موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


الإسلامُ دينُ الطَّهارةِ والنَّظافةِ، وفي القرآنِ الكريمِ الكثيرُ من الآياتِ الدَّاعيةِ إلى النَّظافةِ والتَّطهُّرِ، وفيها الثَّناءُ على المحافِظين عليهما.
1- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6] ، فذكر اللهُ تعالى طهارةَ الوضوءِ، وهي الطَّهارةُ التي جعَلها اللهُ تعالى شرطًا للدُّخولِ في الصَّلاةِ ومقدِّمةً لها، تُطَهِّرُ البَدَنَ وتُنَشِّطُه؛ فيَسهُلُ بذلك العَمَلُ على العامِلِ من عبادةٍ وغيرِ عبادةٍ، ولمَّا فرغ من طهارةِ الوضوءِ بَيَّنَ طهارةَ الغُسلِ فقال: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَرُوا [9284] ((تفسير المنار)) (6/208، 214). .
ثمَّ قال اللهُ تعالى في ختامِ الآيةِ: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة: 6] ، قولُه: وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ من القَذَرِ والأذى، ومن الرَّذائِلِ والمُنكَراتِ، والعقائدِ الفاسدةِ؛ فتكونوا أنظَفَ النَّاسِ أبدانًا، وأزكاهم نفوسًا، وأصحَّهم أجسامًا، وأرقاهم أرواحًا [9285] ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/ 214). .
2- وقال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222]
إنَّ (الأرحامَ طاهرةٌ من الأذى في أغلَبِ الأوقاتِ؛ فالبَذرُ فيها ممكِنٌ متيسِّرٌ من دونِ أدنى ضُرٍّ ولا خَطَرٍ، اللهُمَّ إلَّا في فترةِ الحيضِ المحدودةِ، ومن تعوَّد على الطَّهارةِ والنَّظافةِ في الجوارحِ والملابِسِ والأنفاسِ يَربَأُ بنفسِه أن يقرَبَ مواقِعَ الأقذارِ والخبائِثِ والأنجاسِ، ولا يُعَرِّضُ نفسَه للأورامِ والأسقامِ التي تتولَّدُ من ذلك، فيتعرَّضُ لها المنحرِفون من النَّاسِ) [9286] ينظر ((التيسير في أحاديث التفسير)) لمحمد المكي الناصري (4/450). .
3- قولُه: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ أي: اغتسَلْنَ بعد انقِطاعِ الدَّمِ [9287] ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/ 215). .
ثمَّ قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المْتُطَهِّرينَ (والتَّطهُّرُ فيه شامِلٌ للطهارتَينِ الحِسِّيَّةِ والمعنويَّةِ، أي: المتطَهِّرين من الأقذارِ والأحداثِ، ومن الفواحِشِ والمُنكَراتِ) [9288] ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/ 215). .
و(فيه مشروعيَّةُ الطَّهارةِ مُطلَقًا؛ لأنَّ اللهَ يُحِبُّ المتَّصِفُ بها) [9289] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 100). .
4- وقال تعالى يحُثُّ رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على النَّظافةِ والطَّهارةِ: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 4] أي: طَهِّرْ ثيابَك من النَّجاساتِ، وطَهِّرْ نفسَك من دَنَسِ الذُّنوبِ، وطَهِّرْ أعمالَك من الشِّركِ والمعاصي؛ فللثِّيابِ إطلاقٌ صريحٌ، وهو ما يَلبَسُه اللَّابسُ، وإطلاقٌ كِنائيٌّ، فيُكنَّى بالثِّيابِ عن ذاتِ صاحِبِها وقَلبِه، وللتَّطهيرِ إطلاقٌ بمعنى التَّنظيفِ وإزالةِ النَّجاساتِ، وإطلاقٌ بمعنى التَّزكيةِ؛ قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33] ، والمعنيان صالحانِ في الآيةِ، فتُحمَلُ عليهما معًا، فتحصَّل أربعةُ معانٍ؛ لأنَّه مأمورٌ بالطَّهارةِ الحقيقيَّةِ لثيابِه؛ إبطالًا لِما كان عليه أهلُ الجاهليَّةِ من عَدَمِ الاكتراثِ بذلك، والطَّهارةِ لجسَدِه بالأَولى [9290] يُنظر: ((الكشاف)) للزمخشري (4/ 645)، ((أنوار التنزيل)) للبيضاوي (5/ 259)، ((البحر المحيط)) لأبي حيان (10/ 325)، ((إرشاد العقل السليم)) لأبي السعود (9/ 55)، ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (29/ 297)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/ 286). .
5- وقال تعالى في الحَثِّ على التَّنظُّفِ عِندَ القدومِ إلى المساجِدِ للصَّلاةِ: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف: 31] .
أي (يا بني آدمَ، كونوا عِندَ أداءِ كُلِّ صلاةٍ على حالةٍ من الزِّينةِ المشروعةِ من ثيابٍ ساترةٍ لعَوراتِكم ونظافةٍ وطهارةٍ ونحوِ ذلك) [9291] ((التفسير الميسر)) (1/ 154). .
6- وقال تعالى في الثَّناءِ على عبادِه الذين يحبُّون التَّطهُّرَ والتَّنظُّفَ: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة: 108] .
قال ابنُ العربيِّ: (الذين كانوا يتطَهَّرون، وأثنى اللهُ عليهم جملةٌ من الصَّحابةِ، كانوا يحتاطون على العبادةِ والنَّظافةِ، فيَمسَحون من الغائِطِ والبَولِ بالحِجارةِ تنظيفًا لأعضائِهم، ويغتَسِلون بالماءِ تمامًا لعبادتِهم، وكمالًا لطاعتِهم) [9292] ((الجامع لأحكام القرآن)) (2/498). .

انظر أيضا: