موسوعة التفسير

سورةُ الإنسانِ
الآيات (1-3)

ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ

غريب الكلمات:

الدَّهْرِ: الدَّهْرُ اسمٌ للزَّمانِ الطَّويلِ ومُدَّةِ الحياةِ الدُّنيا، وهو في الأصلِ: اسمٌ لِمُدَّةِ العالَمِ مِن مَبدأِ وُجودِه إلى انقضائِه، ثمَّ يُعبَّرُ به عن كلِّ مُدَّةٍ كثيرةٍ، بخِلافِ الزَّمانِ؛ فإنَّه يقَعُ على المدَّةِ القليلةِ والكثيرةِ، وأصلُ (دهر): هو الغلَبةُ والقَهرُ، وسُمِّيَ الدَّهْرُ دَهْرًا؛ لأنَّه يأتي على كلِّ شيءٍ ويَغْلِبُه [9] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/305)، ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب (ص: 319)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/144). .
نُطْفَةٍ: النُّطفةُ: الماءُ الصَّافي، ويُعَبَّرُ بها عن ماءِ الرَّجُلِ والمرأةِ، وأصلُ (نطف): يدُلُّ على نَدوةٍ وبَلَلٍ [10] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/440)، ((المفردات)) للراغب (ص: 811)، ((تفسير القرطبي)) (12/6)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 300). .
أَمْشَاجٍ: أي: أَخلاطٍ؛ مِن مَشَجْتُ الشَّيءَ: إذا خلَطْتَه؛ لأنَّ النُّطْفةَ مِن مَنِيِّ الرَّجُلِ ومَنِيِّ المرأةِ، وأصلُ (مشج): يدُلُّ على خَلْطٍ [11] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 502)، ((تفسير ابن جرير)) (23/531)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 85)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/326)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/125). .
نَبْتَلِيهِ: أي: نَختَبِرُه ونَمتَحِنُه، والبلاءُ يكونُ في الخَيرِ والشَّرِّ، وأصلُ (بلي) هنا: الاختِبارُ [12] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 502)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/293)، ((تفسير السمعاني)) (6/113)، ((المفردات)) للراغب (ص: 145). وقال الرَّاغب: (يُقالُ: بَلِيَ الثَّوبُ بِلًى وبَلَاءً، أي: خَلَقَ، ومنه قيل لِمَن سافر: بِلْوُ سفَرٍ وبِلْيُ سفَرٍ، أي: أبلاه السَّفرُ، وبَلَوْتُه: اختَبَرْتُه، كأنِّي أخلَقْتُه مِن كثرةِ اختباري له). ((المفردات)) (ص: 145). .

المعنى الإجمالي:

افتَتَح اللهُ تعالى هذه السُّورةَ الكريمةَ بالإخبارِ بأنَّه قد مَرَّ على الإنسانِ قبْلَ أن يُخلَقَ زَمَنٌ طَويلٌ لم يكُنْ فيه شَيئًا مَذكورًا.
ثمَّ ذكرَ اللهُ سُبحانَه أطوارَ خَلقِ الإنسانِ، فقال: إنَّا خَلَقْنا كُلَّ إنسانٍ مِن ماءٍ قَليلٍ مكوَّنٍ مِن اختِلاطِ ماءِ الرَّجُلِ بماءِ المرأةِ؛ مِن أجْلِ أن نَختَبِرَه في الدُّنيا، فجَعَلْناه سَميعًا بَصيرًا.
 ثمَّ ذكَرَ اللهُ تعالى أنَّه بيَّن للنَّاسِ طريقَ الحقِّ، وأنَّهم انقسَموا إلى قِسمَينِ، فقال: إنَّا هدَيْنا كُلَّ إنسانٍ، وبَيَّنَّا له طريقَ الحَقِّ الَّذي يُوصِلُه إلى رِضوانِ اللهِ وجَنَّتِه؛ فإمَّا أن يَسلُكَه فيَكونَ شاكِرًا، وإمَّا أن يَترُكَه فيَكونَ كَفُورًا لنِعَمِ اللهِ عليه.

تفسير الآيات:

هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1).
أي: قد مَرَّ على الإنسانِ قبْلَ أن يُخلَقَ زَمَنٌ طَويلٌ لم يكُنْ فيه شَيئًا يُذكَرُ [13] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/408)، ((تفسير ابن جزي)) (2/436)، ((تفسير ابن كثير)) (8/285)، ((تفسير السعدي)) (ص: 900)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/372). حكى الرازي الاتِّفاقَ على أنَّ هَلْ هاهنا بمعنى: قَدْ. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/739). ويُنظر أيضًا: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 502)، ((الوسيط)) للواحدي (4/398). ونَسَبه ابنُ عَطيَّةَ إلى أكثَرِ المتأَوِّلينَ. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/408). قيل: المرادُ بالإنسانِ المذكورِ في هذه الآيةِ: آدَمُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. وممَّن ذهب إلى هذا القولِ: ابنُ جرير، والسمرقنديُّ، وابنُ أبي زَمَنِين، والثعلبيُّ، والمهدوي، والواحدي، والسَّمْعاني، والبَغَوي، والعُلَيمي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/529)، ((تفسير السمرقندي)) (3/525)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (5/69)، ((تفسير الثعلبي)) (10/93)، ((التحصيل)) للمهدوي (6/546)، ((الوسيط)) للواحدي (4/398)، ((تفسير السمعاني)) (6/112)، ((تفسير البغوي)) (5/189)، ((تفسير العليمي)) (7/231). ونسَبَ السَّمْعانيُّ هذا القولَ إلى أكثَرِ المفسِّرينَ، ونسَبَه ابنُ الجَوزيِّ إلى الجمهورِ. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (6/112)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/374). وقيل: الإنسانُ هنا اسمُ جِنسٍ، يَعُمُّ كُلَّ إنسانٍ. وممَّن ذهب إلى هذا القولِ: ابنُ عطيَّة، وابنُ جُزَي، وأبو حيَّان، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/408)، ((تفسير ابن جزي)) (2/436)، ((تفسير أبي حيان)) (10/358)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/372). قال أبو حيَّان: (الإنسانُ هنا جِنسُ بني آدَمَ، والحِينُ الَّذي مَرَّ عليه إمَّا حِينُ عَدَمِه، وإمَّا حينُ كَونِه نُطفةً، وانتِقالِه مِن رُتبةٍ إلى رُتبةٍ حتَّى حينِ إمكانِ خِطابِه؛ فإنَّه في تلك المدَّةِ لا ذِكْرَ له، وسُمِّيَ إنسانًا باعتبارِ ما صار إليه). ((تفسير أبي حيان)) (10/358). !
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر اللهُ تعالى مُطْلَقَ خَلْقِ الإنسانِ، وأنَّه قد كان لا شيءَ، ثمَّ أنعَم الله عليه بنعمةِ الإيجادِ؛ شَرَع يَذكُرُ كيفيَّةَ خَلْقِه، فقال [14] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/124). :
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ.
أي: إنَّا خَلَقْنا كُلَّ إنسانٍ مِن ماءٍ قَليلٍ مكوَّنٍ مِن اختِلاطِ ماءِ الرَّجُلِ بماءِ المرأةِ؛ مِن أجْلِ أن نختَبِرَه في الدُّنيا [15] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/531، 535، 536)، ((الوسيط)) للواحدي (4/398)، ((تفسير القرطبي)) (19/120)، ((تفسير ابن كثير)) (8/285، 286). وقد حكى الماوَرْديُّ وابنُ عطيَّةَ اتِّفاقَ المفَسِّرينَ على أنَّ الإنسانَ في هذا الموضِعِ هو كُلُّ إنسانٍ مِن بني آدَمَ. يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (6/162)، ((تفسير ابن عطية)) (5/408). قال ابن جزي: (قولُه: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ وهو هنا جنسٌ باتِّفاقٍ). ((تفسير ابن جزي)) (2/436). وقال البِقاعي: (ولَمَّا كان خَلْقُه على طبائِعَ مختَلِفةٍ وأمزِجةٍ مُتفاوِتةٍ أعظَمَ لأجْرِه إنْ جاهد ما يَتنازَعُه مِن المختَلِفاتِ بأمرِ رَبِّه الَّذي لا يختَلِفُ، وكانت أفعالُه تابِعةً لأخلاقِه، وأخلاقُه تابعةً لجِبِلَّتِه؛ قال: أَمْشَاجٍ أي: أخلاطٍ... مِن قولِك: مَشَجْتُ الشَّيءِ: إذا خلَطْتَه؛ لأنَّه مِن مَنِيِّ الرَّجُلِ ومَنِيِّ المرأةِ، وكُلٌّ منهما مختَلِفُ الأجزاءِ، مُتبايِنُ الأوصافِ). ((نظم الدرر)) (21/125). .
كما قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك: 2] .
فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا.
أي: فجَعَلْنا للإنسانِ سَمْعًا يَسمَعُ به الأصواتَ، وجعَلْنا له بَصَرًا يُبصِرُ به المَرئيَّاتِ [16] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/537)، ((تفسير الرازي)) (30/741)، ((تفسير ابن كثير)) (8/286). قال الرَّازي: (أعطاه ما يَصِحُّ معه الابتلاءُ، وهو السَّمعُ والبَصَرُ، فقال: فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، والسَّمعُ والبَصَرُ كِنايَتانِ عن الفَهْمِ والتَّمييزِ). ((تفسير الرازي)) (30/741). وقال البِقاعي: (ليتمَكَّنَ مِن مُشاهَدةِ الدَّلائِلِ ببَصَرِه، وسَماعِ الآياتِ بسَمْعِه، ومَعرفةِ الحُجَجِ ببَصيرتِه؛ فيَصِحَّ تَكليفُه وابتِلاؤُه). ((نظم الدرر)) (21/130). .
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أخبَرَ تعالى أنَّه بعدَ أن ركَّبَ الإنسانَ، وأعطاه الحواسَّ الظَّاهِرةَ والباطِنةَ؛ بيَّنَ له سَبيلَ الهُدى والضَّلالِ [17] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/741). .
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3).
أي: إنَّا بَيَّنَّا للإنسانِ وعرَّفْناه طريقَ الحَقِّ الَّذي يُوصِلُه إلى رِضوانِ اللهِ وجَنَّتِه؛ فإمَّا أن يَسلُكَه فيكونَ شاكِرًا لنِعَمِ اللهِ مُوَحِّدًا طائِعًا، وإمَّا أن يَترُكَه فيكونَ كَفُورًا لنِعَمِ اللهِ مُشرِكًا عاصيًا [18] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/537)، ((الوسيط)) للواحدي (4/398، 399)، ((تفسير ابن كثير)) (8/286)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/133)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/375، 376). قال ابن كثير: (أي: بَيَّنَّا له طريقَ الخَيرِ وطريقَ الشَّرِّ. وهذا قولُ عِكْرِمةَ، وعطيَّةَ، وابنِ زَيدٍ، ومجاهِدٍ -في المشهورِ عنه- والجمهورِ). ((تفسير ابن كثير)) (8/286). .

الفوائد التربوية:

1- في قَولِ اللهِ تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا تَعريفُ الإنسانِ بحالِه، وابتِداءِ أمْرِه؛ لِيَعلَمَ أنْ لا طريقَ له للكِبْرِ، واعتِقادِ السِّيادةِ لِنَفْسِه، وألَّا يُغْلِطَه ما اكتنَفَه مِنَ الألطافِ الرَّبانيَّةِ، والاعتناءِ الإلهيِّ، والتَّكْرِمةِ، فيَعتَقِدَ أنَّه يَستَوجِبُ ذلك ويَستَحِقُّه [19] يُنظر: ((البرهان فى تناسب سور القرآن)) لأبي جعفر الغرناطي (ص: 352، 353)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/123). !
2- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا في هذا نِداءٌ على أنَّ اللهَ تعالى أرشَدَ الإنسانَ إلى الحَقِّ، وأنَّ بعضَ النَّاسِ أدخَلوا على أنفُسِهم ضلالَ الاعتِقادِ، ومَفاسِدَ الأعمالِ، فمَن بَرَّأَ نَفْسَه مِن ذلك فهو الشَّاكِرُ، وغَيرُه الكَفورُ [20] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/375، 376). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- سورةُ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ سورةٌ عجيبةُ الشَّأنِ مِن سُوَرِ القرآنِ الكريمِ، على اختِصارِها؛ فإنَّ اللهَ سُبحانَه ابتدأَها بذِكْرِ كيفيَّةِ خَلْقِ الإنسانِ مِن النُّطْفةِ ذاتِ الأمشاجِ والأخلاطِ الَّتي لَمْ يَزَلْ بقُدرتِه ولُطْفِه وحِكمتِه يُصَرِّفُه عليها أطوارًا، ويَنْقُلُه مِن حالٍ إلى حالٍ إلى أنْ تَمَّتْ خِلْقَتُه، وكَمَلَتْ صورتُه؛ فأخْرَجه إنسانًا سَوِيًّا سميعًا بصيرًا، ثُمَّ لَمَّا تكامَلَ تمييزُه وإدراكُه هَداه طريقَيِ الخَيرِ والشَّرِّ، والهُدى والضَّلالِ، وأنَّه بعدَ هذه الهدايةِ إمَّا أنْ يَشْكُرَ ربَّه وإمَّا أنْ يَكْفُرَه، ثُمَّ ذَكَرَ مآلَ أهلِ الشُّكرِ والكُفرِ وما أعَدَّ لهؤلاء وهؤلاء، وبَدَأ أوَّلًا بذِكْرِ عاقِبةِ أهلِ الكفرِ ثُمَّ عاقبةِ أهلِ الشُّكرِ، وفي آخرِ السُّورةِ ذَكَر أوَّلًا أهلَ الرَّحمةِ ثُمَّ أهلَ العذابِ، فبَدَأَ السُّورةَ بأوَّلِ أحوالِ الإنسانِ -وهي النُّطْفةُ-، وخَتَمَها بآخِرِ أحوالِه -وهي كَونُه مِن أهلِ الرَّحمةِ أو العذابِ-، ووَسَّطَها بأعمالِ الفريقَينِ، فذَكَرَ أعمالَ أهلِ العذابِ مُجْمَلةً في قولِه: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ [الإنسان: 4] ، وأعمالَ أهلِ الرَّحمةِ مُفَصَّلةً، وجزاءَهم مُفَصَّلًا [21] يُنظر: ((جامع الرسائل)) لابن تيمية (1/69). .
2- في قَولِه تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا أنَّ رُوحَ الإنسانِ مخلوقةٌ، وليست قَديمةً، فلو كانت رُوحُه قديمةً لَكان الإنسانُ لَمْ يَزَلْ شيئًا مذكورًا؛ فإنَّه إنَّما هو إنسانٌ برُوحِه، لا ببَدَنِه فقط [22] يُنظر: ((الروح)) لابن القيم (ص: 147). !
3- في قَولِه تعالى: فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا أنَّ الاشتراكَ في الأسماءِ والصِّفاتِ لا يَستَلزِمُ تَماثُلَ المُسَمَّياتِ والمَوصوفاتِ؛ فقد نفَى سُبحانَه أنْ يكونَ السَّميعُ كالسَّميعِ، والبصيرُ كالبَصيرِ، فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] [23] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (4/117). ، وفيه حُجَّةٌ على الجَهميَّةِ شَديدةٌ خانِقةٌ، ألَا تَراه كيف وصَفَ الإنسانَ بما وَصَف به نَفْسَه مِن السَّمعِ والبَصَرِ؛ إذ يقولُ: وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، فسَوَّى بيْن الصِّفَتينِ، ولم يُخالِفْ بيْن اللَّفظَينِ، فأخبَر بذلك؛ لأنَّ اللهَ سميعٌ بسَمعٍ وبصيرٌ ببَصَرٍ غيرِ مخلوقَينِ، ومَن نفى عن اللهِ جَلَّ جلالُه حقائِقَ وَصْفِه، أو حقائِقَ فِعلِه فقد عطَّلَه، وإن لم يُثبِتْ وأخَذَ بالسَّميعِ والبَصيرِ إلى معنى الإدراكِ خَوفًا مِن التَّشبيهِ، لم يسلَمْ مِن التَّشبيهِ، وكيف يَسلَمُ مِن التَّشبيهِ؟! أليس للمخلوقِ أيضًا إدراكٌ لأشياءَ، وإن لم يُدرِكْ جميعَها، كما يُدرِكُ الله جميعَها؟! وأيضًا فالإنسانُ يُسمَّى عالِمًا وعليمًا، ويُسَمَّى اللهُ عالِمًا وعليمًا، فلا يكونُ تشبيهًا؛ لأنَّ عِلمَ المخلوقِ الَّذي سُمِّيَ به عالِمًا وعليمًا مُستفادٌ مُتعَلَّمٌ، وعِلمُه سُبحانَه أزَليٌّ صِفةٌ مِن صفاتِه، غيرُ مُتعَلَّمٍ ولا مُستفادٍ، كذلك سَمْعُ المخلوقِ مَصنوعٌ فانٍ، وبَصَرُه مِثلُه، يُفنيهما اللهُ إذا شاء، ثمَّ يُعيدُهما إذا أحياه كما ابتدأهما بقدرتِه، وكذلك بَصَرُه. وسَمْعُ اللهِ وبَصَرُه كائنان أزَليَّانِ فيه، بلا إحداثِ مُحدِثٍ، ولا صُنعِ صانعٍ، حقيقيَّانِ غيرُ مَجازيَّينِ، معروفٌ عندَنا حقيقتُهما، مَسكوتٌ عن كَيفيَّتِهما، كهيئةِ ما هما عندَه سُبحانَه [24] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/457). .
4- في قَولِه تعالى: فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا أنَّ مِن أسماءِ اللهِ تعالى ما لا يَخْتَصُّ به، مِثلُ: السَّميعِ، البصيرِ، العليمِ، الرَّحيمِ، وقال تعالى عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [25] يُنظر: ((القول المفيد على كتاب التوحيد)) لابن عثيمين (2/260). ويُنظر أيضًا: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (2/549، 550). [التوبة: 128] .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالَى: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا استِفهامٌ تَقريريٌّ تَوبيخيٌّ، وهو هنا مُوجَّهٌ إلى غيرِ مُعيَّنٍ، ومُستعمَلٌ في تَحقيقِ الأمْرِ المُقرَّرِ به على طَريقِ الكِنايةِ؛ لأنَّ الاستفهامَ طلَبُ الفَهمِ، والتَّقريرُ يَقْتضي حُصولَ العِلمِ بما قُرِّرَ به، وذلك إيماءٌ إلى استِحقاقِ اللهِ أنْ يَعترِفَ الإنسانُ له بالواحدانيَّةِ في الرُّبوبيَّةِ، إبطالًا لإشراكِ المشْرِكين، والمعْنى: هلْ يُقِرُّ كلُّ إنسانٍ مَوجودٍ أنَّه كان مَعدومًا زَمانًا طَويلًا، فلمْ يكُنْ شَيئًا يُذكَرُ؟ أي: لم يكُنْ يُسمَّى ولا يُتحدَّثُ عنه بذاتِه، وهمْ لا يَسَعُهم إلَّا الإقرارُ بذلك؛ فلذلك اكتُفِيَ بتَوجيهِ هذا التَّقريرِ إلى كلِّ سامعٍ [26] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/665)، ((تفسير البيضاوي)) (5/269)، ((تفسير أبي حيان)) (10/358)، ((تفسير أبي السعود)) (9/70)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/371، 372)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/312). .
- وتَقديمُ هذا الاستفهامِ؛ لِما فيه مِن تَشويقٍ إلى مَعرفةِ ما يَأْتي بعْدَه مِن الكلامِ؛ فجُملةُ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ... تَمهيدٌ وتَوطئةٌ للجُملةِ الَّتي بعْدَه، وهي إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ [الإنسان: 2] إلخ [27] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/371). .
2- قوله تعالَى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا استِئنافٌ بَيانيٌّ لقولِه: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان: 1] ؛ لبَيانِ كَيفيَّةِ خلْقِ الإنسانِ؛ لِما فيه مِن التَّشويقِ، والتَّقريرُ يَقْتضي الإقرارَ بذلك لا مَحالةَ؛ لأنَّه مَعلومٌ بالضَّرورةِ، فالسَّامعُ يَتشوَّفُ لِما يَرِدُ بعْدَ هذا التَّقريرِ، فقِيل له: إنَّ اللهَ خَلَقَه بعْدَ أنْ كان مَعدومًا، فأوجَدَ نُطفةً كانت مَعدومةً، ثمَّ استَخرَجَ منها إنسانًا، فثَبَتَ تَعلُّقُ الخلْقِ بالإنسانِ بعْدَ عَدَمِه [28] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/373)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/313). .
- وتَأكيدُ الكلامِ بحرْفِ (إنَّ) لتَنزيلِ المشْرِكين مَنزِلةَ مَن يُنكِرُ أنَّ اللهَ خلَقَ الإنسانَ؛ لعَدَمِ جَرْيِهم على مُوجَبِ العِلمِ؛ حيث عَبَدوا أصنامًا لم يَخلُقوهم [29] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/373). .
- وإظهارُ لَفظِ الْإِنْسَانِ لزِيادةِ التَّقريرِ [30] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/70). .
- وأُدمِجَ في ذلك كَيفيَّةُ خلْقِ الإنسانِ مِن نُطفةِ التَّناسُلِ؛ لِما في تلك الكيفيَّةِ مِن دَقائقِ العِلمِ الإلهيِّ والقُدرةِ والحِكمةِ [31] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/373). .
- على القولِ بأنَّ أَمْشَاجٍ جمْعٌ، فيكونُ وَصَف النُّطفةَ -مع أنَّها مُفرَدٌ- بلَفظِ أَمْشَاجٍ، وهو جمْعٌ؛ لأنَّها أُريدَ بها الجِنسُ، كقولِه: عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ [الرحمن: 76]، أو لتَنزيلِ كلِّ جُزءٍ مِن النُّطفةِ نُطفةً [32] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/359)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 590). . أو وَصَفَ النُّطفةَ بالجمْعِ باعتِبارِ ما تَشتمِلُ عليه النُّطفةُ مِن أجزاءٍ مُختلِفةِ الخواصِّ؛ فلذلك يَصيرُ كلُّ جُزءٍ مِن النُّطفةِ عضْوًا، فوَصْفُ النُّطفةِ بجمْعِ الاسمِ للمُبالَغةِ، أي: شَديدةُ الاختلاطِ [33] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/374). . أو وصَفَ النُّطفةَ بـ أَمْشَاجٍ وهو جمْعٌ؛ لِما أنَّ المُرادَ بها مَجموعُ الماءَينِ مِن الرَّجُلِ والأُنثى، ولكلٍّ منهُما أوصافٌ مُختلِفةٌ مِن اللَّونِ والرِّقَّةِ والغِلَظِ، وخَواصُّ مُتبايِنةٌ [34] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/269)، ((تفسير أبي السعود)) (9/70). .
- وقد وقَعَت هذه الحالُ نَبْتَلِيهِ مُعترِضةً بيْن جُملةِ خَلَقْنَا وبيْن فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا؛ لأنَّ الابتلاءَ -أي: التَّكليفَ الَّذي يَظهَرُ به امتِثالُه أو عِصيانُه- إنَّما يكونُ بعْدَ هِدايتِه إلى سَبيلِ الخَيرِ، فكان مُقْتضى الظَّاهرِ أنْ يَقَعَ نَبْتَلِيهِ بعْدَ جُملةِ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ [الإنسان: 3] ، ولكنَّه قُدِّمَ؛ للاهتِمامِ بهذا الابتلاءِ الَّذي هو سَببُ السَّعادةِ والشَّقاوةِ. وجِيءَ بجُملةِ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ بَيانًا لجُملةِ نَبْتَلِيهِ؛ تَفنُّنًا في نظْمِ الكلامِ [35] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/374، 375). .
- وقد نُزِّلَت الكَلِمتانِ سَمِيعًا بَصِيرًا مَنزِلةَ الكَلِمةِ الواحدةِ؛ لأنَّهما كِنايةٌ عن التَّمييزِ والفَهمِ؛ إذْ آلَتُهما سَببٌ لذلك، وهما أشرَفُ الحواسِّ، تُدرَكُ بهما أعظَمُ المُدرَكاتِ، أي: جَعَلْناه بسَببِ الابتلاءِ حينَ تَأهُّلِه له سَميعًا بَصيرًا؛ ليَتمكَّنَ مِن مُشاهَدةِ الدَّلائلِ، واستِماعِ الآياتِ؛ فالعطفُ على إرادةِ الابتلاءِ لا الابتلاءِ فيه، فلا يَرِدُ السُّؤالُ الآتي: كيف عُطِفَ على نَبْتَلِيهِ ما بعْدَه بالفاءِ مع أنَّ الابتلاءَ مُتأخِّرٌ عنه [36] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/269)، ((تفسير أبي حيان)) (10/359)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 591)، ((تفسير أبي السعود)) (9/71)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/314). ؟
- وحَقيقةُ الابتلاءِ: الاختِبارُ لِتُعرَفَ حالُ الشَّيءِ، وهو هنا كِنايةٌ عن التَّكليفِ بأمْرٍ عَظيمٍ؛ لأنَّ الأمْرَ العظيمَ يُظهِرُ تَفاوُتَ المكلَّفينَ به في الوفاءِ بإقامتِه [37] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/375). .
- وفُرِّعَ على خلْقِه مِن نُطفةٍ أنَّه جَعَلَه سَميعًا بَصيرًا، وذلك إشارةٌ إلى ما خَلَقَه اللهُ له مِن الحواسِّ الَّتي كانت أصلَ تَفكيرِه وتَدبيرِه؛ ولذلك جاء وصْفُه بالسَّميعِ البصيرِ بصِيغةِ المُبالَغةِ، ولم يقلْ: فجَعَلْناه سامعًا مُبصِرًا؛ لأنَّ سمْعَ الإنسانِ وبصَرَه أكثَرُ تَحصيلًا وتَمييزًا في المسموعاتِ والمُبصَراتِ مِن سمْعِ وبصَرِ الحيوانِ؛ فبِالسَّمعِ يَتلقَّى الشَّرائعَ ودَعوةَ الرُّسلِ، وبالبصَرِ يَنظُرُ في أدِلَّةِ رُبوبيَّةِ الله تعالى ووحدانيَّتِه [38] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/375). .
- وهذا تَخلُّصٌ إلى ما ميَّزَ اللهُ به الإنسانَ مِن جَعْلِه تُجاهَ التَّكليفِ واتِّباعِ الشَّرائعِ، وتلك خَصِيصةُ الإنسانِ الَّتي بها ارتَكَزَت مَدنيَّتُه، وانتَظَمَت جامعاتُه؛ ولذلك أُعقِبَت هذه الجُملةُ بقولِه: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ الآياتِ [39] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/375). .
3- قولُه تعالَى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا استِئنافٌ بَيانيٌّ لبَيانِ ما نشَأَ عن جُملةِ نَبْتَلِيهِ [الإنسان: 2] ، ولتَفصيلِ جُملةِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان: 2] ، وتَخلُّصٌ إلى الوعيدِ على الكفْرِ، والوعْدِ على الشُّكرِ [40] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/375). . فقولُه: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ رُتِّب على قولِه: فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان: 2] ؛ لأنَّه جملةٌ مُستأنَفةٌ تعليليَّةٌ في معنى: لأنَّا هدَيْناه، أي: دلَلْناه على ما يُوصِلُه مِن الدَّلائلِ السَّمعيَّةِ كالآياتِ التَّنزيليَّةِ، والعَقليَّةِ كالآياتِ الآفاقيَّةِ والأنفُسيَّةِ، وهو إنَّما يكونُ بعدَ التَّكليفِ والابتلاءِ [41] يُنظر: ((حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي)) (8/286)، ((تفسير الألوسي)) (15/169). .
- وتَأكيدُ الخبَرِ بـ (إنَّ) في إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ... للرَّدِّ على المشرِكين الَّذين يَزعُمون أنَّ ما يَدْعوهم إليه القرآنُ باطلٌ [42] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/376). .
- ولَمَّا كان الشُّكرُ قَلَّ مَن يتَّصِفُ به، قال: شَاكِرًا، فعبَّرَ عنه باسمِ الفاعلِ؛ للدَّلالةِ على قِلَّتِه، ولَمَّا كان الكفْرُ كثيرًا مَن يَتَّصِفُ به، ويَكثُرُ وُقوعُه مِن الإنسانِ، قال: كَفُورًا؛ فعبَّرَ عنه بصِيغةِ المُبالَغةِ [43] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/360)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/317). .
أو: أنَّه عَبَّرَ باسمِ الفاعِلِ الخالي مِن المُبالَغةِ في شَاكِرًا؛ لأنَّه لا يَقدِرُ أحدٌ أن يَشكُرَ جميعَ النِّعَمِ، فلا يُسَمَّى شَكورًا إلَّا بتفَضُّلٍ مِن رَبِّه عليه، ولَمَّا كان الإنسانُ لِما له مِن النُّقْصانِ لا يَنفَكُّ غالِبًا عن كُفْرٍ ما، أتى بصيغةِ المُبالَغةِ؛ تنبيهًا له على ذلك [44] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/133). ، وإشعارًا بأنَّ الإنسانَ لا يَخْلو عن كُفرانٍ غالبًا، وإنَّما المُؤاخَذُ به التَّوغُّلُ فيه، أو لم يقُلْ: (كافرًا) ليُطابِقَ قَسيمَه؛ مُحافَظةً على الفواصلِ [45] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/269). .