موسوعة التفسير

سورةُ التَّوبةِ
الآيات (107-110)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ

غريب الكلمات:

ضِرَارًا: أي: مُضارَّةً، وأصلُ (ضرر): خِلافُ النَّفعِ [1819] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 192)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/360)، ((المفردات)) للراغب (ص: 503). .
وَإِرْصَادًا: أي: ترقُّبًا بالعَداوةِ. وَيُقَال أرصدتُ له الشَّيْء، إِذا جعلتَه له عدَّةً. والرَّصَدُ: الاستعداد للترقُّبِ، وأصلُ (رصد): يدلُّ على التهيُّؤِ لرِقْبَةِ شَيءٍ على مَسلَكِه [1820] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 192)، ((تفسير ابن جرير)) (11/674)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص 105)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/400)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 80). .
أُسِّسَ: أي: ابتُدِئ أساسُه، وأصلُ (أس): يدلُّ على الأصلِ والشَّيءِ الوطيدِ الثَّابتِ [1821] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/681)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/14)، ((المفردات)) للراغب (ص: 75). .
شَفَا جُرُفٍ هَارٍ: الشَّفَا: الحرفُ والحَدُّ، ويُضربُ به المثلُ في القربِ مِن الهلاكِ، والجُرُفُ والجُرْفُ: المكان الَّذى يأْكله الماءُ فيجْرُفُه أى: يذهبُ به، وما ينجَرِفُ بالسُّيولِ مِن الأودِيَةِ، وأصلُه مِن الجرفِ والاجْتِرافِ، وهو اقتلاعُ الشَّيءِ مِن أصلِه، والهار: الساقِط، يقال: هارَ البناءُ، وتَهَوَّرَ: إذا سقط، وانْهارَ [1822] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 192)، ((تفسير ابن جرير)) (11/695)، ((المفردات)) للراغب (ص: 847)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 147)، ((تفسير القرطبي)) (8/264). .
رِيبَةً: أي: شكًّا ونِفاقًا، وأصلُ (ريب): يدلُّ على شَكٍّ [1823] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/698)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/463)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 147)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 483). .
تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ: أي: تتصَدَّعَ قُلوبُهم فيَموتوا، وأصلُ (قطع): يدلُّ على صَرمٍ وإبانةِ شَيءٍ مِن شَيءٍ [1824] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/698)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/101)، ((المفردات)) للراغب (ص: 678)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 147). .

المعنى الإجمالي :

يُخبِرُ اللهُ تعالى عن فريقٍ آخر من المُنافِقينَ بَنَوا مسجِدًا في المدينةِ مُضارَّةً للمُؤمنِينَ، ولِمَسجِدِهم الذي يجتَمِعونَ فيه، وكُفرًا باللهِ عَزَّ وجَلَّ، وتَفريقًا بين جماعةِ المُسلِمينَ، وإعدادًا وانتظارًا لِمَجيءِ مَن حاربَ اللهَ ورسولَه مِن قَبلِ بناءِ المَسجِدِ، وقد بيَّنَ اللهُ تعالى أنَّهم مع هذه المقاصِدِ الخَبيثةِ سَيَحلِفونَ لكم- أيُّها المُؤمِنونَ- أنَّهم ما أرادوا مِن بِنائِه إلَّا الحُسنى، واللهُ يشهَدُ إنَّهم لكاذِبونَ.
ثم نهى اللهُ نَبِيَّه أن يُصلِّيَ في مسجِدِ المُنافِقينَ في أىِّ وقتٍ مِن الأوقاتِ، وبيَّنَ أنَّ المسجِدَ الذي أُسِّسَ على تقوى اللهِ مِن أوَّلِ يَومٍ بُنِيَ فيه- أَولى بأنْ يُصَلِّيَ فيه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّ فيه رِجالًا يحبُّونَ أن يتطَهَّروا من النَّجاساتِ والذُّنوبِ، واللهُ يحِبُّ المُتَطَهِّرينَ.
ثمَّ بيَّن تعالى أنه لا يستوي مَن أسَّسَ بُنيانَه على تقوى مِن الله تعالى، ومَن أسَّسَ بُنيانَه على طَرَفِ حُفرةٍ يُوشِكُ أن تنهارَ بما بُنِيَ عليها، فانهارَت الحُفرةُ بالبُنيانِ والباني في نارِ جَهنَّمَ، واللهُ لا يهدي القَومَ الظَّالِمينَ.
وأخبَرَ تعالى أنَّه لا يزالُ مَسجِدُ الضِّرارِ الذي بناه المُنافِقونَ يُورِثُهم شَكًّا ونِفاقًا في قُلوبِهم إلى أن تتصَدَّعَ قُلوبُهم فيموتوا على ذلك، واللهُ عليمٌ حَكيمٌ.

تفسير الآيات:

وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107).
وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا.
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ الله تعالى لَمَّا ذكَرَ طرائِقَ ذَميمةً لأصنافِ المُنافِقينَ أقوالًا وأفعالًا؛ ذكَرَ أنَّ منهم من بالغَ في الشَّرِّ حتى ابتَنى مَجمعًا للمُنافِقينَ، يُدبِّرونَ فيه ما شاؤُوا من الشَّرِّ، وسَمَّوه مَسجِدًا [1825] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/502). ، فقال تعالى:
وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا
أي: ومِنهم- أي المُنافِقينَ- الذين بَنَوا مَسجِدًا في المدينةِ؛ مُضارَّةً للمُؤمِنينَ ولِمَسجِدِهم الذي يجتَمِعونَ فيه، وكُفرًا باللهِ عزَّ وجلَّ [1826] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/672، 674)، ((معاني القرآن)) للزجاج (2/468)، ((تفسير القرطبي)) (8/257)، ((تفسير السعدي)) (ص: 351)، ((البسيط)) للواحدي (11/43). قال الواحدي: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا معطوفٌ على ما قَبْلَه مِن قَولِه: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ [التوبة: 101] وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا [التوبة: 102] وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ [التوبة: 106] أي: ومِنهم آخَرونُ). يُنظَر: ((البسيط)) للواحدي (11/43). .
وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.
أي: وبَنى المُنافِقونَ مَسجِدَهم؛ لأجلِ التَّفريقِ بين جماعةِ المُؤمِنينَ، فيصلِّي بعضُهم في مسجِد، وبَعضُهم في مسجِد آخر، فيتفَرَّقوا ويختَلِفوا بسبب ذلك [1827] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/674)، ((تفسير ابن عطية)) (3/82)، ((تفسير القرطبي)) (8/257)، ((تفسير السعدي)) (ص: 351). قال ابن عطية: (قَولُه بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ يريدُ: بين الجماعةِ التي كانت تصلِّي في مسجِدِ قُباءٍ؛ فإنَّ مَن جاوَزَ مَسجِدَهم كانوا يَصرِفونَه إليه، وذلك داعيةٌ إلى صَرْفِه عن الإيمانِ، وقيل: أراد بقَولِه بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ جماعةَ مسجِدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا بحسَبِ الخِلافِ في المسجِدِ المؤسَّسِ على التَّقوى). ((تفسير ابن عطية)) (3/82). .
وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ.
أي: وبَنَوه كذلك إعدادًا وانتظارًا وترقُّبًا لمَجيءِ مَن حاربَ اللهَ ورسولَه مِن قَبلِ بِناءِ هذا المسجِدِ [1828] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/674)، ((البسيط)) للواحدي (11/46)، ((تفسير ابن عطية)) (3/82)، ((تفسير القرطبي)) (8/257)، ((تفسير ابن كثير)) (4/212)، ((تفسير أبي السعود)) (4/102)، ((تفسير الشوكاني)) (2/458، 459)، ((تفسير السعدي)) (ص: 351)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/30). قال محمد رشيد رضا: (اتَّفَقَ المفَسِّرونَ على أنَّ الذي أغراهم ببناءِ هذا المسجِدِ لهذا الغَرَضِ رجلٌ مِن الخزرَجِ، يُعرَفُ بأبي عامرٍ الرَّاهب، وَعَدَهم بأنْ سيأتيهم بجيشٍ مِن الرُّومِ لقتالِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابِه). ((تفسير المنار)) (11/32). .
وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى.
أي: وسيَحلِفُ لكم المُنافقونَ الذين بَنَوا مسجِدَ الضِّرارِ أنَّهم ما أرادوا ببِنائِه إلَّا الخَيرَ للمُسلمينَ والرِّفقَ بهم؛ إحسانًا إلى الضُّعَفاءِ والعاجِزينَ منهم، بجَعْلِهم مسجِدَ الضِّرارِ أقرَبَ إليهم مِن غَيرِه [1829] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/675)، ((البسيط)) للواحدي (11/47، 48)، ((تفسير ابن كثير)) (4/212)، ((تفسير السعدي)) (ص: 352). .
وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.
أي: واللهُ يَشهَدُ إنَّ المُنافِقينَ لكاذِبونَ في حَلِفِهم ذلك، وإنَّما بَنَوه ضِرارًا، وكُفرًا باللهِ، وتفريقًا بين المُؤمِنينَ، وإرصادًا لِمَن حارَبَ اللهَ ورسولَه [1830] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/675)، ((تفسير ابن كثير)) (4/212)، ((تفسير السعدي)) (ص: 352). .
لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108).
لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا.
أي: لا تُصَلِّ- يا مُحمَّدُ- في مسجِدِ المُنافِقينَ ما عِشْتَ أبدًا [1831] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/681)، ((البسيط)) للواحدي (11/48)، ((تفسير ابن كثير)) (4/212)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/34)، ((تفسير السعدي)) (ص: 352). قال ابن كثير: (قولُه: لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا نهيٌ من الله لرَسولِه، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، والأمَّةُ تبَعٌ له في ذلك، عن أن يقومَ فيه، أي: يصلِّيَ فيه أبدًا). ((تفسير ابن كثير)) (4/212). .
لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ.
أي: لَمسجِدٌ أُسِّسَ بنيانُه على تقوى اللهِ مِن أوَّلِ يَومٍ ابتدَأَ بانُوه في تأسيسِه- وهو مسجِدُ قُباءٍ، ومِثلُه بل أولَى منه في الحُكمِ المَسجِدُ النَّبويُّ- أَولى بأن تقومَ فيه- يا مُحمَّدُ- للصَّلاةِ والعبادةِ [1832] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/681، 685)، ((تفسير ابن عطية)) (3/83)، ((تفسير القرطبي)) (8/259، 261)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (17/468، 469) و(27/406)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/382)، ((تفسير ابن كثير)) (4/212 - 216)، ((تفسير الشوكاني)) (2/459)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/34)، ((تفسير السعدي)) (ص: 352)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/32). واختلف المفسِّرونَ في تحديدِ المرادِ بالمسجِدِ الذي أُسِّسَ على التَّقوى، فقيل: هو مسجِدُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وممَّن اختارَ ذلك: ابنُ جريرٍ، والواحديُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/685)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 481). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ عمرُ بنُ الخطَّاب، وابنُ عمرَ، وزيدُ بنُ ثابتٍ، وأبو سعيدٍ الخدريُّ، وسعيدُ بنُ المسيَّبِ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/682)، ((تفسير ابن كثير)) (4/216). وقيل: هو مسجِدُ قُباءٍ، وممن اختار ذلك: القرطبيُّ، وابنُ تيميةَ، وابنُ القيِّم، وابنُ كثيرٍ، والشوكانيُّ، والسعديُّ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (8/259)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (17/468) (27/406)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/382)، ((تفسير ابن كثير)) (4/212)، ((تفسير الشوكاني)) (2/459)، ((تفسير السعدي)) (ص: 352). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ ابنُ عبَّاسٍ، وعطيةُ العوفيُّ، وابنُ بريدةَ، وابنُ زيدٍ، وعروةُ بنُ الزُّبيرِ، وسعيدُ بنُ جبيرٍ، وقتادةُ، وعروةُ، وأبو سلمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ، والضحَّاكُ، ومقاتلٌ، والشعبيُّ، والحسنُ البصريُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/684)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/298)، ((تفسير ابن كثير)) (4/214). قال ابنُ حجرٍ: (الجمهورُ على أَنَّ المرادَ به مسجدُ قُباءَ، هذا هو ظاهرُ الآيةِ... والحقُّ أنَّ كُلًّا منهما أُسِّس على التَّقوَى، وقولهُ تعالَى في بقيَّةِ الآية: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا يُؤَيِّدُ كونَ المرادِ مسجدَ قُباءَ). ((فتح الباري)) (7/245). قال ابن كثير: (ورد في الحديثِ الصَّحيح: أنَّ مَسجِدَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي هو في جَوفِ المدينةِ، هو المسجِدُ الذي أسِّسَ على التقوَى. وهذا صحيحٌ. ولا منافاةَ بين الآية وبينَ هذا؛ لأنَّه إذا كان مسجِدُ قُباءٍ قد أُسِّسَ على التَّقوى من أوَّلِ يَومٍ، فمسجِدُ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بطريقِ الأَولى والأحرى). ((تفسير ابن كثير)) (4/214). وذهب محمد رشيد رضا إلى أنَّ لفظَ الآيةِ لا يمنَعُ من إرادةِ كُلٍّ مِن المسجِدَينِ. يُنظر: ((تفسير المنار)) (11/34). ويرى ابنُ تيميَّةَ أنَّ الآيةَ وإن كانت قد نزلت بسببِ مَسجِدِ قُباءٍ، إلَّا أنَّ الحُكمَ يتَناوَلُه ويتناوَلُ ما هو أحقُّ منه بذلك، وهو مسجِدُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويتناوَلُ كُلَّ مَسجِدٍ أسِّسَ على التقوى، بخلافِ مَساجِدِ الضِّرارِ. يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (17/469)، ((منهاج السنة النبوية)) (7/74)، وممَّن اختار ذلك: ابنُ عاشور في ((تفسيره)) (11/32). .
عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه، قال: ((دَخَلْتُ على رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بيتِ بعضِ نسائِه، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَيُّ المسجدَيْنِ الَّذي أُسِّسَ على التَّقوَى؟ قال: فأخَذَ كَفًّا مِن حَصْباءَ، فضَرَب به الأرضَ، ثُمَّ قال: هو مَسجِدُكم هذا. لِمسجدِ المدينةِ )) [1833] أخرجه مسلم (1398). والمَزِيَّة الَّتي اقتضَتْ تَعْيِينَ مسجدِه دُونَ مسجدِ قُباءَ لِما اتُّفِقَ مِن طولِ إقامَتِه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بمسجدِ المدينةِ، بخلافِ مسجدِ قُباء، فما أقامَ به إلَّا أيَّامًا قَلائِل، وأيضًا لرفعِ تَوَهُّمِ أنَّ ذلك خاصٌّ بمسجدِ قُبَاء. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (7/245). .
عن أبي سعيدٍ أيضًا قال: ((امترَى رجلٌ مِن بني خدرةَ، ورجلٌ مِن بني عمرِو بنِ عوفٍ في المسجدِ الذي أُسِّس على التقوَى، فقال الخدريُّ: هو مسجدُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقال الآخرُ: هو مسجدُ قباء، فأتيا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ذلك، فقال هو هذا- يعني مسجدَه- وفي ذلك خيرٌ كثيرٌ) ) [1834] أخرجه الترمذي (323 ) واللفظ له، والنسائي (697 )، وأحمد (11178 ). قال الترمذي : حسنٌ صحيحٌ، وصحَّحه الطبري في ((التفسير)) (7/1/39)، وقال ابنُ عبد البر في ((الاستذكار)) (319): ثابتٌ، وصحَّحه ابنُ دقيق العيد في ((الاقتراح)) (123)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (696 ). .
فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ.
أي: في مسجدِ قُباءٍ رِجالٌ من أصحابِ مُحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم يُحبُّونَ أن يتطهَّروا مِن النَّجاساتِ ومِنَ الذُّنوبِ [1835] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/688)، ((تفسير الرازي)) (16/148)، ((تفسير القرطبي)) (8/261)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/34، 35)، ((تفسير السعدي)) (ص: 352)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/33). .
وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ.
أي: واللهُ يُحبُّ المتطَهِّرينَ المُبالِغينَ في الطَّهارةِ مِن النَّجاساتِ، ومِنَ الذُّنوبِ والسَّيِّئاتِ [1836] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/688، 694)، ((البسيط)) للواحدي (11/51)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/35)، ((تفسير السعدي)) (ص: 352). .
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222] .
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ هذا بيانٌ مُستأنَفٌ للفَرقِ بين أهلِ المَسجِدَينِ في مقاصِدِهما منهما: أهلِ مسجِدِ الضِّرارِ الذينَ زادوا به رِجسًا إلى رِجسِهم، وأهلِ مَسجِدِ التَّقوى، وهم الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنصارُه الذين يحبُّونَ أكمَلَ الطَّهارةِ لِظاهِرِهم وباطِنِهم، فاستفادوا بذلك محبَّةَ الله لهم [1837] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/36). .
وأيضا هي تفريعٌ على قَولِه تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ؛ لزيادةِ بَيانِ أحقيَّةِ المسجِدِ المؤسَّسِ على التَّقوى بالصَّلاةِ فيه، وبيانِ أنَّ تَفضيلَ ذلك المسجِدِ في أنَّه حقيقٌ بالصَّلاةِ فيه تفضيلٌ مَسلوبُ المُشاركةِ؛ لأنَّ مَسجِدَ الضِّرارِ ليس حقيقًا بالصَّلاةِ فيه بعدَ النَّهيِ؛ لأنَّ صَلاةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لو وقعَتْ لأكسَبَت مقصِدَ واضِعيه رَواجًا بين الأمَّةِ، وهو غَرَضُهم: التَّفريقُ بين جماعاتِ المُسلِمين [1838] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/33). .
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ.
أي: أيُّ البانِينَ خَيرٌ؛ مَن أسَّسَ بناءَ مَسجِدٍ مُتَّقيًا لله، مُخلِصًا له، طالبًا رِضاه، أم مَن أسَّسَ بناءَ مَسجِدٍ بنفاقٍ وكُفرٍ وضلالٍ، فهو كمَن يبني بناءً على طَرَفِ حُفرةٍ يُوشِكُ أن تنهارَ بما بُنيَ عليها [1839] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/695، 696)، ((الحجة للقراء السبعة)) لأبي علي الفارسي (4/222، 223)، ((البسيط)) للواحدي (11/53)، ((تفسير ابن عطية)) (3/85)، ((تفسير الرازي)) (16/149)، ((تفسير القرطبي)) (8/265)، ((تفسير ابن كثير)) (4/217)، ((تفسير السعدي)) (ص: 352). قال ابن عطية: (وأمَّا البُنيانُ الذي أُسِّسَ على شفا جُرُفٍ هارٍ، فهو مسجِدُ الضِّرارِ بإجماعٍ). ((تفسير ابن عطية)) (3/84). ؟!
عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((صلاةٌ في مسجِدي هذا أفضَلُ مِن ألفِ صَلاةٍ فيما سِواه، إلَّا المسجِدَ الحَرامَ )) [1840] رواه مسلم (1395). .
وعن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ الله عنه، قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تشُدُّوا الرِّحالَ إلَّا إلى ثلاثةِ مَساجِدَ: مسجدي هذا، والمسجِدِ الحَرامِ، والمسجِدِ الأقصى)) [1841] رواه البخاري (1995)، ومسلم (827) واللفظ له. .
وعن سَهلِ بنِ حُنَيفٍ رَضِيَ الله عنه، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من تطَهَّرَ في بيتِه، ثمَّ أتى مسجِدَ قُباءٍ، فصلَّى فيه صلاةً؛ كان له كأجرِ عُمرةٍ)) [1842] أخرجه النسائي (699)، وابن ماجه (1412)، وأحمد (15981). صحَّحه ابنُ تيميةَ في ((الإخنائية)) (143)، والألباني في ((إصلاح المساجد)) (198)، وصحَّح إسنادَه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (1/347)، وقال ابنُ باز، كما في ((الفوائد العلمية من الدروس البازية)) (5/126): جيدٌ حسنُ الإسناد. .
فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.
أي: فانهار الجُرُفُ بالبُنيانِ والباني جميعًا في نارِ جهنَّمَ [1843] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/696)، ((معاني القرآن)) للزجاج (2/470)، ((تفسير الماوردي)) (2/404)، ((البسيط)) للواحدي (11/57، 58)، ((تفسير ابن عطية)) (3/85)، ((تفسير القرطبي)) (8/265). .
وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
أي: واللهُ لا يوفِّقُ هؤلاءِ الذين بَنَوا مسجِدَ الضِّرارِ، ولا يُوفِّقُ غَيرَهم ممَّن يظلِمُ نفسَه بالكُفرِ والنِّفاقِ، لا يوفِّقُهم لِما فيه مصالِحُ دِينِهم ودُنياهم وآخِرتِهم، ما داموا مُقيمينَ على ظُلمِهم [1844] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/85)، ((تفسير أبي السعود)) (4/103، 104)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/38)، ((تفسير السعدي)) (ص: 352)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/35). .
كما قال تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [آل عمران: 86] .
لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110).
لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ.
أي: لا يزالُ مَسجِدُ الضِّرارِ الذي بناه المُنافِقونَ يُورِثُهم نِفاقًا في قلوبِهم، وشَكًّا في الإسلامِ [1845] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/698)، ((معاني القرآن)) للزجاج (2/470)، ((البسيط)) للواحدي (11/59، 60)، ((تفسير ابن عطية)) (3/86)، ((تفسير الرازي)) (16/149)، ((تفسير ابن كثير)) (4/217)، ((تفسير السعدي)) (ص: 352). .
إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ .
أي: حتَّى تتصَدَّعَ قُلوبُهم فيَموتوا على شَكِّهم ونِفاقِهم [1846] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/698)، ((البسيط)) للواحدي (11/60، 61)، ((تفسير ابن كثير)) (4/217)، ((تفسير أبي السعود)) (4/104)، ((تفسير الشوكاني)) (2/460)، ((تفسير الألوسي)) (6/23)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/36). .
وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
أي: واللهُ عليمٌ بكلِّ شيءٍ، ومِن ذلك عِلمُه بأحوالِ المُنافِقينَ، فيعلَمُ ما في قُلوبِهم، وما تصيرُ إليه أمورُهم في الدُّنيا والآخرةِ، حكيمٌ يضَعُ كلَّ شَيءٍ في موضِعِه اللَّائقِ به، ومِن ذلك حِكمَتُه في الحُكمِ على أولئك المُنافِقينَ ومُجازاتهم [1847] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/698)، ((تفسير الرازي)) (16/150)، ((تفسير ابن كثير)) (4/217)، ((تفسير السعدي)) (ص: 352). .

الفوائد التربوية:

1- المَعصيةُ تؤثِّرُ في البِقاعِ، وكذلك الطَّاعةُ تؤثِّرُ في الأماكِنِ؛ نستفيدُ ذلك مِن قَولِ الله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا فقد أثَّرَت معصيةُ المُنافِقينَ في مسجِدِ الضِّرارِ، ونُهِيَ عن القيامِ فيه، وأثَّرَت الطَّاعةُ في مسجِدِ قُباء، حتى قال الله فيه: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [1848] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:351). .
2- كلُّ حالةٍ يحصُلُ بها التَّفريقُ بين المُؤمِنينَ، فإنَّها من المعاصي التي يتعيَّنُ تَركُها وإزالتُها، كما أنَّ كُلَّ حالةٍ يحصُلُ بها جمعُ المُؤمِنينَ وائتِلافُهم، يتعَيَّنُ اتِّباعُها والأمرُ بها والحثُّ عليها؛ نستفيدُ ذلك مِن قَولِ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا فعلَّلَ اللهُ اتِّخاذَهم لمسجدِ الضِّرارِ بهذا المقصِدِ المُوجِبِ للنَّهيِ عنه، كما يوجِبُ ذلك الكُفرُ والمُحاربةُ للَّه ورَسولِه [1849] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:351). .
3- العَملُ- وإن كان فاضلًا- تُغيِّرُه النيَّةُ الفاسِدةُ، فينقلِبُ منهيًّا عنه؛ نستفيدُ ذلك من قولِ الله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا فقَلَبَت نيَّةُ أصحابِ مَسجِدِ الضِّرارِ عمَلَهم إلى هذه الحالِ [1850] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 351). .
4- مِن أعظَمِ خِصالِ النِّفاقِ العَمَليِّ: أن يعمَلَ الإنسانُ عمَلًا، ويُظهِرُ أنَّه قصَدَ به الخيرَ، وإنَّما عَمِلَه ليتوصَّلَ به إلى غرَضٍ له سيِّئٍ، فيتِمُّ له ذلك، ويتوصَّلُ بهذه الخديعةِ إلى غَرَضِه، ويفرَحُ بمَكرِه وخِداعِه، وحَمْدِ النَّاسِ له على ما أظهَرَه، وتوصَّلَ به إلى غرَضِه السيِّئِ الذي أبطَنَه، وهذا قد حكاه اللهُ في القرآنِ عن المنافقينَ، فقال تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [1851] يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/493). .
5- قَولُه تعالى: وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ يدلُّ على أنَّ المقصِدَ الأكبَرَ والغرَضَ الأظهَرَ مِن وضْعِ الجماعةِ: تأليفُ القُلوبِ والكَلِمةِ على الطَّاعةِ، وعقدُ الذِّمامِ والحُرمةِ بفِعلِ الدِّيانةِ حتى يقَعَ الأُنسُ بالمُخالطةِ، وتصفوَ القُلوبُ مِن وَضَرِ الأحقادِ [1852] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (8/257). .
6- الطَّاعةُ لا تكونُ طاعةً إلَّا عند الرَّهبةِ والرَّغبةِ؛ نَستفيدُ ذلك مِن قَولِ اللهِ تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ أي: للخَوفِ مِن عقابِ اللهِ، والرَّغبةِ في ثوابِه [1853] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (16/148). .
7- العملُ المبنيُّ على الإخلاصِ والمُتابَعةِ، هو العمَلُ المؤسَّسُ على التَّقوى، الموصِلُ عامِلَه إلى جنَّاتِ النَّعيمِ، والعمَلُ المبنيُّ على سوءِ القَصدِ وعلى البِدَعِ والضَّلالِ، هو العمَلُ المؤسَّسُ على شَفا جُرُفٍ هارٍ، فانهار به في نارِ جهنَّمَ؛ يُبَيِّنُ ذلك قولُ الله تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ [1854] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:351). .
8- قال الله تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ في هذه الآيةِ دليلٌ على أنَّ كُلَّ شَيء ابتُدِئَ بنيَّةِ تَقوى اللهِ تعالى والقَصدِ لِوَجهِه الكريمِ، فهو الذي يَبقى ويسعَدُ به صاحِبُه، ويصعَدُ إلى اللهِ ويُرفَعُ إليه [1855] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (8/265). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا فيه أنَّ اتِّخاذَ المسجِدِ الذي يُقصَدُ به الضِّرارُ لِمَسجِدٍ آخَرَ بِقُربِه- مُحَرَّمٌ، ويجِبُ هدمُ مَسجِدِ الضِّرارِ، الذي اطُّلِعَ على مقصودِ أصحابِه [1856] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:351). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا فيه النَّهيُ عن الصَّلاةِ في أماكِنِ المَعصيةِ، والبعدُ عنها، وعن قُربِها [1857] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:351). .
3- كلُّ عمَلٍ فيه مُضارَّةٌ لِمُسلمٍ، أو فيه معصيةٌ لله، أو فيه تفريقٌ بين المُؤمِنينَ، أو فيه مُعاونةٌ لِمَن عادى اللهَ ورَسولَه؛ فإنَّه مُحرَّمٌ مَمنوعٌ منه، وعَكسُه بِعَكسِه؛ نستفيدُ ذلك مِن قَولِ الله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا [1858] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:351). .
4- قال تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ يَدخُلُ في معنى مسجدِ الضِّرارِ: مَن بنى أبنيَةً يُضاهي بها مساجدَ المُسلِمينَ لِغَيرِ العباداتِ المَشروعةِ؛ مِن المَشاهِدِ وغَيرِها، لا سيَّما إذا كان فيها مِن الضِّرارِ والكُفرِ والتَّفريقِ بين المُؤمِنينَ، والإرصادِ لأهلِ النِّفاقِ والبِدَعِ المُحَادِّينَ للَّه ورَسولِه- ما يَقْوَى بها شَبَهُها [1859] يُنظر: ((اقتضاء الصراط المستقيم)) لابن تيمية (2/341). .
5- حرَقَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مسجِدَ الضِّرارِ، وأمَرَ بِهَدمِه، وهو مسجِدٌ يُصَلَّى فيه، ويُذكَرَ اسمُ الله فيه؛ لَمَّا كان بناؤُه ضِرارًا، وتفريقًا بين المُؤمِنينَ، ومأوًى للمُنافِقينَ، وكلُّ مكانٍ هذا شأنُه فواجِبٌ على الإمامِ تَعطيلُه؛ إمَّا بهَدمٍ وتَحريقٍ، وإمَّا بتَغييرِ صُورتِه، وإخراجِه عمَّا وُضِعَ له، وإذا كان هذا شأنَ مَسجِدِ الضِّرارِ، فمَشاهِدُ الشِّركِ- التي تدعو سَدَنتُها إلى اتِّخاذِ مَن فيها أندادًا مِن دُونِ اللهِ- أحقُّ بالهَدمِ وأوجَبُ، وكذلك مَحالُّ المعاصي والفُسوقِ، كالحاناتِ وبيوتِ الخمَّارينَ وأربابِ المُنكَراتِ [1860] يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (3/500). .
6- قَولُ الله تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى يتناوَلُ مَسجِدَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومسجِدَ قُباءٍ، ويتناوَلُ كُلَّ مَسجِدٍ أُسِّسَ على التَّقوى بخلافِ مَساجِدِ الضِّرارِ؛ ولهذا كان السَّلَفُ يكرهونَ الصَّلاةَ فيما يُشبِهُ ذلك، ويَرَونَ العَتيقَ أفضَلَ مِن الجَديدِ؛ لأنَّ العتيقَ أبعَدُ عن أن يكونَ بُنِيَ ضِرارًا من الجديدِ الذي يُخافُ ذلك فيه، وعتقُ المسجِدِ ممَّا يُحمَدُ به؛ ولهذا قال: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وقال: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ للنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ فإنَّ قِدَمَه يقتضي كثرةَ العبادةِ فيه أيضًا [1861] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (17/469). .
7- قَولُه تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ دليلٌ على استحبابِ الصَّلاةِ في المساجِدِ القَديمةِ المؤسَّسةِ مِن أوَّلِ بِنائِها على عبادةِ اللهِ وَحدَه لا شريكَ له، وعلى استحبابِ الصَّلاةِ مع جماعةِ الصَّالِحينَ، والعبادِ العاملينَ المُحافِظينَ على إسباغِ الوُضوءِ، والتنَزُّه عن مُلابَسةِ القاذُوراتِ [1862] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/216). .
8- قَولُ الله تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ مِن جليلِ المَنازِعِ من هذه الآيةِ ما فيها من حُجَّةٍ لصِحَّةِ آراءِ أصحابِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ إذ جَعَلوا العامَ الذي كان فيه يومُ الهِجرةِ مبدَأَ التَّاريخِ في الإسلامِ. حينما شاوَر عمرُ الصحابةَ في التاريخِ، فاتَّفق رأيُهم أن يكونَ التاريخُ مِن عامِ الهجرةِ؛ لأنَّه الوقتُ الذي عزَّ فيه الإسلامُ، وأمِن فيه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فوافَق هذا ظاهرَ التنزيلِ [1863] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/32). .
9- قال تعالى: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا أُطلِقَت المحبَّةُ في قَولِه: يُحِبُّونَ كنايةً عن عمَلِ الشَّيءِ المَحبوبِ؛ لأنَّ الذي يُحِبُّ شيئًا مُمكِنًا يعمَلُه لا محالةَ، فقَصَدَ التَّنويهَ بهم بأنَّهم يتطَهَّرونَ؛ تَقَرُّبًا إلى اللهِ بالطَّهارةِ، وإرضاءً لِمَحبَّةِ نُفوسِهم إيَّاها، بحيث صارت الطَّهارةُ خُلُقًا لهم، فلو لم تَجِبْ عليهم لفَعَلوها مِن تِلقاءِ أنفُسِهم [1864] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/33). .
10- قال أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ حاصِلُ الكلامِ أنَّ أحَدَ البِناءَينِ قَصَدَ بانيه ببِنائِه تَقوى اللهِ ورِضوانَه، والبناءُ الثَّاني قصَدَ بانيه ببنائِه المعصيةَ والكُفرَ، فكان البِناءُ الأوَّلُ شَريفًا واجِبَ الإبقاءِ، وكان الثَّاني خسيسًا واجِبَ الهَدمِ [1865] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (16/149). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ
قوله: لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا فيه نهيٌ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وللمُؤمنينَ بالتَّبَعِ، مؤكَّدٌ بلفظِ الأبَدِ الذي يستغرِقُ الزَّمَنَ المُستقبَلَ [1866] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/34). .
قولُه: أَحَقُّ اسمُ تفضيلٍ، ولكنَّه هنا غيرُ مُرادٍ منه المفاضَلةُ؛ لأنَّ النَّهيَ عَن صلاتِه في مَسجِدِ الضِّرارِ أزال كونَه حَقيقًا بصَلاتِه فيه أصلًا، ونُكْتةُ الإتيانِ باسْمِ التَّفضيلِ أنَّه تَهكَّم على المنافِقين بمُجاراتِهم ظاهِرًا في دَعوتِهمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للصَّلاةِ فيه، بأنَّه- وإن كان حَقيقًا بصَلاتِه بمسجِدٍ أُسِّس على التَّقْوى- أحقُّ منه، فيُعرَفُ مِن وصفِه بأنَّه أُسِّس على التَّقْوى أنَّ هذا أُسِّس على ضِدِّها [1867] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/31). ، وقيل: إنما قال: أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ مع أنَّه لا يجوزُ قِيامُه في الآخَرِ؟ لأنَّ المعنى أنَّه لو كان ذلك جائزًا لكان هذا أَولى؛ للسَّبَبِ المذكورِ [1868] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (16/148). .
قولُه: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا جملةٌ مُستأنَفةٌ مبيِّنةٌ لأحقِّيَّتِه بقِيامِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فيه؛ مِن جهةِ الحالِ، بعدَ بَيانِ أحقِّيَّتِه به مِن حيثُ المحَلُّ [1869] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/102). .
وأيضًا في قولِه: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ثناءٌ على مُؤمِني الأنصارِ الذين يُصلُّونَ بمسجدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وبمَسجدِ قُباءٍ، وفيه تعريضٌ بأنَّ أهلَ مسجِدِ الضِّرارِ ليسوا كذلك [1870] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/32). .
قولُه: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ تذييلٌ مُناسِبٌ للمَقامِ، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ نُفوسَهم وافَقَت خُلقًا يُحِبُّه اللهُ تعالى، وكَفى بذلك تنويهًا بزَكاءِ أنفُسِهم [1871] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/33). .
2- قولُه تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
قولُه: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ... تفريعٌ على قولِه: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِن أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ؛ لزِيادةِ بَيانِ أحقِّيَّةِ المسجِدِ المؤسَّسِ على التَّقوى بالصَّلاةِ فيه [1872] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/33). .
قولُه: وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ تذييلٌ، وهو عامٌّ يَشمَلُ هؤلاءِ الظَّالِمين الَّذين بنَوْا مسجِدَ الضِّرارِ وغيرَهم [1873] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/35). ؛ قيل: وفيه طعنٌ على هؤلاءِ المنافِقين وإشارةٌ إليهِم، والمعنى: لا يَهْديهم مِن حيثُ هُم الظَّالمون، أو يَكونُ المرادُ الخُصوصَ فيمَن يُوافي على ظُلمِه [1874] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/86). .
3- قولُه تعالى: لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
قولُه: لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا فيه وصفُ البُنيانِ بالموصولِ الَّذي صِلَتُه فِعْلُه الَّذِي بَنَوْا؛ للإيذانِ بكيفيَّةِ بِنائِهم له وتَأسيسِه على أوهَنِ قاعدةٍ، وأوهى أساسٍ، وللإشعارِ بعِلَّةِ الحُكمِ، أي: لا يَزالُ مَسجِدُهم ذلك مَبنيًّا ومَهْدومًا [1875] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/104). . وأيضًا في ذِكْر قولِه: الَّذِي بَنَوْا بعدَ بُنْيانُهُمُ تأكيدٌ وتصريحٌ بأمرِ المسجِدِ، ورفعٌ للإشكالِ [1876] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/86)، ((تفسير أبي حيان)) (5/507). .
وجُعِلَ نفسُ ذلك البُنيانِ رِيبةً؛ لِكَونِه سببًا للرِّيبةِ [1877] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (16/149). .