موسوعة التفسير

سورةُ الشُّعَراءِ
الآيات (160-175)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ

غَريبُ الكَلِماتِ:

أَتَأْتُونَ: أي: أتَنكِحونَ، والإتيانُ يُقالُ للمَجيءِ بالذَّاتِ وبالأمرِ وبالتَّدبيرِ [888] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/629)، ((المفردات)) للراغب (ص: 60)، ((تفسير القرطبي)) (13/132).   .
وَتَذَرُونَ: أي: تَترُكون وتَدَعون، وفلانٌ يَذَرُ الشَّيءَ، أي: يَقذِفُه؛ لقِلَّةِ اعتِدادِه به [889] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/630)، ((المفردات)) للراغب (ص: 862)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 463، 989).   .
عَادُونَ: أي: مُتجاوِزون لحُدودِ اللهِ، ومُعتَدون، وأصلُ (عدو): يدُلُّ على تجاوُزٍ في الشَّيءِ [890] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/630،630)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/249)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 271)، ((تفسير القرطبي)) (13/132).   .
الْقَالِينَ: أي: المُبغِضينَ المُنكِرين، وأصلُ القلي: شِدَّةُ البُغضِ [891] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 320)، ((تفسير ابن جرير)) (17/631)، ((المفردات)) للراغب (ص: 683)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 271)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 739).   .
الْغَابِرِينَ: أي: الباقينَ في العَذابِ، والغابرُ مِن الأضْدادِ؛ يُقالُ: غابرٌ للباقي، و: غابرٌ للماضي، وأصلُ (غبر): يدُلُّ على البَقاءِ [892] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 170)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 350)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/408)، ((المفردات)) للراغب (ص: 601)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 113)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 205)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 673).   .
فَسَاءَ: أي: قَبُحَ، والسُّوءُ: اسمٌ جامِعٌ للآفاتِ، وأصلُ (سوء): يدُلُّ على قُبحٍ [893] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 123)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/113)، ((المفردات)) للراغب (ص: 441)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 84).   .

المعنى الإجماليُّ:

يَحكي الله تعالى جانبًا مِن قصَّةِ لوطٍ عليه السلامُ مع قَومِه، فيقولُ: كذَّبتْ قَومُ لُوطٍ بجَميعِ رسُلِ اللهِ بتَكذيبِهم نبيَّهم لوطًا، حينَ قال لهم أخوهم لوطٌ: ألَا تتَّقون اللهَ، إنِّي لكم رسولٌ مِن الله، أمينٌ على وَحْيه، فاتَّقوا سَخَطَ اللهِ وعِقابَه، وأطيعوني، وما أطلُبُ منكم على نُصحي لكم جزاءً ولا ثوابًا؛ ما ثوابي إلَّا على اللهِ رَبِّ العالَمينَ.
ثمَّ يذكرُ الله تعالى أنَّ نبيَّه لوطًا عليه السلامُ نهَى قومَه عن أبرزِ الرذائلِ المتفشِّيةِ فيهم، وأنَّه قال لهم: أتُواقِعونَ الذُّكورَ مِن النَّاسِ ولم يَسبِقْكم إلى فعلِ ذلك أحدٌ مِن الخَلقِ، وتَتركونَ ما خلَقَه لكم ربُّكم مِن نِسائِكم؟! بل أنتم قَومٌ مُجاوِزونَ الحَدَّ في معصيةِ اللهِ. فقال قَومُ لوطٍ له متوعِّدينَ: لَئِنْ لم تَنْتَهِ -يا لوطُ- عن إنكارِك علينا إتيانَ الذُّكورِ، لَتَكونَنَّ مِن المطرودينَ مِن قَريتِنا. قال لوطٌ لهم: إنِّي لِما تَعمَلونَه مِن الفاحِشةِ مِن المُبغِضين التَّارِكين، ثمَّ دعا ربَّه عزَّ وجلَّ قائلًا: رَبِّ نجِّني وأهلي مِن العذابِ الذي تُنزِلُه على قَومي، فأجاب الله تعالى دعاءَه، قال سبحانَه: فنجَّيْناه وأهلَه كُلَّهم، إلَّا زوجَتَه العَجوزَ أهلَكْناها مع قَومِها الباقينَ في العذابِ، ثمَّ أهلَكْنا قومَ لُوطٍ، وأنزَلْنا عليهم حجارةً مِن السَّماءِ، فبِئسَ مطَرُ القَومِ الذين أنذَرَهم نبيُّهم.
إنَّ في إهلاكِ قَومِ لُوطٍ لَدَلالةً واضِحةً على صِدقِ رَسولِه، وعِبرةً لِمن يعتبِرُ، وما كان أكثَرُ قَومِ لوطٍ مُؤمِنينَ، وإنَّ رَبَّك -يا مُحمَّدُ- لهو العزيزُ المنتَقِمُ مِن أعدائِه، الرَّحيمُ بعبادِه، فلا يُعاجِلُهم بعذابِه.

تَفسيرُ الآياتِ:

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160).
أي: كذَّبت جماعةُ قَومِ لُوطٍ [894] القومُ في معنى الجماعةِ أو الأُمَّةِ أو القبيلةِ؛ لذا قال:    كَذَّبَتْ بالتأنيثِ. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/95)، ((تفسير ابن جزي)) (2/92)، ((تفسير الشوكاني)) (4/126).   بجَميعِ رُسُلِ اللهِ [895] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/629)، ((تفسير القرطبي)) (13/122)، ((تفسير ابن كثير)) (6/157)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/157).   .
كما قال تعالى: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ [الحج: 42، 43].
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161).
أي: حينَ قال لهم أخوهم لوطٌ [896] قال البقاعي: (قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ أي: في السُّكنى في البلدِ، لا في النسَبِ؛ لأنَّه ابنُ أخي إبراهيمَ عليه السلامُ، وهما مِن بلادِ الشرقِ مِن بلادِ بابلَ، وكأنَّه عبَّرَ بالأُخوَّةِ؛ لاختيارِه لمجاورتِهم، ومناسبتِهم بمُصاهرتِهم، وإقامتِه بيْنَهم في مدينتِهم مدَّةً مديدةً، وسنينَ عديدةً، وإتيانِه بالأولادِ مِن نسائِهم، مع موافقتِه لهم في أنَّه قُرَويٌّ). ((نظم الدرر)) (14/80). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عاشور)) (19/178).   : ألَا تتَّقون اللهَ، وتَحذَرونَ عِقابَه [897] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/629)، ((تفسير القرطبي)) (13/119)، ((حاشية الخفاجي)) (7/23)، ((تفسير الألوسي)) (10/113).   ؟
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162).
أي: إنِّي لكم رَسولٌ مِن اللهِ، أمينٌ على وَحْيِه الذي بعَثَني به إليكم، فأبلِّغُكم ما أُرسِلتُ به إليكم بلا زيادةٍ ولا نَقصٍ [898] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/629)، ((تفسير ابن كثير)) (6/151)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/80)، ((تفسير السعدي)) (ص: 595).   .
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163).
أي: فاتَّقوا سَخَطَ اللهِ وعِقابَه، وأطيعوني فيما آمُرُكم به، وأنهاكم عنه [899] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/629)، ((تفسير القرطبي)) (13/119)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/80)، ((تفسير السعدي)) (ص: 595).   .
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164).
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ.
أي: وما أطلُبُ منكم على نُصحي لكم أيَّ ثوابٍ وجَزاءٍ [900] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/629)، ((تفسير ابن كثير)) (6/151)، ((تفسير السعدي)) (ص: 595).   .
إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ.
أي: ما أرجو ثَوابي إلَّا مِن اللهِ الخالِقِ الرَّازِقِ، المالكِ المدَبِّرِ لجميعِ العالَمينَ دونَ خَلقِه [901] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/629)، ((تفسير القرطبي)) (13/119)، ((تفسير ابن كثير)) (6/151)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/81).   .
أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165).
أي: أتَنكِحونَ الذُّكورَ مِن النَّاسِ؟! لم يَسبِقْكم إلى ابتِداعِ هذه الفاحشةِ أحدٌ [902] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/629)، ((تفسير الزمخشري)) (3/329، 330)، ((تفسير القرطبي)) (13/132)، ((تفسير السعدي)) (ص: 596). قال البيضاوي: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ أتأتون -مِن بينِ مَن عَداكم مِن العالَمينَ- الذُّكْرانَ، لا يُشارِكُكم فيه غيرُكم، أو: أتأتونَ الذُّكرانَ مِن أولادِ آدمَ مع كثرتِهم، وغلبةِ الإناثِ فيهم كأنهنَّ قد أعوَزْنَكم، فالمرادُ بـ الْعَالَمِينَ على الأوَّلِ كلُّ مَن يُنكَحُ، وعلى الثاني الناسُ). ((تفسير البيضاوي)) (4/147). قال الشوكاني: (الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، وهم بنو آدمَ، أو كلُّ حيوانٍ). ((تفسير الشوكاني)) (4/131). ممَّن اختار أنَّ المرادَ بـ (العالَمينَ): الناسُ مِن بني آدمَ: ابنُ جرير، والواحدي، والبغوي، وابن الجوزي، والنسفي، والخازن، وجلال الدين المحلي، والعليمي، والألوسي، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/629)، ((الوسيط)) للواحدي (3/361)، ((تفسير البغوي)) (3/477)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/346)، ((تفسير النسفي)) (2/577)، ((تفسير الخازن)) (3/331)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 490)، ((تفسير العليمي)) (5/92)، ((تفسير الألوسي)) (10/113)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 259). وقال الزمخشري: (أراد بـ الْعَالَمِينَ: الناسَ، أى: أتأتونَ مِن بينِ أولادِ آدمَ عليه السلامُ -على فَرطِ كثرتِهم، وتفاوتِ أجناسِهم، وغلَبةِ إناثِهم على ذكورِهم في الكثرةِ- ذُكْرانَهم، كأنَّ الإناثَ قد أعوَزْنَكم!). ((تفسير الزمخشري)) (3/329). وقال ابن عاشور: (فالمعنى: مفصولينَ مِن العالَمينَ، لا يماثِلُكم في ذلك صِنفٌ مِن العالَمينَ. وهذا المعنى جوَّزه في «الكشَّاف» ثانيًا، وهو أوفَقُ بمعنى: العالَمينَ، الذي المختارُ فيه أنَّه جمعُ (عالَم)، بمعنى النوعِ مِن المخلوقاتِ... والمعنى: أتأتون الذُّكرانَ مخالِفينَ جميعَ العالَمينَ مِن الأنواعِ التي فيها ذكورٌ وإناثٌ؛ فإنَّها لا يوجَدُ فيها ما يأتي الذكورَ). ((تفسير ابن عاشور)) (19/179). وقال البقاعي: (ولعلَّهم كانوا يفعلون بالذُّكورِ مِن غيرِ الآدميِّينَ؛ توغُّلًا في الشَّرِّ، وتجاهرًا بالتهَتُّكِ؛ لقولِه: مِنَ الْعَالَمِينَ أي: كُلِّهم، أو يكونُ المعنى: مِن بيْنِ الخلائِقِ، أي: أنَّكم اختصَصْتُم بإتيانِ الذُّكرانِ، لم يفعَلْ هذا الفِعلَ غيرُكم مِن الناكحينَ مِن الخَلقِ). ((نظم الدرر)) (14/81). وقال ابنُ كثير: (نهاهم عن معصيةِ الله، وارتكابِ ما كانوا قد ابتدعوه في العالَمِ، ممَّا لم يسبِقْهم الخلائقُ إلى فِعلِه، مِن إتيانِ الذُّكرانِ دونَ الإناثِ). ((تفسير ابن كثير)) (6/157). !
كما قال تعالى: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [الأعراف: 80، 81].
وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166).
وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ.
أي: وتَترُكونَ ما خلَقَه لكم ربُّكم مِن نسائِكم [903] قال أبو حيان: (مِنَ إمَّا للتَّبيينِ لقولِه: مَا خَلَقَ ، وإمَّا للتبعيضِ: أي: العضوِ المخلوقِ للوطءِ، وهو الفرْجُ، وهو على حذفِ مضافٍ، أي: وتذرونَ إتيانَ. فإن كان چ  ? لا يُرادُ به العضوُ، فلا بدَّ مِن تقديرِ مضافٍ آخَرَ، أي: وتَذَرونَ إتيانَ فروجِ ما خلَق). ((تفسير أبي حيان)) (8/183). ممَّن قال: إنَّ المرادَ بقولِه: مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ: فروجُ النساءِ: مقاتل بن سليمان، وابن جرير، وابن أبي زمنين، والواحدي، والقرطبي، والخازن. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/277)، ((تفسير ابن جرير)) (17/629)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (3/285)، ((الوسيط)) للواحدي (3/361)، ((تفسير القرطبي)) (13/132)، ((تفسير الخازن)) (3/331). وممَّن قال في الجملةِ: إنَّ (مِنْ) هنا: بيانيَّةٌ، والمعنى تأتون الذكورَ، وتَدَعون النِّساءَ: أبو حيان، وأبو السعود، والبقاعي، والشوكاني، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/183)، ((تفسير أبي السعود)) (6/260)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/81)، ((تفسير الشوكاني)) (4/132)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 260). وقال السمرقندي: (مِنْ أَزْوَاجِكُمْ يعني: مِن نسائِكم). ((تفسير السمرقندي)) (2/565). ، وقد أَحَلَّ لكم الاستِمتاعَ بهنَّ [904] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/629)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (3/285)، ((الوسيط)) للواحدي (3/361)، ((تفسير القرطبي)) (13/132)، ((تفسير الشوكاني)) (4/132).   !
بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ.
أي: بل أنتم قَومٌ مُجاوِزونَ الحَدَّ في معصيةِ اللهِ، وتَتجاوَزونَ ما أحَلَّه لكم ربُّكم إلى ما حَرَّمه عليكم [905] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/630)، ((البسيط)) للواحدي (17/112)، ((تفسير الزمخشري)) (3/330)، ((تفسير القرطبي)) (13/132)، ((تفسير الشوكاني)) (4/132)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/180). قال البقاعي: (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ أي: تركتُم الأزواجَ بتعدِّي الفعلِ بهنَّ، وتجاوُزِه إلى الفِعلِ بالذُّكرانِ، وليس ذلك ببِدْعٍ مِن أمرِكم؛ فإنَّ العدوانَ -الذي هو مجاوَزةُ الحَدِّ في الشرِّ- وَصْفٌ لكم، أنتم عريقونَ فيه؛ فلذلك لا تَقِفونَ عندَ حَدٍّ حَدَّه اللهُ تعالى). ((نظم الدرر)) (14/82). وقال ابنُ عثيمين: (قولُه: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ «بل» للإضرابِ، والإضرابُ هنا كأنَّه قال: لا تأتون الذُّكرانَ فِطرةً ولا عملًا عاديًّا محبوبًا إلى الفِطَرِ، ولكِنَّ الذي حمَلكم على هذا هو العدوانُ المجَرَّدُ -والعياذُ بالله- متجاوزينَ الحلالَ إلى الحرامِ، فبَيَّن لهم لوطٌ عليه الصلاةُ والسلامُ أنَّ ما فعَلوه أمرٌ مُستنكَرٌ عقلًا، ومستنكَرٌ شرعًا وعُرفًا؛ لأنَّ العدوانَ لا شَكَّ أنَّ كُلَّ أحدٍ يُنكِرُه، وهؤلاء مُعتَدُونَ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 261). .
قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا اتضحَ الحقُّ، وعُرِفَ المرادُ -وكان غريبًا عندَهم- وتَشَوَّفَ السَّامِعُ إلى جوابِهم؛ استُؤنِفَ الإخبارُ عنه، فقيل إعلامًا بانقطاعِهم، وأنَّهم عارفون أنَّه لا وجْهَ لهم في ذلك أصلًا؛ لعدولِهم إلى الفُحشِ [906] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/82).   :
قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167).
أي: قال قَومُ لوطٍ: لئِنْ لم تترُكْ -يا لوطُ- نَهْيَك وإنكارَك علينا إتيانَ الذُّكورِ، لَتَكونَنَّ مِن المطرودينَ مِن قَريتِنا [907] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/631)، ((تفسير ابن كثير)) (6/158)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/82)، ((تفسير السعدي)) (ص: 596)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/180)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 262، 263). قال ابنُ عاشور: (هدَّدوه بالإخراجِ مِن مدينتِهم؛ لأنَّه كان مِن غيرِ أهلِ المدينةِ، بل كان مُهاجِرًا بيْنَهم، وله صِهرٌ فيهم). ((تفسير ابن عاشور)) (19/180).   .
كما قال تعالى: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل: 56].
قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168).
أي: قال لوطٌ لِقَومِه: إنِّي لِما تَعمَلونَه مِن الفاحِشةِ مِن المُبغِضينَ له أشَدَّ البُغضِ، التَّاركينَ فِعْلَه، المنكِرينَ له [908] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/631)، ((معاني القرآن)) للزجاج (4/99)، ((تفسير ابن عطية)) (4/241)، ((جامع الرسائل)) لابن تيمية (2/387)، ((تفسير الخازن)) (3/331)، ((تفسير ابن كثير)) (6/158)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/83)، ((تفسير السعدي)) (ص: 596).   .
رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169).
أي: قال لوطٌ داعيًا رَبَّه: ربِّ نجِّني وأهلي مِن عذابِ قَومي حينَ تُنزِلُه عليهم [909] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/277)، ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/520)، ((تفسير ابن جرير)) (17/631)، ((تفسير السمعاني)) (4/63)، ((تفسير القرطبي)) (13/133)، ((تفسير الشوكاني)) (4/132)، ((تفسير الألوسي)) (10/115)، ((تفسير السعدي)) (ص: 596)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/181).   .
فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) .
أي: فنجَّينا مِنَ العذابِ لوطًا وأهلَه كُلَّهم [910] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/631)، ((تفسير القرطبي)) (13/133)، ((تفسير ابن كثير)) (6/158)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/83)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/181).   .
كما قال تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات: 35، 36].
وقال سُبحانَه: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ [القمر: 34، 35].
إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كانت زوجتُه مُندَرِجةً في الأهلِ، وكان ظاهرُ دعائِه دخولَها في التَّنجيةِ، وكانت كافرةً؛ استُثنيَتْ في قَولِه [911] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/185).   :
إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171).
أي: إلَّا زَوجتَه العَجوزَ فلم نُنْجِها، وهَلَكَت مع قَومِها الباقينَ في العَذابِ [912] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (17/113)، ((تفسير القرطبي)) (13/133)، ((تفسير ابن كثير)) (6/158)، ((تفسير السعدي)) (ص: 596)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/181). وممَّن قال بأنَّ المرادَ بالغابرينَ: الباقون في العذاب: مقاتلُ بن سليمان، والواحدي، والسعدي، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/277)، ((البسيط)) للواحدي (17/113)، ((تفسير السعدي)) (ص: 596)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/181). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباس، وقتادةُ، وعبدُ الرحمن بنُ زيد. يُنظر: ((تفسير ابن أبي حاتم)) (9/2809)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (6/317). قال ابنُ عطية: (وقَولُه فِي الْغَابِرِينَ معناه: في الباقينَ؛ فإمَّا أنْ يريدَ في الباقينَ مِن لِدَاتِها وأهلِ سِنِّها، وهذا تأويلُ أبي عبيدةَ، وإمَّا أنْ يريدَ في الباقينَ في العذابِ النازلِ بهم، وهذا تأويلُ قتادةَ). ((تفسير ابن عطية)) (4/241). ويُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (2/89). وقال ابنُ عثيمين: (الغابِرُ: يُطلَقُ على مَعانٍ؛ منها: الباقي، ومنها: الماضي أيضًا، فيكونُ مِن الأضْدادِ، وهي الكلماتُ التي تَصلُحُ للشَّيءِ ولِضِدِّه). ((تفسير ابن عثيمين - سورة الشعراء)) (ص: 265). قال الشوكاني: (الغابِر يكونُ بمعنَى الماضي، ويكونُ بمعنَى الباقي، فالمعنَى: إلَّا عجوزًا في الباقينَ في العذابِ، أوِ الماضِينَ الَّذينَ قد هَلَكوا). ((تفسير الشوكاني)) (4/470). .
كما قال تعالى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ [الأعراف: 83].
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (172).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر نجاتَه المفهِمةَ لهلاكِهم؛ صَرَّح به على وجهٍ هَوَّلَه بأداةِ التَّراخي؛ لِما عُلِمَ غيرَ مَرَّةٍ أنَّه كان عَقِبَ خُروجِه، لم تَتخلَّلْ بيْنَهما مُهلةٌ، فقال [913] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/84).   :
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (172).
أي: ثمَّ أهلَكْنا قومَ لوطٍ [914] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/632)، ((البسيط)) للواحدي (17/113)، ((تفسير القرطبي)) (13/133)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/181). قال ابن عاشور: (التَّدميرُ: الإصابةُ بالدَّمارِ، وهو الهلاكُ؛ وذلك أنَّهم استُؤْصِلوا بالخَسفِ وإمطارِ الحجارةِ عليهم). ((تفسير ابن عاشور)) (19/181). وبنحوِ ذلك قال الواحديُّ، والقرطبيُّ. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (17/113)، ((تفسير القرطبي)) (13/133). وقال السمعاني: (التدميرُ: هو الإهلاكُ بوَصْفِ التَّنكيلِ). ((تفسير السمعاني)) (4/413). .
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173).
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا.
أي: وأنزَلْنا عليهم حِجارةً مِن السَّماءِ [915] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/632)، ((تفسير القرطبي)) (13/133)، ((تفسير السعدي)) (ص: 596)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/181).   .
كما قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ [هود: 82، 83].
فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ.
أي: فبئسَ المطَرُ الذي أمطَرْناه على قَومِ لوطٍ الذين أنذَرَهم نبيُّهم عذابَ اللهِ فكَذَّبوه [916] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/632)، ((الوسيط)) للواحدي (3/361)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/181).   .
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان في جَريِ المكذِّبِينَ والمصَدِّقِينَ على نظامٍ واحدٍ مِن الهَلاكِ والنَّجاةِ أعظمُ عبرةٍ وأكبرُ موعظةٍ؛ أشار إلى ذلك بقَولِه [917] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/84).   :
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً.
أي: إنَّ في إهلاكِ قَومِ لوطٍ لَدَلالةً واضِحةً على صِدقِ رَسولِه، وعِبرةً وعِظةً لِمُرتكِبِ الفواحِشِ [918] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/277، 278)، ((تفسير ابن جرير)) (17/632)، ((تفسير السمرقندي)) (2/565)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/164).   .
كما قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر: 75 - 77].
وقال سُبحانَه: وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [الذاريات: 37].
وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ.
مُناسَبتُها لِما قَبلَها:
لَمَّا كان مَن أتى بعْدَ هذه الأممِ -كقُريشٍ ومَن تَقَدَّمَهم- قد عَلِموا أخبارَهم، وضَمُّوا إلى بعضِ الأخبارِ نظرَ الدِّيارِ، والتوسُّمَ في الآثارِ؛ قال مُعَجِّبًا مِن حالِهم في ضلالِهم [919] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/84).   :
وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ.
أي: ولم يكُنْ أكثَرُ قَومِ لوطٍ مُؤمِنينَ [920] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/278)، ((تفسير القرطبي)) (13/133)، ((تفسير السعدي)) (ص: 595)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/156). قال القرطبي: (لم يكن فيها مؤمِنٌ إلَّا بيتُ لوطٍ وابنَتاه). ((تفسير القرطبي)) (13/133).   .
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175).
أي: وإنَّ رَبَّك -يا مُحمَّدُ- لهو العزيزُ القاهِرُ الغالِبُ المنتَقِمُ مِن أعدائِه، الرَّحيمُ بعبادِه، فلا يعاجِلُهم بعَذابِه، ومِن رحمتِه أنَّه يُرسِلُ رُسُلًا، ويُنزِلُ معهم ما يُبَيِّنُ به ما يُرضيه وما يُسخِطُه، فلا يُهلِكُ قومًا إلَّا بعد إعذارِهم، ومِن رحمتِه أنَّه يُنجِّي أتْباعَ رُسُلِه [921] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/278)، ((تفسير ابن جرير)) (17/632)، ((تفسير السمرقندي)) (2/565)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/85).   .

الفَوائِدُ التَّربويَّةُ:

1- ينبغي لمُعَلِّمِ النَّاسِ إذا ذَكَر لهم الأبوابَ الممنوعةَ أنْ يَفتحَ لهم الأبوابَ الجائزةَ؛ حتى يَخرجَ الناسُ مِن هذا إلى هذا؛ فبعضُ الناسِ يَذكُرُ الأشياءَ الممنوعةَ يقولُ: «هذا حرامٌ، هذا حرامٌ»، ولا يُبيِّنُ لهم الأبوابَ الجائزةَ، وانظرْ إلى لوطٍ عليه الصلاةُ والسلامُ قال لقَومِه: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ؛ نهاهم عن الممنوعِ، وأرشدَهم إلى الجائزِ [922] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/494).   .
2- في قَولِه تعالى: قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ أنَّه يجبُ على الإنسانِ أنْ يُبغِضَ ما أبغضَه اللهُ؛ لأنَّ هذه طريقةُ الرُّسُلِ [923] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 267).   .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- قال الله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إلى قَولِه سُبحانَه: قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ هذا حالُ أهلِ الفجور؛ أنَّه إذا كان بيْنَهم مَن ينهاهم طلَبوا نفْيَه وإخراجَه [924] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/334).   ! فالآيةُ فيها إشارةٌ إلى أنَّ عادتَهم المستمِرَّةَ نفْيُ مَن اعترَض عليهم [925] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/82).   .
2- في قَولِه تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ دَلالةٌ على أنَّ التَّائبَ مِن عملِ قومِ لوطٍ مِن الجانبينِ، إنْ تابَ تابَ اللهُ عليه؛ فإنَّهم كانوا يفعلونَ الفاحشةَ بعضُهم ببعضٍ، ومعَ هذا فقد دعاهم جميعَهم إلى تقوى الله والتَّوبةِ منها، فلو كانت توبةُ المفعولِ به أو غيرِه لا تُقْبَلُ، لم يأمُرْهم بما لا يُقبَلُ [926] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/408).   ! والخِطابُ وإن كان للفاعِلِ فإنَّه إنَّما خُصَّ به؛ لأنَّه صاحِبُ الشَّهوةِ والطَّلَبِ في العادةِ، بخلافِ المفعولِ به؛ فإنَّه لم تُخلَقْ فيه شَهوةٌ لذلك في الأصلِ، وإن كانت قد تَعرِضُ له لمَرضٍ طارئٍ، أو أجرٍ يأخُذُه مِن الفاعِلِ، أو لغَرضٍ آخَرَ. والله سُبحانَه وتعالى أعلَمُ [927] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/408).   .
3- في قَولِه تعالى: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ تنبيهٌ على أنَّ هذا الفعلَ الفظيعَ مخالِفٌ للفِطرةِ، ولا يقعُ مِن الحيوانِ العَجَمِ! -وذلك على قولٍ في التفسيرِ- فهو عملٌ ابتدعوه ما فَعَله غيرُهم، ونحوُه قولُه تعالى في الآيةِ الأخرى: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ [928] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/179).   [العنكبوت: 28] .
4- في قَولِه تعالى: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ أنَّ مِن بني آدمَ مَن تُقلَبُ طبيعتُه وتُصرَفُ حتى يَستحسِنَ الخبيثَ؛ لأنَّ هؤلاء هذا حالُهم [929] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 266).   .
5- قال الله تعالى: وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ فيه دليلٌ على تحريمِ أدبارِ الزوجاتِ والمملوكاتِ، ومَن أجاز ذلك قد أخطأَ خطأً عظيمًا [930] يُنظر: ((تفسير النسفي)) (2/578).   .
6- قولُه تعالى: وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ فيه زيادةُ الإنكارِ فيما إذا كان للإنسانِ مندوحةٌ عن الحرامِ [931] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 267).   .
7- في قَولِه تعالى: وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إيماءٌ إلى الاستِدلالِ بالصَّلاحيةِ الفِطريةِ لعَمَلٍ على بُطلانِ عَمَلٍ يُضادُّه؛ لأنَّه مُنافٍ للفِطرةِ، فهو مِن تغييرِ الشَّيطانِ وإفسادِه لسُنَّةِ الخلْقِ والتَّكوينِ، قال تعالى حكايةً عنه: وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [932] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/179).   [النساء: 119] .
8- قولُه تعالى: مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ فيه جوازُ الاستِمتاعِ بالزَّوجةِ استمتاعًا مُطلَقًا ما عدا: الدبرَ، والفرجَ في الحيضِ [933] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 260، 267).   .
9- قولُه تعالى: وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ فيه أنه يبتدئُ باللِّينِ في تغييرِ المنكَرِ، فإنْ لم يَنفَعِ انتقلَ منه إلى ما هو أشدُّ؛ ولذلك انتقلَ لوطٌ مِن قولِه: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ إلى قَولِه: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ في مقامِ الذمِّ؛ تغليظًا للإنكارِ بعدَ لينِه [934] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/179).   .
10- أنَّ مَن تجاوزَ الحلالَ إلى الحرامِ فهو عادٍ ظالمٌ لنَفْسِه ولغيرِه؛ لِقَولِه: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ [935] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 267).   .
11- في قَولِه تعالى: قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ دَليلٌ على أنَّ المعانِدينَ للرُّسُلِ إنَّما يَلجؤونَ إلى قوَّتِهم وسُلطتِهم، لا إلى العَقلِ والإقناعِ، وقال ذلك قومُ نوحٍ: قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ [الشعراء: 116] ، وكذلك أيضًا قاله فرعونُ لِموسى عليه السلامُ: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [الشعراء: 29] ، وقاله آزَرُ لابنِه إبراهيمَ: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ [مريم: 46] ، كلُّ هذا ممَّا يدُلُّ على أنَّ هؤلاء الذين يُهَدِّدُون بالسُّلطةِ لا بالإقناعِ والعقلِ؛ هؤلاء لا حُجَّةَ لهم [936] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 267).   .
12- في قَولِه تعالى: رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ أنَّه لا غِنى لأحدٍ عن دُعاءِ اللهِ، وأمَّا قولُ بعضِ العارفِينَ الجاهلِين: «عِلْمُه بحالي، يُغني عن سؤالي» [937] قال ابن تيميَّةَ: (وما يُروى أنَّ الخليلَ لَمَّا أُلقِيَ في المنْجَنيقِ قال له جبريلُ: سَلْ، قال: «حسْبي مِن سؤالي، عِلْمُه بحالي» ليس له إسنادٌ معروفٌ، وهو باطلٌ، بل الذي ثَبَت في الصحيحِ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه قال: «حسْبيَ اللهُ ونِعمَ الوكيلُ»). ((مجموع الفتاوى)) (1/183).   ! فهذا قولٌ باطلٌ؛ فاللهُ يَعلَمُ بحالِ كلِّ أحدٍ، ومع ذلك ما زالتِ الرُّسلُ وأتْباعُهم يَدْعونَ اللهَ تبارك وتعالى [938] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 267).   .
13- في قَولِه تعالى: فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ أنَّ القُرْبَ مِن الأنبياءِ والأولياءِ لا يُغْني الإنسانَ شيئًا؛ لأنَّ هذه زوجةُ نبيٍّ، ومع ذلك هَلَكَت مع مَن هَلكَ، فكَوْنُ الإنسانِ قريبًا مِن إنسانٍ وَلِيٍّ للهِ، لا يفيدُه شيئًا؛ فأبو لهبٍ عمُّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومع ذلك ما نَزَلَ مِن القرآنِ في أحدٍ مُعَيَّنٍ مِن الكُفَّارِ سِوى أبي لهبٍ عمِّ النَّبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ! وما نَزَل القرآنُ في تسميةِ شخصٍ بعَيْنِه مِن المسلمينَ إلَّا في زَيدِ بنِ حارثةَ -مَوْلًى مِن المَوالي- مِن أبعَدِ ما يكونُ عن الرَّسولِ عليه الصلاةُ والسلامُ، وبهذا يَتبيَّنُ أنَّ قُربَ النَّسَبِ وقُربَ المُصاهَرةِ وغيره لا يُغْني عن الإنسانِ شيئًا [939] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 268، 269).   .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالى: إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ
- قولُه: إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ جُعِلَ لُوطٌ عليه السَّلامُ أخًا لقومِه، ولم يكُنْ مِن نسَبِهم، وإنَّما كان نزيلًا فيهم، وهو ابنُ أخي إبراهيمَ عليه السَّلامُ، ولكنَّه لَمَّا استوطَنَ بلادَهم، وعاشَرَ فيهم، وحالَفَهم، وظاهَرَهم؛ جُعِلَ أخًا لهم، وقال تعالى في الآيةِ الأُخرى: وَإِخْوَانُ لُوطٍ [ق: 13] ، وهذا مِن إطلاقِ الأُخُوَّةِ على مُلازَمةِ الشَّيءِ ومُمارَستِه [940] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/178).   .
2- قولُه تعالى: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ
- قولُه: أَتَأْتُونَ استِفهامُ إنكارٍ وتقريعٍ وتوبيخٍ [941] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/183).   .
- والإتيانُ هنا: كِنايةٌ عن وَطْءِ الرجالِ [942] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/183)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/178).   .
3- قولُه تعالى: وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ
- قولُه: وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ هو على حذْفِ مُضافٍ، أي: وتَذَرونَ إتيانَ، فإنْ كان ما خلَقَ لا يُرادُ به العُضوُ؛ فلا بُدَّ مِن تَقديرِ مضافٍ آخَرَ، أي: وتَذرونَ إتيانَ فُروجِ ما خلَقَ [943] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/184).   ؛ ففي قولِه: مَا خَلَقَ لَكُمْ إبهامٌ قد أراد به أَقْبالَهنَّ، وفي ذلك مُراعاةٌ للحِشمةِ والتصَوُّنِ [944] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/121، 122).   .
- وكلمةُ (مِن) في قولِه: مِنْ أَزْوَاجِكُمْ للبَيانِ -إنْ أُريدَ بها جنسُ الإناثِ. وللتبعيضِ -إنْ أُريدَ بها العضوُ المباحُ منهُنَّ-؛ تَعريضًا بأنَّهم كانوا يفعلونَ ذلك بنسائِهم أيضًا [945] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/330)، ((تفسير البيضاوي)) (4/148)، ((تفسير أبي حيان)) (8/184)، ((تفسير أبي السعود)) (6/260).   . وقيل: يتعيَّنُ حَمْلُ (مِن) على البعضيَّةِ؛ فيكونُ المنكَرُ عليهم أمرَيْنِ، كلُّ واحدٍ منهما مُستقِلٌّ بالإنكارِ؛ أحدُهما: إتيانُ الذُّكْرانِ، والثاني: مُجانَبةُ إتيانِ النساءِ في المأتَى؛ رغبةً في إتيانِهنَّ في غيرِه [946] يُنظر: ((تفسير الزمخشري – حاشية ابن المنير)) (3/330).   .
- وبَلْ لإضرابِ الانتِقالِ مِن مَقامِ الموعظةِ والاستدلالِ إلى مَقامِ الذَّمِّ؛ تغليظًا للإنكارِ بعْدَ لينِه [947] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/184)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/178).   .
- وجاء تَصديرُ الجُملةِ بضَميرِ الخِطابِ أَنْتُمْ؛ تَعظيمًا لقُبحِ فِعلِهم، وتنبيهًا على أنَّهم هم مختصُّونَ بذلك، كما تقولُ: أنتَ فعلتَ كذا، أي: لا غيرُكَ [948] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/184).   .
- والإتيانُ بالجُملةِ الاسميَّةِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ دونَ أنْ يقولَ: (بلْ كنتُمْ عادينَ): مبالَغةٌ في تَحقيقِ نسبةِ العُدوانِ إليهم. وفي جعْلِ الخبرِ قَوْمٌ عَادُونَ دُونَ اقتصارٍ على عَادُونَ: تَنبيهٌ على أنَّ العُدوانَ سَجِيَّةٌ فيهم، حتَّى كأنَّه مِن مُقَوِّماتِ قوميَّتِهم [949] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/180).   .
4- قولُه تعالى: قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ فيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، فقولُهم هذا كقَولِ قَومِ نُوحٍ لنُوحٍ عليه السَّلامُ:لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ [الشعراء: 116] ، إلَّا أنَّ هؤلاءِ قالوا: لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ، فهدَّدوهُ بالإخراجِ مِن مَدينتِهم؛ لأنَّه كان مِن غيرِ أهلِ المدينةِ، بلْ كان مُهاجِرًا بيْنَهم، وله صِهْرٌ فيهم [950] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/180).   .
- ولَمَّا كان لِمَا له مِن العَظَمةِ بالنبُوَّةِ والأفعالِ الشَّريفةِ التي توجِبُ إجلالَه وإنكارَ كلِّ مَن يَسمَعُهم أنْ يَخرجَ مِثلُه، زادوا في التأكيدِ فقالوا: لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ [951] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/82).   .
- وصِيغةُ مِنَ الْمُخْرَجِينَ أبلَغُ مِن (لَنُخْرِجَنَّكَ)؛ فهي تُفيدُ أنَّه معدودٌ في زُمْرتِهم، ومشهورٌ بأنَّه مِن جُملتِهم [952] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/180).   ، كأنَّهم يُهدِّدونَه بما هو أعظَمُ ترويعًا له، يعني: إنَّنا أخرَجْنا غيرَك، وستكونُ أنت مِن جملةِ المُخرَجينَ؛ لأنَّ لنا قدرةً وسلطةً على إخراجِك [953] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 262).   .
5- قولُه تعالى: قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ
- قولُه: مِنَ الْقَالِينَ أبلَغُ -أيْ: أقْوَى- مِن أنْ يقولَ: (إنِّي لِعَمَلِكُمْ قالٍ)؛ لدَلالتِه على أنَّه مَعدودٌ في زُمرتِهم، ومشهورٌ بأنَّه مِن جُملتِهم. ويجوزُ أنْ يُريدَ: مِنَ الكاملينَ في قِلاكُمْ. والتَّعريفُ في اللَّامِ على الأوَّلِ: للعَهدِ، وعلى الثاني: للجِنسِ [954] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/331)، ((تفسير البيضاوي)) (4/148)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (11/407)، ((تفسير أبي حيان)) (8/184)، ((تفسير أبي السعود)) (6/261)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/180).   .
- والعُدولُ إلى الصِّفةِ في قَولِه: لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ، وقوله: مِنَ الْقَالِينَ عُدولٌ عن الجُملةِ الفعليَّةِ إلى الصِّفةِ، وكثيرًا ما ورد في القرآنِ -خُصوصًا في هذه السُّورةِ- العُدولُ عن التعبيرِ بالفِعلِ إلى التَّعبيرِ بالصِّفةِ المشتقَّةِ، ثمَّ جَعْلُ الموصوفِ بها واحدًا مِن جمعٍ؛ كقولِ فِرعونَ: لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [الشعراء: 29] ، وأمثالُه كثيرةٌ، والسِّرُّ في ذلك أنَّ التعبيرَ بالفعلِ إنَّما يُفْهِمُ وُقوعَه خاصَّةً، وأمَّا التعبيرُ بالصِّفةِ ثمَّ جَعْلُ الموصوفِ بها واحدًا مِن جمْعٍ؛ فإنَّه يُفهِمُ أمرًا زائدًا على وُقوعِه، وهو أنَّ الصِّفةَ المذكورةَ كالسِّمَةِ للمَوصوفِ ثابتةَ العُلوقِ به، كأنَّها لقَبٌ، وكأنَّه مِن طائفةٍ صارَتْ مِن هذا النوعِ المخصوصِ المشهورِ ببعضِ السِّماتِ الرديئةِ، استمِعْ إلى قولِه تعالى: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ [التوبة: 87] كيف ألحقَهم لقبًا رديئًا، وصيَّرهم مِن نوعٍ رَذْلٍ مشهورٍ بِسِمةِ التخلُّفِ، حتَّى صارت له لقبًا لاصقًا به، وهذا عامٌّ في كلِّ ما يَرِدُ عليكَ وورَدَ فيما مضَى مِن أمثالِ ذلكَ؛ فتدبَّرْه، واقْدُرْه قَدْرَه [955] يُنظر: ((تفسير الزمخشري- حاشية ابن المنير)) (3/330)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (11/407)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/121، 122).   .
6- قولُه تعالى: رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ، أي: مِن عَذابِ ما يَعملونَه؛ ففي الكَلامِ إيجازٌ بالحَذْفِ، وفيه تَعريضٌ بعَذابٍ سيَحِلُّ بهم [956] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/181).   .
7- قولُه تعالى: فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ
- الفاءُ في قولِه: فَنَجَّيْنَاهُ للتَّعقيبِ، أي: كانتْ نَجاتُه عَقِبَ دُعائِه [957] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/181).   .
8- قولُه تعالى: ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (ثمَّ) للتَّراخي الرُّتْبيِّ؛ لأنَّ إهلاكَ المكذِّبينَ أجدَرُ بأنْ يُذْكَرَ في مَقامِ الموعظةِ مِن ذِكْرِ إنجاءِ لوطٍ والمؤمنينَ [958] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/181).   .
9- قولُه تعالى: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ
- سُمِّيَ ما أصابَهم مِنَ الحجارةِ مطرًا؛ لأنَّهُ نزَلَ عليهم مِنَ الجوِّ [959] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/181).   .
- وفي قولِه: الْمُنْذَرِينَ تَسجيلٌ عليهم بأنَّهم أُنذِروا فلَمْ يَنتذِروا [960] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/181).   .