موسوعة التفسير

سُورَةُ البَقَرَةِ
الآيات (215 - 220)

ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ

غريب الكلمات :

حَبِطَتْ: أي: بطَلَت؛ فالحبط: البُطلان والألم، وأصلُه: أن تُكثِرَ الدابَّةُ أكلًا حتى ينتفخَ بطنُها [1963] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 82)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 186)، ((المفردات)) للراغب (ص: 216)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 106). .
الْمَيْسِرِ: القِمارُ، وأصله مِن يَسرت: إذا ضربت بالقِداح [1964] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 145)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 410)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/156)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 32)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 107). .
الْعَفْوَ: الفَضل، يعني: فضْل المال، يُقال: عفا الشَّيء: إذا كثُر [1965]  يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 82)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 32)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 107). .
لأَعْنَتَكُمْ: ضيَّق عليكم وشدَّد، أي: لأهلكَكم، وأصل العنَت: العَسْف، والحَمْل على المكروه [1966] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 83)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 332)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/150). .

مشكل الإعراب:

قوله: وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَالْمَسْجِدِ: المسجدِ: مجرور، وفي جرِّه أوجهٌ، أقربُها: أنَّه مجرورٌ عطفًا على سَبِيلِ اللهِ، أي: وصدٌّ عن سَبيلِ اللهِ وعن المَسجدِ. وعُطِف قوله: وَكُفْرٌ بِهِ على صَدٌّ قبل أن يَستوفي صَدٌّ ما تعلَّق به وهو والمَسجِدِ الحَرَامِ؛ وقيل: هو معطوف على الضَّمير في به في قوله: وكُفْرٌ بِهِ، أي: وكفرٌ به وكفرُ بالمسجِد، وهو من باب عطف الاسم الظَّاهر على الضَّمير من غيرِ إعادة حرف الجرِّ، والرَّاجح جوازُه مطلقًا؛ لكثرةِ السماعِ الوارد به، وضَعْفِ دليل المانعين، واعتضادِه بالقياس. وقيل: هو معطوفٌ على الشَّهرِ الحَرَامِ، أي: يسألونك عن الشهرِ الحرامِ وعن المسجدِ الحرام، ويكون سؤالهم عن شيئين، أحدهما: القتال في الشهر الحرام. والثاني: القتال في المسجد الحرام؛ لأنَّهم لم يسألوا عن ذات الشهر ولا عن ذات المسجد، إنما سألوا عن القِتال فيهما. وقيل غير ذلك [1967] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/128)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/175)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (2/393-397)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/329). .

المعنى الإجمالي:

يقول الله تعالى لنبيِّه عليه الصَّلاة والسَّلام: إنَّ أصحابَك يا محمَّد، يسألونك عن مقدارِ وجنسِ وكيفيَّةِ ما يُخرِجونه نفقةً، وأمَره أن يُجيبَهم على هذا السُّؤال بأنَّ ما ينفقونه من الأموال لا يُشترط فيه شيءٌ معيَّن، ولا مقدارٌ محدَّد، بل يشمل أيَّ مالٍ، قليلًا كان أو كثيرًا، وأنَّ أولى مَن يُعطَى هذه النفقة هم الأقربُ رحمًا، وهم الوالدان ثم بقيَّة الأقارب، الأقرب فالأقرب، ومِن بَعدِ هؤلاء تُصرَف النفقة إلى أشدِّ النَّاس حاجةً؛ وهم الصِّغار الذي فقدوا آباءهم قبل بلوغِهم، وليس لهم مصدر كسْب، ثمَّ للمساكين الذين لا يجدون ما يسدُّ حاجتَهم، وللمسافر المجتاز الذي يحتاج إلى ما يوصله إلى مقصوده، ثم يُخبرهم تعالى أنَّ كلَّ ما يُقدِّمونه من معروفٍ وإحسانٍ فإنَّه ليس بخافٍ على الله سبحانه، بل هو مطَّلعٌ على تلك الأعمال، فيحصيها ويجازيهم عليها.
ثم يُعْلِم الله تعالى عباده المؤمنين بأنَّه فرَض عليهم القتال مع أنَّه مكروهٌ لهم؛ لِمَا فيه من المشقَّة، والتعرُّض للقتل والإصابة بالجروح، وما يحدُث فيه من خوف، لكنَّ الحقيقة أنَّ ما فيه من المنافع أعظم ممَّا ينتج عنه من أضرار، ومن تلك المنافع العظيمة المرجوَّة منه النصر على الأعداء، وغُنْم البلدان والأموال، والإكرام بالشهادة لمن مات محتسبًا، وحصول الأجر العظيم للمقاتلين في سبيل الله. وأمَّا العزوف عن القتال وإن كان محبوبًا وتميل إليه النفوس، إلَّا أنَّ ما فيه من الشرور يفوقُ على مصلحة قعودهم، ومن تلك الشرور المترتِّبة على القعود تسلُّط أعدائهم عليهم، وفَوات الأجر العظيم، وهكذا الحال في جميع أعمال الخير وإن كرِهتها النفوسُ، وأفعال الشرِّ وإن مالت لها النفوس، والله سبحانه وتعالى أعلم بما ينفعكم، وما يضرُّكم، فالتزموا أمره، واتَّبعوا شرعه.
ثمَّ يقول الله تعالى لنبيِّه محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ: يسألك المؤمنون عن القتال في الأشهر الحرم، ولقَّنه تعالى جوابَ ذلك بأنَّ القتال فيها عظيم لحرمتها، لكن ما يقومُ به المشركون من ثَنْي النَّاس عن سلوك الطريق القويم، وكفرهم بالله تعالى، ومَنْعهم النَّاسَ من الوصولِ إلى بيت الله الحرام، وإخراج أهلِه المؤمنين منه أعظمُ جُرمًا عند الله؛ فكلٌّ من تلك الخِصال التي يفعلونها بها فِتنة، والفتنةُ أشدُّ من القتل الذي وقَع من المسلمين في شهرٍ حرام. ثم أعلمَ اللهُ عبادَه بمدى حِقدِ الكفَّار عليهم وعلى دِينهم، وأنهم سيظلُّون يقاتلونهم في سبيل تحقيق غاية لهم، وهي أن يُثنوا المؤمنين عن دِينهم؛ ليعودوا كفَّارًا مثلَهم إنْ قدَروا على ذلك، لكنَّهم لن يستطيعوا ذلك أبدًا. ثم أخبر تعالى أنَّ مَن يرجع من المؤمنين عن دِينه، ويعود للكُفر، مستمرًّا عليه حتى موته بدون توبة، فأولئك تَبطُل أعمالُهم وتتلاشى، ولا يبقى لهم عملٌ صالح يُؤجَرون عليه لا في الدُّنيا ولا في الآخرة، وهم من أهل النار الملازمين لها على الدَّوام.
وأمَّا الذين أقرُّوا بالحقِّ منقادينَ إليه، والذين فارقوا الأوطان؛ فرارًا من مخالطة أهل الشرك، ومحافظةً على دِينهم، والذين قاتلوا أعداءَ الله؛ نُصرةً للدِّين، وإعلاءً لكلمته سبحانه، فأولئك الذين طَمِعوا في رحمة الله ونَيْل كرامته، وسيُكرمون بما رجَوه؛ ذلك بأنَّ الله غفورٌ يستُر ذُنوبَهم ويتجاوز عنها، ورحيمٌ بتوفيقِهم لتلك الأعمال، وبمجازاتهم عليها بالفلاح في الدَّارينِ.
ثم يقول تعالى مخاطبًا نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّمَ: إنَّ المؤمنين يسألونك يا محمَّد، عن حُكم كلِّ ما أَسْكَر من الشَّراب، وعن حُكم القِمار، وأمَره أنْ يُجيبَهم بأنَّ في شُرْب المسكِر، ولعب القِمار مفاسدَ كثيرة، وآثامًا كبيرة، منها ما يُحدِثانه من عداوة وبغضاء، وصدٍّ عن ذكر الله وعن الصَّلاةِ، وغير ذلك من المنكرات، وفيهما أيضًا منافعُ للناس كالذي تُحدِثه الخمرُ من الطرب والنَّشوة، أو القمارُ من المكاسِب الماديَّة، لكن عند المقارنة بين المفاسد والمنافع نجد أنَّ المفاسد والآثام المترتِّبة عليهما أكثر من النفع المتحصِّل منهما.
ثمَّ خاطب الله تعالى نبيَّه عليه الصَّلاة والسلام مخبرًا إيَّاه أنَّ المؤمنين يسألونه عن ماهية ما يُنفِقونه من أموالِهم، وأمَره أن يُجيبَهم بأنَّ الفاضلَ عن الاحتياجات الضروريَّة هو المال الذي يُنفق منه صدقةً في سبيل الله تعالى، وأخبره أنهم يسألونه أيضًا عن كيفية التعامل مع اليتامى بعد أنْ شقَّ عليهم التحرُّزُ الشديدُ من أموالهم، فأمره الله سبحانه أن يجيبهم بأنَّ المقصود إصلاح أموالهم، بحفظها واستثمارها لهم، فإنْ فعلوا ذلك لله تعالى دون أن يأخذوا عليه أجرًا فذلك خيرٌ لهم وأعظم أجرًا، وإنْ أخذوا مقابل ما قاموا به شيئًا من أموالهم كأن خالطوهم في طعامٍ أو غيره من الأموال فذلك جائزٌ على وجهٍ لا يضرُّ باليتامى؛ لأنَّهم إخوانهم في الدِّين، والأخ من شأنه أن يخالط أخاه. ومع هذا الإذنِ بالمخالطة تبقى الرِّقابة الإلهيَّة تحذيرًا لمن قد تسوِّلُ له نفسه أكْل أموال اليتامى؛ فالله يعلم مَن نيَّتُه إفساد مال اليتيم، ومَن نيَّته إصلاحه، وسيُجازِي الله تعالى كلًّا بحسب قصده. وهذا التشريع والرخصة من الله عزَّ وجلَّ إنما هي توسعةٌ على عباده، وإزالة للمشقَّة، وإلَّا فإنَّ الله تعالى قادرٌ على أن يشقَّ عليهم، فيقعوا في الضِّيق والحرج؛ فإنَّه لعزَّتِه لا يُعجزُه شيء، ولحكمتِه سبحانه يضع كلَّ شيءٍ في موضِعه الذي يليق به.

تفسير الآيات:

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (215).
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.
أي: يسألك أصحابُك يا محمَّد، عمَّا يُنفَق جنسًا ومقدارًا وكيفيَّةً، فأجابهم الله تعالى عن ذلك بأنَّ ما تنفقونه من الأموال لا يُشترط فيه شيء معيَّن، ولا مقدار محدَّد، بل يشمل أيَّ مال، وسواء كان قليلًا أم كثيرًا، وأنَّ أولى وأحقَّ مَن تُنفق عليه الأموال هم أقرب النَّاس رحمًا وهم الوالدان، ثم بقيَّة الأقارب، الأقرب فالأقرب، ثم تصرف إلى أشدِّ النَّاس حاجةً من بعدهم، وهم الصِّغار الذين فقدوا آباءهم قبل بلوغهم ولا كاسب لهم، ثم للمساكين الذين لا يجدون ما يكفيهم ويُغنِيهم، وكذا للمسافرِ المجتاز الذي يحتاج نفقةً تُوصِله لموطنِه [1968] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/640)، ((تفسير السعدي)) (ص: 96)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/43-45). .
وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ.
أي: إنَّ كل ما تُقدِّمونه من معروفٍ وبرٍّ وإحسان وطاعة وقربة لله تعالى، فإنَّه لا يخفَى عليه، بل مطَّلِع على أعمالكم، يُحصِيها لكم، ويُجازِيكم عليها [1969] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/640)، ((تفسير السعدي)) (ص: 96)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/45). .
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216).
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ.
أي: فُرِض عليكم- أيُّها المؤمنون- قتال الأعداء من الكفَّار والمشركين، مع أنَّه مكروهٌ لكم، لا تحبُّونه؛ لِمَا فيه من شدَّة ومشقَّة بالغة، ولِمَا يحدُث فيه من التعرُّض للقتل والإصابة بالجراح ووقوع المخاوف [1970] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/643-646)، ((تفسير ابن كثير)) (1/572-573)، ((تفسير السعدي)) (ص: 96-97). .
وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ.
أي: إنَّه مع وقوعِ هذه الكراهيةِ في النفوسِ للقتال، إلَّا أنَّ الحقيقة بخلاف ذلك؛ إذ فيه من الخير والمنافع ما هو أكثرُ وأعظمُ ممَّا يقع فيه من أضرار، ومن ذلك ما يَحصُل بسببِه من النَّصرِ على الأعداء، والتمكُّن من البلدان والأموال، وما تقع فيه من الشَّهادة لمن مات منهم محتسبًا، وحصول الحسنات العظيمة لهم، وغير ذلك، فأمَّا ترك القتال الذي هو محبوبٌ للنفوس ففيه من الشرور ما يَزيدُ على مصلحة قعودِهم، ومنها تسلُّط الأعداء، وفوات الأجور العظيمة، وهكذا الأمرُ في جميع أفعال الخير وإنْ كرِهتها النفوس، وأفعال الشرِّ، وإن أحبَّتها النُّفوس [1971] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/646)، ((مجموع فتاوى ابن تيميَّة)) (24/278-279)، ((تفسير ابن كثير)) (1/573)، ((تفسير السعدي)) (ص: 96-97). .
وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.
أي: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يعلم ما هو خيرٌ لكم ممَّا هو شرٌّ لكم، وأعلم منكم بما ينفعكم وما يضرُّكم، فاستجِيبوا له في جميع الأحوال [1972] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/647)، ((تفسير ابن كثير)) (1/573)، ((تفسير السعدي)) (ص: 97). .
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217).
سبب النُّزول:
عن جُندُب بن عبد الله رضي الله عنه: ((أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ بعث رهطًا، وبعَث عليهم عبدَ الله بن جحش، فلقُوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يَدرُوا أنَّ ذلك اليوم من رجب، أو من جُمادى، فقال المشركون للمسلمين: قتلتُم في الشهر الحرام، فأنزل الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ. الآية، فقال بعضهم: إنْ لم يكونوا أصابوا وزرًا فليس لهم أجْر، فأنزل الله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [1973] أخرجه النَّسائي في ((السنن الكبرى)) (5/249) (8803)، وأبو يعلى (3/102) (1534)، والطبراني (2/162) (1670). وثَّق رِجالَه الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (6/201)، وحسَّن إسنادَه ابنُ حجر في ((العجاب)) (1/538)، وصحَّح سندَه الشوكانيُّ في ((فتح القدير)) (1/324)، وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/261). .
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ.
أي: يسألك المؤمنون يا محمَّد، عن القِتال في شهرٍ حرام (الأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحِجَّة، ومحرَّم، ورجب) [1974] وهذا اختيار ابن جرير في ((تفسيره)) (3/647-648)، وابن عثيمين في ((تفسير الفاتحة والبقرة)) (3/51، 53). ، وقيل: السؤال وقع من المشركين للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ تعييرًا وتشنيعًا على المؤمنين الذين قتَلوا أحد المشركين في شهرٍ حرام، فأمره الله تعالى أن يُجِيب عن ذلك بأنَّ القتال فيه عظيم؛ لعَظمة تلك الأشهر وحُرمتها [1975] وهذا اختيار الواحدي في ((التفسير الوسيط)) (1/321). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (2/325). .
وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ.
أي: ولكنْ ما يقومون به مِن مَنْع النَّاس من سُلوكِ طريق الحقِّ، أو من الاستمرار عليه لمن آمَن، وكفرهم بالله تعالى، ومنعِهم النَّاس عن الوصول إلى البيت الحرام لحجٍّ أو عمرة، وإخراج أهله المؤمنين منه، وهم عُمَّارُه والأحقُّ به من المشركين- أعظمُ إثمًا وجرمًا عند الله تعالى؛ فكلُّ واحدٍ منها فِتنة، والفِتنة أعظمُ وأشدُّ من القتل الذي وقع من المسلمين في شهرٍ حرام [1976] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/649-650)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/321)، ((تفسير ابن عطية)) (1/290)، ((تفسير السعدي)) (ص: 97)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/51-52)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/330). .
وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا.
أي: سيظلُّ الكفَّار والمشركون على قتالكم، لا يَهدأ لهم بال، ولا يتوقَّفون عن قتال، لا لغرضٍ دنيويٍّ كالمال؛ بل لأجْل أن ترجِعوا عن دينكم فتُصبِحوا كفَّارًا مثلهم، هذا إن قدروا، لكنَّهم لن يقدروا، فهم عاجزون حقًّا عن ذلك [1977] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/665)، ((تفسير السعدي)) (ص: 97)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/91)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/52-53). .
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال: 36] .
وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
أي: كلُّ مَن يرجِعْ منكم عن دِين الإسلام، فيختار الكفر ويستمرُّ عليه، حتى مماته، ولم يتُب من كفره، فقد بطَلت أعمالُه واضمحلَّت، فلم يبقَ له عملٌ صالح يُؤجَر عليه في الدُّنيا والآخرة، وهو من أهل النَّار الملازمينَ لها على الدوام [1978] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/665-666)، ((تفسير السعدي)) (ص: 97)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/53). .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218).
مُناسبة الآية لِمَا قبلها:
أعقَب اللهُ عزَّ وجلَّ الإنذارَ بالبشارة، ونزَّه المؤمنين من احتمال ارتدادِهم؛ فإنَّ المهاجرين لم يرتدَّ منهم أحدٌ [1979] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (2/337). .
سبب النُّزول:
عن جُندُبِ بن عبد الله رضي الله عنه: ((أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ بعث رهطًا، وبعَث عليهم عبدَ الله بن جحش، فلقُوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يَدرُوا أنَّ ذلك اليوم من رجب، أو من جُمادى، فقال المشركون للمسلمين: قتلتُم في الشهر الحرام، فأنزل الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ. الآية، فقال بعضُهم: إنْ لم يكونوا أصابوا وزرًا فليس لهم أجْر، فأنزل الله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [1980] أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (8803)، والطبراني (2/162) (1670)، والبيهقي (18201) باختلاف يسير؛ ولفظ البيهقي: عن جندب بن عبد الله رضى الله عنه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا واستعمل عليهم عبيدة بن الحارث قال فلما انطلق ليتوجه بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه رجلا يقال له عبد الله بن جحش وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأه إلا بمكان كذا وكذا وقال :« لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك ». فلما صار ذلك الموضع قرأ الكتاب واسترجع قال : سمعا وطاعة لله ورسوله قال فرجع رجلان من أصحابه ومضى بقيتهم معه فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه فلم يدر ذلك من رجب أو من جمادى الآخرة فقال المشركون قتلتم في الشهر الحرام فنزلت (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) إلى قوله (والفتنة أكبر من القتل) قال فقال بعض المسلمين لئن كانوا أصابوا خيرا ما لهم أجر فنزلت (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) صححه الطبري في ((التفسير)) (2/466)، وحسنه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/384)، وصحح إسناده الشوكاني في ((فتح القدير)) (1/342)، وأحمد شاكر في تخريج ((عمدة التفسير)) (1/261)، وذكر شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سير أعلام النبلاء)) (7/42) أن له طرقا بمجموعها يكون صحيحا .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218).
أي: إنَّ الذين صدَّقوا وأقرُّوا بالحقِّ منقادينَ إليه، والذين انتقَلوا من موضعٍ إلى آخَرَ فرارًا من مخالطة المشركين ومساكنتِهم، وربَّما فارَقوا بذلك عشائرهم وأوطانهم؛ حفاظًا على دِينهم، والذين بذلوا جهدَهم في مقاتلة الأعداء نصرًا لدين الله تعالى، وإعلاءً لكلمته، فهؤلاء- ذَوُو الطبقة العالية الرفيعة- لائقون وجديرون حقًّا بأن يطمعوا في نَيل رحمة الله تعالى لهم، وأنْ يُدخِلَهم دار كرامته، وسيَحظَون بما أمَّلوا وطمِعوا فيه؛ ذلك أنَّ الله تعالى غفورٌ رحيم؛ فبمغفرته ستَر ذنوبهم وتجاوز عنها، وأذهب آثارها وعقوباتها في الدنيا والآخرة، وبرحمته وفَّقهم لتلك الأعمال الجليلة، ويمنحهم في الدَّارين الخيراتِ والمراتبَ النَّبيلة [1981] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/666-667)، ((تفسير السعدي)) (ص: 98)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/62-65). .
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219).
سبب النُّزول:
عن عُمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، قال: ((لَمَّا نزل تحريم الخمر قال: اللهمَّ بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت هذه الآية التي في سورة البقرة: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ قال: فدُعي عمر فقُرئت عليه، فقال: اللهمَّ بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى فكان منادي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ إذا أقام الصَّلاة نادى أن لا يقربنَّ الصَّلاة سكرانُ، فدُعِي عمر فقُرئت عليه، فقال: اللهمَّ بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت الآية التي في المائدة، فدُعيَ عمر فقُرِئَت عليه، فلما بلغ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قال: فقال عمر: انتهينا، انتهينا )) [1982] أخرجه أبو داود (3670)، والترمذي (3049)، والنَّسائي (5540)، وأحمد (1/53) (3478). صحَّحه عليُّ بنُ المَدينيِّ كما في ((شرح ثلاثيات المسند)) للسفاريني (1/795)، وقال الترمذيُّ: رُوي عن إسرائيل مرسلًا، وهو أصحُّ. وصحَّح إسنادَه أحمدُ شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (1/185)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النَّسائي)) (5540)، وقال الوادعي في ((أحاديث معلة)) (317): سندُه رجالُ الصحيح، ولكنَّه منقطع. .
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ.
أي: يسألك المؤمنون يا محمَّد، عن حُكم الخمر- وهي: كلُّ شرابٍ مسكِر يُغطِّي عقل صاحبه- وعن حُكم القِمار [1983] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/669-670)، ((تفسير ابن كثير)) (1/579)، ((تفسير السعدي)) (ص: 98). وممَّن قال من السَّلَف بأنَّ الميسر هو القِمار: ابنُ عمر، وابن عبَّاس، وعبد الله بن مسعود، ومجاهد، وعَطاء، وطاوس، وسعيد بن جُبَير، والحسن، ومحمَّد بن سِيرين، وقَتادة، ومقاتل، والسُّدِّي، وعطاء الخُراساني، ومكحول، وعطاء بن مَيسَرة. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/670)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (2/390). .
قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا.
أي: قلْ لهم يا محمَّد، بأنَّ في شُرب المسكرات وتعاطِي القِمار إثمًا كبيرًا؛ إذ يُحدِثان عداوةً وبغضاءَ وصدًّا عن ذِكر الله تعالى وعن الصَّلاة، وغير ذلك من آثامٍ ومنكرات، هي أعظم ممَّا يتأتَّى منهما من منافع قد تحصُل في النفس والبدن والمال، كالذي تُحدِثه الخمر لشاربها من طربٍ ولذَّةٍ ونشوةٍ، وتشحيذٍ للذِّهن وغير ذلك، وما يأتي به القمار لصاحبه من مكاسبَ وأموال، ولذَّةٍ في اللعب والمغالبة، وقد ذكر الله تعالى آثامهما قبل منافعهما؛ ليقع في نفس المؤمن الاشمئزاز منهما أوَّلًا [1984] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/675-679)، ((مجموع فتاوى ابن تيميَّة)) (32/230-231)، ((تفسير ابن كثير)) (1/579)، ((تفسير السعدي)) (ص: 98)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/267)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/69-70). .
كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: 90-91] .
وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ.
أي: يسألك المؤمنون يا محمَّد: أيَّ شيء يُنفقون من أموالهم، فيتصدَّقون به؟ فأجبْهم بأنَّ مَن أراد منهم أن يُنفِق في سبيل الله تعالى، فليتصدَّق ممَّا زاد عن حاجاته الضروريَّة [1985] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/686، 690، 692، 695)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/351-352)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/438)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/69). .
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ....
أي: كما فصَّل الله تعالى هذه الأحكامَ كحُكم الخمر وغيره، وأوضحها غايةَ الإيضاح، فكذلك يُوضِّح الله جلَّ وعلا لنا بمِثل ذلك البيان سائر آياته وأحكامه الشرعيَّة؛ كي نتفكَّر من خلالها فيما شرَعه الله تعالى من أحكام تتعلَّق بشؤون الدارينِ، ولأجْل أن يقودَنا ما جاء فيها من وعدٍ ووعيد وثوابٍ وعقاب، إلى التفكُّر في الدنيا وسرعة انقضائها، وفي إقبال الآخِرة وبقائها، فنزهَد في الأولى، ونُعمِّر الثانية؛ عملًا بطاعة الله تعالى، وتركًا لشهوات يسيرة فانية [1986] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/696-697)، ((تفسير ابن عطية)) (1/295)، ((تفسير ابن كثير)) (1/580)، ((تفسير السعدي)) (ص: 99)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/352-354)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/70).   .
... وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220).
مُناسبة الآية لِمَا قبلها:
لَمَّا ذكَر سبحانه وتعالى السؤالَ عن الخمر والميسر، وكان في تَرْكهما إصلاحُ أحوالهم وأنفسهم، أمَر بالنَّظر في حال اليتامى؛ إصلاحًا لغيرهم ممَّن هو عاجزٌ أن يصلح نفْسَه، فيكون قد جمَعوا بين النَّفع لأنفسهم ولغيرهم [1987] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (2/410). .
سبب النُّزول:
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما، قال: ((لَمَّا نزلت: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وإِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى [النساء: 10] الآية انطلق مَن كان عنده يتيم فعَزل طعامَه من طعامه، وشرابَه من شرابه، فجعل يفضُل له الشيء من طعامه، فيحبس له حتى يأكلَه، أو يفسد، فاشتدَّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ، فأنزل الله وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ، فخلطوا طعامهم بطعامه، وشرابهم بشرابه )) [1988] أخرجه أبو داود (2871) واللفظ له، وأحمد (1/325) (3002)، والحاكم (2/113). احتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (8/326)، وحسَّن إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (5/5)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2871). .
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ.
أي: يسألُك المؤمنون يا محمَّد، عمَّا اشتدَّ عليهم فعله مع اليتامى؛ إذ كانوا يعزلون لهم طعامَهم؛ خوفًا من تناوله معهم، فإذا فضَل منه شيءٌ حبسوه لهم حتى يأكلوه أو يتغيَّر، فأخبَر الله تعالى نبيَّه محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُجيبهم بأنَّ المقصودَ إنَّما هو إصلاحُ أموال اليتامى، بحفظها، واستثمارها، والاتِّجار فيها لهم، فإنْ لم تأخذوا أجرًا على قيامكم بذلك فذلك خيرٌ لكم وأعظمُ أجرًا، وإن أصبتم من أموالهم شيئًا في مقابل قيامكم بشؤونهم، كأنْ خالطتموهم في طعامٍ أو غيره من الأموال فجائز- على وجهٍ لا يضرُّ باليتامى-؛ لأنَّهم إخوانكم في الدِّين، ومن شأن الأخ مخالطة أخيه [1989] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/704-706)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 166)، ((تفسير السعدي)) (ص: 99)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/70-72). .
وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.
أي: إنَّ الله تعالى وإنْ أذِن للمؤمنين في مخالطة اليتامى على ما سبق ذِكرُه، إلَّا أنَّه خوَّفهم وحذَّرهم من أن تُسوِّل لهم أنفسُهم شيئًا من الخداع لأكل أموال اليتامى بالباطل، فالمعوَّل في ذلك على النيَّة، فمَن خلط مال اليتيم بماله يريد مصلحته، فالله يعلم نيَّته وسيُثِيبه على ذلك، وإنْ حصَل أنْ دخل عليه شيءٌ من ماله من غير قصْدٍ، ولا طمعٍ، فلا حرج عليه؛ لأنَّ الله تعالى يعلم نيَّته، وأمَّا مَن قصد بتلك المخالطة التوصُّل بها إلى أكلِ ماله خديعةً، فالله عزَّ وجلَّ يعلم نيَّته، وسيعاقبه على ذلك [1990] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/707)، ((تفسير ابن كثير)) (1/582)، ((تفسير السعدي)) (ص: 99)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/512). .
وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
أي: إنَّ هذا الحُكم إنَّما شُرِع رخصةً من الله تعالى وتوسعةً على عباده؛ وإلَّا فإنَّ الله تعالى قادرٌ على أن يشُقَّ عليهم بنَهيِهم عن خلط أموالهم بأموال اليتامى؛ وأمْرِهم بتقدير طعامهم تقديرًا دقيقًا، بحيث لا يَزيد عن حاجتهم، ولا ينقص عنها، فيقعوا بذلك في ضيقٍ وحرج؛ ويعاقبهم ربُّهم إنْ تركوا أمره، أو ارتكبوا نهيه؛ ذلك بأنَّ الله تعالى لا يعجزه شيء، وهو قاهرٌ لكلِّ شيء، وَفْق ما تقتضيه حِكمته؛ إذ يضَعُ كلَّ شيءٍ في موضعه اللائق به، فيعاقب مَن يستحقُّ ذلك لعناده، ويشرِّع ما فيه الخير والرحمة لعباده [1991] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/708-711)، ((تفسير ابن كثير)) (1/582)، ((تفسير السعدي)) (ص: 99)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/72-73). .

الفوائد التربويَّة:

1- أنَّه لا ينبغي للإنسان أن يكون جازمًا بقَبول عمله؛ بل يكون راجيًا؛ حَسن الظنِّ بالله عزَّ وجلَّ؛ لقوله تعالى: أولئك يرجون رحمة الله؛ لأنَّهم لا يغترون بأعمالهم؛ ولا يدلُّون بها على الله؛ وإنَّما يفعلونها وهم راجون رحمة الله تعالى [1993] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/65). .
2- أنَّ الدِّين الإسلامي جاء بتحصيل المصالح، ودرء المفاسد؛ لقوله تعالى: قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [1994] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/73). .
3- المقارنة في الأمور بين مصالحها، ومفاسدها؛ لقوله تعالى: قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [1995] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/73). .
4- مراعاة الإصلاح فيمَن ولاه الله تعالى على أحد؛ لقوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [1996] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/74). .

الفوائِد العِلميَّة واللَّطائف:

1- حِرصُ الصحابة رضي الله عنهم على السُّؤال عن الِعلم؛ وقد وقع سؤالهم لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ في القرآن أكثرَ من اثنتي عشرة مرة [1999] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/45، 73). .
2- أنَّه لا حرَجَ على الإنسان إذا كرِه ما كُتِب عليه مِن حيثُ الطبيعةُ؛ أمَّا من حيث أمر الشارع به فالواجب هو الرِّضا، وانشراح الصدر به [2000] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/50). .
3- ضَعْف الإنسان، وأنَّ الأصل فيه عدم العلم؛ لقوله تعالى: وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [2001] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/50). .
4- أنَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّمَ هو مرجِع الصَّحابة في العلم؛ لقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ [2002] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/53). .
5- أنَّ الأشهر قسمان: أشهر حُرم، وأشهر غير حرم، ويتفرَّع على هذه الفائدة: أنَّ الله يختصُّ من خلقه ما شاء؛ فهناك أماكن حرام، وأماكن غير حرام، وأزمنة حرام، وأزمنة غير حرام، وهناك رسل، وهناك مرسَل إليهم، وهناك صِدِّيقون، وهناك مَن دونهم، والله عزَّ وجلَّ كما يفاضل بين البشر، يفاضل بين الأزمنة والأمكنة [2003] يُنظر: (((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/55). .
6- تقديم ما يُفيد العِلِّيَّة؛ لقوله تعالى: عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ؛ المسؤول عنه القتال في الشهر الحرام؛ لكنه قدَّم الشهر الحرام؛ لأنَّه العلة في تحريم القتال [2004] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/58). .
7- تفاوت الذُّنوب؛ لقوله تعالى: قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ إلى قوله تعالى: أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ؛ وبتفاوت الذنوب يتفاوت الإيمان؛ لأنَّه كلما كان الذنب أعظم كان نقص الإيمان به أكبر [2005] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/58). .
8- أنَّ من كان أقومَ بطاعة الله فهو أحقُّ النَّاس بالمسجد الحرام؛ لقوله تعالى: وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ؛ فمع أنَّ المشركين ساكنون في مكَّة؛ لكنَّهم ليسوا أهلَه، كما قال تعالى: وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [الأنفال: 34] [2006] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/59). .
9- الحذر من الكافرين؛ لقوله تعالى: وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ؛ وكلمة: لَا يَزَالُونَ تفيد الاستمرار، وأنه ليس في وقت دون وقت، وأنَّ محاولتهم ارتدادَ المسلمين عن دِينهم مستمرةٌ [2007] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/60). .
10- إطلاق الأخ على مَن هو دونه؛ لأنَّ اليتيم دون مَن كان وليًّا عليه؛ وهذه الأخوة هي أخوَّة الدين [2008] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/75). .

بلاغة الآيات:

1- قوله: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ فيه تقديم ما حقُّه التأخيرُ، حيث قدَّم قوله: وَكُفْرٌ بِهِ فجُعل معطوفًا على صَدٌّ قبل أن يَستوفي (صَد) ما تعلَّق به وهو (والمسجدِ الحرامِ)، ومُقتضى ظاهر ترتيب نظم الكلام أن يقال: (وصدٌّ عن سبيل الله وكُفر به وصدٌّ عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله)؛ فجاء بهذا الترتيب؛ للاهتمام بتقديم ما هو أفظعُ من جَرائمهم؛ فإنَّ الكفر باللهِ أفظعُ من الصدِّ عن المسجد الحرام، فكان ترتيب النَّظم على تقديم الأهم فالأهم؛ فإنَّ الصدَّ عن سبيل الإسلام يَجمع مظالمَ كثيرةً [2009] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (2/329). وهذا الوجه بناءً على أنَّ قوله تعالى: وَالْمَسْجِدِ الحَرَامِ معطوفٌ على وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ. .
2- قوله: حَتَّى يَرُدُّوكُم عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا فيه وقع الشَّرط إنِ اسْتَطَاعُوا موقعَ الاحتراس ممَّا قد تُوهِمه الغايةُ في قوله: حَتَّى يَرُدُّوكُمْ؛ ولهذا جاء الشَّرط بحرف (إنْ) المشعِر بأنَّ شرْطه مرجوٌّ عدمُ وقوعه؛ ففيه استبعادٌ لاستطاعتِهم، وتعريضٌ وإيذان بأنَّهم لا يستطيعون ردَّ المسلمين عن دِينهم، كقول الرجل لعدوِّه: إن ظفرتَ بي فلا تُبقِ عليَّ. وهو واثقٌ أنه لا يظفر به [2010] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/259)، ((تفسير أبي حيان)) (2/391)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/331). .
3- في قوله: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
- عبَّر بصيغة المطاوعة في (يرتدد)؛ إشارةً إلى أنَّ رجوعِهم عن الإسلام- إن قُدِّر حصوله- لا يكون إلَّا عن محاولةٍ من المشركين؛ فإنَّ مَن ذاق حلاوة الإيمان لا يَسهُل عليه رجوعُه عنه، ومَن عرَف الحق لا يرجع عنه إلَّا بعَناء [2011] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (2/332). .
- ولم يأت هنا مفعول ثان، حيث لم يقل: (من يرتد عن دِينه إلى دِين كذا)؛ لأنَّه لا اعتبار بالدِّين الذي ارتُدَّ إليه، وإنَّما نِيط الحكم بالارتداد عن الإسلام إلى أيِّ دِين [2012] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (2/332). .
- وفيه وضْع الظاهر (عن دينه) وضع المضمر (عنه)، للإشعار بفداحة الموقِف، وفَظاعة الجُرم والهلاك [2013] يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 292). .
4- قوله: وَهُوَ كَافِرٌ جملةٌ حاليةٌ من ضميرِ يَمُتْ، وكأنها حالٌ مؤكِّدَةٌ؛ لأنَّها لو حُذِفَتْ لفُهِم معناها؛ لأنَّ ما قبلَها يُشْعِرُ بالتعقيبِ للارتداد، وجيء بالحالِ هنا جملةً؛ مبالغةً في التأكيدِ، مِن حيث تكرُّرُ الضميرِ بخلافِ ما لو جِيء بها اسمًا مفردًا [2014] يُنظر: ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (2/400-401). .
5- قوله: إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا... أُولَئِكَ فيه تَكرار الموصول (الذين)؛ لتعظيم الهجرة والجهاد، كأنَّهما مستقلَّان في تحقيق الرجاء [2015] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (1/137)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/337). . أو: لَمَّا كان الإيمان هو الأصل أُفرد به موصول وحده، ولما كانت الهجرة والجهاد فرَعينِ عنه أُفردا بموصول واحد؛ لأنَّهما من حيث الفرعية كالشيء الواحد [2016] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (2/394). .
6- قوله: قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
- جيء بـ(في) الدَّالة على الظرفية؛ لإفادة شدَّة تعلُّق الإثم والمنفعة بهما؛ لأنَّ الظرفية أشدُّ أنواع التعلُّق، وجُعلت الظرفية متعلِّقة بذات الخمر والميسر للمبالغة، والمراد في استعمالهما [2017] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (2/343-344). .
- وفيه: تَنكير المسند (إثم)؛ وذلك للإيذان بفَداحته وخُطورته، ووصفُه بلفظة (كبير) بيان آخَر لفداحته وخطره [2018] يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 294). .
7- قوله: وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فيه التِفات من غَيبة إلى خِطاب؛ لأنَّ قبله: وَيَسْأَلُونَكَ، فالواو ضميرٌ للغائب، وحِكمة هذا الالتفات ما في الإقبال بالخِطاب على المخاطَب؛ ليتهيَّأ لسماع ما يُلقى إليه وقَبوله، والتحرز فيه [2019] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (2/411). .
8- قوله: إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
- تذييل لِمَا اقتضاه شرْط (لو) من الإمكان وامتناع الوقوع، أي: إنَّ الله عزيز غالب قادر، فلو شاء لكلَّفكم العنَتَ، لكنَّه حكيم يضع الأشياء مواضعها؛ فلذا لم يُكلِّفكموه.
- وفيه تأكيد الخبر بإنَّ، واسمية الجملة، والتعبير بصِيغة فعيل (عزيز حكيم)؛ للمبالغة في الوصْف مبالغةً محمودة [2020] يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 295- 296). .