موسوعة التفسير

سورةُ فُصِّلَت
الآيات (47-51)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ

غريب الكلمات:

أَكْمَامِهَا: أي: أوعِيَتِها، وأصلُ (كمم): يدُلُّ على غِشاءٍ وغِطاءٍ [763] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 390)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 77)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/122)، ((تفسير القرطبي)) (15/371)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 368). .
آَذَنَّاكَ: أي: أعلَمْناك، وأصلُ (أذن): يدُلُّ على عِلمٍ [764] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 390)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 77)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/75)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 339)، ((تفسير القرطبي)) (15/371)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 368)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 73). .
مَحِيصٍ: أي: مَهرَبٍ، وأصلُ (حيص): يدُلُّ على المَيلِ في جَورٍ [765] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/627)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 468)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/300)، ((تفسير القرطبي)) (15/372)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 143)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 877، 882). .
لَا يَسْأَمُ: أي: لا يملُّ، والسَّآمةُ: الملَلُ والضَّجرُ [766] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/457)، ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب (ص: 438)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/328). .
فَيَئُوسٌ: أي: يائِسٌ مِنَ الرَّحمةِ، وأصلُ اليأسِ: انتِفاءُ الطَّمَعِ [767] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 202)، ((تفسير ابن جرير)) (20/457)، ((المفردات)) للراغب (ص: 892)، ((تفسير القرطبي)) (9/11)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 978). .
قَنُوطٌ: القُنوطُ: اليأسُ مِن الخَيرِ، وقيل: أتمُّ اليأسِ، وقيل: أشَدُّ اليأْسِ، وقيل: القُنوطُ أنْ يَظْهَرَ آثارُ اليأسِ في الوجهِ والأحوالِ الظَّاهرةِ، وأصلُ (قنط): يدُلُّ على اليأسِ مِن الشَّيءِ [768] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/32)، ((المفردات)) للراغب (ص: 685)، ((تفسير ابن عطية)) (3/366)، ((تفسير الرازي)) (27/572)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (4/113)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/11). .
ضَرَّاءَ: أي: شِدَّةٍ وبَلاءٍ وضُرٍّ، والضَّرَّاءُ كذلك: سوءُ الحالِ، والفَقْرُ والقَحْطُ. والضُّرُّ: خِلافُ النَّفْعِ [769] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 70)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3 /360)، ((المفردات)) للراغب (ص: 503، 504)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 26)، ((تفسير القرطبي)) (15/373)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 102، 129). .
وَنَأَى: أي: تَباعَدَ، وأصلُ النَّأيِ: يدُلُّ على البُعدِ [770] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 260)، ((تفسير ابن جرير)) (20/459)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 465)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/378)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 207)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 268). .
بِجَانِبِهِ: أي: بنَفْسِه وناحِيَتِه، وأصلُ (جنب): يدُلُّ على ناحيةٍ [771] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/459)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 465)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/483)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 268)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 916). .
عَرِيضٍ: أي: كَثيرٍ، والعَرَبُ تَستَعمِلُ الطُّولَ والعَرْضَ في الكَثرةِ، يُقالُ: أطالَ فُلانٌ الكَلامَ والدُّعاءَ وأعرَضَ، أي: أكثَرَ، وأصلُ (عرض): يدُلُّ على خِلافِ الطُّولِ [772] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 390)، ((تفسير ابن جرير)) (20/460)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/269)، ((المفردات)) للراغب (ص: 559)، ((تفسير البغوي)) (4/ 137). .

المعنى الإجمالي:

يُبيِّنُ الله تعالى انفرادَه بعِلمِ وقتِ قيامِ السَّاعةِ، ويُقرِّرُ سَعةَ عِلمِه وإحاطتَه، فيقولُ: إلى اللهِ وَحْدَه يُرجَعُ عِلمُ القيامةِ، فلا يَعلَمُ وَقتَها غَيرُه سُبحانَه، وما تَخرُجُ ثَمرةٌ مِن الثَّمَراتِ مِن أوعِيَتِها إلَّا هو يَعلَمُها سُبحانَه، وما تَحمِلُ أُنثى حَملًا ولا تَضَعُه إلَّا بعِلمِ اللهِ سُبحانَه.
ثمَّ يُبيِّنُ الله سبحانَه مشهدًا مِن مَشاهِدِ يومِ القيامةِ، فيه يَتبرَّأُ المشركونَ مِن آلهتِهم، فيقولُ: واذكُرْ يومَ يُنادي اللهُ المُشرِكينَ يومَ القيامةِ: أين شُرَكائيَ الَّذين كُنتُم تَزعُمونَهم؟! فأجاب المُشرِكونَ رَبَّهم: أعلَمْناك اليَومَ رَبَّنا أنْ ليس مِنَّا مَن يَشهَدُ أنَّ لك شَريكًا! وغاب عن المُشرِكينَ يَومَ القيامةِ آلهِتُهم الَّتي كانوا يَدْعُونَها في الدُّنيا، فلم يَنفَعوهم بشَيءٍ، وظنُّوا أنَّهم لا فِرارَ ولا مَهْرَبَ لهم مِن عَذابِ اللهِ.
ثمَّ يَذكُرُ اللهُ تعالى أحوالَ الإنسانِ في الشِّدَّةِ والرَّخاءِ: لا يَمَلُّ الإنسانُ مِن سُؤالِ رَبِّه خَيرًا مِن مالٍ وصِحَّةٍ وغَيرِ ذلك، وإنْ أصابَه شَرٌّ ما فهو يَؤُوسٌ قَنوطٌ مِن رَحمةِ رَبِّه، ولَئِنْ أنعَمْنا عليه بنِعمةٍ بعدَ الشِّدَّةِ والضُّرِّ الَّذي أصابه لَيَقولَنَّ بغُرورٍ: أنا أهلٌ لهذا الخَيرِ مُستَحِقٌّ له، وما أظُنُّ القيامةَ تَقومُ، وعلى فَرْضِ قيامِ القيامةِ ورُجوعي إلى اللهِ فسَيُدخِلُني الجنَّةَ! فلَنُخبِرَنَّ يومَ القيامةِ أولئك الكافِرينَ بما عَمِلوه في الدُّنيا، ولَنُذيقَنَّهم مِن عذابٍ شَديدٍ.
وإذا أنعَمْنا على الإنسانِ بنِعمةٍ ما أعرَض عن عبادةِ رَبِّه وشُكْرِه تعالى، وتكبَّرَ عن الانقيادِ إلى رَبِّه، وإذا أصابه شَرٌّ ما فهو ذو دُعاءٍ كثيرٍ وتضَرُّعٍ إلى اللهِ؛ لِيَكشِفَ عنه ضُرَّه!

تفسير الآيات:

إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
كان المُشرِكونَ إذا أُنذِروا بالبَعثِ وساعَتِه، استَهزَؤوا فسَألوا عن وَقتِها، وكان ذلك مِمَّا يَتكَرَّرُ منهم؛ فلمَّا جَرى ذِكرُ دَليلِ إحياءِ المَوتى، وذِكْرُ إلْحادِ المُشركينَ في دَلالتِه بسُؤالِهم عنها استِهزاءً؛ انتَقَل الكَلامُ إلى حِكايةِ سُؤالِهم؛ تَمهيدًا لِلجَوابِ عن ظاهِرِه [773] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/5). .
وأيضًا لَمَّا ذَكَر اللهُ تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا الآيةَ [فصلت: 46] ، كان في ذلك دَلالةٌ على الجَزاءِ يومَ القيامةِ، وكأنَّ سائِلًا قال: ومتى ذلك؟ فقيل: لا يَعلَمُها إلَّا اللهُ تعالى، ومَن سُئِلَ عنها فليس عندَه عِلمٌ بتَعْيينِ وَقتِها، وإنَّما يُرَدُّ ذلك إلى اللهِ تعالى [774] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/314). .
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ.
أي: إلى اللهِ وَحْدَه يُرجَعُ عِلمُ وَقتِ مَجيءِ القِيامةِ؛ فلا يَعلَمُ وَقتَها إلَّا اللهُ وَحْدَه [775] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/454)، ((الوسيط)) للواحدي (4/39)، ((تفسير ابن عطية)) (5/21)، ((تفسير ابن كثير)) (7/185)، ((تفسير السعدي)) (ص: 751)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 293، 294). .
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان: 34] .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه في حَديثِ جِبريلَ الطَّويلِ، قال: متى السَّاعةُ؟ قال: ((ما المَسؤولُ عنها بأعلَمَ مِنَ السَّائِلِ)) [776] رواه البخاري (50)، ومسلم (9). .
وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا.
أي: وما تَبرُزُ في وَقتٍ مِن الأوقاتِ أيُّ ثَمَرةٍ مِنَ الثَّمَراتِ مِن أوعِيَتِها وظُروفِها إلَّا يَعلَمُها اللهُ [777] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 337)، ((تفسير ابن جرير)) (20/454، 455)، ((تفسير القرطبي)) (15/371)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/212، 213)، ((تفسير الشوكاني)) (4/597)، ((تفسير السعدي)) (ص: 751)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 294، 295). .
كما قال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59] .
وقال سُبحانَه: وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ [الرحمن: 11].
وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ.
أي: وما تَحمِلُ أيُّ أُنثى مِن حَمْلٍ إلَّا بعِلمِ اللهِ تعالى، ولا تَضَعُ حَمْلَها إلَّا بعِلمِ اللهِ تعالى، لا يخفَى عليه سُبحانَه شَيءٌ مِن ذلك [778] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/747)، ((تفسير ابن جرير)) (20/454)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/213، 214)، ((تفسير السعدي)) (ص: 751)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 295). .
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي.
أي: واذكُرْ يومَ يُنادي اللهُ المُشرِكينَ يومَ القيامةِ، فيَقولُ لهم: أين شُرَكائيَ الَّذين كُنتُم في الدُّنيا تَزعُمونَ أنَّهم شُرَكاءُ لي في العبادةِ، وأنَّهم يَشفَعونَ لكم [779] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/455)، ((تفسير ابن عطية)) (5/21)، ((تفسير القرطبي)) (15/371)، ((تفسير ابن كثير)) (7/185)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/214)، ((تفسير السعدي)) (ص: 751)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/7)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 296). قال ابنُ عطية: (الضَّميرُ في: يُنَادِيهِمْ ظاهِرُه والأسبَقُ فيه: أنَّه يُريدُ به الكُفَّارَ عَبَدةَ الأوثانِ. ويحتمِلُ أن يريدَ به كُلَّ مَن عُبِدَ مِن دونِ اللهِ مِن إنسانٍ وغَيرِه، وفي هذا ضَعفٌ). ((تفسير ابن عطية)) (5/21). وممَّن ذهب إلى المعنى الأول: ابنُ جرير فقال: (ينادي الله هؤلاء المشركينَ به في الدُّنيا الأوثانَ والأصنامَ). ((تفسير ابن جرير)) (20/455، 456). وممَّن ذكر أيضًا أنَّ الضَّميرَ يعودُ على المشركين، أي: يُنادي اللهُ المشركين: مكِّيٌّ، والواحديُّ، وابن الجوزي، والقرطبي، وابن جُزَي، وابن كثير. يُنظر: ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (10/6543)، ((الوسيط)) للواحدي (4/39)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/55)، ((تفسير القرطبي)) (15/371)، ((تفسير ابن جزي)) (2/243)، ((تفسير ابن كثير)) (7/185). ؟!
كما قال تعالى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [القصص: 62] .
قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ.
أي: فأجاب المُشرِكونَ رَبَّهم قائِلينَ: أعلَمْناك -رَبَّنا- اليومَ بأنَّه ليس مِنَّا أحَدٌ يَشهَدُ أنَّ لك شَريكًا [780] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/747)، ((تفسير ابن جرير)) (20/455)، ((الوسيط)) للواحدي (4/39)، ((تفسير الرازي)) (27/571، 572)، ((تفسير القرطبي)) (15/372)، ((تفسير ابن كثير)) (7/185)، ((تفسير السعدي)) (ص: 751). ممَّن ذهب إلى أنَّ المرادَ: آذَنَّاك الآنَ في يومِ القيامةِ: الثعلبيُّ، والواحدي، والزمخشري، والقرطبي، وابن جُزَي، وابن كثير، والقاسمي، والسعدي. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (8/299)، ((الوسيط)) للواحدي (4/39)، ((تفسير الزمخشري)) (4/204)، ((تفسير القرطبي)) (15/372)، ((تفسير ابن جزي)) (2/243)، ((تفسير ابن كثير)) (7/185)، ((تفسير القاسمي)) (8/346)، ((تفسير السعدي)) (ص: 751). قال البقاعي: (آذَنَّاكَ أي: أعلَمْناك سابِقًا بألسِنَةِ أحوالِنا، والآنَ بألسِنَةِ مَقالِنا، وفي كِلْتا الحالتَينِ أنت سامِعٌ لذلك؛ لأنَّك سامِعٌ لكُلِّ ما يُمكِنُ أن يُسمَعَ وإنْ لم يَسمَعْه غَيرُك). ((نظم الدرر)) (17/215). وقال الرَّسْعَني: (آَذَنَّاكَ أعْلَمْناك بما عَلِمتَ مِن عقائدِنا الآنَ، أو يقولونَ ذلك وقد سبَق إعلامُهم به أوَّلَ ما سُئِلوا، ثمَّ أُعِيد عليهم السَّؤالُ توبيخًا وتقريعًا، فحكَى اللهُ تعالى ذلك عنهم، أو يكونُ ذلك إنشاءً للإيذانِ). ((تفسير الرسعني)) (7/43). وقيل: يحتمِلُ أن يكونَ الشَّهيدُ بمعنى المُشاهِدِ، أي: المُبصِرِ، أي: ما أحَدٌ مِنَّا يَرى الَّذين كُنَّا ندعوهم شُرَكاءَك الآنَ، أي: لا نرى واحِدًا مِن الأصنامِ الَّتي كنَّا نَعبُدُها. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/572)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/8). وقيل: القائِلونَ بذلك مَعبوداتُهم، فهم يَتبَرَّؤون منهم فيَقولون: ما مِنَّا مِن أحَدٍ يَشهَدُ بصِحَّةِ ما أضافوا إلينا مِنَ الشَّرِكةِ. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/572)، ((تفسير القرطبي)) (15/371). قال القرطبي: (قَالُوا يعني: الأصنام. وقيل: المُشرِكونَ. ويحتمِلُ أن يُريدَهم جميعًا: العابِدَ والمَعبودَ). ((تفسير القرطبي)) (15/371). !
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا قرَّر جهْلَ المشركينَ؛ أتْبَعَه عَجْزَهم [781] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/215). .
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ.
أي: وغاب عن المُشرِكينَ يومَ القيامةِ آلهِتُهم الَّتي كانوا يَدْعُونَها مِن قبْلُ في الدُّنيا، فلم يَنفَعوهم، ولم يَنتَفِعوا بدُعائِهم لهم [782] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/456)، ((تفسير ابن عطية)) (5/22)، ((تفسير القرطبي)) (15/372)، ((تفسير ابن كثير)) (7/185)، ((تفسير السعدي)) (ص: 751)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 300). قال ابن جُزَي: (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ، أي: ضلَّ عنهم شركاؤُهم، بمعنى أنَّهم لا يرونَهم حينَئذٍ، فـ «ما» على هذا موصولةٌ. أو: ضلَّ عنهم قولُهم الَّذي كانوا يقولونَ مِن الشركِ، فـ «ما» على هذا مَصدريَّةٌ). ((تفسير ابن جزي)) (2/243). وممَّن قال بأنَّ المرادَ بقولِه تعالى: مَا كَانُوا يَدْعُونَ: آلهتُهم، فالمعنى أنَّها غابتْ عنهم فلم يُبصِروها ولم يَجِدوها: ابنُ جرير، والبِقاعي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/456، 457)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/215)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/8). قال البقاعي: (ولَمَّا كانت معبوداتُهم إمَّا ممَّن لا يَعقِلُ كالأصنامِ، وإمَّا في عِدادِ ذلك لكَونِهم لا فِعلَ لهم في الحقيقةِ؛ عبَّر عنهم بأداةِ ما لا يَعقِلُ، فقال: مَا كَانُوا). ((نظم الدرر)) (17/215). وقال ابن عاشور: (فالمرادُ به هنا: غَيْبةُ أصنامِهم عنهم، وعدمُ وُجودِها في تلك الحضرةِ، بقطعِ النَّظرِ عن كَونِها مُلْقاةً في جهنَّمَ، أو بقيتْ في العالَمِ الدُّنيويِّ حينَ فنائِه). ((تفسير ابن عاشور)) (25/8). وقيل: معنى: وَضَلَّ عَنْهُمْ: نَسُوا ما كانوا يَقولونَ في الدُّنيا ويَدْعُونَ مِن الآلهةِ والأصنامِ. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ عطية. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/22). ويُنظر أيضًا: ((تفسير السعدي)) (ص: 751، 752). .
كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا * وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا [الكهف: 52، 53].
وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ.
أي: وظنُّوا أنَّهم ليس لهم فِرارٌ ولا مَهرَبٌ مِن عَذابِ اللهِ يَحيدُونَ إليه، أو أمرٌ يُمَوِّهونَ به ويُراوِغونَ [783] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/457)، ((تفسير ابن عطية)) (5/22)، ((تفسير القرطبي)) (15/372)، ((تفسير ابن كثير)) (7/185)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/216)، ((تفسير السعدي)) (ص: 751)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/8). قال ابن عطية: (قوله: وَظَنُّوا يحتملُ أن يكونَ متَّصِلًا بما قبْلَه ويكونَ الوقفُ عليه، ويكونَ قولُه: مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ استئنافَ نفيِ أن يكونَ لهم منجى أو موضعُ روغانٍ... ويكون الظَّنُّ على هذا التَّأويلِ على بابِه، أي: ظنُّوا أن هذه المقالةَ: مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ منجاةٌ لهم، أو أمرٌ يموِّهون به. ويحتملُ أن يكونَ الوقفُ في قَولِه: مِنْ قَبْلُ، ويكونَ: وَظَنُّوا متَّصِلًا بقوله: مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ أي: ظنُّوا ذلك، ويكون الظَّنُّ على هذا التَّأويلِ بمعنى اليقينِ، وبه فسَّر السُّدِّيُّ، وهذه عبارةٌ يُطلِقُها أهلُ اللِّسانِ على الظَّنِّ، ولستَ تجدُ ذلك إلَّا فيما عُلِم عِلمًا قويًّا، وتقرَّر في النَّفْسِ، ولم يَتلبَّسْ به بعدُ، وإلَّا فمتى تلبَّس بالشَّيءِ، وحصَل تحتَ إدراكِ الحواسِّ؛ فلَسْتَ تَجِدُهم يوقِعونَ عليه لفظةَ الظَّنِّ). ((تفسير ابن عطية)) (5/22). .
لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بَيَّنَ اللهُ تعالى مِن حالِ هؤلاء الكُفَّارِ أنَّهم بعدَ أنْ كانوا مُصِرِّينَ على القَولِ بإثباتِ الشُّرَكاءِ والأضْدادِ لله في الدُّنيا، تبَرَّؤوا عن تلك الشُّرَكاءِ في الآخِرةِ؛ بيَّنَ أنَّ الإنسانَ في جميعِ الأوقاتِ مُتبَدِّلُ الأحوالِ، مُتغَيِّرُ المنهجِ؛ فإنْ أحَسَّ بخَيرٍ وقُدرةٍ انتَفَخ وتعَظَّم، وإن أحسَّ ببَلاءٍ ومِحنةٍ ذَبَلَ، إنْ رأى خيرًا تَدَلَّى، وإن رأى شرًّا تَوَلَّى، فقال [784] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/572). :
لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ.
أي: لا يَمَلُّ الإنسانُ مِن سُؤالِ رَبِّه المالَ والصِّحَّةَ وغَيرَ ذلك مِن مَطالِبِ الدُّنيا، ولا يَزالُ يَطلُبُ الزِّيادةَ مِنها [785] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/457)، ((تفسير القرطبي)) (15/372)، ((تفسير ابن كثير)) (7/186)، ((تفسير السعدي)) (ص: 752)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/9، 10). .
كما قال تعالى: وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر: 19، 20].
وقال سُبحانَه: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات: 8].
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((قَلْبُ الشَّيخِ شابٌّ على حُبِّ اثنتَينِ: طُولِ الحياةِ، وحُبِّ المالِ)) [786] رواه البخاري (6420)، ومسلم (1046) واللفظ له. .
وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((لو كان لابنِ آدَمَ وادِيانِ مِن مالٍ لَابْتَغى ثالِثًا، ولا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدمَ إلَّا التُّرابُ [787] ولا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدمَ إلَّا التُّرابُ: أي: لا يَزالُ حَريصًا على الدُّنيا حتَّى يموتَ، ويَمتلِئَ جَوفُه مِن ترابِ قَبرِه. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/139). ، ويَتوبُ اللهُ على مَن تاب)) [788] رواه البخاري (6436) واللفظ له، ومسلم (1049). .
وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ.
أي: وإن نالَ الإنسانَ شِدَّةٌ وكَربٌ، مِن مَرَضٍ أو فَقرٍ أو غَيرِ ذلك؛ فهو ذو يأسٍ شَديدٍ مِن تفريجِ اللهِ عنه، قَنوطٌ مِن أن يَرحَمَه اللهُ [789] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/457)، ((الوسيط)) للواحدي (4/40)، ((تفسير السمعاني)) (5/59)، ((تفسير القرطبي)) (15/372)، ((تفسير السعدي)) (ص: 752)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/10). .
كما قال تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ [هود: 9] .
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50).
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي.
أي: ولئن مَنَحْنا الإنسانَ نِعمةً وَخيرًا مِنَّا بعدَ الشِّدَّةِ والمحنةِ الَّتي أصابَتْه، لَيَقولَنَّ بغُرورٍ: أنا أهلٌ لهذا الخَيرِ ومُستَحِقٌّ له [790] يُنظر: ((الروح)) لابن القيم (ص: 245)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 38)، ((تفسير ابن كثير)) (7/186)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/218)، ((تفسير السعدي)) (ص: 752). قيل: لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي: لأنَّ اللهَ راضٍ عنِّي برِضاه عن عَمَلي، وما أنا عليه مُقيمٌ. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ جرير، والقرطبيُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/458)، ((تفسير القرطبي)) (15/373). وقيل: المعنى: هذا الخَيرُ حَقٌّ لي حَصَلتُ عليه بعِلْمي وسَعْيي وتَدبيري، ويَنسى فضْلَ اللهِ عليه، ولُطفَه به. وممَّن ذهب إلى هذا القول: ابنُ عطية، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/22)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/11). وممَّن قال بنحوِ هذا القولِ مِن السَّلفِ: مجاهدٌ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/458). .
كما قال تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ [هود: 10] .
وقال سُبحانَه: فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ [الزمر: 49] .
وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً.
أي: وما أظُنُّ القيامةَ كائِنةً؛ فلَستُ على يقينٍ مِن وُقوعِ البَعثِ وحُصولِ الجَزاءِ [791] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/459)، ((تفسير السمرقندي)) (3/232)، ((تفسير الماوردي)) (5/188)، ((الوسيط)) للواحدي (4/40)، ((تفسير ابن كثير)) (7/186)، ((تفسير السعدي)) (ص: 752). .
وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى.
أي: وعلى فَرْضِ أنِّي رُدِدْتُ إلى ربِّي، وبُعِثتُ بعدَ مَوتي، فستَكونُ لي الجنَّةُ [792] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (4/137)، ((تفسير القرطبي)) (15/373)، ((تفسير ابن جزي)) (2/243)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 310). ممَّن اختار أنَّ المرادَ بالحُسنى الجنَّةُ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والبغويُّ، وابن الجوزي، والقرطبي، وابن جُزَي، والخازن، والعُلَيمي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/748)، ((تفسير البغوي)) (4/137)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/56)، ((تفسير القرطبي)) (15/373)، ((تفسير ابن جزي)) (2/243)، ((تفسير الخازن)) (4/91)، ((تفسير العليمي)) (6/166). قيل: المعنى: كما أعطاني في الدُّنيا سيُعطيني في الآخرةِ. وقيل: إنَّه يقولُ ذلك استهزاءً. يُنظر: ((تفسير الخازن)) (4/91)، ((تفسير العليمي)) (6/166). وممَّن اختار أنَّ المرادَ بالحُسنى الحالةُ الحسَنةُ: الرَّسْعَنيُّ، وأبو حيَّان، والبِقاعي، والشوكاني، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (7/44)، ((تفسير أبي حيان)) (9/316)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/219)، ((تفسير الشوكاني)) (4/598)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/12). وقال ابن جرير: (إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى يقولُ: إنَّ لي عندَه غنًى ومالًا). ((تفسير ابن جرير)) (20/459). وقال ابن كثير: (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى أي: ولَئِنْ كان ثَمَّ مَعادٌ فلَيُحسِنَنَّ إلَيَّ ربِّي، كما أحسَنَ إلَيَّ في هذه الدَّارِ، يَتمَنَّى على الله عزَّ وجلَّ، معَ إساءَتِه العملَ، وعدمِ اليقينِ). ((تفسير ابن كثير)) (7/186). !
كما قال تعالى حِكايةً لِقَولِ صاحِبِ الجنَّتينِ: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا [الكهف: 36] .
فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا.
أي: فلَنُخبِرَنَّ يومَ القيامةِ هؤلاء الكافِرينَ بالَّذي عَمِلوه في الدُّنيا مِنَ السَّيِّئاتِ [793] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/459)، ((تفسير القرطبي)) (15/373)، ((تفسير الشوكاني)) (4/599)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 311). .
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ.
أي: ولَنُذِيقَنَّهم مِن عذابِ النَّارِ الشَّديدِ الإيلامِ [794] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/459)، ((تفسير القرطبي)) (15/373)، ((تفسير السعدي)) (ص: 752)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/13)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 312). .
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا حكى اللهُ تعالى أقوالَ الَّذي أنعَمَ عليه بعدَ وُقوعِه في الآفاتِ؛ حكَى أفعالَه أيضًا [795] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/573). .
وأيضًا لَمَّا بيَّنَ اللهُ تعالى جَهْلَ الإنسانِ في حالاتٍ مَخصوصةٍ؛ باليأسِ عندَ مَسِّ الشَّرِّ، والأمْنِ عندَ ذَوقِ النِّعمةِ بعدَ الضُّرِّ؛ بيَّنَ حالَه عندَ النِّعمةِ مُطلقًا، ودُعاءَه عندَ الشَّرِّ وإن كان قانِطًا؛ تكريرًا لتقَلُّبِ أحوالِه، وتناقُضِ أقوالِه وأفعالِه، تَصريفًا لذلك على وُجوهٍ شَتَّى؛ لِيَكونَ داعيًا له إلى عَدَمِ الأنَفةِ مِن الرُّجوعِ عن الكُفرِ إلى الإيمانِ [796] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/220). .
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ.
أي: وإذا أنعَمْنا على الإنسانِ بنِعمةٍ مِن رِزقٍ أو صِحَّةٍ، أعرَض عن عبادةِ اللهِ وشُكْرِه وَحْدَه، وترفَّعَ عن الانقيادِ إلى الحَقِّ وتكَبَّرَ [797] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/459)، ((تفسير القرطبي)) (15/373)، ((تفسير ابن كثير)) (7/186)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/221)، ((تفسير السعدي)) (ص: 752)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/14، 15). وقال ابن عثيمين في قوله تعالى: وَنَأَى بِجَانِبِهِ: (أعرَض ببدنِه وبقلبِه مفتخرًا متعاظمًا). ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 321). !
كما قال الله تعالى: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [يونس: 12] .
وقال سُبحانَه: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا [الإسراء: 67] .
وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ.
أي: وإذا نال الإنسانَ شَرٌّ مِن مَرَضٍ أو فَقرٍ، تضَرَّعَ إلى اللهِ واستغاثَ به؛ لِيَكشِفَ عنه ضُرَّه، وأطال الدُّعاءَ واستَكثَرَ مِنه [798] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/460)، ((تفسير القرطبي)) (15/373)، ((تفسير الشوكاني)) (4/599)، ((تفسير السعدي)) (ص: 752)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/14، 15)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 321، 322). .
كما قال الله تعالى: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا [يونس: 12] .
وقال سُبحانَه: ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ [النحل: 53، 54].
وقال عزَّ وجَلَّ: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ [الزمر: 8].
وقال تبارك وتعالى: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج: 19، 20].

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى: لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ دَليلٌ أنَّ على المرءِ أنْ يَصبِرَ عندَ المصائبِ، ولا يَيأسَ مِن رَحمةِ ربِّه، ولا يُلهِيَه مَسُّ المُصيبةِ عن الذِّكْرِ والشُّكرِ؛ فإنَّ المصائبَ وإنْ كانت تَشُقُّ عليه فهي كَفَّاراتٌ، وعاقِبتُها كَراماتٌ، ومِن صفةِ المؤمِنِ أنْ يكونَ شَكورًا عندَ الشَّدائدِ والرَّخاءِ؛ فما مِن شِدَّةٍ إلَّا وفَوقَها شِدَّةٌ، فإذا بُلِيَ بأدوَنِها كان عليه الشُّكرُ في صَرفِ أرفَعِها والمعافاةِ منها، فمَن جَعَل موضِعَ الشُّكرِ القُنوطَ واليأسَ قَلَّ تَبَصُّرُه، وساء تَخَيُّرُه [799] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/85). .
2- قَولُ الله تعالى: لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ وَصَف خُلُقَينِ ذَميمَينِ؛ أحَدُهما: خُلُقُ البَطَرِ بالنِّعمةِ، والغَفلةِ عن شُكرِ اللهِ عليها. وثانيهما: اليأسُ مِن رُجوعِ النِّعمةِ عندَ فَقْدِها [800] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/11). .
3- قال الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ قَولُه: مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ يعني: أنَّه تيقَّنَ الضَّرَرَ ثمَّ جاءت الرَّحمةُ مِن عندِ اللهِ تعالى، وهذا أبلَغُ في النِّعمةِ: أنْ تأتيَ بعدَ الضَّرَرِ؛ لأنَّ النِّعمةَ الدَّائِمةَ لا يُحَسُّ بها، لكِنَّ النِّعمةَ الطَّارِئةَ بعدَ الضَّررِ هي الَّتي يُحَسُّ بها؛ ولهذا مَن لم يَذُقْ مَرارةَ المَرَضِ، فإنَّه لا يتذوَّقُ حَلاوةَ الصِّحَّةِ [801] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 308، 309). .
4- قَولُ الله تعالى: وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ فيه تَنبيهٌ أنَّه ينبغي للإنسانِ أن يَشرَعَ في الدُّعاءِ عندَ التوقُّعِ، بل قَبْلَه؛ تعَرُّفًا إلى اللهِ تعالى في الرَّخاءِ، لِيَعرِفَه في الشِّدَّةِ، وهو خُلُقٌ شَريفٌ لا يَعرِفُه إلَّا أفرادٌ خَصَّهم اللهُ بلُطفِه [802] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/222). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ أنَّ مَن ادَّعَى عِلمَ السَّاعةِ فهو كافرٌ؛ لأنَّه مُكَذِّبٌ للهِ ورسولِه، وتكذيبُ اللهِ ورسولِه مِن أسبابِ الرِّدَّةِ، ومَن صَدَّقَه فهو كافرٌ أيضًا؛ لأنَّه صَدَّقَ ما هو تكذيبٌ للقرآنِ؛ ومَن صَدَّقَ ما هو تكذيبٌ للقرآنِ فإنَّه كافرٌ بلا شكٍّ [803]  يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 298). .
2- قوله: وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ وبعدَه: وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ لا منافاةَ بيْنَهما؛ لأَنَّ معناه: يَئوسٌ قَنُوطٌ بالقلبِ، دَعَّاءٌ باللِّسانِ. وقيل: قَنُوطٌ مِن الصَّنمِ، دَعَّاءٌ لله. وقيل: الأوَّلُ في قَومٍ، والثَّاني في آخَرينَ. وقيل: الدُّعاءُ مذكورٌ في الآيتَينِ، وهو لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ في الأوَّلِ، و: فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ في الثَّاني [804] يُنظر: ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/416). .
3- قَولُ الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا سَمَّى النِّعمةَ رَحمةً؛ إذ هي مِن آثارِ رَحمةِ اللهِ تعالى [805] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/315). ، ورحمةُ اللهِ تبارك وتعالى نَوعانِ: رحمةٌ خاصَّةٌ، ورحمةٌ عامَّةٌ، فما به قِوامُ البَدَنِ هو مِن الرَّحمةِ العامَّةِ؛ لأنَّه يَشملُ المؤمنَ والكافرَ، والبَرَّ والفاجرَ، والإنسانَ والحيوانَ، وما به قِوامُ الدِّينِ فهو مِن الرَّحمةِ الخاصَّةِ، وهذا يَختصُّ بالمؤمنينَ [806] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 312). .
4- قال الله تعالى: لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ فأسنَدَ إلى نَفْسِه تعالى الخَيرَ في قَولِه: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا بعدَ أنْ ذكَرَ الشَّرَّ ولم يُسنِدْه إليه في قَولِه: وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ؛ وأيضًا في قولِه: ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ تَعليمًا للأدَبِ [807] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/217). مع اللهِ، كما قال إبراهيمُ عليه السَّلامُ: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ... [الشعراء: 78] إلخ، ثمَّ قال: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء: 80] ، فلم يَقُلْ: وإذا أمرَضَني [808] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/15). .
5- قال تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً اعْلَمْ أنَّ الإنسانَ مُتفاوتةٌ أفرادُه في هذا الخُلُقِ المَعزُوِّ إليه هنا، على تَفاوتِ أفرادِه في الغُرورِ، ولَمَّا كان أكثرُ النَّاسِ يَومَئذٍ المُشركينَ، كان هذا الخُلُقُ فاشيًا فيهمْ يَقْتضيهِ دِينُ الشِّركِ. ولا نظَرَ في الآيةِ لِمَن كان يومَئذٍ مِن المسلمينَ؛ لأنَّهمُ النَّادرُ، على أنَّ المُسلِمَ قد يُخامِرُه بعضُ هذا الخُلُقِ، وتَرتسِمُ فيه شِياتٌ منه، ولكنَّ إيمانَه يَصرِفُه عنه انصِرافًا بقَدْرِ قُوَّةِ إيمانِه، ومَعلومٌ أنَّه لا يَبلُغُ به إلى الحدِّ الَّذي يقولُ: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً، ولكنَّه قد تَجْري أعمالُ بعضِ المُسلمينَ على صُورةِ أعمالِ مَن لا يَظُنُّ أنَّ السَّاعةَ قائمةٌ، مِثلُ أولئك الَّذين يَأْتون السَّيِّئاتِ ثمَّ يَقولونَ: إنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ، واللهُ غَنِيٌّ عن عَذابِنا، وإذا ذُكِرَ لهم يومُ الجزاءِ قالوا: ما ثَمَّ إلَّا الخيرُ، ونحوَ ذلك، فجَعَل اللهُ في هذه الآيةِ مَذَمَّةً لِلمُشرِكينَ، ومَوعِظةً لِلمُؤمِنينَ؛ كَمَدًا لِلأوَّلينَ، وانتِشالًا لِلآخِرينَ [809] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/13). .
6- في قَولِه تعالى: فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا أنَّ كلَّ شَيءٍ مُقَيَّدٌ محفوظٌ على الإنسانِ؛ يُؤخَذُ مِن قوله: بِمَا عَمِلُوا؛ فإنَّ «ما» اسمٌ موصولٌ تُفيدُ العمومَ [810] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 316). .
7- في قَولِه تعالى: وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ أنَّ الإنسانَ يَعرِفُ مِن نَفْسِه الضَّعْفَ إذا أصابَه الضَّرَرُ، ويَلْجَأُ إلى اللهِ، حتَّى الكافرُ يَعرِفُ مِن نفْسِه الضَّعْفَ، ويَلْجأُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ [811] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 322). .
8- قال تعالى: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ هذا وصْفٌ وتذكيرٌ بضَرْبٍ آخَرَ مِن طُغيانِ النَّفْسِ الإنسانيَّةِ، غيرِ خاصٍّ بأهلِ الشِّركِ، بل هو مُنبَثٌّ في جميعِ النَّاسِ على تفاوُتٍ، إلَّا مَن عصَم اللهُ، وهو توصيفٌ لِنَزَقِ النَّفْسِ الإنسانيِّ وقلَّةِ ثباتِه، فإذا أصابَتْه السَّرَّاءُ طغَى وتكبَّر، ونسِيَ شُكرَ ربِّه نسيانًا قليلًا أو كثيرًا، وشُغِل بِلَذَّاتِه، وإذا أصابَتْه الضَّرَّاءُ لم يَصبِرْ، وجزِع، ولجأ إلى ربِّه، يُلِحُّ بسؤالِ كشفِ الضَّرَّاءِ عنه سريعًا، لم يَتذكَّرِ الإقبالَ على دعاءِ ربِّه إلَّا عندَما يَمَسُّه الشَّرُّ، وكان الشَّأنُ ألَّا يَغفلَ عن ذلك في حالِ النِّعمةِ، فيدعو بدوامِها، ويَشكُرُ ربَّه عليها، وقَبولِ شكرِه؛ لأنَّ تلك الحالةَ أولَى بالعنايةِ مِن حالةِ مسِّ الضُّرِّ [812] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/14). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ
- قولُه: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ فيه تَقديمُ المَجرورِ في إِلَيْهِ على مُتَعلَّقِه؛ لِإفادةِ الحَصرِ، أيْ: إلى اللهِ يُفَوَّضُ عِلمُ السَّاعةِ، لا إلَيَّ؛ فهو قَصرُ قَلبٍ [813] قصر القلب: هو أنْ يَقلِبَ المتكلِّمُ فيه حُكمَ السَّامع، كقولِك: ما شاعرٌ إلَّا زيدٌ، لِمَن يَعتقِدُ أنَّ شاعرًا في قبيلةٍ معيَّنةٍ أو طرَفٍ معيَّنٍ، لكنَّه يقولُ: ما زيدٌ هناك بشاعرٍ. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 288). ، ورَدٌّ على المُستَهزِئينَ بالسَّاعةِ بطَريقِ الأُسلوبِ الحَكيمِ [814] الأسلوبُ الحكيمُ: هو تلقِّي المخاطَبِ بغيرِ ما يترقَّبُ بحملِ كلامِه على غيرِ مُرادِه؛ تنبيهًا على أنَّه هو الأَولَى بالقصدِ، وكذلك أيضًا تلقِّي السَّائلِ بغيرِ ما يتطلَّبُ؛ تنبيهًا على ما هو الأَولى بحالِه وبالسُّؤالِ عنه، وهو مِن خلافِ مقتضَى الظاهرِ. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 327)، ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (4/42، 43)، ((مفاتيح التفسير)) للخطيب (1/132). ، أيْ: الأجدَرُ أنْ تَعلَموا أنَّه لا يَعلَمُ أحَدٌ متى السَّاعةُ، وأنْ تُؤمِنوا بها، وتَستَعِدُّوا لها، والرَّدُّ: الإرجاعُ، وهو مُستَعمَلٌ لِتَفويضِ عِلْمِ ذلك إلى اللهِ، والتَّبَرُّؤِ مِن أنْ يَكونَ لِلمَسؤولِ عِلْمٌ به، فكَأنَّه جيءَ بالسُّؤالِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فرَدَّه إلى اللهِ [815] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/5). . وهذا التَّقديمُ يَجوزُ أنْ يَكونَ إشارةً إلى جَوابِ مُنكِرٍ يَزعُمُ أنَّ عِلْمَ السَّاعةِ غَيرُ مُختَصٍّ باللهِ، فيُجابُ بالحَصرِ، أيْ: لا يَعلَمُها إلَّا اللهُ، وأنْ يَكونَ جَوابًا عن مُتَرَدِّدٍ يَترَدَّدُ في ذلك، ويَشُكُّ فيه، فيُزالُ شَكُّه بقَولِه: اللهُ يَعلَمُ؛ لِإرادَتِه تَقَوِّي الحُكمِ المُستَلزِمِ لِلتَّخصيصِ؛ لِاختِصاصِ ذِكرِ الاسمِ الجامِعِ، وأنَّه تعالَى يَعلَمُه حَقًّا البَتَّةَ، فلا يَعلَمُ غَيرُه [816] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/204)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/620). .
- وعَطفُ جُملةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وما بَعدَها تَوجيهٌ لِصَرفِ العِلْمِ بوَقتِ السَّاعةِ إلى اللهِ، بذِكرِ نَظائِرَ لا يَعلَمُها النَّاسُ، وليس عِلْمُ السَّاعةِ بأقرَبَ منها؛ فإنَّها أُمورٌ مُشاهَدةٌ، ولا يَعلَمُ تَفصيلَ حالِها إلَّا اللهُ، أيْ: فليس في عَدَمِ العِلْمِ بوَقتِ السَّاعةِ حُجَّةٌ على تَكذيبِ مَن أَنذَرَ بها؛ لِأنَّهم قالوا: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [يس: 48] ، أيْ: إنْ لم تُبَيِّنْ لنا وَقتَه فلَستَ بصادِقٍ! فهذا وَجهُ ذِكرِ تلك النَّظائِرِ [817] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/5، 6). .
- وفي قولِه: وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ عُدِلَ عن إعادةِ حَرفِ (ما) مَرَّةً أُخرى في قَولِه: وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ؛ لِلتَّفادي مِن ذِكرِ حَرفٍ واحِدٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ؛ لِأنَّ تَساويَ هذه المَنفيَّاتِ الثَّلاثةِ في عِلْمِ اللهِ تَعالى، وفي كَونِ أزمانِ حُصولِها سَواءٌ بالنِّسبةِ لِلحالِ ولِلاستِقبالِ [818] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/6). .
- وحَرفُ (مِنْ) بَعدَ مَدخُولَيْ (ما) في المَوضِعَيْنِ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أُنْثَى؛ لِإفادةِ عُمومِ النَّفيِ والاستِغراقِ [819] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/74)، ((تفسير أبي السعود)) (8/17)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/6)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/576). .
- قوله: وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي لَمَّا كانَ ما يَخرُجُ مِن أكمامِ الشَّجَرةِ وما تَحمِلُ الإناثُ وتَضَعُه هو إيجادَ أشياءَ بَعدَ العَدَمِ، ناسَبَ أنْ يُذكَرَ مع عِلْمِ الساعةِ؛ إذْ في ذلك دَليلٌ على البَعثِ، إذْ هو إعادةٌ بَعدَ إعدامٍ، وناسَبَ ذِكرُ أحوالِ المُشرِكينَ في ذلك اليَومِ، وسُؤالُهم سُؤالَ التَّوبيخِ، فقالَ: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي، أيْ: الَّذين نَسَبْتُموهم إلَيَّ، وزَعَمْتُم أنَّهم شُرَكاءُ لي، وفي ذلك تَهَكُّمٌ بهم وتَقريعٌ [820] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/314). .
- قولُه: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ عطْفٌ على الجُملةِ قبْلَها؛ فإنَّه لَمَّا تَضمَّن قولُه: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ إبطالَ شُبْهتِهم بأنَّ عدَمَ بَيانِ وقْتِها يدُلُّ على انتفاءِ حُصولِها، وأُتبِعَ ذلك بنَظائرَ لِوَقتِ السَّاعةِ ممَّا هو جارٍ في الدُّنيا دَومًا؛ عادَ الكَلامُ إلى شَأنِ السَّاعةِ على وَجهِ الإنذارِ، مُقتَضيًا إثباتَ وُقوعِ السَّاعةِ بذِكرِ بَعضِ ما يَلقَوْنَه في يَومِها [821] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/7). .
- قولُه: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ وَيَوْمَ مَنصوبٌ بـ (اذكُرْ)، أو ظَرفٌ لِمُضمَرٍ مُؤَخَّرٍ قد حُذِف للتَّنبيةِ على كمالِ هَولِه، وفظاعةِ ما فيه، والإيذانِ بقُصورِ العبارةِ عن بيانِه، أي: يومَ يناديهم يكونُ مِن الأحوالِ والأهوالِ ما لا يَفي ببيانِه المقالُ [822] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/208) و (8/18)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/7). .
- وجُملةُ أَيْنَ شُرَكَائِي يصِحُّ أنْ تكونَ مَقولَ قولٍ مَحذوفٍ، كما صُرِّحَ به في آيةٍ أُخرى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [القصص: 62، 74]، وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص: 65]، وحذْفُ القولِ ليس بعَزيزٍ. ويصِحُّ أنْ تكونَ مُبيِّنةً لِمَا تَضمَّنَه يُنَادِيهِمْ مِن معنى الكلامِ المُعلَنِ به [823] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/7). .
- وفي قولِه: أَيْنَ شُرَكَائِي تَهَكُّمٌ بهم، وتَقريعٌ لهم [824] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/204)، ((تفسير البيضاوي)) (5/74)، ((تفسير أبي حيان)) (9/314، 315)، ((تفسير أبي السعود)) (8/18). .
- قولُه: قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ جاءَتْ جُملةُ قَالُوا آَذَنَّاكَ غَيرَ مَعطوفةٍ؛ لِأنَّها جاريةٌ على طَريقةِ حِكايةِ المُحاوَراتِ، وقَولُهم: آَذَنَّاكَ؛ إمَّا لِأنَّ هذا التَّوبيخَ مَسبوقٌ بتَوبيخٍ آخَرَ مُجابٍ بهذا الجَوابِ، وهذا يَقتَضي أنَّه تعالَى قد سألَ عنهم بمِثلِ هذا السُّؤالِ قبْلَ ذلك، وأنَّهم أجابوه بمِثلِ هذا الجَوابِ ثمَّ أعادَه عليهم، أو لِأنَّ مَعناهُ أنَّكَ عَلِمتَ مِن قُلوبِنا وعَقائِدِنا الآنَ أنَّا لا نَشهَدُ تلكَ الشَّهادةَ الباطِلةَ؛ لِأنَّه إذا عَلِمَه مِن نُفوسِهم فكَأنَّهم أعلَمُوه، أو لِأنَّ مَعناهُ الإنشاءُ، لا الإخبارُ بإيذانٍ قد كان قبْلَ ذلكَ، كما تَقولُ: أعْلِمِ المَلِكَ إنَّه كان مِنَ الأمْرِ كَيْتَ وكَيْتَ. وقد سُئِلوا مَرَّةً أُخرى؛ لِأنَّه يَجوزُ أنْ يُعادَ عليهم أَيْنَ شُرَكَائِي؛ إعادةً لِلتَّوبيخِ، وإعادَتُه في القُرآنِ على سَبيلِ الحِكايةِ: دَليلٌ على إعادةِ المَحكيِّ [825] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/204)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/622)، ((تفسير أبي السعود)) (8/18)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/7). .
2- قولُه تعالَى: لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ
- قولُه: لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ كَلامٌ مُستَأنَفٌ لِلشُّروعِ في وَصفِ الإنسانِ في حالَتَيْ شِدَّتِه ورَخائِه [826] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/5). .
- وقولُه: لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ إلى قَولِه: إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى اعتِراضٌ بيْن أجزاءِ الوَعيدِ، وقد كانوا إذا أصابَتْهم نَعماءُ كَذَّبوا بقيامِ الساعةِ؛ فجُملةُ لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ إلى قَولِه: قَنُوطٌ تَمهيدٌ لِجُملةِ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا إلخ، ومَوقِعُ هذه الآياتِ عَقِبَ قَولِه: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ يَقتَضي مُناسَبةً في النَّظمِ داعيةً إلى هذا الاعتِراضِ؛ فتلك قاضيةٌ بأنَّ الإنسانَ المُخبَرَ عنه بأنَّه لا يَسأمُ مِن دُعاءِ الخَيرِ، وما عُطِفَ عليه هو مِن صِنفِ النَّاسِ الَّذين جَرى ذِكرُ قَصَصِهم قبْلَ هذه الآيةِ، وهم المُشرِكونَ، فإمَّا أنْ يكونَ المُرادُ فَريقًا مِن نَوعِ الإنسانِ، فيَكونَ تَعريفُ الإنسانِ تَعريفَ الجِنسِ العامِّ، لكنَّ عُمومَه عُرْفيٌّ بالقَرينةِ. وإمَّا أنْ يكونَ المُرادُ إنْسانًا مُعيَّنًا مِن هذا الصِّنفِ؛ فيَكونَ التَّعريفُ تَعريفَ العهْدِ. كما أنَّ الإخبارَ عن الإنسانِ بأنَّه يقولُ: (مَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً) صَريحٌ أنَّ المُخبَرَ عنه مِن المُشرِكين مُعيَّنًا كان أو عامًّا عُمومًا عُرْفيًّا، وأيًّا ما كان فالإخبارُ عن إنسانٍ كافرٍ. ومَحمَلُ الكَلامِ البَليغِ يُرشِدُ إلى أنَّ إناطةَ هذه الأخبارِ بصِنفٍ مِنَ المُشرِكينَ أو بمُشرِكٍ مُعَيَّنٍ بعُنوانِ إنسانٍ؛ يُومِئُ بأنَّ لِلجِبِلَّةِ الإنسانيَّةِ أثَرًا قَويًّا في الخُلُقِ الَّذي منه هذه العَقيدةُ، إلَّا مَن عَصَمَه اللهُ بوازِعِ الإيمانِ [827] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/9). .
- قَولُه: وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ اليَأسُ مِن صِفةِ القَلبِ، وبدَأ بصِفةِ القَلبِ؛ لأنَّها هي المؤثِّرةُ فيما يَظهَرُ على الصُّورةِ مِن الانكِسارِ [828] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/315). .
- ولم يَذكُرْ هنا أنَّه ذو دعاءٍ لِلَّهِ، كما ذَكَر في قولِه الآتي: وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ [فصلت: 51] ؛ قيل: لِأنَّ المَقصودَ أهلُ الشِّركِ، وهمْ إنَّما يَنصَرِفونَ إلى أصنامِهم [829] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/10). .
- وفيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيثُ قال هنا: لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ، ولمْ يُقيِّدْ مسَّ الشَّرِّ بلْ أطلَقَه؛ فلمْ يَذكُرْ (إذا) الَّتي تُفيدُ تَحَقُّقَ الوُقوعِ، بل اقترَنَ شَرْطُ مَسِّ الشَّرِّ هنا بحَرفِ (إنْ) الَّتي مِن شَأنِها أنْ تَدخُلَ على النَّادِرِ وُقوعُه؛ فإنَّ إصابةَ الشَّرِّ الإنسانَ نادِرةٌ بالنِّسبةِ لِمَا هو مَغمورٌ به مِنَ النِّعَمِ. ولَمَّا قيَّدَه بالبحرِ الَّذي هو مُتحقِّقٌ فيه ذلك أتَى بأداةِ (إذا) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 67] ؛ لأنَّ مَسَّ الضُّرِّ لهم في البَحرِ مُحقَّقٌ [830] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيِّم (1/47)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/11). .
- وقولُه: وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ فيه وَصفٌ لِلجِنسِ بوَصفِ غالِبِ أفرادِه؛ لِمَا أنَّ اليَأْسَ مِن رَحمَتِه تعالَى لا يَتَأتَّى إلَّا مِنَ الكَافرِ [831] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/18). .
- وأيضًا في نَظمِ هذه الآيةِ لَطائِفُ مِنَ البَلاغةِ؛ منها: التَّعبيرُ عن دَوامِ طَلَبِ النِّعمةِ بعَدَمِ السَّآمةِ. ومنها: التَّعبيرُ عن مَحبَّةِ الخَيرِ بدُعاءِ الخَيرِ. ومنها: التَّعبيرُ عن إضافةِ الضُّرِّ بالمَسِّ الَّذي هو أضعَفُ إحساسِ الإصابةِ؛ قالَ تَعالى: لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ [الزمر: 61] . ومنها: صِيغَتا المُبالَغةِ في فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ. ومنها: إتْباعُ (يَؤوسٌ) بـ (قَنوطٌ) الَّذي هو تَجاوُزُ إحساسِ اليَأْسِ إلى ظاهِرِ البَدَنِ بالانكِسارِ، وهو مِن شِدَّةِ يَأْسِه، فحَصَلَتْ مُبالَغَتانِ في التَّعبيرِ عن يَأْسِه بأنَّه اعتِقادٌ في ضَميرِه، وانفِعالٌ في سَحَناتِه؛ فالمُشرِكُ يَتأصَّلُ فيه هذا الخُلُقُ، ويَتَزايَدُ باستِمرارِ الزَّمانِ، والمُؤمِنُ لا تَزالُ تَربيةُ الإيمانِ تَكُفُّه عن هذا الخُلُقِ حتَّى يَزولَ منه أو يَكادَ [832] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/205)، ((تفسير البيضاوي)) (5/74)، ((تفسير أبي حيان)) (9/315)، ((تفسير أبي السعود)) (8/18)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/11). .
- وجاءَ قَولُ المُشرِكِ: وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى على سَبيلِ الاستِهزاءِ مِن إمكانيَّةِ البَعثِ. وذِكرُ إنكارِ البَعثِ هنا إدماجٌ [833] تقدم تعريفه (ص: 41). بذِكرِ أحوالِ الإنسانِ المُشرِكِ في عُمومِ أحوالِ الإنسانِ [834] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/12). .
- وأيضًا جِيءَ في حِكايةِ قولِه: وَلَئِنْ رُجِعْتُ بحَرْفِ (إن) الشَّرطيَّةِ الَّتي يَغلِبُ وُقوعُها في الشَّرطِ المشكوكِ وُقوعُه؛ لأنَّه جعَلَ رُجوعَه إلى اللهِ أمْرًا مَفروضًا ضَعيفَ الاحتمالِ [835] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/12). .
- وأمَّا دُخولُ اللَّامِ المُوَطِّئةِ لِلقَسَمِ في وَلَئِنْ فمَورِدُ التَّحقيقِ بالقَسَمِ هو حُصولُ الجَوابِ لو حَصَلَ الشَّرطُ، وكذلك التَّأكيدُ بحَرفِ (إِنَّ) ولامِ الابتِداءِ، مَورِدُه هو جَوابُ الشَّرطِ، وكذلك تَقديمُ لِي وعِنْدَهُ على اسمِ (إِنَّ) هو لِتَقَوِّي تَرَتُّبِ الجَوابِ على الشَّرطِ [836] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/316)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/12). .
- قولُه: إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى قيل: الحُسْنى: صِفةٌ لِمَوصوفٍ مَحذوفٍ، أيْ: الحالةُ الحُسْنى، أوِ المُعامَلةُ الحُسْنى. وقيل: الحُسْنى صارَتِ اسمًا لِلإحسانِ الكثيرِ؛ أخذًا مِن صِيغةِ التَّفضيلِ [837] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/12). .
- قولُه: فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ تَفريعٌ على جُملةِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي [فصلت: 47] وما اتَّصَلَ بها، أي: فلَنُعْلِمَنَّهم بما عَمِلوا عِلمًا يَعلَمون به أنَّا لا يَخْفَى علينا شَيءٌ ممَّا عَمِلوه، وتَقريعًا لهم، وقَولُه: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ هو المَقصودُ مِنَ التَّقريعِ [838] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/13). .
- وقولُه: فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا كِنايةٌ عَن جَزائِهم بأعْمالِهم السَّيِّئةِ [839] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/316). .
- والتَّعبيرُ بقولِه: الَّذِينَ كَفَرُوا مِن الإظهارِ في مَقامِ الإضمارِ، وكان مُقتَضى الظَّاهِرِ أنْ يُقالَ: (ولَنُنَبِّئَنَّهم بما عَمِلوا)؛ فعُدِلَ إلى المَوصولِ وصِلتِه؛ لِمَا تُؤذِنُ به الصِّلةُ مِن عِلَّةِ استِحقاقِهمُ الإنباءَ بما عَمِلوا، وإذاقةَ العَذابِ [840] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/13). ، ولبَيانِ العُمومِ، يعني: أنَّ هذا الوعيدَ ليس لهذا الرَّجُلِ وحْدَه؛ بلْ لكلِّ كافرٍ [841] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة فصلت)) (ص: 318). .
- في قولِه: عَذَابٍ غَلِيظٍ كَنَّى بغَليظِ العَذابِ عن شِدَّتِه [842] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/316). .
3- قولُه تعالَى: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ هذا وَصفٌ وتَذكيرٌ بضَرْبٍ آخَرَ مِن طُغيانِ النَّفْسِ الإنسانيَّةِ غَيرِ خاصٍّ بأهلِ الشِّركِ، وهو تَوصيفٌ لِنَزَقِ النَّفْسِ الإنسانيِّ وقِلَّةِ ثَباتِه، وأمَّا ما تَقدَّمَ مِن قولِه: لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ إلى قولِه: لَلْحُسْنَى [فصلت: 49، 50]، فهو وَصفٌ لِضَرْبٍ آخَرَ أشَدَّ، وهو خاصٌّ بأهْلِ الشِّركِ؛ لِمَا وقَعَ فيه مِن قولِه: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً [الكهف: 36]؛ فليس قَولُه: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ إلخ تَكريرًا مع قَولِه: لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ [فصلت: 49] الآيةَ؛ فهذا التَّفَنُّنُ في وَصفِ أحوالِ الإنسانِ مع رَبِّه هو الَّذي دَعا إلى ما اشتَمَلَ عليه قَولُه: وَإِذَا أَنْعَمْنَا مِن بَعضِ التَّكريرِ لِما ذُكِرَ في الضَّربِ المُتَقدِّمِ؛ لِزيادةِ تَقريرِه، ولِلإشارةِ إلى اختِلافِ الحالَتَيْنِ؛ باعتِبارِ الشِّركِ وعَدَمِه مع اتِّحادِهما في مَثارِ الجِبِلَّةِ الإنسانيَّةِ، وباعتِبارِ ما قَدَّرَه اللهُ لِلإنسانِ [843] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/14). .
- ومُتعلَّقُ فِعلِ أَعْرَضَ مَحذوفٌ؛ لِدَلالةِ السِّياقِ عليه، والتَّقديرُ: أعرَضَ عن دُعائِنا [844] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/15). .
- قولُه: وَنَأَى بِجَانِبِهِ المَعنى: أبْعَدَ جانِبَه، كِنايةً عن إبعادِ نَفْسِه عنِ الدُّعاءِ؛ تَكَبُّرًا وتَعاظُمًا، ووَلَّى مُعرِضًا غَيرَ مُلتَفِتٍ بوَجهِه إلى الشَّيءِ الَّذي ابتعَدَ هو عنه [845] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/15). .
- وأيضًا في قولِه: وَنَأَى بِجَانِبِهِ كِنايةٌ؛ للتَّعظيمِ إذا أُرِيدَ بالجانبِ النَّفْسُ، أو مِن بابِ الرَّمْزِ إذا أُرِيدَ بالجانبِ العِطْفُ، ويكونُ عبارةً عن الانحرافِ، ومَرْجِعُه أيضًا إلى التَّكبُّرِ والخُيَلاءِ؛ لأنَّ المُتكبِّرَ لا يَخْلو مِن تلك الحَرَكاتِ [846] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/205)، ((تفسير البيضاوي)) (5/74)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/626)، ((تفسير أبي السعود)) (8/19). .
- وفي قولِه: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا [الإسراء: 83] أتَى بـ (إذا) المُشعِرةِ بتَحقيقِ الوُقوعِ المُستلزِمِ لِليأْسِ؛ فإنَّ اليأْسَ إنَّما حصَلَ عندَ تَحقُّقِ مَسِّ الشَّرِّ له؛ فكان الإتيانُ بـ (إذا) هاهنا أدَلَّ على المعنى المقصودِ مِن (إنْ)، بخِلافِ قولِه: وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ؛ فإنَّه بقِلَّةِ صَبْرِه وضَعْفِ احتمالِه، متى تَوقَّعَ الشَّرَّ أعرَضَ، وأطال في الدُّعاءِ، فإذا تَحقَّقَ وُقوعَه كان يَؤوسًا [847] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (1/47، 48). .
- وقيل: عَبَّرَ في جانِبِ الشَّرِّ بأداةِ التَّحقيقِ -على غيرِ عادةِ القُرآنِ في الأغلَبِ-؛ لِيَدُلَّ على أنَّه لزِيادةِ جَهلِه على الحَدِّ يَلزَمُ الكِبْرَ وإنْ كان يَتوقَّعُ الشَّرَّ، ولا يَزالُ حالُه حالَ الآمِنِ إلى أن يُخالِطَه، وحينَئذٍ تَنحَلُّ عُراه وتَضمَحِلُّ [848] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/222). .
- قولُه: فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ شُبِّهَ الدُّعاءُ المُتَكرِّرُ المُلَحُّ فيه بالثَّوبِ أو المَكانِ العَريضِ، وهو أبلَغُ مِن الطَّويلِ؛ إذ الطُّولُ أطولُ الامتدادَينِ، فإذا كان عَرضُه كذلك فما ظَنُّكَ بطُولِه [849] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/205)، ((تفسير البيضاوي)) (5/74)، ((تفسير أبي حيان)) (9/316)، ((تفسير أبي السعود)) (8/19)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/15)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/9). ؟!
- وعُدِلَ عن أنْ يُقالَ: (فَداعٍ) إلى فَذُو دُعَاءٍ؛ لِمَا تُشعِرُ به كَلِمةُ (ذو) مِن مُلازَمةِ الدُّعاءِ له، وتَمَلُّكِه منه [850] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/15). .
- وأيضًا قولُه: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ مِن الاحتباكِ [851] الاحتِباكُ: هو الحذفُ مِن الأوائلِ لدَلالةِ الأواخِرِ، والحذفُ مِن الأواخرِ لدَلالةِ الأوائلِ، إذا اجتمَع الحَذفانِ معًا، وله في القرآنِ نظائرُ، وهو مِن إبداعاتِ القرآنِ وعناصرِ إعجازِه، وهو مِن ألطفِ الأنواعِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/204)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (1/347). ، حيثُ ذُكِرَ الإنعامُ أوَّلًا دليلًا على الانتقامِ ثانيًا، وذُكِرَ الشَّرُّ ثانيًا دَليلًا على الخيرِ أوَّلًا، وسِرُّه: تَعليمُ الأدَبِ بنِسبةِ الإنعامِ دونَ الشَّرِّ إليه، وإنْ كان الكلُّ منه [852] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/222). .
الآيات (52-54)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54).