موسوعة التفسير

سورةُ مَريمَ
الآيتان (64-65)

ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ

غريب الكلمات :

نَسِيًّا: أي: ذا نِسيانٍ، أو: تاركًا لك، وأصلُ (نسي): يدلُّ على إغْفالِ الشيءِ، أو تركِه [667] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/584)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/421)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 222، 225). .
وَاصْطَبِرْ: أي: اصبِرْ، أو: اصبِرْ صبرًا عظيمًا، أو: تحمَّلِ الصَّبرَ بجهدِك، ويُقالُ: اصْطَبر: إذا اكتسَب الصبرَ وتعلَّمَه، والاصْطِبارُ [668] قال ابن عاشور: (صيغة الافتعالِ تَرِدُ لِإفادةِ قُوَّةِ الفعلِ). ((تفسير ابن عاشور)) (16/142). : شِدَّةُ الصَّبرِ على الأمرِ الشَّاقِّ، وأصلُ (صبر) هنا: الحبسُ والمنعُ [669] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/329)، ((الوسيط)) للواحدي (3/189)، ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب (ص: 474)، ((عدة الصابرين)) لابن القيم (ص: 15، 16)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/232)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/142). وقال ابنُ القيِّمِ بعدَ أن ذكَر الخلافَ في أصلِ كلمةِ «صبر»: (والتحقيقُ أنَّ في الصبرِ المعانيَ الثلاثةَ: المنعَ، والشِّدَّةَ، والضَّمَّ). ((عدة الصابرين)) (ص: 16). وأصلُ اصْطَبر: (اصتبر)؛ افْتَعل مِن الصبرِ، لكن قُلِبَت التاءُ طاءً. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/142)، ((تفسير ابن عطية)) (5/218). .
سَمِيًّا: أي: مَثيلًا وشَبيهًا ونَظيرًا، فالسميُّ: المُسامي؛ فعيلٌ بمعنَى مُفاعِل، أي: المماثلِ في السموِّ والرفعةِ والشَّرَفِ، وأصلُ (سمو): يدُلُّ على العُلوِّ [670] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 272)، ((تفسير ابن جرير)) (15/585)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/98)، ((المفردات)) للراغب (ص: 429)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/367). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى: قلْ -يا جِبريلُ- لمحمَّدٍ: وما نتنَزَّلُ نحن -الملائِكةَ- من السَّماءِ إلى الأرضِ إلَّا بأمرِ رَبِّك لنا، فلا تَستبطئْ نُزولَنا، لله وحده جميعُ الجهاتِ والأماكنِ، وجميعُ الأزمانِ: الحاضرةِ والماضيةِ والمستقبلةِ، فلا نقدرُ أن ننتقلَ مِن جهةٍ إلى جهةٍ، أو في زمانٍ دونَ زمانٍ إلَّا بأمرِ ربِّك ومشيئتِه، وما كان ربُّك ناسيًا لشيءٍ مِن الأشياءِ؛ فهو رَبُّ السَّمواتِ والأرضِ وما بينهما، ومالِكُ ذلك كُلِّه وخالِقُه ومُدَبِّرُه، فاعبُدْه وَحدَه -يا محمَّدُ- واصطَبِرْ على طاعتِه؛ لأنَّه ليس كمِثلِه شَيءٌ في ذاتِه وأسمائِه وصفاتِه وأفعالِه سُبحانَه؛ فيَستَحِقَّ أن يُعبَدَ مِثلَ اللهِ، وأن يُسمَّى بما يختصُّ به اللهُ مِن الأسماءِ الحُسنى.

تفسير الآيتين:

وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
بعد أن ذكَرَ قَصَص الأنبياءِ عليهم السَّلامُ؛ تثبيتًا له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأعقَبَه بذِكرِ ما أحدَثَه الخَلْفُ بَعدَهم، وذكَرَ جزاءَ الفَريقينِ؛ أعقَبَ ذلك بقَصَصِ تأخُّرِ نُزولِ جِبريلَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ إذ زعم المُشرِكونَ أنَّ اللهَ ودَّعَه وقلاه، وقد ردَّ عليهم زعْمَهم وأبان لهم أنَّ الأمرَ على غيرِ ما زَعَموا [671] يُنظر: ((تفسير المراغي)) (16/70). .
وأيضًا لَمَّا كَشَفَت هذه السُّورةُ عن هذه القِصَصِ الغَريبةِ، وكان المتعَنِّتونَ ربَّما قالوا: نريدُ أن يخبِرَنا هذا الذي يَنزِلُ عليك بجَميعِ أنباءِ الأقدَمينَ، وأخبارِ الماضِينَ؛ كان جوابًا عن ذلك أن قيلَ: ما أُنزِلْنا عليك بأخبارِ هؤلاء إلَّا بأمرِ رَبِّك، وما نتنزَّلُ فيما يأتي أيضًا إلَّا بأمرِ ربِّك [672] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/230). قال ابن عاشور: (لا شكَّ أَنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ ذلك لجبريلَ عليه السَّلامُ [أي: ألا تزورُنا أكثرَ مِمَّا تزورُنا] عندَ انتهاءِ قَصصِ الأنبياءِ في هذه السُّورةِ، فأُثْبِتت الآيةُ في الموضعِ الَّذي بَلَغ إليه نزولُ القرآنِ). ((تفسير ابن عاشور)) (16/139). وقال أيضًا: (يَندُرُ أن يكونَ مَوقِعُ الآيةِ عَقِبَ التي قَبلَها؛ لأجلِ نُزولِها عَقِبَ التي قَبلَها من سورةٍ هي بصدَدِ النُّزولِ، فيُؤمَرَ النبيُّ بأن يقرأَها عَقِبَ التي قبلَها، وهذا كقَولِه تعالى: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ عَقِبَ قَولِه: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا في سورة مريم؛ فقد رُويَ أنَّ جبريلَ لَبِثَ أيامًا لم يَنزِلْ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بوَحيٍ، فلمَّا نزل بالآياتِ السَّابقةِ عاتَبَه النبيُّ، فأمر اللهُ جبريلَ أن يقولَ: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ؛ فكانت وحيًا نزل به جبريلُ، فقُرِئَ مع الآيةِ التي نزل بأثَرِها). ((تفسير ابن عاشور)) (1/80). .
سببُ النُّزولِ:
عن ابنِ عَبَّاسٍ رضِيَ الله عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يا جِبريلُ، ما يمنَعُك أن تَزورَنا أكثَرَ مِمَّا تَزورُنا؟ فنزلت: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا إلى آخِرِ الآية، قال: كان هذا الجوابُ لمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [673] رواه البخاري (7455). قال الواحدي: (المفسِّرون كلُّهم في سببِ نزولِ هذه الآيةِ على هذا). ((البسيط)) (14/279). .
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ.
أي: قُلْ -يا جبريلُ- لمحمَّدٍ: وما ننْزِلُ نحن -الملائِكةَ- من السَّماءِ إلَّا بأمرِ رَبِّك لنا بالنُّزولِ متى شاء؛ فنحن عبيدٌ مأمورونَ، ليس لنا مِن الأمرِ شَيءٌ، فلا تَستبطئْ نُزولَنا يا محمَّدُ [674] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/584)، ((تفسير القاسمي)) (7/107)، ((تفسير السعدي)) (ص: 497)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/139، 140). قال الشوكاني: (قَولُه: وَمَا نَتَنَزَّلُ أي: قال الله سُبحانَه: قُلْ -يا جبريلُ-: وما نتنَزَّلُ... وقيل: إنَّ هذا حكايةٌ عن أهلِ الجنَّةِ، وإنَّهم يقولونَ عند دخولِها: وما نتنزَّلُ هذه الجِنانَ إلَّا بأمرِ رَبِّك. والأوَّلُ أَولى؛ بدَلالةِ ما قَبلَه، ومعناه يحتَمِلُ وَجهَينِ: الأولُ: وما نتنزَّلُ عليك إلَّا بأمرِ رَبِّك لنا بالتنَزُّلِ. والثاني: وما نتنَزَّلُ عليك إلَّا بأمرِ رَبِّك الذي يأمُرُك به بما شَرَعه لك ولأمَّتِك). ((تفسير الشوكاني)) (3/404). قال ابنُ حجرٍ: (تنبيهٌ: الأمرُ في هذه الآيةِ معناه الإذنُ؛ بدليلِ سببِ النزولِ المذكورِ، ويحتمِلُ الحكمَ، أي: نتنزلُ مصاحبينَ لأمرِ الله عبادَه بما أوجَب عليهم، أو حرَّم، ويحتمِلُ أن يكونَ المرادُ ما هو أعمُّ مِن ذلك، عندَ مَن يجيزُ حملَ اللفظِ على جميعِ معانيه). ((فتح الباري)) (8/429). .
كما قال تعالى: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء: 27].
لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ.
أي: لله وحدَه [675] والمرادُ أنه تعالى المالكُ لكلِّ ذلك. وقيل: المراد: له علمُ ما بينَ أيدينا... إلخ، أي: فلا نُقدِمُ على ما لم يكنْ موافقَ حكمتِه سبحانَه وتعالى. واختار بعضُهم التعميمَ، أي: له سبحانه ذلك ملكًا وعلمًا. يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (8/431). جميعُ الجهاتِ والأماكنِ، وجميعُ الأزمانِ: الحاضرةِ والماضيةِ والمستقبلةِ، فلا نقدرُ أن ننتقلَ مِن جهةٍ إلى جهةٍ، أو في زمانٍ دونَ زمانٍ إلَّا بأمرِ ربِّك ومشيئتِه [676] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/15)، ((تفسير أبي السعود)) (5/273)، ((تفسير السعدي)) (ص: 498). اختُلِف في تفسيرِ هذه الآيةِ على أقوالٍ؛ منها: أنَّ معنى مَا بَيْنَ أَيْدِينَا أي: ما يأتي مِن أمورِ الآخرةِ. ومعنى وَمَا خَلْفَنَا أي: ما مضَى مِن الدنيا. ومعنى وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ أي: ما بينَ وقتِنا هذا إلى يومِ القيامةِ. وممن اختار هذا القولَ: ابنُ جريرٍ، والزجَّاجُ، ومكي، والواحدي، وجلال الدين المحلي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/583، 584)، ((معاني القرآن)) للزجاج (3/337)، ((الهداية)) لمكي (7/4568)، ((البسيط)) للواحدي (14/279)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 403). وممن قال مِن السلفِ أنَّ قولَه تعالى: مَا بَيْنَ أَيْدِينَا: الآخرةُ، وَمَا خَلْفَنَا: الدنيا: ابنُ عبَّاسٍ، وعكرمةُ، وقتادةُ، والضحَّاكُ، وسعيدُ بنُ جبيرٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/582)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (7/2414)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/140). وممن قال مِن السلفِ أنَّ قولَه تعالى: وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ أي: ما بينَ الدنيا والآخرةِ: سعيدُ بنُ جبيرٍ، وقتادةُ في روايةٍ عنه. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/582)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/140). وممن اختار هذا القولَ أيضًا مِن المفسرينَ: مقاتلُ بنُ سليمانَ، والفرَّاءُ، والسمرقندي، والعُليمي، لكن قالوا: معنى وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ أي: ما بينَ النفختينِ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/633)، ((معاني القرآن)) للفراء (2/170)، ((تفسير السمرقندي)) (2/381)، ((تفسير العُليمي)) (4/265). وممن قال مِن السلفِ أنَّ قولَه تعالى: وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ما بينَ النفختينِ: مجاهدٌ، وعكرمةُ، وقتادةُ -في روايةٍ عنه-، وأبو العاليةِ، والربيعُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/582)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/140). واعترض الواحديُّ على هذا القولِ بأنَّه لم يَجْرِ للنفختينِ ذِكرٌ حتَّى يُشارَ إليه. ((البسيط)) (14/281). وقال ابنُ عطية: (وقال ابنُ عباسٍ وقتادةُ فيما رُوي -وما أراه صحيحًا عنهما-: «ما بينَ الأيدي»: هي الآخرةُ، و«ما خلف»: هو الدنيا، وهذا مختلُّ المعنى إلَّا على التشبيهِ بالمكانِ؛ لأن ما بينَ اليدِ إنَّما هو ما تقدَّم وجودُه في الزمنِ بمثابةِ التوراةِ والإنجيلِ مِن القرآنِ). ((تفسير ابن عطية)) (4/24). وقيل: معنى الآيةِ: له ما قدَّامنا وما خلفَنا، وما نحن فيه مِن الجهاتِ والأماكنِ، فليس لنا الانتقالُ مِن مكانٍ إلى مكانٍ إلَّا بأمرِ الله، وممن اختار هذا القولَ: الزمخشريُّ، والنسفي، وابنُ جزي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/29)، ((تفسير النسفي)) (2/344)، ((تفسير ابن جزي)) (1/483). قال ابن عطية: (الآيةُ إنَّما المقصدُ بها الإشعارُ بملكِ الله تعالى للملائكةِ، وأنَّ قليلَ تصرفِهم وكثيرَه إنَّما هو بأمرِه، وانتقالهَم مِن مكانٍ إلى مكانٍ، إنَّما هو بحكمتِه؛ إذ الأمكنةُ له، وهم له، فلو ذهب بالآيةِ إلى أنَّ المرادَ بـ «ما بينَ الأيدي وما خلف» الأمكنةُ التي فيها تصرفُّهم، والمرادُ بـ «ما بينَ ذلك» هم أنفسُهم ومقاماتُهم لكان وجهًا، كأنَّه قال: نحن مقيدون بالقدرةِ، لا ننتقلُ ولا نتنزلُ إلا بأمرِ ربِّك). ((تفسير ابن عطية)) (4/24). واختار بعضُ المفسرين تفسيرَ الآيةِ بما يعمُّ الزمانَ والمكانَ، ومنهم: البيضاوي، والبقاعي، وأبو السعود، وابنُ عجيبة، والسعدي. يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/15)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/230)، ((تفسير أبي السعود)) (5/273)، ((تفسير ابن عجيبة)) (3/349)، ((تفسير السعدي)) (ص: 498). قال البقاعي: (لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا أي: مِن المكانِ والزمانِ، وما فيهما، وَمَا خَلْفَنَا مِن ذلك وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وهو نحن والمكانُ والزمانُ اللذان نحن بهما، وما فوقَه وتحتَه، ونحن نعلمُ ذلك، ونعملُ على حسبِ ما نعلمُ، فلا نتصرَّفُ في ملكِه إلَّا بأمرِه). ((نظم الدرر)) (12/230). وذهب ابنُ عاشور إلى ما هو أعمُّ مِن ذلك، فقال: (المرادُ بـ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ما هو أمامَنا، وبـ وَمَا خَلْفَنَا: ما هو وراءَنا، وبـ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ: ما كان عن أيمانِهم وعن شمائلِهم؛ لأنَّ ما كان عن اليمينِ وعن الشمالِ هو بينَ الأمامِ والخلفِ. والمقصودُ استيعابُ الجهاتِ. ولما كان ذلك مخبَرًا عنه بأنَّه ملكٌ لله؛ تعيَّن أن يُرادَ به الكائناتُ التي في تلك الجهاتِ، ... فيعمُّ جميعَ الكائناتِ، ويستتبعُ عمومَ أحوالِها وتصرفاتِها، مثلَ التنزلِ بالوحيِ. ويستتبعُ عمومَ الأزمانِ: المستقبلَ والماضي والحالَ). ((تفسير ابن عاشور)) (16/140). قال الشوكاني: (وعلى هذه الأقوالِ كلِّها يكونُ المعنى: أنَّ الله سبحانَه هو المحيطُ بكلِّ شيءٍ، لا يخفَى عليه خافيةٌ، ولا يَعزُبُ عن علمِه مثقالُ ذرَّةٍ، فلا نُقدِمُ على أمرٍ إلا بإذنِه). ((تفسير الشوكاني)) (3/404). ويُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/29). .
وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا.
أي: ولم يكُنْ رَبُّك -يا محمَّدُ- ذا نسيانٍ لشَيءٍ مِن الأشياءِ، فإنْ تأخَّرَ نزولُنا إليك، فليس عن نِسيانٍ منه، وإنَّما اقتضت حكمتُه ذلك، ولم يكن ربُّك لينساك ويُهمِلَك، بل لم يَزَلْ مُعتَنيًا بك؛ فلا تحزَنْ إن تأخَّرَ نزولُنا، واعلَمْ أنَّ اللهَ أراد ذلك [677] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/584)، ((تفسير القرطبي)) (11/130)، ((عمدة الحفاظ)) للسمين الحلبي (4/174)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/230)، ((تفسير أبي السعود)) (5/273)، ((تفسير السعدي)) (ص: 498). .
كما قال تعالى: لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى [طه: 52] .
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا وُصِفَ اللهُ سبحانه وتعالى بنفوذِ الأمرِ، واتِّساعِ العِلمِ على وجهٍ ثبَت به ما أخبَرَ به عن الجنة، فثبَت أمرُ البعث؛ أتبع ذلك ما يُقَرِّرُه على وجهٍ أصرحَ منه وأعمَّ، فقال [678] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (١٢/٢٣١-232). :
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا.
أي: خالِقُ السَّمواتِ والأرضِ ومالِكُهما وما بينَهما مِن الخَلقِ، ومُدَبِّرُ ذلك كلِّه، فلو كان نَسِيًّا لم يستَقِم الوُجودُ، ولاضطربَ نظامُ الحياةِ، وهلكَت المخلوقاتُ [679] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/585)، ((البسيط)) للواحدي (14/282)، ((تفسير القرطبي)) (11/130)، ((تفسير ابن كثير)) (5/250). .
فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ .
أي: فاعبُدْ رَبَّك وَحدَه مُخلِصًا له، واصبِرْ صَبرًا عظيمًا بغايةِ جُهدِك على العَمَلِ بطاعتِه [680] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/585)، ((البسيط)) للواحدي (14/282)، ((تفسير القرطبي)) (11/130)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/232)، ((تفسير السعدي)) (ص: 498). .
هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا.
أي: أمَرْناك بعبادةِ اللهِ والاصطبارِ عليها؛ لأنَّه لا مثيلَ ولا شبيهَ له في صِفاتِه وأسمائِه؛ فيستحقَّ أن يُعبَدَ مِثلَ اللهِ، وأن يُسمَّى بما يختصُّ به اللهُ مِن الأسماءِ الحُسنى [681] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/585)، ((تفسير القرطبي)) (11/130)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (6/516)، ((تفسير ابن كثير)) (5/250)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/232)، ((تفسير السعدي)) (ص: 498)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/143). قال ابن تيمية: (فلا أحدَ يُساميه، ولا يستحِقُّ أن يُسمَّى بما يختَصُّ به من الأسماءِ، ولا يساويه في معنى شيءٍ مِن الأسماء، لا في معنى الحيِّ ولا العليمِ ولا القديرِ، ولا غيرِ ذلك من الأسماء، ولا في معنى الذات والموجودِ ونحو ذلك من الأسماء العامَّة، ولا يكونُ إلهًا ولا ربًّا ولا خالقًا). ((مجموع الفتاوى)) (27/366). .
كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] .
وقال سُبحانَه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4] .

الفوائد التربوية:

في قوله تعالى: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ دليلٌ على أنَّ العبادةَ لا تخلو مِن مشقةٍ، والمؤمنُ مأمورٌ بالصَّبرِ عليها؛ إذ اسمُ الصبرِ لا يكونُ إلَّا مَقرونًا بالكَراهةِ والصُّعوبةِ [682] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (2/258). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ فيه سؤالٌ: وهو أنَّ قَولَه: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا كلامُ اللهِ، وقَولَه هنا: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ كلامُ غَيرِ اللهِ، فكيف جاز عَطْفُ هذا على ما قَبلَه مِن غيرِ فَصلٍ؟
الجواب: أنَّه إذا كانت القرينةُ ظاهِرةً لم يَقبُحْ، كما أنَّ قَولَه سُبحانَه: إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [مريم: 35] هو كلامُ اللهِ، وقولُه: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ [مريم: 36] كلامُ غيرِ اللهِ، وأحَدُهما معطوفٌ على الآخَرِ [683] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (٢١/٥٥4). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ استُدِلَّ به على أنَّ الأزمنةَ ثَلاثةٌ: مُستقبَلٌ وماضٍ وحالٌ، خِلافًا لِمَن نفى الحالَ [684] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:١٧٤). ، وهذا على القولِ بأنَّ الآيةَ في الأزمنةِ.
3- قَولُ اللهِ تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة: 67] ، وقولُه: وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه: 126] ، وقَولُه: وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [الجاثية: 34] ؛ لا يُعارِضُ قولَه تعالى: لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى [طه: 52] ، وقَولَه: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا؛ لأنَّ معنى: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ [الأعراف: 51] ونحوِه، أي: نتركُهم في العذابِ محرومينَ مِن كُلِّ خَيرٍ، واللهُ تعالى أعلَمُ [685] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب)) للشنقيطي (ص: 102). .
4- اجتمَعَت في قولِه تعالى: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا أقسامُ التَّوحيدِ الثَّلاثةُ: توحيدُ الربوبيَّة، وتوحيدُ الألوهيَّة، وتوحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ [686] يُنظر: ((القول المفيد على كتاب التوحيد)) لابن عثيمين (1/12). ؛ فالربوبيةُ في قولِه: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، والألوهيةُ في قولِه: فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ، والأسماءُ والصفاتُ في قولِه: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا.
5- نهانا الله تعالى أن نَضرِبَ له المثَلَ، فقال: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 74] ، وأخبَرَنا -عزَّ وجَلَّ- أنَّه لا مِثلَ له، فقال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وقال تعالى: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا وبهذه الآياتِ يتبيَّنُ أنَّه لا يحِلُّ لنا أن نُمَثِّلَ صفاتِ اللهِ عزَّ وجَلَّ [687] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (26/37). .
6- قال الله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا يستفادُ منه أنَّ النكرةَ في سياقِ الاستفهامِ تَعُمُّ [688] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (4/2). .
7- في قَولِه تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا الاستفهامُ للنفيِ، وإذا كان الاستفهامُ بمعني النفيِ كان مُشرَبًا معنى التحَدِّي، يعني: إنْ كنتَ صادِقًا فأخبِرْنا: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [689] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) لابن عثيمين (1/352). ؟
8- قال ابنُ عقيلِ: (كُلُّ ما انفردَ بِه اللهُ عزَّ وجلَّ، كـ «اللَّه» و«رحمن» و«خالق» لا يجوزُ التَّسمِّي به، وكلُّ ما وُجِدَ معنَاهُ في الآدَمِي: فإنْ كانَ يوجدُ تكبرًا، كالملكِ العظيم والأعظم، وملكِ الملوكِ، والجبارِ؛ فمكروهٌ، والصوابُ الجزمُ بتحريمِه، فأمَّا مَا يتسمَّى بِه المخلوقونَ مِنْ أسمائِهِ، كالسميع والبصيرِ، والقديرِ والعليم والرحيم، فإنَّ الإضافةَ قاطِعةٌ الشَّرِكةَ، وكذلك الوصفيةُ، فقولنا: زيدٌ سميعٌ بصيرٌ لا يُفيدُ إلا صفةَ المخلوقِ، وقولُنا: اللَّهُ سميعٌ بصيرٌ يفيدُ صفتَه اللائقةَ بِه، فانقطعتْ المشابهةُ بوجْهٍ من الوجوهِ؛ ولهذا قالَ تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [690] يُنظر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (2/550). .

بلاغة الآيتين:

1- قوله تعالى: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا
- قولُه: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا في إعادةِ اسمِ الرَّبِّ المُعرِبِ عن التَّبليغِ إلى الكَمالِ اللَّائقِ، مضافًا إلى ضَميرِه عليه السَّلامُ: من تَشريفِه، والإشعارِ بعلَّةِ الحُكمِ ما لا يَخْفَى [691] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/273). .
- ونَسِيًّا صِيغَةُ مُبالغةٍ من: نَسِيَ، أي: كثيرَ النِّسيانِ أو شديدَه، والمقصودُ: صرْفُ المُبالغةِ إلى جانبِ نسبةِ نفْيِ النِّسيانِ عنِ اللهِ تعالى، أي: تَحقيقُ نفْيِ النِّسيانِ؛ فهو هنا كِنايةٌ عن إحاطةِ علْمِ اللهِ [692] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/140-141). ، وبيانٌ لاستحالةِ النِّسيانِ عليه تعالى [693] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/273). .
2- قولُه تعالى: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا جُملةٌ مُستأنفةٌ مِن كلامِ اللهِ تعالى، كما يَقْتضيه قولُه: فَاعْبُدْهُ ...؛ ذيَّلَ بهِ الكلامَ الَّذي لَقَّنَه جبريلَ المُتضمِّنَ: أنَّ الملائكةَ لا يتصرَّفون إلَّا عن إذْنِ ربِّهم، وأنَّ أحوالَهم كلَّها في قبضَتِه بما يفيدُ عُمومَ تصرُّفِه تعالى في سائرِ الكائناتِ، ثمَّ فرَّعَ عليه أمْرَ الرَّسولِ عليه السَّلامُ بعبادتِه، فقدِ انتقَلَ الخطابُ إليه [694] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/141-142). ، وهي بَيانٌ لاستحالةِ النِّسيانِ عليه تعالى؛ فإنَّ مَن بيَدِه ملكوتُ السَّمواتِ والأرضِ وما بينهما كيف يُتصوَّرُ أنْ يحومَ حولَ ساحةِ سُبحانه الغفلةُ والنِّسيانُ [695] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/273). ؟!
وقيل: قولُه: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا تعليلٌ لإحاطةِ عِلمِه، وعدمِ نِسيانِه؛ فربوبيتُه للسَّمواتِ والأرضِ، وكونُهما على أحسَنِ نِظامٍ وأكمَلِه، ليس فيه غفلةٌ ولا إهمالٌ، ولا سُدى، ولا باطلٌ؛ برهانٌ قاطع على عِلمِه الشاملِ [696] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 498). .
- والفاءُ في قولِه تعالى: فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ لترتيبِ ما بعْدَها من مُوجبِ الأمْرينِ على ما قبْلَها، من كونِه تعالى ربَّ السَّمواتِ والأرضِ وما بينهما، ويحصُلُ منه التَّخلُّصُ إلى التَّنويهِ بالتَّوحيدِ، وتَفظيعِ الإشراكِ [697] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/274)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/142). . وقيل: من كونِه تعالى غيرَ تاركٍ له عليه السَّلامُ، أو غيرَ ناسٍ لأعمالِ العاملينَ [698] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/274). .
- وفي قولِه: وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ عُدِّيَ (اصْطَبِرْ) باللَّامِ -ولم يُعَدَّ بـ (على) الَّتي هي صِلَتُه، كقولِه تعالى: وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه: 132] -؛ لتَضمينِه معنى الثَّباتِ، أي: اثبُتْ للعبادةِ؛ لأنَّ العبادةَ مَراتبُ كثيرةٌ من مُجاهدةِ النَّفسِ، وقد يغلِبُ بعضُها بعضَ النُّفوسِ، فتَستطيعُ الصَّبرَ على بعضِ العباداتِ دونَ بعضٍ [699] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/30)، ((تفسير البيضاوي)) (4/15)، ((تفسير أبي حيان)) (7/283)، ((تفسير أبي السعود)) (5/274)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/142). .
- وجُملةُ: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا واقعةٌ موقعَ التَّعليلِ للأمْرِ بعِبادتِه، والاصطبارِ عليها، والاستفهامُ إنكاريٌّ، أي: لا مُسامِيَ للهِ تعالى، أي: ليس مَن يُساميه -أي: يُضاهيه- موجودًا. وانتفاءُ تَسميةِ غيرِه من الموجوداتِ المُعظَّمةِ باسْمِه: كِنايةٌ عن اعترافِ النَّاسِ بأنْ لا مُماثِلَ له في صِفَةِ الخالقيَّةِ؛ لأنَّ المُشرِكين لم يَجتَرِئوا على أنْ يَدَّعوا لآلهتِهم الخالقيَّةَ، وبذلك يتِمُّ كونُ الجُملةِ تعليلًا للأمْرِ بإفرادِه بالعبادةِ على هذا الوجْهِ أيضًا، وقد كُنِّيَ بانتفاءِ العلْمِ بسَمِيِّه عن انتفاءِ وُجودِ سَمِيٍّ له؛ لأنَّ العلمَ يَستلزِمُ وُجودَ المعلومِ، وإذا انتفَى مُماثِلُه انتفَى مَن يَستحِقُّ العبادةَ غيرَه [700] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/143-144). . فالمُرادُ بإنكارِ العلْمِ ونفْيِه: إنكارُ المعلومِ ونفْيُه على أبلَغِ وجْهٍ وآكدِه؛ فالجُملةُ تقريرٌ لِما أفادهُ الفاءُ مِن عِلِّيةِ رُبوبيَّتِه العامَّةِ لوُجوبِ عبادتِه، بل لوُجوبِ تَخصيصِها به تعالى؛ ببَيانِ استقلالِه عَزَّ وجَلَّ بذلك الاسمِ، وانتفاءِ إطلاقِه على الغيرِ بالكُلِّيةِ حقًّا أو باطلًا [701] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/31)، ((تفسير البيضاوي)) (4/15)، ((تفسير أبي السعود)) (5/274). .