موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


1- الآياتُ الوارِدةُ في ذَمِّ البُخلِ:
البُخلُ خُلُقٌ مكروهٌ ذَمَّه اللُه تبارك وتعالى في غيِر آيةٍ مِن كتابِه الكريمِ، وتوعَّد أصحابَه بوعيدٍ شديدٍ، وعُقوباتٍ تَلحَقُهم في الدُّنيا والآخِرةِ، وسنذكُرُ بعضًا من تلك الآياتِ الكريمةِ.
- قال اللهُ تبارك وتعالى: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران: 180] .
(أي: ولا يَظُنَّ الذين يَبخَلون، أي: يمنَعون ما عندَهم ممَّا آتاهم اللهُ من فَضلِه، من المالِ والجاهِ والعِلمِ، وغيرِ ذلك ممَّا منحَهم اللهُ، وأحسَنَ إليهم به، وأمَرَهم ببذلِ ما لا يَضُرُّهم منه لعبادِه، فبَخِلوا بذلك، وأمسَكوه، وضَنُّوا به على عبادِ اللهِ، وظنُّوا أنَّه خيرٌ لهم، بل هو شرٌّ لهم في دينِهم ودُنياهم، وعاجِلِهم وآجِلِهم سُيَطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 180] أي: يُجعَلُ ما بَخِلوا به طوقًا في أعناقِهم، يُعَذَّبون به) [1023] يُنظَر: ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (158). .
- وقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء: 36-37] .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (قد تُؤُوِّلَت في البُخلِ بالمالِ والمنعِ، والبُخلِ بالعِلمِ ونحوِه، وهي تَعُمُّ البُخلَ بكُلِّ ما ينفَعُ في الدِّينِ والدُّنيا من عِلمٍ ومالٍ وغيرِ ذلك) [1024] يُنظَر: ((مجموع الفتاوى)) (14/212). .
فـ (المرادُ بالبُخلِ في الآيةِ البُخلُ بالإحسانِ الذي أمَرَ به فيما تقدَّم، فيَشمَلُ البُخلَ بلِينِ الكلامِ، وإلقاءِ السَّلامِ، والنُّصحِ في التَّعليمِ، وإنقاذِ المُشرِفِ على التَّهلُكةِ، وكتمانُ ما آتاهم اللهُ من فضلِه يشمَلُ كِتمانَ المالِ، وكِتمانَ العِلمِ) [1025] يُنظَر: ((تفسير المراغي)) (5/38). .
- وقال تعالى:الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحديد: 24] .
(أي: يجمَعون بَيْنَ الأمرينِ الذَّميمَينِ، اللَّذَينِ كُلٌّ منهما كافٍ في الشَّرِّ: البُخلُ: وهو مَنعُ الحُقوقِ الواجبةِ، ويأمُرون النَّاسَ بذلك، فلم يَكْفِهم بُخلُهم، حتى أمروا النَّاسَ بذلك، وحثُّوهم على هذا الخُلُقِ الذَّميمِ بقولِهم وفِعلِهم، وهذا من إعراضِهم عن طاعةِ رَبِّهم، وتولِّيهم عنها ...) [1026] يُنظَر: ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 842). .
- وقد بَيَّنَ القرآنُ الكريمُ سوءَ عاقبةِ البُخلِ في آياتٍ عِدَّةٍ، كما قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى  [الليل: 8-11] .
وقال تعالى: هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد: 38] .
2- الآياتُ الواردةُ في ذمِّ الشُّحِّ:
1- قال تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النَّساء: 128] .
قال السَّعدي: (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ أي: (جُبِلت النُّفوسُ على الشُّحِّ، وهو: عدَمُ الرَّغبةِ في بذلِ ما على الإنسانِ، والحِرصُ على الحَقِّ الذي له؛ فالنُّفوسُ مجبولةٌ على ذلك طبعًا، أي: فينبغي لكم أن تحرِصوا على قَلعِ هذا الخلُقِ الدَّنيءِ من نفوسِكم، وتستبدِلوا به ضِدَّه، وهو السَّماحةُ، وهو بَذلُ الحَقِّ الذي عليك، والاقتناعُ ببعضِ الحَقِّ الذي لك، فمتى وُفِّق الإنسانُ لهذا الخُلُقِ الحسَنِ سَهُل حينئذٍ عليه الصُّلحُ بَينَه وبينَ خَصمِه ومُعامِلِه، وتسهَّلت الطَّريقُ للوصولِ إلى المطلوبِ، بخلافِ مَن لم يجتَهِدْ في إزالةِ الشُّحِّ من نفسِه؛ فإنَّه يَعسُرُ عليه الصُّلحُ والموافقةُ؛ لأنَّه لا يُرضيه إلَّا جميعُ مالِه، ولا يرضى أن يؤدِّيَ ما عليه، فإن كان خَصمُه مثلَه اشتَدَّ الأمرُ) [1027] يُنظَر: ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 206). .
2- وقال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] .
قال ابنُ كثيرٍ: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] ، أي: من سَلِم من الشُّحِّ فقد أفلَح وأنجَح) [1028] يُنظَر: ((تفسير القرآن العظيم)) (8/71). .
وقال السَّعديُّ: (مَن رُزِق الإيثارَ فقد وُقِيَ شُحَّ نَفسِه وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] ، ووقايةُ شُحِّ النَّفسِ يَشمَلُ وقايتَها الشُّحَّ في جميعِ ما أمَر به، فإنَّه إذا وقِيَ العبدُ شُحَّ نفسِه سمَحَت نفسُه بأوامرِ اللهِ ورَسولِه، ففعَلها طائعًا منقادًا، منشَرِحًا بها صدرُه، وسمَحت نفسُه بتركِ ما نهى اللهُ عنه، وإن كان محبوبًا للنَّفسِ تدعو إليه، وتطَّلِعُ إليه، وسمَحَت نفسُه ببذلِ الأموالِ في سبيلِ اللهِ وابتغاءَ مرضاتِه، وبذلك يحصُلُ الفلاحُ والفوزُ، بخِلافِ مَن لم يُوقَ شُحَّ نفسِه، بل ابتُليَ بالشُّحِّ بالخيرِ، الذي هو أصلُ الشَّرِّ ومادَّتُه) [1029] يُنظَر: ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 850). .

انظر أيضا: