موسوعة التفسير

سورةُ مُحمَّدٍ
الآيات (7-11)

ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ

غريب الكلمات:

فَتَعْسًا: أي: عِثارًا وسُقوطًا وهَلاكًا، يُقالُ للعاثِرِ: تَعْسًا: إذا لم يُريدوا قيامَه، وأصلُ (تعس): يدُلُّ على الكَبِّ [117] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 410)، ((المفردات)) للراغب (ص: 166)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 355)، ((تفسير القرطبي)) (16/233)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 381). .
فَأَحْبَطَ: أي: فأبطَلَ وأذهَبَ الأجرَ، وأصلُ (حبط): يدُلُّ على بُطْلانٍ [118] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/55) و(21/221)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/129)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (9/5813)، ((المفردات)) للراغب (ص: 216). .
عَاقِبَةُ: أي: خاتمةُ. وعاقبةُ كلِّ شَيءٍ: آخرُه، أو: ما يُؤدِّي إليه السَّببُ المتقدِّمُ، والعاقِبةُ تختصُّ بالثَّوابِ إذا أُطلِقتْ، وقد تُستعمَلُ في العقوبةِ إذا أُضيفَتْ، وأصلُ (عقب): تأخيرُ شَيءٍ، وإتيانُه بعدَ غَيرِه [119] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/257) و(20/305)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/77)، ((المفردات)) للراغب (ص: 575)، ((تفسير القرطبي)) (8/365)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 129). .
دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: أي: أهلَكَهم. وأصلُ التَّدميرِ: إدخالُ الهلاكِ على المُهلَكِ، وأصلُ (دمر): يدُلُّ على الدُّخولِ في البَيتِ وغيرِه [120] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/300)، ((المفردات)) للراغب (ص: 318)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 355)، ((عمدة الحفاظ)) للسمين الحلبي (2/22، 23). .
مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا: أي: وَلِيُّهم وناصِرُهم، والمَوْلَى: الوَلِيُّ القَريبُ، والحَليفُ، والنَّاصِرُ، وأصلُ (ولي): يدُلُّ على القُرْبِ [121] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/141)، ((المفردات)) للراغب (ص: 885)، ((تفسير القرطبي)) (16/234)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/312). .

المعنى الإجمالي:

يُبشِّرُ الله تعالى المؤمنينَ بنَصرِه إذا نصَروا دينَه، فيقولُ: يا أيُّها الَّذين آمَنوا إن تَنصُروا دينَ الله ورسولَه يَنصُرْكم اللهُ، ويُثبِّتْ أقدامَكم عندَ قِتالِ أعدائِكم.
ثمَّ يَتوعَّدُ اللهُ تعالَى الكافِرينَ بالخَيبةِ والخُسْرانِ، فيقولُ: والَّذين كَفَروا بالحَقِّ فخِزْيًا لهم وهلاكًا، وسُقوطًا لا قيامَ بَعْدَه، وجَعَل اللهُ أعمالَهم باطِلةً.
ثمَّ يُبيِّنُ الله سبحانَه الأسبابَ الَّتي أدَّتْ بهم إلى الخُسرانِ، فيقولُ: ذلك الإتْعاسُ للكافِرينَ بسَبَبِ أنَّهم كَرِهوا القُرآنَ الَّذي أنزَلَه اللهُ، فأبطَلَ اللهُ أعمالَهم.
ثمَّ يُوبِّخُ الكافِرينَ على عدمِ الاعتبارِ بمصيرِ الَّذين مِن قَبْلِهم، فيقولُ: أفلَمْ يَسِرِ المُشرِكونَ في الأرضِ فيَنظُروا كيف كانت نهايةُ الكُفَّارِ الَّذين مِن قبْلِهم، أهلَكَهم اللهُ واستأصَلَهم، ولِغَيرِهم مِنَ الكُفَّارِ أمثالُ تلك العاقِبةِ مِن الهلاكِ والدَّمارِ إن لم يُؤمِنوا.
ذلك النَّصرُ للمُؤمِنينَ والهَلاكُ للكافِرينَ بسَبَبِ أنَّ اللهَ يَتولَّى المؤمنينَ ويَنصُرُهم، وأنَّ الكافِرينَ لا وَلِيَّ لهم يَتولَّاهم ويَنصُرُهم.

تفسير الآيات:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا ذَكرَ اللهُ تعالى القِتالَ، تشَوَّفَ السَّامعُ إلى حالِ المُقاتِلِ مِنَ النَّصرِ والخِذلانِ؛ فأجابَ بما يُعرِّفُ بشَرطِ النَّصرِ [122] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/208). .
وأيضًا لَمَّا ذكَرَ أنَّه لو شاءَ اللهُ لَانتصَرَ منهم، عُلِمَ منْه أنَّ ما أمَرَ به المُسلِمينَ مِن قِتالِ الكُفَّارِ إنَّما أرادَ منه نَصْرَ الدِّينِ بقَطْعِ شَوكةِ أعْدائِه الَّذين يَصُدُّونَ النَّاسَ عنه؛ أتْبَعَهُ بالتَّرغيبِ في نَصْرِ اللهِ، والوعْدِ بتَكفُّلِ اللهِ لهم بالنَّصرِ إنْ نَصَروه، وبأنَّه خاذِلٌ الَّذين كَفَروا بسَبَبِ كَراهيتِهم ما شَرَعَه مِن الدِّينِ [123] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/84). .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ.
أي: يا أيُّها الَّذين آمَنوا إن تَنصُروا دينَ الله ورسولَه يَنصُرْكم اللهُ [124] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/193)، ((تفسير ابن عطية)) (5/112)، ((تفسير السعدي)) (ص: 785)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/85). ممَّن اختار أنَّ المعنى: إن تَنصُروا دينَ اللهِ ورسولَه يَنصُرْكم على عدوِّكم: البغويُّ، والزمخشري، وابن الجوزي، والرَّسْعَني، والبيضاوي، والنسفي، والخازن. يُنظر: ((تفسير البغوي)) (4/211)، ((تفسير الزمخشري)) (4/318)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/117)، ((تفسير الرسعني)) (7/253)، ((تفسير البيضاوي)) (5/120)، ((تفسير النسفي)) (3/324)، ((تفسير الخازن)) (4/141). وقال بعضُ المفسِّرينَ: المعنى: إن تَنصُروا دينَ اللهِ يَنصُرْكم على أعدائِكم. وممَّن قال ذلك واقتصَر عليه: السَّمَرْقَنْديُّ، والقرطبي، والعُلَيمي، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (3/299)، ((تفسير القرطبي)) (16/232)، ((تفسير العليمي)) (6/312)، ((تفسير الشوكاني)) (5/38). قال الواحدي: (قال أهل المعاني: إن تَنصُروا دينَ اللهِ ورسولَه بالجهادِ، إلَّا أنَّه أُضيفَ النَّصرُ إلى اللهِ تفخيمًا لِشأنِه وتعظيمًا، وتلَطُّفًا في الاستِدعاءِ إليه، كالتَّلطُّفِ في مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ [البقرة: 245] ). ((البسيط)) (20/226). وقال ابن عطيَّة: (وقولُه تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ فيه حذْفُ مُضافٍ، أي: دينَ اللهِ ورسولَه، والمعنى: تَنصُروه بجِدِّكم واتِّباعِكم وإيمانِكم يَنْصُرْكُمْ بخلْقِ القوَّةِ لكم، والجرأةِ، وغيرِ ذلك مِن المعارِفِ). وفسَّر السعديُّ نصْرَ اللهِ بالقيامِ بدينِه، والدَّعوةِ إليه، وجهادِ أعدائِه، والقَصدِ بذلك وجْهَ الله تعالى. وفسَّر نصْرَ اللهِ لهم وتثبيتَ أقدامِهم بالرَّبطِ على قُلوبِهم بالصَّبرِ والطُّمأنينةِ والثَّباتِ، وأن يُصبِّرَ أجسامَهم على ذلك، ويُعينَهم على أعدائِهم. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 785). وقال البِقاعي: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ أي: يَتجدَّدْ لكم نيَّةٌ مُستمِرَّةٌ وفِعلٌ دائمٌ على نُصرةِ دِينِ الملِكِ الأعظَمِ، بإيضاحِ أدلَّتِه وتَبيينِها، وتَوهيةِ شُبَهِ أهلِ الباطلِ وقتالِهم، ويكونُ ذلك خالصًا له). ((نظم الدرر)) (18/209). قال السمعاني: (والنَّصرُ مِن الله: هو الحِفظُ والهِدايةُ. وعن قَتادةَ قال: مَن يَنصُرِ اللهَ يَنصُرْه، ومَن يَسألْه يُعِطْه. ويُقالُ: يَنصُرْكم بتَغليبِكم على عدوِّكم، وإعلائِكم عليهم). ((تفسير السمعاني)) (5/170). .
كما قال الله تبارك وتعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج: 40] .
وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ.
أي: ويُثبِّتْ أقدامَكم عندَ قِتالِ الكُفَّارِ؛ فلا تخافونَ منهم، ولا تَفِرُّونَ مهما كَثُرَ عَددُهم وقَوِيَتْ عُدَّتُهم [125] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/193)، ((تفسير السمعاني)) (5/170)، ((تفسير الزمخشري)) (4/318)، ((تفسير القرطبي)) (16/232)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/251). قال الواحدي: (قال الكَلْبيُّ ومُقاتِلٌ: يعني: عندَ القِتالِ. وقيل: علي الإسلامِ. ورُويَ عن ابنِ عبَّاسٍ: على الصِّراطِ). ((البسيط)) (20/226). وممَّن اختار القولَ الأوَّلَ: أنَّ التَّثبيتَ عندَ القتالِ (أي: بالنَّصرِ والمَعونةِ والعِصمةِ مِن الفِرارِ): السمرقنديُّ، والسمعاني، والبغوي، وابن الجوزي، والقرطبي، والعُلَيمي، والشوكاني، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (3/299)، ((تفسير السمعاني)) (5/170)، ((تفسير البغوي)) (4/211)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/117)، ((تفسير القرطبي)) (16/232)، ((تفسير العليمي)) (6/312)، ((تفسير الشوكاني)) (5/38)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/251). وقال البقاعي: (وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ أي: تثبيتًا عظيمًا، بأن يَمْلأَ قُلوبَكم سكينةً واطمئنانًا، وأبدانَكم قوَّةً وشجاعةً في حالِ القتلِ، ووقْتَ البحثِ والجدالِ، وعندَ مُباشرةِ جميعِ الأعمالِ، فتَكونوا عالينَ قاهِرينَ في غايةِ ما يكونُ مِن طِيبِ النُّفوسِ، وانشِراحِ الصُّدورِ؛ ثقةً باللهِ، واعتِزازًا به وإن تَمالَأَ عليكم أهلُ الأرضِ). ((نظم الدرر)) (18/209). .
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه تعالى لَمَّا قال: وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: 7] ، جاز أنْ يُتوهَّمَ أنَّ الكافِرَ أيضًا يَصبِرُ ويَثبُتُ للقِتالِ؛ فيَدومُ القِتالُ والحِرابُ والطِّعانُ والضِّرابُ، وفيه المَشقَّةُ العَظيمةُ، فقال تعالى: لكمُ الثَّباتُ، ولهمُ الزَّوالُ والتَّغيُّرُ والهَلاكُ؛ فلا يكونُ الثَّباتُ؛ ففي الآيةِ زِيادةٌ في تَقويةِ قُلوبِ المُؤمِنين [126] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/42). .
وأيضًا لَمَّا ذَكرَ أهلَ الإيمانِ؛ بيَّن ما لأهلِ الكُفرانِ [127] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/209). ، فقال:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ.
أي: والَّذين كَفَروا بالحَقِّ فخِزيًا لهم وشَقاءً وهَلاكًا، وعِثارًا وسُقوطًا لا قيامَ بَعدَه [128] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/193، 194)، ((تفسير القرطبي)) (16/232، 233)، ((تفسير ابن كثير)) (7/310)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/209، 210)، ((تفسير السعدي)) (ص: 785)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/85، 86). قال البِقاعي: (فَتَعْسًا أي: فقد عَثَروا، فيُقالُ لهم ما يُقالُ للعاثِرِ الَّذي يُرادُ أنَّه لا يقومُ: تَعْسًا لا قيامَ معه، كما يُقالُ لِمن عَثَر وأُريدَ قيامُه: لَعًا [أي: ارتفاعًا] لك). ((نظم الدرر)) (18/210). .
وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ.
أي: وجَعَل اللهُ أعمالَهم باطِلةً لا نَفْعَ فيها [129] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/193)، ((تفسير القرطبي)) (16/233)، ((تفسير ابن كثير)) (7/310)، ((تفسير السعدي)) (ص: 785). .
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا بيَّنَ اللهُ تعالى ما صنَعَ بالمُشرِكينَ؛ لِيَجتَرئَ به حِزبُه عليهم- بيَّنَ سَبَبه؛ لِيُجتَنَبَ [130] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/210). .
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9).
أي: ذلك الإتْعاسُ للكافِرينَ وإضلالُ أعمالِهم بسَبَبِ أنَّهم كَرِهوا القُرآنَ الَّذي أنزَلَه اللهُ، فأبغَضُوه ولم يَقبَلوه ولم يَتَّبِعوه؛ فأبطَلَ اللهُ أعمالَهم، فلا يَنتَفِعونَ منها في الدُّنيا، ولا في الآخِرةِ [131] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/194)، ((تفسير القرطبي)) (16/233)، ((تفسير السعدي)) (ص: 785)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/86، 87). !
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا كان لا يَستَهينُ بهذه القَضايا، ويَجترِئُ مِثلَ هذه البَلايا إلَّا مَن أمِنَ العُقوبةَ، ولا يأمَنُ العُقوبةَ إلَّا مَن أعرَضَ عنِ اللهِ سُبحانَه وتعالى، وكان يَكْفي في الصَّدِّ عنِ الأمْرَيْنِ وقائِعُه تعالى بالأُمَمِ الخالِيَةِ مِن أجْلِ تَكْذيبِ رُسُلِه، ومُناصَبةِ أولِيائِه، والاعتِداءِ على حُدودِه؛ قال تعالى [132] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/211). :
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.
أي: أفلم يُسافِرِ المُشرِكونَ في الأرضِ فيَنظُروا كيف كانت نهايةُ الكُفَّارِ الَّذين مِن قَبْلِهم بسَبَبِ كُفرِهم [133] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/195)، ((تفسير ابن كثير)) (7/311)، ((تفسير السعدي)) (ص: 785)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/87). ؟
دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
أي: أهلَكَ اللهُ مَنازِلَهم وأموالَهم، وأبادَهم واستأصَلَهم [134] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/195)، ((تفسير الزمخشري)) (4/319)، ((تفسير القرطبي)) (16/234)، ((تفسير ابن كثير)) (7/311)، ((تفسير السعدي)) (ص: 785)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/87، 88). .
وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا.
أي: ولِغَيرِهم مِنَ الكُفَّارِ أمثالُ تلك العاقِبةِ مِن الهلاكِ والدَّمارِ إن لم يُؤمِنوا [135] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/195)، ((تفسير السمرقندي)) (3/299)، ((تفسير القرطبي)) (16/234)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/212، 213). ممَّن اختار أنَّ المرادَ بقولِه: وَلِلْكَافِرِينَ أي: كفَّارُ مكَّةَ: ابنُ جرير، والثعلبي، ومكِّي، والبغوي، والقرطبي، وابنُ جُزَي، والشوكاني، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/195)، ((تفسير الثعلبي)) (9/31)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (11/6892)، ((تفسير البغوي)) (4/211)، ((تفسير القرطبي)) (16/234)، ((تفسير ابن جزي)) (2/281)، ((تفسير الشوكاني)) (5/39)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/88). ومِن المفسِّرين مَن قال: المرادُ: كفَّارُ هذه الأمَّةِ. وممَّن اختاره: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والسمرقنديُّ، والرَّسْعَني، والنسفي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/45)، ((تفسير السمرقندي)) (3/299)، ((تفسير الرسعني)) (7/255)، ((تفسير النسفي)) (3/324). وقال ابن أبي زَمَنين: (وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا يعني: عاقِبةَ الَّذين تقومُ عليهم السَّاعةُ؛ كفَّارِ آخِرِ هذه الأمَّةِ: يهْلكُونَ بالنَّفخةِ الأولى). ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/238). ويحتمِلُ أنْ يكونَ المرادُ: لهم أمثالُها في الآخرةِ، كأنَّه يقولُ: دَمَّر اللَّهُ عليهم في الدُّنيا، ولهم في الآخرةِ أمثالُها. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/43). وقال السعديُّ: (وللكافِرين في كلِّ زمانٍ ومكانٍ أمثالُ هذه العواقِبِ الوَخيمةِ، والعُقوباتِ الذَّميمةِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 785). وفي قوله: وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا قال أبو حيَّان: (أي: أمثالُ تلك العاقِبةِ والتَّدميرةِ الَّتي يدُلُّ عليها دَمَّرَ، أو: الهَلَكةِ؛ لأنَّ التَّدميرَ يدُلُّ عليها، أو السُّنَّة، لقولِه عزَّ وجلَّ: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا [الأحزاب: 38، 62]. والوجهُ الأوَّلُ هو الرَّاجحُ؛ لأنَّ العاقبةَ مَنطوقٌ بها، فعاد الضَّميرُ على المَلْفوظِ به، وما بَعْدَه مَقولُ القَولِ). ((تفسير أبي حيان)) (9/464). ممَّن اختار أنَّ المرادَ: أمثالُ تلك العاقِبةِ: ابنُ جرير، والزَّجَّاجُ، وابنُ أبي زَمَنين، وابن الجوزي، وجلال الدين المحلي، والعُلَيمي، والشوكاني، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 195)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/8)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/238)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/117)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 674)، ((تفسير العليمي)) (6/313)، ((تفسير الشوكاني)) (5/39)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/88). قال الشوكاني: (وإنَّما جُمِعَ [أي: لفظُ أَمْثَالُهَا]؛ لأنَّ العواقِبَ مُتَعدِّدةٌ بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الأُمَمِ المُعذَّبةِ). ((تفسير الشوكاني)) (5/39). وقال القرطبي: (وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا أي: أمثالُ هذه الفَعلةِ، يعني: التَّدميرَ). يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (16/234). وقال النسفي: (أَمْثَالُهَا أمثالُ تلك الهَلكةِ؛ لأنَّ التَّدميرَ يدُلُّ عليها). ((تفسير النسفي)) (3/324). وقال مُقاتِلٌ والسَّمَرْقَنْديُّ: أَمْثَالُهَا أي: مِن العذابِ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/ 45)، ((تفسير السمرقندي)) (3/299). وقال الشنقيطي: (قاسَ الموجودينَ في زمَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على الأُممِ الماضيةِ، وقال لهم: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ثم بيَّن إلحاقَ النَّظيرِ بالنَّظيرِ فقال: وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا، فكأنَّ المَوجودينَ في زمنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فرعٌ، والكفَّارُ المتقدِّمون أصلٌ، والحُكمُ الَّذي عمَّهم المُهدَّدُ به: العذابُ والهلاكُ، والعِلَّةُ الجامعةُ: تكذيبُ الرُّسلِ، والتَّمرُّدُ على ربِّ العالَمينَ. وأمثالُ هذا في القرآنِ كثيرةٌ). ((العذب النمير)) (3/140). .
كما قال تعالى: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ [المرسلات: 16 - 18].
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بَيَّنَ اللهُ تعالى أنَّه يُعْلي أولياءَه، ويُذِلُّ أعداءَه؛ بيَّنَ عِلَّتَه، فقال [136] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/213). :
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا.
أي: ذلك النَّصرُ للمُؤمِنينَ والإهلاكُ للكافِرينَ بسَبَبِ أنَّ اللهَ يَتولَّى الَّذين آمَنوا فيَنصُرُهم [137] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/196)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1001)، ((تفسير القرطبي)) (16/234)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/213). ممَّن اختار أنَّ اسمَ الإشارةِ يعودُ إلى الفِعلِ الَّذي فعَله اللهُ تعالى مِن نصْرِ المؤمنينَ وإهلاكِ الكافرين: ابنُ جرير، والواحديُّ، والرَّسْعَني، والبِقاعي، والعُلَيمي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/196)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1001)، ((تفسير الرسعني)) (7/255)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/213)، ((تفسير العليمي)) (6/313). وقيل: اسمُ الإشارةِ يعودُ إلى ما ذُكِر مِن أنَّ للكافرين أمثالَها. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: أبو السعود، والشوكاني، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/94)، ((تفسير الشوكاني)) (5/39)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/88). قال ابن عاشور: (اسمُ الإشارةِ مُنصَرِفٌ إلى مَضمونِ قَولِه: وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [محمد: 10] ، بتأويلِ: ذلك المذكورُ). ((تفسير ابن عاشور)) (26/88). .
كما قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ... [البقرة: 257] .
وقال سُبحانَه: بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران: 150، 151].
وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ.
أي: وبسَبَبِ أنَّ الكافِرينَ لا وَلِيَّ لهم يَتولَّاهم فيَنصُرهم [138] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/197)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1001)، ((تفسير القرطبي)) (16/234)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/213)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/89). .
كما قال تعالى: وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [العنكبوت: 25].
وقال سُبحانَه: وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الشورى: 46] .
وعن البراءِ رَضِيَ اللهُ عنه في حديثِ غَزوةِ أُحُدٍ: ((... قال أبو سُفْيانَ: لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أجيبُوه. قالوا: ما نقولُ؟ قال: قولوا: اللهُ مَوْلانا ولا مَوْلَى لكم )) [139] رواه البخاري (4043). .

الفوائد التربوية:

1- قَولُ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ هذا أمرٌ منه تعالى للمُؤمِنينَ أن يَنصُروا اللهَ بالقيامِ بدينِه، والدَّعوةِ إليه، وجِهادِ أعدائِه -على قولٍ في التَّفسيرِ-، والقَصدِ بذلك وَجْهَ اللهِ؛ فإنَّهم إذا فعَلوا ذلك نصَرَهم اللهُ وثَبَّت أقدامَهم، فهذا وعدٌ مِن كريمٍ صادقِ الوَعدِ أنَّ الَّذي يَنصُرُه بالأقوالِ والأفعالِ سيَنصُرُه مَولاه، ويُيَسِّرُ له أسبابَ النَّصرِ مِن الثَّباتِ وغَيرِه [140] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 785). .
2- قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ دليلٌ على أنَّ مَنِ استَشعَرَ التَّقوى في مَقاصِدِه، وأخلَصَ النِّيَّةَ لله في أعمالِه؛ لم يُسْلِمْه اللهُ إلى عَدُوِّه، ولم يُعْلِه عليه، وكان الظَّفَرُ له على مَن ناوَأَه [141] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/150). .
3- قَولُ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ فيه وَعيدٌ للأُمَّةِ بأنَّها إن تخلَّت عن نَصرِ اللهِ، والجهادِ في سَبيلِه، والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ؛ وكَلَها سُبحانَه إلى نَفْسِها، وتخلَّى عن نَصرِها، وسلَّط عليها عَدُوَّها، ولقد وُجِدَ بعضُ ذلك مِن تسَلُّطِ الفَسَقةِ لَمَّا وُجِدَ التَّهاوُنُ في بعضِ ذلك، والتَّواكُلُ فيه [142] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/211). .
4- قَولُ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ فيه أنَّ الَّذين يَرتَكِبونَ جميعَ المعاصي ممَّن يتَسَمَّونَ باسمِ المُسلِمينَ، ثمَّ يقولونَ: إنَّ اللهَ سيَنصُرُنا- مَغررونَ؛ لأنَّهم لَيسُوا مِن حِزبِ اللهِ المَوعودينَ بنَصرِه [143] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/252). !
5- قَولُه تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فيه الحَثُّ على السَّيرِ في الأرضِ، والنَّظرِ في أحوالِ الأممِ السَّابقةِ والاعتبارِ؛ وجْهُ الدَّلالةِ: أنَّ اللهَ وَبَّخَهم على عدَمِ السَّيرِ والنَّظرِ والاعتبارِ [144] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 545، 546). .
6- قيلَ في قَولِه تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا: يَصِحُّ أن يُقالَ: إنَّ هذه أرْجى آيةٍ في القُرآنِ الكريمِ؛ ذلك بأنَّه سُبحانَه يقولُ: بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا، ولم يَقُلْ: مَوْلى الزُّهَّادِ والعُبَّادِ وأصْحابِ الأوْرادِ والاجتِهادِ؛ فالمُؤمِنُ -وإنْ كان عاصِيًا- مِن جُملةِ الَّذين آمَنوا [145] يُنظر: ((تفسير القشيري)) (3/406). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ أنَّ العَهدَ الموَثَّقَ بيْنَ اللهِ وبيْنَ عِبادِه بالنَّصرِ هو أنْ يكونَ النَّصرُ مُتبادَلًا [146] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/212). .
2- في قَولِه تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ أنَّ الجزاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ [147] يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب الحنبلي (1/465). .
3- تَركُ امتِثالِ الطَّاعةِ إنْ كان سَبَبُه كراهةَ ما جاء به الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فهذا كفرٌ مُخرِجٌ عن المِلَّةِ، كما قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ، وإنْ كان تكاسُلًا وكراهةً لهذا العَمَلِ نَفْسِه، لا لأنَّ الرَّسولَ جاء به؛ فهذا لا يُخرِجُ مِن الملَّةِ، وهذه مَسألةٌ يجِبُ التَّفَطُّنُ لها [148] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/201). .
4- في قَولِه تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ثبوتُ الأسبابِ [149] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/212). .
5- في قَولِه تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا أنَّ سُنَّةَ اللهِ في الخَلقِ واحِدةٌ؛ فالَّذي أهلكَ الأممَ السَّابقةَ بذُنوبِهم يُهلِكُ بعضَ هذه الأُمَّةِ أيضًا بذُنوبِهم [150] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/606). .
6- في قَولِه تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا إنذارُ المكذِّبِينَ لِرَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ اللهَ ذَكَر كيف كان عاقِبةُ الَّذين مِن قَبْلِهم، وكان عاقِبتَهم الدَّمارُ والهلاكُ. والمعنى: لا تَظُنُّوا أنَّ الدَّمارَ الَّذي لَحِقَ المكذِّبينَ السَّابِقينَ أنَّه خاصٌّ بهم، بل إذا كَذَّبتُم أصابَكم ما أصابَهم [151] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فاطر)) (ص: 186). .
7- أخبَر اللهُ تعالى في كتابِه أنَّه وليُّ المُؤمِنينَ، وأنَّه يَتولَّى الصَّالِحينَ، وذلك يَتضَمَّنُ أنَّه يَتولَّى مَصالِحَهم في الدُّنيا والآخِرةِ، ولا يَكِلُهم إلى غَيرِه، ومِن ذلك قَولُه تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ، وقولُه: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [152] يُنظر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (3/110). [البقرة: 257] .
8- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ فيه سُؤالٌ: كيفَ الجَمعُ بيْنَ قَولِه تعالى: لَا مَوْلَى لَهُمْ، وبينَ قَولِه: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ [يونس: 30] ؟
الجوابُ: أنَّ (المولى) ورد بمعنى: السَّيِّدِ والرَّبِّ والنَّاصِرِ؛ فحيث قال: لَا مَوْلَى لَهُمْ أراد: لا ناصِرَ لهم، وحيثُ قال: مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أي: ربِّهم ومالِكِهم، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ [النساء: 1] ، وقال: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [الشعراء: 26] [153] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/44). . فالمرادُ بالمَولَى في هذا الموضعِ مِن سورةِ (محمَّدٍ): الوليُّ والنَّاصرُ، والمعنى: أنَّ اللهَ يَنصُرُ الَّذين يَنصُرون دِينَه، وهمُ الَّذين آمَنوا، ولا يَنصُرُ الَّذين كَفَروا به فأشْرَكوا معه في إلهيَّتِه، وإذا كان لا يَنصُرُهم فلا يَجِدونَ نَصيرًا؛ لأنَّه لا يَستطيعُ أحدٌ أنْ يَنصُرَهم على اللهِ؛ فنفْيُ جِنسِ المَولى لهم بهذا المعنَى مِن مَعاني المَولى؛ فقولُه: وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ أفادَ شَيئينِ: أنَّ اللهَ لا يَنصُرُهم، وأنَّه إذا لم يَنصُرْهم فلا ناصِرَ لهم. وأمَّا إثْباتُ المَولى لِلمُشرِكين في قَولِه تَعالى: ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ إلى قَولِه: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [يونس: 28-30] ، فذلك المَولى بمَعنًى آخَرَ، وهو معنَى: المالِكِ والرَّبِّ؛ فلا تَعارُضَ بيْنَهما [154] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/89). .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
- افتُتِحَ التَّرغيبُ بنِدائهِم بصِلةِ الإيمانِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا؛ اهتِمامًا بالكلامِ، وإيماءً إلى أنَّ الإيمان يَقْتضي منْهم ذلك، والمَقصودُ تَحْريضُهم على الجِهادِ في المُستقبَلِ بعْدَ أنِ اجْتَنَوا فائدتَه مُشاهَدةً يَومَ بَدْرٍ [155] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/84). .
- وفي قَولِه: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ جِيءَ في الشَّرْطِ بحَرْفِ (إنْ) الَّذي الأصلُ فيه عَدَمُ الجَزْمِ بوُقوعِ الشَّرطِ؛ للإشارةِ إلى مَشقَّةِ الشَّرْطِ وشِدَّتِه؛ لِيُجعَلَ المَطلوبُ به كالَّذي يُشَكُّ في وَفائِه به [156] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/85). .
2- قَولُه تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ هذا مُقابِلُ قَولِه: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 4] ؛ فإنَّ المُقاتِلينَ في سَبيلِ اللهِ همُ المُؤمِنون، فهذا عطْفٌ على جُملةِ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [محمد: 4] الآيةَ [157] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/85). .
- والتَّعْسُ: الشَّقاءُ، ومِن بَدائعِ القُرآنِ وُقوعُ فَتَعْسًا لَهُمْ في جانِبِ الكُفَّارِ في مُقابَلةِ قَولِه للمُؤمنينَ: وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: 7] [158] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/85). . وانتصَبَ فَتَعْسًا على المَفعولِ المُطلَقِ بَدَلًا مِن فِعلِه، والتَّقديرُ: فتَعِسوا تَعْسَهم، وهو مِن إضافةِ المَصدرِ إلى فاعِلِه، وقُصِدَ مِن الإضافةِ اختِصاصُ التَّعْسِ بهم. ويَجوزُ أنْ يَكونَ فَتَعْسًا لهم مُستعمَلًا في الدُّعاءِ عليهم؛ لِقَصْدِ التَّحقيرِ والتَّفظيعِ، وذلك مِن استِعمالاتِ هذا المُركَّبِ، وحينَئذٍ يَتعيَّنُ في الآيةِ فِعلُ قَولٍ مَحذوفٍ، تَقديرُه: فقال اللهُ: تَعْسًا لهم، أو فيُقالُ: تَعْسًا لهم [159] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/86). .
- قولُه: وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ المُرادُ بأعمالِهم: الأعمالُ الَّتي يَرْجُون منها النَّفْعَ في الدُّنيا؛ لأنَّهم لمْ يَكونوا يَرْجُون نَفْعَها في الآخِرةِ؛ إذْ هم لا يُؤمِنون بالبَعثِ، وإنَّما كانوا يَرْجُون مِن الأعمالِ الصَّالحةِ رِضا اللهِ ورِضا الأصنامِ؛ لِيَعيشوا في سَعةِ رِزْقٍ، وسَلامةٍ، وعافيةٍ، وتَسلَمَ أولادُهم وأنْعامُهم؛ فالأعْمالُ المُحبَطةُ بَعضُ الأعمالِ المُضلَّلةِ، وإحْباطُها هو عَدَمُ تَحقُّقِ ما رَجَوه منْها؛ فهو أخَصُّ مِن إضْلالِ أعْمالِهم في قَولِه تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 1] أوَّلَ السُّورةِ. والمَقصودُ مِن ذِكرِ هذا الخاصِّ بعْدَ العامِّ التَّنبيهُ على أنَّهم لم يَنتَفِعوا بها؛ لِئلَّا يَظُنَّ المُؤمِنون أنَّها قدْ تُخفِّفُ عنْهم مِن العَذابِ؛ فقدْ كانوا يَتساءَلون عن ذلك، والمَعنى: أنَّهم لو آمَنوا بما أنزَل اللهُ، لَانتَفَعوا بأعْمالِهم الصَّالحةِ في الآخِرةِ -وهي المَقصودُ الأهَمُّ- وفي الدُّنيا على الجُملةِ. وقد حصَلَ مِن ذِكرِ هذا الخاصِّ بعْدَ العامِّ تأْكيدُ الخبرِ المَذكورِ [160] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/87). .
- والإتيانُ باسمِ الإشارةِ ذَلِكَ في قَولِه: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ؛ لِتَمْييزِ المُشارِ إليه أكمَلَ تَمْييزٍ؛ تَنْويهًا به [161] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/76، 86). .
- قولُه: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ أي: كَرِهوا القُرآنَ؛ لِمَا فيه مِن التَّوحيدِ والتَّكاليفِ المُخالِفةِ لِما ألِفُوه واشْتَهَتْه أنفُسُهم، وهو تَخصيصٌ وتَصريحٌ بسَببيَّةِ الكُفْرِ بالقُرآنِ لِلتَّعْسِ والإضلالِ [162] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/120). .
- وذكَرَ الإحباطَ معَ ذِكرِ الإضلالِ المرادِ هو منه، فقال: فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ؛ إشْعارًا بأنَّه يَلزَمُ الكُفرَ بالقُرآنِ، ولا يَنفَكُّ عنه بحالٍ [163] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/120)، ((تفسير الألوسي)) (13/201). .
3- قَولُه تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا تَفريعٌ على جُملةِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ [محمد: 8] الآيةَ [164] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/87). .
- والاسْتِفهامُ في قَولِه: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ تَقريريٌّ، والمعنى: أليس تَعْسُ الَّذين كَفَروا مَشهودًا عليه بآثارِه مِن سُوءِ عاقِبةِ أمْثالِهم الَّذين كانوا قبْلَهم يَدِينونَ بمِثلِ دِينِهم [165] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/87). ؟
- وجُملةُ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ استِئنافٌ بَيانيٌّ، وهذا تَعريضٌ بالتَّهديدِ [166] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/87). .
- وفِعلُ دَمَّرَ مُتعَدٍّ إلى المُدمَّرِ بنَفْسِه، يُقالُ: دمَّرَهم اللهُ، وإنَّما عُدِّيَ في الآيةِ بحَرْفِ الاستِعلاءِ؛ لِلْمبالَغةِ في قُوَّةِ التَّدميرِ، فحُذِفَ مَفعولُ دَمَّرَ لِقَصْدِ العُمومِ، ثمَّ جُعِلَ التَّدميرُ واقعًا عليهم، فأفادَ مَعنى: دمَّرَ كلَّ ما يَختَصُّ بهم، وهو المَفعولُ المَحذوفُ، وأنَّ التَّدميرَ واقعٌ عليهم؛ فهُمْ مِن مَشمولِه [167] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/88). .
- وجُملةُ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا اعتِراضٌ بيْنَ جُملةِ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ وبيْنَ جُملةِ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا [محمد: 11] ، والمُرادُ بالكافرينَ: كُفَّارُ مكَّةَ، والمعنى: ولِكُفَّارِكم أمثالُ عاقِبةِ الَّذين مِن قبْلِهم مِن الدَّمارِ، وهذا تَصريحٌ بما وقَعَ به التَّعريضُ في قَولِه: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؛ لِلتَّأْكيدِ بالتَّعميمِ ثمَّ الخُصوصِ [168] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/88). .
- وعلى أنَّ المُرادَ بالكافرينَ المُتقدِّمونَ؛ فيكونُ قولُه: وَلِلْكَافِرِينَ بطَريقِ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوضِعَ المُضمَرِ، كأنَّه قِيلَ: دمَّرَ اللهُ عليهم في الدُّنيا، ولهُمْ في الآخِرةِ أمْثالُها، وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ [169] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/121)، ((تفسير أبي السعود)) (8/94). . أو يَكونُ عَدَلَ عن أنْ يقولَ: (ولهؤلاء)، إلى قَولِه: وَلِلْكَافِرِينَ؛ تَعميمًا، وتَعليقًا للحُكمِ بالوَصفِ، وهو: العَراقةُ في الكُفرِ؛ فكان فيه بِشارةٌ بأنَّ بَعضَهم سيُنْجيهِ اللهُ تعالى مِن أسْبابِ الهَلاكِ؛ لكَونِه ليس عَريقًا في الكُفرِ؛ لأنَّه لم يُطبَعْ عليه [170] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/212، 213). .
- وقولُه: أَمْثَالُهَا أي: أمْثالُ عَواقبِهم أو عُقوباتِهم، لكنْ لا على أنَّ لهؤلاءِ أمْثالَ ما لأولئك وأضْعافَه، بلْ مِثْلَه، وإنَّما جُمِعَ باعْتِبارِ مُماثَلتِه لِعَواقِبَ مُتعدِّدةٍ حَسَبَ تَعدُّدِ الأُمَمِ المُعذَّبةِ [171] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/94). . فاللهُ تعالى اسْتأصَلَ الكافرينَ مَرَّاتٍ حتَّى استَقرَّ الإسلامُ؛ فاسْتأْصَلَ صَناديدَهم يَومَ بَدْرٍ بالسَّيفِ، ويومَ حُنَينٍ بالسَّيفِ أيضًا، وسلَّطَ عليهم الرِّيحَ يومَ الخَنْدقِ فهَزَمَهم، وسلَّطَ عليهم الرُّعبَ والمَذلَّةَ يومَ فتْحِ مكَّةَ، وكُلُّ ذلك مُماثِلٌ لِما سَلَّطه على الأُمَمِ في الغايةِ منه، وهو نَصرُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ودينِه، وقد جعَلَ اللهُ ما نصَرَ به رَسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم أعلى قيمةً؛ بكَونِه بيَدِه وأيْدي المؤمِنينَ مُباشَرةً بسُيوفِهم، وذلك أنْكى للعَدُوِّ [172] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/88). .
4- قَولُه تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ
- قولُه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا فيه الإتيانُ باسمِ الإشارةِ ذَلِكَ؛ لِتَمْييزِ المُشارِ إليه أكمَلَ تَمْييزٍ؛ تَنْويهًا به [173] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/76، 88). . واسمُ الإشارةِ هذا مُنصَرِفٌ إلى مَضمونِ قَولِه: وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [محمد: 10] ، بتَأْويلِ: ذلك المذكورُ -على قولٍ-؛ لأنَّه يَتضمَّنُ وَعيدًا لِلمُشرِكين بالتَّدميرِ، وفي تَدْميرِهم انتِصارٌ لِلمُؤمِنينَ على ما لَقُوا منهم مِن الأضرارِ؛ فأُفِيدَ أنَّ ما تَوعَّدَهم اللهُ به مُسبَّبٌ على أنَّ اللهَ نَصيرُ الَّذين آمَنوا، وهو المَقصودُ مِن التَّعليلِ، وما بعْدَه تَتْميمٌ [174] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/88). والتَّتميمُ: هو الإتيانُ بكلمةٍ أو كلامٍ متمِّمٍ للمقصودِ، أو لزيادةٍ حسنةٍ، بحيثُ إذا طُرِح مِن الكلامِ نقَص معناه في ذاتِه، أو في صِفاتِه. يُنظر: ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للقزويني (3/212، 213)، ((تفسير أبي حيان)) (1/120)، ((الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم)) للعصام (2/94)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 196)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (1/44)، ((البلاغة العربية)) لحبنكة (2/88). .