موسوعة التفسير

سُورة الأنفالِ
الآيتان (36-37)

ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ

غريب الكلمات:

حَسْرَةً: أي: ندامةً واغتمامًا. وأصلُ (حسر): يدلُّ على كَشْفِ الشَّيءِ، فالحسرةُ انكشافٌ عن حالِ النَّدامةِ [471] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/429)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 186)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/62)، ((تفسير الرازي)) (4/182)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 218). .
لِيَمِيزَ أي: لِيَفصِلَ ويُخَلِّصَ. وأصلُ (ميز) يدلُّ على انفصالِ شَيءٍ مِن شَيءٍ [472] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 505)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/289)، ((المفردات)) للراغب (ص: 783) . .
فَيَرْكُمَهُ: أي: فيَجمَعَه، ويَضُمَّ بَعضَه إلى بعضٍ، والرُّكامُ: ما يُلقى بعضُه على بعضٍ. وأصل (ركم) يدلُّ على تجمُّعِ الشيء [473] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 179)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/430)، ((المفردات)) للراغب (ص: 365)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 129)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 991). .

المعنى الإجمالي:

يُخبِرُ تعالى أنَّ الذينَ كفَروا يُنفِقونَ أموالَهم؛ ليتَقَوَّوا بها على قِتالِ المُسلمينَ، ولِيَصرِفوا النَّاسَ عن دينِ الله، هذه الأموالُ سَيُنفِقونَها، ثم تكونُ عليهم حَسرةً وندامةً، حين تذهَبُ بلا فائِدةٍ، ثمَّ يُهزَمونَ ويُقهَرونَ، والذينَ كَفَروا يحشُرُهم اللهُ إلى جهنَّمَ؛ ليتعذَّبوا فيها، لِيَفصِلَ اللهُ بين المؤمنينَ الطَّيبينَ وبَين الكافرينَ الخبيثينَ؛ فالمؤمنونَ في الجنَّةِ، والكفَّارُ في النَّارِ، ويجعَلُ اللهُ الكفَّارَ الخَبيثينَ بعضَهم فوقَ بعضٍ حتى يتراكَموا، فيجعَلهم كلَّهم في جهنَّمَ، وأولئك هم الذينَ خَسِروا أعظمَ الخسرانِ في الدُّنيا والآخرةِ.

تفسير الآيتين:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى مِن شرْحِ أحوالِ الكفارِ في الطَّاعاتِ البدنيَّةِ، وهي صلاتُهم- شرَحَ حالَهم في الطَّاعاتِ الماليَّةِ، وهي إنفاقُهم أموالَهم للصَّدِّ عن سبيلِ اللهِ [474] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (15/481)، ((تفسير أبي حيان)) (5/316). .
وأيضًا لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى صَدَّهم المُسلمينَ عن المَسجِدِ الحرامِ، الموجِبَ لِتَعذيبِهم- عقَّبَ بذِكرِ مُحاوَلتِهم استئصالَ المُسلمينَ، وصَدِّهم عن الإسلامِ [475] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/340). ، فقال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ.
أي: إنَّ الكفَّارَ مِن مُشرِكي قُريشٍ، يُنفِقونَ أموالَهم لِيتقَوَّوا بها على قتالِ المُسلمينَ، ولِيَصرِفوا النَّاسَ عن دِينِ اللهِ [476] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/169، 170)، ((تفسير البغوي)) (2/291)، ((تفسير ابن كثير)) (4/53)، ((تفسير السعدي)) (ص: 320)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/594). قال ابن جرير: (جائزٌ أن يكونَ عنى المُنفِقينَ أموالَهم لِقِتالِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابِه بأحُدٍ، وجائزٌ أن يكونَ عَنى المُنفِقينَ منهم ذلك ببَدرٍ، وجائزٌ أن يكونَ عَنى الفريقينِ، وإذا كان ذلك كذلك فالصَّوابُ في ذلك أن يَعُمَّ كما عمَّ جَلَّ ثناؤه الذين كَفَروا من قُريشٍ). ((تفسير ابن جرير)) (11/174). وقال الشنقيطي: (الذي عليه جُمهورُ العُلَماءِ مِن المُفَسِّرين وأصحاب المغازي والتَّاريخ: أنَّ هذه الآيةَ مِن سُورةِ الأنفال: إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ نزلت في قضيَّةِ قُريشٍ مع عيرِ أبي سُفيانَ؛ لأنَّ عِيرَ أبي سُفيانَ لَمَّا نجَتْ، وقُتِلَ مَن قُتِلَ من أشرافِهم يَومَ بَدرٍ، اجتمَعَ أشرافُ قُريشٍ، وطلَبُوا كلَّ مَن كانت له تجارةٌ في تلك العيرِ أن يَمنَحَهم ذلك المالَ؛ لِيَستعِينوا به، ويَستَعْدُوا على حربِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، طالبينَ منهم إدراكَ الثَّأرِ، فكانت إمكانيَّاتُ أحُدٍ هي من أموالِ تجاراتِ تلك العيرِ، وأنَّ ذلك هو معنى إنفاقِهم لِيَصُدُّوا عن سبيلِ اللهِ. هذا هو الأصوَبُ إن شاء الله، وعليه جماهيرُ العُلَماءِ). ((العذب النمير)) (4/594). .
فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ.
أي: فَسيُنفِقُ الكفَّارُ أموالَهم لمحاربةِ المُسلمينَ، وصَدِّ النَّاسِ عن دينِ اللهِ، ثمَّ تَصيرُ نَفَقتُهم ندامةً شديدةً عليهم، حين تذهَبُ أموالُهم سُدًى بلا طائلٍ، فلا يظفَرونَ بما كانوا فيه يَطمَعونَ، وهم في آخِرِ الأمرِ يُغلَبونَ ويُقهَرونَ [477] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/170)، ((تفسير ابن كثير)) (4/53)، ((تفسير السعدي)) (ص: 321)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/595، 596). .
كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة: 20-21] .
وقال سبحانه: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران: 12] .
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ.
مُناسَبتُها لِما قَبلَها:
لَمَّا أخبَرَ تعالى بما آلَ إليه حالُ الكُفَّارِ في الدُّنيا، مِن حَسرَتِهم، وكَونِهم مَغلوبينَ- أخبَرَ بما يَؤُولُ إليه حالُهم في الآخرةِ، مِن حَشْرِهم إلى جَهنَّمَ [478] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/317). .
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ.
أي: والكُفَّارُ يجمَعُهم اللهُ تعالى يومَ القِيامةِ إلى نارِ جَهنَّمَ؛ ليُعذَّبوا فيها [479] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/170)، ((تفسير السعدي)) (ص: 321)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/600). .
لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا ذكَرَ تعالى حَشْرَ الكافِرينَ، ذكَرَ عِلَّتَه، فقال [480] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/278). :
لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ.
أي: يحشُرُ اللهُ الكفَّارَ الخَبيثينَ إلى جهنَّم؛ ليُفرِّقَ بينهم وبين المؤمنين الطيِّبينَ، فيكونَ الكفَّارُ في جهنَّم، والمؤمنونَ في الجنَّةِ [481] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/175)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 440)، ((تفسير السعدي)) (ص: 321)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/342)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/601). وممَّن اختار هذا المعنى: ابنُ جريرٍ، والواحديُّ، والسعديُّ، وابنُ عاشورٍ، والشنقيطيُّ. يُنظر: المصادر السابقة. وقال ابنُ كثيرٍ: (وقولُه تعالى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ... يحتملُ أن يكونَ هذا التمييزُ في الآخرةِ، كما قال تعالى: ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ [يونس: 28] ، وقال تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [الروم: 14، وقال في الآية الأخرى: يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ [الروم: 43]، وقال تعالى: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [يس: 59] . ويحتملُ أن يكونَ هذا التَّمييزُ في الدُّنيا، بما يظهرُ مِن أعمالِهم للمُؤمنينَ، وتكونَ اللَّامُ معلِّلةً لِما جَعلَ اللهُ للكُفَّارِ مِن مالٍ يُنفِقونَ في الصَّدِّ عن سبيل الله، أي: إنَّما أقدَرْناهم على ذلك؛ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ أي: مَن يُطيعُه بقِتالِ أعدائِه الكافرين، أو يَعصيه بالنُّكولِ عَن ذلك؛ كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ [آل عمران: 166، 167] الآية، وقال تعالى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ [آل عمران: 179] الآية، وقال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 142]، ونظيرَتُها في براءة أيضًا. فمَعنى الآيةِ على هذا: إنَّما ابتَلَيناكم بالكُفَّارِ يُقاتِلونَكم، وأقدَرْناهم على إنفاقِ الأموالِ وبَذْلِها في ذلك؛ ليتميَّزَ الخبيثُ من الطيِّبِ، فيُجعَلَ الخبيثُ بعضُه على بعضٍ). ((تفسير ابن كثير)) (4/54). ويُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/601). .
وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ.
أي: ويجعَلَ اللهُ الكُفَّارَ الخبيثينَ بعضَهم فوقَ بَعضٍ، فيجمَعَهم جميعًا؛ حتى يتَراكَموا ويَكثُروا، فيجعَلَهم كلَّهم في نارِ جَهنَّمَ [482] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/176)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 440)، ((تفسير ابن كثير)) (4/54)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/602). قال ابن عاشور: (وجَعْلُ الخَبيثِ بَعضَه على بعضٍ: عِلَّةٌ أخرى لِحَشرِ الكافرينَ إلى جهنَّم؛ ولذلك عُطِفَ بالواو، فالمقصودُ جَمعُ الخبيثِ- وإن اختلَفَت أصنافُه- في مَجمَعٍ واحدٍ؛ لزيادةِ تَمييزِه عن الطَّيِّب، ولتشهيرِ مَن كانوا يُسِرُّون الكُفرَ ويُظهِرونَ الإيمانَ، وفي جَمعِه بهذه الكيفيَّةِ تَذليلٌ لهم وإيلامٌ؛ إذ يُجعَلُ بعضُهم على بعضٍ حتى يصيرُوا ركامًا). ((تفسير ابن عاشور)) (9/343). .
أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ.
أي: أولئك الكفَّارُ  الخبيثونَ، الذين يُجمعون كلُّهم، فيُركَمون في جهنَّمَ، هم الذين خسِروا أنفسَهم وأهْليهم يومَ القيامةِ، وخسِروا الدُّنيا والآخرةَ، وذلك هو الخسرانُ المبينُ [483] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/176)، ((تفسير ابن كثير)) (4/54)، ((تفسير السعدي)) (ص: 321)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/602). .
كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر: 15] .

الفوائد التربوية:

- قولُ اللهِ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مِن العِبرةِ في هذا للمُؤمنينَ أنَّهم أَوْلى مِن الكفَّارِ ببَذلِ أموالِهم وأنفُسِهم في سبيلِ الله؛ لأنَّ لهم بها مِن حيثُ جُملَتُهم سعادةَ الدَّارينِ، ومن حيثُ أفرادُهم الفَوزَ بإحدى الحُسنَيَينِ، هكذا كان في كلِّ زمانٍ قام المسلمونَ فيه بحقوقِ الإسلامِ والإيمانِ، وهكذا سيكونُ إذا عادُوا إلى ما كان عليه سَلَفُهم الصَّالحون، فالكفَّارُ في هذا الزَّمانِ يُنفِقونَ القناطيرَ المُقنطَرةَ مِن الأموالِ؛ للصَّدِّ عن الإسلامِ، وفتنةِ الضُّعفاءِ مِن العوامِّ [485] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (9/550). !

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُه تعالى: فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ هذا من إخبارِ القُرآنِ بالغُيوبِ؛ لأنَّه أخبَرَ بما يكونُ قبلَ أن يكونَ، فكان كما أخبَرَ [486] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (2/525). .
2- قولُ اللهِ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً عبَّرَ بعبارةٍ ظاهرةٍ في مَضرَّتِها، فقال: عَلَيْهِمْ، وأبلَغَ في ذلك بأنْ أوقَعَ عليها المَصدرَ، فقال: حَسْرَةً أي: لضياعِها وعَدمِ تأثيرِها [487] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/277). .
3- قولُ اللهِ تعالى: وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ قولُه: فَيَرْكُمَهُ عطفُ تَفسيرٍ، يؤكِّدُ الذي قَبلَه في إرادةِ الحقيقةِ، مع إفهامِ شِدَّةِ الاتِّصالِ، حتى يصيرَ الكُلُّ كالشَّيءِ الواحِدِ، كالسَّحابِ المرَكومِ [488] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/279). .

بلاغة الآيتين:

1- قَولُه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ
- أتى بِصيغةِ المُضارِعِ في يُنْفِقُونَ؛ للإشارةِ إلى أنَّ ذلك دأْبُهم، وأنَّ الإنفاقَ مُستمِرٌّ؛ لإعدادِ العُدَدِ لِغَزوِ المُسلمينَ، فإنفاقُهم حصلَ في الماضي، ويحصُلُ في الحالِ والاستقبالِ، وأشعَرَت لامُ التعليلِ في لِيَصُدُّوا بأنَّ الإنفاقَ مُستمِرٌّ؛ لأنَّه مَنوطٌ بعلَّةٍ ملازِمةٍ لِنُفوسِهم، وهي بُغضُ الإسلامِ، وصَدُّهم النَّاسَ عنه [489] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/340). .
- والفاءُ في فَسَيُنْفِقُونَهَا تَفريعٌ على العلَّةِ؛ لأنَّهم لَمَّا كان الإنفاقُ دَأبَهم لتلك العِلَّةِ المذكورةِ، كان ممَّا يتفرَّعُ على ذلك تكَرُّرُ هذا الإنفاقِ في المُستقَبلِ، أي: ستكونُ لهم شَدائِدُ مِن بأسِ المُسلمينَ تَضطرُّهم إلى تكريرِ الإنفاقِ على الجُيوشِ؛ لِدفاعِ قُوَّةِ المُسلمينَ [490] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/341). .
- قوله: ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً جعَلَ ذاتَ الأموالِ حَسرةً- وهي عاقبةُ إنفاقِها- مُبالغةً [491] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/21)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/341). .
- قَولُه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ فيه عُدولٌ عن الإضمارِ إلى الإظهارِ- فلم يَقُلْ: (وإلى جهنَّمَ يُحشَرونَ)؛ للإفصاحِ عن التَّشنيعِ بهم في هذا الإنذارِ، حتى يُعادَ استحضارُ وَصْفِهم بالكُفرِ بأصرَحِ عبارةٍ [492] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/342). .
- وعُرِّفوا بالمَوصوليَّةِ: الَّذِينَ كَفَرُوا؛ إيماءً إلى أنَّ عِلَّةَ استِحقاقِهم الأمرَينِ في الدُّنيا والآخِرةِ، هو وَصفُ الكُفرِ، فيُعلَمُ أنَّ هذا يحصُلُ لِمَن لم يُقلِعوا عن هذا الوَصفِ قبل حُلولِ الأمرَينِ بهم [493] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/342). .
2- قولُه تعالى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
- لِيَمِيزَ مُتعَلِّقٌ بـ يُحْشَرُونَ لبيانِ أنَّ مِن حِكمةِ حَشْرِهم إلى جهنَّمَ أنْ يتميَّزَ الفريقُ الخَبيثُ مِن النَّاسِ، من الفَريقِ الطَّيِّبِ، في يومِ الحَشرِ [494] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/342). .
- وقَولُه: وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ المقصودُ منه جمعُ الخَبيثِ، وإن اختلَفَت أصنافُه في مجمعٍ واحدٍ؛ لزيادةِ تَمييزِه عن الطيِّبِ، ولتشهيرِ مَن كانوا يُسِرُّونَ الكُفرَ، ويُظهِرونَ الإيمانَ، وفي جَمعِه بهذه الكيفيَّةِ تذليلٌ لهم وإيلامٌ؛ إذ يُجعَلُ بَعضُهم على بعضٍ، حتى يصيرُوا رُكامًا [495] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/343). .
- قولُه: أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ: الإشارةُ بـ أُولَئِكَ؛ للتَّنبيهِ على أنَّ استحقاقَهم الخبَرَ الواقعَ عن اسمِ الإشارةِ، كان بسبَبِ الصِّفاتِ التي ذُكِرَت قبل اسمِ الإشارة؛ فإنَّ من كانت تلك حالَه، كان حقيقًا بأنَّه قد خسِرَ أعظَمَ الخُسرانِ، لأنَّه خَسِرَ منافِعَ الدُّنيا، ومنافِعَ الآخرةِ [496] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/343).
- وصيغةُ القَصرِ في قَولِه: هُمُ الْخَاسِرُونَ هي للقَصرِ الادِّعائيِّ؛ للمُبالغةِ في اتِّصافِهم بالخُسرانِ، حتى يُعَدَّ خُسرانُ غَيرِهم كَلَا خُسرانٍ، وكأنَّهم انفَرَدوا بالخُسرانِ مِن بينِ النَّاسِ [497] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/343). .