موسوعة التفسير

سُورةُ المائِدَةِ
الآية (6)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ

غريب الكلمات:

الْمَرَافِقِ: جمْع مِرْفَق، وهو مَوْصِلُ الذِّراعِ في العَضُد، وسُمِّي مِرفقًا؛ لأنَّه يُستراحُ في الاتِّكاءِ عليه؛ يُقال: ارتفق الرَّجُل: إذا اتَّكأ على مِرفقِه في جُلوسِه [212] يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (4/1482)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/418). .
جُنُبًا: أي: إنْ أصابتْكم الجَنابة؛ سُمِّيت الجنابةُ بذلك؛ لكونِها سببًا لتجنُّب الصلاةِ في حُكم الشَّرعِ، وأصل (جنب): البُعد [213] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/483)، ((المفردات)) للراغب (ص: 206). .
الْغَائِطِ: هو كنايةٌ عن قَضاءِ الحاجةِ؛ والغائطُ المطمئِنُّ من الأرضِ، وجُعِلَ كنايةً عن قضاءِ الحاجةِ؛ لأنَّهم كانوا إذا أرادوا قَضاءَ الحاجةِ أتَوْا غائطًا من الأرضِ، ففَعلوا ذلِك فيه؛ فقِيل لكلِّ مَن قضَى حاجتَه: مُتغوِّط، وأُطْلِقَ الغائطُ على العَذِرَة نفْسِها. وأصْل (غوط): يدلُّ على اطمئنانٍ وغورٍ [214] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 127)، ((تفسير ابن جرير)) (7/62)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (1/349)، ((الصحاح)) للجوهري (3/1147)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/402). .
فَتَيَمَّمُوا: اقصِدوا وتَعمَّدوا، وأصلُ التيمُّم: قصْدُ الشيء وتعمُّده [215] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 127)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/30) (6/152)، ((المفردات)) للراغب (ص: 893)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 139). .
صَعِيدًا: ترابًا، والصَّعيد: الغُبار الذي يَصعَد؛ من الصُّعود، ويُطلق أيضًا على وجْه الأرض [216] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 127)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (1/298)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/435)، ((المفردات)) للراغب (ص: 484)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 139). .
حَرَجٍ: أي: ضِيق وإثم، وأصل الحرَج: تجمُّع الشيء وضيقُه [217] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 130)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/50)، ((المفردات)) للراغب (ص: 226)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (1/67). .

مشكل الإعراب:

قوله: وَأَرْجُلَكُمْ: قُرِئ بالنَّصب والجرِّ؛ فعلى قِراءةِ النَّصْب تكون معطوفةً على الوجوه والأيدي في فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ؛ أي: فاغْسلوا وجوهَكم وأيديَكم وأرجلَكم. وقيل: هي معطوفةٌ على موضِع بِرُؤوسِكُمْ، والأوَّل أقوى؛ لأنَّ العطفَ على اللفظ أقوى من العَطف على الموضِع. وأمَّا على قِراءة الجرِّ- وهي مشهورةٌ كشهرة النَّصب- فإنَّها تُعرَب على الجوارِ؛ فتكون معطوفةً على بِرُؤوسِكُمْ في الإعرابِ، والحُكم مختلفٌ؛ فالرؤوسُ ممسوحةٌ، والأرجلُ مغسولةٌ، ويُمكِنُ أنْ تكونَ مَعطوفةً على بِرُؤُوسِكُمْ لفظًا ومعنًى، أي: إعرابًا وحُكمًا، ويُحمَل مَسْحُ الأَرْجُلِ على بَعضِ الأحوالِ، وهو لُبْسُ الخُفِّ، وقيل غيرُ ذلك [218] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/219)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/422)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/209 : 216)، ((إعراب القرآن الكريم)) للدعاس (1/244). .

المعنى الإجمالي:

يَأمُر اللهُ تعالى عِبادَه المؤمنين إذا أرادوا القيامَ إلى الصَّلاةِ أن يَغسِلوا وجوهَهم، وأيديَهم من أطرافِ الأصابِعِ إلى المِرفقينِ، وأن يَمْسحوا جميعَ الرأسِ، ويَغسِلوا أرجلَهم مِن أطرافِ الأصابِعِ إلى الكَعبينِ، ويأمُرهم سبحانه- إنْ أصابتْهم جَنابةٌ- أن يَغتسِلوا إذا ما أرادوا القيامَ إلى الصَّلاة، وإنْ كانوا مَرْضَى يتعذَّرُ عليهم استعمالُ الماء، أو مُسافرين، أو قَضَى أحدهم حاجتَه من بولٍ أو غائط، أو لامَس النِّساءَ، ولم يجدْ ماءً لِيتطهَّرَ به، فلْيقصدْ وجهَ الأرضِ الطاهرَ النَّظيفَ، ولْيَمْسح منه وجهَه وكفَّيه، ثم أخبر تعالى أنَّه شرَع هذه الأحكامَ حتى لا يجعلَ الناسَ في عُسرٍ وحَرَجٍ، فالله سبحانه يُريد أن يُطهِّر عبادَه ظاهرًا بما شرَعه من الوضوءِ والغُسل والتيمُّم، وباطنًا بتكفيرِ السيِّئات، ويُريدُ سبحانه أن يُتِمَّ نِعمتَه على عبادِه بإكمالِ الشَّرائِعِ، وتسهيلها عليهم؛ لعلَّهم يَشْكُرونَه على ذلِك.

تفسير الآية:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا افتتَح اللهُ تعالى السُّورةَ بالأمْرِ بإيفاءِ العهودِ، وذكَر تحليلًا وتحريمًا في المطعَمِ والمنكَحِ، واستقصى ذلك، وكان النوعانِ معاملاتٍ دُنيويَّةً بين النَّاس بعضِهم من بعضٍ، استطرَد منها إلى المعاملاتِ الأُخرويَّة التي هي بين العبدِ وربِّه سبحانه وتعالى، ولَمَّا كان أفضلُ الطاعاتِ بعد الإيمانِ الصَّلاةَ، والصلاةُ لا تُمكن إلَّا بالطَّهارةِ، بدأَ بالطَّهارةِ [219] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/296)، ((تفسير أبي حيان)) (4/187). .
وأيضًا قد افتتَحَ الله سبحانه السورةَ بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ؛ والعهد نوعان: عهدُ الربوبيَّةِ من الله، وعهد العبوديَّة من العباد، فقدَّم الوفاءَ بعهد الربوبيَّة والكَرَم، ولَمَّا كانت منافِعُ الدُّنيا محصورةً في نوعينِ: لذَّات المطعم، ولذات المنكَح، فاستقصى سبحانَه في بيان ما يَحِلُّ ويَحرُم من المطاعِم والمناكِحِ، ولَمَّا كانت الحاجةُ إلى المطعومِ فوقَ الحاجَةِ إلى المنكوحِ، لا جرَم قدَّمَ بيانَ المطعوم على المنكوح، وعندَ تمامِ البيان كأنَّه يقول: قد وفيتُ بعهدِ الربوبيَّة فيما يُطلَب في الدُّنيا من المنافِعِ واللذَّات، فاشتغِلْ أنت في الدُّنيا بالوفاءِ بعهدِ العبوديَّة، فلمَّا كان أعظمُ الطَّاعاتِ بعد الإيمان الصلاةَ، ولا يمكن إقامتُها إلَّا بالطَّهارةِ لا جرَم بدأَ الله تعالى بذِكر شرائِطِ الوضوء [220] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/296)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/182)، ((تفسير ابن عادل)) (7/216). .
وأيضًا لَمَّا ذَكَرَ ما يتعلَّق بالمطعَم والمنكَحِ، وكان الحَدَثان (الأصغر والأكبر) اللَّذان هما سببُ الطَّهارتين هما أثَرُ الطَّعامِ والنِّكاحِ، فلولا الطعامُ لَمَا كان الغائطُ الموجِبُ للوضوء، ولولا النكاحُ لَمَا كانت ملامسةُ النِّساءِ الموجِبة للغُسل [221] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/182). ؛ لذا قال سبحانه:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ.
أي: يا أيُّها المؤمنونَ، إذا أردتُم القيامَ إلى الصَّلاةِ [222] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/152)، ((تفسير ابن كثير)) 2/43-44)، ((تفسير السعدي)) (ص: 222)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/85). قال ابنُ كثير: (قال آخَرون:... الآية آمرةٌ بالوضوء عند القيام إلى الصَّلاة، ولكن هو في حقِّ المُحدِث على سبيل الإيجاب، وفي حقِّ المتطهِّر على سبيل النَّدبِ والاستحباب) ((تفسير ابن كثير)) (2/43). .
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ.
أي: فاغْسلوا الوجهَ، وهو ما تحصُلُ به المواجهةُ، من مَنابِتِ شَعرِ الرَّأس المعتاد، إلى ما انحدَر من اللَّحيينِ والذَّقن طولًا، ومِن الأُذنِ إلى الأُذُن عَرضًا [223] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/181)، ((تفسير ابن كثير)) (2/47)، ((تفسير السعدي)) (ص: 222)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/87-88). قال السعديُّ: (ويَدخُل فيه المضمضةُ والاستنشاقُ، بالسُّنَّة، ويدخل فيه الشعورُ التي فيه، لكن إنْ كانت خفيفةً فلا بدَّ من إيصال الماءِ إلى البَشَرة، وإنْ كانت كثيفةً اكتُفي بظاهرها) ((تفسير السعدي)) (ص: 222). .
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ.
أي: واغْسِلوا اليدَ كاملةً مِن أطرافِ الأصابِعِ إلى المِرفَقِ- وهو مِفْصلُ العَضُد مِن الذِّراع- مع غَسْلِه [224] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) 2/49)، ((تفسير السعدي)) (ص: 222)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/88-89). .
وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ.
أي: وامْسَحوا جميعَ الرأسِ [225] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) 2/49)، ((تفسير السعدي)) (ص: 222)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/89). قال ابن عثيمين: (يدخل في ذلك الأُذنان؛ أولًا: لأنَّ الاشتقاق يدلُّ على دخولهما، وثانيًا: أنه ثبَت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أنَّه كان يمسح بأُذنيه) ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/90). .
عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ رضي الله عنه، أنَّه قال في وصْفِ وُضوءِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((... ثم مَسَحَ رأسَه بيدَيه، فأَقبلَ بهما وأَدْبرَ، بدَأ بمُقَدَّمِ رأسِه حتى ذهبَ بهما إلى قَفاه، ثم ردَّهُما إلى المكانِ الذي بدَأَ منه... )) [226] رواه البخاري (185) واللفظ له، ومسلم (235). .
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.
القِراءاتُ ذاتُ الأَثَرِ في التَّفسيرِ:
في قوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ قراءتان:
1- قِراءةُ وَأَرْجُلَكُمْ بالنَّصب عطفًا على الوُجُوهِ والأيدي في قولِه تعالى: اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ؛ فالواجبُ غَسلُها إذا كانت مكشوفةً [227] قرأ بها: نافعٌ، وابن عامر، والكسائيُّ وحفص ويعقوب. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 223). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((معاني القراءات)) للأزهري (1/326)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 221، 223)، ((تفسير ابن كثير)) (2/53)، ((تفسير السعدي)) (ص: 223)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/91). .
2- قراءة وَأَرْجُلِكُمْ بالجَرِّ عطفًا على (رُؤُوسِكم ) في قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ، والمسحُ في كلامِ العَرَبِ يكون غسلًا، ويكون مَسحًا باليَدِ، والأَخْبارُ جاءت بغَسْلِ الأَرْجُلِ ومَسْحِ الرُّؤُوسِ، أو يكون الخفضُ حَمْلًا على العَامِل الأَقْرَبِ للجِوَارِ، ومِن أهْلِ العِلْمِ مَن حَمَلَ قراءةَ الجرِّ على مَسْحِ القَدَمينِ إذا كان عليهما الخُفَّانِ [228] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 223). ويُنظر لمعنى هذه القِراءة: ((معاني القراءات)) للأزهري (1/326)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 221، 223)، ((النشر)) لابن الجزري (ص: 29)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/304)، ((تفسير ابن كثير)) (2/53)، ((تفسير السعدي)) (ص: 223)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/91). .
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.
أي: واغْسِلوا الرِّجلَ كاملةً من أطرافِ الأصابعِ إلى الكَعب- وهو العَظْمُ الناتئُ عند مِفصَل السَّاق والقَدَم- مع غَسْله، إذا كانت مكشوفةً، وامسحوا على الخُفِّ إذا كانت مستورةً به [229] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/51-59)، ((تفسير السعدي)) (ص: 222)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/90-91). .
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا.
أي: وإنْ أصابتْكم جنابةٌ فاغتسلوا قبل أن تَقوموا إلى الصَّلاةِ [230] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/212)، ((تفسير السعدي)) (ص: 223)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/91-92). قال ابن عثيمين: (الجنب من أنزل مَنِيًّا، وألحقت السُّنة به مَن جامع وإن لم يُنزِل) ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/92). .
وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى.
أي: وإنْ كُنتم ذَوي مَرَضٍ، يتعذَّرُ معه استعمالُ الماءِ [231] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/213)، ((تفسير السعدي)) (ص: 223)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/93). .
أَوْ عَلَى سَفَرٍ.
أي: وإنْ كُنتم مسافرينَ [232] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/213)، ((تفسير السعدي)) (ص: 223)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/93). .
أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ.
أي: أو كنتُم مُحْدِثينَ؛ الحدَثَ الأصغرَ [233] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/213)، ((فتح الباري)) لابن رجب (2/14)، ((تفسير القاسمي)) (3/122)، ((تفسير السعدي)) (ص: 223)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/93-94). .
أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ.
أي: أو جامعتُم النِّساءَ [234] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/59)، (2/314-317)، ((تفسير السعدي)) (ص: 223). وممَّن اختار أنَّه الجماع: ابن جرير في ((تفسيره)) (8/213). وممَّن قال بهذا القولِ من السَّلف وهو أنَّه الجِماع: ابن عباس، وعليٌّ، وأُبيُّ بن كعب، ومجاهد، وطاوس، والحسن، وعُبَيد بن عُمَير، وسعيد بن جُبَير، والشَّعبي، وقَتادة، ومقاتل بن حيَّان. ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/64)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (3/961).  وقيل المراد بقوله: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ: كُلُّ لَمسٍ باليدِ أو بغيرِها وممَّن اختار أنَّه اللمس باليدِ: الواحديُّ في ((التفسير الوسيط)) (2/58). وممَّن قال بهذا القول من السَّلف أنه ما دون الجماع: عبد الله بن مسعود، وابن عمر، وعَبِيدة، وأبو عُثمان النَّهدي، وأبو عُبَيدة، والشَّعبي، وثابت بن الحجَّاج، وإبراهيم النخعي، وزيد بن أسلم، وعطاء، والحَكَم، وحمَّاد. ينظر:((تفسير ابن جرير)) (3/961)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (3/961). .
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا.
أي: إنْ حصَلَتْ إحدى الحالاتِ السَّابقِ ذِكرُها- كالسَّفرِ- ففقدتُم الماءَ، فعليكم بقَصدِ وجهِ الأرضِ الطَّاهرِ النَّظيفِ [235] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/214-215)، ((تفسير السعدي)) (ص: 223-224)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/96). .
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ.
أي: فامْسَحوا مِن هذا الصَّعيدِ الطيِّبِ الوجهَ والكفَّينِ [236] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/214)، ((تفسير السعدي)) (ص: 223)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/95-96). .
مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ.
أي: لا يُريدُ الله تعالى بما فرَض عليكم من هذه الأحكامِ أن تَقَعُوا في الضِّيقِ والعُسرِ [237] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/215)، ((تفسير ابن كثير)) (2/60)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/96-97). .
وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ.
أي: ولكنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُريد أن يُطهِّركم بما فرَض عليكم من وضوءٍ أو غُسلٍ أو تيمُّمٍ، فتتطهَّروا ظاهرًا طهارةً حسيَّة لأبدانِكم، وتتطهَّروا طهارةً معنويَّةً بتكفيرِ سيِّئاتِكم، ومَحوِ خطيئاتِكم [238] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/216)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/97). .
وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ.
أي: ويُريد ربُّكم سبحانه أيضًا إتمامَ نِعمَتِه عليكم ببيانِ شرائِعِ دِينه، وتيسيرها لعِبادِه [239] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/218-219)، ((تفسير الواحدي)) (2/163)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/132)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/97). .
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
أي: كي تَشكُروا الله تعالى- بقلوبِكم وألسنتِكم وجوارحِكم- على نِعَمِه عليكم [240] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/219)، ((تفسير ابن كثير)) (2/60)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/97). .

الفوائد التربوية:

1- أنَّ الطَّهارةَ من مُقتضياتِ الإيمانِ؛ كأنَّه قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لإيمانِكم افعلوا كذا وكذا؛ ومِن ثَمَّ فإنَّ الإيمانَ يَزيد بالطَّهارةِ، وضوءًا كانتْ أو غُسلًا أو تيمُّمًا؛ لأنَّها إذا كانت من مُقتضياتِه لَزِم أن يَزيدَ بزيادتِها، ويَنقُصَ بنُقصانها، وأنَّ الإخلالَ بها منافٍ لكمالِ الإيمانِ [241] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/99). .
2- التَّكنِيَة عمَّا يُستقبحُ ذِكرُه؛ لقولِه: مِنَ الْغَائِطِ وقوله: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ [242] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/209)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/128). .
3- الإشارةُ إلى أنَّه يَنبغي لقاضي الحاجةِ أن يَستترَ حتى يتوارى عن النَّاسِ؛ وجهُه قوله تعالى: مِنَ الْغَائِطِ، فالغائط هو المكان المطمَئِنُّ الهابطُ من الأرض، كانوا ينتابونه لقضاءِ الحاجة، ليستتروا به عن النَّاس [243] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/127). .
4- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وفي قراءةٍ أخرى وَأَرْجُلِكُمْ بالكسرِ، أنَّها جُرَّتْ مُنَبِّهَةً على عدمِ الإسرافِ باستعمالِ الماء؛ لأنَّها مظنَّةٌ لصبِّ الماءِ كثيرًا، فعُطِفَتْ على الممسوح؛ لا لتُمْسَحَ، ولكِنْ لِيُنَبَّهَ على وجوبِ الاقتصادِ في صبِّ الماءِ عليها؛ وأنَّ مِن سُنَنِ الوضوءِ الاقتصادَ في الماء [244] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/611)، ((تفسير البيضاوي)) (2/117)، ((تفسير أبي السعود)) (3/11)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/191). .
5- التَّرغيبُ في التَّزكيةِ والتطهيرِ؛ يُرشِدُ إلى ذلك قولُه تعالى: وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ، أي: يُكْمِل نِعمةَ الإسلام بزِيادَةِ أحكامِه الرَّاجِعَة إلى التَّزكيةِ والتَّطهيرِ [245] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/132). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- وجوبُ استيعابِ الوَجْهِ بالغسْلِ؛ لقوله: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [246] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/183)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/107). .
2- وجوب غَسلِ الأيدي من أطرافِ الأصابِعِ إلى المرافِقِ؛ لقوله: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [247] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/184)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/108). .
3- وجوبُ غَسلِ الرِّجل إلى الكَعبينِ، والكعبانِ داخلانِ في الغَسْل؛ لقوله: إِلَى الْكَعْبَيْنِ [248] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/188)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/112). .
4- قولُ الله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ الفصلُ بالمسحِ بين المغسولاتِ مُعْلِمٌ بوجوبِ الترتيبِ [249] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/300)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/33). .
5- التَّثليثُ في أعمالِ الوضوءِ سُنَّةٌ لا واجب، إنَّما الواجب هو المرَّة الواحدةُ، والدَّليلُ عليه أنَّه تعالى أَمَر بالغَسْل، فقال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وماهيَّةُ الغسل تَدخُل في الوجودِ بالمرَّةِ الواحدةِ [250] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/302). .
6- حِكمةُ الشَّرع في التَّطهيرِ؛ حيث كان الاقتصارُ على أربعةِ أعضاءٍ في الحدَثِ الأصغَرِ؛ لأنَّ هذه الأعضاءَ هي غالبًا أدواتُ العَمَل وآلاتُ العمل، فالبَطشُ باليد، والمشيُ بالرِّجْل، والبَصرُ والشمُّ والكلامُ في الوجه، والسَّمعُ والتخيُّل والتفكيرُ في الرَّأس، فشُرع تطهيرُ هذه الأعضاء الأربعة؛ أمَّا في الجنابة فشُرِعَ للإنسانَ أنْ يُطهِّرَ جميعَ بدنه؛ وذلك لأنَّ الجَنابة تُخلخِلُ البدنَ كلَّه، ولهذا يَضعُف الإنسانُ إذا حصَلت منه الجَنابةُ، ويُؤمَرُ إذا أراد أن يعودَ أن يغتسلَ فإنْ لم يُمْكِنْه فليتوضَّأ [251] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/128). .
7- في قوله: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا: جاء المخاطَب جماعة، والخبر بصِيغة الإفراد؛ حيث لم يقُل: (إن كنتم جُنُبِين)، بل قال: جُنُبًا؛ لأنَّ كلمة (جنب) في اللُّغة الفصحى يستوي فيها المفردُ والاثنان والجَماعةُ [252] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/91). .
8- في قوله تعالى: فَاطَّهَرُوا أنَّ الغُسْلَ لجميعِ البَدن؛ لأنَّه أطْلَقَ ولم يخصَّ الأعضاءَ كما في الوضوء [253] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/308)، ((تفسير الشربيني)) (1/358). .
9- أنَّه لا يُشتَرَط في الغُسل ترتيبٌ، وأنَّ المغتَسِل لو بدأَ مِن أسفلِ بدنِه أو مِن وَسَط بَدَنِه أو من أعلى بَدَنِه وعمَّه بالماءِ؛ كان ذلك مُجزئًا؛ لأن الله تعالى قال: فَاطَّهَّرُوا ولم يُفَصِّلْ [254] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/115). .
10- أنَّ غُسْلَ الجَنابة تُستباحُ به الصَّلاة، وأنَّه لا يجبُ الوضوءُ معه؛ وجهُ الدَّلالة: أنَّ الله قال: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا، ولم يذكر وضوءًا حتى لو لم يَنوِ إلَّا رَفْعَ الحدَث الأكبرِ، فإنَّه يُجزِئه؛ لعمومِ الآية [255] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/117). .
11- أنَّ التيمُّم جائزٌ في الحدَثِ الأصغر وفي الحَدَثِ الأكبر؛ لأنَّ الآيةَ واضحةٌ؛ قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا، ثم قال: عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ذَكَرَ الله تعالى التيمُّمَ بعد الوضوءِ وبعد الغُسْلِ من الجنابَةِ، فيكون في ذلك دليلٌ على أنَّ مَن عليه غُسلُ الجنابةِ إذا لم يَجِدِ الماءَ، فإنَّه يتيمَّمُ ويُصلِّي [256] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/126). .
12- أنَّه لا يجب التطهُّرُ بغيرِ الماء، يعني: لو كان مع الإنسانِ نبيذٌ أو شايٌ أو لَبن، فإنَّه لا يتطهَّر به؛ لأنَّ اللهَ جَعَل آلةَ الطَّهارةِ هي الماءُ؛ فقال تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً [257] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/216)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/119). .
13- قولُ الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً يدلُّ على أنَّه كلَّما بقِيَ اسمُ الماءِ المطلَق كان طاهرًا طَهورًا [258] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/313). .
14- أنَّ الماءَ ما دام يُطلَق عليه اسمُ الماءِ، فإنَّه مُطهِّرٌ ولو تغيَّر بشيءٍ طاهرٍ؛ لعمومِ الآية: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ومَاءً نَكِرةٌ في سِياقِ النَّفي؛ فما دام اسمُ الماءِ باقيًا، فإنَّه يجبُ التطهُّرُ به، ولو مع التغيُّرِ [259] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/119). .
15- وجوبُ طَلَبِ الماءَ؛ لقوله: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً، أي: في الأماكِنِ القريبةِ منه التي لا يَلحَقُه حرَجٌ بطلب الماءِ فيها، وإذا تيقَّنَ عَدَمَ وجود الماءِ حَوْلَه، فلا يجِبُ عليه البحثُ عند كلِّ صلاةٍ؛ لأنَّ هذا عبَثٌ ومنافٍ للحِكمة، ومنافٍ للشَّرْع [260] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/119). .
16- قوله: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا فيه أنَّ الدينَ يسرٌ، سواء كان مِن أصلِ المشروعاتِ، أو إذا وُجِد سببٌ للرُّخصةِ؛ لأنَّ المشقَّةَ تجلبُ التيسيرَ، لكنها لا تُسقطُ الواجبَ إلا في حدودِ الشَّرع [261] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/118). .
17- قوْلُه تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فيه أنَّه لا بدَّ في التيمُّمِ من النيَّة؛ فقوله: فَتَيَمَّمُوا أي: اقْصِدوا، فالتيمُّم عبارةٌ عن القَصْدِ [262] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/313)، ((تفسير ابن عادل)) (7/236)، ((تفسير السعدي)) (ص: 222). .
18- استُدلَّ بقولِه: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا على جوازِ التيمُّمِ من الصَّعيدِ الذي على ظَهْرِ الأرض أيًّا كان، سواءٌ كان هذا الصَّعيدُ رمليًّا أو حجريًّا أو سبخةً، أو يابسًا أو رطبًا، يعني: نديًّا، المهمُّ أنَّه يُسمَّى صعيدًا [263] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/120). .
19- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا أنَّه لا بدَّ أن يكونَ الصَّعيدُ الذي يُتَيمَّم منه طيِّبًا وهو الطَّاهِرُ، وضِدُّه النَّجس، وعلى هذا فلا يصحُّ التيمُّمُ على أرض متنجِّسةٍ [264] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (7/237)، ((تفسير السعدي)) (ص: 222)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/129). .
20- وجوبُ استيعابِ الوَجهِ بالمسْحِ في التيمُّمِ؛ لقوله: بِوُجُوهِكُمْ وهو شاملٌ لجميع الوجه، ومِن ثَمَّ يجبُ أن نُنبِّهَ بعضَ العامَّة الذين إذا تَيمَّموا مَسَحوا الأنفَ وما حوله، وترَكوا الباقِيَ؛ فيُقال: هذا لا شكَّ أنَّه لا يُجزِئُ؛ لأنَّ الآية صريحةٌ؛ فقد قال تعالى: بِوُجُوهِكُمْ أي: كلَّها [265] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 222)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/129). .
21- قوله: مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ فيه رفْعُ الحرَجِ عن هذه الأمَّةِ، وهو تارةً يكون برفْعِ المشروعِ بالكليَّةِ، وتارةً بتخفيفِه، وتارةً بفِعل بدَلِه [266] أمَّا رفعه بالكلية فمِثل: كفَّارة القتل؛ إذا عجَز الإنسانُ عن صِيام شهرين متتابعين تَسقُط عنه، أي: تُرفَع عنه بالكليَّة. وأمَّا تخفيفه فمِثل: القِيام في الصلاة؛ إذا عجزَ الإنسان عنه، يُخفَّف فيُصلي قاعدًا إذا لم يستطعْ أن يُصلِّي قائمًا. وأمَّا فعل بدله فمثل: أن يكون إلى بدلٍ؛ فالإنسان العاجز عن الصيام عجزًا مستمرًّا لا يلزمه أن يصومَ، لكن عليه البَدَل، وهو: إطعامُ مِسكين عن كلِّ يوم، فصار الأمر والحمد لله واسعًا، وبناءً على هذه القاعدة فمن عجَز عن الكفَّارات أيًّا كانتِ الكفارة وقتَ الوجوب، فإنَّها تسقط عنه. ينظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة المائدة)) (1/131). .
22- قولُ الله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ أصلٌ كبيرٌ في الشَّرعِ، وهو أنَّ الأصْلَ في المضارِّ ألَّا تكونَ مشروعةً [267] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/317). .
23- إثباتُ الحِكمةِ في شَرْع الله؛ وجهُ ذلك: التعليلُ في قوله تعالى: وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ، وهذا الذي دلَّ عليه الكتابُ والسُّنة من وجوهٍ لا تُحصَى- أنَّ الله سبحانه وتعالى حكيمٌ في كلِّ ما يَخلُق، وفي كلِّ ما يَشرَع؛ ومِن ثَمَّ فيجبُ الاستسلامُ لقضاءِ الله الشرعيِّ والكونيِّ [268] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/135). .
24- أنَّ الطَّهارةَ بأقسامِها الثلاثة- الغُسل والوضوء والتيمُّم- نعمةٌ من الله عزَّ وجلَّ على العبادِ؛ لقوله: وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ، ولا شكَّ أنَّها نِعمةٌ، ومَن رأى فضائِلَ الوضوءِ وما يُكفِّر من الذُّنوبِ، عَرَف نِعمةَ الله عزَّ وجلَّ بهذا، وكذلك الغُسْلُ من الجَنابة، ولا سيَّما في أيَّام الشِّتاءِ وأيَّامِ المشقَّةِ [269] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/136). .
25- قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ قال فيه بعضُهم: دلَّت هذه الآيةُ على سَبعةِ أصولٍ، كُلُّها مَثْنَى: طهارتانِ: الوُضوءُ والغُسل، ومُطَهِّران: الماءُ والتُّراب، وحُكْمان: المسحُ والغَسل، وموجِبان: الحَدَثُ والجَنابةُ، ومُبيحانِ: المَرَضُ والسَّفَرُ، وكنايتان: الغائِطُ والمُلامَسةُ، وكَرَامتان: تطهيرُ الذُّنوبِ، وإتمامُ النِّعمةِـ [270] ينظر: ((حاشية البجيرمي على الخطيب)) (1/141). .
26- قولُه: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (لعلَّ) هنا للتَّعليلِ، وليست للترجِّي؛ لأنَّ الرجاءَ طلبُ ما فيه عُسر، والله عزَّ وجلَّ لا يتأتَّى في حقِّه ذلك؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ سهْلٌ عليه، فتكون (لعلَّ) هنا للتعليلِ [271] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/97). .

بلاغة الآية:

1- قوله: إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلَاةِ، أي: إذا أردْتُم القيامَ إلى الصَّلاةِ؛ ففيه: جوازُ التَّعبيرِ عن إرادةِ الفِعل بالفِعل؛ لأنَّ الفعلَ يوجدُ بقُدرةِ الفاعِلِ عليه وإرادَتِه له، وهو قَصْدُه إليه وميلُه وخُلوصُه؛ وذلك لأنَّ الفِعْلَ مسبَّبٌ عن القُدرةِ والإرادة، فأُقيمَ المسبَّبُ مقامَ السَّبَب؛ للملابسةِ بينهما، ولإيجازِ الكلامِ ونحوه، والتَّنبيهِ على أنَّ مَن أراد العبادةَ ينبغي أن يبادِرَ إليها، بحيث لا ينفكُّ الفعلُ عن الإرادةِ، ويَجوزُ أنْ يكونَ المرادُ: إذا قَصَدْتم الصَّلاةَ؛ لأنَّ التوجُّهَ إلى الشَّيءِ والقيامَ إليه قَصْدٌ له [272] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/115)، ((تفسير الزمخشري)) (1/608)، ((تفسير الرازي)) (11/297)، ((تفسير أبي السعود)) (3/10)، ((تفسير أبي حيان)) (4/187). .
2- قوله: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ فيه كنايةٌ حَسَنَةٌ؛ فالمجيءُ من الغائِط- وهو المطمئنُّ أو المنخفِض من الأرض- كنايةٌ عن الحدَثِ [273] يُنظر ما تقدم في غريب الكلمات. .
3- قوله: مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ: فيه التعبيرُ عن نفْي الفِعلِ بنفي الإرادةِ له؛ فالإرادةُ هنا كنايةٌ عن نفْي الجَعْلِ؛ لأنَّ المريدَ الذي لا غالبَ له لا يَحُولُ دون إرادَتِه عائِقٌ [274] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/131). .