موسوعة التفسير

سورةُ الحَجِّ
الآيات (52-54)

ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ

غريب الكلمات:

تَمَنَّى: أي: تلا القُرآنَ وقَرَأَه، وأُمْنِيَّتِهِ: أي: تِلاوَتِه، وأصلُ (مني): يدُلُّ على تَقديرِ شَيءٍ؛ لأنَّ القِراءةَ تَقديرٌ ووَضعُ كلِّ آيةٍ مَوضِعَها. وقيل: تَمَنَّى مِنَ التَّمَنِّي المعروفِ [854] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 294)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 48)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/277)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 247)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/284). .
فَيَنْسَخُ : أي: يُبطِلُ ويُزيلُ، وأصلُ النَّسخِ: يدُلُّ على إزالةِ شَيءٍ بشَيءٍ يتعَقَّبُه [855] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/611)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/424)، ((المفردات)) للراغب (ص: 801)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 247). .
يُحْكِمُ أي: يخلِّصُ أو يُثبِتُ، وأصلُ (حكم): هو المنعُ [856] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/611)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/91)، ((تفسير السمعاني)) (3/449). .
فَتُخْبِتَ: أي: تَخضَعَ وتَلِينَ، وأصلُ (خبت): يدُلُّ على خُشوعٍ [857] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 294)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/238)، ((المفردات)) للراغب (ص: 20)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 247). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى: وما أرسَلْنا مِن قَبْلِك -يا مُحمَّدُ - مِن رَسولٍ ولا نَبِيٍّ إلَّا إذا قرأ وتلا ألقَى الشَّيطانُ في قِراءَتِه الشُّبَهَ والوَساوسَ؛ لِيَصُدَّ النَّاسَ عن اتِّباعِ ما يَقرَؤُه ويَتلُوه، لكِنَّ اللهَ يُبطِلُ كَيدَ الشَّيطانِ، فيُزيلُ وَساوِسَه، ويُثبتُ آياتِه الواضِحاتِ في مَبانيها ومَعانيها، واللهُ عَليمٌ حَكيمٌ.
وهذا الفِعلُ مِنَ الشَّيطانِ جعَلَه اللهُ فتنةً للذينَ في قُلوبِهم شَكٌّ ونِفاقٌ، ولِقُساةِ القُلوبِ مِن المُشرِكينَ الذين لا يُؤثِّرُ فيهم زَجرٌ، وإنَّ الظَّالِمينَ مِن هؤلاء وأولئكَ في عداوةٍ شَديدةٍ لله ورَسولِه، وخِلافٍ للحَقِّ بَعيدٍ عن الصَّوابِ؛ ولِيَعلَمَ أهلُ العِلمِ الذين يُفَرِّقونَ بعِلمِهم بين الحَقِّ والباطلِ أنَّ القُرآنَ الكريمَ هو الحَقُّ النَّازِلُ مِن عندِ اللهِ عليك، لا شُبهةَ فيه، ولا سَبيلَ للشَّيطانِ إليه، فيَزدادَ به إيمانُهم، وتَخضَعَ له قلوبُهم، وإنَّ اللهَ لهادي الذين آمَنوا به وبرَسولِه إلى طَريقِ الحَقِّ الواضِحِ، وهو الإسلامُ، يُنقِذُهم به من الضَّلالِ.

تفسير الآيات:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52).
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ.
أي: وما أرسَلْنا مِن قَبْلِك -يا مُحمَّدُ- مِن رَسولٍ ولا نبيٍّ إلا إذا تلا وقرَأ [858] نسبَ ابنُ الجوزي، والخازنُ، والشنقيطي معنى التمنِّي المذكورِ إلى أكثَرِ المفسِّرينَ. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/246)، ((تفسير الخازن)) (3/261)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/284). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الرسعني)) (5/80). قال ابنُ القيم: (والسَّلَفُ كُلُّهم على أنَّ المعنى: إذا تلا ألقَى الشَّيطانُ فى تلاوتِه). ((إغاثة اللهفان)) (1/93). وممن قال به مِن السلفِ: مجاهدٌ، والضحَّاكُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/609، 610). ونسَبه الرسعنيُّ لابنِ عباسٍ. يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (5/80). وقال ابنُ جرير: (فتأويلُ الكلامِ إذَنْ: وما أرسَلْنا مِن قَبْلِك مِن رَسولٍ ولا نَبيٍّ إلَّا إذا تلا كتابَ اللهِ وقرَأَ، أو حدَّث وتكَلَّم؛ ألقى الشَّيطانُ في كتابِ الله الذي تلاهُ وقَرأه، أو في حديثِه الذي حدَّث وتكَلَّم). ((تفسير ابن جرير)) (16/610). وقيل: تَمَنَّى في الآيةِ مِنَ التَّمَنِّي المعروف، وهو تمنِّيه إسلامَ أمَّتِه وطاعتَهم لله ولرُسُلِه. وممَّن ذهب إلى هذا القَولِ: الخازن، والقاسمي، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير الخازن)) (3/261)، ((تفسير القاسمي)) (7/254)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/298). وممن قال مِن السلفِ إنَّ التمنِّي مِن الأمنيَّةِ: محمدُ بن كعب القُرَظي. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/246). قال الشنقيطي: (ومفعولُ أَلْقَى محذوفٌ؛ فعلى أنَّ تَمَنَّى بمعنى: أحبَّ إيمانَ أمَّتِه وعَلَّقَ أمَلَه بذلك؛ فمفعولُ أَلْقَى يظهَرُ أنَّه من جنسِ الوَساوِسِ، والصَّدِّ عن دينِ اللهِ؛ حتى لا يَتِمَّ للنبيِّ أو الرَّسولِ ما تمنَّى. ومعنى كونِ الإلقاءِ في أمنيَّتِه على هذا الوجهِ: أنَّ الشَّيطانَ يُلقي وساوِسَه وشُبَهَه؛ لِيَصُدَّ بها عمَّا تَمَنَّاه الرسولُ أو النبيُّ، فصار الإلقاءُ كأنَّه واقعٌ فيها بالصَّدِّ عن تمامِها والحيلولةِ دونَ ذلك). ((أضواء البيان)) (5/284). وقال ابنُ تيميَّةَ: (للنَّاسِ فيها قولانِ مَشهوران؛ بَعدَ اتِّفاقِهِم على أنَّ التَّمنِّي هو التِّلاوةُ والقرآنُ كما عليه المفسِّرون مِنَ السَّلفِ، كما في قوله: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة: 78] ، وأمَّا مَن أوَّلَ التمنِّي على تَمنِّي القلبِ، فذاكَ فيه كلامٌ آخَرُ؛ وإنْ قيل: إنَّ الآيةَ تَعُمُّ النَّوعينِ؛ لكنَّ الأوَّلَ هو المعروفُ المشهورُ في التَّفسيرِ، وهو ظاهرُ القرآنِ، ومُرادُ الآيةِ قَطْعًا؛ لقولِه بَعدَ ذلك: فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [الحج: 52، 53]. وهذا كلُّه لا يَكونُ في مُجرَّدِ القلبِ إذا لمْ يتكلَّمْ به النَّبيُّ). ((مجموع الفتاوى)) (15/190، 191). وممَّن جَمَع بين المعاني السَّابقة: البقاعيُّ؛ حيث قال: (إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أي: تلا على النَّاسِ ما أمرَه اللهُ به، أو حَدَّثَهم به، واشتهى في نَفسِه أن يَقبَلوه؛ حِرصًا منه على إيمانِهم، وشَفَقةً عليهم أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ أي: ما تلاه أو حَدَّث به واشتهى أن يُقبَلَ، مِن الشُّبَهِ والتخَيُّلاتِ  ما يتلقَّفُه منه أولياؤُه فيُجادِلون به أهلَ الطَّاعةِ؛ لِيُضِلُّوهم). ((نظم الدرر)) (13/70). وقال الراغب: (لمَّا كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كثيرًا ما كان يبادرُ إلى ما نزَل به الرُّوحُ الأمينُ على قلبِه حتى قيل له: وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ [طه: 114]، ولَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة: 16] ؛ سمَّى تلاوتَه على ذلك تمنِّيًا، ونبَّه أنَّ للشيطانِ تسلُّطًا على مثلِه في أمنيَّتِه، وذلك من حيثُ بيَّن أنَّ العجلةَ مِن الشَّيطانِ). ((المفردات في غريب القرآن)) (ص: 780). ألقَى الشَّيطانُ في قراءتِه الشُّبَهَ والوَساوِسَ؛ لِيَصُدَّ النَّاسَ عن اتِّباعِ ما يَقرَؤُه ويَتْلوه [859] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/288). قال الشنقيطي: (الذي يَظهَرُ لنا أنَّه الصَّوابُ، وأنَّ القُرآنَ يدُلُّ عليه دَلالةً واضِحةً، وإن لم يَنتَبِهْ له مَن تكَلَّمَ على الآيةِ من المفَسِّرينَ: هو أنَّ ما يلقيه الشَّيطانُ في قراءةِ النبيِّ: الشكوكُ والوساوِسُ المانِعةُ من تصديقِها وقَبولِها، كإلقائِه عليهم أنَّها سِحرٌ أو شِعرٌ، أو أساطيرُ الأوَّلينَ، وأنَّها مُفتراةٌ على اللهِ ليست مُنزَّلةً مِن عنده. والدَّليلُ على هذا المعنى: أنَّ اللهَ بَيَّنَ أنَّ الحِكمةَ في الإلقاءِ المذكورِ امتِحانُ الخَلقِ؛ لأنَّه قال تعالى: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، ثمَّ قال: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ؛ فقَولُه: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ الآيةَ، يدُلُّ على أنَّ الشَّيطانَ يُلقي عليهم أنَّ الذي يَقرَؤه النبيُّ ليس بحَقٍّ، فيُصَدِّقُه الأشقياءُ، ويكونُ ذلك فِتنةً لهم، ويكَذِّبُه المؤمِنونَ الذين أوتُوا العِلمَ، ويَعلَمونَ أنَّه الحَقُّ لا الكَذِبُ، كما يزعم لهم الشَّيطانُ في إلقائِه، فهذا الامتحانُ لا يُناسِبُ شَيئًا زاده الشَّيطانُ مِن نَفْسِه في القراءةِ، والعِلمُ عندَ الله تعالى). ((المصدر السابق)). وقال ابن تيميَّةَ: (وإذا كان التَّمنِّي لا بدَّ أنْ يَدخُلَ فيه القولُ، ففيه قولان: «الأوَّل»: أنَّ الإلقاءَ هو في سمْعِ المُستَمعينَ، ولمْ يَتكلَّمْ به الرَّسولُ. وهذا قولُ مَن تأوَّلَ الآيةَ بمنعِ جَوازِ الإلقاءِ في كلامِه. و»الثاني» -وهو الذي عليه عامَّةُ السَّلفِ ومَنِ اتَّبعَهم-: أنَّ الإلقاءَ في نفْسِ التلاوةِ، كما دلَّتْ عليه الآيةُ وسياقُها مِن غَيرِ وجْهٍ، كما وردَتْ به الآثارُ المتعدِّدةُ، ولا مَحذورَ في ذلك إلَّا إذا أُقِرَّ عليه، فأمَّا إذا نَسَخَ اللهُ ما أَلْقى الشَّيطانُ وأَحكَمَ آياتِه فلا مَحذورَ في ذلك). ((مجموع الفتاوى)) (15/191). وقد رُويَ في سببِ نُزولِ هذه الآيةِ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَرأَ بمكَّةَ: وَالنَّجْمِ ، فلمَّا بَلَغَ: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى [النجم: 19، 20]، أَلْقى الشَّيطانُ على لسانِه: تلك الغَرانيقُ [أي: الأصنامُ] العُلى، وإنَّ شَفاعتَهُنَّ لتُرتَجى! فقال المشركون: ما ذَكَرَ آلهتَنا بخَيرٍ قَبلَ اليَومِ! فسَجَد وسَجَدوا؛ فنزلتْ هذه الآيةُ. قال القرطبي عن هذه الروايةِ وغيرِها: (الأحاديثُ المرويَّةُ في نزولِ هذه الآيةِ ليس منها شَيءٌ يَصِحُّ). ((تفسير القرطبي)) (12/80). وقال ابنُ كثير: (قد ذكر كثيرٌ مِن المفَسِّرينَ هاهنا قِصَّةَ الغرانيقِ، وما كان من رجوعِ كَثيرٍ مِن المُهاجِرةِ إلى أرضِ الحَبَشةِ؛ ظنًّا منهم أنَّ مُشركي قريشٍ قد أسلموا، ولكِنَّها من طرقٍ كُلُّها مُرسَلةٌ، ولم أرَها مُسنَدةً مِن وَجهٍ صَحيحٍ، واللهُ أعلمُ). ((تفسير ابن كثير)) (5/441). وقال الشَّوكانيُّ: (لمْ يَصِحَّ شيءٌ مِن هذا، ولا ثَبَتَ بوجْهٍ مِنَ الوُجوهِ، ومع عدَمِ صِحَّتِه -بل بُطلانِه- فقد دفَعَه المُحقِّقون بكِتابِ اللهِ سُبحانَه؛ قال اللهُ: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة: 44 - 46]، وقولُه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم: 3] ، وقولُه: وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ [الإسراء: 74] ، فنَفى المقاربةَ للرُّكونِ، فضْلًا عن الرُّكونِ. قال البَزَّارُ: هذا حديثٌ لا نَعْلَمُه يُروى عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بإسنادٍ مُتَّصِلٍ. وقال البَيهقيُّ: هذه القصَّةُ غيرُ ثابتةٍ مِن جهةِ النَّقلِ. ثمَّ أَخَذ يَتكلَّمُ أنَّ رُواةَ هذه القصَّةِ مَطعونٌ فيهم. وقال إمامُ الأئمَّةِ ابنُ خُزيمةَ: إنَّ هذه القصَّةَ مِن وضْعِ الزَّنادقةِ. قال القاضي عِياضٌ في الشِّفا: إنَّ الأُمَّةَ أَجمَعَتْ فيما طريقُه البَلاغُ أنَّه معصومٌ فيه مِنَ الإِخبارِ عن شيءٍ بخلافِ ما هو عليه، لا قصْدًا ولا عَمْدًا، ولا سَهْوًا ولا غلَطًا). ((تفسير الشوكاني)) (3/546). ويُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/237). ويُنظَرُ الكلامُ عن رواياتِ هذه القصَّةِ وعِلَلِها في: ((نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق)) للألباني (ص: 10) فما بعدها. .
فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ.
أي: فيُذهِبُ اللهُ ويُزيلُ ما يُلقيه الشَّيطانُ مِن الباطِلِ في قراءةِ نَبيِّه، ولا يتأثَّرُ بباطِلِه المُؤمِنونَ [860] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/611)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (13/272)، ((تفسير السعدي)) (ص: 542)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/288). .
ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ.
أي: ثمَّ يُخَلِّصُ اللهُ آياتِ كِتابِه مِنَ الباطلِ الذي ألقاه الشَّيطانُ، ويَحفَظُها ويُبَيِّنُها، ويُظهِرُ أنَّها وحيٌ مُنَزَّلٌ منه بحَقٍّ [861] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/611)، ((تفسير النسفي)) (2/448)، ((تفسير السعدي)) (ص: 542)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/288). قال الشنقيطي: (معنى يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ: يُتقِنُها بالإحكامِ، فيُظهِرُ أنهَّا وَحيٌ مُنَزَّلٌ منه بحَقٍّ، ولا يُؤَثِّرُ في ذلك محاولةُ الشيطانِ صَدَّ النَّاسِ عنها بإلقائِه المذكورِ). ((أضواء البيان)) (5/288). .
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
أي: واللهُ عَليمٌ بكُلِّ شَيءٍ، فيَعلَمُ ما يكونُ مِن الأمورِ، وما يَحدُثُ في خَلْقِه، ومِن جملةِ ذلك عِلمُه بما يُوحيه إلى نبيِّه، وبقَصدِ الشَّيطانِ؛ حَكيمٌ في كُلِّ ما يفعَلُه، يضَعُ كُلَّ شَيءٍ في مَوضِعِه الصَّحيحِ اللائِقِ به، ومِن جُملةِ ذلك حِكمَتُه في تمكينِ الشَّيطانِ مِن إلقاءِ الباطِلِ، ومِن حِكمَتِه أنَّه لا يَدَعُه حتى يَكشِفَه ويُزيلَه [862] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/611)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 737)، ((تفسير النسفي)) (2/448)، ((تفسير ابن كثير)) (5/445)، ((البحر المديد)) لابن عجيبة (3/545)، ((تفسير الألوسي)) (9/166)، ((تفسير السعدي)) (ص: 542). .
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ سُبحانَه ما حكَمَ به مِن تمكينِ الشَّيطانِ مِن هذا الإلقاءِ؛ ذكَرَ العِلَّةَ في ذلك، فقال [863] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/72). :
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ.
أي: مِن كَمالِ حِكمَتِه سُبحانَه أنْ مكَّن الشَّيطانَ مِن الإلقاءِ المَذكورِ؛ ليَجعَلَ إلقاءَه فِتنةً للذينَ في قُلوبِهم شَكٌّ ونفاقٌ، ولأصحابِ القُلوبِ القاسيةِ التي لا تَلينُ للحقِّ، ولا تَرْجِعُ إلى الصَّوابِ، وهم المشركونَ [864]  يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/611، 612)، ((تفسير القرطبي)) (12/86)، ((تفسير ابن كثير)) (5/445، 446)، ((تفسير الشوكاني)) (3/547)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/289). قيل: المرادُ بالفتنةِ: الاختبارُ، وممن اختاره: ابن جرير، ومكي، والبقاعي، والعليمي. ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/ 611)، ((الهداية)) لمكي (7/ 4917)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/ 72)، ((تفسير العليمي)) (4/ 441). وقيل: المرادُ بها الضلالةُ، وممن اختاره: القرطبي، والشوكاني. ينظر: ((تفسير القرطبي)) (12/ 86)، ((تفسير الشوكاني)) (3/ 547). وقال الشنقيطي: (ومعنَى كونِه: فِتْنَةً لهم أنَّه سَبَبٌ لِتَمادِيهم فِي الضَّلالِ والكفرِ). ((أضواء البيان)) (5/ 289). .
كما قال تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة: 26] .
وقال سُبحانَه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام: 112-113] .
وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ.
أي: وإنَّ هذَينِ الفريقَينِ لَفي خِلافٍ ومُعانَدةٍ لأمرِ اللهِ، وضَلالٍ بَعيدٍ عن الحقِّ والصَّوابِ؛ بسَبَبِ ظُلمِهم [865] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/613)، ((تفسير البغوي)) (3/348)، ((تفسير القرطبي)) (12/86)، ((تفسير ابن كثير)) (5/446)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/72، 73)، ((تفسير السعدي)) (ص: 542)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/302). .
كما قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة: 176] .
وقال سُبحانَه: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [فصلت: 52] .
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54).
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ.
أي: ولِيَعلَمَ الذين آتاهم اللهُ العِلمَ النَّافِعَ الذي يُفَرِّقونَ به بينَ الحَقِّ والباطِلِ أنَّ ما أنزَلَه اللهُ هو الحَقُّ لا غيرُه مِمَّا ألقاه الشَّيطانُ، فيُؤمِنوا بالقُرآنِ، ويَعمَلوا به، ويَزدادوا هُدًى [866] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/613)، ((تفسير ابن عطية)) (4/129)، ((تفسير ابن كثير)) (5/446)، ((تفسير السعدي)) (ص: 542)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/302، 303). .
فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ.
أي: فتَخضَعَ وتَلينَ قلوبُهم للحَقِّ الذي جاء مِن عِندِ اللهِ، وتَطمَئِنَّ به، وتُذعِنَ إليه وتُقِرَّ [867] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/613)، ((تفسير ابن عطية)) (4/129)، ((تفسير القرطبي)) (12/87)، ((تفسير ابن كثير)) (5/446)، ((تفسير السعدي)) (ص: 542). .
وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
أي: وإنَّ اللهَ لَمُرشِدُ المؤمِنينَ إلى طريقِ الحَقِّ، ومُوَفِّقُهم لاتِّباعِه واجتِنابِ الباطِلِ، فلا يَضُرُّهم كَيدُ الشَّيطانِ وإلقاؤُه الباطِلَ [868] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/613)، ((تفسير السمعاني)) (3/450)، ((تفسير ابن كثير)) (5/446)، ((تفسير السعدي)) (ص: 542). قال ابنُ كثير: (وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أي: في الدُّنيا والآخرةِ؛ أمَّا في الدنيا فيُرشِدُهم إلى الحَقِّ واتِّباعِه، ويوَفِّقُهم لمخالفةِ الباطِلِ واجتنابِه، وفي الآخرةِ يهديهم إلى الصِّراطِ المُستَقيمِ المُوصِلِ إلى دَرَجاتِ الجنَّاتِ، ويُزَحزِحُهم عن العذابِ الأليمِ والدَّرَكاتِ). ((تفسير ابن كثير)) (5/446). ويُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 542). .
كما قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة: 257] .
وقال سُبحانَه: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [مريم: 76] .

الفوائد التربوية:

1- قال اللهُ تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ، في هذه الآيةِ أَخبَر اللهُ سُبحانَه أنَّه ما أَرسَلَ مِن رسولٍ ولا نبيٍّ إلَّا إذا تَمنَّى أَلقى الشَّيطانُ في أُمنيَّتِه، أي: إذا تَلَا أَلقى الشَّيطانُ في تِلاوتِه، فإذا كان هذا فِعْلَ الشَّيطانِ مع الرُّسُلِ عليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فكيف بغَيرِهم؟! ولهذا يُغَلِّطُ القارئَ تارةً، ويُخَبِّطُ عليه القِراءةَ ويُشَوِّشُها عليه؛ فيُخَبِّطُ عليه لسانَه، أو يُشَوِّشُ عليه ذِهنَه وقلبَه، فإذا حَضَرَ عِندَ القِراءةِ لمْ يَعْدَمْ منه القارئُ هذا أو هذا، وربَّما جمَعَهما له؛ فكان مِن أهمِّ الأمورِ: الاستعاذةُ باللهِ تعالى منه عِندَ القِراءةِ [869] يُنظر: ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/93). .
2- قد ذكر سُبحانَه أنواعَ القُلوبِ في قَولِه تعالى: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ؛ فذكَرَ القَلبَ المَريضَ، وهو الضَّعيفُ المُنحَلُّ الذي لا تَثبُتُ فيه صورةُ الحَقِّ، والقَلبَ القاسِيَ اليابِسَ الذي لا يَقبَلُها ولا تَنطَبِعُ فيه؛ فهذان القَلبانِ شَقِيَّانِ مُعَذَّبانِ، ثمَّ ذكَرَ القَلبَ المُخبِتَ المُطمَئِنَّ إليه، وهو الذي ينتَفِعُ بالقُرآنِ ويزكو به [870] يُنظر: ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 106). ، فجَعَل اللهُ سُبحانَه وتعالى القلوبَ في هذه الآياتِ ثلاثةً: قلبَينِ مَفْتونَينِ، وقلْبًا ناجيًا؛ فالمَفْتونانِ: القلبُ الذي فيه مرَضٌ، والقلبُ القاسي. والناجي: القلبُ المؤْمِنُ المُخْبِتُ إلى ربِّه، وهو المُطْمَئنُّ إليه، الخاضعُ له، المُستسلِمُ المُنقادُ.
وذلك أنَّ القلبَ وغَيرَه مِنَ الأعضاءِ يُرادُ منه أنْ يَكونَ صحيحًا سليمًا لا آفةَ به، يَتأتَّى منه ما هُيِّئ له وخُلِق لأجْلِه. وخُروجُه عن الاستقامةِ إمَّا ليُبْسِه وقَساوتِه، وعدمِ التَّأتِّي لِما يُرادُ منه، كاليَدِ الشَّلَّاءِ، واللِّسانِ الأخرسِ، والعَينِ التي لا تُبصِرُ شيئًا، وإمَّا بمرضٍ وآفةٍ فيه تَمنَعُه مِن كمالِ هذه الأفعالِ ووُقوعِها على السَّدادِ؛ فلذلك انقسمَتِ القلوبُ إلى هذه الأقسامِ الثَّلاثةِ.
فالقلبُ الصَّحيحُ السَّليمُ: ليس بيْنه وبيْن قَبولِ الحقِّ ومَحبَّتِه وإيثارِه سِوى إدراكِه، فهو صحيحُ الإدراكِ للحقِّ، تامُّ الانقيادِ والقَبولِ له.
والقلبُ المَيِّتُ القاسي: لا يَقْبَلُه، ولا يَنقادُ له.
والقلبُ المريضُ: إنْ غَلَبَ عليه مرَضُه التَحَقَ بالمَيِّتِ القاسي، وإنْ غَلبَتْ عليه صِحَّتُه التَحَقَ بالسَّليمِ.
فما يُلقيه الشَّيطانُ في الأسماعِ مِنَ الألفاظِ، وفي القلوبِ مِنَ الشُّبَهِ والشُّكوكِ: فيه فِتنةٌ لهذَينِ القلبَينِ، وقوَّةٌ للقلبِ الحيِّ السَّليمِ؛ لأنَّه يَرُدُّ ذلك ويَكرَهُه ويُبغِضُه، ويَعلَمُ أنَّ الحقَّ في خلافِه، فيُخبِتُ للحقِّ قلْبُه، ويَطمئنُّ ويَنقادُ، ويَعلمُ بُطلانَ ما ألْقاه الشَّيطانُ؛ فيَزدادُ إيمانًا بالحقِّ ومحبَّةً له، وكُفرًا بالباطل وكَراهةً له. فلا يَزالُ القلبُ المَفتونُ في مِرْيةٍ مِن إلقاءِ الشَّيطانِ، وأمَّا القلبُ الصَّحيحُ السَّليمُ فلا يَضُرُّه ما يُلقيه الشَّيطانُ أبدًا [871] يُنظر: ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/10). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ دالٌّ على أَنَّ للنَّبيِّ معنًى غيرَ معنَى الرَّسولِ، وليس مرادفًا له؛ وذلك لعطفِه عليه [872] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 184)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/297). والفرقُ بينَ النبيِّ والرسولِ: أنَّ النبيَّ هو الذي يُنبِّئُه الله، وهو ينبِّئُ بما أنبأ الله به؛ فإن أُرسِل مع ذلك إلى مَن خالَف أمرَ الله؛ ليبلغَه رسالةً مِن الله إليه؛ فهو رسولٌ، وليس مِن شرطِ الرسولِ أن يأتيَ بشريعةٍ جديدةٍ، وأمَّا إذا كان يعملُ بشريعةِ مَن قبلَه، ولم يُرسَلْ هو إلى أحدٍ يبلغُه عن الله رسالةً؛ فهو نبيٌّ، وليس برسولٍ، فالأنبياءُ يأتيهم وحيٌ مِن الله بما يفعلونه، ويأمرون به مَن آمَن بهم. وقيل: الرسول: مَن أُنزل إليه كتابٌ مستقلٌّ، كمحمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وموسى عليه السلامُ، والنبيُّ: مَن أُمِر بأن يتعبَّدَ بكتابٍ منزَّلٍ على غيرِه، كأنبياءِ بني إسرائيلَ الذين يُؤمرون بالتعبُّدِ بما في التوراةِ. يُنظر: ((النبوات)) لابن تيمية (2/714)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/205). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فيه عِصمةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما استقَرَّ تَبليغُه مِن الرِّسالةِ، باتِّفاقِ المُؤمِنينَ [873] يُنظر: ((بغية المرتاد)) لابن تيمية (ص: 501). .
3- قَولُ اللهِ تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ هذه الآيةُ لا تعارُضَ بيْنها وبين الآيةِ المصَرِّحةِ بأنَّ الشَّيطانَ لا سُلطانَ له على عبادِ الله المؤمِنينَ المتوكِّلينَ، ومعلومٌ أنَّ خيارَهم الأنبياءُ، كقوله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل: 99-100] ، وقولِه تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر: 42] ، وقَولِه تعالى: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص: 82-83] ، وقولِه تعالى: وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم: 22] . ووجهُ كونِ الآياتِ لا تعارُضَ بينها: أنَّ سُلطانَ الشَّيطانِ المنفيَّ عن المؤمنينَ المتوكِّلينَ في معناهُ وجهانِ للعلماءِ:
الأول: الحُجَّةُ الواضِحةُ، وعليه فلا إشكالَ؛ إذ لا حُجَّةَ مع الشيطانِ البتَّةَ، كما اعترف به فيما ذَكَر اللهُ عنه في قولِه: وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم: 22] .
الثاني: أنَّ معناه: لا تَسلُّطَ له عليهم بإيقاعِهم في ذنْبٍ يَهلِكونَ به، ولا يتوبونَ منه، فلا يُنافي هذا ما وقَع مِن آدَمَ وحوَّاءَ وغيرِهما؛ فإنَّه ذنْبٌ مغفورٌ؛ لوقوعِ التوبة منه، فإلقاءُ الشَّيطانِ في أمنيةِ النبيِّ -سواءٌ فسَّرناها بالقراءةِ، أو التمنِّي لإيمانِ أمَّتِه- لا يتضَمَّنُ سُلطانًا للشيطانِ على النبيِّ، بل من جنسِ الوسوسةِ وإلقاءِ الشُّبَهِ لصَدِّ النَّاسِ عن الحَقِّ، كقَولِه: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ [874] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)) للشنقيطي (ص: 159-161).   لنمل: 24].
4- في قَولِه: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ دليلٌ على أنَّ العِلمَ يدُلُّ على الإيمانِ، ليس أنَّ أهلَ العِلمِ ارتَفَعوا عن دَرجةِ الإيمانِ -كما يتوهَّمُه طائفةٌ مِنَ المتكَلِّمةِ- بل معهم العِلمُ والإيمانُ، كما قال تعالى: لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ [النساء: 162] ، وقال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الروم: 56] الآيةَ [875] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (13/271). .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
- القصْرُ المُستفادُ مِن النَّفيِ والاستثناءِ في قولِه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى قَصْرُ مَوصوفٍ على صِفَةٍ، وهو قَصْرٌ إضافيٌّ، أي: دونَ أنْ نُرسِلَ أحدًا منهم في حالِ الخُلُوِّ مِن إلْقاءِ الشَّيطانِ ومَكْرِه [876] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/298). .
- و(مِن) في قولِه: مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ زائدةٌ، تُفِيدُ استغراقَ الجِنْسِ؛ فأفادَ أنَّ ذلك لم يَعْدُ أحدًا مِن الأنبياءِ والرُّسلِ [877] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/526)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/297). .
- قَولُه: أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ مَفعولُ أَلْقَى مَحذوفٌ دَلَّ عليه المَقامُ؛ لأنَّ الشَّيطانَ إنَّما يُلْقِي الشَّرَّ والفسادَ، فإسنادُ التَّمنِّي إلى الأنبياءِ دَلَّ على أنَّه تَمنِّي الهُدى والصَّلاحِ -وذلك على أحدِ القولينِ في معنَى التمنِّي-، وإسنادُ الإلْقاءِ إلى الشَّيطانِ دَلَّ على أنَّه إلْقاءُ الضَّلالِ والفسادِ [878] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/525)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/298). .
- قولُه: فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ في كِلْتا الجُملتينِ إيجازٌ بالحَذْفِ، أي: يَنسَخُ آثارَ ما يُلْقِي الشَّيطانُ، ويُحكِمُ آثارَ آياتِه [879] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/301). . والإتيانُ بصِيغَةِ المُضارِعِ في الفِعْلينِ (فَيَنْسَخُ - يُحْكِمُ)؛ للدَّلالةِ على الاستِمرارِ التَّجدُّديِّ [880] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/113). .
- وفي قولِه: ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ إظهارٌ لِلَفْظِ الجَلالةِ في مَوقِعِ الإضمارِ؛ لزيادةِ التَّقريرِ، والإيذانِ بأنَّ الأُلوهيَّةَ مِن مُوجِباتِ إحكامِ آياتِه الباهرةِ [881] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/113). .
- و(ثمَّ) في قولِه: ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ للتَّرتيبِ الرُّتبيِّ؛ لأنَّ إحكامَ الآياتِ وتَقريرَها أهَمُّ مِن نَسْخِ ما يُلْقِي الشَّيطانُ؛ إذ بالإحكامِ يَتَّضِحُ الهُدى، ويَزدادُ ما يُلْقِيه الشَّيطانُ نَسْخًا [882] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/300). .
- قولُه: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ جُملةٌ مُعترِضةٌ [883] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/300). ، وفيه أيضًا إظهارٌ لِلَفْظِ الجَلالةِ في مَقامِ الإضمارِ؛ لزيادةِ التَّقريرِ، والإيذانِ بأنَّ الأُلوهيَّةَ مِن مُوجِباتِ إحكامِ آياتِه الباهرةِ، ولتأْكيدِ استِقلالِ الاعتراضِ التَّذييليِّ [884] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/113). .
2- قَولُه تعالى: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
- قولُه: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ عِلَّةٌ لتَمكينِ الشَّيطانِ مِن الإلْقاءِ، وذلك يدُلُّ على أنَّ المُلْقى أمْرٌ ظاهِرٌ عرَفَه المُحِقُّ والمُبْطِلُ [885] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/76)، ((تفسير أبي السعود)) (6/114). . وقيل: هي لامُ العاقِبةِ [886] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/527)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/301). .
- قَولُه: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ اعتراضٌ تَذييليٌّ مُقرِّرٌ لمَضمونِ ما قبْلَه [887] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/527)، ((تفسير أبي السعود)) (6/114)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/302). .
- وذِكْرُ الظَّالمينَ في وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ من الإظهارِ في مَقامِ الإضمارِ؛ للإشارةِ إلى أنَّ عِلَّةَ كَونِهم في شِقاقٍ بَعيدٍ هي ظُلْمُهم [888] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/166)، ((تفسير البيضاوي)) (4/76)، ((تفسير أبي حيان)) (7/527)، ((تفسير أبي السعود)) (6/114)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/302). .
- قولُه: لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ في وَصْفِ الشِّقاقِ بالبعيدِ: مُبالَغةٌ في انتهائِه، وأنَّهم غيرُ مَرْجُوٍّ رَجْعَتُهم منه؛ فالبَعيدُ هنا مُستعمَلٌ في معنى: البالِغِ حَدًّا قَوِيًّا في حَقيقتِه؛ تَشبيهًا لانتشارِ الحقيقةِ فيه بانتشارِ المسافةِ في المكانِ البعيدِ، كما في قولِه تعالى: فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ [فصلت: 51] ، أي: دُعاءٍ كَثيرٍ مُلِحٍّ [889] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/527)، ((تفسير أبي السعود)) (6/114)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/302). .
3- قَولُه تعالى: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
- قَولُه: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ اللامُ في وَلِيَعْلَمَ للتَّعليلِ، أي: يَنسَخُ اللهُ ما يُلْقي الشَّيطانُ؛ لإرادةِ أنْ يَعلَمَ المُؤمِنون أنَّه الحقُّ [890] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/301). .
- والضَميرُ في أَنَّهُ الْحَقُّ عائدٌ إلى العِلْمِ الَّذي أُوتُوه، أي: لِيَزدادوا يَقينًا بأنَّ الوحيَ الَّذي أُوتُوه هو الحقُّ لا غيرُه؛ فالقَصرُ المُستفادُ مِن تَعريفِ الجُزأينِ في أَنَّهُ الْحَقُّ قَصرٌ إضافيٌّ. ويَجوزُ أنْ يكونَ ضَميرُ أَنَّهُ عائدًا إلى ما تَقدَّمَ مِن قولِه: فَيَنْسَخُ اللَّهُ إلى قولِه: ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ، أي: أنَّ المذكورَ هو الحقُّ [891] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/303). .
- قولُه: وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ الجُملةُ اعتراضٌ مُقرِّرٌ لِمَا قَبْلَه [892] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/114)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/307). .
- وإظهارُ لفْظِ الَّذِينَ آَمَنُوا في مَقامِ ضَميرِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ؛ لِقَصْدِ مَدْحِهم بوَصفِ الإيمانِ، والإيماءِ إلى أنَّ إيمانَهم هو سبَبُ هَدْيِهم [893] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/307). .