موسوعة الفرق

الفَصلُ الثَّاني: تعريفُ الخَوارِجِ اصطِلاحًا


اختلف العُلَماءُ في التَّعريفِ الاصطِلاحيِّ للخَوارِجِ:
1- منهم من عرَّفهم تعريفًا سياسيًّا عامًّا: فاعتبر الخروجَ على الإمامِ المتَّفَقِ على إمامتِه الشَّرعيَّةِ خُروجًا في أيِّ زمنٍ كان.
قال الشَّهْرَسْتانيُّ: (كُلُّ من خرج على الإمامِ الحَقِّ الذي اتَّفقت الجماعةُ عليه يُسَمَّى خارِجيًّا، سواءٌ كان الخروجُ في أيَّامِ الصَّحابةِ على الأئمَّةِ الرَّاشِدين، أو كان بَعدَهم على التَّابِعين لهم بإحسانٍ، والأئمَّةِ في كُلِّ زمانٍ) [8] ((الملل والنحل)) (1/114). .
2- منهم من خصَّهم بالذين خرَجوا على عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه:
قال الأشعَريُّ: (السَّبَبُ الذي سُمُّوا له خَوارِجَ خروجُهم على عليِّ بنِ أبي طالبٍ) [9] ((مقالات الإسلاميين)) (1/207). .
3- بَيَّن ابنُ حزمٍ أنَّ اسمَ الخارِجيِّ يَلحَقُ كُلَّ من أشبه الخارِجين على عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، أو شاركهم في آرائِهم في أيِّ زمنٍ [10] يُنظر: ((الفصل)) (2/113). .
4- عرَّفهم بعضُ عُلَماءِ الإباضيَّةِ بأنَّهم: طوائِفُ من النَّاسِ في زمَنِ التَّابِعين وتابِعِ التَّابِعين، أوَّلُهم نافِعُ بنُ الأزرَقِ [11] يُنظر: ((عمان تاريخ يتكلم)) للسالمي (ص: 103). .
وهذا التَّعريفُ لأبي إسحاقَ أطَّفَيِّشَ [12] هو إبراهيمُ (أو محمَّد إبراهيم) بنُ محمَّدِ إبراهيمَ بنِ يُوسُفَ، أبو ‌إسحاقَ ‌أَطَّفَيِّشُ: أديبٌ من عُلماءِ الإباضيَّةِ. ولِدَ سنةَ 1305 هـ، في قريةٍ بالجزائِرِ، انتقل إلى تونُسَ، وحضر دروسًا في جامِعِ الزَّيتونةِ. وشارك في الحركةِ الوطنيَّةِ فأبعَده الفَرَنسيُّون، فتوجَّه إلى القاهرةِ سنةَ 1341هـ، فأنشأ مجلَّةَ (المِنْهاج)، ونَشَر كُتُبًا عِلميَّةً لبعضِ أعلامِ الإباضيَّةِ. وصَنَّف كتابَ (الدِّعاية إلى سَبيلِ المُؤمِنين). وعَمِل في دارِ الكُتُبِ المِصريَّة، فشارك في تحقيقِ بعضِ مطبوعاتِها الكبيرةِ؛ كتفسيرِ القُرطبيِّ، وأجزاءٍ من (نهاية الأَرَبِ). ورجَع إلى السِّياسةِ، فكان ممثِّلًا لدولةِ إمامةِ عُمانَ في جامِعةِ الدُّوَلِ العربيَّةِ، وكان مرَجِعًا للفتوى في المذهَبِ الإباضيِّ عِندَ المشارِقةِ والمغارِبةِ. وتوفِّيَ بالقاهرةِ 1385هـ. يُنظر: ((الأعلام)) للزركلي (1/ 73- 74)، ((معجم أعلام الجزائر)) لنويهض (ص: 19). يريدُ منه أنْ لا علاقةَ بَينَ الـمُحَكِّمةِ الأولى -الذين لا يعتَبِرُهم خَوارِجَ؛ لشرعيَّةِ خُروجِهم كما يزعُمُ- وبَينَ مَن بَعدَهم إلى قيامِ نافعٍ سَنةَ 64هـ. وهذا التَّعريفُ غيرُ مقبولٍ حتَّى عِندَ بعضِ عُلَماءِ الإباضيَّةِ.
والتَّعريفُ الثَّاني مشى عليه بعضُ عُلَماءِ الفِرَقِ في تعريفِهم بفرقةِ الخَوارِجِ، وقيامِ حركتِهم ابتداءً من خروجِهم في النَّهْرَوانِ، وهو ما يتَّفِقُ أيضًا مع مفهومِ الخَوارِجِ كطائفةٍ ذاتِ أفكارٍ وآراءٍ اعتقاديَّةٍ أحدَثت في التَّاريخِ الإسلاميِّ آثارًا كبيرةً.
إذًا الخَوارِجُ بتعريفٍ عامٍّ: (كُلُّ من خرج على الإمامِ، وعلى الجماعةِ المُسلِمةِ بالسَّيفِ للدُّعاءِ إلى مُعتَقَدِه، وكان خروجُه نابعًا من مخالَفةِ الأصولِ في الشَّريعةِ)، فهذا التَّعريفُ أقربُ لتعريفِ الخَوارِجِ كفرقةٍ من الفِرَقِ، أمَّا من خرج لغيرِ ذلك ممَّا تقدَّم فيُطلَقُ عليهم اسمُ الخُروجِ العامِّ، ويُطلَقُ عليهم خَوارِجُ كحُكمٍ شَرعيٍّ، وصِفةٍ لفِعلِهم.
5- يُعرِّفُ بعضُ المُعاصِرين الخَوارِجَ كفِرقةٍ من الفِرَقِ بأنَّهم: (الذين يُكَفِّرون بالمعاصي، ويخرُجون على أئمَّةِ المُسلِمين وجماعتِهم) [13] يُنظر: ((الخوارج)) للعقل (ص: 28). :
وهذا التَّعريفُ عامٌّ، وإن كان أخصَّ ممَّا ذكره الشَّهْرَسْتانيُّ، إلَّا أنَّه يشمَلُ كُلَّ من سار على هذا المنهَجِ، وإن تسمَّى باسمٍ آخَرَ غيرِ الخَوارِجِ، أو انتمى إلى فِرقةٍ أخرى؛ إذ كُلُّ من خرج على إمامِ المُسلِمين وجماعتِهم بالسَّيفِ، وكان الدَّافِعُ لهذا الخروجِ عقيدةً يعتقِدُها من تكفيرِ المخالِفين أو بدعةٍ يدعو إليها؛ يُسَمَّى خارِجيًّا، ويُعتَبرون خَوارِجَ، ويَلحَقُهم الذَّمُّ الواردُ في النُّصوصِ [14] ويؤكِّدُ هذا أنَّ أيُّوبَ السَّخْتيانيَّ يُسَمِّي أصحابَ البِدَعِ (الخوارج)، وقال: (الخوارجُ اختلفوا في الاسمِ، واجتَمَعوا على السَّيفِ). يُنظر: ((الشريعة)) للآجُرِّي (5/2549)، ((ذم الكلام)) للهَرَوي (4/198). ؛ لذلك يُطلَقُ على بعضِ فِرَقِ الرَّافضةِ خَوارِجُ مارقةٌ، بهذا المعنى [15] أجمعت الرَّافضةُ على تركِ الخُروجِ بالسَّيفِ حتَّى يَظهَرَ إمامُهم المُنتظَرَ، أي: إذا خرج إمامُهم حملوا السَّيفَ، أمَّا الزَّيديَّةُ من الشِّيعةِ بأجمعِها فترى السَّيفَ والعَرْضَ على أئمَّةِ الجَورِ، وإزالةَ الظُّلمِ. يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (1/129، 150)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (28/271) و(13/113). ، إلَّا أنَّ الفيصلَ بَينَهما هو القولُ في عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه؛ فالخَوارِجُ الحَروريَّةُ تُكَفِّرُه، والرَّافضةُ تتولَّاه؛ لذا إذا أرَدْنا أن نُعرِّفَ الخَوارِجَ الحَروريَّةَ بتعريفٍ خاصٍّ بهم كفِرقةٍ من الفِرَقِ، لا كحُكمٍ شَرعيٍّ فيهم أو تعريفٍ عامٍّ لهم، نقولُ: هم كُلُّ من كفَّر عليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وعثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه، وأصحابَ الجَمَلِ، ومَن رَضِي بالتَّحكيمِ، وهم الذين يُكَفِّرون بالمعاصي [16] تَشمَلُ كَلِمةَ (يُكَفِّرون بالمعاصي) كُفرَ الشِّركِ، وكُفرَ النِّعمةِ، وكُفرَ المِلَّةِ، على اختلافِ فِرَقِ الخوارجِ في ذلك. ، ويَرَون الخروجَ على إمامِ المُسلِمين وجماعتِهم، ويتوَلَّون فِرقةَ المحَكِّمةِ الأولى [17] يُنظر: ((ذكر مذاهب الفرق الثنتين وسبعين المخالفة)) لليافعي (ص: 23). .
فالخَوارِجُ هم من خرَج على أئمَّةِ المُسلِمين الشَّرعيِّين وجماعتِهم، ومن يُكَفِّرُ مُرتَكِبَ الكبيرةِ.

انظر أيضا: