مِن المُلْكِ، بعدَما نَجَوا منه من الهُلْكِ [211] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/147). .
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ.
أي: ويَدورُ على الأبرارِ في الجنَّةِ بالشَّرابِ أو غَيرِه أولادٌ صِغارٌ على سنٍّ واحِدةٍ، فلا يَهرَمونَ ولا يموتونَ [212] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/564، 565)، ((تفسير القرطبي)) (19/143)، ((تفسير ابن كثير)) (8/292)، ((تفسير السعدي)) (ص: 902). قال الرَّسْعَني: (قولُه تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ أي: مُبْقَوْنَ أبدًا على شكلِ الوِلْدانِ، لا يَكبَرونَ، ولا يَنقُصونَ، ولا يَتغيَّرونَ، ولا يَموتونَ. هذا قولُ جمهورِ العُلماءِ). ((تفسير الرسعني)) (7/594) و (8/419). وقال الفرَّاء: (ويُقالُ: مُخَلَّدُونَ مُقرَّطونَ. ويُقالُ: مُسَوَّرونَ). ((معاني القرآن)) (3/123). ويُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 446). قال ابن كثير: (مُخَلَّدُونَ أي: على حالةٍ واحدةٍ مُخَلَّدونَ عليها، لا يَتغيَّرون عنها، لا تَزيدُ أعمارُهم عن تلك السِّنِّ. ومَن فسَّرهم بأنَّهم مُخرَّصونَ في آذانِهم الأقْرِطةُ، فإنَّما عبَّر عن المعنى بذلك؛ لأنَّ الصَّغيرَ هو الَّذي يَليقُ له ذلك دونَ الكبيرِ). ((تفسير ابن كثير)) (8/292). وقال ابنُ القيِّم: (الأشبَهُ أنَّ هؤلاء الوِلدانَ مَخلوقونَ مِنَ الجنَّةِ كالحُورِ العِينِ خَدَمًا لهم وغِلْمانًا، كما قال تعالى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ [الطور: 24]، وهؤلاء غيرُ أولادِهم؛ فإنَّ مِن تمامِ كرامةِ الله تعالى لهم أن يجعَلَ أولادَهم مخدومينَ معهم، ولا يَجعَلَهم غِلمانًا لهم). ((حادي الأرواح)) (ص: 216). ويُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 902). .
إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا.
أي: إذا رأيتَ أولئك الوِلدانَ ظَنَنْتهم -لحُسْنِهم وبَياضِهم وصَفاءِ لَونِهم، وكَثرتِهم وانتِشارِهم لخِدمةِ الأبرارِ- لُؤلؤًا مُفَرَّقًا [213] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/565)، ((تفسير الرازي)) (30/753)، ((تفسير القرطبي)) (19/143)، ((تفسير ابن كثير)) (8/292)، ((تفسير السعدي)) (ص: 902). قيل: الخِطابُ هنا لمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وممَّن ذهب إلى هذا: ابنُ جرير، ومكِّيٌّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/565)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/7931). وقيل: الخِطابُ لغَيرِ مُعَيَّنٍ، أي: إذا رأيتَ أيُّها الرَّائي. وممَّن ذهب إلى هذا: ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/397). ويُنظر أيضًا: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/147). .
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا ذَكَر تَفصيلَ أحوالِ أهلِ الجنَّةِ؛ أتْبَعَه بما يدُلُّ على أنَّ هناك أمورًا أعلى وأعظَمَ مِن هذا القَدْرِ المذكورِ [214] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/753). .
وأيضًا لَمَّا ذَكَر المخدومَ والخَدَمَ؛ شَرَع في ذِكْرِ المكانِ [215] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/148). .
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20).
أي: وإذا نَظَرْتَ هناك في تِلكَ الجنَّةِ أبصَرْتَ نَعيمًا ومُلْكًا عَظيمًا وسُلطانًا باهِرًا أعَدَّه اللهُ تعالى للأبرارِ [216] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/566-567)، ((تفسير القرطبي)) (19/144)، ((تفسير ابن كثير)) (8/292)، ((تفسير السعدي)) (ص: 902). قيل الخِطابُ هنا لمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وممَّن ذهب إلى هذا: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، ومكِّيٌّ، وابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/531)، ((تفسير ابن جرير)) (23/566)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/7933)، ((تفسير ابن كثير)) (8/292). وقيل: الخِطابُ لغيرِ مُعيَّنٍ. وممَّن ذهب إلى هذا: الزمخشريُّ، ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/673)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/397). قال الزمخشري: (ومعناه: أنَّ بصَرَ الرَّائي أيْنَما وقَع لم يَتعلَّقْ إدراكُه إلَّا بنَعيمٍ كثيرٍ، ومُلكٍ كبيرٍ). ((تفسير الزمخشري)) (4/673). .
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ آخِرَ أهلِ الجنَّةِ دُخولًا الجنَّةَ، وآخِرَ أهلِ النَّارِ خُروجًا مِنَ النَّارِ: رَجُلٌ يَخرُجُ حَبْوًا [217] حَبْوًا: أي: زَحْفًا. يُنظر: ((مشارق الأنوار على صحاح الآثار)) للقاضي عياض (1/176). ، فيقولُ له رَبُّه: ادخُلِ الجنَّةَ. فيقولُ: رَبِّ، الجنَّةُ مَلْأَى. فيقولُ له ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ، فكُلُّ ذلك يُعيدُ عليه: الجنَّةُ مَلْأَى. فيقولُ: إنَّ لك مِثلَ الدُّنيا عَشْرَ مِرارٍ!)) [218] رواه البخاريُّ (7511) واللَّفظُ له، ومسلمٌ (186). .
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر الدَّارَ وساكِنيها مِن مخدومٍ وخَدَمٍ؛ ذَكَر لِباسَهم [219] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/149). .
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ.
أي: على أولئك الأبرارِ ثيابٌ مِن حريرٍ رقيقٍ أخضَرِ اللَّونِ، ومِن فَوقِها ثيابٌ مِن حريرٍ غَليظٍ له بَريقٌ ولَمَعانٌ [220] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/567-569)، ((تفسير القرطبي)) (19/146)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 198)، ((تفسير ابن كثير)) (8/293). قال أبو عليٍّ الفارسيُّ في قولِه: عَالِيَهُمْ: (قد أُجيزَ أن يكونَ ظَرفًا، كأنَّه لَمَّا كان «عالٍ» بمعنَى «فوقَ»؛ أُجريَ مُجراهُ في هذا). ((الحجة للقراء السبعة)) (6/355). قال الفرَّاء: (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ... جعَلوها كالصِّفةِ «فوقَهم». والعربُ تقولُ: قَومُك داخلَ الدَّارِ، فيَنصبون داخلَ الدَّارِ؛ لأنَّه محَلٌّ، فـ عَالِيَهُمْ مِن ذلك). ((معاني القرآن)) (3/218). ويُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/262). وقيل: المعنى: يَطوفُ على الأبرارِ وِلْدانٌ، عاليًا الأبرارَ ثيابُ سُنْدُسٍ. وذلك على أنَّ عَالِيَهُمْ حالٌ مِن الهاءِ والميمِ في «يَطوفُ عليهم». وقيل: المعنى: حَسِبْتَهم لُؤلؤًا في حالِ عُلوِّ الثِّيابِ إيَّاهم. وذلك على أنَّ عَالِيَهُمْ حالٌ مِن الهاءِ والميمِ في حَسِبْتَهُمْ. يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (8/420). .
وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ.
أي: وحُلُّوا أساوِرَ مِن فِضَّةٍ يَلبَسونَها في أيديهم زِينةً لهم [221] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/569)، ((تفسير ابن عطية)) (5/414)، ((تفسير السعدي)) (ص: 902). .
عن أبي هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((تَبلُغُ الحِلْيةُ مِن المؤمِنِ حيثُ يَبلُغُ الوَضوءُ [222] الحِليةُ: البياضُ الحاصِلُ للمؤمِنِ يومَ القيامةِ في أعضاءِ الوُضوءِ، أي: يَبلُغُ النُّورُ. وقيل: المرادُ بـ (الحلية): الزِّينةُ في الجنَّةِ مِن السِّوارِ والخَلْخَالِ. و«الوَضوءُ» بالفتحِ، أي: ماءُ وُضوئِه مِن الأعضاءِ. يُنظر: ((شرح المصابيح)) لابن الملك (1/234). ) [223] رواه مسلم (250). .
وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا.
أي: وسقَى اللهُ الأبرارَ شَرابًا بالِغَ الطَّهارةِ في نَفْسِه، لا كدَرَ فيه بوَجهٍ مِن الوُجوهِ، مُطَهِّرًا لهم مِن كُلِّ أذًى أو سُوءٍ [224] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/569)، ((روضة المحبين)) لابن القيم (ص: 235)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/150)، ((تفسير السعدي)) (ص: 902). الطهور فيه قولان: القولُ الأوَّلُ: أنَّه مبالغةٌ في كونِه طاهرًا. قال الرازي: (فيه على هذا التفسيرِ احتمالاتٌ: أحدُها: أنَّه لا يكونُ نجسًا كخمرِ الدُّنيا. وثانيها: المبالغةُ في البعدِ عن الأمورِ المستقذرةِ، يعني ما مسَّتْه الأيدي الوَضِرةُ، وما داسَتْه الأقدامُ الدَّنسةُ. وثالثُها: أنَّها لا تَؤولُ إلى النجاسةِ؛ لأنَّها ترشحُ عرقًا مِن أبدانِهم، له ريحٌ كريحِ المسكِ). ((تفسير الرازي)) (30/755). ممن اختار في الجملةِ أنَّ المرادَ: أنَّه طاهِرٌ مُنَزَّهٌ عمَّا في أمثالِه مِن شَرابِ الدُّنيا مِنَ الخبائِثِ والفَسادِ والأقذارِ: الثعلبيُّ، والخازن، وجلال الدين المحلي، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (10/104)، ((تفسير الخازن)) (4/380)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 783)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/400). قال البقاعي: (شَرَابًا طَهُورًا أي: ليس هو كشَرابِ الدُّنيا؛ سواءٌ كان مِن الخَمرِ أو مِن الماءِ أو مِن غيرِهما). ((نظم الدرر)) (21/150). وقال العُلَيمي: (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا طاهرًا مِن الأقذارِ، لم تَدُسْه الأقدامُ، ولم تمَسَّه الأيدي الوَسِخةُ، كخَمرِ الدُّنيا، ولا يصيرُ بَولًا؛ وذلك أنَّهم إذا طَعِموا وشَرِبوا، فيصيرُ ما أكلوا طِيبًا يخرجُ مِن أبدانِهم كأطيَبَ مِن رِيحِ المِسكِ، وتَضمُرُ بُطونُهم، وتعودُ شَهوتُهم). ((تفسير العليمي)) (7/240). والقولُ الثاني في الطَّهورِ: أنَّه المطهِّرُ؛ لأنَّه يُطهِّرُ باطنَهم عن الأخلاقِ الذَّميمةِ، والأشياءِ المؤذيةِ. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/755). وممن اختار في الجملةِ أن المرادَ بقَولِه تعالى: شَرَابًا طَهُورًا: أي أنه مُطَهِّرٌ لبواطِنِ شارِبيه مِن كُلِّ أذًى ونَقْصٍ: ابنُ القيِّم، وابنُ كثير. يُنظر: ((روضة المحبين ونزهة المشتاقين)) لابن القيم (ص: 235)، ((حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح)) لابن القيم (ص: 185)، ((تفسير ابن كثير)) (8/293). قال ابنُ كثير: (أي: طهَّرَ بواطِنَهم مِنَ الحَسَدِ والحِقْدِ والغِلِّ والأذَى، وسائِرِ الأخلاقِ الرَّدِيَّةِ). ((تفسير ابن كثير)) (8/293). وممَّن جمَع بيْن المعنيَينِ في الجملةِ: البِقاعي، والسعدي. يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/ 150، 151)، ((تفسير السعدي)) (ص: 902). !
إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22).
إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً.
أي: يُقالُ للأبرارِ: إنَّ هذا النَّعيمَ الَّذي أُوتيتُموه في الجنَّةِ هو ثوابٌ لكم على ما عَمِلْتُموه في الدُّنيا مِن خَيرٍ [225] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/571)، ((تفسير ابن كثير)) (8/293)، ((تفسير السعدي)) (ص: 902). قال ابنُ عاشور: (مِن تمامِ الإكرامِ عندَ الكرامِ أن يُتْبِعوا كرامتَهم بقَولٍ يَنشَطُ له المُكرَمُ، ويُزيلُ عنه ما يَعرِضُ مِن خَجَلٍ ونَحْوِه، أي: هو جزاءٌ حَقًّا لا مُبالَغةَ في ذلك). ((تفسير ابن عاشور)) (29/401). .
وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا.
أي: وما عَمِلْتُم مِن خَيرٍ فإنَّ اللهَ يَشكُرُه لكم، فيَتقَبَّلُه منكم ولو كان قليلًا، ويُثيبُكم عليه ثَوابًا عَظيمًا [226] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/571)، ((تفسير القرطبي)) (19/147)، ((تفسير ابن كثير)) (8/293)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/151)، ((تفسير السعدي)) (ص: 902). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ أحسَنُ مَن يُتَّخَذُ للخِدْمةِ الوِلْدانُ؛ لأنَّهم أخَفُّ حَرَكةً، وأسرَعُ مَشْيًا، ولأنَّ المخدومَ لا يتحَرَّجُ إذا أمَرَهم أو نهاهم [227] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/397). .
2- قال الله تعالى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا هذا مِن تمامِ لَذَّةِ أهلِ الجنَّةِ؛ أن يكونَ خُدَّامَهم الوِلْدانُ المخَلَّدونَ، الَّذين تَسُرُّ رؤيتُهم، ويَدخُلونَ على مَساكِنِهم آمِنينَ مِن تَبِعَتِهم، ويَأتونَهم بما يَدْعُونَ وتَطلُبُه نُفوسُهم [228] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 902). .
3- قَولُه تعالى: إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا أي: إذا رأيتَهم في انتِشارِهم في قَضاءِ حَوائِجِ السَّادةِ، وكَثْرتِهم، وصَباحةِ وُجوهِهم، وحُسْنِ ألوانِهم وثيابِهم وحُلِيِّهم؛ حَسِبْتَهم لؤلؤًا مَنثورًا، ولا يكونُ في التَّشبيهِ أحسَنُ مِن هذا، ولا في المنظَرِ أحسَنُ مِن اللُّؤلُؤِ المنثورِ على المكانِ الحَسَنِ [229] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/292). !
4- في قَولِه تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًاأنَّ أهلَ الجَنَّةِ كلَّهم ملوكٌ فيها [230] يُنظر: ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 274). .
5- في قَولِه تعالى: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ دَلَّتْ لفظةُ: عَالِيَهُمْ على كَونِ ذلك اللِّباسِ ظاهِرًا بارِزًا يُجَمِّلُ ظواهِرَهم، ليس بمَنزِلةِ الشِّعارِ الباطِنِ، بل الَّذي يُلبَسُ فوقَ الثِّيابِ للزِّينةِ والجَمالِ [231] يُنظر: ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 198). .
6- في قَولِه تعالى: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا تأمَّلْ كيف جَمَعَ سُبحانَه لهم بَيْنَ نَوعَيِ الزِّينةِ الظَّاهِرةِ مِن اللِّباسِ والحُلِيِّ، كما جَمَعَ لهم بيْن الظَّاهرةِ والباطنةِ؛ فجَمَّلَ سُبحانَه البواطِنَ بالشَّرابِ الطَّهُورِ، والسَّواعِدَ بالأساورِ، والأبدانَ بثيابِ الحَريرِ [232] يُنظر: ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 199). .
7- قَولُ اللهِ تعالى: وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ فيه سؤالٌ: قال تعالى في سورةِ (الكَهفِ): أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ [الكهف: 31] ، فكيف جَعَل تلك الأساوِرَ هاهنا مِن فِضَّةٍ؟
الجوابُ مِن وُجوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهما جنَّتانِ أوانيهما وجميعُ ما فيهما مِن فِضَّةٍ، وأُخْرَيانِ أوانيهما وجميعُ ما فيهما مِن ذَهَبٍ [233] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)) للشنقيطي (ص: 248). .
الثَّاني: أنَّ قولَه: وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ هذا في صِفةِ الأبرارِ، وأمَّا المقرَّبونَ فكما قال: يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [234] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/293). [الحج: 23] .
الثَّالثُ: أنَّه لا مُنافاةَ بيْن الأمْرَينِ؛ فلَعلَّهم يُسَوَّرونَ بالجِنسَينِ؛ إمَّا على المُعاقَبةِ، أو على الجَمعِ، كما تفعَلُ النِّساءُ في الدُّنيا.
الرَّابعُ: أنَّ الطِّباعَ مُختَلِفةٌ، فرُبَّ إنسانٍ يكونُ استِحسانُه لبياضِ الفِضَّةِ فوقَ استِحسانِه لصُفرةِ الذَّهَبِ؛ فاللهُ تعالى يُعطي كُلَّ أحدٍ ما تكونُ رَغبتُه فيه أتَمَّ، ومَيْلُه إليه أشَدَّ. وقيل غَيرُ ذلك [235] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/755). .
8- قولُه تعالى: وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا استدَلَّ بعضُ العلماءِ بمفهومِ المُخالَفةِ في هذه الآيةِ على أنَّ الخمرَ نجِسةُ العَينِ؛ لأنَّ وصْفَه لشَرابِ أهلِ الجنَّةِ بأنَّه طَهورٌ يُفهَمُ منه أنَّ خمرَ الدُّنيا ليست كذلك، وممَّا يؤيِّدُ هذا أنَّ كلَّ الأوصافِ الَّتي مدَحَ بها تعالى خمرَ الآخرةِ مَنفيَّةٌ عن خمرِ الدُّنيا [236] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/426). والخَمرُ نَجِسةٌ نجاسةً عينيَّةً باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة. يُنظر: ((العناية شرح الهداية)) للبابَرْتي (10/99)، ((حاشية الدسوقي)) (1/49، 50)، ((المجموع)) للنووي (2/563)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (1/319). . وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ.
9- الفرْقُ بيْنَ «سقَى» و«أسقى»: أنَّ «سَقَى» لِمَا لا كُلْفةَ معَه في السُّقْيا؛ ولهذا أوْرَدَه تعالى فِي شَرابِ الجَنَّةِ، فقال: وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا. و«أَسْقَى» لِمَا فيه كُلْفةٌ؛ ولهذا أوْرَدَه في شَرابِ الدُّنْيا، فقال: وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا [المرسلات: 27] ، لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن: 16] ؛ لأنَّ السُّقْيا في الدُّنيا لا تَخْلُو مِن الكُلْفةِ أبَدًا [237] يُنظر: ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (3/385)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/301). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا
- وُصِفَ الوِلدانُ بأنَّهم مُخَلَّدُونَ؛ للاحتِراسِ ممَّا قد يُوهِمُه اشتِقاقُ وِلْدَانٌ مِن أنَّهم يَشِبُّون ويَكتهِلون، أي: لا تَتغيَّرُ صِفاتُهم، فهُمْ وِلدانٌ دَومًا، وإلَّا فإنَّ خُلودَ الذَّواتِ في الجنَّةِ مَعلومٌ، فما كان ذِكرُه إلَّا لأنَّه تَخليدٌ خاصٌّ [238] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/397). .
- والحِكمةُ في تَشبيهِ الوِلدانِ باللُّؤلؤِ المَنثورِ دونَ المَنظومِ: أنَّه تعالَى أراد تَشبيهَهُم -لحُسنِهم وانتشارِهم في الخِدمةِ- باللُّؤلؤِ الَّذي لم يُثقَبْ، وهو أشدُّ صَفاءً، وأحسَنُ مَنظرًا ممَّا ثُقِبَ؛ لأنَّه إذا ثُقِب نَقَص صَفاؤه ومائيَّتُه، وما لم يُثقَبْ لا يكونُ إلَّا مَنثورًا [239] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/672، 673)، ((تفسير البيضاوي)) (5/271)، ((تفسير أبي حيان)) (10/365)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 592)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/365). . وقيل: شُبِّهوا باللُّؤلؤِ الرَّطبِ إذا نُثِرَ مِن صَدَفِه؛ لأنَّه أحسَنُ وأكثَرُ ماءً [240] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/672، 673)، ((تفسير البيضاوي)) (5/271)، ((تفسير أبي حيان)) (10/365). .
وقيل: في كَونِه منثورًا فائدتان؛ إحداهُما: الدَّلالةُ على أنَّهم غيرُ معطَّلينَ، بل مَبثوثونَ في خِدمتِهم وحوائجِهم. والثَّانيةُ: أنَّ اللُّؤلؤَ إذا كان منثورًا -ولا سيَّما على بِساطٍ مِن ذهبٍ أو حريرٍ- كان أحسَنَ لِمَنظرِه، وأبهى مِن كَونِه مجموعًا في مكانٍ واحدٍ [241] يُنظر: ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 215). .
2- قولُه تعالَى: وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا تَشبيهٌ بَليغٌ، أي: مِثلَ أحوالِ المُلكِ الكبيرِ المُتنعِّمِ ربُّه، وفائدةُ هذا التَّشبيهِ تَقريبُ المُشبَّهِ لمَداركِ العُقولِ [242] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/398، 399). .
- وفِعلُ (رَأيتَ) الأوَّلُ مُنزَّلٌ مَنزِلةَ اللَّازمِ، يدُلُّ على حُصولِ الرُّؤيةِ فقطْ، لا تَعلُّقِها بمَرئيٍّ، أي: إذا وجَّهْتَ نَظَرَك، و(رَأيتَ) الثَّاني جَوابُ (إذا)، أي: إذا فَتحْتَ عَينَك تَرى نَعيمًا، والتَّقييدُ بـ (إذا) أفاد معْنى الشَّرطيَّةِ؛ فدَلَّ على أنَّ رُؤيةَ النَّعيمِ لا تَتخلَّفُ عن بصَرِ المُبصِرِ هنالك، فأفادَ معْنى: لا تَرى إلَّا نَعيمًا، أي: بخِلافِ ما يرى في جِهاتِ الدُّنيا [243] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/673)، ((تفسير البيضاوي)) (5/271)، ((تفسير أبي السعود)) (9/74)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/397، 398)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/ 323). .
 وقيل: مَفعولُ فِعلِ الشَّرطِ مَحذوفٌ؛ حُذِفَ اقتِصارًا، والمعْنى: وإذا رمَيتَ ببَصرِك هناك. وقيل: التَّقديرُ: وإذا رَأيتَ ما ثَمَّ، فحُذِفَ (ما) [244] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/365). .
3- قولُه تعالَى: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا
- قولُه: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ هذه الأشياءُ مِن شِعارِ الملوكِ في عُرفِ الناسِ زَمانَئذٍ، فهذا مُرتبِطٌ بقولِه: وَمُلْكًا كَبِيرًا [245] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/398). [الإنسان: 20] .
- قولُه: وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا عُطِفَ على وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ، وساغ عطْفُ الماضي على المُضارِعِ؛ لأنَّه مُستقبَلُ المَعنى، وللإيذانِ بتَحقيقِه [246] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/325). .
- قولُه: وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا احتِراسٌ ممَّا يُوهِمُه شُرْبُهم مِن الكأْسِ المَمزوجةِ بالكافورِ والزَّنجبيلِ مِن أنْ يكونَ فيها ما في أمْثالِها المعروفةِ في الدُّنيا، ومِن الغَولِ، وسُوءِ القولِ والهَذيانِ، فعُبِّرَ عن ذلك بكَونِ شَرابِهم طَهورًا بصِيغةِ المُبالَغةِ في الطَّهارةِ، وهي النَّزاهةُ مِن الخَبائثِ، أي: مُنزَّهًا عمَّا في غيرِه مِن الخَباثةِ والفَسادِ [247] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/368)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/400). .
- وأُسنِدَ سَقْيُ الشَّرابِ إلى ربِّهم؛ إظهارًا لكَرامتِهم، أي: أمَر هو بسَقْيِهم، كما يُقالُ: أطْعَمَهم رَبُّ الدَّارِ وسَقاهم [248] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/400). . أو أُسنِدَ سَقْيُه إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّه أُرِيدَ به نوعٌ آخَرُ يَفوقُ على النَّوعينِ المُتقدِّمَينِ [249] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/272)، ((تفسير أبي السعود)) (9/75). .
4- قولُه تعالَى: إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا هذا الكلامُ مَقولُ قولٍ مَحذوفٍ، والقولُ المحذوفُ يُقدَّرُ فِعلًا في مَوضعِ الحالِ مِن ضَميرِ الغائبِ في (سَقَاهُمْ)، نحْو: يُقالُ لهم، أو يقولُ لهم ربُّهم، أو يُقدَّرُ اسمًا هو حالٌ مِن ذلك الضَّميرِ، نحْو: مَقولًا لهم هذا اللَّفظُ، أو قائلًا لهم هذا اللَّفظَ. والإشارةُ إلى ما يكونُ حاضِرًا لَدَيهم مِن ألوانِ النَّعيمِ المَوصوفِ فيما مَضى مِن الآياتِ، والمقصودُ مِن ذلك الثَّناءُ على الأبرارِ بما أسْلَفوا مِن تَقْوى اللهِ، وتَكرِمتُهم بذلك، وتَنشيطُ أنفُسِهم بأنَّ ما أنْعَمَ به عليهمْ هو حَقٌّ لهم جَزاءً على عَمَلِهم [250] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/369)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/401)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/325). .
- وإقحامُ فِعلِ كَانَ للدَّلالةِ على تَحقيقِ كَونِه جَزاءً، لا مَنًّا عليهم بما لم يَستحقُّوا [251] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/401). .
- والإتيانُ بفِعلِ كَانَ في قولِه تعالى: وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا؛ للدَّلالةِ على تَحقيقِ كَونِه سَعْيًا مَشكورًا [252] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/401). .