موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا استيقظ أحدُكم من نومِه فلا يغمِسْ يَدَه في الإناءِ حتَّى يغسِلَها ثلاثًا؛ فإنَّه لا يدري أين باتَت يدُه)) [9293] أخرجه مسلم (278). .
إنَّ (أعلى درَجاتِ النَّظافةِ وأسمى مراتِبِ الطَّهارةِ أن تطلُبَ من النَّظيفِ أن يزدادَ، وأن تُكَلِّفَ بالمتوَهَّمِ للاحتياطِ، هذا هَدَفُ الحديثِ الشَّريفِ، وما يدعو إليه دينُنا الحنيفُ؛ إذ يَطلُبُ من المُسلِمِ إذا استيقظ من نومِه ألَّا يُدخِلَ يَدَه في ماءٍ أو إناءٍ فيه مائعٌ أو سائِلٌ، حتى يغسِلَها ثلاثَ مرَّاتٍ، قَلَّ نومُه أو كَثُر، فَخُر فِراشُه أو حَقُر، غَسَل يَدَه قَبلَ النَّومِ أو لم يغسِلْها؛ فإنَّه لا يدري إلى أين تحرَّكت يدُه أثناءَ نومِه، وعلى أيِّ موضعٍ من جِسمِه وقَعَت، وإلى أيِّ القاذوراتِ تعَرَّضَت، قد تكونُ احتكَّت بمناعِمِ الجِسمِ بَيْنَ الفَخِذين أو تحتَ الإبْطِ فعَلِقَ بها عَرَقٌ خبيثٌ، أو ريحٌ كَريهٌ، وقد تكون قد دلكَت مداخِلَ الأنفِ أو إفرازاتِ العينِ، أو صماخَ الأذنِ، فأصابها ما لو وُضِع في الإناءِ لأذاه، ومبدأُ الإسلامِ الحِرصُ على طهارةِ اليَدِ، وطهارةِ الماءِ، وليس القَصدُ طهارةَ الماءِ لصلاحيتِه للوُضوءِ فقط، بل لصلاحيتِه كذلك للشُّربِ، ولا شَكَّ أنَّ غَمسَ اليدِ في الإناءِ بعدَ القيامِ من النَّومِ، وقَبلَ غَسلِها ثلاثَ مرَّاتٍ، يجعَلُه أمامَ النُّفوسِ الأبيَّةِ ملوَّثًا تعافُ النَّفسُ شُربَه، وتشمَئِزُّ من رؤيةِ من يَشرَبُه، وإذا كان حُكمُ الإسلامِ غَسلَ يدَيِ المستيقِظِ من النَّومِ قبل غَمسِها، كان نفسُ الحُكمِ لِمَن شَكَّ في نجاسةِ يَدِه بدونِ نَومٍ من بابِ أَولى؛ فلْنَغسِلِ اليدَ بالصَّبِّ عليها ثلاثَ مرَّاتٍ قبلَ إدخالِها الإناءَ، ولْنَحمَدِ اللهَ على هذا التَّوجيهِ السَّديدِ) [9294] ((فتح المنعم شرح صحيح مسلم)) لموسى لاشين (2/218-219). .
2- وعن أبي مالكٍ الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ)) [9295] أخرجه مسلم (223) مطوَّلًا. .
قال النَّوويُّ: (اختُلِف في معنى قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ))؛ فقيل: معناه: أنَّ الأجرَ فيه ينتهي تضعيفُه إلى نصفِ أجرِ الإيمانِ، وقيل: معناه: أنَّ الإيمانَ يجُبُّ ما قبلَه من الخطايا وكذلك الوضوءُ؛ لأنَّ الوضوءَ لا يَصِحُّ إلَّا مع الإيمانِ، فصار لتوقُّفِه على الإيمانِ في معنى الشَّطرِ، وقيل: المرادُ بالإيمانِ هنا: الصَّلاةُ، كما قال اللهُ تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة: 143] والطَّهارةُ شَرطٌ في صِحَّةِ الصَّلاةِ، فصارت كالشَّطرِ، وليس يَلزَمُ في الشَّطرِ أن يكونَ نِصفًا حقيقيًّا، وهذا القولُ أقرَبُ الأقوالِ، ويحتَمِلُ أن يكونَ معناه: أنَّ الإيمانَ تصديقٌ بالقلبِ، وانقيادٌ بالظَّاهِرِ، وهما شَطرانِ للإيمانِ، والطَّهارةُ متضمِّنةٌ الصَّلاةَ، فهي انقيادٌ في الظَّاهِرِ) [9296] ((شرح النووي على مسلم)) (3/100-101). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (الطُّهورُ: يعني بذلك طهارةَ الإنسانِ، شَطرُ الإيمانِ: أي: نِصفُ الإيمانِ، وذلك لأنَّ الإيمانَ تخليةٌ وتحليةٌ، أي: تبرُّؤٌ من الشِّركِ والفُسوقِ، تبَرُّؤٌ من المُشرِكين، والفُسَّاقِ بحَسَبِ ما معهم من الفِسقِ، فهو تخَلٍّ، وهذا هو الطُّهورُ؛ أن يتطهَّرَ الإنسانُ طهارةً حِسِّيَّةً ومعنويَّةً من كُلِّ ما فيه أذًي؛ فلهذا جعَله النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ شَطرَ الإيمانِ) [9297] ((شرح رياض الصالحين)) (1/187-188). .
3- وعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَدخُلُ الجنَّةَ مَن كان في قَلبِه مِثقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبرٍ، قال رجلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يحِبُّ أن يكونَ ثوبُه حَسَنًا ونَعلُه حَسَنةً! قال: إنَّ اللهَ جميلٌ يُحِبُّ الجَمالَ)) [9298] أخرجه مسلم (91). .
(قولُه: ((يحِبُّ الجَمالَ)) أي: يحِبُّ التَّجمُّلَ، يعني: أنَّه يحِبُّ أن يتجَمَّلَ الإنسانُ في ثيابِه، وفي نَعلِه، وفي بدَنِه، وفي جميعِ شُؤونِه؛ لأنَّ التَّجمُّلَ يجذِبُ القُلوبَ إلى الإنسانِ، ويحبِّبُه إلى النَّاسِ، بخلافِ التَّشوُّهِ الذي يكونُ فيه الإنسانُ قبيحًا في شَعرِه أو في ثَوبِه أو في لِباسِه) [9299] ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/542). .
4- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اتَّقوا اللَّعَّانَينِ، قالوا: وما اللَّعَّانانِ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الذي يتخَلَّى في طريقِ النَّاسِ، أو في ظِلِّهم)) [9300] أخرجه مسلم (269). .
و(المتخَلِّي في طُرُقاتِ النَّاسِ وأماكِنِ جُلوسِهم متعَدٍّ عليهم مُؤذٍ ظالِمٌ لهم، فهو داخِلٌ في لَعنِ اللهِ للظَّالِمين، وشأنُ النَّاسِ عندما يجِدون القَذَرَ في طرقاتِهم وأماكِنِ جُلوسِهم أن يلعَنوا من آذاهم بذلك، وهم مظلومون منه، فيكونُ لعنُهم من دعوةِ المظلومِ، ودعوةُ المظلومِ مُستجابةٌ؛ فصار المتخَلِّي قد أوقع نفسَه في لعنةِ اللهِ ولعنةِ النَّاسِ المظلومين، والذَّنبُ الذي يؤدِّي إلى هذا اللَّعنِ لا يكونُ إلَّا من الكبائِرِ، فالتَّخلِّي في طريقِ النَّاسِ أو في ظِلِّهم كبيرةٌ من الكبائِرِ) [9301] ((مجالس التذكير من حديث البشير النذير)) (ص: 145). .
وأيضًا فالتَّفريطُ في مِثلِ هذه المنهيَّاتِ هو أساسُ انتشارِ الأمراضِ المتوطِّنةِ لدينا نحن المُسلِمين؛ إذ إنَّ العوامَّ استهانوا بها فجَرَّت عليهم الوبالَ، ولو أنَّ المُسلِمين أخذوا بهذه الآدابِ لنَجَوا من غوائِلِ الأدواءِ التي هدَّت قواهم، وأنهكَت قُراهم، وجشَّمَتْهم العَنَتَ الكبيرَ [9302] يُنظَر: ((خلق المسلم)) لمحمد الغزالي (ص: 147). .
5- وعن أبي بَرْزةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((قلتُ: يا نبيَّ اللهِ، عَلِّمْني شيئًا أنتَفِعُ به، قال: اعزِلِ الأذى عن طريق المُسلِمين)) [9303] أخرجه مسلم (2618). .
قولُه: ((اعزِلْ)) من العَزلِ: التَّنْحية. و((الأذى)) هو ما يؤذي كالشَّوكِ والحَجَرِ والنَّجاسةِ [9304] ينظر ((التنوير في شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (2/475). .
وعن أبي هُرَيرةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الإيمانُ بِضعٌ وسَبعون -أو بِضعٌ وسِتُّون- شُعبةً، فأفضَلُها قولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطَّريقِ، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمانِ)) [9305] أخرجه البخاري (9) مختصرًا ومسلم (35) واللفظ له. .
وإماطةُ الأذى، أي: تنحيتُه، وهو ما يؤذي في الطَّريقِ؛ كالشَّوكِ، والحَجَرِ، والنَّجاسةِ، ونَحوِها [9306] ((حاشية السيوطي على سنن النسائي)) (8/ 110). .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ويميطُ الأذى عن الطَّريقِ صَدَقةٌ)) [9307] أخرجه البخاري (2989)، ومسلم (1009). .

انظر أيضا: