موسوعة التفسير

سورةُ النَّحلِ
الآيات (90-93)

ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى موجِّهًا عبادَه إلى أمهاتِ الفضائلِ، ومكارمِ الأخلاقِ، ومحذِّرًا مِن الرذائلِ: إنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى يأمُرُ عبادَه بالعَدلِ والإنصافِ في حَقِّه تعالى وفي حَقِّ عبادِه، ويأمُرُ بالإحسانِ في عبادتِه وإلى خَلقِه، وإعطاءِ ذَوِي القَرابةِ حُقوقَهم، وينهى عن كُلِّ ما قَبُحَ قَولًا أو عَملًا، وعَمَّا يُنكِرُه الشَّرعُ ولا يَرضاه، وعن ظُلمِ النَّاسِ والتعَدِّي عليهم، يَعِظُكم اللهُ؛ لكي تتذَكَّروا أوامِرَه وتَنتَفِعوا بها.
ويأمرُ الله تعالى بالوفاءِ بالعهدِ فيقولُ: والتَزِموا الوفاءَ بكُلِّ عَهدٍ فيما بينكم وبينَ الله، وما بينَكم وبينَ الناسِ مما لا يُخالِفُ كِتابَ اللهِ وسُنَّةَ نَبيِّه، ولا تُخالِفوا العُهودَ التي أكَّدْتُموها بالحَلِفِ بالله، وقد جعَلْتُم اللهَ عليكم حفيظًا وضامِنًا حينَ عاهَدتُم؛ إنَّ اللهَ يَعلَمُ ما تَفعَلونَ.
ثمَّ ضرَب الله مثلًا فيه تقبيحٌ لنقضِ العهدِ، فقال: ولا يكنْ مَثَلُكم في نَقضِ العُهودِ مَثَلَ امرأةٍ غَزَلَت غَزْلًا وأحكَمَتْه، ثم نقَضَتْه بعد تَقويتِه وإحكامِه، تَجعلونَ أيمانَكم التي حَلَفْتُموها عند التَّعاهُدِ خَديعةً لِمَن عاهَدتُموه، وتَنقُضونَ عَهدَكم إذا وجَدْتُم قومًا آخرينَ أكثَرَ مالًا ومنفعةً مِن الذين عاهَدتُموهم، إنَّما يَختبِرُكم اللهُ بما أمرَكم به مِن الوفاءِ بالعُهودِ، ولَيُبيِّنَنَّ لكم يومَ القيامةِ ما كُنتُم فيه تَختلِفونَ في الدُّنيا.
ثم بيَّن سبحانه أنَّ قدرتَه لا يُعجِزُها شيءٌ فقال: ولو شاء اللهُ لجَعَلكم على مِلَّةٍ واحدةٍ، وهي الإسلامُ، ولكِنَّه سُبحانَه يُضِلُّ بحِكمتِه مَن يشاءُ؛ عدلًا منه، ويَهدي مَن يشاء؛ فَضلًا منه، ولَيَسألَنَّكم اللهُ جميعًا يومَ القيامةِ عَمَّا كُنتُم تَعمَلونَ في الدُّنيا، وسيُجازيكم عليه.

تفسير الآيات:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) .
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا استقصَى في شَرحِ الوَعدِ والوَعيدِ، والتَّرغيبِ والتَّرهيبِ؛ أتبَعَه بقَوِله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ فجمَعَ في هذه الآيةِ ما يتَّصِلُ بالتَّكليفِ فَرضًا ونَفلًا، وما يتَّصِلُ بالأخلاقِ والآدابِ عُمومًا وخُصوصًا [1079] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (20/258). .
وأيضًا: لَمَّا بيَّنَ اللهُ تعالى فَضْلَ هذا القُرآنِ بما يقطَعُ حُجَّةَ الكافرينَ، وكان قد قدَّمَ فَضْلَ مَن يأمُرُ بالعَدلِ وهو على صِراطٍ مُستقيمٍ؛ أخذَ يُبَيِّنُ اتِّصافَ القُرآنِ ببيانِ كُلِّ شَيءٍ، وتضَمُّنِه لذلك الطَّريقِ الأقومِ، فقال اللهُ تعالى [1080] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/235). :
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى.
أي: إنَّ اللهَ يأمُرُ عِبادَه بالإنصافِ، وأداءِ حُقوقِ الله تعالى، وحُقوقِ عبادِه، ويأمُرُ بالإحسانِ في عبادتِه، والإحسانِ إلى خَلْقِه، ويأمُرُ بإعطاءِ الأرحامِ حُقوقَهم، وإسداءِ الخَيرِ إليهم؛ صِلةً لهم [1081] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/334، 335)، ((تفسير القرطبي)) (10/166، 167)، ((تفسير ابن كثير)) (4/595)، ((تفسير السعدي)) (ص: 447)، ((تفسير ابن عاشور)) (14/254-257)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/437). قال ابنُ عطية: (العدلُ: هو فِعلُ كلِّ مفروضٍ مِن عقائِدَ وشرائعَ وسَيرٍ مع الناسِ؛ في أداء الأمانات، وتركِ الظُّلم، والإنصافِ وإعطاء الحقِّ. والإحسانُ: هو فِعلُ كُلِّ مندوب إليه، فمِن الأشياءِ ما هو كلُّه مندوبٌ إليه، ومنها ما هو فرضٌ إلَّا أنَّ حَدَّ الإجزاء منه داخِلٌ في العدلِ، والتكميلُ الزائدُ على حد الإجزاءِ داخِلٌ في الإحسانِ). ((تفسير ابن عطية)) (3/416). .
كما قال تعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 195] .
وقال سُبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء: 36] .
وقال سُبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء: 58] .
وقال عزَّ وجَلَّ: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة: 8] .
وقال عزَّ مِن قائلٍ: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [الأنعام: 152] .
وقال جلَّ جَلالُه: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ [الإسراء: 26] .
وقال تبارك وتعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [الإسراء: 35] .
وقال سُبحانه: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات: 9] .                 
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ.
أي: وينهَى اللهُ عن كُلِّ مَعصيةٍ مُتناهيةٍ في القُبحِ، كالزِّنا، وينهَى عمَّا تَستنكِرُه النُّفوسُ المُعتَدِلةُ، وتأباه الشَّريعةُ مِن فِعلٍ أو قولٍ، وينهَى عن ظُلمِ النَّاسِ، والتَّعدي عليهم في دمائِهم وأموالِهم وأعراضِهم [1082] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/336)، ((تفسير القرطبي)) (10/167)، ((تفسير ابن كثير)) (4/595)، ((تفسير السعدي)) (ص: 447)، ((تفسير ابن عاشور)) (14/257)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/438). قال ابنُ كثير: (فالفَواحِشُ: المُحَرَّمات. والمُنكَرات: ما ظهَرَ منها مِن فاعِلِها؛ ولهذا قيل في الموضِعِ الآخَرِ: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأعراف: 33] ). ((تفسير ابن كثير)) (4/595). وقال البقاعي: (وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وهي ما اشتَدَّ تَقصيرُه عن العَدلِ، فكان ضِدَّ الإحسانِ. وَالْمُنْكَرِ وهو ما قصُرَ عن العَدلِ في الجُملةِ. وَالْبَغْيِ وهو الاستعلاءُ على الغيرِ ظُلمًا). ((نظم الدرر)) (11/238). وقال ابن عاشور: (فدخلَ في الفَحشاءِ كُلُّ ما يُوجِبُ اختلالَ المُناسِبَ الضَّروريَّ، وقد سَمَّاها اللهُ الفواحِشَ... وشَمِلَ المُنكَرُ كُلَّ ما يُفضي إلى الإخلالِ بالمُناسِبِ الحاجِيِّ، وكذلك ما يُعطِّلُ المُناسِبَ التَّحسينيَّ بدونِ ما يُفضي منه إلى ضُرٍّ). ((تفسير ابن عاشور)) (14/257). .
كما قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام: 151] .
وقال سُبحانه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] .
وعن أبي بَكْرةَ نُفَيعِ بنِ الحارِثِ رَضِيَ الله عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما مِن ذَنبٍ أجدَرُ أن يُعَجِّلَ اللهُ لِصاحِبِه العُقوبةَ في الدُّنيا، مع ما يَدَّخِرُ له في الآخرةِ؛ مِن البَغيِ وقَطيعةِ الرَّحِمِ )) [1083] أخرجه أبو داود (4902)، والترمذي (2511)، وابن ماجه (4211) واللفظ له، وأحمد (20414). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (23/231)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (4211). .
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .
أي: يُذكِّرُكم اللهُ- أيُّها النَّاسُ- بما يأمُرُكم به، وما يَنهاكم عنه؛ لأجلِ أن تتَذَكَّروه فتَتُوبوا إليه، وتَمتَثِلوا أوامِرَه، وتَجتَنِبوا نواهِيَه [1084] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/336)، ((تفسير ابن كثير)) (4/596)، ((تفسير السعدي)) (ص: 447)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/435). .
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا جمَعَ كُلَّ المأموراتِ والمَنهِيَّاتِ في الآيةِ السَّابقةِ على سَبيلِ الإجمالِ؛ ذكَرَ في هذه الآيةِ بَعضَ تلك الأقسامِ، فبدأ تعالى بالأمْرِ بالوَفاءِ بالعَهدِ [1085] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (20/263). .
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ .
أي: وأوفُوا- أيُّها النَّاسُ- بجَميعِ العُهودِ، فيما بَينَكم وبين رَبِّكم، وفيما بَينَكم وبَينَ النَّاسِ [1086] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (10/169)، ((تفسير السعدي)) (ص: 448)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/438). قال الشوكاني: (وخَصَّ هذا العهدَ المذكورَ في هذه الآيةِ بَعضُ المُفَسِّرينَ بالعَهدِ الكائِنِ في بيعةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الإسلامِ، وهو خِلافُ ما يُفيدُه العَهدُ المضافُ إلى اسمِ اللهِ سُبحانَه مِن العُمومِ الشَّامِلِ لجَميعِ عُهودِ الله، ولو فُرِضَ أنَّ السَّبَبَ خاصٌّ بعَهدٍ مِن العهودِ، لم يكن ذلك مُوجِبًا لقَصْرِه على السَّبَبِ؛ فالاعتبارُ بعُمومِ اللَّفظِ لا بخُصوصِ السَّبَبِ). ((تفسير الشوكاني)) (3/227). وقال السعدي: (وهذا يشمَلُ جَميعَ ما عاهدَ العبدُ عليه ربَّه مِن العباداتِ والنُّذورِ والأيمانِ التي عقَدَها، إذا كان الوفاءُ بها بِرًّا، ويشمَلُ أيضًا ما تعاقَدَ عليه هو وغيرُه، كالعُهودِ بين المُتعاقِدين، وكالوَعدِ الذي يَعِدُه العَبدُ لغَيرِه، ويؤكِّدُه على نفسِه، فعليه في جميعِ ذلك الوفاءُ، وتتميمُها مع القدرةِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 448). .
كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1] .
وقال سُبحانه: وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا [الأنعام: 152] .
وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا.
أي: ولا تُخالِفوا العُهودَ التي أكَّدْتُموها وغلَّظْتُموها بالحَلِفِ بالله [1087] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/338)، ((تفسير القرطبي)) (10/170)، ((تفسير السعدي)) (ص: 448). .
وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا.
أي: لا تَنقُضوا عُهودَكم المُؤَكَّدةَ باليمينِ، فتَحْنَثوا فيها، وقد جعَلْتُم اللهَ عليكم حَفيظًا وشَهيدًا ومتكَفِّلًا بوفائِكم بالعُهودِ، فيَكونَ ذلك منكم تَرْكًا لتعظيمِ اللهِ واستهانةً به [1088] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/338)، ((تفسير البغوي)) (3/93)، ((تفسير ابن جزي)) (1/434)، ((تفسير السعدي)) (ص: 448). قال ابن تيمية: (أمَرَهم أن يُوفوا بالعقودِ التي كانوا يتعاقدون بها، وكانوا يسمُّونَها تحالُفًا، ويسمُّونَ الرجُلَ حليفًا، وقال: وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ولم يكن بصيغة القسَمِ التي ذكرها النُّحاةُ؛ ولهذا لم يقلْ: وقد أقسَمْتُم بالله، بل قال: وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا كما عاهد موسى عليه السَّلامُ صاحِبَ مدينَ على النكاحِ بخدمته المدَّةَ المشروطةَ، وقال موسى: وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ [القصص: 28] ولم يتقاسَما بالله، وكذلك الذي دفع ألفَ دينارٍ قَرضًا، وقال: «هلُمَّ شاهدًا، قال: كفى بالله شهيدًا، قال: هلُمَّ كفيلًا، قال: كفى بالله وكيلًا»، فلما جاء الأجلُ نقَرَ خشبةً وألقى الذهبَ فيها؛ لكفالة الله تعالى إيَّاه). ((العقود)) (ص: 65). .
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ.
مناسبتُها لما قبلَها:
لما كان مِن شأنِ الرَّقيبِ حفظُ أحوالِ مَن يراقبُه، قال تعالى مُرَغِّبًا مُرهِّبًا [1089] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/241). :
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ .
أي: إنَّ اللهَ يَعلَمُ كُلَّ ما تَفعَلونَه، ومِن ذلك وفاؤُكم بالعُقودِ ونَقضُها، وسيُجازي كلَّ عامِلٍ بعَمَلِه [1090] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/341)، ((تفسير الشوكاني)) (3/228)، ((تفسير السعدي)) (ص: 448). .
وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا أمَرَ بالوَفاءِ، ونهى عن النَّقضِ؛ شرَعَ في تأكيدِ وُجوبِ الوَفاءِ، وتَحريمِ النَّقضِ وتَقبيحِه؛ تنفيرًا منه، فقال تعالى [1091] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/242). :
وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا.
أي: ولا تَكونوا- أيُّها النَّاسُ- في نَقضِ العُهودِ التي أكَّدْتُموها كالمرأةِ التي تَنقُضُ غَزْلَها ونَسْجَها بعد تَقويتِه وإحكامِه، فتَحُلُّ ما نسَجَت وتجعَلُه أنقاضًا [1092] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 248)، ((تفسير ابن جرير)) (14/341، 343)، ((تفسير القرطبي)) (10/171)، ((تفسير ابن كثير)) (4/599)، ((تفسير السعدي)) (ص: 448). قال ابن كثير: (قوله: أَنْكَاثًا يحتَمِلُ أن يكون اسمَ مصدر: نقَضَت غَزْلَها أنكاثًا، أي: أنقاضًا. ويحتَمِلُ أن يكون بدلًا عن خبَرِ كان، أي: لا تكونوا أنكاثًا، جمعُ نِكْثٍ، مِن ناكث). ((تفسير ابن كثير)) (4/599). !
تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ.
أي: تَجعَلونَ أيمانَكم وسيلةً للغَدرِ والمَكرِ بمَن عاهَدْتُموهم، فتحلفونَ لهم؛ ليَطمئنُّوا إليكم، وتَعقِدونَ معهم العُهودَ، وأنتم مُضمِرونَ نَقْضَها إن وجَدْتُم قومًا آخرينَ أكثرَ منهم عددًا أو قُوَّةً أو غِنًى؛ طلبًا للدُّنيا، فإذا أمكنَكم الغدرُ بهم غَدَرتُم [1093] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/344، 345)، ((تفسير ابن كثير)) (4/599)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/243)، ((تفسير ابن عاشور)) (14/265-266). قال السعدي: (لا تنبغي هذه الحالةُ منكم؛ تَعقِدونَ الأيمانَ المُؤكَّدةَ وتَنتَظِرونَ فيها الفُرَصَ، فإذا كان العاقِدُ لها ضعيفًا غيرَ قادرٍ على الآخَرِ أتمَّها، لا لتعظيمِ العَقدِ واليَمينِ، بل لِعَجزِه، وإن كان قويًّا يرى مَصلحتَه الدُّنيويَّةَ في نَقْضِها، نَقَضَها غيرَ مُبالٍ بعَهدِ اللهِ ويَمينِه.كُلُّ ذلك دَوَرانًا مع أهواءِ النُّفوسِ، وتقديمًا لها على مُرادِ اللهِ منكم، وعلى المُروءةِ الإنسانيَّةِ، والأخلاقِ المَرْضيَّةِ؛ لأجلِ أن تكونَ أمَّةٌ أكثَرَ عددًا وقُوَّةً مِن الأخرى). ((تفسير السعدي)) (ص: 448). وقال ابنُ جزي: (وقيل: الإشارةُ بالأربى هنا إلى كفَّارِ قريشٍ إذ كانوا حينئذٍ أكثرَ مِن المسلمين). ((تفسير ابن جزي)) (1/434). وقال ابنُ عاشور في معنى الآيةِ: (أي: لا يحملُكم على نقضِ الحلِفِ أنْ يكونَ المشركونَ أكثرَ عددًا وأموالًا مِنَ المسلمينَ، فيبعثُكم ذلك على الانفصالِ عن جماعةِ المسلمينَ، وعلى الرُّجوعِ إلى الكفَّارِ). ((تفسير ابن عاشور)) (14/266). .
إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ .
أي: إنَّما يَختَبِرُكم اللهُ بما يأمُرُكم به من الوَفاءِ بالعُهودِ، ولو كان قَومٌ أحسَنَ مِن قَومٍ؛ ليتبَيَّنَ المُطيعُ منكم، والمُخالِفُ لأمرِه [1094] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/347)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/581)، ((تفسير السعدي)) (ص: 448). .
وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.
أي: ولَيُبيِّننَّ اللهُ لكم- أيُّها النَّاسُ- يومَ القيامةِ ما كُنتُم فيه تَختَلِفونَ في الدُّنيا، كالاختِلافِ في تَوحيدِه، وتَصديقِ رُسُلِه، وثُبوتِ البَعثِ، والعُهودِ التي عَقَدْتُموها، فيَحكُمُ بينكم، ويُجازي كُلَّ عاملٍ بعَمَلِه [1095] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/347)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 617)، ((تفسير القرطبي)) (10/171)، ((تفسير ابن كثير)) (4/600)، ((تفسير السعدي)) (ص: 448). .
كما قال تعالى: وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [الحج: 68-69] .
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) .
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا أمَرَ اللهُ تعالى ونهى، وخَوَّفَ مِن العذابِ في القيامةِ، وكان ربَّما ظَنَّ مَن لا عِلمَ له- وهم الأكثَرُ- مِن كثرةِ التَّصريحِ بالحَوالةِ على القيامةِ؛ نَقْصَ القُدرةِ في هذه الدَّارِ- صَرَّحَ بنَفيِ ذلك [1096] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/244). .
وأيضًا لَمَّا كَلَّفَ اللهُ تعالى القَومَ بالوفاءِ بالعَهدِ، وتحريمِ نَقضِه؛ أتبَعَه ببيانِ أنَّه تعالى قادِرٌ على أن يجمَعَهم على هذا الوفاءِ، وعلى سائِرِ أبوابِ الإيمانِ، ولكِنَّه سُبحانَه بحُكمِ الإلهيَّةِ يُضِلُّ مَن يشاءُ، ويهدي مَن يَشاءُ [1097] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (20/265). ، فأحال الأمرَ هنا على المشيئةِ إجمالًا، لتعذُّرِ نشرِ مطاوي الحكمةِ مِن ذلك [1098] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/267). .
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً  .
أي: ولو شاء اللهُ لجعَلَكم جميعًا- أيُّها النَّاسُ- على مِلَّةٍ واحدةٍ؛ مِلَّةِ الإسلامِ، دونَ حُدوثِ اختلافٍ أو تفَرُّقٍ بينَكم [1099] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/347)، ((تفسير القرطبي)) (10/172)، ((تفسير البيضاوي)) (3/239)، ((تفسير ابن كثير)) (4/600)، ((تفسير السعدي)) (ص: 448). .
كما قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا [يونس: 99] .
وقال سُبحانه: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود: 118-119] .
وقال عزَّ وجَلَّ: وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [النحل: 9] .
وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ .
أي: ولكِنَّ اللهَ بحِكمَتِه خالَفَ بينَكم، فجعَلَكم أهلَ مِلَلٍ شَتَّى مُختَلِفةٍ، يخذُلُ مَن يشاءُ عن اتِّباعِ الحَقِّ، فيَحرِمُ تَوفيقَه مَن لا يستَحِقُّ؛ عدلًا منه سُبحانه، ويوفِّقُ مَن يشاءُ، فيهدي للحَقِّ مَن يستَحِقُّ؛ فضلًا منه سُبحانه [1100] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/347)، ((تفسير القرطبي)) (10/172)، ((تفسير السعدي)) (ص: 448). .
كما قال عزَّ وجلَّ: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [الشورى: 8] .
وقال تعالى: مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام: 39] .
وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
أي: وليَسألَنَّكم اللهُ جميعًا- أيُّها النَّاسُ- يومَ القيامةِ عَمَّا كُنتُم تَعمَلونَه في الدُّنيا مِن خَيرٍ وشَرٍّ، فيُجازيكم على أعمالِكم: خَيرِها وشَرِّها [1101] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/347)، ((تفسير ابن كثير)) (4/600)، ((تفسير السعدي)) (ص: 448). .

الفوائد التربوية:

1- قولُه تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ فالإِحسانُ فَوقَ العَدلِ، وذلك أنَّ العَدلَ هو أن يُعطِي ما عليه، ويأخُذَ ما له، والإِحسانَ أن يُعطيَ أكثَرَ ممَّا عليه، ويأخُذَ أقلَّ ممَّا له، فالإِحسانُ زائِدٌ عليه، فتَحرِّي العَدلِ واجِبٌ، وتحَرِّي الإِحسانِ نَدْبٌ وتَطَوُّعٌ؛ ولذلك عَظَّمَ اللهُ ثوابَ أهلِ الإحسانِ؛ قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [1102] يُنظر: ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (2/465). .
2- قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى (إيتاءُ ذي القُربى) لَفظٌ يَقتَضي صِلَةَ الرَّحِمِ ويعُمُّ جَميعَ إسداءِ الخَيرِ إلى القَرابةِ، وتَرْكُه مُبهمًا أبلَغُ؛ لأنَّ كُلَّ مَن وصَلَ في ذلك إلى غايةٍ وإن عَلَت، يرى أنَّه مُقَصِّرٌ [1103] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/416). .
3- قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى خصَّ اللهُ تعالى بالذِّكرِ مِن جِنسِ أنواعِ العَدلِ والإحسانِ نَوعًا مُهِمًّا يَكثُرُ أن يَغفُلَ النَّاسُ عنه ويتهاونوا بحَقِّه أو بفَضلِه، وهو إيتاءُ ذي القُربى؛ فقد تقَرَّرَ في نُفوسِ النَّاسِ الاعتناءُ باجتلابِ الأبعَدِ واتِّقاءِ شَرِّه، كما تقَرَّرَ في نُفوسِهم الغَفلةُ عن القريبِ، والاطمِئنانُ مِن جانِبِه، وتعَوُّدُ التَّساهُلِ في حُقوقِه، ولأجْلِ ذلك صَرَفوا مُعظَمَ إحسانِهم إلى الأبعَدينَ؛ لاجتلابِ المَحمَدةِ، وحُسنِ الذِّكرِ بينَ النَّاسِ، ولم يَزَلْ هذا الخُلُقُ مُتفَشِّيًا في النَّاسِ حتى في الإسلامِ إلى الآنَ، ولا يَكتَرِثونَ بالأقرَبينَ، فخَصَّ اللهُ تعالى بالذِّكرِ مِن بينِ جِنسِ العَدلِ وجِنسِ الإحسانِ إيتاءَ المالِ إلى ذي القُربى؛ تنبيهًا للمُؤمِنينَ يومَئذٍ بأنَّ القَريبَ أحَقُّ بالإنصافِ مِن غَيرِه، وأحَقُّ بالإحسانِ مِن غَيرِه؛ لأنَّه محَلُّ الغفلةِ، ولأنَّ مَصلحَتَه أجدى مِن مصلحةِ أنواعٍ كثيرةٍ [1104] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/256). .
4- قال تعالى: يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وضابِطُ الوَعظِ: هو الكَلامُ الذي تَلينُ له القُلوبُ، وأعظَمُ ما تَلينُ له قُلوبُ العُقَلاءِ أوامِرُ رَبِّهم ونواهيه؛ فإنَّهم إذا سَمِعوا الأمْرَ خافُوا مِن سَخَطِ اللهِ في عدَمِ امتِثالِه، وطَمِعوا فيما عندَ اللهِ مِن الثَّوابِ في امتِثالِه، وإذا سَمِعوا النَّهيَ خافُوا مِن سخَطِ اللهِ في عدَمِ اجتِنابِه، وطَمِعوا فيما عِندَه من الثَّوابِ في اجتنابِه، فحَداهم حادي الخَوفِ والطَّمَعِ إلى الامتِثالِ، فلانَت قُلوبُهم للطَّاعةِ خَوفًا وطَمعًا [1105] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/438). .
5- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا فيه الحَثُّ على الوفاءِ بالعُهودِ، والبِرِّ في الأيمانِ [1106] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 164). .
6- في قَولِه تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ خَتَمَ اللهُ الآيةَ بالعلمِ؛ تهديدًا عن نَقْضِ العهدِ؛ لأنَّ الإنسانَ إذا عَلِمَ بأنَّ اللهَ يَعلَمُ كلَّ ما يَفعَلُ، فإنَّه لا يَنقُضُ العهدَ [1107] يُنظر: ((القول المفيد على كتاب التوحيد)) لابن عثيمين (2/476). .
7- في قَولِه تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا دَلالةٌ على أنَّ الإنسانَ ينبغي أن يُحافِظَ على ما اعتادَه مِن الخَيرِ، يعني: لا تكونوا كالمرأةِ الغازِلةِ التي تَغزِلُ الصُّوفَ، ثمَّ إذا غزَلَتْه وأتقَنَتْه نَقَضَتْه أنَكاثًا ومَزَّقَتْه!! بل دُوموا على ما أنتُم عليه [1108] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (4/56). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ هذه الآيةُ جَمَعت أحكامًا كثيرةً، وتضَمَّنَت جميعَ أوامِرِ الشَّرعِ ونواهيه [1109] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:164). ، وهي أجمعُ آيةٍ في القُرآنِ للحَثِّ على المَصالحِ كُلِّها، والزَّجرِ عن المَفاسِد بأَسْرِها [1110] يُنظر: ((قواعد الأحكام في مصالح الأنام)) للعز بن عبد السلام (2/189). ، وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ الله عنه قال: (إنَّ أجمَعَ آيةٍ في القُرآنِ، في سُورةِ النَّحلِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [1111] أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (3/370) (6002)، وابنُ جرير ((تفسيره)) (14/337). ، وعن الحَسَنِ البصريِّ: (أنَّه قرأ هذه الآيةَ: إِنَّ الَّلَه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ إلى آخِرِها، ثمَّ قال: إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ جمَعَ لكم الخَيرَ كُلَّه والشَّرَّ كُلَّه في آيةٍ واحدةٍ، فواللهِ ما تَركَ العَدلُ والإحسانُ مِن طاعةِ اللهِ شَيئًا إلَّا جَمَعَه، ولا ترَكَ الفَحشاءُ والمُنكَرُ والبَغيُ مِن معصيةِ الله شَيئًا إلَّا جَمَعَه) [1112] أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (138). .
2- الدِّينُ الإسلاميُّ ليس دينَ مُساواةٍ، الدينُ الإسلاميُّ دينُ عَدْلٍ، وهو إعطاءُ كلِّ شَخصٍ ما يَستَحِقُّ، فإذا استوى شَخصانِ في الأحقِّيَّةِ؛ فحينئذٍ يتساويانِ فيما يَتَرَتَّبُ على هذه الأحقِّيَّةِ، أمَّا مع الاختلافِ فلا، ولا يُمكِنُ أن يُطلَقَ أنَّ الدِّينَ الإسلاميَّ دينُ مساواةٍ أبدًا، بل إنَّه دينُ العَدلِ؛ لِقَولِه تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ [1113] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (5/344). .
3- في قَولِه تعالى: وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا وجهُ جَعْلِ اللهِ له كَفيلًا: أنَّ الإنسانَ إذا عَاهَدَ غيرَه قال: أعاهِدُك باللهِ، أي: أجْعَلُ اللهَ كفيلًا [1114] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (10/1064). .
4- يُستَفادُ عمومُ قدرةِ اللهِ جلَّ وعلا؛ وأنَّ بِيَدِه الأمورَ الشَّرعيَّةَ والكونيَّةَ، مِن قَولِه تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً يعني: على مِلَّةٍ واحدةٍ، ولكِنَّه سُبحانه وتعالى له الحِكمةُ البالِغةُ فيما قَدَّرَ وشَرَعَ [1115] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/476). .
5- في قَولِه تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ حُجَّةٌ على المُعتَزِلةِ والقَدَريَّةِ شَديدةٌ؛ لجَمْعِه بين المَشيئةِ والإضلالِ، والهُدى والسُّؤالِ عن العَمَلِ في آيةٍ واحدةٍ، وهو قَولُنا الذي نَقولُه: إنَّ اللهَ جَلَّ جَلالُه لو شاء لجعَلَ النَّاسَ كُلَّهم مُؤمِنينَ، ولكِنَّه لم يفعَلْ، فأضَلَّ قومًا فكَفَروا، وهدى قومًا فآمَنوا، فعذَّبَ الكافِرَ بجِنايتِه، وقد قضاها عليه بعَدلِه سُبحانَه، وأثاب المؤمِنَ على إحسانِه، وقد هداه إليه بفَضلِه سُبحانَه. وكُلُّ هذا حُكمٌ مُنتَظِمٌ، وعَدلٌ شامِلٌ، وفَضلٌ بَيِّنٌ، عقَلَتْه الخَليقةُ بعُقولِها أم لم تَعقِلْه، ولو لم يكُنْ في القُرآنِ مِنَ الرَّدِّ عليهم إلَّا هذه الآيةُ وَحدَها لكَفَتْهم، فكيف وهو مملوءٌ بأمثالِها بحَمدِ اللهِ ونِعمتِه [1116] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (2/89). ؟!

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
- قولُه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى... فيه افتِتاحُ الجُملةِ بحَرفِ التَّوكيدِ؛ للاهتِمامِ بشأنِ ما حَوَتْه، وتَصديرُهما باسْمِ الجَلالةِ للتَّشريفِ، وذكَر يَأْمُرُ ويَنْهَى دونَ أن يُقالَ: اعدِلوا واجتَنِبوا الفَحشاءَ؛ للتَّشويقِ [1117] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/254). .
- فيه إيثارُ صيغةِ الاستِقْبالِ يَأْمُرُ وَيَنْهَى؛ لإفادةِ التَّجدُّدِ والاستِمْرارِ [1118] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/136). .
- وقولُه: وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى تخصيصٌ بعدَ تعميمٍ؛ للمُبالَغةِ [1119] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/238). .
- قولُه تعالى: وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ خَصَّ اللهُ تعالى بالذِّكْرِ نوعًا مِن الفَحشاءِ والمنكَرِ، وهو البَغيُ؛ اهتِمامًا بالنَّهيِ عنه، وسدًّا لِذَريعةِ وُقوعِه؛ لأنَّ النُّفوسَ تَنْساقُ إليه بدافِعِ الغضَبِ، وتَغفُلُ عمَّا يَشمَلُه مِن النَّهيِ مِن عُمومِ الفحشاءِ؛ بسبَبِ فُشوِّه بينَ النَّاسِ [1120] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/258). .
- وهذه الآيةُ قيل: هي أجمَعُ آيةٍ في القرآنِ للخيرِ والشَّرِّ، وقد اشتَمَلَت على أفانينَ مِن البلاغةِ؛ منها الإيجازُ: حيث أمَر في أوَّلِ الآيةِ بكلِّ معروفٍ، ونَهى بعدَ ذلك عن كلِّ مُنكَرٍ، وختَم الآيةَ بأبلَغِ العِظاتِ، وصاغ ذلك في أوجَزِ العباراتِ. ومنها: صِحَّةُ التَّقسيمِ؛ فقد استَوْفى فيها جميعَ أقسامِ المعنى؛ فلم يَبْقَ معروفٌ إلَّا وهو داخِلٌ في نِطاقِ الأمرِ، ولم يَبقَ مُنكَرٌ إلَّا وهو داخِلٌ في حيِّزِ النَّهيِ، وقدَّم ذِكرَ العدلِ؛ لأنَّه واجبٌ، وتَلاه بالإحسانِ؛ لأنَّه مندوبٌ؛ لِيَقَعَ نَظمُ الكلامِ على أحسَنِ تَرتيبٍ، وقرَنَهما في الأمرِ؛ لأنَّ الفَرضَ لا يَخْلو مِن خلَلٍ وتفريطٍ يَجبُرُه النَّدْبُ والنَّوافلُ، وخَصَّ ذا القُرْبى بالذِّكْرِ بعدَ دُخولِه في عُمومِ مَن أمَر بمُعامَلتِه بالعَدلِ والإحسانِ؛ لِبيانِ فَضلِ ذي القُربى، وفَضلِ الثَّوابِ عليه. ومِنها: حُسنُ النَّسَقِ في ترتيبِ الجُمَلِ وعَطْفِها بَعضِها على بعضٍ كما ينبَغي، حيث قدَّم العدْلَ وعطَف عليه الإحسانَ؛ لِكَونِ الإحسانِ اسمًا عامًّا، وإيتاءُ ذي القُرْبى خاصٌّ؛ فكأنَّه نوعٌ مِن ذلك الجنسِ، ثمَّ أتى بجُملَةِ الأمرِ مُقدَّمةً، وعطَف عليها جُملةَ النَّهيِ. ومِنها: تمكينُ الفاصِلةِ؛ لأنَّ مَقطَعَ الآيةِ مُستقِرٌّ في حيِّزِه، ثابتٌ في مَقرِّه، وقَرارُه مَعناه متعلِّقٌ بما قَبلَه إلى أوَّلِ الكلامِ، ولأنَّه لا تَحسُنُ الموعظةُ إلَّا بعدَ التَّكليفِ ببَيانِ الأمرِ والنَّهيِ، ولأنَّ أيَّ لفظةٍ حذَفْتَها مِن ألفاظِ الآيَةِ يَختَلُّ المعنى بحَذْفِها اختِلالًا ظاهِرًا، ويَنقُصُ نَقصًا بيِّنًا [1121]  يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/354، 355، 356). .
2- قَولُه تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
- قولُه: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ (إذا) لمجرَّدِ الظَّرفيَّةِ؛ لأنَّ المخاطَبين قد عاهَدوا اللهَ على الإيمانِ والطَّاعةِ؛ فالإتيانُ باسْمِ الزَّمانِ لِتَأكيدِ الوَفاءِ.
- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا خَصَّ اليمينَ بالذِّكرِ؛ تنبيهًا على أنَّه أَولى أنواعِ العَهدِ بوُجوبِ الرِّعايةِ [1122] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (20/263). .
- قولُه: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ فيه التَّوكيدُ بـ (إنَّ) للاهْتِمامِ بالخبَرِ، وكذلك التَّأكيدُ ببِناءِ الجملةِ بالمسنَدِ الفِعليِّ: يَعْلَمُ دونَ أن يُقالَ: إنَّ اللهَ عليمٌ، ولا: قد يَعلَمُ اللهُ [1123] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/263). .
3- قَولُه تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ تشنيعٌ لحالِ الَّذين يَنقُضون العَهدَ، وعطفٌ على جملةِ: وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا واعتمَد العَطفُ على المغايَرةِ في المعنى بينَ الجُملتَينِ؛ لِمَا في هذه الثَّانيةِ مِن التَّمثيلِ وإن كانت مِن جهةِ الموقِعِ كالتَّوكيدِ لِجُملةِ: وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ نُهوا عن أن يَكونوا مَضرِبَ مَثَلٍ معروفٍ في العرَبِ بالاستهزاءِ، وهو المرأةُ الَّتي تَنقُضُ غَزْلَها بعدَ شَدِّ فَتْلِه، وعبَّر عَنها بطريقِ الموصوليَّةِ؛ لاشتِهارِها بمَضْمونِ الصِّلَةِ، ولأنَّ مَضمونَ الصِّلةِ هو الحالةُ المشبَّهُ بها في هذا التَّمثيلِ [1124] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/264). .
- قولُه: إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ جملةٌ مستأنَفةٌ استِئنافًا بيانيًّا للتَّعليلِ بما يَقْتَضي الحِكْمةَ، وهو أنَّ ذلك يَبتَلي اللهُ به صِدْقَ الإيمانِ، والقَصْرُ المستفادُ مِن قولِه تعالى: إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ قصرُ موصوفٍ على صِفةٍ. ثمَّ عطَف عليه تأكيدَ أنَّه سيُبيِّنُ لهم يومَ القيامةِ ما يَختلِفون فيه مِن الأحوالِ، فتَظهَرُ الحقائقُ كما هي غيرَ مُغَشَّاةٍ بزَخارِفِ الشَّهواتِ، ولا بمَكارِهِ مُخالَفةِ الطِّباعِ؛ لأنَّ الآخِرةَ دارُ الحقائقِ لا لَبْسَ فيها. وأكَّد هذا الوعدَ بمُؤكِّدَينِ: القسَمِ الَّذي دلَّت عليه اللَّامُ، ونونِ التَّوكيدِ [1125] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/266- 267). .
4- قَولُه تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
- قولُه: وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ مؤكَّدٌ بتَأكيدَينِ، وهُما القَسَمُ الَّذي دلَّتْ عليه اللَّامُ، ونونُ التَّوكيدِ، والسُّؤالُ: كنايةٌ عن المُحاسَبةِ؛ لأنَّه سؤالٌ حَكيمٌ تَترتَّبُ عليه آثارُه، وليس سؤالَ استِطْلاعٍ [1126] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/268). .