موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ السَّادِس والأربعون: أبو هِلالٍ العَسْكريُّ (395)


أبو هِلالٍ الحَسَنُ بنُ عَبدِ اللهِ بنِ سَهلِ بنِ سَعيدِ بنِ يحيى بنِ مَهرانَ العَسكريُّ، الأهوازيُّ، اللُّغَويُّ، النَّحْويُّ.
مِن مَشَايِخِه:
أبو أحمَدَ العَسكريُّ، وأبو القاسِمِ بنُ شِيرانَ.
ومِن تَلَامِذَتِه:
أبو سَعدٍ السَّمَّانُ، وأبو الغنائِمِ بنُ حمَّادٍ المقرِئُ الأهوازيُّ، وأبو حكيمٍ أحمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ فَضلانَ العَسكريُّ، ومُظَفَّرُ بنُ طاهرٍ الأَشتريُّ.
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:
الأديبُ، الشَّاعِرُ، الفاضِلُ الكامِلُ، صاحِبُ التصانيفِ الأدبيَّةِ، كُنيتُه أشهَرُ مِن اسمِه، وكان عالِمًا، عفيفًا، عاليَ الهِمَّةِ، وكان الغالِبُ عليه الأدَبَ والشِّعرَ، وكانت له نَفسٌ طاهِرةٌ زَكيَّةٌ، وتصانيفُه في غايةِ الجَودةِ.
عَقيدتُه:
ظهَرَ مِن مُؤَلَّفاتِ أبي هِلالٍ نَزْعَتُه الاعتِزاليَّةُ، واستِماتَتُه في الدِّفاعِ عنها وتقريرِ أُصولِها؛ فمن ذلك قَولُه: ((لم يُعرَفْ في الإسلامِ كِتابٌ كُتِبَ على أصنافِ المُلحِدينَ، وعلى طَبَقاتِ الخوارِجِ، وعلى غاليةِ الشِّيعةِ والمُشايِعينَ في قَولِ الحَشويَّةِ قَبْلَ كُتُبِ واصِلِ بنِ عَطاءٍ، وكُلُّ أصلٍ نَجِدُه في أيدي العُلَماءِ في الكَلامِ والأحكامِ فإنَّما هو منه، وهو أوَّلُ من قال: (الحَقُّ يُعرَفُ مِن وُجوهٍ أربَعةٍ: كِتابٌ ناطِقٌ، وخَبَرٌ مُجتَمَعٌ عليه، وحُجَّةُ عَقلٍ، وإجماعٌ)، وأوَّلُ مَن عَلَّم النَّاسَ كيفيَّةَ مَجيءِ الأخبارِ وصِحَّتِها وفَسادِها، وأوَّلُ من قال: (الخَبَرُ خَبرانِ؛ خاصٌّ وعامٌّ، فلو جاز أن يكونَ العامُّ خاصًّا جاز أن يكونَ الخاصُّ عامًّا، ولو جاز ذلك لجاز أن يكونَ الكُلُّ بعضًا والبَعضُ كُلًّا، والأمرُ خَبرًا والخَبَرُ أمرًا)، وأوَّلُ من قال: إنَّ النَّسْخَ يكونُ في الأمرِ والنَّهيِ دونَ الأخبارِ، وأوَّلُ من سُمِّي مُعتَزِليًّا، وذلك لمجانبَتِه تقصيرَ المُرجِئةِ وغُلُوَّ الخوارِجِ، وكُلُّ من نُبِزَ بشَيءٍ أَنِفَ منه، مِثْلُ الرَّفْضِ والجَبْرِ، والرَّافِضُ يُسَمِّي نَفْسَه شِيعيًّا، والمُجبرُ يقولُ: أنا سُنِّيٌّ؛ ولذلك المرجِئُ يُسَمِّي نَفْسَه شاريًّا، والمُعْتزليُّ راضٍ باسمِ الاعتزالِ غَيرُ نافرٍ منه ولا كارهٍ له ولا مُستبدِلٍ به لِما رَضِيَه له سَلَفُه)) [430] ينظر: ((الأوائل)) للعسكري (ص: 374). .
وقال أيضًا: ((الفَرقُ بين الفِعْلِ والعَمَلِ: أنَّ العَمَلَ إيجادُ الأثرِ في الشَّيءِ؛ يقالُ: فلانٌ يَعمَلُ الطِّينَ خَزَفًا ويعمَلُ الخُوصَ زِنْبيلًا والأديمَ سِقاءً، ولا يقالُ: يَفعَلُ ذلك؛ لأنَّ فِعْلَ ذلك الشَّيءِ هو إيجادُه على ما ذُكِرَ هنا، وقال اللهُ تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: 96] أي: خلَقَكم وخَلَقَ ما تُؤَثِّرُون فيه؛ بنَحْتِكم إيَّاه أو صَوْغِكم له)) [431] ينظر: ((الفروق اللغوية)) للعسكري (ص: 134). .
وقال في الفَرقِ بَيْنَ القَدَرِ والتَّقديرِ: ((التَّقْديرُ يُستعمَلُ في أفعالِ اللهِ تعالى وأفعالِ العِبادِ، ولا يُستعمَلُ القَدَرُ إلَّا في أفعالِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، وقد يكونُ التقديرُ حَسَنًا وقَبيحًا؛ كتَقديرِ المنَجِّمِ مَوتَ زيدٍ وافتقارَه واستِغناءَه، ولا يكونُ القَدَرُ إلَّا حَسَنًا)) [432] ينظر: ((الفروق اللغوية)) للعسكري (ص: 191). .
وقال في معاني: "الجَعْل": ((الخامِسُ: الخَلْقُ؛ قال: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف: 3] : أي: خلَقْناه كذلك وأحدَثْناه)) [433] ينظر: ((الوجوه والنظائر)) لأبي هلال العسكري (ص: 162). .
وقال في الأمرِ بالصَّلاةِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((والفائِدةُ في الترَحُّمِ عليه ما يستَحِقُّ المترحِّمُ مِنَ الثَّوابِ، فإذا جدَّد اللهُ تعالى لنبيِّه تكريمًا عند دُعاءِ الدَّاعي قيل: إنَّ اللهَ أجاب دُعاءَه، وفي الإجابةِ تكريمُ المجابِ. والدُّعاءُ ليس بواجِبٍ في العُقولِ، وإنَّمَا أوجَبَه القرآنُ؛ لأنَّ العاقِلَ يَعلَمُ أنَّ اللهَ لا يختارُ له إلَّا الأصلَحَ في دينِه ودُنياه. فيَجوزُ أن ينصَرِفَ عن الدُّعاءِ تَفويضًا لأمْرِه إلى اللهِ، واللهُ لا يمنَعُ العَبدَ ما فيه صَلاحُه، ولكِنَّه أمَرَه بالدُّعاءِ تعريضًا للإجابةِ لِما فيها من إكرامِ المجابِ)) [434] ينظر: ((الوجوه والنظائر)) لأبي هلال العسكري (ص: 289). .
وقال أيضًا: ((وأمَّا قَولُه تعالى: قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ [الرعد: 27] : فمَعناه أنَّه يَهْدي النَّاسَ إلى ثوابِه لا إلى الدِّينِ؛ لأنَّ النَّاسَ مُهتَدون إلى الدِّينِ، وكذلك ينبغي أن يكونَ الإضلالُ هنا من الثَّوابِ لا عن الدِّينِ، ولو جاز أن يُضِلَّ عن الدِّينِ لجاز لنا ذلك، كما أنَّه جاز لنا أن نهدِيَ إليه إذ كان اللهُ يَهْدي إليه، ولو جاز أن يُضِلَّ عن الإيمانِ لجاز أن يدعوَ إلى الكُفرِ، ولو جاز له ذلك لجاز لنا)) [435] ينظر: ((الوجوه والنظائر)) لأبي هلال العسكري (ص: 302). .
وفي كتابِه: «الوُجوهُ والنَّظائِرُ» الكثيرُ مِن تقريراتِ مَذهَبِ المُعتَزِلةِ وتأويلاتِهم لأسماءِ اللهِ تعالى وصِفاتِه.
مُصنَّفاتُه:
مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((جمهرةُ الأمثالِ))، وكتاب: ((الحَثُّ على طَلَب العِلْم))، وكتاب: ((الفُروق))، وكتاب: ((الصِّناعتين))، وكتاب: ((شَرْح الحماسة))، وكتاب: ((ديوان المعاني)).
وَفَاتُه:
تُوفِّي بعدَ سَنةِ خمسٍ وتسعين وثلاثِ مِائة. وقيل: عاش إلى بعْدِ سَنةِ أربعِ مِائة [436] يُنظر: ((معجم الأدباء)) لياقوت الحموي (2/ 918)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقفطي (4/ 189)، ((الدر الثمين في أسماء المصنفين)) لابن الساعي (ص: 337)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (9/ 338)، ((سلم الوصول إلى طبقات الفحول)) لحاجي خليفة (2/ 27)، ((الأعلام)) للزركلي (2/ 196). .

انظر أيضا: