موسوعة التفسير

سُورَةُ البَقَرَةِ
الآيات (221 - 224)

ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄ

غريب الكلمات:

عُرْضَةً: مانعًا [2021] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 85)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 342)، ((المفردات)) للراغب (ص: 559)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 33)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 108). .
أَنْ تَبَرُّوا: أي: ألَّا تبرُّوا، وأصل البِر: الصِّدقُ في المَحَبَّة [2022] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/178)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 33). .

المعنى الإجمالي:

يَنهَى الله سبحانه وتعالى المؤمنين عن نِكاح المشرِكات، إلَّا إذا دخلْنَ في دين الإسلام، ولَأَنْ يتزوج المؤمن بجارية مملوكة تؤمن بالله وتوحِّده، خيرٌ من تزوُّجه بامرأة حرَّة لكنَّها مشركةٌ، حتى ولو كان فيها ما يجعلهم يميلون إليها؛ من شدَّة حُسن، أو حسَب عظيم، أو نسَب شريف، أو مال كثير، ونهى الله أيضًا عباده المؤمنين أن يُزوِّجوا نساءهم من رجال مشركين، إلَّا إذا دخلوا في دين الإسلام، ولَأَنْ يُزوِّجوهنَّ بعبيدٍ مماليكَ يؤمنون بالله خيرٌ من أن يزوجوهنَّ برجال أحرار لكنَّهم مُشرِكون حتى لو كان فيهم ما يعجبهم من حُسن، أو حسَب، أو نسب، أو مال؛ وذلك لأنَّ مَن كان يَدين بدِين الشِّرك يقود مَن يعاشره ويخالطه إلى حبِّ الدنيا، وإيثارها على الآخرة، وإلى العمل بما يُدخِل النارَ، والله سبحانه وتعالى يدعو إلى الجنَّة بما يُعلِّمه لعباده من شَرْعه من مأمورات ومنهيَّات، يقود العمل بمقتضاها لدخول الجنة، والنجاة من النار، كما يحثُّ على التوبة والاستغفار، ولزوم العمل الصالح الذي يكفِّر الآثام، فيتجاوز عنها سبحانه ويسترها. ويُظهِر اللهُ للناسِ براهينه وحُججه، ويوضِّح أحكامه وحِكمها؛ لعلَّهم بذلك أن يتذكروا ما نسُوه من الحق، فيعتبروا ويتَّعظوا.
ثم يُخاطِب الله عزَّ وجلَّ نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّمَ مخبرًا إيَّاه أنَّ المؤمنين يسألونه عن حالهم مع زوجاتهم وقت محيضهنَّ، هل يجتنِبونهنَّ مطلقًا أم يجامعوهنَّ، فلقَّنه الله الإجابة التي يجيب بها عليهم، فأمره أن يقول لهم بأنَّ الحيض دمٌ قذر ونجس؛ فليتركوا مجامعة النساء في فروجِهنَّ عند مجيئه، وليستمرُّوا على ذلك حتى ينقطعَ الدم، ويغتسِلْن فإذا فعَلْنَ ذلك فحينئذٍ لهم أن يُجامعوهنَّ في المكان الذي أباح الله تعالى لهم وهو القُبُل. وتشريعُ هذا الأمر من الله عزَّ وجلَّ جاء لأنَّه يحبُّ من عباده الذين يُطهِّرون بواطنَهم بالمداومة على التوبة، ويُطهِّرون ظواهرهم بالماء من الأنجاس والأحداث.
ثم يُخبِر تعالى عباده بأنَّ نساءهم مُزدرَعٌ لأولادهم، يُلقي الرِّجالُ فيهنَّ النطفة فتنزرع في الرحم، وينمو ليكتمل بشرًا بإذن الله تعالى، فلهم أن يجامعوا نساءهم على أيِّ جِهةٍ وكيفيَّة، ما دام في موضِع الحرث وهو القُبُل، وأمرهم سبحانه أن يعدُّوا لأنفسهم الخيرات والحسنات التي تفيدهم في آخرتِهم، ويجعلوا بينهم وبين غضب الله وعذابه ما يَقِيهم من ذلك بتجنُّب السيِّئات، وليتيقَّنوا أن مردَّهم إلى الله، ثم أمر نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّمَ أن يُبشِّر المؤمنين بما سيجدونه عند الله من الأجر.
ثمَّ نَهى اللهُ عِبادَه أن يجعلوا الحَلِف به سبحانه مانعًا من القيام بفعل الخيرات، كالبرِّ بالوالدين والإحسان للقُربى، أو حاجزًا عن تحقيق التَّقوى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، أو أن يقف ذلك الحَلِفُ بينهم وبين السَّعي للإصلاح بين النَّاس، كمَن يحلف أنْ لا يفعل شيئًا من ذلك، فإنْ طُلب منه احتجَّ عن الامتناع بيمينه، فنهى الله عن ذلك، فإذا حدَث أنْ حلَف أحدهم، فليس ذلك بمانعٍ له من فِعل الخير، بل عليه أن يَحنث ويكفِّر عن يمينه، ويفعل الخير الذي حلَف ألَّا يفعله. والله سميع لجميع الأصوات- التي منها أصواتُ الحالفين- عليمٌ بجميع المقاصد والنوايا- التي منها نيَّة الحالفين؛ هل يقصدون خيرًا أو شرًّا.

تفسير الآيات:

وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221).
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ.
أي: حرَّم الله تعالى على المؤمنين أن يتزوَّجوا بالنِّساء المشركات إلَّا إذا آمنَّ ووحَّدْنَ الله تعالى بدخولهنَّ في الإسلام [2023] نساء أهل الكتاب غيرُ مرادات بحُكم هذه الآية، سواء قيل: إنَّهنَّ من المشركات فاستُثنِين بآية سورة المائدة، أو قيل بأنَّهنَّ كافرات، لكن لسنَ بمشركات. ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/714 - 715)، ((تفسير ابن كثير)) (1/582). ، ولَأَنْ يتزوَّج المؤمن بأمَة مملوكة لكنَّها مؤمنة، خيرٌ له من أن يتزوَّج امرأة حرَّة مشركة، وإن بلَغ الإعجاب بها مبلغًا؛ لشدَّة حُسنِها، أو عِظَم حسَبِها، أو شَرَفِ نَسبِها، أو كثرةِ مالها [2024] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/714-718)، ((تفسير ابن كثير)) (1/582)، ((تفسير السعدي)) (ص: 99)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/361)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/76-77). واختار أنَّ الأمة هنا هي المرأة المملوكة: ابن جرير في ((تفسيره)) (3/716)، والواحدي في ((التفسير الوسيط)) (1/327)، وابن عطية في ((تفسيره)) (1/297)، وابن عاشور في ((تفسيره)) (2/361). وقال ابنُ عطية: (وتحتمل الآية عندي أنْ يكون ذِكر العبد والأمَة عبارةً عن جميع الناس؛ حُرِّهم ومملوكهم) ((تفسير ابن عطية)) (1/297). .
وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ.
أي: حرَّم الله تعالى على المؤمنين أن يُزوِّجوا نساءَهم المؤمنات لرجالٍ مشركين، إلَّا إذا آمنوا ووحَّدوا الله تعالى بدخولهم في الإسلام، ولَأَنْ تزوجوهنَّ بعبدٍ مملوك لكنه مؤمنٌ بالله تعالى، خيرٌ من أن تزوجوهنَّ برجلٍ حرٍّ مشرك، ولو بلغ إعجابكم به ما بلغ لحُسنه، أو حسبه، أو نسبه، أو ماله [2025] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/718)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/327)، ((تفسير ابن كثير)) (1/584)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/77). واختار أنَّ العبد هنا هو المملوك: ابن جرير في ((تفسيره)) (3/718)، وابن عطية في ((تفسيره)) (1/297)، وابن كثير في ((تفسيره)) (1/584)، وابن عاشور في ((تفسيره)) (2/362-363)، والشنقيطي في ((أضواء البيان)) (3/29). وقال ابنُ عطيَّة: (وتحتمل الآية عندي أنْ يكون ذِكر العبد والأمَة عبارةً عن جميع الناس؛ حُرِّهم ومملوكهم) ((تفسير ابن عطية)) (1/297). .
أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ.
أي: إنَّما حرَّمتُ عليكم- أيُّها المؤمنون- تزوُّجَ المشركات وتزويجَ المشركين بالمؤمنات؛ لأنَّهم في حقيقة الأمر يقودونكم عبر معاشرتهم ومخالطتهم بسماع أقوالهم، ورؤية أفعالهم، ومعايشة أحوالهم إلى حبِّ الدُّنيا، وإيثارها على الآخرة، وإلى العمل بما يُدخِلكم النار؛ فلا تغترُّوا بهم، فيردوكم في التهلُكة، والشقاء الأبدي [2026] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/719)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/327)، ((تفسير ابن كثير)) (1/584)، ((تفسير السعدي)) (ص: 99)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/77). .
وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ.
أي: إنَّ الله تعالى يدعوكم بما يُعلِّمكم مِن شَرْعه من أوامرَ ونواهٍ للعمل بها؛ لتقودَكم لدخول الجنة، وتوجبَ لكم النَّجاةَ من النار بما يمحو من خَطاياكم، التي من آثارها دفْعُ العقوبات، وذلك بالحثِّ على التوبة والاستغفار، ولزومِ العمل الصَّالح الذي يُكفِّر الآثام، فيتجاوز عنها ربُّكم، ويسترها عليكم [2027] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/720)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/327)، ((تفسير ابن كثير)) (1/584)، ((تفسير السعدي)) (ص: 99)، ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/78). .
وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ.
أي: يوضِّح براهينه وحُججَه ويُظهِر أحكامه وحِكَمها؛ فيُوجِب لهم ذلك التذكُّر لِمَا نَسُوه من الحقِّ فيعتبروا ويتَّعظوا، ويميِّزوا بين الدعاء إلى النيران، والدعاء إلى الجنَّة ونَيْل الغفران [2028] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/720)، ((تفسير السعدي)) (ص: 99)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/78). .
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222).
مناسبتها لِمَا قبلها:
هذه الآية عطفٌ على جملة: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة: 221] ، بمناسبة أنَّ تحريم نكاح المشركات يؤذِن بالتنَزُّه عن أحوال المشركين وكان المشركون لا يقربون نساءهم إذا كنَّ حُيَّضًا، وكانوا يُفرِطون في الابتعاد منهنَّ مدَّة الحيض، فناسب تحديد ما يَكثُر وقوعه، وهو من الأحوال التي يُخالف فيها المشركون غيرَهم، ويتساءل المسلمون عن أحقِّ المناهج في شأنها [2029] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (2/364). .
سبب النُّزول:
عن أنسٍ رضي الله عنه: ((أنَّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأةُ فيهم لم يواكلوها ولم يجامعوهنَّ في البيوت، فسأل أصحابُ النبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم، فأنزل الله تعالى: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم: اصنَعوا كلَّ شيء إلَّا النِّكاح، فبلغ ذلك اليهودَ، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدَع من أمرنا شيئًا إلَّا خالَفَنا فيه؟! فجاء أُسَيد بن حُضَير وعبَّاد بن بِشْر، فقالَا: يا رسول الله، إنَّ اليهود تقول كذا وكذا، فلا نجامعهنَّ؟ فتغيَّر وجهُ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم، حتى ظننَّا أنْ قد وجد عليهما فخرجَا فاستقبلهما هديَّةٌ من لبن إلى النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرَفَا أن لم يجدْ عليهما )) [2030] رواه مسلِم (302). .
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ.
أي: يسألُك المؤمنون- يا محمَّد- عن شأنِهم مع زوجاتهم حال حيضهنَّ، هل يجتنبونهنَّ مطلقًا، كما يفعل اليهود، أو يجامعوهنَّ [2031] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/720-721)، ((فتح الباري)) لابن رجب (1/391-392)، ((تفسير السعدي)) (ص: 100)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/364). ؟
قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ.
أي: أجابهم الله تعالى بأنَّ الحيض دمٌ قذر، ونجس، وإذا كان كذلك، فمن الحِكمة أن يمنع عباده عنه؛ ولذا نهاهم سبحانه عن جِماع النِّساء في فروجهنَّ [2032] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/722-723)، ((تفسير ابن كثير)) (1/585-586)، ((فتح الباري)) لابن رجب (1/192)، ((تفسير السعدي) (ص: 100). وممَّن قال من السَّلَف: إنَّ أَذًى تعني: قذَرًا: السُّدِّي، وقَتادة. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/723). وممَّن قال من السَّلَف بنحو ما ذُكر في قوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ عائشة، وأم سلمة، وابن عبَّاس، ومجاهد، ومقاتل بن حَيَّان، والحسن، وعِكْرمة. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/725)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (2/401). .
وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ.
القراءات ذات الأثر في التفسير:
في قوله تعالى: يَطْهُرْنَ قراءتان:
1- يَطَّهَّرْنَ أي: حتى يَغتسِلْنَ بالماء بعد انقطاع الدم [2033] قرأ بها حمزةُ، والكِسائيُّ، وأبو بكر. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 156). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 134-135). .
2- يَطْهُرْنَ أي: حتى ينقطعَ الدَّمُ عنهن [2034] قرأ بها الباقون يَطْهُرْنَ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 156). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 134-135). .
وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ.
أي: لا تجامعوا نساءَكم حال حيضهنَّ إلى أنْ ينقطع دم الحيض ويغتسلن، فإذا فعلن ذلك، فحينها لكم أن تُجامعوهنَّ في الموضِع الذي أباحَ الله تعالى فيه ذلِك، وهو القُبُل [2035] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن تيميَّة)) (21/625-626)، ((تفسير ابن كثير)) (1/587)، ((تفسير السعدي)) (ص: 100)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/91-92)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/81-82). وممَّن قال من السَّلَف بنحو ما ذُكر في قوله تعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ: ابن عبَّاس، ومجاهد، وعِكْرمة، والحسن، ومقاتل بن حَيَّان، والليث بن سعد. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/733)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (2/402). .
إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ.
أي: يأمركم الله تعالى بذلك، ويحثُّكم عليه؛ لأنَّه يحبُّ مَن يُطهِّرون بواطنَهم بالمواظبة على كثرة التَّوبة من جميع الذنوب، وإن تكرَّر منهم غشيانها، ويحب مَن يُطهِّرون ظواهرهم بالماء من الأنجاس والأحداث [2036] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/742، 744)، ((تفسير ابن كثير)) (1/588)، ((تفسير السعدي)) (ص: 100)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/82).   .
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223).
سبب النُّزول:
عن ابن المُنكَدِر قال: سمعتُ جابر بن عبد الله قال: ((كانتِ اليهودُ تقول: إذا جامَعها من ورائِها جاءَ الولدُ أحولَ، فنزلت: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)). وزاد في حديث النُّعمان عن الزهري: ((إنْ شاءَ مُجَبِّيَة [2037] مُجبِّية: أي: مُنكَبَّة على وجْهِها، تَشبِيهًا بهيْئة السُّجودِ. ((النهاية)) لابن الأثير (1/238). ، وإن شاء غير مُجَبِّية، غير أنَّ ذلك في صِمامٍ واحد )) [2038] رواه مسلم (1435). .
وعن أبي النَّضر أنَّه قال لنافع مولى ابن عمر: ((قد أُكثر عليك القول: إنَّك تقول عن ابن عُمر: (إنَّه أفْتى بأنْ يؤتى النساء في أدبارهنَّ)! قال نافع: لقدْ كذبوا عليَّ! ولكن سأخبرك كيف كان الأمر: إنَّ ابن عُمر عرَض عليَّ المصحف يومًا وأنا عنده حتى بلغ: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ، قال نافع: هل تدري ما أمر هذه الآية؟ إنَّا كنَّا معشر قريش نُجَبِّي النِّساء، فلمَّا دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردْنا منهنَّ ما كنا نُريد من نسائنا، فإذا هنَّ قد كرهن ذلك وأعظمْنه، وكان نساء الأنصار إنَّما يؤتَين على جنوبِهنَّ، فأنزل الله سبحانه: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)) [2039] أخرجه النَّسائي في ((السنن الكبرى)) (5/315) (8978)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (3/42) (4067). صحَّح إسنادَه ابنُ كثير في ((تفسير القرآن)) (1/383)، والوادعيُّ في ((صحيح أسباب النزول)) (43). .
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.
أي: إنَّ نساءكم مُزدرَعٌ لأولادكم، مثلما تكون الأرض حرثًا للزارع حيث يبثُّ فيها الحَب؛ فينمو ويخرج نباتًا، فكذلك النِّساء حرث يضع فيه الرجال الماء الدافق (المَنِيَّ)، فينزرع في الرَّحم حتى ينمو ويخرج بشرًا سويًّا بإذن الله تعالى. ولكم يا معاشرَ الرِّجال، أن تجامعوا نساءكم على أيِّ جهة، وبأي كيفيَّة شِئتم، شريطةَ أن يكون جماعهنَّ دومًا في موضع الحرث، وهو القُبُل [2040] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/745، 759)، ((مجموع فتاوى ابن تيميَّة)) (29/124)، ((تفسير السعدي)) (ص: 100)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/92)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/86-87). .
وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.
أي: أعدُّوا الخيراتِ والحسناتِ لأجْل نفع أنفسكم في الآخرة، واجعلوا بينكم وبين غضب الله تعالى وعذابه حاجزًا يَقِيكم ذلك بتجنُّب الشرور والسيِّئات، وكونوا على يقين تامٍّ من أنكم ستلاقون الله تعالى يوم القيامة، وأنه مُجازٍ كلًّا منكم بعمله، إنْ خيرًا فخير وإنْ شرًّا فشر، وبشِّر المؤمنين يا محمَّد بما يسرُّهم فالمؤمنون الذين يحبُّون لقاء الله تعالى، ويُعِدُّون للأمر عُدَّتَه، سيهنَؤون بلقائه سبحانه، وما يُقدِّموا لأنفسهم من خيرٍ سيجدونه عند الله عزَّ وجلَّ، ويُكرِمهم بدخول جنَّته [2041] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/762-763)، ((تفسير ابن كثير)) (1/599)، ((تفسير السعدي)) (ص: 100)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/374-375)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/87). .
كما قال تعالى: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا [المزمل: 20] .
وعن عُبادة بن الصَّامت رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((من أحبَّ لقاءَ اللهِ أحبَّ اللهُ لقاءَه، ومن كرِه لقاءَ اللهِ كرِه اللهُ لقاءَه. قالت عائشةُ أو بعضُ أزواجِه: إنَّا لنكرهُ الموتَ، قال: ليس ذاك، ولكنَّ المؤمنَ إذا حضره الموتُ بُشِّر برضوانِ اللهِ وكرامتِه، فليس شيءٌ أحبَّ إليه ممَّا أمامه، فأحبَّ لقاءَ اللهِ وأحبَّ اللهُ لقاءَه، وإنَّ الكافرَ إذا حُضِر بُشِّر بعذابِ اللهِ وعقوبتِه، فليس شيءٌ أكرهَ إليه ممَّا أمامه، فكرِه لقاءَ اللهِ وكرِه اللهُ لقاءَه )) [2042] رواه البخاري (6507). .
وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224).
وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ.
أي: لا تجعلوا الحَلِفَ بالله تعالى حُجَّةً لكم تمنعُكم من القيام بفِعل الخيرات، كبرِّ الوالدين وذِي القربى، أو تمنعكم من تحقيقِ التَّقوى بامتثال ما أمر الله تعالى به واجتناب ما نهى عنه، أو تمنعكم من السَّعي في الإصلاح بين النَّاس بالمعروف، وذلك كأنْ يحلفَ امرؤٌ بالله تعالى على ألَّا يصل رحِمَه، فإذا طُلب منه أن يَفعل ما أمر الله تعالى به من صِلة الرَّحِم، قال: قد حلفتُ ألَّا أفعل ذلك، فيجعل الحلفَ بالله عزَّ وجلَّ حجَّة يتقوَّى بها على ترك الخيرات، فنهى الله تعالى عباده عن ذلك، فإذا حلف أحدُهم فليس له الامتناعُ من ذلك والتعلُّل باليمين، بل عليه أن يَحنثَ، ويكفِّر عن يمينه، ويأتي الذي هو خير [2043] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (4/11-13)، ((مجموع فتاوى ابن تيميَّة)) (35/277، 337)، ((تفسير ابن كثير)) (1/600)، ((تفسير السعدي)) (ص: 100)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/425)، (5/487). .
قال تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22] .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت -كما في حديث الإفك الطويل-: ((... فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ الآيات، فلمَّا أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، وكان يُنفِق على مِسْطَح بن أُثَاثة؛ لقَرابتِه منه: والله لا أُنفق على مِسطحٍ شيئًا أبدًا، بعد ما قال لعائشة. فأنزل الله تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ إلى قوله: أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. فقال أبو بكر: بلى والله، إنِّي لأحبُّ أن يغفر الله لي! فرجع إلى مسطحٍ الذي كان يُجْرِي عليه )) [2044] رواه البخاري (2661). .
وعن زَهْدَمٍ الجَرْميِّ، قال: ((كنَّا عندَ أبي موسى، وكان بينَنا وبين هذا الحَيِّ من جَرْمٍ إخاءٌ ومعروفٌ، قال: فقدَّمَ طعامَه، قال: وقَدَّمَ في طعامه لَحْمَ دَجاجٍ، قال: وفي القوم رجلٌ من بني تَيْمِ اللهِ، أحمرُ كأنَّه مَوْلًى، قال: فلمْ يَدْنُ، فقال له أبو موسى: ادْنُ؛ فإنِّي قد رأيتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأكلُ منه، قال: إنِّي رأيتُهُ يأكلُ شيئًا قَذِرْتُه، فحَلَفْتُ أنْ لا أَطْعَمَه أبدًا، فقال: ادْنُ أُخْبِرْكَ عن ذلك، أَتَيْنا رسولَ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في رَهْطٍ من الأَشْعريِّينَ أَستحمِلُه، وهو يَقْسِمُ نَعَمًا من نَعَمِ الصدقة، قال أيُّوبُ: أَحسبُه قال: وهو غَضْبانُ، قال: واللهِ لا أَحْمِلُكم، وما عندي ما أَحمِلُكم عليه. قال: فانطلقْنا، فأُتِيَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بنَهْبِ إبلٍ، فقيل: أين هؤلاءِ الأشعَريُّونَ؟ فأَتَيْنا، فأَمَر لنا بخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى [2045] قوله: ((بخَمسِ ذَود غُرِّ الذُّرَى)): أي: بخمس إبل بيضِ الأسْنِمَة سِمانِها، والذُّرَى: جَمعُ ذِرْوَةٍ، وهي أعلى سَنام البَعير. ينظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/159). ، قال: فانْدَفَعْنا، فقلتُ لأصحابي: أَتَيْنا رسولَ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم نَستَحمِلُه، فحلف أنْ لا يَحمِلَنا، ثم أرسل إلينا فحَمَلنا، نَسِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَمِينَه، واللهِ لَئِنْ تَغَفَّلْنا رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَمِينَه لا نُفلحُ أبدًا، ارجِعوا بنا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلْنُذَكِّرْه يمينَه، فرجَعْنا فقلنا: يا رسولَ الله، أَتَيْناكَ نَستحمِلُكَ فحَلَفْتَ أنْ لا تَحمِلَنا، ثم حَمَلْتَنا، فظَنَنَّا، أو: فَعَرَفْنا أنَّك نَسِيتَ يَمِينَك، قال: انطَلِقوا، فإنَّما حَمَلكم اللهُ، إنِّي واللهِ -إنْ شاء اللهُ- لا أَحْلِفُ على يَمينٍ، فأَرَى غيرَها خيرًا منها، إلَّا أَتَيْتُ الذي هو خيرٌ وتَحَلَّلْتُها )) [2046] رواه البخاري (6721) واللفظ له، ومسلم (1649). .
وعن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه، قال: ((أعتَمَ رجلٌ عند النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثم رجع إلى أهلِه فوجد الصِّبيةَ قد ناموا، فأتاه أهلُه بطعامِه، فحَلَف لا يأكلُ من أجلِ صِبيتِه، ثم بدَا له فأكل، فأتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فذكر ذلك له. فقال رسولُ اللهِ: مَن حلف على يمينٍ، فرأى غيرَها خيرًامنها، فلْيأتِها، وليكفِّرْ عن يمينِه )) [2047] رواه مسلم (1650). .
وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
أي: إنَّ الله تعالى يسمعُ جميع الأصوات ومن ذلك سماعه لأقوال الحالفين، وهو عزَّ وجلَّ عالِم بجميع المقاصد والنيَّات، ومن ذلك علمُه بمقاصد الحالفين هل يقصدون خيرًا أم شرًّا، وفي ذلك تحذيرٌ للعباد من أن يُظهِروا بألسنتهم، أو يُضمِروا في أنفسهم ما فيه مخالفةٌ لأمر الله تعالى أو ارتكابٌ لنهيه؛ فإنَّ الله عزَّ وجلَّ مطلعٌ على ما ظهر وما بطن، لا يَخفى عليه شيء سبحانه [2048] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (4/13-14)، ((تفسير السعدي)) (ص: 100-101)، ((تفسير ابن عاشور)) (2/379). .

الفوائد التربويَّة :

1- أنَّه لا ينبغي أن يمتنعَ الإنسانُ من السؤال عمَّا يُسْتَحيَا منه؛ لقوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [2049] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/83). .
2- تقديم عِلَّة الحُكم عليه حتى تتهيَّأ النفوس لقَبول الحُكم، والطمأنينة إليه؛ ويكون قَبوله فطريًّا؛ لقوله تعالى: قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [2050] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/83). .
3- فضيلة التوبة، وأنَّها أمر مطلوب، وأنها من أسباب محبَّة الله للعبد؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ [2051] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/86). .
4- فضيلة الإيمان؛ لأنَّ الله علَّق البشارة عليه؛ فقال تعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنينَ [2052] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/90). .
5- الحثُّ على البرِّ، والتقوى، والإصلاح بين النَّاس؛ لأنَّه إذا كان الله تعالى قد نهانا أن نجعل اليمين مانعًا من فعل البرِّ؛ فكيف إذا لم تكُن هناك يمين [2053] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/91). ؟!
6- فضيلة الإصلاح بين النَّاس؛ لقوله تعالى: وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ؛ فنصَّ عليه مع أنَّه من البرِّ؛ والتنصيص على الشيء بعد التَّعميم يدلُّ على العناية والاهتمام به [2054] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/91). .

الفوائِد العِلميَّة واللَّطائف:

1- أنَّ الحُكم يدور مع عِلَّته وجودًا وعدمًا؛ لقوله تعالى: حَتَّى يُؤْمِنَّ؛ فدلَّ ذلك على أنَّه متى زال الشرك حلَّ النكاح؛ ومتى وجد الشرك حرم النكاح [2055] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/79). .
2- أنَّ المؤمن خير من المشرك؛ ولو كان في المشرك من الأوصاف ما يُعجب؛ لقوله وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ؛ ومثله قوله تعالى: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [المائدة: 100] ؛ فلا تغترَّ بالكثرة؛ ولا تغترَّ بالمهارة؛ ولا بالجودة؛ ولا بالفصاحة؛ ولا بغير ذلك؛ وارجِع إلى الأوصاف الشرعيَّة المقصودة شرعًا [2056] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/79). .
3- تفاضل النَّاس في أحوالهم، وأنهم ليسوا على حدٍّ سواء؛ لقوله تعالى: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ [2057] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/79). .
4- في قوله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ أنَّ محبَّة الله من صفاته الفعليَّة- لا الذاتيَّة-؛ لأنَّها عُلِّقت بالتوبة؛ والتوبة من فِعل العبد تتجدَّد؛ فكذلك محبَّة الله عزَّ وجلَّ تتعلَّق بأسبابها؛ وكلُّ صفةٍ من صفات الله تتعلَّق بأسبابها، فهي من الصِّفات الفعليَّة [2058] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/85). .
5- حُسن أسلوب القرآن؛ لأنَّه جمع في هذه الآية بين التطهُّر المعنوي الباطني، والتطهُّر الحسي الظاهري؛ لقوله تعالى: يُحِبُّ التَّوَّابِينَ، وهي طهارة باطنة، وقوله تعالى: وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ، وهي طهارة ظاهرة [2059] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/86). .
6- أنَّه ينبغي للإنسان أن يَسعَى لكثرة النَّسل؛ لقوله تعالى: حَرْثٌ لَكُمْ [2060] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/88). .
7- أنَّه ينبغي للإنسان أن يحافظ على امرأته التي سُمِّيت حرثًا له، كما يحافظ على حرث أرضه [2061] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/89). .
8- من المستحْسَنِ إذا أراد المرءُ إخبار غيره بأمر هامٍّ أن يُقدِّم بين يدي الخبر ما يَقتضي انتباهَه؛ لقوله تعالى: وَاعْلَمُوا؛ وهذا ممَّا يزيد الإنسان انتباهًا وتحسُّبًا [2062] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/89). .
9- في قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ    تحذير غير المؤمنين من هذه الملاقاة؛ وذلك لقوله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنينَ؛ فدل ذلك على أنَّ غير المؤمنين لا بُشرى لهم [2063] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/90). .

بلاغة الآيات:

1- قوله: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ... وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ
- فيه: تنكير (أَمَة) و(عَبْد) مع التَّصدير بلام الابتداء؛ للمبالغة في النَّهي والزَّجر، واللام تُشبه لامَ القَسَم في التوكيد [2064] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (6/412)، ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 297). .
2- قوله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ فيه إيجاز بالحذف؛ إذ المراد من السُّؤال عن المحيض السُّؤال عن (قِرْبان النِّساء في المحيض)؛ بدَلالة الاقتضاء، وقدْ علِم السائلون ما سألوا عنه، والجواب أَدلُّ شيء عليه [2065] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (2/365). .
3- قوله: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ فيه وضْع المظهَر (النِّساء) موضعَ المضمَر (هُنَّ)؛ للاهتمام، والعناية بترك المأمور به [2066] يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 298). .
4- قوله: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ فيه إبداعُ الإيجاز في الإطناب، حيث عبَّر بلفظ الإتيان (فأتوهنَّ) هنا عن الوطء؛ لبيان المراد بالقِربان المنهيِّ عنه، فقد عبَّر بالاعتزال، ثم قفَّى بالقِربان، ثم قفَّى بالإتيان، ومع كلِّ تعبير فائدةٌ جديدة، وحُكم جديد [2067] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (2/369). .
5- قوله: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ... فيه: توكيد الخبر بـ(إنَّ)، واسميَّة الجملة. وفيه: وضع المُظهَر موضعَ المضمر، حيث قال تعالى: إنَّ اللهَ يُحبُّ، ولم يقل: (إنَّه يحبُّ)؛ لتربية المهابَة [2068] يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 298). .
6- قوله: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ فيه كِناياتٌ لطيفة، وتعريضات مستحسَنة في التعبير عن جِماعِ النِّساء بهذه الألفاظ؛ وهذه وأشباهها في كلام الله آدابٌ حَسنةٌ، على المؤمنين أن يتعلَّموها ويتأدَّبوا بها، ويتكلَّفوا مثلها في محاورتهم ومكاتبتهم [2069] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/266)، ((تفسير القاسمي)) (2/120). .
- وفيه: تشبيه بليغ في تشبيه النِّساء بالحرث، لِمَا يُلقَى في أرحامهن من النُّطَف التي منها النَّسل بالبذور [2070] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/266)، ((تفسير الرازي)) (6/421)، ((تفسير أبي حيان)) (2/428)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (1/333)، ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 300). .
- وفيه: وضْع المُظهَر موضعَ المُضمر؛ للعناية به؛ حيث قال: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ولم يقل: (فأتوه) [2071] يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 300). .
7- قوله: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ فيه: تلوين الخِطاب؛ مرَّةً للمؤمنين، ومرةً لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ مبالغةً في التشريف والتكريم [2072] يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 300). .