موسوعة التفسير

سُورةُ المائِدَةِ
الآيات (116 - 120)

ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ

غريب الكلمات:

تَوَفَّيْتَنِي: أي: قبَضْتَني إليك؛ يُقال: تَوَفَّيْتُ الشيءَ واستوفيتُه: إذا أخذتَه كلَّه حتى لم تتركْ منه شيئًا، واستيفاءُ الشيءِ استقصاؤُه كلِّه، ومنه يُقال للميِّت: توفَّاه اللهُ، وأصل (وفي): يدلُّ على إكمالٍ وإتمام [2132] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 24)، ((تفسير ابن جرير)) (9/137)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/129)، ((المفردات)) للراغب (ص: 878)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 322). .
الرَّقِيبَ: أي: الحافظَ، والعالمَ، والمطَّلِعَ، وأصل (رقب): انتصابٌ لمراعاةِ شيءٍ [2133] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (1/236)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/427)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 135)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 484). .

مشكل الإعراب:

قوله: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ.
يَوْمُ: قُرِئَ بالرَّفْعِ والنَّصب، وهو مُعرَبٌ على القَوْلِ المُختارِ؛ لأنَّه مُضافٌ إلى مُعرَب، فبَقِيَ على حَقِّه من الإعرابِ؛ فعلى قِراءة الرَّفع فهو خبرٌ لـهَذَا. وعلى قِراءة النصبِ فهو منصوبٌ على أنَّه ظرفٌ للخبرِ المحذوفِ، أي: هذا يقَعُ أو يكونُ يَومَ يَنفعُ. وقيل: إنَّ «يَوْمَ» مبنيٌّ في مَوضِعِ رفعٍ خَبرُ هَذَا، ولكنَّه بُنِيَ على الفتْح؛ لإضافَتِه إلى الفِعلِ، وجُملة هَذَا يَوْمُ.. مَقولُ القولِ في مَحلِّ نصْبٍ [2134] يُنظَر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/244- 245)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/477). .

المعنى الإجمالي:

يُذكِّرُ اللهُ تعالى بقولِه لعِيسى عليه السَّلام يَومَ القيامة بحَضرةِ النَّصارى؛ توبيخًا لهم: يا عيسى ابنَ مريم، هل أنتَ أَمَرْتَ الناسَ أن يَجعلوك وأمَّك معبودَينِ، تُعْبَدانِ مِن دون اللهِ تعالى؟ فيُجيبُ عيسى عليه السَّلام: أُنزِّهُك يا ربِّ، عن كلِّ ما لا يَليق بك؛ لا يَنبغي لي أنْ أقولَ ما ليس لي بحقٍّ، إنْ كنتُ قلتُه فأنت تعلمُه؛ فإنَّه لا يَخفى عليك شيءٌ، فأنت تَعلمُ ما أُضْمِرُه في نفْسي، ولا أعلمُ ما تُخْفيه في نفْسِك؛ إنَّك أنتَ علَّامُ الغيوب. ما قلتُ لهم إلَّا ما أمَرْتَني به أن يَعبدُوك؛ فإنَّك ربِّي وربُّهم، وكنتُ شاهدًا على أعمالِهم حينَ كنتُ بينهم، فلمَّا قبَضْتَني برَفْعي إلى السَّماء حيًّا، كنتَ أنتَ المطَّلِعَ عليهم، وأنتَ على كلِّ شيءٍ شهيدٌ، إنْ تُعذِّبْهم فإنَّهم عِبادُك تفعلُ بهم ما تشاءُ، وإنْ تغفرْ لهم فإنَّك أنتَ العزيزُ الحكيم. قال الله مجيبًا له: هذا اليوم- الذي هو يومُ القيامة- هو الوقتُ الذي يَنفعُ الصَّادقين صِدقُهم، لهم جنَّاتٌ تَجري الأنهارُ من تحتِ أشجارِها وقصورِها، ماكثينَ فيها على الدَّوامِ، رضِي اللهُ عنهم ورضُوا عنه، ذلك هو الفوزُ العظيم.
ثم أخبَر تعالى أنَّ له وحْدَه مُلكَ السَّموات والأرض وما فيهنَّ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ.

تفسير الآيات:

وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116).
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
أي: واذكُرْ يا محمَّدُ حِينَ يقولُ اللهُ تعالى لعيسى عليه السَّلام يومَ القيامةِ بحَضرةِ النَّصارى توبيخًا لهم: يا عيسى ابنَ مَريمَ، هل قُلتَ بنفسِك للنَّاس: اجْعَلوني أنا وأُمِّيَ مَعبودَينِ مِن دونِ اللهِ سبحانه وتعالى [2135] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/136)، ((تفسير ابن كثير)) (3/232)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/541-542). واختارَ هذا القولَ أنَّ ذلك يكونُ يومَ القيامةِ: ابنُ كثير في ((تفسيره)) (3/232)، والشِّنقيطي في ((العذب النمير)) (2/398)، وابن عثيمين في ((تفسير سورة المائدة)) (2/541). ؟
قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ.
أي: قال عيسَى عليه السَّلامُ: أُنزِّهك يا ربِّ، عن هذا الأمرِ الذي لا يَليق بكَ، وما يَنبغي لي أنْ أدَّعِيَ ذلك؛ فما أنا وأمِّي إلَّا عَبْدانِ مِن عِبادِك [2136] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/136)، ((تفسير ابن كثير)) (3/232)، ((تفسير السعدي)) (ص: 249)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/542-543). .
إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ.
أي: إنْ كان قد صدَرَ منِّي هذا فقدْ عَلِمْتَه يا ربِّ؛ فإنَّه لا يَخفَى عليكَ شيءٌ ممَّا قلتُه [2137] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/136)، ((تفسير ابن كثير)) (3/232). .
تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ.
أي: وأنتَ تَعلمُ يا ربِّ، ما أضمرتُه في نفْسي ممَّا لم أنطقْ به؛ فكيفَ بما قد نطقتُ به؟ ولا أعلمُ أنا ما أَخفيتَه عنِّي في نفْسِك، فلمْ تُطْلِعْني عليه؛ لأنِّي لا أعلمُ مِن الأشياءِ إلَّا ما أعلمتَنِيه؛ فأنت الربُّ الخالقُ، وأنا العبدُ المخلوق [2138] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/136-137)، ((تفسير ابن كثير)) (3/232)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة المائدة)) (2/543). .
قال الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق: 16] .
إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.
أي: فأنتَ العالمُ بخَفيَّاتِ الأمورِ التي لا يَعلمُها سِواكَ [2139] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/137). .
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117).
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ.
أي: ما قلتُ لهم إلَّا الذي كلَّفْتني بإبلاغِه؛ فأنا عبدٌ متَّبِعٌ لأمرك، لا مُتجرِّئٌ على عظمتِك، فمَا أمرتُهم إلَّا بعبادةِ الله تعالى وحْدَه، الذي هو ربِّي وربُّهم، فأنا عبدٌ مربوبٌ مِثلُهم [2140] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/137)، ((تفسير ابن كثير)) (3/233)، ((تفسير السعدي)) (ص: 249)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/550). .
وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ.
أي: كنتُ شاهدًا على أعمالِهم حِينَ كنتُ بين أظهُرِهم [2141] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/137)، ((تفسير ابن كثير)) (3/233). .
فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ.
أي: فلمَّا قبَضْتَني إليك كنتَ أنتَ المطَّلِعَ عليهم دُوني [2142] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/137)، ((تفسير السعدي)) (ص: 249)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/550-552). وقد سبَق في تفسير سُورة آل عمران تفسيرُ قوله تعالى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ، أي: متوفِّيك وفاةَ نوم. قال الواحديُّ: (فَلَمَّا تَوفَّيْتَنِي يَعني: رفَعْتَني إلى السَّماء). ((الوجيز)) (ص: 343) .
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: ((قامَ فينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خطيبًا بموعظةٍ، فقال: يا أيُّها الناسُ، إنَّكم تُحشَرون إلى اللهِ حُفاةً عراةً غُرْلًا؛ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء: 104] ، ألَا وإنَّ أوَّلَ الخَلائقِ يُكسَى يومَ القيامةِ إبراهيمُ عليهِ السلامُ، ألَا وإنَّهُ سيُجاءُ برِجالٍ من أُمَّتي، فيُؤْخَذ بهم ذاتَ الشِّمالِ، فأقولُ: يا ربِّ، أصحابي، فيقال: إنَّك لا تَدري ما أحْدَثوا بعدَك، فأقول، كما قال العبدُ الصالحُ: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيٍء شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الحْكَيمُ [المائدة: 117- 118] ، قال: فيقال لي: إنَّهم لم يزالوا مُرتدِّينَ على أعقابِهم منذُ فارقْتَهم )) وفي رواية: ((فيقال: إنَّك لا تَدْري ما أحْدَثوا بعدَك)) [2143] رواه البخاري (3447)، ومسلم ((2860) واللفظ له. .
وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.
أي: وأنتَ الذي تَشهَدُ على كلِّ شيءٍ، ولا يَخفى عليك شيءٌ، ثم تُجازي عبادَك بحسَب ما قدَّموه من خيرٍ وشرٍّ [2144] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/137)، ((تفسير السعدي)) (ص: 249). .
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118).
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ.
أي: إنْ تُقدِّرْ لهم فِعلَ ما يَستحقُّون أن يُعذَّبوا عليه؛ لأنَّهم أهلٌ لذلك، فإنَّهم عبادُك، الذين أنتَ أرحمُ بهم من أنفسِهم وأمَّهاتِهم، وأعلمُ بأحوالِهم، فلولا أنَّهم عبادٌ مُتمرِّدون مستحقُّون للعذابِ لم تُعذِّبْهم، وهم عِبادٌ مستسلِمون لك طَوعًا أو كَرهًا؛ فلا يَقدِرون على الامتناعِ ممَّا أردتَ بهم، ولا يَدْفَعون عن أنفُسِهم ضرًّا يَحُلُّ بهم [2145] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/139)، ((تفسير السعدي)) (ص: 250)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/555). .
وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
أي: وإنْ قدَّرتَ لهم أسبابَ المغفرةِ فغَفرتَ لهم، فذلك صادرٌ عن تمامِ عِزَّتك (عزَّة القَدْر والقَهرِ والغَلبةِ والامتناعِ)، لا عنْ عجزٍ وذلٍّ وضَعْف؛ فإنَّك إن أردْتَ الانتقامَ منهم؛ فلا يقدِرُ أحدٌ أن يمنعَ عنك ذلك، لأنَّك العزيز، وصادرٌ أيضًا عن حِكمةٍ؛ فمِن مُقتضَى حِكمتِك أنْ تغفرَ لِمَن أتَى بأسبابِ المغفرةِ، فأنت الحكيمُ، تهدي مَن هدَيتَ مِن خَلقِك إلى التوبةِ، ونَيلِ مغفرتِك [2146] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/139)، ((تفسير السعدي)) (ص: 250)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/117) ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/565). .
عن عبد اللهِ بنِ عَمرٍو رضي اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تلا قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبراهيمَ: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ الآية، وقال عيسى عليه السَّلامُ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، فرفعَ يديهِ وقال: اللهُمَّ، أُمَّتي أُمَّتي، وبكَى! فقال اللهُ عزَّ وجلَّ: يا جبريلُ، اذهبْ إلى محمَّدٍ- وربُّكَ أعلمُ- فسَلهُ ما يُبكيكَ؟ فأتاهُ جبريلُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فسَألهُ، فأخبرهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بما قالَ- وهو أعلمُ- فقال اللهُ: يا جبريلُ، اذهبْ إلى محمَّدٍ فقلْ: إنَّا سنُرضِيكَ في أُمَّتكَ ولا نَسُوءُكَ )) [2147] رواه مسلم (202). .
وعن أبي ذرٍّ رضِي اللهُ عنه، قال: ((قامَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بآيةٍ حتى أصبحَ يُردِّدُها ، والآيةُ: إِنْ تُعَذِّبْهُم فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [2148] أخرجه ابن ماجة (1350)، والنسائي (1010)، وأحمد (21388)، والحاكم (879). صحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (879)، وحسَّنه ابن القطان في ((بيان الوهم والإيهام)) (5/701)، والألبانيُّ في ((صحيح ابن ماجة)) (1118)، وحسَّن إسناده النوويُّ في ((الخلاصة)) (1 /595)، وصحَّح إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (1/375). .
قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا انقَضَى جوابُ عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام على هذا الوجهِ الجليلِ من تفويضِ الأمْر للهِ في قوله: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، تشوَّف السامعُ إلى جوابِ اللهِ له، فقال تعالى مشيرًا إلى كونِ جوابه حقًّا ومضمونه صِدقًا، منبِّهًا على مَدْحه، حاثًّا على ما بُنِيَت عليه السُّورةُ مِن الوفاءِ بالعُقود [2149] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/368)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/228). .
قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ.
القِراءاتُ ذاتُ الأثرِ في التَّفسير:
في قوله تعالى: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ قراءتان:
1- قراءة هَذَا يَوْمَ بنَصْب يَوْمَ وجَعْلِه ظرفًا للفِعل يَنْفَعُ، وجَعْل هَذَا إشارةً إلى ما تقدَّم من الكلام، فقيل: المعنى أنَّ هذا الغُفرانَ والعذابَ يقع في يومِ يَنفعُ الصَّادقين صِدقُهم [2150] قرأ بها نافع. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 228). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((الحجة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 136). ، وقيل: المعنى أنَّ الله تعالى أجابَ عيسى حين قال: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ إلى قولِه: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، فقال له عزَّ وجلَّ: هذا القولُ النافعُ، أو هذا الصِّدقُ النافعُ يومَ يَنفعُ الصَّادقين في الدُّنيا صِدقُهم ذلك في الآخِرة عندَ الله؛ فاليومَ وقتُ القولِ والصِّدقِ النَّافع [2151] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/141). .
2- قِراءة هَذَا يَوْمُ برَفْع يَوْمُ وجَعْل هذا مبتدأً، ويَوْمُ يَنْفَعُ خبرًا، والمعنى: أنَّ هذا يومُ منفعةِ الصَّادقين [2152] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 228). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((الحجة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 136)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 242). .
قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ.
أي: قال اللهُ تعالى مُجيبًا لعيسى عليه السَّلام: يومُ القيامةِ هذا هو الوقتُ الذي يَجِدُ فيه الصَّادِقون- الذين استَقامتْ أعمالُهم وأقوالُهم على الصِّراطِ المستقيمِ، فأَخْلَصوا للهِ تعالى واتَّبعوا شَرْعَه فيها- ثمرةَ صِدْقِهم [2153] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/235)، ((تفسير السعدي)) (ص: 250)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/566). .
لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا.
مُناسَبَتُها لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا أخبر الله تعالى أنَّ صِدْقَ الصَّادقين في الدُّنيا يَنفَعُهم في القيامة، شرَح كيفيَّةَ ذلك النَّفعِ وهو الثوابُ [2154] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/469). ، فقال تعالى:
لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا.
أي: للصَّادقين جنَّاتٌ تَجري من تحتِ أشجارِها وقُصورِها الأنهارُ، ماكثِينَ فيها على الدَّوام [2155] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/142)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/567-568). .
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ.
أي: رضِيَ اللهُ عن هؤلاءِ الصَّادقينَ باعتناقِهم الإيمانَ، وبما قاموا به من طاعةِ الرحمنِ، ورَضُوا هم عن اللهِ تعالى في تَوفيقِه لهم إلى الصَّالحات، وفي وفائِه بوَعْدِه لهم بدُخولِ الجَنَّات [2156] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/142-143)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/568). .
عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: ((ثمَّ يَتجلَّى لهم ربُّهم تعالى، ثم يقولُ: سَلُوني أُعطِكم، فيَسألونه الرِّضا، فيقولُ: رِضائي أَحَلَّكم دارِي، وأَنَالَكُم كرامتي، فسلُوني أُعطِكم، فيسألونَه الرِّضا، فيُشْهِدُهم أنَّه قدْ رَضِيَ عنهم)) [2157] أخرجه الدارميُّ في ((الرد على الجهمية)) (144)، وعبد الله بن أحمد في ((السنة)) (1/250)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (2084) والدارقطني في ((رؤية الله)) (61). قال الذهبي في ((العلو)) (30): مشهورٌ وافرُ الطرق. وقال ابن القيِّم في ((حادي الأرواح)) (268): (حديثٌ كبيرٌ عظيمُ الشأن، رواه أئمة السنة، وتلقَّوه بالقَبول، وجمَّل به الشافعيُّ مُسندَه). وجوَّد إسنادَه البُوصِيريُّ في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (2/259)، وقال الهيتميُّ المكي في ((الزواجر)) (2/262): إسناده جيِّد قوي. وحسَّنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (3761). .
ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
أي: هذا الثوابُ الذي مَنَحَهم الله تعالى إيَّاه- مِن دُخولِ الجَنَّاتِ التي تَجري مِن تحتِها الأنهارُ، خالدِين فيها أبدًا، مع رِضاه عنهم، ورِضاهم عن ربِّهم- هو الظَّفَرُ الكبيرُ الذي لا أَعْظم منه [2158] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/143)، ((تفسير ابن كثير)) (3/236)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/568-569). .
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا ذَكَر اللهُ عزَّ وجلَّ ما جرَى بَينَه وبينَ عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلام، وأنَّ عيسى تبرَّأ ممَّا يدَّعِي النصارى فيه؛ بَيَّنَ عزَّ وجلَّ أنَّ له مُلكَ السَّمواتِ والأرض، وأنَّ عيسى لا يَصلُح أنْ يكونَ إلهًا لا هو ولا غَيرُه؛ لأنَّهم لا يَملِكون شيئًا ممَّا في السَّمواتِ والأرض، فقال سبحانه [2159] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/574). :
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ.
أي: هو وحْدَه الخالقُ المالكُ للسَّمواتِ والأرضِ وما فيهنَّ، والمدبِّرُ لذلك كلِّه، فالجميعُ مِلكُه، وتحتَ قَهرِه وسُلطانِه وحْدَه سبحانَه، دون عيسى أو غيرِه مِن خَلْقِه [2160] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/143)، ((تفسير ابن كثير)) (3/236). قال ابن عاشور: ( وَما فِيهِنَّ عَطْفٌ على مُلْكُ، أَي: للَّه ما في السَّمواتِ والأرضِ، كما فِي سُورةِ البقرةِ [284] لِلَّهِ مَا فِي السَّمواتِ وَما فِي الْأَرْضِ فيفيدُ قَصْرَها على كونها للَّه لا لغيره، وليس معطوفًا على السَّمواتِ والأرضِ؛ إِذْ لا يحسُنُ أنْ يُقالَ: لِلَّهِ مُلْكُ ما في السَّمواتِ والأرضِ؛ لأنَّ المُلْك يُضافُ إلى الأقْطارِ والآفاقِ والأماكِنِ كما حكَى اللَّهُ تعالى: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ [الزخرف: 51] ، ويُضافُ إلى صاحِبِ المُلْكِ، كما فِي قولهِ: عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ [الْبَقَرَة: 102]). ((تفسير ابن عاشور)) (7/120). .
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
أي: وهو سبحانه لا يُعجِزُه شيءٌ أرادَه، وجميعُ الأشياءِ مُنقادةٌ لمشيئتِه [2161] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/143)، ((تفسير السعدي)) (ص: 250). .

الفوائد التربوية:

1- إثباتُ عِلم اللهِ بما في نفْس الإنسانِ؛ لِقَوْلِه: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي؛ فالله عزَّ وجلَّ يعلمُ ما في القلبِ، فينبغي الحذَرُ من أن يكونَ فيه ما يُخالِفُ أمْرَ اللهِ عزَّ وجلَّ [2162] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (7/621)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/546). .
2- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أنَّه يجِبُ على العبدِ كمالُ مراقبةِ اللهِ تبارَك وتعالى، بحيثُ لا يَفقِدُه عندَ أمْرِه، ولا يَجِده عندَ نَهيِه؛ لأنَّ الله رقيبٌ عليه [2163] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/554). .
3- أنَّ عيسى عليه السَّلام وهو أحدُ أُولي العزمِ من الرُّسل، يُفوِّض الأمرَ إلى الله؛ حيثُ قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ، وهكذا يجبُ علينا نحن أنْ نُفوِّضَ الأمرَ إلى الله عزَّ وجلَّ فيما يَفعلُه، ولا نَعترِضَ عليه؛ فالله يقول: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء: 23] ، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ لكمالِ حِكْمته، وَهُمْ يُسْأَلُونَ؛ لأنَّهم عابِدونَ للهِ عزَّ وجلَّ [2164] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/562)، وينظر أيضًا: ((تفسير ابن عادل)) (7/624). .
4- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ الحثُّ على الصِّدقِ، والترغيبُ فيه، وبيانُ الفائدةِ العظيمةِ في الصِّدقِ؛ لكونِه نافعًا للإنسانِ في ذلك الوقتِ الحَرِجِ، الذي يكون الإنسانُ فيه أحوجَ ما يكون إلى ما يَنفَعُه [2165] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/569). .
5- أنَّ الفوزَ حقيقةً ليس برِبحِ الدِّينارِ والدِّرهم والجاهِ والرِّئاسةِ؛ الرِّبحُ العظيمُ أو الفوزُ العظيمُ هو فوزُ الإنسانِ بجَنَّاتِ النعيم- نسألُ اللهَ أن يَجعلَنا من الفائزِين بها- ولهذا قال: ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [2166] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/573). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَوْلُه تعالى: مِنْ دُونِ اللهِ معنى (دون) إمَّا المغايرة أو القُصور؛ فعلى المغايرة يكون فيه تنبيهٌ على أنَّ عِبادة الله سبحانه وتعالى مع عِبادةِ غيرِه كَلَا عبادةٍ، فمَن عبَدَه مع عِبادتِهما كأنَّه عبَدَهما ولم يَعبُدْه، وعلى القصورِ؛ فإنَّهم لم يَعتقِدوا أنَّهما مستقلَّانِ باستحقاقِ العبادةِ، وإنَّما زعَموا أنَّ عبادَتَهما تُوصِلُ إلى عبادةِ الله سبحانه وتعالى، وكأنَّه قيل: اتَّخِذوني وأمِّيَ إلهينِ مُتوصِّلِينَ بنا إلى الله سبحانه وتعالى [2167] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/150). .
2- إثباتُ القولِ لله؛ لقولِه: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ، ولِقَوْلِه: قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ، وفي القرآن إثباتُ الكلام، وإثباتُ النِّداء، وكلُّ هذا يدلُّ على أنَّ اللهَ تعالى يَتكلَّم بكلامٍ حقيقةً بحَرْفٍ وصوتٍ؛ أمَّا كونه بحرفٍ: فلأنَّ الكلماتِ التي جاءتْ بعدَ القول حروفٌ، وأمَّا كونه بصوتٍ؛ فلأنَّ الله تعالى يُخاطِبُ به عيسى، وعيسى يردُّ عليه، وهذا مذهبُ أهل السُّنَّة والجماعة، وهو الواجبُ على كلِّ مؤمنٍ [2168] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/544). .
3- في سؤالِ اللهِ عيسى عليه السلامُ بقولِه: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ... دون النَّصارى مع كونِه تعالى عالِمًا بأنَّ عيسى عليه السَّلامُ لم يقُلْ ذلك- عِدَّةُ أوجه:
الأوَّل: أنَّ المرادَ به توبيخُ الكَفَرةِ الذين اتَّخذوا عيسى وأمَّه إلهينِ، وتَبكيتُهم [2169] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/524)، ((تفسير البيضاوي)) (2/150)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/364)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/544). .
الثاني: أنه تعريضٌ بالإرهابِ، والوعيدِ بتوجُّه عقوبةِ ذلك إلى مَن قال هذا القولَ إنْ تَنصَّلَ منه عيسى، فيَعلَم أحبارُهم الذين اخترَعوا هذا القولَ أنَّهم المرادُ بذلك، والمعنى: أنَّه إنْ لم يكن هو قائلَ ذلِك، فلا عُذْرَ لِمَن قالَه؛ لأنَّهم زعَموا أنَّهم يتَّبِعون أقوالَ عيسى وتعاليمَه [2170] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/113). .
الثالث: تحذيرُ عيسى عن قِيلِ ذلك ونهيُه، كما يقولُ القائلُ لآخر:(أفعلت كذا وكذا؟) ممَّا يعلم المقولُ له ذلك أنَّ القائلَ يستعظمُ فِعْلَ ما قال له:(أفعَلْتَه)، على وَجهِ النَّهي عن فِعلِه، والتَّهديدِ له فيه [2171] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/134). .
الرابع: أنَّ المرادَ به إعلامُ عيسى أنَّ قومَه الذين فارَقهم قدْ خالفوا عَهدَه، وبدَّلوا دِينَهم بَعدَه [2172] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/134). .
4- في قوله تعالى: سُبْحَانَكَ كانتِ المبادرةُ من عيسى عليه السَّلام بتنزيهِ الله تعالى أهمَّ مِن تبرئتِه نفْسَه بقوله: مَا يَكُونُ لِي... على أنَّها مُقدَّمة للتبرِّي؛ لأنَّه إذا كان يُنزِّه اللهَ عن ذلك، فلا جرمَ أنَّه لا يأمُرُ به أحدًا [2173] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/114). .
5- في قوله تعالى: مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ...إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ كمالُ أدَبِ المسيحِ عليه الصَّلاة والسَّلام في خِطابه لربِّه؛ فلم يقُلْ عليه السلام: (لم أقلْ شيئًا من ذلك)، وإنَّما أخبر بكلامٍ يَنفي عن نفْسِه أن يقولَ كلَّ مقالةٍ تُنافي منصبَه الشَّريفَ، وأنَّ هذا من الأمورِ المُحالةِ، ونَزَّه ربَّه عن ذلك أتمَّ تنزيهٍ، وردَّ العِلمَ إلى عالمِ الغيبِ والشَّهادة [2174] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 249). وقيل: لم يقُلْ بأنِّي ما قلتُ هذا الكلام؛ لأنَّ هذا يَجري مجرى دعْوى الطَّهارة والنَّزاهة، والمقام مقامُ الخُضوعِ والتواضُع. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/466). كذلك قوله: إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ؛ فهو يُشعِر بأنَّه رسولٌ مأمورٌ، مُكلَّفٌ بالأمْرِ [2175] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/223)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/551). .
6- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ أنَّه لا حقَّ لعيسى في الأُلوهيَّة ولا الربوبيَّة؛ ولذا تبرَّأَ عيسى عليه السَّلام من ذلك، وقال: إنَّه ليس بحقٍّ له، ونزَّه اللهَ تعالى أنْ يكونَ له شريكٌ؛ لِقَوْلِه: رَبِّي ومَن ليس له رُبوبيَّة ليس له أُلوهيَّة، فالألوهيَّة حقٌّ خاصٌّ لله، وإذا كان الرُّسُل- بل خُلاصةُ الرُّسُل- ليس لهم حقٌّ في الأُلوهيَّة، فمَن دُونَهم مِن باب أَوْلى؛ فلا أحدَ يستحقُّ أن يكونَ إلهًا، ولا أحدَ يستحقُّ أنْ نَعبُده مِن دونِ اللهِ عزَّ وجلَّ [2176] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/544، 551). .
7- قَوْلُه تعالى: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي خصَّ النَّفْس؛ لأنَّها مَظِنَّةُ الكتْمِ، والانطواءِ على المعلومات [2177] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/417). .
8- في قوله: إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ أنَّ مَن ادَّعى عِلمَ الغيبِ فقدِ ادَّعى أنَّه شريكٌ لله؛ وجهُ الدَّلالة: أنه أتَى بضميرِ فَصْل أَنْتَ بَينَ طَرَفَيِ الجُملةِ، وهذا يَدُلُّ على الحَصْرِ، يعني: أنت لا غيرُك علَّامُ الغيوبِ [2178] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/548). .
9- أنَّ الرُّسُلَ عليهم الصَّلاةُ والسَّلام شهداءُ على أمَّتهم ما داموا فيهم؛ لِقَوْلِه: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ، ومع ذلك هم شهداءُ على ما يَرَوْنَ أو يَسمعونَ، وليسوا شهداءَ على غائبٍ بعيدٍ لا يَرونه ولا يَسمعونَه؛ لأنَّ الرُّسُل لا يَعلمونَ الغيبَ [2179] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/551). .
10- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ حِكمةُ الله عزَّ وجلَّ في جَعْل الخَلْق يَنقسِمونَ إلى قِسمين: مُعذَّبٍ، ومغفورٍ له؛ كما في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [التغابن: 2] ، ولولا هذا الانقسامُ ما ظهَر فضلُ الإيمانِ، ولا شُرِعَ الجهادُ، ولا الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ، ولا أُرْسِلتِ الرُّسُلُ، لكنْ حِكمةُ الله اقتضتْ أنْ يكونَ الناسُ قِسمينِ [2180] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/564). .
11- قال تعالى: وَمَا فِيهِنَّ، ولم يقُلْ: (وَمَنْ فيهنَّ)، فغلَّب غيرَ العُقلاءِ على العقلاءِ؛ والسَّببُ فيه التنبيهُ على أنَّ كلَّ المخلوقاتِ مُسخَّرونَ في قبضةِ قَهْرِه وقُدرتِه، وقَضائِه وقَدَره، وهم في ذلك التَّسخيرِ كالجَماداتِ التي لا قُدرةَ لها، وكالبَهائِمِ التي لا عَقْلَ لها، فعِلْمُ الكلِّ بالنِّسبة إلى عِلْمه كَلا عِلْمٍ، وقُدرةُ الكلِّ بالنسبة إلى قُدْرَتِه كَلَا قدرةٍ [2181] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/469). .

بلاغة الآيات:

1- قَوْلُه: مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ استئنافٌ مُقرِّر للتنزيهِ، ومُبيِّن للمُنزَّه منه، وإيثارُ لَيْسَ على الفِعل المنفيِّ؛ لظُهورِ دَلالتِه على استمرارِ انتفاءِ الحقِّيَّة، وإفادة التأكيدِ بما في حيِّزه من الباءِ في بِحَقٍّ [2182] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/100-101). .
2- قَوْلُه: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ استئنافٌ مُقرِّر لعدمِ صُدور القولِ المذكورِ عنه عليه السَّلامُ بالطريقِ البُرهانيِّ؛ فإنَّ صدورَه عنه مستلزِمٌ لعِلمِه تعالى به قطعًا، فحيثُ انتفى عِلمُه تعالى به انتَفَى صدورُه عنه حتمًا؛ ضرورةَ أنَّ عدمَ اللازمِ مُستلزِمٌ لعدمِ الملزومِ [2183] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/100-101). .
3- قَوْلُه: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ استئنافٌ مَسُوقٌ لبيانِ ما صدر عنه قد أُدْرِجَ فيه عدمُ صدورِ القولِ المذكورِ عنه على أبلَغِ وَجْهٍ وآكَدِه؛ حيث حَكَمَ بانتفاءِ صُدور جميعِ الأقوال المغايِرَة للمأمورِ به، فدخَل فيه انتفاءُ صدورِ القولِ المذكور دخولًا أوَّليًّا، أي: ما أمَرْتُهم إلا بما أمَرْتَني به [2184] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/101). .
- وعبَّر بقولِه: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ، ولم يقُل: (ما أمرتُهم إلَّا ما أمرتَني به)، وهو مِن بابِ وضْعِ القَولِ موضِعَ الأمْر؛ نُزولًا على مُوجِبِ الأدبِ الحَسَن؛ لئلَّا يَجعَلَ نفْسَه وربَّه آمِرَينِ معًا [2185] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/466)، ((تفسير أبي حيان)) (4/417). .
4- قَوْلُه: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي استئنافٌ جرَى مجرَى التعليلِ لِمَا قبْلَه، كأنَّه قيل: لأنَّك تعلمُ ما أُخفيه في نفْسي؛ فكيف بما أُعلِنه [2186] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/100-101). ؟!
5- قَوْلُه: إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ تعليلٌ لمضمون الجُمَلتين منطوقًا ومفهومًا، وهو تقريرٌ وتأكيدٌ للجُملتَينِ: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ وقوله: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ؛ لأنَّ ما انطوتْ عليه النفوسُ مِن جُملة الغيوبِ، ولأنَّ ما يَعلمُه علَّامُ الغيوبِ، لا يَنتهي إليه عِلمُ أحدٍ [2187] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/693)، ((تفسير الرازي)) (12/466)، ((تفسير أبي السعود)) (3/100-101). .
6- قَوْلُه: وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ اعتراضٌ تذييليٌّ مُقرِّر لِمَا قَبلَه، وفيه إيذانٌ بأنَّه تعالى كان هو الشَّهيدَ على الكلِّ حِين كونِه عليه السَّلام فيما بينهم وشِبه الجُملة عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُتعلِّق بشهيد، وتقديمُه لمراعاةِ الفاصلة [2188] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/102). .
- والتعبير بصِيغة فَعِيل شَهِيد؛ للمبالغةِ في وصْفِه بكونِه شهيدًا، أي: رقيبًا، كثيرَ الحِفظِ عليهم [2189] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/419). .
7- قَوْلُه: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ: في ختامِ هذه الآيةِ بقوله: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- مع كون المتبادَر أنْ تُختَمَ بقولِه: (فإنَّك أنت الغفور الرحيم)- مناسَبةٌ حسنةٌ لطيفةٌ، وفي هذه المناسبة أوجهٌ؛ منها: أنَّ مقصودَ عيسى عليه السَّلام تفويضُ الأمورِ كلِّها إلى اللهِ تعالى، وترْك الاعتراضِ بالكليَّة؛ ولذلك ختَم الكلام بقَوْلِه: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي: قادرٌ على ما تُريد في كلِّ ما تفعلُ، لا اعتراضَ عليك؛ فإنَّه لو قال: (فإنَّك أنت الغفور الرحيم)، أشْعَرَ ذلك بكونِه شفيعًا لهم، فلمَّا قال: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ دلَّ ذلك على أنَّ غرَضَه تفويضُ الأمرِ بالكليَّةِ إلى اللهِ تعالى، وترْك التعرُّضِ لهذا البابِ من جميعِ الوجوهِ، ففوَّض أمْرَهم إلى اللهِ؛ فهو أعلمُ بما يُجازيهم به؛ لأنَّ المقامَ مقامُ إمساكٍ عن إبداءِ رغبةٍ؛ لشدَّةِ هولِ ذلك اليومِ، وغايةُ ما عَرَّضَ به عيسى أنَّه جوَّزَ المغفرةَ لهم رحمةً منه بهم [2190] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/468)،((تفسير أبي حيان)) (4/420- 421)،  ((تفسير ابن عاشور)) (7/117). .
ومنها: أنَّه لا يَحتمِل إلَّا ما أَنزلَه اللهُ تعالى؛ لأنَّ المعنى مُتعلِّق بالشَّرطينِ جميعًا؛ إذْ لو ختَمها بقولِه: (فإنَّك أنتَ الغفورُ الرحيم) ضَعُف معناه؛ فإنَّه ينفردُ الغفورُ الرحيمُ بالشَّرْط الثاني وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ، ولا يكون له بالشَّرطِ الأوَّل تعلُّقٌ إِنْ تُعَذِّبْهُم، وأمَّا قوله تعالى: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ على ما أَنْزلَه اللهُ تعالى، وأجْمَع على قِراءتِه المسلمون؛ فهو مُتعلِّقٌ بالشَّرطينِ مِن جِهةِ المعنى أولِّهما وآخِرِهما؛ إذ تلخيصُه: إنْ تعذبْهم فأنتَ العزيزُ الحكيمُ، وإنْ تغفرْ لهم فأنتَ العزيزُ الحكيمُ في الأمرينِ كِلَيْهما من التعذيبِ والغفرانِ، فكان الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أليقَ بهذا المكانِ لعمومِه، وأنَّه يَجمَعُ الشَّرْطَيْنِ، ولم يَصْلُحِ (الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أنْ يَحتمِلَ ما احتملَه الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [2191] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/421)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/519). .
ومنها: أنَّ هؤلاءِ قد استحقُّوا العذابَ دون الغُفران؛ فوجَبَ أنْ تكونَ الفاصلة: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ؛ ولم تجِئ (الغفور الرحيم) بعدَ ذِكر الغُفران؛ لأنَّه لا يَغْفِرُ لهم، فوجَب أن تكون الفاصلة كما وردتْ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ؛ لأنَّ الله سبحانه مُمتنِعٌ عن القَهرِ والمعارضة. وهو ما يُسمَّى عند البلاغيين بـ (التخيير) [2192] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (3/54- 56). والتخيير: الإتيانُ بكلام يَسوغُ أن يُقفَّى بقوافٍ شتَّى، فيُتخيَّر منها قافيةٌ مُرجَّحة على سائرِها، ويُستدلُّ بإيثارِه إيَّاها على حُسن اختيارِه، وصِدق حسِّه، وقدْ تَقضي البداهةُ الأولى بأنْ تكونَ غيرَ ما اختاره، ولكنَّه عزَفَ عن ذلِك لسرٍّ دقيقٍ، وفي هذه الآية البداهةُ البدائية تَقضي بأنْ تكون الفاصلة: (إنَّك أنت الغفور الرحيم)؛ لملاءمتِها لقوله: إِنْ تَغْفِرْ، ولمناسبته ما بين الغُفران والغفور، ولكنَّ هذا الوهمَ الناجِمَ عن هذه البداهةِ سَرعانَ ما يَزولُ أثرُه عندما يَذكُر المتوهِّم أنَّهم استحقُّوا العذابَ لا الغُفران. يُنظر: المرجع السَّابق نفْسُه .
8- قولِه: قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ فيه: التعبيرُ بصيغةِ الماضي قَالَ اللَّهُ عن المستقبَل الذي سَيكونُ يومَ القِيامةِ؛ للدَّلالةِ على تَحقُّقِ الوقوعِ [2193] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/102). .
- وفيه تقديمُ الخبرِ لَهُمْ على المبتدأِ جَنَّاتٌ وهو يدلُّ على الحَصرِ، بمعنى أنَّ هذا الثوابَ يختصُّ به الصادِقونِ [2194] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/571). .
9- قَوْلُه: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
- فيه تنبيهٌ على كَذِبِ النصارَى وفسادِ دَعواهم في المسيحِ وأمِّه [2195] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/469)، ((تفسير البيضاوي)) (2/151). .
- وتقديمُ الخَبرلِلَّهِ؛ لبيانِ اختصاصِ مُلكِ السَّموات والأَرْضِ وما فيهنَّ باللهِ عزَّ وجلَّ؛ فتقديمُ ما حقُّه التأخيرُ يُفيد الحصرَ، سواءٌ كان هذا الذي حقُّه التأخيرُ خبرًا أمْ مفعولًا، أو غير ذلك ممَّا حقُّه التأخيرُ [2196] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/576). .
- وفيه تقديمُ السَّمَواتِ على الْأَرْضِ؛ لأنَّ السَّمواتِ أشرفُ وأكبرُ، وآياتها أدلُّ وأكثرُ من الأرض [2197] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/370). .
- وقال: وَمَا فِيهِنَّ لأنَّ (ما) يُطلَق متناوِلًا للأجناسِ كلِّها؛ فهو أَوْلى بإرادةِ العمومِ [2198] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/469)، ((تفسير البيضاوي)) (2/151).   .