موسوعة التفسير

سُورة الأنفالِ
الآيات (38-40)

ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ

غريب الكلمات:

سَلَفَ: أي: مضَى، والسَّلَفُ: المتقدمُ، وأصلُ (سلف): تَقَدُّم وَسَبْق [498] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 504)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2 /483)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 139). .

المعنى الإجمالي:

يأمُرُ اللهُ نَبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُخبِرَ الذين كفَروا مِن قريشٍ أنَّهم إنْ يَنتَهوا عن الكُفرِ، وقتالِ المُؤمنينَ، يَغفِرِ اللهُ لهم ما تقدَّمَ، وإن يَعودُوا فقد سبَقَت طريقَتُه في إهلاكِ كُفَّارِ قريشٍ يومَ بَدرٍ، وإهلاكِ غَيرِهم مِن الأُمَمِ المُكَذِّبةِ.
وأمرَ اللهُ عبادَه المُؤمنينَ أن يُقاتِلوا الكفَّارَ؛ حتى لا يكونَ في الأرضِ شِركٌ يُفتَنُ بِسَببِه النَّاسُ، ويكونَ الدِّينُ كُلُّه خالصًا لله، فإنِ انتَهى الكُفَّارُ فإنَّ اللهَ بما يَعمَلونَ بَصيرٌ، وإن أعرَضُوا وأصَرُّوا على الكُفرِ والقتالِ، فلْيُوقنِ المُؤمِنونَ أنَّ اللهَ وَلِيُّهم وسَيِّدُهم، الذي يُعينُهم وينصُرُهم عليهم، هو سُبحانَه نِعمَ المُعينُ لأوليائِه، ونِعمَ النَّاصِرُ لهم على أعدائِهم.

تفسير الآيات:

قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ (38).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا بيَّنَ ضلالَ الكافِرينَ في عِباداتِهم البَدَنيَّةِ، وعِباداتِهم الماليَّةِ؛ أرشَدَهم إلى طريقِ الصَّوابِ [499] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (15/482)، ((تفسير الشربيني)) (1/570). .
وأيضًا لَمَّا ذكَرَ تعالى ما يحُلُّ بالكافرينَ مِن حَشْرِهم إلى النَّارِ، وجَعْلِهم فيها، وخُسْرِهم- تلطَّفَ بهم، وأنَّهم إذا انتَهَوا عن الكُفرِ وآمَنوا، غُفِرَت لهم ذُنوبُهم السَّالِفةِ [500] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/318). .
وأيضًا لَمَّا بيَّنَ تعالى حالَ الكُفَّارِ الذين يُصِرُّونَ على كُفرِهم، وصَدِّهم عن سَبيلِ الله، وقتالِ رَسولِه والمؤمنينَ، وما لهم في الدُّنيا والآخرةِ- قفَّى عليه ببيانِ حُكمِ الذينَ يَرجِعونَ عنه، ويَدخُلونَ في الإسلامِ؛ لأنَّ الأنفُسَ صارت تتشَوَّفُ إلى هذا البَيانِ [501] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (9/552). ، فقال:
قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ.
أي: قُل- يا مُحمَّدُ- لكُفَّارِ قُريشٍ: إنْ يَترُكوا الكُفرَ، وقِتالَ المؤمنينَ، يَغفِرِ اللهُ لهم ما قد تقدَّمَ مِن كُفرِهم ومَعاصيهم [502] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/176، 177)، ((البسيط)) للواحدي (10/148)، ((تفسير ابن عطية)) (2/527)، ((تفسير ابن كثير)) (4/54)، ((تفسير السعدي)) (ص: 321)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/5). قال ابنُ تيميةَ: (قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ يتناولُ كلَّ كافرٍ). ((مجموع الفتاوى)) (22/47). .
كما قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53] .
وعَن عَمرِو بنِ العاصِ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له: ((أَمَا عَلِمْتَ أنَّ الإسلامَ يَهدِمُ ما كان قَبلَه )) [503] رواه مسلم (121). .
وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ.
أي: وإنْ يَعُدْ هؤلاءِ المُشركونَ مِن قُريشٍ إلى قتالِك، ويستمِرُّوا على كُفرِهم؛ فقد مَضَت طريقَتُنا في إهلاكِ كُفَّارِ قُريشٍ في يومِ بَدرٍ، وإهلاكِ غَيرِهم مِن الأُمَمِ الماضيةِ [504] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/177)، ((تفسير ابن عطية)) (2/527)، ((زاد المسير)) لابن الجوزي (2/210)، ((تفسير ابن جزي)) (1/326)، ((تفسير ابن كثير)) (4/55)، ((تفسير السعدي)) (ص: 321)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/346)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/6، 7). قال ابنُ عطيةَ: (والتخويفُ عليهم بقصَّة بدرٍ أشدُّ؛ إذ هي القريبةُ منهم والمعايَنة عندَهم). ((تفسير ابن عطية)) (2/527). .
كما قال تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فاطر: 43-44] .
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا بيَّنَ أنَّ هؤلاءِ الكفَّارَ إن انتَهَوا عن كُفرِهم، حصَلَ لهم الغُفرانُ، وإن عادُوا فهم مُتوَعَّدونَ بسُنَّةِ الأوَّلينَ- أتبَعَه بأنْ أمَرَ بقتالِهم إذا أصَرُّوا [505] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (15/483)، ((تفسير الشربيني)) (1/570). .
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ.
أي: وقاتِلوا- أيُّها المُؤمِنونَ- الكُفَّارَ؛ حتَّى لا يكونَ في الأرضِ شِركٌ يُفتَنُ بِسَببِه النَّاسُ [506] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/178)، ((تفسير السعدي)) (ص: 321)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/347)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/7، 8). .
عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُمِرتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتى يَشهَدُوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، ويُقيمُوا الصَّلاةَ، ويُؤتُوا الزَّكاةَ، فإذا فَعَلوا ذلك عَصَموا منِّي دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّ الإسلامِ، وحِسابُهم على اللهِ )) [507] رواه البخاري (25) واللفظ له، ومسلم (22). .
وعنِ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أيضًا، (أنَّه أتاه رَجُلانِ في فتنةِ ابنِ الزُّبيرِ، فقالا: إنَّ النَّاسَ صَنَعوا وأنت ابنُ عُمرَ، وصاحِبُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فما يمنَعُك أن تخرُجَ؟! فقال: يمنَعُني أنَّ اللهَ حرَّمَ دمَ أخي. فقالا: ألمْ يقُلِ اللهُ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ؟! فقال: قاتَلْنا حتَّى لم تكُنْ فِتنةٌ، وكان الدِّينُ لله، وأنتم تريدونَ أن تُقاتِلوا حتى تكونَ فِتنةٌ، ويكونَ الدِّينُ لِغَيرِ الله!) [508] رواه البخاري (4513). .
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه.
أي: وقاتِلوا الكفَّارَ حتى تكونَ الطَّاعةُ والعبادةُ كُلُّها خالصةً لله وَحدَه، وينتشِرَ الإسلامُ، فلا يُعبَد إلَّا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له [509] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/178)، ((تفسير القاسمي)) (5/292)، ((تفسير السعدي)) (ص: 321)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/8).
عن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سئِلَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الرَّجُلِ يُقاتِلُ شَجاعةً، ويُقاتِلُ حَمِيَّةً، ويقاتِلُ رِياءً، أيُّ ذلك في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن قاتَلَ لِتَكونَ كَلِمةُ اللهِ هي العُليا فَهو في سبيلِ اللهِ )) [510] رواه البخاري (123) ومسلم (1904)، واللفظ له. .
فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
أي: فإن انتَهى الكُفَّارُ عن الشِّركِ وأسلَموا؛ فإنَّ اللهَ لا يخفى عليه ما يَعمَلونَ في الظَّاهِرِ والباطِنِ، فيُجازيهم عليه، فكُفُّوا عن قِتالِهم، وإنْ لم تعلَموا بواطِنَهم [511] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/183)، ((البسيط)) للواحدي (10/154)، ((تفسير ابن كثير)) (4/57)، ((تفسير القاسمي)) (5/292، 293)، ((تفسير السعدي)) (ص: 321)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/8).
كما قال تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة: 5] .
وعن أُسامةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ الله عنهما، قال: ((بَعَثَنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَرِيَّةٍ، فصَبَّحْنا الحُرُقاتِ [512] فصَبَّحْنا الحُرُقاتِ: أي: أتوهم وهَجَموا عليهم صباحًا، قبلَ أنْ يَشْعُروا بهم. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/6)، ((فتح الباري)) لابن حجر (12/195). والحرقات: قبيلةٌ مِن جهينةَ، والظاهرُ أنَّه جمعُ حرقة، واسمُه: جهيشُ بنُ عامرٍ، قيل: سُمِّي الحرقة؛ لأنَّه حرقَ قومًا بالنبلِ فبالَغ في ذلك. يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (17/271). مِن جُهَينةَ، فأدركْتُ رجلًا، فقال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فطَعَنْتُه فوقَعَ في نفسي مِن ذلك، فذَكَرْتُه للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أقالَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ وقَتَلْتَه؟! قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّما قالها خوفًا مِن السِّلاحِ، قال: أفَلَا شقَقْتَ عن قَلْبِه، حتى تعلَمَ أقالَها أم لا؟! فما زالَ يكرِّرُها عليَّ حتى تمنَّيتُ أنِّي أسلَمْتُ يومَئذٍ )) [513] رواه البخاري (4269) ومسلم (96)، واللفظ له. .
وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40).
وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ.
أي: وإنْ أعرَضَ الكُفَّارُ عن الإيمانِ، وأصَرُّوا على الكُفرِ والقتالِ، فقاتِلوهم، وأيقِنُوا أنَّ اللهَ وليُّكم وسيِّدُكم، الذي يُعينُكم، ويَنصُرُكم عليهم [514] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/183)، ((تفسير الرازي)) (15/484)، ((تفسير ابن كثير)) (4/57)، ((تفسير القاسمي)) (5/293)، ((تفسير السعدي)) (ص: 321)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/8). قال ابنُ عطيةَ: (وقولَه تعالى: وَإِنْ تَوَلَّوْا... الآيةَ، معادلٌ لقولِه: فَإِنِ انْتَهَوْا، والمعنى: فإنِ انْتَهوا عن الكفرِ، فاللهُ مجازيهم... وإن تولَّوْا، ولم ينتهوا، فاعلموا أنَّ الله ينصرُكم عليهم، وهذا وعدٌ محضٌ بالنصرِ والظَّفرِ، أي: فجدُّوا). ((تفسير ابن عطية)) (2/528). .
نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.
أي: الله عزَّ وجلَّ هو نِعْمَ المُعينُ لأوليائِه، ونِعْمَ النَّاصِرُ لهم، الذي ينصُرُهم على أعدائِهم [515] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/183)، ((زاد المسير)) لابن الجوزي (2/211)، ((تفسير السعدي)) (ص: 321)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/11).
كما قال تعالى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا [النساء: 45] .
وقال سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الحج: 78] .

الفوائد التربوية:

مَن كان في حمايةِ اللهِ تعالى وفي حِفظِه وكِفايتِه، كان آمِنًا من الآفاتِ، مَصونًا عن المُخالفاتِ، قال تعالى: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [516] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/570). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- مِن لُطفِ اللهِ تعالى بعبادِه أنَّه لا يمنَعُه كُفرُ العبادِ، ولا استمرارُهم في العنادِ، مِن أن يَدعُوَهم إلى طريقِ الرَّشادِ والهُدى، وينهاهم عما يُهلِكُهم من أسبابِ الغَيِّ والرَّدَى؛ قال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [517] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:321). .
2- الإسلامُ يَهدِمُ ما كان قَبلَه بنَصِّ الكتابِ العزيزِ؛ قال اللهُ عزَّ وجلَّ: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغَفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [518] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (4/138). .
3- قَولُ اللهِ تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ احتجَّ به أبو حنيفةَ رحمه الله، على أنَّ المُرتَدَّ إذا أسلَمَ لا يلزَمُه قَضاءُ العِباداتِ المتروكةِ في حالِ الرِّدَّةِ وقَبلَها [519] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (15/483)، ((تفسير أبي حيان)) (5/319)، ويُنظر أيضًا: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (1/735) (6/140)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/117). .
4- قَولُ اللهِ تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ فيه حُجَّةٌ لِمَن رأى الاستتابةَ واجِبةً؛ فقد أمرَ اللهُ رَسولَه أن يُخبِرَ جَميعَ الذين كفَروا أنَّهم إن انتَهَوا غُفِرَ لهم ما سلفَ، وهذا معنى الاستِتابةِ، والمرتَدُّ مِن الذين كَفَروا، والأمرُ للوُجوبِ، فعُلمَ أنَّ استتابةَ المُرتَدِّ واجبةٌ، ولا يقالُ: فقد بلَغَهم عُمومُ الدَّعوةِ إلى الإسلامِ؛ لأنَّ هذا الكُفرَ أخصُّ من ذلك الكفرِ، فإنَّه يُوجِبُ قَتلَ كُلِّ مَن فَعَله، ولا يجوزُ استبقاؤُه وهو لم يُستتَبْ مِن هذا الكُفرِ [520] يُنظر: ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص: 322). .
5- قَولُ الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ فيه دليلٌ على قَبولِ توبةِ الزِّنديقِ؛ فإنَّ قَولَه: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا يتناوَلُ جمَيعَ أنواعِ الكُفرِ، فإنْ قيلَ: الزِّنديقُ لا يُعلَمُ مِن حالِه أنَّه هل انتَهى مِن زَندقَتِه أم لا؟ فالجوابُ: أحكامُ الشَّرعِ مَبنيَّةٌ على الظَّواهِرِ، فلما رجَعَ وجَبَ قَبولُ قَولِه فيه [521] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (15/483). .
6- الكُفرُ الذي يَعقُبُه الإيمانُ الصَّحيحُ، لا يَبقى على صاحِبِه منه ذَمٌّ، هذا معلومٌ بالاضطرارِ مِن دِينِ الإسلامِ، بل مِن دِينِ الرُّسُلِ كُلِّهم، كما قال اللهُ تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [522] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (8/283). .
7- قَولُ الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ فيه أنَّ الحَربيَّ إذا أسلَمَ لم يُؤخَذْ بِشَيءٍ ممَّا عَمِلَه في الجاهليَّة: لا مِن حُقوقِ اللهِ، ولا مِن حُقوقِ العبادِ [523] يُنظر: ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص: 153). .
8- قَوْله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ هذه لطيفةٌ مِنَ اللهِ سُبحانَه مَنَّ بها على الخَليقةِ؛ وذلك أنَّ الكُفَّارَ يقتَحِمونَ الكُفرَ والجرائِمَ، ويَرتكبونَ المعاصِيَ، ويَرتكبونَ المآثِمَ، فلو كان ذلك يُوجِبُ مُؤاخَذتَهم لَما استدرَكوا أبدًا توبةً، ولا نالَتْهم مغفرةٌ، فيسَّرَ اللهُ عليهم قَبولَ التَّوبةِ عند الإنابةِ، وبذَلَ المَغفرةَ بالإسلامِ، وهَدَمَ جَميعَ ما تقَدَّمَ؛ ليكونَ ذلك أقرَبَ إلى دخولِهم في الدِّينِ، وأدعَى إلى قَبولِهم كلمةَ الإسلامِ، وتأليفًا على الملَّةِ، وترغيبًا في الشَّريعةِ؛ فإنَّهم لو عَلِموا أنَّهم يُؤاخَذونَ لَما أنابوا ولا أسلَموا [524] يُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن العربي (2/398). .
9- أُطلِقَت الوَلايةُ في القُرآنِ بالنِّسبةِ إلى الله جلَّ وعلا إطلاقَينِ:
 أُطلِقَ المولى بمعنى الوَلايةِ الخاصَّةِ، وهي: النَّصرُ والتَّمكينُ والتَّوفيقُ، كقوله هنا: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ وقولِه: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ [التحريم: الآية 4] وهذا كثيرٌ في القُرآنِ؛ ولذا قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ [محمد: الآية 11] أي: لا مَولى لهم وَلايةَ نَصرٍ وتَمكينٍ.
وأُطلِقَ المولى بمعنَى ولايةِ خَلقٍ وقُدرةٍ ورُبوبيَّةٍ ومِلكٍ، وهو في قَولِه: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ [الأنعام: 62] وهي في الكفَّارِ؛ لأنَّه مولى الكُفَّارِ ولايةَ مِلكٍ وتصرُّفٍ ونُفوذٍ وقُدرةٍ، ومولى المؤمنينَ ولايةَ نَصرٍ وتمكينٍ وثوابٍ [525] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/10). .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ
 هذا كلامٌ جارٍ على عادةِ القُرآنِ في تَعقيبِ التَّرهيبِ بالتَّرغيبِ، والوعيدِ بالوَعدِ، والعَكس،  فأنذَرَهم بما أنذَرَ، وتوعَّدَهم بما تَوعَّد، ثم ذكَّرَهم بأنَّهم مُتمَكِّنونَ مِن التَّدارُكِ، وإصلاحِ ما أفسَدُوا، فأمَرَ اللهُ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأن يَقولَ لهم ما يفتَحُ لهم بابَ الإنابةِ [526] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/344). .
- وقَولُه: وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ تَعريضٌ بالوعيدِ بأنَّهم سيَلقَونَ ما لَقِيَه الأوَّلونَ، والقَرينةُ على إرادةِ التَّعريضِ بالوعيدِ أنَّ ظاهِرَ الإخبارِ بمُضِيِّ سُنَّةِ الأوَّلينَ، وهو من الإخبارِ بِشَيءٍ مَعلومٍ للمُخبَرينَ به، وبهذا الاعتبارِ حَسُنَ تأكيدُه بـ(قد)؛ إذ المرادُ تأكيدُ المعنى التَّعريضي [527] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/346). .
2- قوله: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
- عَمَّمَ الخِطابَ في قوله وَقَاتِلُوهُمْ لزيادةِ تَرغيبِ المؤمنينَ في القِتالِ [528] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/21). .
- وقولُه: فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ كنايةٌ عن حُسنِ مُجازاتِه إيَّاهم؛ لأنَّ القادِرَ على نَفعِ أوليائِه ومُطيعِيه لا يحولُ بينه وبين إيصالِ النَّفعِ إليهم إلَّا خفاءُ حال مَن يُخلِصُ إليه، فلما أُخبِرُوا بأنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ على انتهائِهم عن الكُفرِ إنِ انتَهَوا عنه، وكان ذلك لا يُظَنُّ خلافُه؛ عُلِمَ أنَّ المقصودَ لازِمُ ذلك [529] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/347). .
3- قَولُه تعالى: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ
- افتتاحُ جُملةِ جوابِ الشَّرطِ بـ فَاعْلَمُوا؛ لقَصدِ الاهتمامِ بهذا الخَبرِ وتحقيقِه [530] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/348). .
- وقولُه: نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ جملةٌ مُستأنفةٌ؛ لأنَّها إنشاءُ ثناءٍ على اللهِ، فكانت بمَنزلةِ التَّذييلِ [531] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/348). .