موسوعة التفسير

سورةُ مُحمَّدٍ
الآيات (1-3)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ

غريب الكلمات:

أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ: أي: أبْطَلَ أعمالَهم وأحبَطَها وأتْلَفَها، فلا يَنتفِعون بها في الآخِرةِ، وأصلُ الضَّلالِ: الغَيْبوبةُ؛ يُقالُ: ضَلَّ الماءُ في اللَّبَنِ؛ إذا غاب وغُلِب عليه فلم يُتبيَّنْ. ويُسمَّى الهالِكُ التَّالِفُ: ضالًّا [6] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 409)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 79)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/356)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (1/168) و(11/6877)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1000)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 355). .
كَفَّرَ: أي: سَتَرَ ومَحا، وأصلُ (كفر): يدُلُّ على سَترٍ وتَغطيةٍ [7] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 409)، ((تفسير ابن جرير)) (21/180)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/191)، ((المفردات)) للراغب (ص: 714). .
بَالَهُمْ: أي: شأْنَهم وحالَهم، وقيل: أمْرَ مَعاشِهم في الدُّنيا، والبالُ: الحالُ التي يُكتَرَثُ بها، يُقالُ: ما باليتُ بكذا بالةً، أي: ما اكْتَرثْتُ به [8] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 409)، ((تفسير ابن جرير)) (21/180)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/322)، ((المفردات)) للراغب (ص: 155)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 295). .
يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ: أي: يُمثِّلُ اللهُ للنَّاسِ الأمثالَ، ويُشبِّهُ لهم الأشباهَ، فيُلحِقُ بكُلِّ قومٍ مِن الأمثالِ أشكالًا؛ لِيَعتبِروا بهم. أو: يُبيِّن لهم مآلَ أعمالِهم، وما يَصِيرون إليه في مَعادِهم، وضَرْبُ الأمْثالِ: اعْتِبارُ الشَّيْءِ بغَيْرِه. أو: إيرادُه لِيُتَمَثَّلَ به ويُتَصوَّرَ ما أراد المُتَكَلِّمُ بَيانَه لِلمُخاطَبِ. يُقالُ: ضَرَب الشَّيءَ مَثَلًا، وضَرَب به، وتَمثَّلَه، وتَمثَّل به [9] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (21/182)، ((تفسير الزمخشري)) (4/315، 316)، ((تفسير ابن كثير)) (7/306)، ((تاج العروس)) للزبيدي (3/243). .

المعنى الإجمالي:

يَفتتِحُ اللهُ تعالَى هذه السُّورةَ بذَمِّ الكافرينَ، وذِكرِ عُقوبتِهم، فيقولُ: الذين كَفَروا بالحَقِّ وصَدُّوا أنفُسَهم والنَّاسَ عن سَبيلِ اللهِ تعالَى، أحبَطَ اللهُ أعمالَهم.
ثمَّ يُثني اللهُ تعالَى على المؤمنينَ، مُبيِّنًا جَزاءَهم، فيقولُ: والذين آمَنوا بالحَقِّ وعَمِلوا الأعمالَ الصَّالحةَ بإخلاصٍ للهِ تعالَى ومُتابَعةٍ لِشَرعِه، وآمَنوا بالقُرآنِ الَّذي أنزَلَه اللهُ على نَبيِّه محمَّدٍ -وهذا القُرآنُ هو الحَقُّ مِن رَبِّهم-، تجاوَزَ اللهُ عن سَيِّئاتِهم، وأصلَحَ حالَهم وشأْنَهم.
ثُمَّ يُبيِّنُ اللهُ تعالَى سَببَ جَزاءِ الفَريقينِ بما جازاهم به، فيقولُ: ذلك الإحباطُ لأعمالِ الكافِرينَ بسَبَبِ اتِّباعِهم الباطِلَ، وذلك التَّكفيرُ لسَيِّئاتِ المؤمِنينَ وإصلاحُ بالِهم بسَبَبِ اتِّباعِهم الحَقَّ مِن رَبِّهم؛ مِثْلَ ذلك البَيانِ لِمآلِ الكافِرينَ والمؤمِنينَ يُمثِّلُ اللهُ للنَّاسِ أصنافَهم وأحوالهَم.

تفسير الآيات:

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1).
أي: الَّذين كَفَروا بالحَقِّ وصَدُّوا أنفُسَهم وغيْرَهم عن طَريقِه واتِّباعِه، جَعَل اللهُ أعمالَهم سُدًى لا نَفْعَ فيها [10] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/180)، ((تفسير ابن كثير)) (7/306)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/195-196)، ((تفسير السعدي)) (ص: 784)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/73-74)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/244-245). ممَّن اختار أنَّ المرادَ بالَّذينَ كفَروا: أهلُ مكَّةَ، وهم مُشرِكو قُرَيشٍ: مُقاتلُ بن سُليمانَ، والواحديُّ، وابن عطيةَ، وابنُ الجوْزي، وأبو حيَّان، وجلال الدِّين المحلِّي، والشَّوكانيُّ، ونسَبه الماتُريديُّ إلى عامَّةِ أهلِ التَّأويلِ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/43)، ((الوسيط)) للواحدي (4/118)، ((تفسير ابن عطية)) (5/109)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/115)، ((تفسير أبي حيان)) (9/458)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 672)، ((تفسير الشوكاني)) (5/35)، ((تفسير الماتريدي)) (9/262). قال الشوكانيُّ: (قَولُه: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ هم كُفَّارُ قُريشٍ؛ كَفَروا باللهِ وصَدُّوا أنفُسَهم وغيرَهم عن سَبيلِ الله، وهو دِينُ الإسلامِ، بنَهيِهم عن الدُّخولِ فيه، كذا قال مُجاهدٌ والسُّدِّيُّ. وقال الضَّحَّاكُ: معنى عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: عن بَيتِ اللهِ بمَنعِ قاصِديه. وقيل: هم أهلُ الكتابِ). ((تفسير الشوكاني)) (5/35). وقال الزمَخْشريُّ: (قال ابنُ عباسٍ رَضِي اللهُ عنه: هم المطْعِمون يوْمَ بدْرٍ. وعن مُقاتلٍ: كانوا اثْنَي عشَرَ رجُلًا مِن أهلِ الشِّركِ يصُدُّون الناسَ عن الإسلامِ ويَأمُرونهم بالكفْرِ. وقيل: همْ أهلُ الكتابِ الَّذين كفَروا وصدُّوا مَن أراد منهم ومِن غيْرِهم أنْ يَدخُلَ في الإسلامِ. وقيل: هو عامٌّ في كلِّ مَن كفَرَ وصدَّ). ((تفسير الزمخشري)) (4/314). ويُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/43). وممَّن ذهَبَ إلى العُمومِ: الرَّسعنيُّ، وابنُ جُزَي، والألوسيُّ. يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (7/245)، ((تفسير ابن جزي)) (2/280)، ((تفسير الألوسي)) (13/194). قال ابن جُزَي: (الَّذِينَ كَفَرُوا يعني كُفَّارَ قُريشٍ، وعمومُ اللفظِ يعُمُّ كلَّ كافرٍ). يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/280). وقال الزمخشريُّ: (وَصَدُّوا: وأعْرَضوا وامتَنَعوا عن الدُّخولِ في الإسلامِ، أو صدُّوا غيْرَهم عنه). ((تفسير الزمخشري)) (4/314). قال الطِّيبيُّ: (والتَّفسيرُ الثاني أشدُّ الْتئامًا للقرينةِ السابقةِ باللَّاحقةِ؛ فإنَّ قولَه: وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إذا فُسِّر بـ «صدُّوا غيْرَهم» يكونُ مِن بابِ العطْفِ للخاصِّ على العامِّ؛ لأنَّ إضلالَ الغيْرِ أشدُّ توغُّلًا في الضَّلالِ مِن ضَلالِ الشَّخصِ... فالمعنى: فالَّذين كفَروا وما آمَنوا بما نُزِّلَ على محمَّدٍ، وصدُّوا غيْرَهم عن الإيمانِ به، واغتَرُّوا بما كانوا عليه مِن مَكارمِ الأخلاقِ: أبطَلَ اللهُ أعمالَهم). ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (14/320، 321). وممَّن اختار التَّفسيرَ الثَّانيَ: مقاتلُ بن سُليمان، والشنقيطيُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/43)، ((أضواء البيان)) (7/244) قال الشنقيطيُّ: (قولُه تعالَى في هذه الآيةِ الكريمةِ: وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، قال بعضُهم: هو مِن الصُّدودِ؛ لأنَّ «صَدَّ» في الآيةِ لازمةٌ. وقال بعضُهم: هو مِن الصَّدِّ؛ لأنَّ «صَدَّ» في الآيةِ مُتعدِّيةٌ. وعليه فالمفعولُ مَحذوفٌ، أي: صدُّوا غيْرَهم عن سَبيلِ اللهِ، أي عن الدُّخولِ في الإسلامِ. وهذا القولُ الأخيرُ هو الصَّوابُ؛ لأنَّه على القولِ بأنَّ «صَدَّ» لازمةٌ، فإنَّ ذلك يكونُ تَكرارًا مع قولِه: كَفَرُوا؛ لأنَّ الكُفرَ هو أعظَمُ أنواعِ الصُّدودِ عن سَبيلِ اللهِ. وأمَّا على القولِ بأنَّ «صَدَّ» مُتعدِّيةٌ فلا تَكرارَ؛ لأنَّ المعنى أنَّهم ضالُّون في أنفُسِهم، مُضِلُّون لغيْرِهم بصَدِّهم إيَّاهم عن سَبيلِ اللهِ، و... اللَّفظ إذا دار بيْن التَّأكيدِ والتَّأسيسِ وجَب حمْلُه على التَّأسيسِ، إلَّا بدَليلٍ يَجِبُ الرُّجوعُ إليه). ((أضواء البيان)) (7/244). وقال الرازيُّ: (في الصَّدِّ وَجهانِ: أحدُهما: صَدُّوا أنفُسَهم، معناه أنَّهم صَدُّوا أنفُسَهم عن السَّبيلِ، ومَنَعوا عُقولَهم مِن اتِّباعِ الدَّليلِ. وثانيهما: صَدُّوا غيْرَهم ومَنَعوهم). ((تفسير الرازي)) (28/32). وممَّن اختار أنَّ المعنى صدُّوا أنفُسَهم وصدُّوا غيْرَهم: العُليميُّ، والشَّوكانيُّ، والسعديُّ. يُنظر: ((تفسير العليمي)) (6/308)، ((تفسير الشوكاني)) (5/35)، ((تفسير السعدي)) (ص: 784). .
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالَى لمَّا بيَّن حالَ الكُفَّارِ؛ بيَّن حالَ المؤمنينَ [11] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/33). ، فقال:
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ.
أي: والَّذين آمَنوا وعَمِلوا الأعمالَ الصَّالحةَ بإخلاصٍ للهِ تعالَى ومُتابَعةٍ لِشَرعِه، وآمَنوا بالقُرآنِ الَّذي أنزَلَه اللهُ على نَبيِّه محمَّدٍ -وهذا القُرآنُ هو الحَقُّ الكامِلُ، والصِّدقُ الثَّابِتُ مِن عندِ رَبِّهم-، تَجاوَزَ اللهُ عن مُؤاخَذتِهم بسَيِّئاتِ أعمالِهم، فلا يُعاقِبُهم عليها؛ لأجْلِ إيمانِهم، وعَمَلِهم الصَّالحاتِ [12] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/180)، ((الوسيط)) للواحدي (4/118)، ((تفسير ابن كثير)) (7/306)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/197-198)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/74-75). قال ابنُ القيِّم: (الذُّنوبُ: المرادُ بها الكبائرُ، والمرادُ بالسَّيِّئاتِ: الصَّغائِرُ، والدَّليلُ على أنَّ السَّيِّئاتِ هي الصَّغائرُ، والتَّكفيرَ لها: قَولُه تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء: 31] ، وفي «صحيحِ مُسلمٍ» [233] مِن حَديثِ أبي هُريرةَ: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقولُ: «الصَّلَواتُ الخَمسُ، والجُمُعةُ إلى الجُمُعةِ، ورَمَضانُ إلى رَمَضانَ: مُكَفِّراتٌ لِما بيْنَهنَّ إذا اجتُنِبَت الكبائِرُ». وعندَ الإفرادِ يَدخُلُ كُلٌّ منهما في الآخَرِ؛ فقَولُه تعالى: كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ [محمد: 2] يَتناولُ صَغائِرَها وكبائِرَها، وإذا فُهِمَ هذا فُهِمَ السِّرُّ في الوَعدِ على المصائِبِ والهُمومِ والغُمومِ، والنَّصَبِ والوَصَبِ بالتَّكفيرِ دونَ المَغفرةِ، كقَولِه في الحَديثِ الصَّحيحِ: «ما يُصيبُ المؤمِنَ مِن هَمٍّ ولا غَمٍّ ولا أذًى، حتى الشَّوكةُ يُشاكُها إلَّا كفَّرَ اللهُ بها مِن خَطاياه»؛ فإنَّ المصائبَ لا تَستَقِلُّ بمَغفرةِ الذُّنوبِ، ولا تُغفَرُ الذُّنوبُ جميعُها إلَّا بالتَّوبةِ، أو بحَسَناتٍ تَتضاءَلُ وتَتلاشَى فيها الذُّنوبُ). ((مدارج السالكين)) (1/318-319). .
كما قال الله تعالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ [النساء: 170] .
وقال سُبحانَه: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [العنكبوت: 7] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التغابن: 9] .
وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ.
أي: وأصْلحَ اللهُ شأْنَهم وحالَهم [13] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/180)، ((تفسير القرطبي)) (16/224)، ((تفسير ابن كثير)) (7/306)، ((تفسير السعدي)) (ص: 784). قال القرطبي: (وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ أي: شأنَهم، عن مجاهدٍ وغيرِه. وقال قتادةُ: حالَهم. ابن عبَّاسٍ: أمورَهم. والثلاثةُ متقاربةٌ، وهي متأوَّلةٌ على إصلاحِ ما تعلَّق بدُنياهم. وحكَى النَّقاشُ أنَّ المعنَى أصلَح نيَّاتِهم ... وهو على هذا التأوُّلِ محمولٌ على صلاحِ دينِهم). ((تفسير القرطبي)) (16/224). وقال ابنُ عطيةَ في قولِه تعالَى: بَالَهُمْ: (تَحريرُ التَّفسيرِ في اللَّفظةِ أنَّها بمَعنى الفِكرِ والموضِعِ الذي فيه نَظَرُ الإنسانِ، وهو القَلبُ، فإذا صَلَح ذلك صَلَحتْ حالُه، فكأنَّ اللَّفظةَ مُشيرةٌ إلى صَلاحِ عَقيدتِهم، وغيرُ ذلك من الحالِ تابعٌ). ((تفسير ابن عطية)) (5/109). وقال البقاعيُّ: (وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ أي: مَوضِعَ سِرِّهم وفِكرِهم؛ بالأمْنِ والتَّوفيقِ والسَّدادِ، وقُوَّةِ الفَهمِ والرَّشادِ لِما يُوفِّقُهم له مِن مَحاسِنِ الأعمالِ، ويُطيبُ به اسمَهم في الدَّاريَنِ. قال ابنُ بَرَّجانَ: وإذا أصلحَ ذلك من العبدِ صلَحَ ما يَدخُلُ إليه، وما يَخرُجُ عنه، وما يَثبُت فيه، وإذا فَسَد فبالضِّدِّ من ذلك). ((نظم الدرر)) (18/199). وقال ابنُ عاشور: (إصلاحُ البالِ يَجمَعُ إصلاحَ الأُمورِ كُلِّها؛ لأنَّ تصَرُّفاتِ الإنسانِ تأتي على حَسَبِ رأيِه؛ فالتَّوحيدُ أصلُ صلاحِ بالِ المؤمِنِ، ومنه تَنبعِثُ القُوى المقاوِمةُ للأخطاءِ والأوهامِ الَّتي تَلبَّس بها أهلُ الشِّركِ، وحَكاها عنهم القُرآنُ في مَواضِعَ كثيرةٍ، والمعنى: أقام أنظارَهم وعُقولَهم، فلا يُفَكِّرونَ إلا صالحًا، ولا يَتدبَّرون إلَّا ناجِحًا). ((تفسير ابن عاشور)) (26/75-76). وقال ابن جرير: (وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ يقولُ: وأصلَح شأنَهم وحالَهم في الدنيا عندَ أوليائِه، وفي الآخرةِ بأنْ أورَثهم نعيمَ الأبدِ والخلودَ الدَّائمَ في جِنانِه). ((تفسير ابن جرير)) (21/180). .
كما قال تعالَى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97] .
ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا كان الجَزاءُ مِن جِنسِ العَمَلِ؛ علَّل ما تَقدَّم مِن فِعْلِه بالفريقَينِ [14] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/199). .
ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ.
أي: ذلك الإضلالُ لأعمالِ الكافِرينَ بسَبَبِ اتِّباعِهم الباطِلَ، وإيثارِهم له على الحَقِّ [15] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/182)، ((الوسيط)) للواحدي (4/119)، ((تفسير ابن عطية)) (5/110)، ((تفسير ابن كثير)) (7/306)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/76)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/246). .
وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ.
أي: وذلك التَّكفيرُ لسَيِّئاتِ المؤمِنينَ وإصلاحُ بالِهم بسَبَبِ اتِّباعِهم الحَقَّ الَّذي جاءهم مِن رَبِّهم [16] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/182)، ((الوسيط)) للواحدي (4/119)، ((تفسير ابن عطية)) (5/110)، ((تفسير السعدي)) (ص: 784)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/76)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/246). .
كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ.
أي: مِثْلَ ذلك البَيانِ لحالِ أو مآلِ الكافِرينَ والمؤمِنينَ يُمثِّلُ اللهُ للنَّاسِ أصنافَهم وأحوالَهم، بحيثُ لا تخفَى ولا تَلتَبِسُ عليهم؛ فيَتبَيَّنُ لهم الخَبيثُ مِن الطَّيِّبِ، والحَقُّ مِن الباطِلِ [17] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/182)، ((تفسير القرطبي)) (16/225)، ((تفسير ابن كثير)) (7/306)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/200-201)، ((تفسير السعدي)) (ص: 784)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/77). قال الشنقيطيُّ: (أصلُ ضَرْبِ الأمثالِ يُرادُ منه بَيانُ الشَّيءِ بذِكرِ نَظيرِه الذي هو مِثلٌ له). ((أضواء البيان)) (7/247). وقال الزمخشريُّ: (فإنْ قُلتَ: أيْن ضَرْبُ الأمثالِ؟ قُلتُ: في أنْ جَعَل اتِّباعَ الباطِلِ مَثَلًا لعَمَلِ الكُفَّارِ، واتِّباعَ الحَقِّ مَثَلًا لعَمَلِ المؤمِنينَ، أو في أنْ جَعَل الإضلالَ مَثَلًا لخَيبةِ الكُفَّارِ، وتَكفيرَ السَّيِّئاتِ مَثلًا لفَوزِ المؤمِنينَ). ((تفسير الزمخشري)) (4/316). ويُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/119). .

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ أنَّ السَّيِّئةَ الثَّانيةَ قدْ تكونُ مِن عُقوبةِ الأُولى، فتكونُ مِن سيِّئاتِ الجزاءِ، معَ أنَّها مِن سيِّئاتِ العمَلِ [18] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (14/239، 241). .
2- في قَولِه تعالَى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا كان في مَقامِ الإخبارِ عنه، فلنا أنْ نُخبِرَ عنه باسمِه، كما أخبَرَ اللهُ سُبحانَه لَمَّا أخبَرَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأمَّا إذا خاطَبْناه فعليْنا أنْ نَتأدَّبَ بآدابِ اللهِ تعالَى، حيثُ قال: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 63] ، فلا نقولُ: يا محمَّدُ، يا أحمدُ، كما يَدْعو بَعضُنا بَعضًا، بل نقولُ: يا رَسولَ اللهِ، يا نبيَّ اللهِ [19] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (1/298). .
3- قَولُ اللهِ تعالَى: ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ عُلِمَ مِن هذا المثَلِ أنَّ مَنِ اتَّبَع الباطِلَ أضَلَّ اللهُ عمَلَه، ووفَّرَ سَيِّئاتِه، وأفسَدَ بالَه، ومَنِ اتَّبَع الحَقَّ عُمِلَ به ضِدُّ ذلك كائِنًا مَن كان؛ فهو غايةُ الحَثِّ على طَلَبِ العِلمِ في كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والعَمَلِ بهما [20] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/201). .
4- قَولُ اللهِ تعالَى: ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ المعنى: كهذا التَّبيينِ يُبيِّنُ اللهُ للنَّاسِ أحوالَهم، فلا يَبْقُوا في غَفلةٍ عن شُؤونِ أنفُسِهم، مَحجوبينَ عن تحقُّقِ كُنْهِهِم بحِجابِ التَّعوُّدِ؛ لئلَّا يختلطَ الخبيثُ بالطَّيِّبِ، ولكي يكونوا على بَصيرةٍ في شُؤونِهم، وفي هذا إيماءٌ إلى وُجوبِ التَّوَسُّمِ لِتَمييزِ المنافِقينَ عن المُسلِمينَ حَقًّا؛ فإنَّ مِن مَقاصِدِ السُّورةِ التَّحذيرَ مِن المنافِقينَ [21] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/77). .
5- في قَولِه تعالَى: ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ أنَّ سَبَبَ إضلالِ أعمالِ هؤلاء الَّذين كفَروا حتَّى لم تَنفَعْهم، وأنَّ أعمالَ هؤلاء الَّذين آمَنوا نفَعَتْهم، فكُفِّرَتْ سَيِّئاتُهم، وأصلحَ اللهُ بالَهم: أنَّ هؤلاء اتَّبَعوا الباطِلَ قَولًا وعَمَلًا، اعتِقادًا واقتِصادًا، خبَرًا وأمرًا؛ وهؤلاء اتَّبَعوا الحقَّ مِن ربِّهم، ولم يَتَّبِعوا ما هو مِن غيرِ ربِّهم، وإنْ كان حقًّا مِن وجْهٍ؛ فإنَّ الخبَرَ والعمَلَ تابعٌ للمُخبَرِ عنه وللمَقصودِ بالعَمَلِ، فإذا كان ذلك باطِلًا لا حَقيقَةَ له كان التَّابعُ كذلك، وإنْ كان مَوجودًا [22] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (2/419). . فمَنِ اتَّبعَ الباطِلَ فعَمَلُه باطِلٌ، ومَنِ اتَّبعَ الحَقَّ فأعمالُهُ حقٌّ؛ فهي ثابِتةٌ باقِيةٌ، لا زائلةٌ مُضمَحِلَّةٌ [23] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/246). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ أعلَمَ اللهُ المؤمِنينَ بأنَّه لا يُسَدِّدُ المُشرِكينَ في أعمالِهم، وأنَّه مُصلِحُ المؤمِنينَ؛ فكان ذلك كَفالةً للمُؤمِنينَ بالنَّصرِ على أعدائِهم [24] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/72). .
2- في قَولِه تعالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ أنَّ الكُفرَ إذا قارنَه عمَلٌ لم يُقبَلْ ذلك العَمَلُ، والعملُ يُحبَطُ بالكُفرِ؛ قال اللهُ سُبحانه: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [البقرة: 217] ، وقال: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] ، وقال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 9] ، وقال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 28] ؛ فلا يُحبِطُ الأعمالَ غيرُ الكُفرِ؛ لأنَّ مَن مات على الإيمانِ فإنَّه لا بُدَّ مِن أنْ يَدخُلَ الجنَّةَ، ويَخرُجَ مِن النَّارِ إنْ دخَلَها، ولو حَبِطَ عَمَلُه كُلُّه لم يَدخُلِ الجنَّةَ قطُّ، ولأنَّ الأعمالَ إنَّما يُحبِطُها ما يُنافيها، ولا يُنافي الأعمالَ مُطلقًا إلَّا الكُفرُ، وهذا مَعروفٌ مِن أُصولِ أهلِ السُّنَّةِ، نَعمْ قدْ يَبطُلُ بَعضُ الأعمالِ بوُجودِ ما يُفسِدُه، كما قال تعالَى: لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة: 264] ؛ ولهذا لم يُحبِطِ اللهُ الأعمالَ في كِتابِه إلَّا بالكُفرِ [25] يُنظر: ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص: 54، 55). .
3- قَولُ اللهِ تعالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ فيه بَحثٌ: أنَّ إضلالَ الأعمالِ مُرَتَّبٌ على الكُفرِ والصَّدِّ، والكفَّارُ المُستَضعَفونَ لم يَصُدُّوا، فلا يُضِلُّ أعمالَهم.
والجوابُ مِن وَجهَينِ:
الوَجهُ الأوَّلُ: التَّخصيصُ بالذِّكرِ لا يدُلُّ على نَفيِ ما عَداه، ولا سيَّما إذا كان المذكورُ أَولى بالذِّكرِ مِن غَيرِه، وهاهنا الكافِرُ الصادُّ أدخَلُ في الفَسادِ؛ فصار هو أَوْلى بالذِّكرِ.
الوَجهُ الثَّاني: أنَّ كُلَّ مَن كَفَر صار صادًّا لِغَيرِه؛ أمَّا المُستكبِرُ فظاهِرٌ، وأمَّا المُستضعَفُ فلأنَّه بمُتابَعتِه أثبَتَ للمُستكبِرِ ما يَمنَعُه مِن اتِّباعِ الرَّسولِ؛ فإنَّه بعْدَما يكونُ مَتبوعًا يشُقُّ عليه أنْ يَصيرَ تابِعًا، ولأنَّ كُلَّ مَن كفَرَ صار صادًّا لِمَن بعْدَه؛ لأنَّ عادةَ الكُفَّارِ اتِّباعُ المتقَدِّمِ، كما قال عنهم: إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف: 22] ، أي: مُقتدَونَ؛ فإنْ قيل: إنَّ كُلَّ كافِرٍ صادٌّ؛ فما الفائِدةُ في ذِكرِ الصَّدِّ بعْدَ الكُفرِ؟ فالجوابُ: أنَّ هذا مِن بابِ ذِكرِ السَّبَبِ، وعَطفِ المُسَبَّبِ عليه؛ تقولُ: (أكلتُ كَثيرًا وشَبِعتُ)، والكُفرُ على هذا سبَبُ الصَّدِّ [26] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/32). .
4- قال اللهُ عزَّ وجلَّ: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ فقَولُ اللهِ تعالَى: وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ، وقَولُه تعالَى: آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أفادَ نفْسَ المعنى؛ فما الحِكمةُ فيه، وكيف وَجهُه؟
الجوابُ: أمَّا وَجهُ ذلك فبَيانُه مِن وُجوهٍ:
الوَجهُ الأوَّلُ: أنَّه عَطفُ خاصٍّ على عامٍّ [27] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/306). ، وتَخصيصُه مِن بيْنِ ما يَجِبُ الإيمانُ به إعلامٌ بأنَّه لا يَصِحُّ الإيمانُ ولا يَتِمُّ إلَّا به [28] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/458). ، أو لأنَّه لَمَّا كان هذا الوَصفُ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا يخُصُّ أتْباعَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، خَصَّهم بقَولِه تعالَى: وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ، أي: مع ذلك [29] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/197). .
الوَجهُ الثَّاني: قَولُه: وَالَّذِينَ آَمَنُوا أي: باللهِ ورَسولِه واليَومِ الآخِرِ، وقَولُه: وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ أي: بجَميعِ الأشياءِ الواردةِ في كَلامِ اللهِ ورَسولِه؛ تَعميمٌ بعدَ أُمورٍ خاصَّةٍ، وهو حَسَنٌ؛ تقولُ: خَلَق اللهُ السَّمَواتِ والأرضَ وكُلَّ شَيءٍ؛ إمَّا على معنى: وكُلَّ شَيءٍ غيرَ ما ذَكَرْنا، وإمَّا على العُمومِ بعْدَ ذِكرِ الخُصوصِ.
الوَجهُ الثَّالثُ: أنْ يكونَ المعنى: آمَنوا وآمَنوا مِن قَبلُ بما نُزِّلَ على محمَّدٍ، وهو الحَقُّ المُعجِزُ الفارِقُ بيْن الكاذِبِ والصَّادِقِ. يعني: آمَنوا أوَّلًا بالمُعجِزِ، وأيْقَنوا بأنَّ القُرآنَ لا يَأتي به غيرُ اللهِ، فآمَنوا وعَمِلوا الصَّالحاتِ، والواوُ للجَمعِ المُطلَقِ، ويجوزُ أنْ يكونَ المتأخِّرُ ذِكرًا مُتقَدِّمًا وُقوعًا، وهذا كقَولِ القائِلِ: آمَنَ به، وكان الإيمانُ به واجِبًا، أو يكونَ بيانًا لإيمانِهم، كأنَّ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ، أي: آمَنوا وآمَنوا بالحَقِّ، كما يقولُ القائِلُ: خرَجْتُ وخرَجْتُ مُصيبًا، أي: وكان خُروجي جيِّدًا، حيثُ نَجَوتُ مِن كذا، ورَبِحتُ كذا؛ فكذلك لَمَّا قال: آَمَنُوا بيَّنَ أنَّ إيمانَهم كان بما أَمَر اللهُ وأنزَلَ اللهُ، لا بما كان باطِلًا مِن عندِ غيرِ اللهِ [30] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/34). .
5- قَولُ اللهِ تعالَى: آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ عطْفُ قولِه: وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ على قولِه: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن عطْفِ الخاصِّ على العامِّ، وهو دَليلٌ على أنَّ الإيمانَ بالقُرآنِ -الَّذي نُزِّلَ على نبيِّنا مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- شَرطٌ في صِحَّةِ الإيمانِ بعْدَ بَعثتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ [31] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/306)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/246). .
6- قولُه تعالَى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ فيه إشْعارٌ بأنَّ أعمالَ الكُفَّارِ -وإنْ كانتْ حَسَناتٍ- يُضِلُّها اللهُ تعالَى في غَمَراتِ كُفْرِهم، وحِرْمانِ مُتابَعةِ الحقِّ المُنزَّلِ مِن عِندِ اللهِ، وأنَّ سَيِّئاتِ المُؤمِنين يَستُرُها اللهُ في كَنَفِ إيمانِهم ومُتابَعتِهم الحقَّ، وإليه وَقَعَت الإشارةُ بقَولِه: كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ [32] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (14/321). .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ صَدَر التَّحريضُ على القِتالِ بتَوطئةٍ؛ لِبَيانِ غَضَبِ اللهِ على الكافِرينَ؛ لِكُفْرِهم وصَدِّهم النَّاسَ عن دِينِ اللهِ، وتَحقيرِ أمْرِهم عِندَ اللهِ؛ لِيَكونَ ذلك مُثيرًا في نُفوسِ المُسلِمينَ حَنَقًا عليهم، وكَراهيةً، فتَثورُ فيهمْ هِمَّةُ الإقدامِ على قِتالِ الكافِرين، وعَدَمِ الاكتِراثِ بما همْ فيه مِن قُوَّةٍ، حِين يَعلَمون اللهَ يَخذُلُ المُشرِكين ويَنصُرُ المُؤمِنين؛ فهذا تَمهيدٌ لِقَولِه تعالَى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [33] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/72). [محمد: 4] .
- وفي الابتِداءِ بالمَوصولِ والصِّلةِ المُتضمِّنةِ كُفْرَ الَّذين كَفَروا، ومُناوأَتَهم لِدِينِ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ...: تَشويقٌ لِمَا يَرِدُ بعْدَه مِن الحُكْمِ المُناسِبِ للصِّلةِ، وإيماءٌ بالمَوصولِ وصِلَتِه إلى عِلَّةِ الحُكْمِ عليه بالخَبَرِ، أي: لِأجْلِ كُفْرِهم وصَدِّهم. وفيه أيضًا بَراعةُ استِهلالٍ للغرَضِ المَقصودِ [34] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/73). .
- قولُه: وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّه، أي: صَدُّوا غَيرَهم؛ فيكونُ مِن بابِ العطْفِ لِلخاصِّ على العامِّ؛ لأنَّ إضلالَ الغَيرِ أشدُّ تَوغُّلًا في الضَّلالِ مِن ضَلالِ الشَّخصِ [35] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (14/320، 321). ، وهذا على قولٍ في التَّفسيرِ.
- وأُضِيفَ السَّبيلُ إلى اللهِ؛ لأنَّه الدِّينُ الذي ارْتَضاهُ اللهُ لِعِبادِه، وعُبِّرَ بالسَّبيلِ عن الدِّينِ؛ لأنَّ الدِّينَ يُوصِلُ إلى رِضَا اللهِ، كما يُوصِلُ السَّبيلُ السَّائرَ فيه إلى بُغْيَتِه [36] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/73). .
2- قَولُه تعالَى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ
- قولُه: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ مُقابلُ فَريقِ الَّذِينَ كَفَرُوا [37] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/74). ، وقدْ جاء في مُقابَلةِ الأوصافِ الثَّلاثةِ التي أُثبِتَتْ لِلَّذين كَفَروا بثَلاثةِ أوصافٍ ضِدِّها للمُسلمين؛ وهي: الإيمانُ مُقابِلُ الكُفْرِ، والإيمانُ بما نُزِّلَ على محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُقابِلُ الصَّدِّ عن سَبيلِ اللهِ، وعَمَلُ الصَّالحاتِ مُقابِلُ بَعضِ ما تَضمَّنَه أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 1] ، وكَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ مُقابِلُ بَعضٍ آخَرَ ممَّا تَضمَّنَه أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ، وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ مُقابِلُ بَقيَّةِ ما تَضمَّنَه أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ، وزِيدَ في جانِبِ المُؤمِنين التَّنويهُ بشَأْنِ القُرآنِ بالجُملةِ المُعترِضةِ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وهو نَظيرٌ لِوَصْفِه بسَبيلِ اللهِ في قَولِه: وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [38] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/74، 75). [محمد: 1] .
- وإيرادُ المَوصولِ وصِلَتِه وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ...؛ لِلْإيماءِ إلى وَجْهِ بِناءِ الخَبَرِ وعِلَّتِه، أي: لِأجْلِ إيمانِهم... إلخ [39] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/74). .
- قولُه: وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ فيه اخْتِصاصُ الإيمانِ بالمُنزَّلِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن بيْنِ ما يَجِبُ به الإيمانُ؛ تَعظيمًا لِشَأْنِ المنزَّلِ عليه، وإشعارًا بأنَّ الإيمانَ لا يَتِمُّ دونَه، وأكَّدَ ذلك بالجُملةِ الاعتراضيَّةِ التي هي قولُه: وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [40] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/315)، ((تفسير البيضاوي)) (5/119)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (14/321)، ((تفسير أبي حيان)) (9/458)، ((تفسير أبي السعود)) (8/91). .
- وفي قَولِه: وَهُوَ الْحَقُّ واعتِراضِه بيْن الكلامِ: إيذانٌ بأنَّ أعمالَ أولئك السَّادةِ المؤمنينَ ثابتةٌ غيرُ زائلةٍ؛ لأنَّ الحقَّ في مُقابَلةِ الباطلِ [41] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (14/321). .
- وعُبِّرَ عن الجَلالةِ في قولِه: وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ بوَصْفِ الرَّبِّ؛ زِيادةً في التَّنويهِ بشَأْنِ المُسلِمين، على نَحْوِ قَولِه: وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ [محمد: 11] ؛ فلذلك لم يَقُلْ: وصدُّوا عن سَبيلِ ربِّهم [42] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/75). .
3- قَولُه تعالَى: ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ
- قولُه: ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ فيه الإتيانُ باسمِ الإشارةِ ذَلِكَ لِتَمْييزِ المُشارِ إليه أكمَلَ تَمْييزٍ؛ تَنْويهًا به. وذَلِكَ مُبتَدأٌ، وقولُه: بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ إلخ خَبَرُه، والباءُ للسَّببيَّةِ، أيْ: ذلكَ كائنٌ بسَببِ أنَّ الأوَّلينَ اتَّبَعوا الشَّيطانَ ففَعَلوا ما فَعَلوا مِن الكُفْرِ والصَّدِّ؛ فبَيانُ سَببيَّةِ اتِّباعِه لِلْإضلالِ المَذكورِ مُتضمِّنٌ لِبَيانِ سَببيَّتِهما له؛ لِكَونِه أصلًا مُسْتتبِعًا لهما قطْعًا، وبسَببِ أنَّ الآخَرينَ اتَّبَعُوا الحقَّ الذي لا مَحيدَ عنه كائنًا مِن ربِّهم، ففَعَلوا ما فَعَلوا مِن الإيمانِ به وبكِتابِه ومِن الأعمالِ الصَّالحةِ؛ فبَيانُ سَببيَّةِ اتِّباعِه لِمَا ذُكرَ مِن التَّكفيرِ والإصلاحِ بعْدَ الإشعارِ بسَببيَّةِ الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ له؛ مُتضمِّنٌ لِبَيانِ سَبَبيَّتِهما له؛ لِكَونِه مَبدأً ومَنشَأً لهما حتْمًا، فلا تَدافُعَ بيْن الإشعارِ والتَّصريحِ في شَيءٍ مِن المَوضعَينِ. ويَجوزُ أنْ يُحمَلَ الباطلُ على ما يُقابِلُ الحقَّ -وهو الزَّائلُ الذَّاهبُ الذي لا أصْلَ له أصلًا-؛ فالتَّصريحُ بسَببيَّةِ اتِّباعهِ لإضلالِ أعْمالِهم وإبطالِها؛ لِبَيانِ أنَّ إبطالَها لِبُطلانِ مَبْناها وزَوالِه. ويَجوزُ أنْ يُرادَ بالباطلِ نفْسُ الكُفْرِ والصَّدِّ، وبالحقِّ نفْسُ الإيمانِ والأعمالِ الصالحةِ؛ فيكون التَّنصيصُ على سَببيَّتِهما لِمَا ذُكَرَ مِن الإضلالِ ومِن التَّكفيرِ والإصْلاحِ تَصْريحًا بالسَّببيَّةِ المُشعرِ بَها في المَوقعينِ. وفي هذا مُحسِّنُ الجمْعِ بعْدَ التَّفريقِ [43] الجمْعُ: أنْ يَجمَعَ مُتعدِّدًا في حُكمٍ واحدٍ. والتَّفريقُ: إيقاعُ تَبايُنٍ بيْنَ أمْرَينِ مِن نوعٍ واحدٍ. والجمعُ مع التَّفريقِ: أنْ تُدخِلَ شَيئين في معنًى واحدٍ، ثمَّ تُفَرِّقَ بيْنَ جِهتَيِ الإدخالِ، ومنه قولُه تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر: 42] ؛ فقدْ جمَع النَّفْسَينِ في حُكمِ التَّوفِّي، ثمَّ فرَّق بيْنَ جِهتَيِ التَّوفِّي بالحُكمِ بالإمساكِ والإرسالِ، أي: اللهُ يَتوفَّى الأنفُسَ: النَّفْسَ الَّتي تُقبَضُ، والنَّفْسَ الَّتي لم تُقبَضْ، فيُمسِكُ الأُولى، ويُرسِلُ الأُخرى. يُنظر: ((التبيان في البيان)) للطِّيبي (ص: 232-238)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/314-315)، ((البلاغة العربية)) لحبنكة (2/417-426). ويُسمُّونَه -كَعَكْسِه- التَّفسيرَ؛ لأنَّ في الجمْعِ تَفسيرًا لِلْمعنى الذي تَشترِكُ فيه الأشياءُ المُتفرِّقةُ، تقدَّمَ أو تَأخَّرَ [44] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/315)، ((تفسير البيضاوي)) (5/119)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (14/323)، ((تفسير أبي السعود)) (8/92)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/76). .
- ووَصْفُ الحقِّ بأنَّه مِنْ رَبِّهِمْ تَنْويهٌ به، وتَشريفٌ لهم [45] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/77). .
- قولُه: كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ تَذْييلٌ لِمَا قبْلَه، أي: مِثلَ ذلك التَّبْيينِ لِلحالينِ يُبيِّنُ اللهُ الأحوالَ للنَّاسِ بَيانًا واضِحًا [46] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/77). .