موسوعة الأخلاق والسلوك

ثامنًا: الوسائِلُ المعينةُ على التَّواضُعِ


1- تقوى اللَّهِ:
وهي من أهَمِّ الوسائِلِ التي تعينُ المرءَ على التَّواضُعِ، وتردَعُه عن أخلاقِ أهلِ السَّفَهِ والكِبرِ؛ لأنَّ التَّقوى وقايةٌ من كُلِّ ما يُغضِبُ اللَّهَ تعالى، وفِعلُ جميعِ الطَّاعاتِ التي أمَر اللَّهُ تعالى بها، فالكِبرُ كبيرةٌ من الكبائرِ، ولا يتَّصِفُ بها أهلُ التَّقوى، والتَّواضُعُ من محاسِنِ الأخلاقِ، ولا بدَّ أن يتَّصِفَ به أهلُ التَّقوى.
2- عامِلِ النَّاسَ بما تحبُّ أن يعاملوك به:
ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ المرءَ يحِبُّ أن يتواضَعَ له النَّاسُ، ويخفِضوا جناحَهم له، ويعامِلوه برفقٍ ولينٍ، ويبغِضُ -من ناحيةٍ أُخرى- من يُغلِظُ له، ومن يتكبَّرُ عليه بأيِّ صورةٍ من الصُّوَرِ.
ولو كان المرءُ جِرابًا حُشِيَ كِبرًا لتألَّم وتأفَّف أيضًا ممن يتكبَّرُ عليه، فلِمَ الكيلُ بمكيالينِ؟!!
3- التَّفكُّرُ في أصلِ الإنسانِ [2267] ((التواضع في ضوء القرآن والسنة الصحيحة)) لسليم الهلالي (31، 32). :
إذا عَرَف الإنسانُ نفسَه عَلِم أنَّه أذَلُّ مِن كُلِّ ذليلٍ، ويكفيه نظرةٌ في أصلِ وُجودِه بعد العَدَمِ من ترابٍ، ثمَّ من نُطفةٍ خرجت من مخرجِ البولِ، ثمَّ مِن عَلَقةٍ، ثمَّ من مُضغةٍ، فقد صار شيئًا مذكورًا بعدَ أن كان لا يسمَعُ ولا يُبصِرُ ولا يُغني شيئًا؛ فقد ابتدأ بموتِه قبلَ حياتِه، وبضَعفِه قبلَ قُوَّتِه، وبفَقرِه قبلَ غِناه.
وقد أشار اللَّهُ سُبحانَه وتعالى إلى هذا بقولِه:
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ [عبس: 18-19] .
ثمَّ امتنَّ عليه بقولِه: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ [عبس: 20] .
وبقولِه: فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان: 2] .
لقد أحياه اللَّهُ بعد موتٍ، وأحسَن تصويرَه، وأخرجه إلى الدُّنيا، فأشبَعَه وأرواه، وكساه وهداه، وقوَّاه.
فمن هذا بدايتُه، فأيُّ وَجهٍ لتكبُّرِه وفَخرِه وخُيَلائِه؟!
قال ابنُ حِبَّانَ: (وكيف لا يتواضَعُ مَن خُلِق من نطفةٍ مَذِرةٍ [2268] مَذِرة: أي: مُتغَيِّرة. يقال: مَذِرَت البيضةُ مَذَرًا، فهي مَذِرةٌ: فسَدَت. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (5/ 164)، ((بريقة محمودية)) للخادمي (2/ 218). ، وآخِرُه يعودُ إلى جيفةٍ قَذِرةٍ، وهو بَيْنَهما يحمِلُ العَذِرةَ؟) [2269] ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص: 61). .
4- معرفةُ الإنسانِ قَدْرَه:
قال تعالى: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا [الإسراء: 37] .
(أي: أنت -أيُّها المتكبِّرُ المُختالُ- ضعيفٌ حقيرٌ عاجزٌ محصورٌ بَيْنَ جمادينِ أنت عاجزٌ عن التَّأثيرِ فيها؛ فالأرضُ التي تحتك لا تَقدِرُ أن تؤثِّرَ فيها بشِدَّةِ وَطئِك عليها، والجبالُ الشَّامخةُ فَوقَك لا يبلُغُ طولُك طولَها؛ فاعرِفْ قَدْرَك، ولا تتكبَّرْ، ولا تمشِ في الأرضِ مَرَحًا) [2270] ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/592). .
5- تذكُّرُ الأمراضِ والأوجاعِ والمصائِبِ:
(ما أجمَلَ التَّواضُعَ واللِّينَ!
فلو رأيتَ أهلَ البلاءِ بشَتَّى صنوفِهم للمَسْتَ التَّواضُعَ يعلو وجوهَهم وأبدانَهم!
انظُرْ إلى مَن غَلَّه المرضُ، واستوثق منه الوَجَعُ، وهدَّه الألمُ، انظُرْ إليه إذا جاء الزَّائرُ يزورُه، وطالِعُ مُحيَّاه؛ فسترى فاقةً وكَسرةً وحاجةً إلى كُلِّ إنسانٍ!
فهو يأنَسُ بهذا، ويشُدُّ على يدِ هذا، ويطلُبُ الدُّعاءَ من آخَرَ، ويتشوَّفُ إلى رنينِ الهاتفِ؛ فلربَّما سمع كَلِمةً تشُدُّ من أَزْرِه، أو ربَّما سَعِد بدعوةٍ مجابةٍ أو... أليس في هذا الحالِ دَرْسٌ لكلِّ من اختال يومًا، أو تطاول حينًا، أو تكبَّرَ زمنًا؟!
بلى واللَّهِ.
وما قيل هنا يُقالُ في أهلِ المصائِبِ كافَّةً، فلماذا التَّجمُّلُ بالتَّواضُعِ عِندَ الضُّرِّ، والافتخارُ والمباهاةُ والأشَرُ والكِبرُ عِندَ الرَّخاءِ والنِّعمةِ في العَلَنِ والسِّرِّ؟!
6- تطهيرُ القَلبِ:
القلبُ إذا صَلَح صَلَح العَمَلُ كُلُّه بإذنِ اللَّهِ تعالى، فعلى من أراد اكتسابَ خُلُقِ التَّواضُعِ أن يُطَهِّرَ قَلبَه من الأمراضِ التي عصَفَت به من حِقدٍ وحَسَدٍ وعُجبٍ وغُرورٍ؛ لأنَّ القلبَ هو موطنُ هذه الأمراضِ كُلِّها [2271] يُنظَر: ((دروس إيمانية في الأخلاق الإسلامية)) لخميس السعيد (ص: 61). .
7- أن يعلَمَ أنَّ التَّواضُعَ من أخلاقِ الأنبياءِ والصَّالحين، فيجتَهِدَ في الاقتداءِ بهم؛ قال السَّمرقنديُّ: (التَّواضُعُ من أخلاقِ الأنبياءِ والصَّالحين... وقد مدح اللَّهُ عبادَه المُؤمِنين بالتَّواضُعِ، فقال: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [الفَرْقان: 63] ، يعني: متواضعين، ومدَحَهم بتواضُعِهم، وأمر نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالتَّواضُعِ، فقال: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤمِنِينَ [الحجر 88]، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 215]، ومدح النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بخُلُقِه، فقال: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4] ، وكان خلُقُه التَّواضُعَ... وكان الصَّالحون من قَبلُ أخلاقُهم التَّواضُعُ؛ فوجب علينا أن نقتديَ بهم، رضيَ اللَّهُ تعالى عنهم) [2272] يُنظَر: ((تنبيه الغافلين)) (ص: 186، 187). .

انظر أيضا: