الموسوعة الحديثية


- قولُه : ?يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ? وذلك أنَّ المشركين صدُّوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، وردُّوه عَنِ المسجدِ الحرامِ في شهرٍ حرامٍ ، ففتَح اللهُ على نبيِّه في شهرٍ حرامٍ منَ العامِ المقبلِ ، فعاب المشركون على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ القتالَ في شهرٍ حرامٍ ، فقال اللهُ جل وعز : ?وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ? منَ القتلِ فيه ، وأنَّ محمدًا بعَث سريةً ، فلَقوا عمروَ بنَ الحضرميِّ وهو مُقبلٌ مِنَ الطائفِ ، آخِرَ ليلةٍ مِنْ جُمادى وأوَّلَ ليلةٍ مِنْ رجبٍ ، وأنَّ أصحابَ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانوا يظُنون أنَّ تلك الليلةَ مِنْ جُمادى ، وكانت أولَ رجبٍ ولم يشعُروا ، فقتَله رجلٌ منهم واحدٌ ، وأنَّ المشركين أرسلوا يُعيِّرُونه بذلك ، فقال اللهُ جل وعز : ?يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ? وغيرُ ذلك أكبرُ منه صدٌّ عنْ سبيلِ اللهِ ، وكفرٌ به ، والمسجدِ الحرامِ ، وإخراجُ أهله منه ، إخراجُ أهلِ المسجدِ الحرامِ أكبرُ مِنَ الذي أصاب محمدٌ ، والشركُ باللهِ أشدُّ
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : ابن جرير الطبري | المصدر : تفسير الطبري | الصفحة أو الرقم : 2/466 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البزار كما في ((كشف الأستار)) للهيثمي (2191)، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (2028)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (6513) مختصرا.
في هذا الحَديثِ بَيانٌ لسَببِ نُزولِ قولِه سُبحانَهُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217]، فيقولُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "وذلك أنَّ المشركينَ صَدُّوا"، أي: مَنَعوا وأَرْجَعوا "رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ورَدُّوه عنِ المسجدِ الحرامِ في شَهرٍ حرامٍ"، وذلك في ذي القَعدةِ مِن العامِ السَّادسِ مِنَ الهِجْرةِ، "ففتَحَ اللهُ على نَبِيِّه في شهرٍ حرامٍ مِنَ العامِ المُقبلِ"، وذلك الفتحُ كان بعُمرةِ القَضاءِ في ذي القَعدةِ مِن العامِ السابعِ بعدَ الهجرةِ، "فعاب المشرِكون على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القِتالَ في شهرٍ حرامٍ، فقال اللهُ جلَّ وعزَّ: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: 217] مِنَ القتلِ فيه"، أي: أكبرُ وأشنَعُ مِنَ القتلِ في الشهرِ الحرامِ، "وأنَّ محمَّدًا بعَثَ سَرِيَّةً" وهي الجماعةُ مِن الجُنودِ، وكان قائدُهم عبدَ اللهِ بنَ جحْشٍ؛ ابنَ عمَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فَلَقُوا عمْرَو بنَ الحَضْرميِّ وهو مُقبِلٌ مِن الطائفِ" وهي قريةٌ غرْبَ مكَّةَ وتَبعُدُ عنها 68 كم تقريبًا، "آخِرَ لَيلةٍ مِنْ جُمادَى، وأوَّلَ ليلةٍ مِن رجَبٍ" وهي ليلةُ الشَّكِّ في آخِرِ شَهرٍ وأوَّلِ شَهرٍ قمَريٍّ، "وأنَّ أصحابَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانوا يظنُّون أنَّ تِلك الليلةَ مِن جُمادَى"، وهي ليلةٌ لِسِتٍّ مِن شهرٍ حرامٍ، "وكانتْ أوَّلَ رجَبٍ" وهو مِن الأشهُرِ الـحُرُمِ، وهي أربعةٌ: رجَبٌ، وذو القَعدةِ، وذو الحَجَّةِ، ومُحَرَّمٌ، "ولم يَشْعُروا، فقتَلَه رجلٌ منهم واحدٌ، وأنَّ المشرِكين أرْسَلوا يُعَيِّرُونَه بذلك"، أي: بالقَتلِ في الأشهُرِ الـحُرُمِ، "فقال اللهُ عزَّ وجلَّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ}، وغيرُ ذلك أكبرُ منه {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ}"، أي: ومنْعُ الناسِ مِن الدُّخولِ في الإسلامِ مع كُفْرِ الكفَّارِ، كلُّ ذلك أكبرُ مِن القتلِ في الشهرِ الحرامِ، ثم قال: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ}، أي: إخراجُ أهلِ المسجدِ الحرامِ أكبرُ مِن الذي أصابَ محمدٌ"، أي: مِن القتلِ الخطأِ في الشهرِ الحرامِ، "والشِّركُ باللهِ أشدُّ" بمعنى أنَّ عِبادةَ غيرِ اللهِ أكبرُ وأشدُّ مِن القَتلِ في الشهرِ الحرامِ، والمرادُ هو الإنكارُ على المشركينَ؛ لأنَّه ليس القتلُ فقطْ مِنْ مُحرَّماتِ الشهرِ الحرامِ، بل أيضًا -كما جاء في الآيةِ- الصدُّ والمنعُ عنِ المسجدِ الحرامِ، ونحوُهُ، فبِمثلِ إنكارِكم على المسلمينَ ما وقَعَ مِن قتْلٍ، فكذلك الإنكارُ واقعٌ عليكم، وهو ما أَدَّى إلى وُقوعِ القتلِ؛ فالقيامُ بما يُؤدِّي إليه أكبرُ مِنَ الوُقوعِ فيهِ .