موسوعة التفسير

سورة الشُّورى
الآيات (44-46)

ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ

غريب الكلمات:

مَرَدٍّ: أي: رجْعةٍ أو رجوعٍ أو مرجِعٍ، وأصلُ (ردد): رَجْعُ الشَّيءِ [800] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/773)، ((تفسير الماتريدي)) (9/135)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/386)، ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب (ص: 348)، ((تفسير الرسعني)) (7/89). .
خَاشِعِينَ: أي: خاضِعينَ مُتذَلِّلينَ، وأصلُ (خشع): يدُلُّ على التَّطامُنِ [801] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/9)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 204)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/182)، ((المفردات)) للراغب (ص: 283)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 249)، ((تفسير ابن كثير)) (5/461). .
طَرْفٍ خَفِيٍّ: أي: لا يَرفَعونَ أبصارَهم، بل يُسارِقونَ النَّظَرَ استِكانةً وذُلًّا. وطَرْفُ العَينِ: نَظَرُها. والعَرَبُ تَصِفُ الذَّليلَ بغَضِّ الطَّرْفِ، وأصلُ (طرف): يدُلُّ على حَدِّ الشَّيءِ وحَرْفِه، وأصلُ (خفي): يدُلُّ على سَترٍ [802] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 394)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 319)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/202) و(3/447)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 342)، ((تفسير القرطبي)) (16/45)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/371). .

المعنى الإجمالي:

يُقرِّرُ اللهُ تعالى أنَّه المنفردُ بالهدايةِ والإضلالِ، فيقولُ: ومَن يُضلِلْه اللهُ فليس له وَليٌّ يَتولَّاه مِن بَعدِ إضلالِ اللهِ إيَّاه.
ثمَّ يخبِرُ عن حالِ الظَّالِمينَ يومَ القيامةِ، فيقولُ: وترَى الظَّالِمينَ -يا مُحمَّدُ- حينَ رُؤيةِ العَذابِ يومَ القيامةِ يَقولونَ: هل لنا وَسيلةٌ للرُّجوعِ إلى الدُّنيا لِنُطيعَ اللهَ؟!
وترَى الظَّالِمينَ يومَ القيامةِ يُعرَضونَ على النَّارِ خاضِعينَ ذَليلينَ، يُسارِقونَ النَّظَرَ إلى النَّارِ مِن شِدَّةِ خَوفِهم وذُلِّهم!
وقال المُؤمِنونَ: إنَّ الخاسِرينَ هم الَّذين خَسِروا أنفُسَهم وأهليهم يومَ القيامةِ، ألَا إنَّ الظَّالِمينَ في عذابٍ دائِمٍ، وما كان لهم يومَ القيامةِ أولياءُ يَمنَعونَهم مِن عذابِ اللهِ.
ومَن يُضلِلْه اللهُ فما له مِن طَريقٍ للوُصولِ إلى الحقِّ في الدُّنيا، ولا الجنَّةِ في الآخرةِ.

تفسير الآيات:

وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44).
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ.
أي: ومَن يُضلِلْه اللهُ عن طَريقِ الحَقِّ بسَبَبِ ظُلمِه، فليس له أيُّ وليٍّ يَتوَلَّاه فيَهدِيَه أو يَنصُرَه بعدَ إضلالِ اللهِ إيَّاه [803] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/529)، ((تفسير الثعلبي)) (8/323)، ((تفسير ابن كثير)) (7/214)، ((تفسير السعدي)) (ص: 761)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 313). قال البِقاعي: (مِنْ بَعْدِهِ أي: مِن بَعدِ مُعامَلةِ اللهِ له مُعامَلةَ البَعيدِ، مِن وَكْلِه إلى نَفْسِه وغَيرِه مِن الخَلقِ في شَيءٍ مِن زَمانِ البُعدِ ولو قَلَّ). ((نظم الدرر)) (17/342). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/124). .
وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ.
أي: وترى الَّذين ظَلَموا أنفُسَهم -يا مُحمَّدُ- يقولونَ حينَ رُؤيةِ العَذابِ يومَ القيامةِ: هل لنا طريقٌ أو وسيلةٌ للرُّجوعِ إلى الدُّنيا؛ لِنَعمَلَ بطاعةِ اللهِ [804] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/529، 530)، ((تفسير القرطبي)) (16/45)، ((تفسير ابن كثير)) (7/214، 215)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/342)، ((تفسير السعدي)) (ص: 761)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 313، 314). قال ابن عاشور: (الخِطابُ في «تَرَى» لغيرِ مُعَيَّنٍ، أي: تناهتْ حالُهم في الظُّهورُ، فلا يختصُّ به مُخاطَبٌ، أو الخِطابُ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ تسليةً له على ما لاقاه منهم مِن التَّكذيبِ). ((تفسير ابن عاشور)) (25/125). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/529). والمرادُ بالظَّالِمينَ: المشرِكونَ باللهِ. ذكَره ابنُ كثيرٍ. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/214). ؟
كما قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام: 27] .
وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا أثبَتَ رُؤيتَهم العذابَ؛ أثبَتَ دُنُوَّهم مِن مَحَلِّه، وبَيَّنَ حالَهم في ذلك الدُّنُوِّ [805] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/342). .
وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ.
أي: وترَى الظَّالِمينَ يومَ القيامةِ يُعرَضونَ على النَّارِ قبْلَ دُخولِهم فيها ساكِنينَ خاضِعينَ في غايةِ الضَّعَةِ؛ لِما اعتراهم مِنَ الذُّلِّ [806] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/531)، ((الوسيط)) للواحدي (4/59)، ((تفسير الرازي)) (27/608)، ((تفسير ابن كثير)) (7/215)، ((تفسير السعدي)) (ص: 761)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 314). قال السعدي: (أي: ترى أجسامَهم خاشِعةً؛ للذُّلِّ الَّذي في قُلوبِهم). ((تفسير السعدي)) (ص: 761). .
يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ.
أي: يُسارِقونَ النَّظَرَ إلى النَّارِ حينَ يُعرَضونَ عليها؛ مِن شِدَّةِ ذُلِّهم وخَوفِهم [807] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/532، 533)، ((تفسير ابن كثير)) (7/215)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/343)، ((تفسير السعدي)) (ص: 761)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 315). قال ابن الجوزي: (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وفيه أربعةُ أقوالٍ: أحدُها: مِن طَرْفٍ ذليلٍ، رواه العَوْفيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ، وبه قال مجاهِدٌ. وقال الأخفَشُ: يَنظُرونَ مِن عَينٍ ضعيفةٍ. وقال غيرُه: «مِنْ» بمعنى «الباءِ». والثَّاني: يُسارِقونَ النَّظرَ، قاله قَتادةُ، والسُّدِّيُّ. والثَّالثُ: يَنظُرون ببعضِ العَيْنِ، قاله أبو عُبَيدةَ. والرَّابعُ: أنَّهم يَنظُرونَ إلى النَّارِ بقلوبِهم؛ لأنَّهم قد حُشِروا عُمْيًا، فلم يَرَوها بأعيُنِهم، حكاه الفَرَّاءُ، والزَّجَّاجُ). ((تفسير ابن الجوزي)) (4/69). ويُنظر: ((معانى القرآن)) للأخفش (2/512)، ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (2/201)، ((معاني القرآن)) للفراء (3/26)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/402). وقال ابنُ عطيَّةَ عن القولِ الرَّابعِ: (وفي هذا التَّأويلِ تكلُّفٌ). ((تفسير ابن عطية)) (5/41). ويُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/231). .
وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
أي: وقال المُؤمِنونَ [808] قال القرطبي: (أي: يقولُ المؤمِنونَ في الجنَّةِ لَمَّا عايَنوا ما حَلَّ بالكُفَّارِ). ((تفسير القرطبي)) (16/46). وقال ابن كثير: (أي: يقولونَ يومَ القيامةِ). ((تفسير ابن كثير)) (7/215). وقال ابن عاشور: (الظَّاهِرُ أنَّ المؤمِنينَ يَقولونَ هذا بمَسمَعٍ مِن الظَّالِمينَ، فيَزيدُ الظَّالِمينَ تَلهيبًا لِنَدامتِهم ومَهانتِهم وخِزْيِهم). ((تفسير ابن عاشور)) (25/128). : إنَّ الخاسِرينَ في الحقيقةِ هم الَّذين خَسِروا أنفُسَهم يومَ القيامةِ بحِرْمانِها مِن دُخولِ الجنَّةِ، واستِحقاقِها دُخولَ النَّارِ، وخَسِروا أهليهم بفِقْدانِهم في الآخِرةِ [809] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/534)، ((تفسير القرطبي)) (16/46)، ((تفسير ابن كثير)) (7/215)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/344، 345)، ((تفسير السعدي)) (ص: 761). وخَسارةُ الأهلِ: قيل: معناها أنَّهم حُرِموا مِن أهليهم في الجنَّةِ، فصاروا لِغَيرِهم، فلو دَخَلوا الجنَّةَ أصابوا الأهلَ، فلمَّا دخلوا النَّارَ حُرِموا منهم. ومِمَّن ذهب إلى هذا المعنى في الجملةِ: مقاتلُ بنُ سُلَيْمانَ، وابنُ جرير. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/774)، ((تفسير ابن جرير)) (20/534). وقيل: خَسِروا أهليهم؛ لأنَّ الأهلَ إن كانوا في النَّارِ فلا انتِفاعَ بهم، وإن كانوا في الجنَّةِ فقد حِيلَ بيْنَه وبيْنَهم. ومِمَّن ذهب إلى هذا المعنى: القرطبي، والبِقاعي. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (16/46)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/344). قال ابن عطية: (خُسرانُ الأهلِينَ: يحتمِلُ أن يُرادَ به أهلوهم الَّذين كانوا في الدُّنيا، ويحتمِلُ أن يُرادَ به أهلوهم الَّذين كانوا يَكونونَ لهم في الجنَّةِ لو دخَلوها). ((تفسير ابن عطية)) (5/41). .
أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ.
أي: ألَا إنَّ الظَّالِمينَ في عَذابٍ مُستَمِرٍّ في النَّارِ، فلا يَنقَطِعُ ولا يُخفَّفُ عنهم أبَدًا [810] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/534)، ((تفسير القرطبي)) (16/46)، ((تفسير ابن كثير)) (7/215)، ((تفسير السعدي)) (ص: 761)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/129). قيل: القائِلُ هو اللهُ تعالى. ومِمَّن ذهب إلى هذا القولِ: ابنُ جرير، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/534)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/129). وقيل: يحتمِلُ أن يكونَ مِن قَولِ المؤمِنينَ يومَئذٍ، فحكاه اللهُ عنهم. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/42)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 316). ويُنظر أيضًا: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/345). .
وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّها عَطفٌ على جُملةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ أي: هم في عَذابٍ دائمٍ، لا يَجِدونَ منه نَصيرًا، وهو ردٌّ لِمَزاعِمِهم أنَّ آلهتَهم تَنفَعُهم عندَ الله [811] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/130). .
وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
أي: وما كان لهم يومَ القيامةِ أيُّ أولياءَ يَنصُرونَهم مِن عَذابِ اللهِ تعالى [812] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/534)، ((تفسير القرطبي)) (16/46)، ((تفسير ابن كثير)) (7/215). .
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ.
أي: ومَن يُضْلِلْه اللهُ عن طَريقِ الحَقِّ فما له مِن طَريقٍ للوُصولِ إلى الحقِّ في الدُّنيا، ولا الجنَّةِ في الآخرةِ [813] يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (8/324)، ((تفسير البغوي)) (4/152)، ((تفسير القرطبي)) (16/ 46). مِمَّن ذهب إلى هذا المعنى المذكور: الثعلبي، والبغوي، والقرطبي، والخازن، وجلال الدين المحلي. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (8/324)، ((تفسير البغوي)) (4/152)، ((تفسير القرطبي)) (16/46)، ((تفسير الخازن)) (4/103)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 645). ومِمَّن قال بأنَّ المعنى: ما له مِن خلاصٍ ونجاةٍ: النسفي، وابن كثير، وأبو السعود، والشوكاني، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير النسفي)) (3/260)، ((تفسير ابن كثير)) (7/215)، ((تفسير أبي السعود)) (8/36)، ((تفسير الشوكاني)) (4/623)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/130). وقيل: المعنى: ليس له طريقٌ تَحصُلُ به الهدايةُ للحَقِّ. ومِمَّن قال بهذا المعنى في الجملةِ: مقاتلُ ابنُ سُلَيمانَ، وابن جرير، والسمرقندي، وابنُ أبي زَمَنين، ومكِّي، والسعدي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/774)، ((تفسير ابن جرير)) (20/534)، ((تفسير السمرقندي)) (3/248)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/172)، ((الهداية)) لمكي (10/6613)، ((تفسير السعدي)) (ص: 761). .

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ، وقولِه: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ أنَّه ينبغي للإنسانِ أنْ يُلِحَّ على اللهِ دائمًا أنْ يَهديَه مِن الضَّلالِ؛ فما دام الإضلالُ والهدايةُ بيدِ اللهِ فلْنَرجِعْ إليه، ولْنَلجَأْ إليه، ولْنسَأَلْه الهدايةَ [814] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 320، 321). .
2- في قَولِه تعالى: إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أنَّ العاصيَ قد خَسِرَ نفْسَه، وعلى حسَبِ مَعصيتِه تكونُ الخَسارةُ؛ لأنَّه لم يَستَفِدْ مِن وُجودِه في الدُّنيا شيئًا، ويَتفرَّعُ على هذا أنَّه ينبغي للإنسانِ أنْ يُحاسِبَ نفْسَه، ويَنظُرَ ماذا صَنَع، فإنْ رأى أنَّه قد مَلَأ زمَنَه مِن الخَيرِ المقصودِ والوَسيلةِ فلْيَحمَدِ اللهَ، وإنْ رأى أنَّه أضاعَه فلْيَستَعتِبْ [815] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 321). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ أنَّ مَن هداه اللهُ فقد تَوَلَّاه؛ لأنَّه لَمَّا نفَى الوَلايةَ عنِ الظَّالِمينَ دَلَّ على أنَّها تَثبُتُ للمُؤمِنينَ، وبذلك جاء التَّصريحُ في قَولِه تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [816] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 320). [البقرة: 257] .
2- قَولُ الله تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ صَريحٌ في جوازِ الإضلالِ مِنَ الله تعالى، وفي أنَّ الهِدايةَ ليست في مَقدورِ أحَدٍ سِوى اللهِ تعالى [817] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/608). ، وفيه حُجَّةٌ على المُعتَزِلةِ والقَدَريَّةِ المُنْكِرينَ أنَّ الهِدايةَ والإضلالَ بيَدِ اللهِ تعالى؛ حيث أخبَرَ سُبحانَه بالإضلالِ عن نَفْسِه لهم، وأمَرهم على إثْرِ ذلك بالاستِجابةِ [818] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/120). .
3- في قَولِه تعالى: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ أنَّ المُستَكبِرينَ على الحَقِّ المُعانِدينَ يُجازَونَ بعِقابٍ يُناسِبُ مَعصيتَهم؛ وَجْهُ ذلك: أنَّهم يُعرَضونَ على النَّارِ خاشِعينَ ذَليلينَ، ومَعلومٌ أنَّ العُقوبةَ بالذُّلِّ مُناسِبةٌ للمَعصيةِ بالاستِكبارِ [819] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 321). .
4- قَولُ الله تعالى: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ فيه سؤالٌ: أليس قد قال اللهُ تعالى في صِفةِ الكفَّارِ: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا، فكيف قال هاهنا: إنَّهم يَنظُرونَ مِن طَرْفٍ خفِيٍّ؟
والجوابُ عن هذا مِن أوجُهٍ:
الوجهُ الأوَّلُ: أنَّ هذا العمَى يكونُ في مبدأِ الأمرِ، ثُمَّ يَرُدُّ اللهُ تعالى إليهم أبصارَهم، فيَرَوْنَ النَّارَ.
الوجهُ الثَّاني: أَنَّ المرادَ بالعمَى أنَّهم لا يرَوْنَ شيئًا يَسُرُّهم، كما أنَّهم كانوا في الدُّنْيا لا يَسْتَبْصِرونَ، فنُزِّل ما يُبْصِرونَه مَنزِلةَ العَدَمِ؛ لعَدَمِ الانتِفاعِ به.
الوجهُ الثَّالثُ: أنَّ هذه الآيةَ في قومٍ، وتلك في قومٍ آخَرينَ [820] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/608)، ((دفع إيهام الاضطراب)) للشنقيطي (ص: 143)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/128). .
5- قَولُ الله تعالى: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ فيه سُؤالٌ: هذه الآيةُ تدُلُّ على أنَّ الكُفَّارَ يومَ القيامةِ يَنظُرونَ بعُيونٍ خَفيَّةٍ ضَعيفةِ النَّظَرِ، وقد جاءت آيةٌ أُخرى يُتوهَّمُ منها خِلافُ ذلك، وهي قَولُه تعالى: فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق: 22] !
الجوابُ مِن وجهَينِ:
الوَجهُ الأوَّلُ: أنَّ قَولَه: فَبَصَرُكَ أي: عِلمُك ومَعرفتُك بها قَويَّةٌ، مِن قَولِهم (بَصُرَ بكذا) أي: عَلِمَ، وليس المرادُ رؤيةَ العَينِ، ويدُلُّ على ذلك قَولُه تعالى: فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ [821] يُنظر: ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/96). .
الوَجهُ الثَّاني: أنَّ قَولَه: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أي: تُدرِكُ به ما عَمِيتَ عنه في دارِ الدُّنيا، ويدُلُّ لهذا قَولُه تعالى: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا الآيةَ [السجدة: 12] ، وقَولُه تعالى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا الآيةَ [الكهف: 53] ، وقَولُه: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [822] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)) للشنقيطي (ص: 206). [مريم: 38] .
6- أنَّ الظَّالِمينَ يَلحَقُهم الذُّلُّ ظاهِرًا وباطنًا؛ الباطِنُ في قَولِه تعالى: خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ، والظَّاهِرُ في قَولِه تعالى: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [823] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 321). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ بعْدَ أنْ حَكى أصنافًا مِن كُفرِ المشرِكينَ، وعِنادِهم وتَكذيبِهم، ثمَّ ذكَّرَهم بالآياتِ الدَّالَّةِ على انفِرادِ اللهِ تعالى بالإلهيَّةِ وما في مَطاوِيها مِن النِّعَمِ، وحذَّرَهم مِن الغُرورِ بمَتاعِ الدُّنيا الزائلِ؛ أَعقَبَه بقولِه: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ، وهو مَعطوفٌ على قولِه: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ [الشورى: 42] ، والمعنى: أنَّ فيما سمِعْتُم هِدايةً لِمَن أراد اللهُ له أنْ يَهتدِيَ، وأمَّا مَن قدَّرَ اللهُ عليه بالضَّلالِ فما له مِن وَلِيٍّ غيرُ اللهِ يَهْديهِ أو يُنقِذُه، كقولِه: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف: 17] ، فالمرادُ نفْيُ الوليِّ الَّذي يُصلِحُه ويُرشِدُه؛ فالمرادُ هنا ابتداءً مَعنًى خاصٌّ مِن الوَلايةِ [824] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/123). .
- قولُه: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ نفْيُ الوليِّ كِنايةٌ عن نَفيِ أسبابِ النَّجاةِ عن الضَّلالةِ وعَواقبِ العُقوبةِ عليها؛ لأنَّ الوليَّ مِن خَصائصِه نفْعُ مَوْلاهُ بالإرشادِ والانتشالِ، فنَفْيُ الوليِّ يدُلُّ بالالتزامِ على احتياجٍ إلى نَفْعِه مَوْلاه، وذلك يَستلزِمُ أنَّ مَوْلاه في عَناءٍ وعَذابٍ، فهذه كِنايةٌ تلويحيَّةٌ، وقد جاء صريحُ هذا المعنى في قولِه: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر: 23] ، وقولِه: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ الآتي في هذه السُّورةِ [825] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/123، 124). .
- وفيه تَحقيرٌ لأمْرِ الكفَرةِ [826] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/346). .
- و(مِن) في قولِه: مِنْ بَعْدِهِ صِلةٌ للتَّوكيدِ. و(بَعْد) هنا بمعنى (دونَ) أو (غير)، عُبِّر بلفظِ (بعد) لمعنى (دون)؛ لأنَّ (بعد) مَوضوعٌ لِمَن يَخلُفُ غائبًا في مكانِه أو في عَملِه؛ فشَبَّهَ ترْكَ اللهِ الضَّالَّ في ضلالِه بغَيبةِ الوليِّ الَّذي يَترُكُ مَوْلاه دونَ وصيٍّ ولا وكيلٍ لِمَوْلاه [827] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/124). .
- وقولُه: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ، وبعدَه: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ [الشورى: 46] ، ليس بتَكرارٍ؛ لأنَّ المعنى: ليس له مِن هادٍ ولا مَلْجأٍ [828] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 224)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/420). .
- وكذلِك قولُه: وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ عطفٌ على جُملةِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ، وهذا تَفصيلٌ وبَيانٌ لِما أُجمِلَ في الآيتَينِ المعطوفِ عليهما، وهما قولُه: وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ [الشورى: 35] ، وقولُه: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ، والمعنى: أنَّهم لا يَجِدونَ مَحيصًا ولا وَليًّا، فلا يَجِدونَ إلَّا النَّدامةَ على ما فات، فيقولوا: هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ [829] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/124). .
- والخِطابُ في وَتَرَى لغيرِ مُعيَّنٍ، أو الخِطابُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والمقصودُ: الإخبارُ بحالِهم أوَّلًا، والتَّعجيبُ منه ثانيًا، فلم يقُلْ: والظالِمونَ لَمَّا رأَوُا العذابَ يقولونَ، وإنَّما قيل: وَتَرَى الظَّالِمِينَ؛ للاعتبارِ بحالِهم [830] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/125). .
- ومَجيءُ فِعلِ رَأَوُا الْعَذَابَ بصِيغةِ الماضي؛ للتَّنبيهِ على تَحقيقِ وُقوعِه [831] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/83)، ((تفسير أبي السعود)) (8/35)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/125). .
- والاستِفهامُ بحَرْفِ هَلْ إنكاريٌّ في معنى النَّفيِ [832] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/125). .
2- قولُه تعالى: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ
- قولُه: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ فيه إعادةُ فِعلِ (تَرى)؛ للاهتمامِ بهذه الرُّؤيةِ وتَهويلِها [833] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/125). .
- والعَرْضُ: أصلُه إظهارُ الشَّيءِ وإراءَتُه للغَيرِ، وعُبِّرَ بلفظِ (يُعرَضونَ) لمعنى: يُمَرُّ بهم مَرًّا عاقبتُه التَّمكُّنُ منهم، والحُكمُ فيهم، فكأنَّ جهنَّمَ إذا عُرِضوا عليها تَحكُمُ بما أعَدَّ اللهُ لهم مِن حريقِها [834] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/126). .
- وبُنِي فِعلُ يُعْرَضُونَ للمَجهولِ؛ لأنَّ المقصودَ حُصولُ الفعلِ، لا تَعيينُ فاعلِه [835] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/126). .
- قولُه: خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ حرْفُ مِنَ للتَّعليلِ، أي: خاشعينَ خشوعًا ناشئًا عن الذُّلِّ، أي: ليس خشوعُهم لِتَعظيمِ اللهِ والاعترافِ له بالعُبوديَّةِ؛ لأنَّ ذلك الاعتقادَ لم يكنْ مِن شأنِهم في الدُّنيا [836] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/127). .
- وفي قولِه: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ تَجسيدٌ بارعٌ، وتَصويرٌ رائعٌ لحالتِهم الفظيعةِ، لِمَن يقِفُ أمامَ الموتِ الَّذي يَنتظِرُه والسَّيفُ مُصْلَتٌ على رأسِه، يُرَأْرِئُ -أي: يُحرِّكُ الحَدَقَةَ، أو يَقلِبُها ويُحدِّدُ النَّظَرَ- بأجْفانِه ويُحرِّكُها تحريكًا ضعيفًا خَفيًّا يُمكِّنُه مِن مُسارَقةِ النَّظرِ؛ فإنَّ مَن يَنظُرُ إلى أمْرٍ مَكروهٍ يَسْتهوِلُ أمْرَه، ويَزْوي ناظِرَه عنه، بَيْدَ أنَّه لا يَتمالَكُ دونَ أنْ يَرمُقَ ما يَكرَهُه وما يَتوقَّعُ حُدوثَه رَمْقًا سَريعًا [837] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/231)، ((تفسير البيضاوي)) (5/84)، ((تفسير أبي حيان)) (9/346)، ((تفسير أبي السعود)) (8/35)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/127)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/49). .
- وحُذِف مَفعولُ يَنْظُرُونَ للتَّعميمِ، أي: يَنظُرونَ العذابَ، ويَنظُرونَ أهوالَ الحشرِ، ويَنظُرونَ نَعيمَ المؤمنينَ مِن طَرْفٍ خفيٍّ [838] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/128). .
- قولُه: وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَترجَّحُ أنَّ الواوَ للحالِ لا للعطْفِ، والجُملةُ حالٌ مِن ضَميرِ الغَيبةِ في (تَراهم)، أي: تَراهُم في حالِ الفظاعةِ الملتبِسينَ بها، وتراهُم في حالِ سَماعِ الكلامِ الذَّامِّ لهم الصَّادرِ مِن المؤمنينَ إليهم في ذلك المَشهَدِ، وحُذِفتْ (قد) مع الفعلِ الماضي؛ لِظُهورِ قَرينةِ الحالِ [839] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/128). .
- وصيغةُ الماضي وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا؛ للدَّلالةِ على تَحقُّقِه [840] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/36). .
- وهذا الخبرُ مُستعمَلٌ في إظهارِ المَسَرَّةِ والبَهجةِ بالسَّلامةِ ممَّا لَحِقَ الظَّالِمينَ، أي: قالوه تَحدُّثًا بالنِّعمةِ، واغتباطًا بالسَّلامةِ، يقولُه كلُّ أحدٍ منهم، أو يقولُه بعضُهم لبعضٍ [841] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/128). .
-وإنَّما جيءَ بحرْفِ (إنَّ) معَ أنَّ القائلَ لا يَشُكُّ في ذلك، والسَّامعَ لا يشُكُّ فيه؛ للاهتِمامِ بهذا الكلامِ؛ إذ قد تَبيَّنتْ سَعادتُهم في الآخرةِ، وتَوفيقُهم في الدُّنيا، بمُشاهَدةِ ضِدِّ ذلك في مُعانِديهِم [842] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/128). .
- والتَّعريفُ في الْخَاسِرِينَ تَعريفُ الجِنسِ، أي: لا غيرُهم، والمعنى: أنَّهم الأكمَلونَ في الخُسرانِ، وتُسمَّى (أل) هذه دالَّةً على معنى الكَمالِ، وهو مُستفادٌ مِن تَعريفِ الجُزأينِ المُفيدِ للقَصرِ الادِّعائيِّ [843]  القصرُ الادِّعائي: ما كان القصرُ الحَقيقيُّ فيه مبنيًّا على الادِّعاء والمبالَغةِ، بتنزيلِ غَيرِ المذكورِ مَنزلةَ العدَمِ، وقصْرُ الشيء على المذكورِ وحْدَه. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكَّاكي (ص: 288)، ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للقزويني (1/118)، و(3/6)، ((التعريفات)) للجرجاني (1/175-176)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 167، 168)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني (1/525). ؛ حيثُ نُزِّلَ خُسرانُ غيرِهم مَنزِلةَ عَدمِ الخُسرانِ؛ فالمعنى: لا خُسرانَ يُشبِهُ خُسرانَهم، فليس في قولِه: إِنَّ الْخَاسِرِينَ إظهارٌ في مَقامِ الإضمارِ كما تُوُهِّمَ [844] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/128، 129). .
- قولُه: يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتعلِّقٌ بـ خَسِرُوا، واختِصاصُ ذِكرِ القِيامةِ للتَّهويلِ، وأنَّ هذا الخَسارَ لا خَسارَ بعدَه [845] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (14/82). .
- وجُملةُ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ تَذييلٌ للجُمَلِ الَّتي قبْلَها مِن قولِه: وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ [الشورى: 44] الآياتِ؛ لأنَّ حالةَ كَونِهم في عذابٍ مقيمٍ أعَمُّ مِن حالةِ تلهُّفِهم على أنْ يُرَدُّوا إلى الدُّنيا، وذُلِّهم وسماعِهم الذَّمَّ [846] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/129). .
- وإعادةُ لفظِ الظَّالِمِينَ إظهارٌ في مَقامِ الإضمارِ، اقتَضاهُ أنَّ شأنَ التَّذييلِ أن يكونَ مُستقِلَّ الدَّلالةِ على معناهُ؛ لأنَّه كالمَثَلِ [847] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/129). .
- وافتُتحَتِ الجُملةُ بحرفِ التنبيهِ أَلَا؛ لكثرةِ ذلك في التَّذييلاتِ لأهَمِّيَّتِها [848] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/129). .
- و(المقيم): الَّذي لا يَرتحِلُ، ووُصِف به العذابُ تشبيهًا للمُستمرِّ الدَّائمِ بالَّذي اتَّخَذ دارَ إقامةٍ لا يَبرَحُها [849] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/129). .
3- قولُه تعالى: وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ
- قولُه: وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ عطفٌ على جُملةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ [الشورى: 45] ، أي: هم في عَذابٍ دائمٍ لا يَجِدونَ منه نصيرًا، وهو ردٌّ لِمَزاعِمِهم أنَّ آلهتَهم تَنفَعُهم عِندَ اللهِ [850] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/130). .
- وجُملةُ يَنْصُرُونَهُمْ صِفةٌ لـ أَوْلِيَاءَ؛ للدَّلالةِ على أنَّ المرادَ هنا وَلايةٌ خاصَّةٌ، وهي وَلايةُ النَّصرِ [851] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/130). .
- و(مِنْ) في قولِه: مِنْ أَوْلِيَاءَ صِلةٌ في النَّفْيِ؛ لِتَأكيدِ نفْيِ الوليِّ لهم [852] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/130). .
- وقولُه: مِنْ دُونِ اللَّهِ صِفةٌ ثانيةٌ لـ أَوْلِيَاءَ، وهي صِفةٌ كاشفةٌ. ومِنْ أيضًا صِلةٌ لِتأكيدِ تعلُّقِ ظرفِ دُونِ بالفعلِ [853] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/130). .
- وقولُه: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ تَذييلٌ لِجُملةِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ [854] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/130). .
- وسَبِيلٍ نَكرةٌ في سِياقِ النفيِ؛ فيَعُمُّ كلَّ سَبيلٍ مُخلِّصٍ مِن الضَّلالِ ومِن آثارِه، والمقصودُ هنا ابتِداءً هو سبيلُ الفِرارِ مِن العذابِ المُقيمِ كما يَقتضيهِ السِّياقُ، وبذلك لم يكُنْ ما هنا تَأكيدًا لِما تَقدَّمَ مِن قولِه: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ [855] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/130). [الشورى: 44] .