موسوعة التفسير

سورة الشُّورى
الآيات (10-12)

ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ

غريب الكلمات:

أُنِيبُ: أي: أَرجِعُ، وأصلُ (نوب): يدُلُّ على اعتيادِ مَكانٍ ورُجوعٍ إليه [132] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/549)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/367)، ((المفردات)) للراغب (ص: 827)، ((تفسير القرطبي)) (16/7)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 202). .
فَاطِرُ: أي: خالِقُ ومُبدِعُ ومُبتَدِئُ، وأصلُ (فطر): يدُلُّ على فَتحِ شَيءٍ وإبرازِه [133] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 151)، ((تفسير ابن جرير)) (9/175)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/510)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 93). .
يَذْرَؤُكُمْ: أي: يَخلُقُكم ويُكَثِّرُكم، والذَّرْءُ: بَثُّ الخَلقِ وتَكثيرُه، وأصلُ (ذرأ) هنا: يدُلُّ على بَذْرٍ وزَرعٍ [134] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 391)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/352)، ((المفردات)) للراغب (ص: 327)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 340)، ((تفسير القرطبي)) (16/8)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 370)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/45). .
مَقَالِيدُ: أي: مَفاتيحُ، وقيل: خَزائِنُ، ومالكُ المفاتيحِ مالكُ الخزائنِ، قيل: هو فارسيٌّ معرَّبٌ، ومفردُ مقاليدَ إقليدٌ، وقيل: مُفردُها مِقْليدٌ ومِقْلادٌ [135] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 384)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 424)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/19، 20)، ((تفسير الماوردي)) (5/195)، ((المفردات)) للراغب (ص: 682)، ((تفسير ابن جزي)) (2/225)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 364)، ((تفسير الشوكاني)) (4/543). .
يَبْسُطُ: أي: يُوَسِّعُ، وأصلُ (بسط): يدُلُّ على امتِدادِ الشَّيءِ [136] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 254)، ((تفسير ابن جرير)) (13/516)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/247)، ((تفسير القرطبي)) (14/35). .
وَيَقْدِرُ: أي: يُضَيِّقُ، وأصلُ (قدر): يدُلُّ على مَبلغِ الشَّيءِ ونهايتِه [137] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 254)، ((تفسير ابن جرير)) (14/576)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 466)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/62)، ((المفردات)) للراغب (ص: 659)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 297). .

مشكل الإعراب:

قَولُه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
في هذه الآيةِ أوجُهٌ:
أحدُها -وهو المشهورُ عندَ المُعْرِبينَ-: أنَّ الكافَ زائدةٌ في خبرِ لَيْسَ، وشَيْءٌ اسمُها. والتَّقديرُ: ليس شَيءٌ مِثلَه. قالوا: ولولا ادِّعاءُ زيادتِها لَلَزِمَ أَنْ يكونَ له مِثْلٌ! وهو مُحالٌ؛ إذ يَصيرُ التَّقديرُ على أصالةِ الكافِ: ليس مِثلَ مِثلِه شَيءٌ، فنفى المُماثَلةَ عن مِثلِه، فثبَتَ أنَّ له مِثْلًا لا مِثْلَ لذلك المَثْلِ! وهذا مُحالٌ، تَعالى اللهُ عن ذلك.
والثَّاني: أنَّ مِثْلًا هي الزَّائدةُ، كزيادتِها في قَولِه تعالى: بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ [البقرة: 137] . وهذا ليس بجيِّدٍ؛ لأنَّ زيادةَ الأسماءِ ليسَتْ بجائزةٍ، وأيضًا يصيرُ التَّقديرُ: ليس كَهُوَ شَيءٌ، ودخولُ الكافِ على الضَّمائرِ لا يجوزُ إلَّا في شِعرٍ.
الثَّالثُ: أنَّ العربَ تقولُ: «مِثلُكَ لا يَفْعَلُ كذا»، يَعْنُون المُخاطَبَ نفْسَه؛ لأنَّهم يُريدون المُبالَغةَ في نَفْيِ الوصفِ عن المُخاطَبِ، فيَنفونَها في اللَّفظِ عن مِثلِه، فيَثْبُتُ انتِفاؤُها عنه بدليلِها، فالعَرَبُ تُقيمُ المِثْلَ مُقامَ النَّفْسِ، فتقولُ: مِثلي لا يُقالُ له هذا، أي: أنا لا يُقالُ لي هذا.
الرَّابعُ: أَنْ يُرادَ بالمِثْلِ الصِّفةُ، وذلك أنَّ المِثْلَ بمعنى المَثَلِ، والمَثَلُ: الصِّفةُ، كقولِه تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ [الرعد: 35] ، فيَكونَ المعنى: ليس مِثْلَ صِفَتِه تعالى شَيءٌ مِن الصِّفاتِ الَّتي لِغَيرِه [138] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/476)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/395)، ((إعراب القرآن)) للنحاس (4/51)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/1131)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (9/543-546)، ((مغني اللبيب عن كتب الأعاريب)) لابن هشام (ص: 237). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى موجِّهًا إلى الاحتكامِ إلى شريعتِه عندَ الاختلافِ: وما تَنازَعتُم فيه -أيُّها النَّاسُ- فحُكمُه إلى اللهِ وَحْدَه، وذلكم اللهُ هو رَبِّي عليه وَحْدَه اعتَمَدتُ، وإليه وَحْدَه أرجِعُ في جَميعِ شُؤوني.
ثمَّ يُبيِّنُ اللهُ تعالى كمالَ قدرتِه، فيقولُ: هو خالِقُ السَّمواتِ والأرضِ، جعَل لكم -أيُّها النَّاسُ- مِن جنسِكم إناثًا، وجعَل لكم مِنَ الأنعامِ ذُكورًا وإناثًا، يَخلُقُكم اللهُ ويُكثِّرُكم -أيُّها النَّاسُ- أنتم وأنعامُكم في هذا الجَعلِ المذكورِ.
ثمَّ يقولُ منزِّهًا نفْسَه عن النِّدِّ والنَّظيرِ، ومُثبِتًا ما له مِن صفاتِ الكمالِ: ليس مِثلَ اللهِ شَيءٌ مِن خَلْقِه، وهو السَّميعُ البَصيرُ سُبحانَه.
له وَحْدَه مَفاتيحُ خَزائِنِ السَّمَواتِ والأرضِ، يُوَسِّعُ الرِّزقَ لِمَن يَشاءُ مِن خَلْقِه، ويُضَيِّقُه على مَن يشاءُ منهم، إنَّ اللهَ عَليمٌ بكُلِّ شَيءٍ.

تفسير الآيات:

وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10).
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ.
أي: وما تَنازَعتُم فيه -أيُّها النَّاسُ- مِن أيِّ شَيءٍ كان، فحُكمُه إلى اللهِ وَحْدَه؛ فهو مَن يَقضي بيْنَكم فيما فيه تَختلِفونَ [139] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/473). قال مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ: (ذلك أنَّ أهلَ مكَّةَ كفَر بعضُهم بالقرآنِ، وآمَن بعضُهم، فقال الله تعالى: إنَّ الَّذي اختلَفْتُم فيه فإنِّي أرُدُّ قضاءَه إلَيَّ، وأنا أحكُمُ فيه). ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/765). والمرادُ بهذا القولِ -كما ذكر الواحديُّ-أن يحكمَ يومَ القيامةِ للمؤمنينَ بالقرآنِ بالجنَّةِ، وللمكذِّبينَ به بالنَّارِ. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/45). وقيل: المعنى في الجملةِ: وما اختلَفْتُم فيه أيُّها النَّاسُ مِن تكذيبٍ وتصديقٍ وإيمانٍ وكفرٍ وغيرِ ذلك مِن أمورِ الدِّينِ، فالحُكمُ فيه إلى الله، وهو إثابةُ المُحِقِّينَ فيه مِن المؤمنينَ، ومُعاقَبةُ المُبطِلينَ. ومِمَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ أبي زَمَنين، والزمخشري، وابن عطية، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/162)، ((تفسير الزمخشري)) (4/211)، ((تفسير ابن عطية)) (5/28)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/41). وقال الواحدي: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ مِن أمرِ الدِّينِ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ لا إليكم، وقد حكم أنَّ الدِّينَ هو الإِسلامُ لا غيرُه). ((الوجيز)) (ص: 961). ويُنظر: ((تفسير القرطبي)) (16/7). وممَّن قصَر الاختِلافَ في الآيةِ على أمورِ الدِّينِ أيضًا: القرطبيُّ، والخازن، والسعدي. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (16/7)، ((تفسير الخازن)) (4/94)، ((تفسير السعدي)) (ص: 753). وقيل: هذا عامٌّ في أمورِ الدِّينِ وغيرِها. ومِمَّن ذهب إلى هذا المعنى: الرَّسْعَني، والعُلَيمي، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (7/57)، ((تفسير العليمي)) (6/175)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 85). قال ابن كثير: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ أي: مهما اختلَفْتُم فيه مِن الأمورِ، وهذا عامٌّ في جميعِ الأشياءِ). ((تفسير ابن كثير)) (7/193). وقال ابن عثيمين: (أيُّ شَيءٍ يقعُ بيْنَ الناسِ مِن الخلافِ فمَرَدُّه إلى الله عزَّ وجلَّ؛ سواءٌ كان في الأمورِ الدِّينيَّةِ أو في الأمورِ الدُّنيويَّةِ، وسواءٌ كان معَ المسلمينَ... أو كان معَ الكفَّارِ، أيُّ شَيءٍ فحُكمُه إلى الله عزَّ وجلَّ... مَردودٌ إلى الله في الدُّنيا والآخرةِ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 85). .
كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59] .
وقال سُبحانَه: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [الأنعام: 57] .
وقال عزَّ وجلَّ: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا [الأنعام: 114] .
وقال تبارك وتعالى: قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر: 46] .
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
أي: ذلِكم اللهُ العَظيمُ هو رَبِّي، عليه وَحْدَه اعتمَدْتُ، وإليه فوَّضْتُ جميعَ أُموري، وإليه وَحْدَه أرجِعُ في جميعِ شُؤوني، وأُقبِلُ عليه وأتوبُ إليه مِن ذُنوبي [140] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/473)، ((تفسير القرطبي)) (16/7)، ((تفسير ابن كثير)) (7/193)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/255، 256)، ((تفسير السعدي)) (ص: 753)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/42)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 86-88). قال البِقاعي: (أُنِيبُ أي: أرجِعُ بالتَّوبةِ إذا قصَّرتُ في شَيءٍ مِن فروعِ شرعِه، وأرجعُ إلى كتابِه إذا نابَني أمرٌ مِن الأمورِ، فأعرِفُ منه حُكمَه، فافعلوا أنتم كذلك؛ اجعلوه الحَكمَ تُفلحوا، ولا تَعدِلوا عنه في شَيءٍ مِن الأشياءِ فتَهلِكوا). ((نظم الدرر)) (17/256). .
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11).
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
أي: هو خالِقُ السَّمَواتِ السَّبعِ والأرضِ وما بَيْنَهما [141] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/474)، ((تفسير القرطبي)) (16/7)، ((تفسير ابن كثير)) (7/ 194)، ((تفسير السعدي)) (ص: 754)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 94). .
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا.
أي: جعَل اللهُ لكم مِن جنسِكم [142] ممَّن اختار أنَّ المرادَ بقولِه: مِنْ أَنْفُسِكُمْ: أي: مِن جِنسِكم: الرَّسْعَنيُّ، وابن كثير، والعُلَيمي، والشوكاني، وابن عاشور، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (7/58)، ((تفسير ابن كثير)) (7/194)، ((تفسير العليمي)) (6/176)، ((تفسير الشوكاني)) (4/604)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/44)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 95). قال ابنُ عاشور: (وكَونُ الأزواجِ مِن أنفُسِهم كَمالٌ في النِّعمةِ؛ لأنَّه لو جَعَل أحَدَ الزَّوجَينِ مِن نَوعٍ آخَرَ لَفاتَ نَعيمُ الأُنسِ). ((تفسير ابن عاشور)) (25/44). وقال الواحدي: (قال المفَسِّرون: يعني النِّساءَ، خَلَق حوَّاءَ مِن ضِلَعِ آدَمَ). ((البسيط)) (13/ 134). وقال ابن جرير: (وإنَّما قال جَلَّ ثَناؤُه: مِنْ أَنْفُسِكُمْ؛ لأنَّه خَلَق حَوَّاءَ مِن ضِلَعِ آدَمَ، فَهُنَّ مِنَ الرِّجالِ). ((تفسير ابن جرير)) (20/474). وقال الرازي: (قال بعضُهم: المرادُ أنَّه تعالى خَلَق حَوَّاءَ مِن ضِلَعِ آدَمَ. وهذا ضَعيفٌ؛ لأنَّ قَولَه: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا خِطابٌ مع الكُلِّ، فتَخصيصُه بآدَمَ وحَوَّاءَ خِلافُ الدَّليلِ، بل هذا الحُكمُ عامٌّ في جميعِ الذُّكورِ والإناثِ. والمعنى: أنَّه تعالى خَلَق النِّساءَ لِيَتزوَّجَ بهِنَّ الذُّكورُ). ((تفسير الرازي)) (20/244). ويُنظر: ((بيان تلبيس الجهمية)) لابن تيمية (6/14)، ((مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم)) للبعلي (ص: 442). إناثًا [143] يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/395)، ((تفسير ابن عطية)) (5/28)، ((تفسير ابن كثير)) (7/194)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/44)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/57)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 95). ممَّن اختار أنَّ المُرادَ بالأزواجِ: الإناثُ: ابنُ أبي زَمَنين، والسمعاني، وابنُ عطية، وابن الجوزي، وابن جُزَي، والشنقيطي، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/163)، ((تفسير السمعاني)) (5/66)، ((تفسير ابن عطية)) (5/28)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/60)، ((تفسير ابن جزي)) (2/245)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/57)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 95). وقيلَ: المُرادُ: خلَقكم ذكورًا وإناثًا. ومِمَّن ذهب إلى هذا المعنى: الزَّجَّاجُ، والماوَرْدي، وابن كثير، وابن عاشور. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/395)، ((تفسير الماوردي)) (5/194)، ((تفسير ابن كثير)) (7/194)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/44). .
كما قال سُبحانَه: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21] .
وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا.
أي: وجعَل اللهُ لكم مِنَ الضَّأنِ والمَعْزِ والإبِلِ والبَقَرِ ذُكورًا وإناثًا [144] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/474)، ((تفسير القرطبي)) (16/8)، ((تفسير ابن كثير)) (7/194)، ((تفسير السعدي)) (ص: 754). ممَّن اختار المعنى المذكورَ: ابنُ جرير، وابن أبي زمنين، والسمعاني، والرسعني، والعليمي، والشوكاني، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/474)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/163)، ((تفسير السمعاني)) (5/66)، ((تفسير الرسعني)) (7/58)، ((تفسير العليمي)) (6/176)، ((تفسير الشوكاني)) (4/605)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/57). قال ابن جُزَي: (وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يحتملُ أن يريدَ الإناثَ، أو الأصنافَ). ((تفسير ابن جزي)) (2/245). .
كما قال تعالى: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ [الأنعام: 143، 144].
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ.
أي: يَخلُقُكم اللهُ ويُكثِّرُكم -أيُّها النَّاسُ- أنتم وأنعامُكم في هذا الجَعْلِ المذكورِ [145] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/28)، ((تفسير القرطبي)) (16/8)، ((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/280)، ((تفسير ابن كثير)) (7/194)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/257)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/45). قال ابن جزي: (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ معنى يَذْرَؤُكُمْ: يَخلُقُكم نسلًا بعدَ نسلٍ، وقرنًا بعدَ قرنٍ. وقيل: يُكَثِّرُكم). ((تفسير ابن جزي)) (2/245). ممَّن ذهَب إلى أنَّ معنى يَذْرَؤُكُمْ: يخلقُكم: السمرقندي، والثعلبي، والقرطبي، والخازن، وابن كثير. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (3/238)، ((تفسير الثعلبي)) (8/305)، ((تفسير القرطبي)) (16/8)، ((تفسير الخازن)) (4/95)، ((تفسير ابن كثير)) (7/194). وممَّن ذهب إلى أنَّ معنى يَذْرَؤُكُمْ: يُكَثِّرُكم: الرازيُّ، والبيضاوي، والنسفي، والنيسابوري، وأبو السعود، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/582)، ((تفسير البيضاوي)) (5/77)، ((تفسير النسفي)) (3/247)، ((تفسير النيسابوري)) (6/69)، ((تفسير أبي السعود)) (8/24)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/45). وممَّن جمَع بيْنَ المعنيَينِ السَّابقَينِ: ابنُ القيِّم، والبِقاعي، والشربيني. يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/280)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/257)، ((تفسير الشربيني)) (3/530). قال ابن القيم: (ومعنى الذَّرءِ: الخَلقُ، وهو هنا الخلقُ الكثيرُ، فهو خلقٌ وتكثيرٌ). ((مدارج السالكين)) (3/280). وقال الشنقيطي: (يَذْرَؤُكُمْ أي: يَخلُقُكم ويَبُثُّكم ويَنْشُرُكم). ((أضواء البيان)) (7/58). واختُلِف في قوله: فِيهِ؛ فالأكثَرون على أنَّ (في) على أصلِها. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (4/60). واختلَف القائلون بهذا القولِ فيما يَعودُ عليه الضَّميرُ في قولِه: فِيهِ؛ فقيل: يعودُ على الجَعلِ، وقيل: يعودُ على التَّدبيرِ، وقيل: يعودُ على الرَّحمِ، وقيل يعود على التَّزاوُجِ. ممَّن ذهب إلى أنَّ الضَّميرَ في فِيهِ عائدٌ على الجَعلِ الَّذي يتضمَّنُه قولُه: جَعَلَ لَكُمْ: ابنُ عطية، وابن جُزَي، وابن القيِّم، والثعالبي، والشوكاني، وابن عاشور. ((تفسير ابن عطية)) (5/28)، ((تفسير ابن جزي)) (2/245)، ((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/280)، ((تفسير الثعالبي)) (5/151)، ((تفسير الشوكاني)) (4/605)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/45). قال ابنُ جرير: (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يقولُ: يَخْلُقُكم فيما جَعَل لكم مِن أزواجِكم، ويُعِيشُكم فيما جَعَل لكم مِن الأنعامِ). ((تفسير ابن جرير)) (20/474). وممَّن ذهَب إلى أنَّ الضَّميرَ في فِيهِ يعودُ على التَّدبيرِ: الزمخشريُّ، والرازي، والنسفي، والنيسابوري، والعليمي، وأبو السعود. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/212)، ((تفسير الرازي)) (27/582)، ((تفسير النسفي)) (3/247)، ((تفسير النيسابوري)) (6/69)، ((تفسير العليمي)) (6/176)، ((تفسير أبي السعود)) (8/24). قال النسفي: (فِيهِ: في هذا التَّدبيرِ، وهو أنْ جعَل النَّاسَ والأنعامَ أزواجًا حتَّى كان بيْنَ ذُكورِهم وإناثِهم التَّوالدُ والتَّناسُلُ). ((تفسير النسفي)) (3/247). وممَّن ذهب إلى أنَّ الضَّميرَ في فِيهِ يعودُ على الأرحامِ: القصَّابُ، والسمرقندي، والثعلبي، والرَّسْعَني، والقُرطبي، والخازن. يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (1/450)، ((تفسير السمرقندي)) (3/238)، ((تفسير الثعلبي)) (8/305)، ((تفسير الرسعني)) (7/59)، ((تفسير القرطبي)) (16/8)، ((تفسير الخازن)) (4/95). وقال الشنقيطي: (فِيهِ أي: فيما ذَكَر مِن الذُّكورِ والإناثِ، أي: في ضِمنِه عن طريقِ التَّناسُلِ، كما هو معروفٌ. ويُوَضَّحُ ذلك في قولِه تعالَى: اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء: 1] ؛ فقولُه تعالَى: وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً يُوَضِّحُ معنَى قولِه: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ. فإنْ قِيلَ: ما وجهُ إفرادِ الضَّميرِ المجرورِ في قولِه: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ معَ أنَّه على ما ذكرتُم عائِدٌ إلى الذُّكورِ والإناثِ مِن الآدمِيِّينَ والأنعامِ؟ فالجوابُ: أنَّ مِن أساليبِ اللُّغةِ العربيَّةِ الَّتي نَزَل بها القرآنُ رُجوعَ الضَّميرِ أو الإشارةِ بصيغةِ الإفرادِ إلى مُثَنًّى أو مجموعٍ باعتبارِ ما ذُكِر مَثَلًا). ((أضواء البيان)) (7/58). وقال البِقاعي: (فِيهِ أي: في ذلك التَّزاوُجِ، بحيثُ يجعلُكم مُولَعينَ به). ((نظم الدرر)) (1/17). وقيل: فِيهِ معناه: (بِهِ). وممَّن اختاره: الزَّجَّاج، والفرَّاء، والكرماني. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/395)، ((معاني القرآن)) للفراء (3/22)، ((تفسير الكرماني)) (2/1049). .
كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء: 1] .
وقال سُبحانَه: وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المؤمنون: 79] .
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
أي: ليس مِثلَ اللهِ سُبحانَه شَيءٌ مِن خَلْقِه؛ لا في ذاتِه ولا في أسمائِه، ولا في صِفاتِه ولا في أفعالِه؛ فهو الواحِدُ الأحَدُ الَّذي لا نَظيرَ له [146] يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (4/395)، ((الوسيط)) للواحدي (4/45)، ((تفسير ابن كثير)) (7/194)، ((تفسير السعدي)) (ص: 754)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/46). .
كما قال تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: 65] .
وقال سُبحانَه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4] .
وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
أي: واللهُ هو السَّميعُ لكُلِّ صَوتٍ، البَصيرُ بكُلِّ ما في الوُجودِ؛ فلا يَغيبُ عن عِلْمِه شَيءٌ [147] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/478)، ((تفسير السمرقندي)) (3/238)، ((تفسير السعدي)) (ص: 754). .
كما قال تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة: 1] .
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12).
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
أي: لله وَحْدَه مَفاتيحُ خزائِنِ السَّمَواتِ والأرضِ؛ فجَميعُ الأشياءِ مِلكُه وبِيَدِه وَحْدَه لا شَريكَ له [148] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/478)، ((تفسير ابن كثير)) (7/112)، ((تفسير السعدي)) (ص: 754)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/48، 49)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/59)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 124، 125). قال ابن الجوزي: (وللمفسِّرينَ في المقاليدِ قَولانِ؛ أحدُهما: المفاتيحُ، قاله ابنُ عبَّاسٍ. والثَّاني: الخزائنُ، قاله الضَّحَّاكُ). ((تفسير ابن الجوزي)) (4/25). ممَّن اختار أنَّ المرادَ بالمقاليدِ: المفاتيحُ: ابنُ قُتَيْبةَ، والزَّجَّاجُ، والسمرقندي، وابن جُزَي، والشنقيطي. يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 391)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/361)، ((تفسير السمرقندي)) (3/193)، ((تفسير ابن جزي)) (2/225)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/59). قال ابن الجوزي: (قال المفسِّرون: مفاتيحُ السَّمواتِ: المطرُ، ومفاتيحُ الأرضِ: النَّباتُ). ((تفسير ابن الجوزي)) (4/25). وقال النَّحَّاسُ: (قال الحسَنُ ومجاهدٌ وقَتادةُ: المقاليدُ: المفاتيحُ. قال أبو جعفرٍ [النحاس]: والَّذي يَملِكُ المفاتيحَ يَملكُ الخزائنَ). ((معاني القرآن)) (6/298). ويُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 391). وقال الزَّجَّاجُ في نظيرِ هذه الآيةِ مِن سورةِ «الزمر» الآية (63): (أي: مفاتيحُ السَّمَواتِ، المعنى: ما كان مِن شَيءٍ مِن السَّمَواتِ والأرضِ فاللهُ خالِقُه وفاتحُ بابِه). ((معاني القرآن وإعرابه)) (4/361). وممَّن اختار أنَّ المرادَ: مفاتيحُ خزائنِ السَّمواتِ والأرضِ: ابنُ جرير، ومكِّي، والبغوي، والنيسابوري، وجلال الدين المحلي، والعليمي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/478)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (10/6566)، ((تفسير البغوي)) (4/98)، ((تفسير النيسابوري)) (6/70)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 639)، ((تفسير العليمي)) (6/86). قال جلال الدين المحلي: (مفاتيحُ خَزائنِهما، مِن المطرِ والنَّباتِ وغيرِهما). ((تفسير الجلالين)) (ص: 639). وقال الزمخشري: (أي: هو مالكُ أمرِها وحافِظُها، وهو مِن بابِ الكنايةِ؛ لأنَّ حافظَ الخزائنِ ومُدَبِّرَ أمْرِها هو الَّذي يَملِكُ مَقاليدَها). ((تفسير الزمخشري)) (4/140). ويُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/471)، ((تفسير النسفي)) (3/190). وقال البيضاوي: (لأنَّ الخزائنَ لا يَدخُلُها ولا يَتصرَّفُ فيها إلَّا مَن بيَدِه مَفاتيحُها). ((تفسير البيضاوي)) (5/47). وممَّن اختار أنَّ المرادَ بالمقاليدِ: الخرائنُ: السمعانيُّ. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/478). وقال القاسمي: (مفاتيحُ الأرزاقِ، وخزائنُ المُلكِ والمَلَكوتِ). ((تفسير القاسمي)) (8/358). وقال البِقاعي: (أي: خزائنُهما، ومفاتيحُ خزائنِهما، مِن الأمطارِ والنَّباتِ وغيرِهما). ((نظم الدرر)) (17/262). وقال ابن كثير في نظيرِ هذه الآيةِ مِن سورةِ «الزمر» الآية (63): (قال مجاهدٌ: المقاليدُ هي: المفاتيحُ بالفارسيَّةِ. وكذا قال قَتادةُ، وابنُ زَيدٍ، وسُفيانُ بنُ عُيَيْنةَ. وقال السُّدِّيُّ: لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أي: خزائنُ السَّمواتِ والأرضِ. والمعنَى على كِلا القولَينِ: أنَّ أزِمَّةَ الأمورِ بِيَدِه، له المُلْكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شَيءٍ قديرٌ). ((تفسير ابن كثير)) (7/112). وأحال في سورةِ «الشورى» على ما تقدَّم في سورةِ «الزُّمَرِ»، ثمَّ قال: (وحاصلُ ذلك أنَّه المتصَرِّفُ الحاكِمُ فِيهما). ((تفسير ابن كثير)) (7/194). .
كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر: 21].
وقال سُبحانَه: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [فاطر: 2] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [المنافقون: 7] .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يدُ اللهِ مَلْأَى لا تَغِيضُها [149] لا تَغيضُها: أي: لا تَنقُصُها. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقَسْطَلَّاني (10/386). نَفَقةٌ، سَحَّاءُ [150] سَحَّاءُ: أي: دائِمةُ الصَّبِّ والهَطْلِ بالعَطاءِ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (10/386). اللَّيلَ والنَّهارَ، أرَأَيْتُم ما أنفَقَ مُنذُ خَلَق السَّماءَ والأرضَ؟ فإنَّه لم يَغِضْ ما في يَدِه، وكان عَرشُه على الماءِ، وبيَدِه الميزانُ، يَخفِضُ ويَرفَعُ )) [151] رواه البخاري (4684) واللَّفظُ له، ومسلم (993). .
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ.
أي: يُوسِّعُ اللهُ الرِّزقَ لِمَن يَشاءُ مِن خَلْقِه، ويُضَيِّقُه على مَن يَشاءُ منهم [152] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/479)، ((تفسير ابن كثير)) (7/194)، ((تفسير السعدي)) (ص: 754)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/49)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/60). .
كما قال تعالى: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل: 71] .
إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
أي: إنَّ اللهَ مُحيطٌ عِلمًا بكُلِّ شَيءٍ، ومِن ذلك مصالِحُ عِبادِه؛ فيَعلَمُ ما يُصلِحُهم ويُفسِدُهم مِن الغِنى والفَقرِ، ويُعطي كُلًّا مِنهم ما يَليقُ بحِكمتِه وتَقتَضيه مَشيئتُه، بما يُناسِبُ أحوالَهم مِن توسيعٍ أو تضييقٍ [153] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/479)، ((تفسير السعدي)) (ص: 754)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/49)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 125). .

الفوائد التربوية:

1- أنَّ الواجبَ عندَ الاختلافِ الرُّجوعُ إلى حُكْمِ اللهِ؛ لقولِ اللهِ تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [154] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 92). ، فالآيةُ نَصٌّ صَريحٌ في أنَّ حُكمَ جميعِ ما تنازَعْنا فيه مَردودٌ إلى اللهِ وَحْدَه، وهو الحاكِمُ فيه على لِسانِ رَسولِه، فلو قُدِّمَ حُكمُ العَقلِ على حُكمِه لم يكُن هو الحاكِمَ بوَحيِه وكتابِه [155] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (3/828). . وتدُلُّ أيضًا على الرُّجوعِ إلى المُحكَمِ مِن كتابِ اللهِ، والظَّاهِرِ مِن سُنَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا اختَلَفوا في تأويلِ آيةٍ واشتَبَه عليهم، وعلى تفويضِ ما لم تَصِلْ إلى دَرَكِه العُقولُ إلى اللهِ تعالى، بأن يُقالَ: اللهُ أعلَمُ [156] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (8/353). .
2- قَولُ الله تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ هذانِ الأصلانِ كثيرًا ما يَذكُرُهما اللهُ تعالى في كِتابِه؛ لأنَّهما يَحصُلُ بمَجموعِهما كَمالُ العَبدِ، ويَفوتُه الكَمالُ بفَوتِهما أو فَوتِ أحَدِهما، كقَولِه تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] ، وقَولِه: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [157] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 753). [هود: 123] .
3- في قَولِه تعالى: لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَفْتُ نَظَرِ الإنسانِ إلى أنْ لا يَستعينَ إلَّا باللهِ تعالى؛ ولا يَسألَ إلَّا اللهَ تعالى؛ ولا يَتوكَّلَ إلَّا على اللهِ تعالى؛ وجْهُ ذلك: أنَّه هو الَّذي له مَقاليدُ السَّمَواتِ والأرضِ؛ فإذًا لا تَلتفِتْ إلى غيرِه، كما قال النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: ((إذا سألْتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنتَ فاسْتَعِنْ باللهِ )) [158] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الزمر)) (ص: 435). والحديث أخرجه الترمذيُّ (2516)، وأحمدُ (2763) مطوَّلًا. صحَّحه الترمذي، وعبدُالحقِّ الإشبيليُّ في ((الأحكام الشرعية الكبرى)) (3/333)، والقرطبي في ((التفسير)) (8/335)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (1/160)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2516)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (4/488)، وحسَّنه ابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (1/459)، وابن حجر في ((موافقة الخُبْر الخَبَر)) (1/327). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ أنَّه لا بُدَّ أنْ يكونَ اختلافٌ بيْنَ النَّاسِ، وهذا هو الواقعُ، يعني: لا يمكنُ أنْ تَرْفَعَ الاختِلافَ بيْنَ النَّاسِ! لا بُدَّ أنْ يَختلِفوا [159] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 92). .
2- في قَولِه تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ فيه أنَّ اللهَ -تعالى- الحاكمُ بيْنَ عِبادِه بشرعِه في جميعِ أمورِهم [160] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 753). . وفيه أيضًا تحريمُ الرُّجوعِ إلى القوانينِ البشريَّةِ عندَ الاختلافِ؛ لقوله: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ لا إلى غيرِه [161] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 92). ، فالحَلالُ هو ما أحلَّه اللهُ، والحرامُ هو ما حرَّمه اللهُ، والدِّينُ هو ما شَرَعه اللهُ؛ فكُلُّ تَشريعٍ مِن غَيرِه باطِلٌ، والعَمَلُ به بَدَلَ تَشريعِ اللهِ -عندَ مَن يَعتَقِدُ أنَّه مِثلُه أو خَيرٌ منه- كُفرٌ بَواحٌ لا نِزاعَ فيه [162] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/48). .
3- قَولُ الله تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ مَفهومُه أنَّ اتِّفاقَ الأُمَّةِ حُجَّةٌ قاطِعةٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لم يأمُرْنا أن نَرُدَّ إليه إلَّا ما اختلَفْنا فيه، فما اتَّفَقْنا عليه يكفي اتِّفاقُ الأُمَّةِ عليه؛ لأنَّها مَعصومةٌ عن الخَطَأِ، ولا بُدَّ أن يكونَ اتِّفاقُها مُوافِقًا لِما في كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِه [163] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 753). .
4- قَولُ الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فيه سؤالٌ: في ظاهرِ هذه الآيةِ إشكالٌ؛ فإنَّه يُقالُ: المقصودُ منها نَفيُ المِثْلِ عن اللهِ تعالى، وظاهِرُها يُوجِبُ إثباتَ المِثْلِ لله تعالى؛ فإنَّه يَقتَضي نَفْيَ المَثْلِ عن مِثْلِه لا عنه، وذلك يُوجِبُ إثباتَ المِثْلِ لله تعالى!
الجوابُ: أنَّ العَرَبَ تَقولُ: مِثلُك لا يَبخَلُ، أي: أنت لا تَبخَلُ، فنَفَوُا البُخلَ عن مِثْلِه، وهم يُريدونَ نَفْيَه عنه، ويقولُ الرَّجلُ: هذا الكَلامُ لا يُقالُ لِمِثْلي، أي: لا يُقالُ لي. والمرادُ منه المُبالَغةُ؛ فإنَّه إذا كان ذلك الحُكمُ مُنتَفِيًا عمَّن كان مُشابِهًا بسَبَبِ كَونِه مُشابِهًا له، فلَأَنْ يَكونَ مُنتَفِيًا عنه كان ذلك أَوْلى [164] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/584، 585). ويُنظر أيضًا: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 391). .
5- في قَولِه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قَطْعُ الشَّبَهِ بيْنَه وبيْنَ الأشياءِ كلِّها، وإبطالٌ للقياسِ فيها [165] يُنظر: ((بيان تلبيس الجهمية)) لابن تيمية (6/226). .
6- قَولُ الله تعالى: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فيه سُؤالٌ: قَولُه تعالى: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ يُفيدُ الحَصرَ، فما معنى هذا الحَصرِ مع أنَّ العِبادَ أيضًا مَوصوفونَ بكَونِهم سَميعينَ بَصيرينَ؟
الجوابُ: السَّميعُ والبَصيرُ لَفظانِ مُشعِرانِ بحُصولِ هاتَينِ الصِّفَتينِ على سَبيلِ الكَمالِ، والكَمالُ في كُلِّ الصِّفاتِ ليس إلَّا للهِ تعالى، فهذا هو المرادُ مِن هذا الحَصرِ [166] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/585، 586). .
7- تأمَّلْ قَولَه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ بعدَ قولِه سُبحانَه: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ إلى آخرِ الآياتِ: كيف ذَكَر سُبحانَه هذا النَّفيَ تَقريرًا للتَّوحيدِ، وإبطالًا لِمَا عليه أهلُ الشِّركِ مِن تَشبيهِ آلهتِهم وأوليائِهم به حتَّى عَبَدوهم معه، فحَرَّفَها المُحَرِّفونَ وجَعَلوها تُرْسًا لهم فى نَفيِ صِفاتِ كَمالِه، وحَقائقِ أسمائِه وأفعالِه [167] يُنظر: ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (2/232). !
8- في قَولِه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ دَلالةٌ على أنَّ إثباتَ الصِّفاتِ لا يَستلزِمُ التَّمثيلَ، ولو كان يَستَلزِمُ التَّمثيلَ لَكان كلامُ اللهِ تعالى مُتناقِضًا [168] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (4/128). !
9- في قَولِه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ أنَّه لا يجوزُ إثباتُ اسمٍ أو صِفةٍ للهِ تعالى مع التَّمثيلِ [169] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (4/230). .
10- أنَّ تَمثيلَ اللهِ بخَلْقِه كُفرٌ؛ لِكَونِه تَكذيبًا لِقَولِه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [170] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (1/159). .
11- قَولُ الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فيه دَليلٌ لِمَذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ مِن إثباتِ الصِّفاتِ، ونَفيِ مُماثَلةِ المَخلوقاتِ، وفيه رَدٌّ على المُشَبِّهةِ؛ في قَولِه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وعلى المُعَطِّلةِ؛ في قَولِه تعالى: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، فأوَّلُ الآيةِ تنزيهٌ مِن غيرِ تعطيلٍ، وآخِرُها إثباتٌ للصِّفاتِ مِن غيرِ تشبيهٍ ولا تمثيلٍ [171] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (6/348)، ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (1/71، 72)، ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (2/111)، ((الصفدية)) لابن تيمية (1/ 103)، ((التدمرية)) لابن تيمية (ص: 8)، ((تفسير السعدي)) (ص: 754)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/18)، ((العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير)) (1/317، 319)، ((الأسماء والصفات نقلًا وعقلًا)) للشنقيطي (ص: 27). ، فالمُمَثِّلُ يَعبُدُ صَنَمًا، والمُعَطِّلُ يَعبُدُ عَدَمًا [172] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (6/515)، ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (4/406)، ((بيان تلبيس الجهمية)) لابن تيمية (1/6)، ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (2/526)، ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (6/348) و (10/306). .
12- التَّعبيرُ بنفيِ التَّمثيلِ أحسَنُ مِن التَّعبيرِ بنفيِ التَّشبيهِ؛ لأنَّه هو الَّذي نفاه اللهُ في القرآنِ؛ فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [173] يُنظر: ((القول المفيد على كتاب التوحيد)) لابن عثيمين (2/318). ويُنظر أيضًا: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (3/166، 195). .
13- شَمِلَ نفْيُ المُماثَلةِ في قولِه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ إبطالَ ما نسَبوا للهِ البناتِ، وهو مُناسَبةُ وُقوعِه عَقِبَ قولِه: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [174] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/47). .
14- بَيَّن الله تعالى في آياتٍ كثيرةٍ صِفاتِ مَن يَستحِقُّ أنْ يكونَ الحُكمُ له، فعلى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَتَأَمَّلَها، ويُقابِلَها معَ صفاتِ البشرِ المشرِّعينَ للقوانينِ الوضعيَّةِ، فيَنظُرَ هل تَنطَبِقُ عليهم صِفاتُ مَن له التَّشريعُ؟! سبحانَ اللهِ وتعالَى عن ذلك. فإنْ كانت تنطَبِقُ عليهم -ولن تكونَ- فَلْيَتَّبِعْ تشريعَهم! وإنْ ظَهَر يقينًا أنَّهم أحقرُ وأخسُّ وأذلُّ وأصغرُ مِن ذلك، فَلْيَقِفْ بهم عندَ حَدِّهم، ولا يُجاوِزْه بهم إلى مَقامِ الرُّبوبيَّةِ. سبحانَه وتعالَى أنْ يكونَ له شريكٌ في عبادتِه أو حُكْمِه أو مُلْكِه. ومِن هذه الآياتِ قولُه تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ، ثمَّ قال مُبَيِّنًا صِفاتِ مَن له الحُكمُ والتَّشريعُ: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ إلى قَولِه: إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، فهل في الكَفَرةِ الفَجَرةِ المُشَرِّعينَ للنُّظُمِ الشَّيطانيَّةِ مَن يَستَحِقُّ أن يُوصَفَ بأنَّه الرَّبُّ الَّذي تُفَوَّضُ إليه الأمورُ، ويُتوَكَّلُ عليه، وأنَّه خالِقُ السَّمَواتِ والأرضِ ومُختَرِعُهما على غيرِ مِثالٍ سابِقٍ، وأنَّه هو الَّذي خَلَق للبَشَرِ أزواجًا، وخلَق لهم أزواجَ الأنعامِ الثَّمانيةَ، وأنَّه ليس كمِثْلِه شَيءٌ وهو السَّميعُ البصيرُ، وأنَّه له مَقاليدُ السَّمَواتِ والأرضِ، وأنَّه هو الَّذي يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشاءُ، ويُضَيِّقُه على مَن يَشاءُ، وهو بكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ؟! فعليكم -أيُّها المُسلِمونَ- أن تَتفَهَّموا صِفاتِ مَن يَستَحِقُّ أن يُشَرِّعَ ويُحَلِّلَ ويُحَرِّمَ [175] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/49)، ((العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير)) (5/444، 445). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
- قولُه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ يَجوزُ أنْ يكونَ هذا تَكملةً للاعتِراضِ، فيَكونَ كلامًا مُوجَّهًا مِن اللهِ تعالى إلى النَّاسِ. ويجوزُ أن يكونَ ابتِداءَ كلامٍ مُتَّصِلًا بقولِه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ؛ فتَعيَّنَ أنْ يكونَ مَجموعُ هذا الكلامِ لِمُتكلِّمٍ واحدٍ؛ لأنَّ ضَمائرَ (رَبِّي، وتَوَكَّلْتُ، وأُنِيبُ) ضَمائرُه، وتلك الضَّمائرُ لا تَصلُحُ أنْ تعودَ إلى اللهِ تعالى، ولا حَظَّ في سِياقِ الوحيِ إلى أحدٍ سِوى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فتَعيَّنَ تَقديرُ فِعلِ أمْرٍ بقَولٍ يَقولُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. والجُملةُ مَعطوفةٌ على الجُمَلِ الَّتي قبْلَها؛ لأنَّ الكلامَ مُوجَّهٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وإلى المسلِمينَ، والواوُ عاطفةٌ فِعلَ أمْرٍ بالقولِ، وحذْفُ القولِ شائعٌ في القُرآنِ بدَلالةِ القرائنِ؛ لأنَّ مادَّةَ الاختلافِ مُشعِرةٌ بأنَّه بيْنَ فَريقَينِ، وحالةَ الفَريقَينِ مُشعِرةٌ بأنَّه اختِلافٌ في أُمورِ الاعتقادِ الَّتي أنْكَرَها الكافرونَ مِن التَّوحيدِ والبَعثِ، والنَّفعِ والإضرارِ [176] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/211)، ((تفسير أبي حيان)) (9/325)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/41)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/14). .
- ولَفظةُ مِنْ شَيْءٍ تَدُلُّ على العُمومِ، وهي بَيانٌ لإبهامِ (ما)، أيْ: أيُّ شَيءٍ اختَلفتُم فيه، والمرادُ -على قولٍ-: مِن أشياءِ الدِّينِ وشُؤونِ اللهِ تعالى [177] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/325)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/41). .
- يَجوزُ أنْ يكونَ قولُه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ مَقولَ قَولٍ مَحذوفٍ يدُلُّ عليه قولُه: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى الآيةَ [الشورى: 7] ، فتكونَ كلامًا مُستأنَفًا؛ لأنَّ الإنذارَ يَقتضي كلامًا مُنذَرًا به. ويجوزُ أنْ تكونَ مُتَّصلةً بجُملةِ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ تَكملةً للكلامِ الموجَّهِ مِن اللهِ، ويكونَ في قولِه: رَبِّي الْتفاتٌ مِن الخِطابِ إلى التَّكلُّمِ، والتَّقديرُ: ذلكم اللهُ ربُّكم، وتكونَ جُملتا عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ مُعترِضتَينِ [178] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/42). .
- والإشارةُ في قولِه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي لِتَمييزِ المشارِ إليه، وهو المفهومُ مِن فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ، وهذا التَّمييزُ لإبطالِ الْتباسِ ماهيَّةِ الإلهيَّةِ والرُّبوبيَّةِ على المشرِكينَ؛ إذ سَمَّوُا الأصنامَ آلهةً وأربابًا. وأُوثِرَ اسمُ الإشارةِ الَّذي يُستعمَلُ للبعيدِ ذَلِكُمُ؛ لِقَصْدِ التَّعظيمِ بالبُعدِ الاعتباريِّ، اللَّازِمِ للسُّمُوِّ وشَرَفِ القَدْرِ، أي: ذلكم اللهُ العظيمُ، ويُتوصَّلُ مِن ذلك إلى تَعظيمِ حُكمِه، فالمعنى: اللهُ العظيمُ في حُكمِه هو ربِّي الَّذي توكَّلتُ عليه، فهو كافِينِي منكم [179] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/42). .
- والإنابةُ: الرُّجوعُ، والمرادُ بها هنا في قولِه: وَإِلَيْهِ أُنِيبُ الكِنايةُ عن تَرْكِ الاعتمادِ على الغيرِ؛ لأنَّ الرُّجوعَ إلى الشَّيءِ يَستلزِمُ عدَمَ وُجودِ المطلوبِ عِندَ غيرِه [180] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/43). .
- وجِيءَ في فِعلِ تَوَكَّلْتُ بصِيغةِ الماضي، وفي فِعلِ أُنِيبُ بصِيغةِ المضارعِ؛ للإشارةِ إلى أنَّ توكُّلَه على اللهِ كان سابقًا مِن قَبلِ أنْ يَظهَرَ له تَنكُّرُ قَومِه له، فقد صادَفَ تَنكُّرُهم منه عبْدًا مُتوكِّلًا على ربِّه، وإذا كان تَوكُّلُه قد سبَقَ تَنكُّرَ قَومِه، فاستِمرارُه بعدَ أنْ كَشَّروا له عن أنيابِ العُدوانِ مُحقَّقٌ. وأمَّا فِعلُ أُنِيبُ فجِيءَ فيه بصِيغةِ المُضارِعِ؛ للإشارةِ إلى تَجدُّدِ الإنابةِ وطلَبِ المغفرةِ، ويُعلَمُ تَحقُّقُها في الماضي بمُقارنتِها لِجُملةِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ؛ لأنَّ المتوكِّلَ مُنيبٌ. ويَجوزُ أن يكونَ ذلك مِن الاحْتِباكِ [181] الاحتِباكُ: هو الحذفُ مِن الأوائلِ لدَلالةِ الأواخِرِ، والحذفُ مِن الأواخرِ لدَلالةِ الأوائلِ، إذا اجتمَع الحَذفانِ معًا، وله في القرآنِ نظائرُ، وهو مِن إبداعاتِ القرآنِ وعناصرِ إعجازِه، وهو مِن ألطفِ الأنواعِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/204)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (1/347). ، والتَّقديرُ: عليه تَوكَّلتُ وأتَوكَّلُ، وإليه أنَبْتُ وأُنيبُ [182] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/24)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/43). .
- وتَقديمُ المُتعَلَّقَينِ في عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ؛ لإفادةِ الاختِصاصِ، أي: لا أتَوكَّلُ إلَّا عليه، ولا أُنيبُ إلَّا إليه [183] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/43). .
2- قولُه تعالى: فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
- قولُه: فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ خَبرٌ ثانٍ عن الضَّميرِ في قولِه تعالى: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الشورى: 9] ، وما بيْنَهما اعتِراضٌ؛ أَعْقَبَ به أنَّه على كلِّ شَيءٍ قديرٌ؛ فإنَّ خلْقَ السَّمواتِ والأرضِ مِن أبرَزِ آثارِ صِفةِ القُدرةِ المنفرِدِ بها [184] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/43). .
- قولُه: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا في مَوضعِ الحالِ مِن ضميرِ فَاطِرُ؛ لأنَّ مضمونَها حالٌ مِن أحوالِ فَطْرِ السَّمواتِ والأرضِ؛ فإنَّ خلْقَ الإنسانِ والأنعامِ مِن أعجَبِ أحوالِ خلْقِ الأرضِ. ويَجوزُ كونُها خَبرًا ثالثًا عن ضَميرِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الشورى: 9] ، والمعنى: قدَّرَ في تَكوينِ نوعِ الإنسانِ أزواجًا لأفرادِه، ولَمَّا كان ذلك التَّقديرُ مُقارِنًا لأصلِ تَكوينِ النَّوعِ، جِيءَ فيه بالفعلِ الماضي [185] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/43، 44). .
- قولُه: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا الخِطابُ في قولِه: لَكُمْ للنَّاسِ كلِّهم، والخِطابُ الْتفاتٌ مِن الغَيبةِ، واللَّامُ للتَّعليلِ، وتَقديمُ لَكُمْ على غيرِه مِن مَعمولاتِ جَعَلَ؛ لِيُعرَفَ أنَّه مَعمولٌ لذلك الفِعلِ، فلا يُتوهَّم أنَّه صِفةٌ لـ أَزْوَاجًا، ولِيكونَ التَّعليلُ به مُلاحَظًا في المعطوفِ بقولِه: وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا [186] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/44). .
- وقولُه: وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا عطفٌ على أَزْوَاجًا الأوَّلِ؛ فهو كمَفعولٍ لـ (جعَلَ)، والتَّقديرُ: وجعَلَ مِن الأنعامِ أزواجًا، أي: جعَلَ منها أزواجًا بعضَها لبعضٍ، وفائدةُ ذِكرِ أزواجِ الأنعامِ دونَ أزواجِ الوَحْشِ: أنَّ في أنواعِ الأنعامِ فائدةً لحياةِ الإنسانِ؛ لأنَّها تَعيشُ معه، ولا تَنفِرُ منه، ويَنتفِعُ بألبانِها وأصوافِها، ولُحومِها ونَسْلِها، وعمَلِها مِن حَمْلٍ وحَرْثٍ؛ فبِجَعْلِها أزواجًا حصَلَ مُعظمُ نفْعِها للإنسانِ [187] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/44). .
- وضَميرُ الخِطابِ في قولِه: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ للمُخاطَبينَ بقولِه: جَعَلَ لَكُمْ، ومُرادُ شُمولِه لجَعْلِ أزواجٍ مِن الأنعامِ المتقدِّمِ ذِكرُه؛ لأنَّ ذِكرَ أزواجِ الأنعامِ لم يكُنْ هَمَلًا؛ بلْ مُرادًا منه زِيادةُ المِنَّةِ؛ فإنَّ ذَرْءَ نَسْلِ الإنسانِ نِعمةٌ للنَّاسِ، وذَرْءَ نَسْلِ الأنعامِ نِعمةٌ أُخرى للنَّاسِ؛ ولذلك اكتَفَى بذِكرِ الأزواجِ في جانبِ الأنعامِ عن ذِكرِ الذَّرءِ؛ إذ لا مَنْفعةَ للنَّاسِ في تَزاوُجِ الأنعامِ سِوى ما يَحصُلُ مِن نَسْلِها، وإذ كان الضَّميرُ ضَميرَ جَماعةِ العقلاءِ، وكان ضَميرَ خِطابٍ، في حينِ أنَّ الأنعامَ ليستْ عُقلاءَ ولا مُخاطَبةً؛ فقد جاء في ذلك الضَّميرِ تَغليبُ العُقلاءِ؛ إذ لم يُذْكَرْ ضَميرٌ صالحٌ للعُقلاءِ وغيرِهم، كأنْ يُقالَ: يَذْراكِ بكسْرِ الكافِ، على تأْويلِ إرادةِ خِطابِ الجَماعةِ، وجاء فيه تَغليبُ الخِطابِ على الغَيبةِ؛ فقد جاء فيه تَغليبانِ، وهو تَغليبٌ دقيقٌ؛ إذ اجتمَعَ في لفظٍ واحدٍ نَوعانِ مِن التَّغليبِ [188] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/212)، ((تفسير البيضاوي)) (5/77، 78)، ((تفسير أبي حيان)) (9/326)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/45). .
- وجِيءَ بالمضارعِ في يَذْرَؤُكُمْ؛ لإفادةِ التَّجدُّدِ، والتَّجدُّدُ أنسَبُ بالامتِنانِ [189] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/45). .
- ولَفظةُ (ذَرَأَ) -والذَّرْءُ: بَثُّ الخَلقِ وتكثيرُه- تَزيدُ على لفظةِ (خَلَقَ) معنًى آخَرَ ليس في (خلَقَ)، وهو تَوالي الطَّبقاتِ على مَرِّ الزَّمانِ [190] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/326)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/45). .
- وحرْفُ (في) مُعبَّرٌ به عن معنى السَّببيَّةِ؛ تَشْبيهًا للسَّببِ بالظَّرفِ في احتوائِه على مُسبَّباتِه؛ كاحتواءِ المنبعِ على مائِه، والمَعدِنِ على تُرابِه، وفيه مُبالَغةٌ لِلْبَثِّ والتَّكثيرِ [191] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/212)، ((تفسير البيضاوي)) (5/78)، ((تفسير أبي حيان)) (9/326)، ((تفسير أبي السعود)) (8/24، 25)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/45). .
- ومَوقعُ هذه الجُملةِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ كالنَّتيجةِ للدَّليلِ؛ فإنَّه لَمَّا قدَّمَ ما هو نِعَمٌ عَظيمةٌ، تَبيَّنَ أنَّ اللهَ لا يُماثِلُه شَيءٌ مِن الأشياءِ في تَدبيرِه وإنعامِه، ومعنى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ: ليس مِثلَه شَيءٌ، فأُقْحِمَت كافُ التَّشبيهِ على (مِثلٍ) وهي بمعناهُ؛ لأنَّ معنى المِثْلِ هو الشَّبيهُ؛ فتَعيَّنَ أنَّ الكافَ مُفيدةٌ تأكيدًا لِمَعنى المِثلِ، وهو مِن التَّأكيدِ اللَّفظيِّ باللَّفظِ المرادِفِ مِن غَيرِ جِنْسِه، وحسَّنَه أنَّ المؤكِّدَ اسمٌ؛ فأشْبَهَ مَدخولَ كافِ التَّشبيهِ المخالِف لمعنى الكافِ، وإذ قد كان المثلُ واقعًا في حيِّزِ النَّفْيِ، فالكافُ تأْكيدٌ لِنَفْيِه، فكأنَّه نَفى المثلَ عنه تعالى بجُملتَينِ؛ تَعليمًا للمسلمينَ كيف يُبطِلون مُماثَلةَ الأصنامِ للهِ تعالى [192] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/213)، ((تفسير البيضاوي)) (5/78)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (14/27)، ((تفسير أبي حيان)) (9/326)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 508، 509)، ((تفسير أبي السعود)) (8/25)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/45 - 47)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/16، 17). .
- قَدَّمَ سُبحانَه نَفْيَ المُماثَلةِ على الإثباتِ مِن أجْلِ أنْ يَرِدَ الإثباتُ على قَلبٍ خالٍ مِن تَوَهُّمِ المُماثَلةِ، ويكونَ الإثباتُ حينَئذٍ على الوَجهِ اللَّائقِ به تعالى، وأنَّه لا يُماثَلُ في صِفاتِه كما لا يُماثَلُ في ذاتِه تعالى [193] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (1/163). .
3- قولُه تعالى: لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
- مَوقِعُ هذه الجُملةِ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... كمَوقعِ الَّتي قبْلَها؛ تَتنزَّلُ مَنزِلةَ النَّتيجةِ لِما تَقدَّمَه؛ لأنَّه إذا ثبَتَ أنَّ اللهَ هو الوليُّ، وما تَضمَّنَتْه الجُمَلُ بعدَها إلى قولِه: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ [الشورى: 11] مِنِ انفِرادِه بالخَلقِ؛ ثبَتَ أنَّه المنفرِدُ بالرِّزقِ [194] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/48). .
- وتقديمُ المجرورِ في قولِه: لَهُ مَقَالِيدُ؛ لإفادةِ الاختصاصِ، أي: هي مِلكُه لا مِلكُ غيرِه [195] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/49). .
- وجُملةُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ مُبيِّنةٌ لِمَضمونِ جُملةِ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وبَسْطُ الرِّزقِ: توسِعتُه، وقَدْرُه: كِنايةٌ عن قِلَّتِه [196] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/25)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/49). .
- وقولُه: إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ استئنافٌ بَيانيٌّ هو كالعِلَّةِ لقولِه: لِمَنْ يَشَاءُ، أي: إنَّ مَشيئتَه جاريةٌ على حسَبِ عِلمِه بما يُناسِبُ أحوالَ المَرزوقينَ مِن بَسْطٍ أو قَدْرٍ. فهذه الجملةُ تعليلٌ لِما قبْلَها، وتَمهيدٌ لِما بعدَها مِن قولِه تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ...، وإيذانٌ بأنَّ ما شرع لهم صادرٌ عن كَمالِ العِلمِ والحِكمةِ [197] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/25)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/49). .