موسوعة التفسير

سورةُ الصَّافَّاتِ
الآيات (22-34)

ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ

غَريبُ الكَلِماتِ:

وَأَزْوَاجَهُمْ: أي: أشباهَهم وأمثالَهم ونُظَراءَهم، أو أقرانَهم المقتدينَ بهم في أفعالِهم، وأصلُ (زوج): يدُلُّ على مُقارَنةِ شَيءٍ لشَيءٍ [180] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/35)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (9/6090)، ((التفسير البسيط)) للواحدي (19/32، 33)، ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب (ص: 385). .
الْجَحِيمِ: أي: النَّارِ، والجُحْمَةُ: شدَّةُ تأجُّجِ النَّارِ، ومنه: الجحيمُ، وأصْلُ (جحم): الحرارةُ وشِدَّتُها [181] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 372)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/429)، ((المفردات)) للراغب (ص: 187). .
وَقِفُوهُمْ: أي: احبِسُوهم، وأصلُ (وقف): يدُلُّ على تمكُّثٍ في شَيءٍ [182] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/522)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/302)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/135)، ((المفردات)) للراغب (ص: 881)، ((عمدة الحفاظ)) للسمين الحلبي (4/333). .
عَنِ الْيَمِينِ: أي: مِن قِبَلِ الدِّينِ والحَقِّ. وقيل: مِن ناحيةِ المواثيقِ والأيْمانِ. واليَمينُ في كلامِ العَرَبِ تُطلَقُ على البَرَكةِ والقُوَّةِ والقُدرةِ، وأصلُها: يمينُ اليَدِ [183] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 369)، ((تفسير ابن جرير)) (19/524)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/158)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 319). .
سُلْطَانٍ: أي: حُجَّةٍ، وأصلُ السُّلطانِ: القُوَّةُ والقَهرُ، مِن التَّسلُّطِ؛ ولذلك سُمِّي السُّلطانُ سُلطانًا [184] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 113)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3 /95)، ((المفردات)) للراغب (ص: 420، 724، 247). .
طَاغِينَ: أي: ضالِّينَ مُتجاوِزينَ الحَقَّ، وأصلُ الطُّغيانِ: مُجاوَزةُ الحَدِّ في العِصيانِ [185] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/526)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/412)، ((تفسير القرطبي)) (15/75)، ((تفسير ابن كثير)) (7/11). .
فَأَغْوَيْنَاكُمْ: أي: زَيَّنَّا لكم، وأضلَلْناكم، والغَيُّ: الجَهلُ، والانهِماكُ في الباطِلِ، وأصلُ (غوي): يدُلُّ على خِلافِ الرُّشدِ، وإظلامِ الأمرِ [186] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/527)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/399)، ((المفردات)) للراغب (ص: 620)، ((تفسير القرطبي)) (15/75)، ((تفسير ابن كثير)) (7/11). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ اللهُ تعالى لملائكتِه يومَ القيامةِ: اجمَعوا الظَّالِمين ونُظراءَهم، وما كانوا يَعبُدونَ مِن دونِ اللهِ تعالى، فدُلُّوهم إلى طريقِ جهنَّمَ وسُوقوهم إليها، وقِفوهم جميعًا ليُسأَلوا. فيُقالُ لهم: ما لَكم لا يَنصُرُ بَعضُكم بعضًا كما كنتُم تَتناصَرونَ في الدُّنيا على الباطِلِ؟! بل هم يومَ القيامةِ مُستسلِمونَ مُنقادون لأمرِ اللهِ.
ثمَّ يحكي الله تعالى ما يدورُ بيْنَهم مِن تَلاوُمٍ يومَ القيامةِ، فيقولُ: وأقْبَلَ هؤلاء الظَّالِمونَ بعضُهم على بعضٍ يَتلاوَمونَ، قال الأتْباعُ منهم للرُّؤساءِ: إنَّكم كنتُم في الدُّنيا تأتونَنا عن اليمينِ فتُضِلُّونَنا. قال المَتْبوعونَ لأتْباعِهم: ليس الأمرُ كما تقولون؛ فإنَّكم ما كنتُم مؤمنينَ فردَدْناكم عن الإيمانِ، إنَّما الكُفرُ مِن قِبَلِكم، وما كان لنا عليكم مِن سلطانٍ، بل كنتُم قومًا ضالِّينَ مُتجاوِزينَ الحَدَّ! فوجَبَ علينا جميعًا وَعْدُ رَبِّنا بعَذابِ النَّارِ، فنحنُ جميعًا ذائِقوه، فدَعَوْناكم إلى ما كنَّا عليه، وأضْلَلْناكم عن الهدَى؛ إنَّا كنَّا ضالِّينَ.
ثمَّ يبيِّنُ الله سبحانه حُكمَه العادلَ في الجميعِ؛ في الأتْباع والمَتْبوعينَ، فيَقولُ: فإنَّهم هم والَّذين أطاعوهم في الضَّلالةِ شُركاءُ في النَّارِ، إنَّا كذلك نُجازي المجرِمينَ.

تَفسيرُ الآياتِ:

احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ ....
أي: يُقالُ للمَلائِكةِ يومَ القيامةِ: اجمَعوا الظَّالِمينَ وأشباهَهم الَّذين عَمِلوا بمِثلِ عَمَلِهم، واجمَعوا معهم مَعبوداتِهم الَّتي كانوا يُواظِبونَ على عبادتِها في الدُّنيا مِن دونِ اللهِ تعالى [187] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/519)، ((تفسير القرطبي)) (15/73)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/63)، ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 427)، ((تفسير ابن كثير)) (7/8، 9)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/208)، ((تفسير السعدي)) (ص: 701)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/309). وممَّن قال بأنَّ المرادَ بـ (أَزْوَاجَهُمْ): أشباهُهم ونُظراؤُهم: ابنُ جرير، والسمرقندي، والسمعاني، والقرطبي، والخازن، والعُلَيمي، والشوكاني، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/519)، ((تفسير السمرقندي)) (3/139)، ((تفسير السمعاني)) (4/396)، ((تفسير القرطبي)) (15/73)، ((تفسير الخازن)) (4/17)، ((تفسير العليمي)) (5/511)، ((تفسير الشوكاني)) (4/448)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/309). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: عمرُ بنُ الخطَّاب، وابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه، وقَتادةُ، وسعيدُ ابنُ جُبَيرٍ، وعِكْرِمةُ، ومجاهدٌ، والسُّدِّيُّ، وأبو صالحٍ، وأبو العاليةِ، وزَيدُ بنُ أسْلَمَ، وابنُ زَيدٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/519)، ((تفسير ابن كثير)) (7/8). قال الشنقيطي: (جمهورُ أهلِ العِلمِ -منهم: عُمَرُ، وابنُ عبَّاسٍ- على أنَّ المرادَ به: أشباهُهم ونُظراؤُهم؛ فعابِدُ الوَثَنِ مع عابدِ الوَثَنِ، والسَّارِقُ مع السَّارِقُ، والزَّاني مع الزَّاني، واليهوديُّ مع اليهوديِّ، والنَّصرانيُّ مع النَّصرانيِّ... وهكذا. وإطلاقُ الأزواجِ على الأصنافِ مَشهورٌ في القرآنِ، وفي كلامِ العرَبِ...). ((أضواء البيان)) (6/309). وقال الواحدي: (وقال جماعةُ المفسِّرينَ: أشباهَهم وأمثالَهم، وأتْباعَهم ونُظراءَهم وضُرَباءَهم. وعلى هذا القولِ يُحمَلُ الَّذين ظلَموا على القادةِ والرُّؤساءِ، وأزواجُهم أتْباعُهم). ((الوسيط)) (3/523). وقيل: المرادُ بهم الزَّوجاتُ الموافِقاتُ لأزواجِهنَّ في الإشراكِ باللهِ تعالى. وممَّن اختار هذا المعنى: ابنُ جُزَي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/190)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/101). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه -واستغربها ابنُ كثيرٍ-، ورُويَ عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ، وقاله الحسَنُ، ومجاهدٌ. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/9)، ((تفسير الثعلبي)) (8/141)، ((تفسير القرطبي)) (15/73). قال ابنُ تيميَّةَ: (ليس المرادُ أنَّه يُحشَرُ معهم زَوجاتُهم مُطلَقًا؛ فإنَّ المرأةَ الصَّالحةَ قد يكون زَوجُها فاجِرًا بل كافِرًا، كامرأةِ فِرعَونَ، وكذلك الرَّجُلُ الصَّالحُ قد تكونُ امرأتُه فاجِرةً بل كافِرةً، كامرأةِ نُوحٍ ولُوطٍ، لكِنْ إذا كانت المرأةُ على دينِ زَوجِها دخَلَت في عُمومِ الأزواجِ). ((مجموع الفتاوى)) (7/64). .
كما قال تعالى: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ * إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [الأنبياء: 97 - 99] .
...  فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23).
أي: دُلُّوا الظَّالِمينَ وأشباهَهم وآلهتَهم إلى طريقِ جَهنَّمَ، وسُوقوهم إليها [188] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/521)، ((تفسير القرطبي)) (15/73)، ((تفسير السعدي)) (ص: 701)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/102)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/310). قيل: المرادُ بقوله: فَاهْدُوهُمْ: فقُودوهم وسُوقوهم. وممَّن قال بهذا المعنى: القرطبيُّ، والسعديُّ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (15/73)، ((تفسير السعدي)) (ص: 701). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه. يُنظر: ((الدر المنثور)) للسيوطي (7/84). وقيل: المراد: فأَرشِدوهم ودُلُّوهم. وممَّن قال بهذا المعنى: السمعانيُّ، وابنُ جُزَي، وابنُ كثير، والشنقيطيُّ. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/396)، ((تفسير ابن جزي)) (2/190)، ((تفسير ابن كثير)) (7/9)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/310). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه، والضَّحَّاكُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/522)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/68)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (7/84). وقال الشوكاني: (فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ أي: عَرِّفوا هؤلاءِ المحشورينَ طريقَ النَّارِ، وسُوقُوهم إليها). ((تفسير الشوكاني)) (4/448). وقال ابن عثيمين: (فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ أي: دُلُّوهم، وهذه هدايةُ الدَّلالةِ، وهذا لا يُنافي قولَه تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم: 85، 86]؛ فإنَّ الَّذي يُساقُ يُهدَى أيضًا، أرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَسوقُ بعيرَه ويَهديها؟ هؤلاء يُساقون وفي نفْسِ الوقتِ يُقالُ: اذهَبوا مِن هنا، اذهبوا مِن هنا، حتَّى يَصِلوا إلى النَّارِ). ((تفسير ابن عثيمين- الصافات)) (ص: 58). .
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24).
أي: يُقالُ للمَلائِكةِ: قِفُوهم [189] قيل: هذا يكونُ قبْلَ سَوقِهم إلى الجَحيمِ، أي: قِفوهم للحِسابِ ثمَّ سُوقوهم إلى النَّارِ. وممَّن قال بهذا المعنى: القرطبي، والسعدي. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (15/73، 74)، ((تفسير السعدي)) (ص: 701، 702). وقيل: هو أمرٌ بوَقفِهم في ابتداءِ السَّيرِ بهم، أي: احبِسوهم عن السَّيرِ قليلًا؛ ليُسأَلوا سُؤالَ تأييسٍ وتحقيرٍ وتغليظٍ. وممَّن قال بهذا المعنى: ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/102). قال البغوي: (قال المفسِّرون: لَمَّا سِيقوا إلى النَّارِ حُبِسوا عندَ الصِّراطِ؛ لأنَّ السُّؤالَ عندَ الصِّراطِ، فقيل: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ). ((تفسير البغوي)) (4/29). مع نُظَرائِهم وآلهتِهم حتَّى يُسأَلوا [190] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/522، 523)، ((تفسير القرطبي)) (15/73، 74)، ((تفسير ابن كثير)) (7/9)، ((تفسير السعدي)) (ص: 701)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/ 102)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 62). وقد نقل ابنُ عَطيَّةَ عن جُمهورِ المفَسِّرينَ أنَّ المرادَ: أنَّهم يُسأَلونَ عن أعمالِهم، ويُوقَفونَ على قُبحِها. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/469). وقيل: هذا السُّؤالُ هو ما ذُكِر بعدُ، وهو قَولُه: مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ [الصَّافَّات: 25]. وممَّن اختاره: ابنُ عاشور، وذكره ابنُ عطيَّةَ احتمالًا. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/102)، ((تفسير ابن عطية)) (4/469). وذكر مُقاتِلٌ أنَّ خَزَنةَ جَهنَّمَ تَسألُهم: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ [الزمر: 71] . يُنظر: ((تفسير مقاتل ابن سليمان)) (3/605). .
عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... يُصعَقُ النَّاسُ، ثم يُرسِلُ اللهُ -أو قال: يُنزِلُ اللهُ- مَطَرًا كأنَّه الطَّلُّ أو الظِّلُّ، فتَنبُتُ منه أجسادُ النَّاسِ، ثمَّ يُنفَخُ فيه أُخرى، فإذا هم قِيامٌ يَنظُرونَ، ثمَّ يُقالُ: يا أيُّها النَّاسُ، هَلُمَّ إلى رَبِّكم، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)) [191] رواه مسلم (2940). .
مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25).
أي: فيُقالُ لهم: ما لَكم لا يَنصُرُ بَعضُكم بَعضًا، فيَمنَعَه مِن عذابِ اللهِ، ويَدفَعَ عنه الشَّقاءَ الَّذي هو فيه [192] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/523)، ((تفسير القرطبي)) (15/74)، ((تفسير ابن كثير)) (7/9)، ((تفسير السعدي)) (ص: 702)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/102، 103). قال الزمخشريُّ: (هذا تهكُّمٌ بهم، وتوبيخٌ لهم بالعَجزِ عن التَّناصُرِ بعدَما كانوا على خِلافِ ذلك في الدُّنيا مُتعاضِدينَ مُتناصِرينَ). ((تفسير الزمخشري)) (4/39). ؟!
كما قال تعالى: وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ [الشعراء: 92، 93].
وقال سُبحانَه: فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ [الطارق: 10].
بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26).
أي: بل هم يومَ القيامةِ مُستَسلِمونَ لأمرِ اللهِ، مُنقادونَ إليه، قد أيْقَنوا بعَذابِه؛ فهم ذَليلونَ لا يَنطِقونَ [193] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/523)، ((تفسير القرطبي)) (15/74)، ((تفسير ابن كثير)) (7/9)، ((تفسير السعدي)) (ص: 702)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/103). .
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27).
أي: وأقْبَلَ الَّذين ظَلَموا بعضُهم على بعضٍ يَتخاصَمونَ ويَتلاوَمونَ [194] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/524)، ((تفسير القرطبي)) (15/74)، ((تفسير ابن كثير)) (7/10)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/211)، ((تفسير السعدي)) (ص: 702)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/103). .
قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا حكى عن المُشرِكينَ أنَّه: (أقْبَلَ بعضُهم على بعضٍ يتساءَلونَ)؛ شرَحَ كيفيَّةَ ذلك التَّساؤُلِ، فقال [195] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/330). :
قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28).
أي: قال الأتْباعُ منهم للَّذين أضَلُّوهم: إنَّكم كُنتُم في الدُّنيا تَأتونَنا عن اليَمينِ [196] قال ابنُ جُزَي: (واليَمينُ هنا تَحتمِلُ ثلاثةَ معانٍ: الأوَّلُ: أن يُرادَ بها طَريقُ الخَيرِ والصَّوابِ، وجاءت العبارةُ عن ذلك بلَفظِ اليَمينِ، كما أنَّ العبارةَ عن الشَّرِّ بالشِّمالِ، والمعنى: أنَّهم قالوا لهم: إنَّكم كنتُم تأتونَنا عن طريقِ الخَيرِ فتَصُدُّونَنا عنه. والثَّاني: أن يُرادَ به القُوَّةُ، والمعنى على هذا: أنَّكم كنتُم تأتونَنا بقُوَّتِكم وسُلطانِكم فتَأمُرونَنا بالكُفرِ، وتَمنَعونَنا مِنَ الإيمانِ. والثَّالِثُ: أن يُرادَ بها اليَمينُ الَّتي يُحلَفُ بها، أي: كُنتُم تأتونَنا بأن تَحلِفوا لنا أنَّكم على الحَقِّ، فنُصَدِّقَكم في ذلك ونتَّبِعَكم). ((تفسير ابن جزي)) (2/190). ممَّن اختار نحوَ القَولِ الأوَّلِ، أي أنَّ المرادَ: تأتونَنا مِن قِبَلِ الدِّينِ والحَقِّ، فتَخدعُونَنا بأقوى الوُجوهِ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والفَرَّاءُ، وابنُ جرير، والزجَّاجُ، والخازن، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/605)، ((معاني القرآن)) للفراء (2/384)، ((تفسير ابن جرير)) (19/524)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/302)، ((تفسير الخازن)) (4/17)، ((تفسير الشوكاني)) (4/449). وممَّن قال بنحوِ هذا القولِ مِن السَّلفِ: مجاهدٌ، وقَتادةُ، والسُّدِّيُّ، وابنُ زَيدٍ، والضَّحَّاكُ في روايةٍ عنه. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/525)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/539). وممَّن اختار القولَ الثَّانيَ، أي أنَ المرادَ باليمينِ: القُوَّةُ والغَلَبةُ والقَهرُ: البِقاعي، والقاسمي، والسعدي. يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/212)، ((تفسير القاسمي)) (8/207)، ((تفسير السعدي)) (ص: 702). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/10). وممَّن اختار نحوَ القَولِ الثَّالثِ، فقال: عَنِ الْيَمِينِ أي: عن الجِهةِ الَّتي كنَّا نأمَنُكم منها؛ لحَلِفِكم إنَّكم على الحَقِّ، فصَدَّقْناكم، فأنتم أضلَلْتُمونا: جلالُ الدِّينِ المحلِّي، والعُلَيمي. يُنظر: ((تفسير الجلالين)) (ص: 589)، ((تفسير العليمي)) (5/513). وقال القرطبي بعدَ أنْ ذكَرَ هذه المعانيَ وغيرَها: (وكُلُّه مُتقارِبُ المعنَى). ((تفسير القرطبي)) (15/75). وجمَع ابنُ عثيمينَ بيْنَ هذه المعاني الثَّلاثةِ، فقال: (والحقيقةُ أنَّ كُلَّ هذه الوجوهِ واقِعةٌ مِن المتبوعينَ... فالآيةُ شامِلةٌ لهذه الوجوهِ الثَّلاثةِ؛ يَقولُ الأتْباعُ للمَتْبوعينَ: إنَّكم كنتُم تأتونَنا عن هذه الجِهةِ: الحَلِفِ، أو القُوَّةِ، أو الخَيرِ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (65، 66). ، فتُضِلُّونَنا [197] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/524)، ((تفسير الزمخشري)) (4/40)، ((تفسير ابن عطية)) (4/469، 470)، ((تفسير القرطبي)) (15/75)، ((تفسير ابن كثير)) (7/10)، ((تفسير السعدي)) (ص: 702)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/104). .
كما قال تعالى: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا [الأحزاب: 67، 68].
وقال سُبحانه: وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا [سبأ: 33].
قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29).
أي: قال المَتْبوعونَ لأتْباعِهم: ليس الأمرُ كما تَقولونَ مِن أنَّنا أضلَلْناكم عن الحَقِّ، ولكِنْ أنتم أضلَلْتُم أنفُسَكم بالكفرِ، فلمْ تَكونوا مُؤمِنينَ باللهِ مِن قَبْلُ، ولم تَقْبَلوا الإيمانَ؛ فالكُفرُ مُتأصِّلٌ في طَبعِكم؛ فلذا تابَعتُمونا فيما أمَرْناكم به، فلا تَلومونا ولُوموا أنفُسَكم [198] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/526)، ((تفسير القرطبي)) (15/75)، ((تفسير ابن كثير)) (7/11)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/221)، ((تفسير الألوسي)) (12/80)، ((تفسير السعدي)) (ص: 702)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/105)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 66). !
كما قال تعالى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم: 22] .
وقال سُبحانَه: قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ [سبأ: 32] .
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30).
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ.
أي: وما كان لنا أيُّ سُلطانٍ [199] قيل: السُّلطانُ هنا بمعنى الحُجَّةِ. وممَّن قال بذلك: ابنُ جرير، والقرطبيُّ، وابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/526)، ((تفسير القرطبي)) (15/75)، ((تفسير ابن كثير)) (7/11). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: السُّدِّيُّ في روايةٍ عنه. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/526). وقيل: هو بمعنى القَهرِ والغَلَبةِ. وممَّن قال بذلك: السعدي، وابنُ عاشور، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 702)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/105)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 69). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: السُّدِّيُّ في روايةٍ عنه. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/829). على ما نَدْعوكم إليه مِن الضَّلالِ؛ لِنَصُدَّكم به عن اتِّباعِ الحَقِّ [200] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/526)، ((تفسير القرطبي)) (15/75)، ((تفسير ابن كثير)) (7/11)، ((تفسير السعدي)) (ص: 702)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/105). .
بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ.
أي: وإنَّما كان الطُّغيانُ في طَبعِكم أنتم، فكُنتُم قَومًا مُتجاوِزينَ الحَدَّ، مُتكبِّرينَ عن قَبولِ الحَقِّ، غالِينَ في الكُفرِ، مُسرِفينَ في المعاصي؛ فاستَجبتُم لنا وتَرَكْتُم الحَقَّ الَّذي جاءَتْكم به الأنبياءُ [201] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/526)، ((تفسير القرطبي)) (15/75)، ((تفسير ابن كثير)) (7/11)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/221)، ((تفسير السعدي)) (ص: 702)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/105). .
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31).
أي: فوَجَب وثَبَت علينا جميعًا ما وعَدَنا به ربُّنا مِن عذابِ النَّارِ؛ فإنَّا وإيَّاكم لَذائِقوه [202] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/527)، ((تفسير القرطبي)) (15/75)، ((تفسير ابن كثير)) (7/11). .
كما قال تعالى: قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ [الأعراف: 18] .
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32).
أي: فأضْلَلْناكم عن الهدَى، ودَعَوْناكم إلى ما كنَّا عليه، إنَّا كنَّا ضالِّينَ [203] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/527)، ((تفسير السمعاني)) (4/397)، ((تفسير البغوي)) (4/30)، ((تفسير العليمي)) (5/514). قال البِقاعي: (كُنَّا غَاوِينَ أي: في طَبعِنا الغَوايةُ، وهي العُدولُ عن الطَّريقِ المُثلى إلى المهالِكِ). ((نظم الدرر)) (16/222). وقال الشوكاني: (معنى الآيةِ: أقدَمْنا على إغوائِكم؛ لأنَّا كُنَّا مَوصوفين في أنفُسِنا بالغَوايةِ؛ فأقَرُّوا هاهنا بأنَّهم تسَبَّبوا لإغوائِهم، لكِنْ لا بطريقِ القَهرِ والغَلَبةِ، ونَفَوا عن أنفُسِهم فيما سَبَق أنَّهم قَهَروهم وغَلَبوهم، فقالوا: وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ). ((تفسير الشوكاني)) (4/449). ويُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/330). .
كما قال تعالى: قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ [القصص: 63] .
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33).
أي: فإنَّ جميعَ الأتْباعِ والمَتْبوعينَ الضَّالِّينَ مِن الإنسِ والجِنِّ مُشتَرِكونَ في أصلِ العذابِ يومَ القيامةِ، كما اشتَرَكوا في الدُّنيا في سَبَبِه، وإن تَفاوَتَ مِقدارُ عذابِ كُلٍّ منهم، كما تَفاوَتوا في مِقدارِ كُفرِهم وعِصيانِهم لرَبِّهم [204] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/527)، ((تفسير ابن كثير)) (7/11)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/223)، ((تفسير السعدي)) (ص: 702)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/106)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/311). .
إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34).
أي: إنَّا نُجازي بمِثلِ هذا الجَزاءِ كُلَّ مُتَّصِفٍ بالإجرامِ، يَكتَسِبُ الذُّنوبَ والآثامَ، ويَختارُ الكُفرَ على الإيمانِ [205] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/527)، ((تفسير القرطبي)) (15/75)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/106، 107)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 75). .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- النَّهيُ عن مُقارَنةِ الفُجَّارِ ومُزاوجتِهم، كما دلَّ على هذا قولُه تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ أي: وأشباهَهم ونُظراءَهم [206] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/326). .
2- في قَولِه تعالى: فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ التَّحذيرُ مِن مُصاحَبةِ أهلِ الغَوايةِ، وقد حَذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن مُصاحبةِ الصَّاحِبِ السُّوءِ، فقال: ((إنَّما مَثَلُ الجليسِ الصَّالحِ والجليسِ السُّوءِ، كحامِلِ المِسكِ ونافخِ الكِيرِ؛ فحاملُ المسكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَك [207] يُحذِيَك: أي: يُعطيَك مجَّانًا. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (8/3136). ، وإمَّا أنْ تَبتاعَ [208] تبتاعَ منه، أي: تَشتريَ. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (8/3136). منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه ريحًا طيِّبةً، ونَافخُ الكِيرِ إمَّا أنْ يُحرِقَ ثِيابَك، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه ريحًا خَبيثةً )) [209] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 73)، والحديث أخرجه البخاريُّ (2101)، ومسلمٌ (2628) واللَّفظُ له، من حديث أبي موسى الأَشْعَريِّ رضي الله عنه. .
3- أنَّ مَن لم يَكُنْ إيمانُه راسِخًا فإنَّ الدِّعايةَ الباطِلةَ تُؤَثِّرُ عليه؛ لأنَّ المؤمِنَ إيمانًا راسِخًا لا تُضَلِّلُه الدِّعايةُ، ولا يُمكِنُ أنْ يَتحَوَّلَ عن إيمانِه الَّذي كان عليه؛ لِقَولِه: بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، ولو كنتُم مُؤمِنينَ حَقًّا إيمانًا ثابتًا ما أَثَّرَ عليكم إضلالُنا [210] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 68). ، فدَلَّ هذا على أنَّ مَن يَنقادُ لهم هو فاسدٌ أصلًا؛ كما قال تعالى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [الزخرف: 54] .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- قَولُ الله تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ذكَرَ مِن صِفاتِ الَّذين ظَلَموا كَوْنَهم عابِدِينَ لِغَيرِ اللهِ تعالى، وهذا يدُلُّ على أنَّ الظَّالِمَ المُطْلَقَ هو الكافِرُ، وذلك يدُلُّ على أنَّ كُلَّ وَعيدٍ وَرَد في حَقِّ الظَّالمِ فهو مَصروفٌ إلى الكُفَّارِ، وممَّا يُؤكِّدُ هذا قَولُه تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [211] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/328). لكن قال ابنُ تيميَّةَ: (وأمَّا لفظُ «الظُّلمِ المُطلَقِ» فيَدخُلُ فيه الكفرُ وسائرُ الذُّنوبِ؛ قال تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ ...). ((مجموع الفتاوى)) (7/62). وقال أيضًا: (الظُّلْمُ المُطْلَقُ يَتناوَلُ الكفرَ، ولا يختصُّ بالكفرِ؛ بل يتناوَلُ ما دونَه أيضًا). ((مجموع الفتاوى)) (7/72). [البقرة: 254] .
2- في قَولِه تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ إهانةُ هؤلاء المُشرِكينَ بحَشرِ أصنامِهم إلى النَّارِ؛ وجْهُ ذلك: أنَّ إهانةَ المعبودِ إهانةٌ للعابدِ [212] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 61). .
3- بالعَدلِ والميزانِ قام الخَلقُ والشَّرعُ، وهو التَّسويةُ بيْنَ المُتماثِلَينِ، والتَّفريقُ بيْن المُختَلِفَينِ. وهذا كما أنَّه ثابِتٌ في الدُّنيا، فهو كذلك يومَ القيامةِ؛ قال تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [213] يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (4/248). ، وقال تعالى: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا، فأخبَرَ أنَّ سُنَّتَه لن تُبَدَّلَ ولن تتحَوَّلَ، وسُنَّتُه عادتُه الَّتي يُسَوِّي فيها بيْنَ الشَّيءِ وبيْنَ نَظيرِه الماضي، وهذا يقتَضي أنَّه سُبحانَه يَحكُمُ في الأمورِ المُتماثِلةِ بأحكامٍ مُتماثِلةٍ [214] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (13/23). .
4- قال الله تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ هذه الآيةُ عامَّةٌ، وفي النَّاسِ مَن يَعبُدُ الملائِكةَ والصَّالِحينَ، فهل يُحشَرُ هؤلاء المعبودونَ مع هؤلاءِ العابِدينَ؟
فالجوابُ: لا؛ لأنَّ هذا العُمومَ مُخَصَّصٌ بقَولِه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [الأنبياء: 101] ، وفي ذلك جوازُ ذِكرِ العُمومِ -وإنْ دَخَلَ فيه مَن ليس فيه- إذا بُيِّنَ في موضعٍ آخَرَ، ويَتفرَّعُ على هذا أنَّه لا يُشتَرَطُ في البَيانِ مُقارَنتُه للمُبَيَّنِ؛ لأنَّ الَّذي يَمتَنِعُ في البيانِ هو تأخيرُه عن وَقتِ الحاجةِ، فإذا بُيِّنَ في وقتِ الحاجةِ زال هذا المحظورُ، وهذا قد بُيِّنَ في آياتٍ كثيرةٍ في القُرآنِ بأنَّ المؤمِنينَ المُتَّقينَ لا يدخلونَ النَّارَ، وكلُّ الآياتِ الَّتي في وَعْدِ المؤمِنينَ والمتَّقينَ تَمنَعُ مِن دُخولِ هؤلاء في النَّارِ، وإنْ كانوا يُعبَدونَ مِن دونِ اللهِ [215] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 57، 61). . وقيل: المَوصولُ عبارةٌ عن المشْرِكينَ خاصَّةً؛ جِيءَ به لِتَعليلِ الحُكمِ بما في حَيِّزِ صِلَتِه، فلا عمومَ ولا تخصيصَ [216] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/8)، ((تفسير أبي السعود)) (7/188). .
5- قَولُ الله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ يدُلُّ على أنَّ الهدَى يُستعمَلُ في الإرشادِ والدَّلالةِ على الشَّرِّ، ونظيرُ ذلك في القُرآنِ قَولُه تعالى: كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [الحج: 4] [217] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/310). ، وذلك على أحدِ الأقوالِ في تفسيرِ الهدَى في الآيةِ الكريمةِ.
6- مراتِبُ الهُدى أربعةٌ:
إحداها: الهُدى العامُّ، وهو هدايةُ كُلِّ نَفْسٍ إلى مَصالِحِ مَعاشِها وما يُقيمُها، وهذا أعَمُّ مَراتِبِه، قال سُبحانَه: وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [الأعلى: 3] ، وقال تعالى حكايةً عن موسى عليه السَّلامُ: قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه: 49، 50].
المَرتبةُ الثَّانيةُ: الهُدى بمعنى البَيانِ والدَّلالةِ والتَّعليمِ، والدَّعوةِ إلى مصالحِ العَبدِ في مَعادِه، وهذا خاصٌّ بالمُكَلَّفينَ؛ قال تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى، وقال: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ [التوبة: 115]، فهَداهم هُدى البَيانِ والدَّلالةِ فلم يَهتَدوا، فأضَلَّهم عُقوبةً لهم على تَركِ الاهتِداءِ أوَّلًا بعدَ أن عرَفوا الهُدى فأعرَضوا عنه، فأعماهم عنه بعدَ أنْ أراهُموه.
المرتبةُ الثَّالثةُ: الهدايةُ المُستَلزِمةُ للاهتداءِ، وهي هدايةُ التَّوفيقِ، ومَشيئةُ اللهِ لِعَبدِه الهدايةَ، وخَلْقُه دَواعيَ الهُدى وإرادتَه والقُدرةَ عليه للعَبدِ، وهذه الهدايةُ الَّتي لا يَقدِرُ عليها إلَّا اللهُ عَزَّ وجَلَّ؛ قال تعالى: وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ [الإسراء: 97] ، وقال تعالى: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [النحل: 37] .
المَرتبةُ الرَّابِعةُ: الهدايةُ يومَ المَعادِ إلى طَريقِ الجَنَّةِ والنَّارِ؛ قال الله تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ، وقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((والَّذي نفْسُ مُحمَّدٍ بيدِه، لَأَحَدُهم أهْدَى بمَنزلِه في الجنَّةِ منه بمَنزلِه كان في الدُّنيا) ) [218] يُنظر: ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 65- 84). والحديث أخرجه البخاريُّ (6535) من حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه. .
7- قولُه تعالى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، وقولُه: يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ [يونس: 45] لا يُناقِضُ قولَه تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون: 101] ، وقولَه: وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا [المعارج: 10] ؛ وذلك مِن وُجوهٍ:
الوجه الأوَّل: أنَّ يومَ القيامةِ مِقدارُهُ خَمسونَ ألْفَ سَنةٍ؛ ففيه أزْمِنةٌ وأحوالٌ مُختلِفةٌ، فيَتعارَفونَ ويَتَساءلون في بعضِها، ويَتحيَّرونَ في بعضِها؛ لشِدَّةِ الفزَعِ، فقيل: نَفْيُ السُّؤالِ عندَ اشْتِغالِهم بالصَّعقِ والمُحاسَبةِ والجَوازِ على الصِّراطِ، وإثباتُه فيما عَدا ذلك.
الوجه الثَّاني: أنَّه إذا نُفِخَ في الصُّورِ نَفخةٌ واحدةٌ، شُغِلوا بأنفُسِهم عن التَّساؤُلِ، فإذا نُفِخَ فيه أُخرى، أقْبَلَ بعضُهم على بَعضٍ وقالوا: يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ [يس: 52] ؛ فنَفْيُ السُّؤالِ بعدَ النَّفخةِ الأُولَى وقبْلَ الثَّانيةِ، وإثباتُه بعدَهما معًا.
الوجه الثَّالث: المُرادُ: لا يَتساءَلونَ بحُقوقِ النَّسبِ.
الوجه الرَّابع: أنَّ قولَه: وَلَا يَتَسَاءَلُونَ صِفَةٌ للكُفَّارِ؛ وذلك لشِدَّةِ خَوفِهم، أمَّا قولُه: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ فهو صِفةُ أهْلِ الجنَّةِ إذا دَخَلوها [219] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/295). .
الوجه الخامس: أنَّ قولَه وَلَا يَتَسَاءَلُونَ أي: في التَّناصُرِ، فلا يُناقِضُ نَفْيُ التَّساؤُلِ هنا إثباتَه في غَيرِه؛ لأنَّه في غَيرِ تناصُرٍ، بلْ في التَّلاوُمِ والتَّعاتُبِ والتَّخاصُمِ [220] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/188). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عاشور)) (18/126). .
الوجه السَّادس: أنَّ السُّؤالَ المَنْفيَّ سُؤالٌ خاصٌّ، وهو سُؤالُ بَعضِهم العفْوَ مِن بَعضٍ فيما بيْنَهم مِنَ الحُقوقِ؛ لقُنوطِهم مِنَ الإعطاءِ، ولو كان المَسؤولُ أبًا أو ابنًا، أو أمًّا أو زوجةً [221] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)) للشنقيطي (ص: 164، 165). ويُنظر أيضًا: ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/90). .
8- إطلاقُ الشَّيءِ على مُسَبِّبِه؛ لِقَولِهم: فَأَغْوَيْنَاكُمْ؛ لأنَّهم لَيسوا هم الَّذين أغْوَوْهم، وإنَّما هم سَبَبُ إغوائِهم؛ فإنَّ الهِدايةَ والإضلالَ بيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، لكِنَّ هؤلاء كانوا سببًا في غَوايةِ هؤلاء؛ فأضافوا الفِعلَ إليهم في قَولِهم: فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ [222] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 73). .
9- في قَولِه تعالى: إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ إثباتُ الفِعلِ لله عزَّ وجلَّ، واللهُ سُبحانَه وتعالى فَعَّالٌ لِما يُريدُ، والفِعلُ يقتَضي التَّجَدُّدَ بحَسَبِ المفعولِ؛ فخَلقُ اللهِ للسَّمَواتِ والأرضِ لم يَكُنْ أزَلِيًّا، وإنَّما كان حينَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرضَ؛ وخَلْقُ اللهِ للجَنينِ في بطنِ أمِّه لم يكُنْ أزلِيًّا، بل هو حادِثٌ حينَ حُدوثِ هذا الجَنينِ، ويَتفرَّعُ عن هذه الفائِدةِ إثباتُ أفعالِ اللهِ الاختياريَّةِ، خِلافًا لِمَن أنكَرَ ذلك، وقال: إنَّ اللهَ لا يَقومُ به فِعلٌ اختياريٌّ [223] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 82). !
10- إذلالُ هؤلاء المَتْبوعينَ الَّذين كانوا في الدُّنيا يَعتَلُونَ على الخَلْقِ؛ لأنَّه جَمَعَ بيْنَهم وبيْنَ مَن يَستَعبِدونَهم في الدُّنيا فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ؛ لأنَّ الآخرةَ دارُ عَدلٍ [224] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 82). .
11- في قَولِه تعالى: إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ أنَّ النَّاسَ عندَ اللهِ سَواءٌ؛ فكُلُّ مَنِ استَحَقَّ عِقابًا أو ثَوابًا فهو له، يعني: لم نَفعَلْ بهؤلاء وَحْدَهم، بل حُكْمُنا هذا شامِلٌ لكُلِّ مُجرِمٍ [225] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 82). والقاعدة: «إذا كان سياقُ الآياتِ في أمورٍ خاصَّةٍ، وأراد الله أن يَحكُمَ عليها، وذلك الحُكمُ لا يختصُّ بها، بل يَشملُها وغيرَها؛ جاء الله بالحُكمِ العامِّ». يُنظر: ((القواعد الحسان لتفسير القرآن)) للسعدي (ص: 122)، ((قواعد التفسير)) للسبت (1/208). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالَى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ تَخلُّصٌ مِن الإنذارِ بحُصولِ البعثِ إلى الإخبارِ عمَّا يَحُلُّ بهم عقِبَه إذا ثَبَتوا على شِرْكِهم وإنكارِهم البعثَ والجزاءَ [226] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/101). .
- وذِكرُ الأزواجِ إبلاغٌ في الوعيدِ والإنذارِ؛ لئلَّا يَحسَبوا أنَّ النِّساءَ المشركاتِ لا تَبِعةَ عليهنَّ [227] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/101). ، وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ.
2- قولُه تعالَى: مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ
- قولُه: فَاهْدُوهُمْ عُطِفَ بفاءِ التَّعقيبِ؛ إشارةً إلى سُرعةِ الأمْرِ بهم إلى النَّارِ عقِبَ ذلك الحشْرِ [228] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/102). .
- والهِدايةُ والهَدْيُ: إرشادٌ إلى مَرْغوبٍ، وقد غلَبَت في ذلك؛ لأنَّ كونَ المَهدِيَّ راغبًا في مَعرفةِ الطَّريقِ مِن لَوازمِ فِعلِ الهدايةِ؛ ولذلك تُقابَلُ بالضَّلالةِ، وهي الحَيرةُ في الطَّريقِ؛ فذِكْرُ فَاهْدُوهُمْ هنا تَهكُّمٌ بالمشركينَ [229] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/102). ، وذلك على قولٍ في تفسيرِ الهدَى في الآيةِ.
3- قولُه تعالَى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ
- قولُه: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ أمْرٌ بإيقافِهم في ابتداءِ السَّيرِ بهم؛ لِمَا أفادَهُ الأمْرُ مِن الفَورِ بقَرينةِ فاءِ التَّعقيبِ الَّتي عطَفَتْه فَاهْدُوهُمْ؛ كأنَّ الملائكةَ سارَعوا إلى ما أُمِروا به مِن حَشْرِهم إلى الجحيمِ -وذلك على قولٍ-، أي: احبِسوهم عن السَّيرِ قليلًا؛ لِيُسْألوا سُؤالَ تأْييسٍ وتَحقيرٍ وتَغليظٍ [230] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/188)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/102). .
- وعُلِّل تَوقيفُهم بقولِه تعالى: إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ؛ إيذانًا مِن أوَّلِ الأمْرِ بأنْ ذلك ليس للعفْوِ عنهم، ولا لِيَسْتريحُوا بتأْخيرِ العذابِ في الجُملةِ، بلْ لِيُسْألوا [231] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/188). .
4- قولُه تعالَى: مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ مُبيِّنٌ لإبهامِ مَسْئُولُونَ [232] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/102، 103). . وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ.
- والاستفهامُ مُستعمَلٌ في التَّوبيخِ والتَّقريعِ، والتَّهكُّمِ والتَّعجيزِ، أي: ما لَكم لا يَنصُرُ بعضُكم بعضًا؛ فيَدفَعَ عنه الشَّقاءَ الَّذي هو فيه؟ وأين تَناصُرُكم الَّذي كُنتم تَتناصَرون في الدُّنيا وتَتألَّبون على الرَّسولِ وعلى المؤمنينَ [233] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/8)، ((تفسير أبي حيان)) (9/97)، ((تفسير أبي السعود)) (7/188)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/102). ؟!
- وتأخيرُ هذا السُّؤالِ إلى ذلك الوقتِ؛ لأنَّه وَقتُ تَنجُّزِ العذابِ، وشِدَّةِ الحاجةِ إلى النُّصرةِ، وحالةِ انقطاعِ الرَّجاءِ عنها بالكُلِّيَّةِ؛ فالتَّوبيخُ والتَّقريعُ حينَئذٍ أشَدُّ وَقعًا وتأْثيرًا [234] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/188). .
5- قولُه تعالَى: بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ
- الإضرابُ المُستفادُ مِن بَلْ إضرابٌ لإبطالِ إمكانِ التَّناصُرِ بيْنَهم، وليس ذلك ممَّا يَتوهَّمُه السَّمْعُ؛ فلذلك كان الإضرابُ تأْكيدًا لِمَا دلَّ عليه الاستفهامُ مِن التَّعجيزِ. والاستِسلامُ: الإسلامُ القويُّ، أي: إسلامُ النَّفْسِ وتَرْكُ المُدافَعةِ؛ فهو مُبالَغةٌ في (أسلَمَ) [235] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/103). .
- وذِكرُ اليومِ لإظهارِ النِّكايةِ بهم، أي: زال عنهمْ ما كان لهم مِن تَناصُرٍ وتَطاوُلٍ على المسلمينَ قبْلَ اليومِ، أي: في الدُّنيا؛ إذ كانوا يَقولون: نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ [القمر: 44]، أي: نحنُ جماعةٌ لا تُغلَبُ، فكان لِذِكْرِ اليومِ وَقْعٌ بَديعٌ في هذا المقامِ [236] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/103). .
6- قولُه تعالَى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ
- عُبِّرَ عن إقبالِهم بصِيغةِ الماضي -وهو ممَّا سيَقَعُ يومَ القيامةِ- تَنْبيهًا على تَحقيقِ وُقوعِه؛ لأنَّ لذلك مَزيدَ تَأْثيرٍ في تَحذيرِ زُعمائِهم مِن التَّغريرِ بهم، وتَحذيرِ دَهْمائهِم مِن الاغترارِ بتَغريرِهم، مع أنَّ قَرينةَ الاستقبالِ ظاهرةٌ مِن السِّياقِ مِن قولِه: فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ الآيةَ [237] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/104). [الصَّافَّات: 19].
- وفيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيث قال هنا: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ بالواوِ، وقال بعْدَه: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الصَّافَّات: 50] بالفاءِ، وكذلك في سُورةِ (ن): فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ [القلم: 30] ؛ ووَجْهُه: أنَّ الأوَّلَ لِعَطْفِ جُملةٍ على جُملةٍ فحَسْبُ، والثَّانيَ لِعَطْفِ جُملةٍ على جُملةٍ بيْنَهما مُناسَبةٌ والْتِئامٌ؛ لأنَّه حكَى أحوالَ أهْلِ الجنَّةِ ومُذاكَرتَهم فيها ما كان يَجْري في الدُّنيا بيْنَهم وبيْنَ أصْدقائِهم، وهو قولُه: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الصَّافَّات: 48 - 50]، أي: يَتذاكَرون. وكذلك في ن وَالْقَلَمِ هو مِن كَلامِ أصحابِ الجنَّةِ لَمَّا رَأَوْها كالصَّريمِ، ونَدِموا على ما كان منهم، وجَعَلوا يَقولون: سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [القلم: 29] ، بعْدَ أنْ ذَكَّرَهم التَّسبيحَ أوْسَطُهم، ثمَّ قال: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ [القلم:30] ، أي: على تَرْكِهم الاستِثناءَ، وتَخافُتِهم أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ [238] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 212، 213)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/394، 395). [القلم: 24] .
7- قولُه تعالَى: قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ استِئنافٌ وقَعَ جَوابًا عن سُؤالٍ نشَأَ مِن حِكايةِ تَساؤُلِهم؛ كأنَّه قِيل: كيف تَساءَلوا؟ فقِيلَ: قالوا... [239] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/39)، ((تفسير البيضاوي)) (5/8)، ((تفسير أبي حيان)) (9/98)، ((تفسير أبي السعود)) (7/188). .
8- قولُه تعالَى: قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ
- جوابُ الزُّعماءِ بقَولِهم: بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إضرابُ إبطالٍ لِزَعمِ الأتْباعِ أنَّهم الَّذين صَدُّوهم عن طَريقِ الخَيرِ، أي: بلْ هم لم يَكونوا ممَّن يَقبَلُ الإيمانَ؛ لأنَّ تَسليطَ النَّفيِ على فِعلِ الكَونِ دونَ أنْ يُقالَ: بلْ لم تُؤمِنوا، مُشعِرٌ بأنَّ الإيمانَ لم يكُنْ مِن شأْنِهم، أي: بلْ كُنتُم أنتم الآبِينَ قَبولَ الإيمانِ [240] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/105). .
9- قولُه تعالَى: وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ أي: وما كان لنا عليكم مِن قَهرٍ وغَلَبةٍ -وذلك على قولٍ- حتَّى نُكرِهَكم على رَفضِ الإيمانِ؛ ولذلك أكَّدوا هذا المعنى بقَولِهم: بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ، أي: كان الطُّغيانُ -وهو التَّكبُّرُ عن قَبولِ دَعوةِ رجُلٍ منكم- شأْنَكم وسَجيَّتَكم؛ فلذلك أقْحَموا لَفظَ قَوْمًا بيْن (كان) وخَبرِها؛ لأنَّ استِحضارَهم بعُنوانِ القَوميَّةِ في الطُّغيانِ يُؤْذِنُ بأنَّ الطُّغيانَ مِن مُقوِّماتِ قَوميَّتِهم [241] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/105). .
10- قولُه تعالَى: فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ
- فرَّعوا على كَلامِهم اعتِرافَهم بأنَّهم جميعًا استَحقُّوا العذابَ؛ فقولُهم: فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ تَفريعُ الاعتراضِ، أي: كان أمْرُ ربِّنا بإذاقتِنا عذابَ جهنَّمَ حقًّا [242] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/105). .
- وجُملةُ إِنَّا لَذَائِقُونَ بَيانٌ لـ قَوْلُ رَبِّنَا. وحُكِيَ القولُ بالمعنى على طَريقةِ الالتفاتِ، ولولا الالتفاتُ لَقال: إنَّكم لَذائقونَ، أو إنَّهم لَذائقونَ. ونُكتةُ الالتفاتِ زِيادةُ التَّنصيصِ على المَعْنيِّ بذَوقِ العذابِ؛ لأنَّهم مُتَكَلِّمون بذلك عن أنفُسِهم [243] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/40)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/105). .
- وحُذِفَ مَفعولُ (ذائقون)؛ لدَلالةِ المقامِ عليه، وهو الأمْرُ بقولِه تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [244] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/105). [الصَّافَّات: 23].
11- قولُه تعالَى: فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ
- فرَّعوا على مَضمونِ رَدِّهم عليهم مِن قولِهم: بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إلى قَوْمًا طَاغِينَ؛ قولَهم: فَأَغْوَيْنَاكُمْ، أي: ما أكْرَهْناكم على الشِّركِ، ولكنَّا وَجَدْناكم مُتمسِّكينَ به، وراغِبينَ فيه، فأغْوَيْناكم، أي: فأيَّدْناكم في غَوايتِكم؛ لأنَّا كنَّا غاوِينَ، فسَوَّلْنا لكم ما اختَرْناهُ لأنفُسِنا؛ فمَوقعُ جُملةِ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ مَوقعُ العِلَّةِ، و(إنَّ) مُغْنيةٌ غَناءَ لامِ التَّعليلِ وفاءِ التَّفريعِ [245] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/106). .
- وزِيادةُ كُنَّا؛ للدَّلالةِ على تَمكينِ الغَوايةِ مِن نُفوسِهم، وقد استبانَ لهم أنَّ ما كانوا عليه غَوايةٌ فأقَرُّوا بها [246] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/106). .
12- قولُه تعالَى: فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ هذا الكلامُ مِن اللهِ تعالى مُوجَّهٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمؤمنينَ، ويُشبِهُ أنْ يكونَ اعتراضًا بيْن حِكايةِ حِوارِ اللهِ أهلَ الشِّركِ في القيامةِ وبيْنَ تَوبيخِ اللهِ إيَّاهم بقولِه: إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ [الصَّافَّات: 38]، والفاءُ هي الفصيحةُ؛ لأنَّها ورَدَتْ بعْدَ تَقريرِ أحوالٍ، وكان ما بعدَ الفاءِ نَتيجةً لتلك الأحوالِ، فكانت الفاءُ مُفصِحةً عن شَرْطٍ مُقدَّرٍ، أي: إذا كان حالُهم كما سمِعْتُم فإنَّهم يومَ القيامةِ في العذابِ مُشترِكون؛ لاشتراكِهم في الشِّركِ وتَمالُئِهم، أي: لا عُذْرَ للكلامِ للفريقَينِ؛ لا للزُّعماءِ بتَسويلِهم، ولا للدَّهْماءِ بنَصْرِهم، والمقصودُ هنا بَيانُ عَدَمِ إجداءِ مَعذرةِ كِلا الفريقَينِ وتَنَصُّلِه، وهذه الجُملةُ مُعترِضةٌ بيْن جُمَلِ حِكايةِ مَوقفِهم في الحِسابِ [247] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/106). .
13- قولُه تعالَى: إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ تَعليلٌ لِمَا اقْتَضَتْه جُملةُ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ، أي: فإنَّ جزاءَ المجرمينَ يكونُ مِثلَ ذلك الجزاءِ في مُؤاخَذةِ التَّابعِ والمتْبوعِ [248] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/189)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/106، 107). .
- وفيه مُناسبةٌ حَسَنةٌ، حيث قال هنا: إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ، وفي (المُرْسَلاتِ): كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ [المرسلات: 18] ؛ ووَجْهُه: أنَّ في هذه السُّورةِ حِيلَ بيْنَ الضَّميرِ وبيْن كَذَلِكَ بقولِه: فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [الصَّافَّات:33] فأعاد، وفي (المرسَلاتِ) مُتَّصِلٌ بالأوَّلِ وهو قولُه: ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ [المرسلات:17، 18]؛ فلم يُحتَجْ إلى إعادةِ الضَّميرِ [249] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 213)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/395). .