موسوعة التفسير

سورةُ الحَجِّ
الآيات (42-45)

ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ

غريب الكلمات:

فَأَمْلَيْتُ: أي: أمهَلْتُ وأطَلْتُ لهم المُدَّةَ، وأصلُ الإملاءِ: يدُلُّ على امتِدادِ زَمانٍ أو غَيرِه [743] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 116، 228)، غريب القرآن للسجستاني (ص: 472)، ((المفردات)) للراغب (ص: 777)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5 /346)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5 /352). .
نَكِيرِ: أي: نَكالي وعِقابي وانتِصاري لرُسُلي، وأصلُ (نكر): يدُلُّ على خِلافِ المعرفةِ [744] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/589)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/476)، ((تفسير القرطبي)) (12/73)، ((تفسير ابن كثير)) (6/525). .
خَاوِيَةٌ: أي: خاليةٌ ساقِطةٌ، وأصلُ (خوي): يدُلُّ على الخُلوِّ والسُّقوطِ [745] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 94). ((تفسير ابن جرير)) (4/586)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 208)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/265)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 114). .
عُرُوشِهَا: أي: سُقوفِها، وأصلُ (عرش): يدُلُّ على الارتِفاعِ في شَيءٍ مَبنيٍّ [746] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 94)، ((تفسير ابن جرير)) (4/586)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 208)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/265)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 114). .
مُعَطَّلَةٍ: أي: مَتروكةٍ على هيئَتِها، وأصلُ (عطل): يدُلُّ على خُلوٍّ وفَراغٍ [747] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/592)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 445)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/351)، ((المفردات)) للراغب (ص: 572)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 304). .
مَشِيدٍ: أي: مُطَوَّلٍ مُرتَفِعٍ؛ مِن قَولِهم: شاد بناءَه: إذا رفَعَه. وقيل: مُجَصَّص؛ مِنَ الشِّيدِ، وهو الْجِصُّ [748] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 294)، ((تفسير ابن جرير)) (16/592)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 421)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/234)، ((تفسير البغوي)) (5/390)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 246)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 304). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى: وإنْ يكَذِّبْك قَومُك -يا مُحمَّدُ- فقد كَذَّب مِن قَبلِهم قَومُ نُوحٍ، وعادٌ، وثمودُ، وقَومُ إبراهيمَ، وقَومُ لُوطٍ، وأصحابُ «مَدْينَ» الذين كذَّبوا شُعَيبًا، وكذَّب فِرعَونُ وقَومُه موسى، فأمهَلْتُ هؤلاء الكافرينَ ثمَّ أخَذْتُهم بالعَذابِ، فكيف كانت مُعاقَبتي لهم؟
فكثيرٌ مِن القُرى الظَّالِمةِ بكُفرِها أهلَكْنا أهلَها؛ فديارُهم مُهَدَّمةٌ خَلَتْ مِن سُكَّانِها، وآبارُها مُعطَّلةٌ لا يُستَقى منها، وقُصورُها العاليةُ المُزَخرفةُ خَلَت مِن سُكَّانِها ولم تدفَعْ عن أهلِها سُوءَ العَذابِ!

تفسير الآيات :

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا بيَّنَ اللهُ تعالى -فيما تقَدَّمَ- إخراجَ الكُفَّارِ المؤمِنينَ مِن ديارِهم بغَيرِ حَقٍّ، وأذِنَ في مُقاتَلتِهم، وضَمِنَ للرَّسولِ والمُؤمِنينَ النُّصرةَ، وبيَّنَ أنَّ لله عاقِبةَ الأمورِ- أردَفَه بما يجري مَجرى التَّسليةِ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الصَّبرِ على ما هم عليه مِن أذيَّتِه وأذيَّةِ المُؤمِنينَ بالتَّكذيبِ وغَيرِه [749] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/231). .
وأيضًا لَمَّا نعَى اللهُ تعالى على المشركينَ مَساويَهم في شؤونِ الدينِ بإشراكِهم، وإنكارِهم البعثَ، وصَدِّهم عن الإسلامِ وعن المسجِدِ الحرامِ، وما ناسب ذلك في غرَضِه مِن إخراجِ أهلِه منه- عطَفَ هنا إلى ضلالِهم بتكذيبِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقصدَ مِن ذلك تسليةَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتمثيلَهم بأمثالِ الأمَمِ التي استأصلها اللهُ، وتهديدَهم بالمصيرِ إلى مصيرِهم [750] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/282، 283). .
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42).
أي: وإن يُكذِّبْك -يا مُحَمَّدُ- قَومُك المُشرِكونَ على ما جِئْتَهم به مِنَ الحَقِّ، فذلك سنَّةُ إخوانِهم مِن الأُمَمِ الخاليةِ المكذِّبةِ لرُسُلِ اللهِ، ولستَ بأوَّلِ رَسولٍ كُذِّبَ؛ فقد كذَّبَت قَبلَ قَومِك قومُ نوحٍ، وعادٌ: قومُ هودٍ، وثمودُ: قومُ صالحٍ [751] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/588، 589)، ((تفسير القرطبي)) (12/73)، ((تفسير القاسمي)) (7/250)، ((تفسير السعدي)) (ص: 540)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/283). قال القرطبي: (هذا تَسليةٌ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتعزيةٌ، أي: كان قبْلَك أنبياءُ كُذِّبوا، فصَبَروا إلى أن أهلَكَ اللهُ المكذِّبينَ؛ فاقتَدِ بهم واصبِرْ). ((تفسير القرطبي)) (12/73). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/588، 589)، ((تفسير ابن كثير)) (5/437). .
كما قال تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 105] .
وقال سُبحانَه: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 123] .
وقال تبارك وتعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 141] .
وقال عز وجل: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35] .
وقال عز مِنْ قائل: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ [ق: 12-14] .
وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43).
أي: وكذَّب قَبلَ قَومِك -يا مُحَمَّدُ- قومُ إبراهيمَ، وقومُ لوطٍ [752] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/589)، ((تفسير السمعاني)) (3/443)، ((تفسير البيضاوي)) (4/73). .
كما قال تعالى: وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ [الأنعام: 80] .
وقال سُبحانَه: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 160] .
وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44).
وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ.
أي: وكذَّب قومُ شُعَيبٍ [753] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/589)، ((تفسير السعدي)) (ص: 540)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/283). .
كما قال تعالى: كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 176] .
وَكُذِّبَ مُوسَى.
أي: وكذَّب فِرعَونُ وقَومُه رسولَهم مُوسى [754] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/589)، ((تفسير القرطبي)) (12/73)، ((تفسير ابن كثير)) (5/437)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/283)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/268). .
كما قال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ [القمر: 41-42].
وقال سُبحانَه: وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ * فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً [الحاقة: 9-10] .
فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ.
أي: فأمهَلْتُ الكافِرينَ فلمْ أُعاجِلْهم بالعُقوبةِ لَمَّا كَذَّبوا رسُلَهم، ثمَّ أخَذْتُهم بالعذابِ في الوقتِ المحدَّدِ لإهلاكِهم [755] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/589)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (3/184)، ((الوسيط)) للواحدي (3/274)، ((تفسير الرازي)) (23/231)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/269). قال ابنُ عاشور: (وهذا الأخذُ مَعلومٌ في آياتٍ أخرى، عدا أنَّ قَومَ إبراهيمَ لم يتقَدَّمْ في القرآنِ ذِكرٌ لعَذابِهم أو أخْذِهم، سِوى أنَّ قَولَه تعالى: وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ [الأنبياء: 70] مُشيرٌ إلى سوءِ عاقِبَتِهم مِمَّا أرادوا به مِن الكَيدِ، وهذه الآيةُ صَريحةٌ في ذلك). ((تفسير ابن عاشور)) (17/283). .
كما قال تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ [الرعد: 32] .
وقال عزَّ وجلَّ: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40] .
وعن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ لَيُملِي للظَّالِمِ حتى إذا أخَذَه لم يُفلِتْه. قال: ثمَّ قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102] )) [756] رواه البخاري (4686) واللفظ له، ومسلم (2583). .
فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ.
أي: فانظُرْ -يا مُحَمَّدُ- كيف كانت مُعاقَبتي لهم؟ فلْيَعتَبِرْ بذلك هؤلاء المكَذِّبونَ مِن قَومِك أن يُصيبَهم ما أصاب أولئكَ؛ فإنَّهم ليسوا خَيرًا منهم [757] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/589)، ((تفسير ابن كثير)) (5/437)، ((تفسير السعدي)) (ص: 540)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/269، 270). !
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا بَيَّنَ اللهُ تعالى حالَ قَومٍ مِنَ المُكَذِّبينَ، وأنَّه عجَّلَ إهلاكَهم؛ أتبَعَه بما دلَّ على أنَّ لذلك أمثالًا، وإن لم يُذكَرْ مُفَصَّلًا [758] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/232). .
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا.
أي: فكثيرٌ مِنَ القُرى [759] قال الشنقيطي: (لفظُ القَريةِ يُطلَقُ تارةً على نفسِ الأبنيةِ، وتارةً على أهلِها السَّاكنينَ بها؛ فالإهلاكُ في قَولِه تعالى: أَهْلَكْنَاهَا، والظُّلمُ في قَولِه تعالى: وَهِيَ ظَالِمَةٌ: يُرادُ به أهلُها السَّاكِنونَ بها، وقَولُه تعالى: فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا يُرادُ به الأبنيةُ). ((أضواء البيان)) (5/269). أهلَكْنا أهلَها بالعَذابِ الشَّديدِ؛ بسَبَبِ ظُلمِهم، فصارت بيوتُهم مُهَدَّمةً قد سقَطَت جُدرانُها فَوقَ سُقوفِها [760] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/590)، ((تفسير السمرقندي)) (2/463)، ((تفسير ابن كثير)) (5/438)، ((تفسير السعدي)) (ص: 540)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/285، 286). قال الشنقيطي: (المعنى: أنَّ السُّقوفَ سَقَطت ثمَّ سَقَطت عليها حِيطانُها، على أظهَرِ التَّفسيراتِ). ((أضواء البيان)) (5/270). .
وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ.
أي: وكثيرٌ مِن الآبارِ الصَّالِحةِ للانتِفاعِ عَطَّلْناها بإهلاكِ أهلِها ووارِدِيها، فلا يُستقَى منها مع بقاءِ بِنائِها وفَوَرانِ مائِها! وكثيرٌ مِن القُصورِ العاليةِ المجصَّصةِ المَنيعةِ المُحكَمةِ خَلت من سُكَّانِها بعد هَلاكِهم، فغَدَت مُوحِشةً، بعد أن كانت بأهلِها عامِرةً ومُؤنسةً [761] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/590، 594)، ((تفسير القرطبي)) (12/74)، ((تفسير ابن كثير)) (5/438)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/62)، ((تفسير السعدي)) (ص: 540)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/286). !
كما قال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا [الطلاق: 8-9] .

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى دَلالةٌ على أنَّ المُغتَمَّ بالشَّيءِ قد يتسَلَّى بأنْ يكونَ له في مُصيبتِه شَريكٌ، ألا ترى إلى اللهِ جَلَّ جَلالُه كيف عَزَّى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمُشاركةِ مَن مضى قَبْلَه مِن الأنبياءِ في تكذيبِ قَومِهم إيَّاهم، واحتِمالِ مَضَضِه وأذاهم؛ فدَلَّ على أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وغَيرَه من الأنبياءِ صَلواتُ اللهِ عليهم كانوا يغتَمُّونَ مِن تَكذيبِ قَومِهم إيَّاهم [762] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (2/331). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ مُناسَبةُ اختيارِ النَّكيرِ في هذه الآيةِ دُونَ العَذابِ ونَحوِه: أنَّه وقع بعد التَّنويهِ بالنَّهيِ عن المُنكَرِ؛ ليُنَبِّهَ المُسلِمينَ على أن يَبذُلوا في تَغييرِ المُنكَرِ مُنتَهى استِطاعتِهم؛ فإنَّ الله عاقَبَ على المُنكَرِ بأشَدِّ العِقابِ، فعلى المؤمنينَ الائتِساءُ بصُنعِ اللهِ [763] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/284). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال تعالى: وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ مُناسَبةُ عَدِّ قَومِ إبراهيمَ هنا في عدادِ الأقوامِ الَّذين أخَذَهم اللهُ دونَ الآياتِ الأُخرى الَّتي ذُكِرَ فيها مَن أُخِذُوا مِن الأقوامِ: أنَّ قَومَ إبراهيمَ أتَمُّ شَبَهًا بمُشركي قُريشٍ في أنَّهم كَذَّبوا رَسولَهم وآذَوهُ، وألْجؤوهُ إلى الخُروجِ مِن مَوطنِه وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات: 99] ؛ فكان ذِكْرُ إلْجاءِ قُريشٍ المُؤمِنينَ إلى الخُروجِ مِن مَوطنِهم في قولِه: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ [الحج: 40] مُناسَبةً لذِكْرِ قَومِ إبراهيمَ [764] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/283، 284). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: وَكُذِّبَ مُوسَى فيه سُؤالٌ: لِمَ قال: وَكُذِّبَ مُوسَى، ولم يَقُلْ: (قَومُ موسى) عَطفًا على قَوْمُ نُوحٍ؟
الجوابُ مِن أوجهٍ:
الوجهُ الأوَّلُ: أنَّ مُوسى عليه السَّلامُ ما كَذَّبَه قَومُه بنو إسرائيلَ، وإنَّما كذَّبَه غَيرُ قَومِه، وهم القِبطُ.
الوجهُ الثَّاني: أنَّ الإبهامَ في بناءِ الفِعلِ للمَفعولِ؛ للتَّفخيمِ والتَّعظيمِ، أي: وكُذِّبَ مُوسى أيضًا، مع وُضوحِ آياتِه، وعِظَمِ مُعجِزاتِه، فما ظَنُّك بغَيرِه [765] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/231). ؟! للإيذانِ بأنَّ تكذيبَهم له كان في غَايةِ الشَّناعةِ؛ لكونِ آياتِه في كَمالِ الوُضوحِ؛ فتَكذيبُه كان أشنَعَ، وآياتُه كانت أعظَمَ.
الوجهُ الثالثُ: أنَّه لمَّا صَدَّرَ الكلامَ بحِكايةِ تَكذيبِهم، ثمَّ عدَّدَ أصنافَ المُكذِّبينَ وطوائفَهم، ولم يَنْتَهِ إلى مُوسى إلَّا بعْدَ طُولِ الكلامِ؛ حسُنَ تَكريرُه؛ لِيَلِيَ قوله: فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ، فيَتَّصِل المُسبَّبُ بالسَّببِ [766] يُنظر: ((تفسير الزمخشري- مع الحاشية)) (3/161)، ((تفسير أبي السعود)) (6/110). .
3- في قوله تعالى: فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ دَلالةٌ على أنَّ الإملاءَ للكافرينَ مَكْرٌ بهم واستِدراجٌ، وهو رَدٌّ على المُعتَزِلةِ والقَدَريَّةِ [767] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (2/331). .
4- قَولُ اللهِ تعالى: فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ فيه سؤالٌ: إن قيلَ: كيف يُوصَفُ ما يُنزِلُه بالكُفَّارِ مِن الهَلاكِ بالعذابِ المُعَجَّلِ بأنَّه نَكيرٌ؟
الجوابُ: إذا كان رادِعًا لغَيرِه، وصادِعًا له عن مِثلِ ما أوجَبَ ذلك، صار نكيرًا [768] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/232). .
5- قال الله تعالى: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ إذا قيل: إنَّ قَولَه تعالى: فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا يدُلُّ على تهَدُّمِ أبنِيَةِ أهلِها، وسُقوطِها، وقَولَه تعالى: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ يدُلُّ على بقاءِ أبنِيَتِها قائِمةً مَشيدَةً، فكيف الجَمعُ بينهما؟
فالجوابُ: أنَّ قُصورَ القُرى التي أهلَكَها اللهُ، وَقْتَ نُزولِ هذه الآيةِ منها ما هو مُتهَدِّمٌ، كما دَلَّ عليه قَولُه تعالى: فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا، ومنها ما هو قائِمٌ باقٍ على بنائِه، كما دَلَّ عليه قَولُه تعالى: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ، ويدُلُّ على هذا الجَمعِ قولُه جَلَّ وعلا: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ [هود: 100] ، فصَرَّحَ في هذه الآيةِ بأنَّ منها قائِمًا، ومنها حَصيدًا؛ فالقائِمُ هو الذي لم يَتهَدَّمْ، والحَصيدُ هو الذي تهَدَّمَ، وتفَرَّقَت أنقاضُه [769] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/270، 271). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ تَسليةٌ لرَسولِ الله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، مُتضمَّنةٌ للوعْدِ الكريمِ بإهلاكِ مَن يُعادِيه مِن الكَفرةِ، وتَعيينٌ لكَيفيَّةِ نَصْرِه تعالى له الموعودِ بقولِه تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ. وعبَّرَ بصِيغَةِ المُضارِعِ في الشَّرطِ يُكَذِّبُوكَ مع تَحقُّقِ التَّكذيبِ؛ لِمَا أنَّ المقصودَ تَسليتُه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عمَّا يَترتَّبُ على التَّكذيبِ مِن الحُزنِ المُتوقَّعِ [770] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/161)، ((تفسير البيضاوي)) (4/73)، ((تفسير أبي حيان)) (7/518)، ((تفسير أبي السعود)) (6/110)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/282). .
- وجَوابُ الشَّرطِ مَحذوفٌ، دَلَّ عليه قولُه: فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ...؛ إذِ التَّقديرُ: فلا عجَبَ في تَكذيبِهم، أو فلا غَضاضةَ عليك في تَكذيبِ قَومِك إيَّاك؛ فإنَّ تلك عادةُ أمثالِهم [771] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/283). .
2- قَولُه تعالى: وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ
- قولُه: وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ فيه إيجازٌ بالحذْفِ؛ إذِ التَّقديرُ: رُسُلَهم، أي: كذَّبتْ قبلَهم قومُ نوح وعادٌ وثمودُ وأصحابُ مدْينَ رسلَهم ممَّن ذُكِرَ وممن لم يُذكَرْ؛ وإنَّما حُذِفَ لكَمالِ ظُهورِ المُرادِ، أو لأنَّ المُرادَ نفْسُ الفِعْلِ، أي: فعَلَتِ التَّكذيبَ قومُ نُوحٍ... إلى آخِرِه [772] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/110) .
- وإنَّما لم يُعبَّرْ عنهم بـ(قَوم شُعيبٍ)، وعُبِّرَ عنهم بقولِه: وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ؛ لئلَّا يَتكرَّرَ لفْظُ (قوم) أكثَرَ مِن ثلاثِ مَرَّاتٍ [773] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/283). .
- قولُه: فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ، أي: فأمليْتُ لهم؛ فوضَعَ الظَّاهِرَ مَوضِعَ الضَّميرِ؛ لذَمِّهم بالكُفْرِ، والتَّصريحِ بمُكذِّبِي مُوسى عليه السَّلامُ، حيث لم يُذْكَروا فيما قبْلُ صَريحًا، وللإيماءِ إلى أنَّ عِلَّةَ الإملاءِ لهم ثمَّ أَخْذِهم هو الكُفْرُ بالرُّسلِ؛ تَعريضًا بالنِّذارةِ لمُشرِكي قُريشٍ [774] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/519)، ((تفسير أبي السعود)) (6/110)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/283). . والأخْذُ كِنايةٌ عن العِقابِ والإهلاكِ [775] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/519). .
- والفاءُ في فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ للتَّعقيبِ؛ دَلالةً على أنَّ تَقديرَ هَلاكِهم حاصِلٌ مِن وَقْتِ تَكذيبِهم، وإنَّما أُخِّرَ لهم، وهو تَعقيبٌ مُوزَّعٌ؛ فلكلِّ قَومٍ من هؤلاء تَعقيبُ إملائِه، والأخْذُ حاصِلٌ بعْدَ الإملاءِ بمُهلةٍ؛ فلذلك عُطِفَ فِعْلُه بحَرفِ المُهْلَةِ ثُمَّ [776] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/284). .
- والاستفهامُ في قولِه: فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ استفهامٌ إنْكاريٌّ، معناهُ التَّقريرُ، وهو حمْلُ المُخاطَبِ على الإقرارِ بما يَعرِفُه ويُماري فيه، ويَلْجَأُ إلى المُكابَرةِ والسَّفسطةِ في مُخالَفَتِه [777] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/73)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/446). . وقيل: استفهامٌ تَعجُّبِيٌّ، أي: فاعْجَبْ مِن نَكِيري كيف حصَلَ. ووَجْهُ التَّعجُّبِ منه: أنَّهم أُبْدِلوا بالنِّعمةِ مِحْنةً، وبالحياةِ هَلاكًا، وبالعمارةِ خَرابًا؛ فهو عِبرةٌ لغَيرِهم. وعُطِفَتْ جُملةُ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ بالفاءِ؛ لأنَّ حَقَّ ذلك الاستفهامِ أنْ يَحصُلَ عندَ ذِكْرِ ذلك الأخْذِ [778] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/519)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/284). .
3- قَولُه تعالى: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ
- قولُه: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا (فكأيِّنْ) تَقْتضي التَّكثيرَ [779] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/520). . وتَفرَّعَ ذِكْرُ جُملةِ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ على جُملةِ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [الحج: 44] ؛ فعُطِفَتْ عليها بفاءِ التَّفريعِ -والتَّعقيبُ في الذِّكْرِ لا في الوُجودِ-؛ لأنَّ الإملاءَ لكَثيرٍ مِن القُرى، ثمَّ أخْذَها بعدَ الإملاءِ لها: يُبيِّنُ كيفيَّةَ نَكيرِ اللهِ وغضَبِه على القُرى الظَّالمةِ ويُفسِّرُه؛ فناسَبَ أنْ يُذكَرَ التَّفسيرُ عَقِبَ المُفسَّرِ بحَرفِ التَّفريعِ، ثمَّ هو يُفِيدُ بما ذُكِرَ فيه مِن اسْمِ كَثرةِ العدَدِ شُمولًا للأقوامِ الَّذين ذُكِروا مِن قبْلُ في قولِه: فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ [الحج: 42] إلى آخِرِه، فيَكونُ لتلك الجُملةِ بمَنزِلَةِ التَّذييلِ [780] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/285). .
- قولُه: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ أي: كمْ قَريةٍ أهْلَكْنا؟! وكم بِئْرٍ عطَّلْنا عن سُقاتِها؟! وقَصْرٍ مَشيدٍ أخليناهُ عن ساكِنِيه؟! فتُرِكَ ذلك؛ لدَلالةِ مُعَطَّلَةٍ عليه [781] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/162). .
- وفي قولِه: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ مُناسَبةٌ حَسنةٌ؛ حيث قال ذلك هنا، وقال بَعدُ: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ مُوافقةً لِمَا قبْلَهما؛ إذْ ما هنا تقدَّمَه معنى الإِهلاكِ بقولِه: فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ أي: أهلَكْتُهم، وما بعْدُ تقدَّمَه وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ، وهو يدُلُّ على أنَّ العذابَ لم يأْتِهم في الوقْتِ؛ فحسُنَ ذِكْرُ الإهلاكِ في الأوَّلِ، والإملاءِ -أي: التَّأخير- في الثَّاني [782] يُنظر: ((درة التنزيل وغرة التأويل)) للإسكافي (ص: 926، 927)، ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 182)، ((ملاك التأويل)) للغرناطي (2/359، 360)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/327)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 384، 385). .
- ومِن المُناسَبةِ أيضًا قولُه هنا: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ، فوصَفَ القَصْرَ بـ مَشِيدٍ، ولم يُوصَفْ بـ (مُشَيَّد) كما في قولِه: فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء: 78] . ووَجْهُه: أنَّ ذلك جمْعٌ ناسَبَ التَّكثيرَ فيه، وهذا مُفْرَدٌ. وأيضًا مَشِيدٍ فاصلةُ آيةٍ [783] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/520). .