موسوعة التفسير

سورةُ الكَهفِ
الآيات (99-102)

ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ

غريب الكلمات:

يَمُوجُ: أي: يَضطَرِبُ ويختَلِطُ، وأصلُ (موج): يدلُّ على اضْطِرابٍ فِي شَيءٍ [1500] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 513)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/284)، ((المفردات)) للراغب (ص: 782)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 219)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 280).   .
الصُّورِ: أي: القرنِ ينفخُ فيه إسرافيلُ. وقيل: الصورُ جمعُ صُورَةٍ يَنْفُخُ فيها رُوحَها فتَحْيا [1501] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 25، 26)، ((تفسير ابن جرير)) (9/339)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 308)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 97)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 193)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 566).   .
نُزُلًا: النُّزُلُ: ما يُعَدُّ للنَّازلِ مِن الزَّادِ، وما يُقدَّمُ للضيفِ، أو: النُّزُلُ: المنزلُ وموضعُ النُّزولِ، وأصلُ (نزل): يدُلُّ على هُبوطِ شَيءٍ ووُقوعِه [1502] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 117، 271، 371)، ((تفسير ابن جرير)) (15/423)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/417)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 320)، ((تفسير ابن جزي)) (1/475).   .

المعنى الإجمالي:

يذكرُ الله تعالى بعضَ أهوالِ يومِ القيامةِ، فيقولُ: وترَكْنا يأجوجَ ومأجوجَ -يومَ يأتيهم وَعْدُ الله بِدَكِّ الردمِ- يَخرُجونَ مُزدَحِمينَ مُختَلِطينَ بالنَّاسِ، وينتَشِرونَ بينهم مفسدينَ. ونُفِخَ في الصُّورِ للبَعثِ، فجَمَعْنا الخَلقَ جَميعًا للحِسابِ والجزاءِ، وأبرَزْنا جهنَّمَ للكافرينَ ليَرَوها عِيانًا؛ الذين كانت أعيُنُهم في الدُّنيا في غِطاءٍ عن النَّظَرِ في آياتِ القُرآنِ وتدَبُّرِها، وكانوا لا يُطيقونَ سَماعَ كَلامي، أفظَنَّ الذين كَفَروا أن يتَّخِذوا عبادي أولياءَ مِن دوني؟ إنَّا أعتَدْنا نارَ جهنَّمَ للكافرينَ مَنزِلًا.

تفسير الآيات:

وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا انقضى الجوابُ عَمَّا سأل عنه الكافِرونَ على أحسَنِ وَجهٍ، في أبلَغِ سِياقٍ وأبدَعِ تناسُبٍ؛ وأدرجَ اللهُ تعالى في خلالِه ما أدرَجَ مِن التَّذكيرِ والوَعظِ، والأمرِ والنَّهيِ، والوَعدِ والوَعيدِ، والتَّرغيبِ والتَّرهيبِ، والتَّبكيتِ للكاتمينَ لِما عِندَهم من العِلمِ، النَّاكبينَ عمَّا استبان لهم مِن الطَّريقِ والمَنهجِ الواضِحِ، وخَتَمه بما هو عَلَمٌ عَظيمٌ للسَّاعةِ- ذكَرَ ما يكونُ إذ ذاك، وما يكونُ بَعدَه إلى حُصولِ كُلٍّ مِن الفَريقَينِ في دارِه، ومحَلِّ استِقرارِه [1503] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (١٢/١٤٣-144).   .
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ.
أي: وتَرَكْنا يأجوجَ ومأجوجَ يومَ يأتي وعدُ اللهِ بدَكِّ الرَّدمِ، يَخرُجونَ مُزدَحِمينَ مُختَلِطينَ بالنَّاسِ، وينتَشِرونَ بينهم للإفسادِ في الأرضِ [1504] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/748)، ((تفسير ابن كثير)) (5/199)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/144)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/341، 342). واختار هذا المعنى المذكورَ: ابنُ كثير، والبقاعي، والشنقيطي. يُنظر: المصادر السابقة. وقيل: المراد: وَتَرَكْنَا يأجوجَ ومأجوجَ يومَ الانتهاءِ مِن بناءِ الرَّدمِ مُضطربينَ مُختَلِطينَ؛ لكَثرتِهم لا يستطيعونَ الخروجَ مِن وراء الرَّدمِ، وجَعَلْنا فَسادَهم قاصِرًا على أنفُسِهم. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: مقاتلُ بنُ سليمان، والواحدي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/603)، ((البسيط)) للواحدي (14/160)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/40). وقيل: الضَّميرُ في قوله: بَعْضَهُمْ يعودُ على الخَلقِ، وأنَّ المعنى: وترَكْنا الخَلقَ يومَ القيامةِ يدخُلُ بَعضُهم في بعضٍ، فيختَلِطُ جِنُّهم بإنسِهم. وممَّن ذهب إلى ذلك: ابن جرير، واستحسنه القرطبي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/415)، ((تفسير القرطبي)) (11/65). قال ابنُ عطية: (الضَّميرُ في وَتَرَكْنَا لله تعالى، وقوله: يَوْمَئِذٍ يحتَمِلُ أن يريدَ به يومَ القيامةِ؛ لأنَّه قد تقدَّم ضَميرُه، فالضَّميرُ في قَولِه: بَعْضَهُمْ -على ذلك- لجَميعِ الناس، ويحتَمِلُ أن يريدَ بقَولِه: يَوْمَئِذٍ يومَ كمالِ السَّدِّ، فالضميرُ في قَولِه: بَعْضَهُمْ ليأجوجَ ومأجوجَ... وقولُه تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ الآية: المعنيُّ به يومُ القيامةِ، فلا احتمالَ لغيره، فمن تأوَّلَ الآيةَ كُلَّها في يوم القيامة اتَّسقَ تأويلُه، ومن تأوَّلَ الآيةَ إلى قَولِه: يَمُوجُ فِي بَعْضٍ في أمرِ يأجوجَ ومأجوجَ، تأوَّلَ القَولَ «وتركْناهم يموجون» يموجون دأبًا على مَرِّ الدهرِ، وتناسُلِ القرونِ بينهم، وقيامِهم، ثمَّ نُفِخَ في الصورِ فيجتَمِعونَ). ((تفسير ابن عطية)) (3/544). ويُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (1/475)، ((تفسير السعدي)) (ص: 487). .
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ.
أي: ونُفِخَ في البُوقِ؛ لتَعودَ الأرواحُ إلى أجسادِها، فإذا هم قيامٌ لرَبِّ العالَمينَ [1505] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/416)، ((تفسير ابن عطية)) (3/544)، ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (1/84)، ((تفسير ابن كثير)) (5/200)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/144)، ((تفسير الألوسي)) (8/365)، ((تفسير السعدي)) (ص: 487). قال ابنُ عطية: (الصُّورُ في قَولِ الجُمهور وظاهِرِ الأحاديثِ الصِّحاحِ: هو القَرنُ الذي يُنفَخُ فيه للقيامة. وقالت فرقةٌ: الصُّورُ: جمعُ صُورةٍ، فكأنَّه أراد صُوَر البشَر والحيوانِ نُفِخَ فيها الروحُ. والأوَّلُ أبيَنُ وأكثَرُ في الشَّريعةِ). ((تفسير ابن عطية)) (3/544). وقال القرطبي: (الأمَمُ مُجمِعةٌ على أن الذي يَنفُخُ في الصورِ إسرافيلُ عليه السلام). ((تفسير القرطبي)) (7/20). وقال الشوكاني: (قيل: هي النَّفخةُ الثانية؛ بدليلِ قَولِه بعدُ: فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا فإنَّ الفاءَ تُشعِرُ بذلك، ولم يذكُر النفخةَ الأولى؛ لأنَّ المقصود هنا ذِكرُ أحوال القيامة). ((تفسير الشوكاني)) (3/372). وقال الألوسي: (الظَّاهِرُ أنَّ المرادَ النفخةُ الثانيةُ؛ لأنَّه المناسِبُ لِما بعدُ، ولعَلَّ عدمَ التعَرُّضِ لذكر النفخةِ الأولى؛ لأنَّها داهيةٌ عامَّةٌ ليس فيها حالةٌ مختصَّةٌ بالكفَّارِ. وقيل: لئلَّا يقعَ الفصلُ بين ما يقعُ في النشأةِ الأولى من الأحوالِ والأهوالِ، وبين ما يقعُ منها في النشأةِ الآخرةِ). ((تفسير الألوسي)) (8/365). .
عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ الله عنهما، قال: ((جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ما الصُّورُ؟ قال: قَرْنٌ يُنفَخُ فيه )) [1506] أخرجه أبو داود (4742)، وأحمد (6507) باختلاف يسير، والترمذي (2430)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11456) واللفظ لهما. حسَّنه الترمذي، وصحَّح إسنادَه الحاكمُ في ((المستدرك)) (2/550)، وذكَر ابنُ كثيرٍ في ((تفسير القرآن)) (5/308) أنَّه ثابتٌ، وصحَّح إسناده أحمدُ شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (10/9)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2430).   .
وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كيف أنعَمُ، وقد الْتقمَ [1507] التقم: أي: وضع طَرفَ الصُّورِ في فَمِه. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (8/3508).   صاحبُ القرنِ القرنَ، وحنَى جبهتَه، وأصْغَى سمعَه، ينتَظِرُ أن يُؤمرَ أن يَنفُخَ فيَنفُخَ؟! قال المُسلِمونَ: فكيف نقولُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: قولوا: حَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، توكَّلْنا على اللهِ ربِّنا -وربَّما قال سفيانُ-: على اللهِ توكَّلْنا )) [1508] أخرجه الترمذي (3243)، وأحمد (11039). حسَّنه الترمذي، وصحَّحه الألباني في ((صحيح الترمذي)) (3243).   .
فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا.
أي: فجَمَعْنا جميعَ الخَلقِ إلى مَوقِفِ القيامةِ؛ لحِسابِهم ومُجازاتِهم على أعمالِهم [1509] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/419)، ((تفسير القرطبي)) (11/65)، ((تفسير ابن كثير)) (5/200)، ((تفسير السعدي)) (ص: 487)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 139). قال ابنُ عُثَيمينَ: (هذا الجَمعُ يَشمَلُ: الإنسَ والجِنَّ والملائكةَ، والوحوشَ وجميعَ الدوابِّ؛ قال الله تبارك وتعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [الأنعام: 38] ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 139).   .
كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الواقعة: 49، 50].
 وقال سُبحانَه: وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [الكهف: 47].
وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100).
أي: وأبرَزْنا جهنَّمَ يومَ القيامةِ، وأظهَرْناها للكافرينَ؛ حتى يُشاهِدوها عِيانًا قبلَ دُخولِها [1510] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/419)، ((تفسير البغوي)) (3/220)، ((تفسير ابن كثير)) (5/201)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 139-140).   .
كما قال تعالى: وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [الشورى: 44- 45] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء: 91] .
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101).
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي.
أي: أظهَرْنا جهنَّمَ للكافرينَ الذين كانت أعيُنُهم مُغَطَّاةً عن النَّظَرِ في آياتِ القُرآنِ وتدَبُّرِها، وتَعامَوا عن قَبولِ الحَقِّ واتِّباعِه [1511] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/420)، ((تفسير القرطبي)) (11/65)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 93)، ((تفسير ابن كثير)) (5/201)، ((تفسير السعدي)) (ص: 487)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 140). قال ابن القيم: (هذا يتضَمَّنُ مَعنيينِ؛ أحَدُهما: أنَّ أعيُنَهم في غطاءٍ عَمَّا تضمَّنه الذِّكرُ مِن آياتِ اللهِ وأدلَّةِ تَوحيدِه وعجائِبِ قُدرتِه، والثاني: أنَّ أعيُنَ قُلوبِهم في غِطاءٍ عن فَهمِ القُرآنِ وتدَبُّره، والاهتداءِ به، وهذا الغِطاءُ للقَلبِ أوَّلًا، ثمَّ يسري منه إلى العينِ). ((شفاء العليل)) (ص: 93).   .
كما قال تعالى: وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ [البقرة: 7] .
وقال سُبحانَه: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [البقرة: 171] .
وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا.
أي: وكان الكافِرونَ لا يُطيقونَ سَماعَ كَلامِ اللهِ [1512] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/420)، ((تفسير القرطبي)) (11/65)، ((تفسير السعدي)) (ص: 487). قال ابن تيمية: (على تفسيرِ السَّلَف والجمهورِ: المرادُ بعدم الاستطاعةِ: مَشقَّةُ ذلك عليهم وصعوبتُه على نفوسِهم؛ فنفوسُهم لا تستطيعُ إرادتَه، وإن كانوا قادرينَ على فِعلِه لو أرادوه! وهذه حالُ من صَدَّه هواه ورأيُه الفاسِدُ عن استماعِ كتُبِ الله المنَزَّلة واتباعِها). ((مجموع الفتاوى)) (3/319). وقال الشنقيطي: (قولُه تعالى: مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ [هود: 20] ، في هذه الآيةِ الكريمةِ للعُلماءِ أوجهٌ، بعضُها يشهَدُ له القرآنُ: الأوَّلُ: وهو اختيارُ ابنِ جريرٍ الطبري في «تفسيرِه»، ونقله عن ابنِ عباسٍ وقتادةَ: أنَّ معنى مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ: أنَّهم لا يستطيعون أن يسمعوا الحَقَّ سَماعَ مُنتَفِعٍ، ولا أن يُبصِروه إبصارَ مُهتدٍ؛ لاشتغالِهم بالكُفرِ الذي كانوا عليه مقيمينَ عن استعمالِ جوارحِهم في طاعةِ الله تعالى، وقد كانت لهم أسماعٌ وأبصارٌ... الثاني: وهو أظهَرُها عندي: أنَّ عدمَ الاستطاعةِ المذكورَ في الآيةِ إنَّما هو للخَتمِ الذي ختَمَ الله على قلوبِهم وأسماعِهم، والغِشاوةِ التي جَعلَ على أبصارِهم، وتكذيبِ الرُّسُلِ باختيارِهم ومشيئتِهم، كما دلَّت عليه آياتٌ كثيرة). ((أضواء البيان)) (2/175- 176). وقال ابن عثيمين: (وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا هل المرادُ: لا يريدون؟ كقَولِه تعالى: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ [المائدة: 112] ، أي: هل يريدُ؟ أو المعنى أنَّهم لا يستطيعون سَمْعًا أي: سَمْعَ الإجابةِ، وليس سَمْعَ الإدراك؟ الجوابُ: يحتَمِلُ المعنيين جميعًا، وكلاهما حَقٌّ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 140). .
  أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بَيَّن الله تعالى مِن حالِ الكافرينَ أنَّهم أعرَضوا عن الذِّكرِ، وعن استِماعِ ما جاء به الرَّسولُ؛ أتبَعَه بقَولِه: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ، والمراد: أفظَنُّوا أنَّهم ينتَفِعون بما عَبَدوه مع إعراضِهم عن تدبُّرِ الآياتِ، وتمَرُّدِهم عن قَبولِ أمرِه، وأمرِ رَسولِه [1513] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (٢١/٥٠١).   ؟
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ.
أي: أفظَنَّ الذين كَفَروا باللهِ أن يتَّخِذوا عباديَ الذينَ عَبَدوهم مِن دوني -كالمسيحِ عيسى ابنِ مريمَ، والملائكةِ والأنبياءِ، وغيرِهم من الصَّالحينَ- أولياءَ لهم [1514] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/421)، ((تفسير القرطبي)) (11/65)، ((تفسير البيضاوي)) (3/294)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/43)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/348، 349). قال الشِّنقيطي: (قال بعضُ العُلَماءِ: تقديرُ المحذوفِ هو: أفحَسِبَ الذين كفروا أن يتَّخِذوا عبادي مِن دوني أولياء، ولا أعاقِبُهم العقابَ الشَّديدَ؟ كلَّا! بل سأعاقِبُهم على ذلك العقابَ الشَّديدَ؛ بدليل قولِه تعالى بعده: إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا. وقال بعضُ العلماءِ: تقديرُه: أفحَسِبَ الذين كفروا أن يتَّخِذوا عبادي من دوني أولياءَ وأنَّ ذلك ينفَعُهم؟ كلَّا! لا ينفَعُهم بل يضُرُّهم، ويدُلُّ لهذا قولُه تعالى عنهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر: 3] ، وقوله عنهم: وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس: 18] ). ((أضواء البيان)) (3/348). وممَّن اختار المعنى الأول: القرطبي. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/65). وممَّن اختار المعنى الثاني: الزجَّاج، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجَّاج (3/314)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 141). وقال ابنُ جريرٍ: (أفظنَّ الَّذينَ كفروا باللَّهِ مِنْ عبدَةِ الملائكةِ والمسيحِ، أَنْ يتَّخِذوا عِبادي الَّذينَ عَبَدوهم مِن دونِ اللَّهِ أولِياءَ؟ يقولُ: كلَّا بلْ هم لهم أعداءُ). ((تفسير ابن جرير)) (15/421). وقال ابن عاشور: (ومِنْ دُونِي متعَلِّقٌ بـ أَوْلِيَاءَ إما بجعلِ دُونِي اسمًا بمعنى حَول، أي: مِن حَولِ عذابي، وتأويل أَوْلِيَاءَ بمعنى: أنصارًا، أي حائلين دون عذابي ومانِعِيهم منه، وإما بجَعلِ دُونِي بمعنى غيري، أي: أحَسِبوا أنهم يَستغنون بوَلايتِهم؟). ((تفسير ابن عاشور)) (16/44). قال ابن عثيمين: (أَوْلِيَاءَ يعني: أربابًا، يدعونَهم، ويستغيثونَ بهم، وينسونَ ولايةَ الله عزَّ وجلَّ).  ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 141). ؟
كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ [سبأ: 40 - 42] .
وقال سُبحانَه: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة: 116- 117] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم: 81، 82].
وقال سُبحانه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف: 5- 6].
إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا.
أي: إنَّا هيَّأْنا جهنَّم مَنزِلًا للكافرينَ [1515] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/604)، ((تفسير ابن جرير)) (15/422)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/314)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 673)، ((تفسير ابن كثير)) (5/201). وممن اختار أنَّ النزلَ بمعنى المنزلِ: مقاتل بن سليمان، وابنُ جريرٍ، والزجاج، والواحدي، وابنُ كثير. يُنظر المصادر السابقة. وقيل: النُّزلُ: ما يُعَدُّ للضيفِ. وممن اختار ذلك المعنى: الرسعني، والسعدي، وابن عاشور، والشنقيطي وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (1/401)، (4/374)، ((تفسير السعدي)) (ص: 487)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/44، 45)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/349)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 141). قال الشنقيطي: (والمعنَى: أَنَّ الَّذي يُهَيَّأُ لهم مِنَ الإكرامِ عندَ قُدومِهم إلى رَبِّهم هو جهنَّمُ المعَدَّةُ لهم، كقولِه: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران: 21]، وقولِه: يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ [الكهف: 29] ). ((أضواء البيان)) (3/349). وقال ابنُ عثيمين: (ومعنى النُّزُل: ما يقَدِّمُه صاحِبُ البيتِ للضَّيفِ، ويحتَمِلُ أن يكونَ بمعنى المَنزِل، وكلاهما صحيحٌ؛ فهم نازِلونَ فيها، وهم يُعطَونَها كأنَّها ضيافةٌ، وبِئْسَت الضيافةُ!!). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 141). وقال الثعالبي: (والآية تحتملُ الوجهَينِ). ((تفسير الثعالبي)) (3/544). .

الفوائد التربوية:

قال الله تعالى: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا مِن الحِكَمِ في إخبارِ اللهِ عزَّ وجلَّ بذلك: أنْ يُصْلِحَ الإنسانُ ما بينه وبينَ اللهِ؛ وأنْ يَخافَ مِن هذا اليومِ، وأنْ يَستعِدَّ له، وأنْ يُصَوِّرَ نفسَه وكأنَّه تحتَ قدَمَيه، كما قال الصِّديقُ رَضِيَ الله عنه:
(كلُّ امرئٍ مُصَبَّحٌ في أهلِه [* والموتُ أدنى مِن شِراكِ نَعْلِه) [1516] أخرجه البخاري (1889) من حديث عائشة رضي الله عنها.   ]
 فتصَوَّرْ هذا، وتصوَّرْ أنَّه ليس بينك وبينه إلَّا أنْ تَخرجَ هذه الرُّوحُ مِن الجسَدِ، وحينئذٍ ينتهي كلُّ شيءٍ [1517] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 140).   !

الفوائد العلمية واللطائف:

1- تَرْكُه سُبحانَه للشَّيءِ صِفةٌ مِن صفاتِهِ الفِعليَّةِ، الواقعةِ بمشيئتِه، التَّابعةِ لحكمتِه؛ قال الله تعالى: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الكهف: 99] ، وقال تعالى: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ [البقرة: 17] ، وقال تعالى: وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً [العنكبوت: 35] ، والنصوصُ في ثبوتِ التَّرْكِ وغيرِه مِن أفعالِه المتعَلِّقةِ بمشيئتِه كثيرةٌ معلومةٌ، وهي دالَّةٌ على كمالِ قُدرتهِ وسُلطانهِ. وقيامُ هذه الأفعالِ به سُبحانَه لا يُماثِلُ قيامَها بالمَخلوقينَ، وإنْ شارَكَه في أصلِ المعنى، كما هو معلومٌ عند أهلِ السُّنَّةِ [1518] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (1/173).   .
2- قال الله تعالى: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا ليكونَ ذلك أبلَغَ في تعجيلِ الهَمِّ والحُزنِ لهم [1519] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/201).   .
3- النَّارُ تُعرَضُ على الكافرين ويُعرَضونَ عليها؛ لأنها تُقرَّبُ إليهم ويُقرَّبونَ إليها، كما قال تعالى في عَرضِها عليهم هنا: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا، وقال في عَرضِهم عليها: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ [1520] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/347).   [الأحقاف: 20] .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا كلامٌ مَسوقٌ مِن جَنابِه تعالى مَعطوفٌ على قولِه تعالى: جَعَلَهُ دَكَّاءَ، ومُحقِّقٌ لِمَضمونِه [1521] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/247).   ؛ فهو عطفٌ على الجُملةِ الَّتي قبْلَها ابتِداءً مِن قولِه: حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ، فهذه الجملةُ لذِكْرِ صُنعِ اللهِ تعالى في هذه القِصَّةِ الثَّالثةِ مِن قَصصِ ذي القَرْنينِ؛ إذْ ألْهمَه دفْعَ فَسادِ يأجوجَ ومأْجوجَ، بمَنزِلةِ جُملةِ: قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ في القصَّةِ الأُولى، وجملةُ كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا؛ فجاء أسلوبُ حِكايَةِ هذه القَصصِ الثَّلاثِ على نسَقٍ واحِدٍ [1522] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/40).   .
     - قولُه: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا هذا تخلُّصٌ مِن أغراضِ الاعْتِبارِ بما في القِصَّةِ مِن إقامةِ المصالِحِ في الدُّنيا على أيدي مَن اختارَه اللهُ لإقامتِها مِن خاصَّةِ أوليائِه، إلى غرَضِ التَّذكيرِ بالموعظةِ بأحوالِ الآخرةِ، وهو تَخلُّصٌ يُؤذِنُ بتشبيهِ حالِ تَموُّجِهم بحالِ تَموُّجِ النَّاسِ في المحشرِ؛ تذكيرًا للسَّامِعين بأمْرِ الحشرِ، وتقريبًا بحُصولِه في خَيالِ المشرِكين؛ فإنَّ القادِرَ على جمعِ أمَّةٍ كامِلةٍ وراءَ هذا السَّدِّ، بفعلِ مَن يَسَّره لذلك مِن خَلْقِه، هو الأقدرُ على جمعِ الأُممِ في الحشرِ بقُدرتِه؛ لأنَّ مُتعلَّقاتِ القُدرةِ في عالَمِ الآخرةِ أعجبُ [1523] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/41).   .
2- قوله تعالى: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا
     -  وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ قيل: اللَّامُ بمَعْنى (على). وتَخصيصُه بالكافِرين بِشارةٌ للمُؤمِنين [1524] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/229).   ، وتخصيصُ العَرْضِ بهِم مع أنَّها بمَرْأًى مِن أهلِ الجَمْعِ قاطِبةً؛ لأنَّ ذلك لأجْلِهم خاصَّةً [1525] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/247).   .
     - قولُه: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ عَرْضُ جَهنَّمَ مُستعمَلٌ في إبرازِها حين يُشْرِفون عليها وقد سِيقوا إليها، فيَعلَمون أنَّها المهيَّأةُ لهم؛ فشُبِّه ذلك بالعَرْضِ تَهكُّمًا بهم؛ لأنَّ العَرْضَ هو إظهارُ ما فيه رَغبةٌ وشهوةٌ [1526] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/42).   .
     - قولُه: فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا، وقولُه: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا فيهما تأكيدُ الفِعلَينِ (جمَع - عرَض) بمَصْدرَيهِما (جَمْعًا - عرْضًا)؛ لِتحقُّقِ أنَّه جمعٌ حقيقيٌّ وعرضٌ حقيقيٌّ، ليْسا مِن المَجازِ [1527] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/42).   .
     - وفي تنكيرِ الجَمْعِ والعَرْضِ تهويلٌ [1528] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/42).   .
     - واستُعمِلَ الماضي مَوضِعَ المضارِعِ؛ تَنبيهًا على تحقيقِ وُقوعِه [1529] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/42).   .
3- قوله تعالى: الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا
     - قولُه: الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي جيءَ بالموصولِ؛ لِذَمِّهم، وللتَّنبيهِ على أنَّ مَضْمونَ الصِّلَةِ هو سببُ عَرْضِ جَهنَّمَ لهم، أي: الَّذين عُرِفوا بذلك في الدُّنْيا [1530] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/247)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/42).   .
     - وحَرْفُ (في) للظَّرفيَّةِ المَجازيَّةِ، وهي تَمكُّنُ الغِطاءِ مِن أعيُنِهم؛ بحيث كأنَّها مَحْويَّةٌ للغِطاءِ [1531] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/42).   .
     - قولُه: وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا نَفْيُ استِطاعَتِهم السَّمعَ: أنَّهم لشِدَّةِ كُفرِهم لا تُطاوِعُهم نُفوسُهم للاستِماعِ، فنَفيُ الاستِطاعةِ مُستعمَلٌ في نَفْيِ الرَّغبةِ وفي الإعراضِ، كقَولِه: وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ [فصلت: 5] [1532] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/42).   ، وهو مُبالَغةٌ في انتفاءِ السَّمعِ؛ إذ نُفِيتِ الاستطاعةُ [1533] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/229).   .
4- قولُه تعالى: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا أعْقَب وَصْفَ حِرْمانِهم الانْتِفاعَ بدَلائلِ المشاهَداتِ على وَحْدانيَّةِ اللهِ وإعراضِهم عن سَماعِ الآياتِ بتَفْريعِ الإنكارِ -لاتِّخاذِهم أولياءَ مِن دونِ اللهِ يَزعُمونها نافِعةً لهم تَنصُرُهم- تَفْريعَ الإنكارِ على صِلَةِ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي؛ لأنَّ حُسْبانَهم ذلك نشَأ عن كَوْنِ أعيُنِهم في غِطاءٍ، وكَونِهم لا يَستَطيعون سَمعًا [1534] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/43).   .
     - قولُه: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا استِفْهامٌ فيه مَعْنى الإنكارِ والتَّوبيخِ؛ للإنكارِ عليهم فيما يَحسَبونه يَقْتضي أنَّ ما ظنُّوه باطِلٌ [1535] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/294)، ((تفسير أبي حيان)) (7/229)، ((تفسير أبي السعود)) (5/248)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/43).   ، والإنكارُ مُتسلِّطٌ على مَعمولِ المفعولِ الثَّاني وهو أَوْلِيَاءَ المعمولُ لـ يَتَّخِذُوا بقَرينةِ ما دلَّ عليه فِعلُ (حَسِبَ) مِن أنَّ هُنالِك مَحسوبًا باطِلًا، وهو كونُهم أولياءَ باعْتِبارِ ما تَقْتَضيه حقيقةُ الوِلايةِ مِن الحمايةِ والنَّصرِ [1536] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/43-44).   .
     - قولُه: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا فيه إظهارُ قولِه: الَّذِينَ كَفَرُوا دونَ أن يُقالَ: (أفحَسِبوا)، بإعادةِ الضَّميرِ إلى الكافِرينَ في الآيةِ قبْلَها؛ لِقَصدِ استِقْلالِ الجُمْلةِ بدَلالتِها، وزِيادةً في إظهارِ التَّوبيخِ لها [1537] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/44).   .
     - قولُه: أَنْ يَتَّخِذُوا صِيغَ فِعلُ الاتِّخاذِ بصِيغَةِ المضارِعِ؛ للدَّلالةِ على تَجدُّدِه منهم، وأنَّهم غيرُ مُقْلِعينَ عنه [1538] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/44).   .
     - قولُه: أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ في الكلامِ إيجازٌ بالحَذْفِ، والتَّقديرُ: أن يَتَّخِذوا عِبادي مِن دوني أوْلياءَ، فيُجْدي ذلك ويَنتفِعون بذلك الاتِّخاذِ [1539] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/229).   .
     - قولُه: إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا مُقرِّرٌ لإنكارِ انْتِفاعِهم بأوليائِهم؛ فأُكِّد بأنَّ جَهنَّمَ أُعِدَّتْ لهم نُزلًا؛ فلا مَحيصَ لهم عَنْها؛ ولذلك أكَّد بحَرْفِ (إنَّ) [1540] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/44).   . وفيه: تَهكُّمٌ وتَنبيهٌ على أنَّ لهم وَراءَها مِن العَذابِ ما تُستَحقَرُ دونَه [1541] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/294)، ((تفسير أبي السعود)) (5/248).   . وهذا على القولِ بأنَّ معنى النُّزلِ ما يعدُّ للضيفِ.
     - وجَعَل المسنَدَ إليه في أَعْتَدْنَا ضَميرَ الجلالةِ (نا)؛ لإدخالِ الرَّوعِ في ضَمائرِ المشرِكين [1542] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/45).   .
     - وفي قولِه: إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا عَدَل عن الإضمارِ -فلم يَقُلْ: أعتَدْنا لهم-؛ ذَمًّا لهم، وإشعارًا بأنَّ ذلك الإعدادَ بسبَبِ كُفرِهم المتضمِّنِ لِحُسبانِهم الباطلِ [1543] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/248).   .